( تابع الجزء الثامن)
عادت أمل إلى بيتها بعد أن قطعت وعدا ل " فرح " أن تتجاهل خالد نهائيا ، ولا تكلمه أبدا ، وتوجهت الى غرفتها مباشرة دون أن تمر بوالدتها لتحييها وتخبرها بعودتها ، وارتدت ملابس النوم وتدثرت بأغطيتها وأجبرت نفسها على النوم ودموعها تسيل على وجنتيها ، فدخلت عليها والدتها وقالت : أمولة حبيبتي انتي اهني وانا أحاتيج أشفيج يما عسى ماشر؟ فقالت أمل بصوت متحشرج: لا ماشر مافيني شي يما بس تعبانه شوي وابي انام " فقالت لها أمها : اسم الله عليج يا ابنيتي اشفيج؟ خل أقرا عليج " وقامت والدتها بالقراءة عليها والمسح على رأسها و جسدها والنفث عليها ، فشعرت أمل بالاطمئنان قليلا وذهبت في النوم.
عندما صحت أمل من النوم إلتفتت إلى هاتفها الملقى بجوارها على الطاولة ، فمدت يدها لترى من عساه إتصل عليها أو بعث برساله وكانت بالتأكيد تقصد خالد وتتوقع إتصاله ، وصدقت توقعاتها ووجدت عدد 3 مكالمات لم يرد عليها اثنتان لخالد وواحده من صديقتها فرح ، ورسالتين شدها فضولها أن تكتشف محتواهما ، ففتحت الرسالة الأولى فكانت : " عزيزي المتصل حتى تتمكن من مواصلة الاستفادة من خدماتنا ، يرجى سداد كافة الفواتير المستحقه عليكم، وشكرا " والمسج الأخرى هي نفسها ولكن باللغة الإنجليزيه " فودت لو تضرب هاتفها بالحائط من شدة غضبها ،فلو عرفت شركة الإتصالات مدى ضيقها وترقبها لأي رسالة منه لما أرسلت هذه الرسائل الفارغه ، خاصة وانها لا تتأخر أبدا في سداد فواتيرها ،.
فكرت أمل أن تتصل بخالد وتسأله عما رأته ، ولكنها خشت أن ينكر ما حصل أو يجرحها بالإضافة الى الوعد الذي قطعته لصديقتها "فرح" ،ولكن ماذا تعلم فرح؟ وكيف تدينه وهي لا تعرفه جيدا؟ قد يكون بريئا ! وقد تكون المرأة إحدى قريباته هذا ما قالته أمل في نفسها وعزمت أن تستفسر من خالد عما رأته وتمنت أن يكون لديه تفسيرا مقنعا لكل ما رأته .
إتصلت أمل بخالد فأجابها ورحب بها ، فقالت له : خالد أنا أبي أكلمك ابموضوع ، فقال لها : يا ساتر ، خير إن شاءالله ؟ فقالت له : خالد انت أمس وين كنت ؟ فقال لها : كنت بالدوانيه مع الربع ، فكررت سؤالها بطريقة أخرى : " انت وين كنت أمس الساعه ست ونص؟ فقال لها : أمس انا ما طلعت الا للدوانيه ليش؟ فقالت له : يعني انت ما كنت أمس في المجمع الفلاني الساعه الفلانيه ؟انا شفتك على فكره وكنت قاعد مع وحده ! فارتبك خالد وقال : اي صح كنت البارحه اهناك " فقالت له : " ليش أنكرت في البدايه وما قلت الصج؟ فقال لها : اتصدقين راح عن بالي موليه" فسألته: آها راح عن بالك؟ إنزين ممكن أعرف منو كانت معاك؟
فقال لها: هذي وحده من الأهل شفتها في المجمع بالصدفه وعزمتها على قهوه .
فقالت أمل : ممكن أعرف منو اهيا وشسمها وشتصيرلك؟
فأجابها : لا مو ممكن وانتي شنو يهمج اتعرفين وحده من أهلي وخلاص "
حاولت أمل أن تتمالك أعصابها بقدر الإمكان فلقد كان واضحا عليه أنه يكذب ولا يردي الافصاح عن شخصية المرأه التي كانت برفقته ، فسألته: انا اتقوللي شنو يهمج ؟ ليش انا مالي قدر عندك ، مايحقلي أغار عليك وأسأل ؟
فقال لها : مو عن أمل بس مو كل شي تسألين فيه انتي جذيه قاعدة اتشككين فيني وانا ما أحب هالطريقه.
فقالت له : انا أشكك فيك ولا انت يايب الشك حق روحك ، انت مو راضي اتقول الصج ، ولا اشراح يضرك إذا قلتلي منو هذي ؟ هذا أكبر دليل انك مو قاعد اتقول الحقيقه ! وقاعد تتهرب من سؤالي
فقال لها: رجاءا لا تقولين عني جذاب وانا ما تعجبني هالغيره الزايده والحنه اللي مالها فايده ، واذا انتي مو واثقه فيني فهذا شي راجعلج ماكو شي بالغصب.
شعرت أمل بالألم يهز كيانها ، وصدمت من ردة فعله والغموض المحيط به ، وودت لو تكيل له بالشتائم من فرط غضبها ، ولكنها تمالكت نفسها وقالت : الله يسامحك يا خالد ألحين انا صرت حنانه ، انت توك اتعرفني وليلحين ما شفت خيري من شري ، وجذي تعاملك معاي ، ما قول الا الله يسامحك وانا غلطت اني سمحت لنفسي أقرب منك و أعطيك حبي وثقتي ، من أقل موقف تبي اتبيعني ، ولا هميتك ، بس انت الخسران يا خالد مو آنا ، والحمدلله ان الله إكشفك لي ، مع السلامه" ، وأغلقت الهاتف على الفور ، ودخلت في نوبه من البكاء ، ثم قامت وتوضأت وصلت وبكت في دعائها ، ثم أخذت تقرأ في القرآن حتى هدأت نفسها قليلا ، وعزمت أن لا تفتح قلبها لأي إنسان وتتفرغ لدراستها تماما ، حتى تتخرج من كلية الهندسة بتفوق وتثبت للجميع وبالأخص خالد أنها جديرة بالنجاح وبأنها لن تضيع من بعده .
غادرت أمل المنزل في الصباح الباكر بنشاط وحزم وإراده ، وهناك قابلت صديقتها " فرح" التي سألتها عن أحوالها وشعورها اليوم ، فطلبت أمل من فرح بصرامه وشده : " فرح من اليوم ورايجح اذا اتحبيني واتخافين على مصلحتي ، لا اتييبيلي طاري خالد نهائيا ولا تطرينه علي لا ابشر ولا بخير فهمتي؟ فوعدتها فرح خيرا ، والفضول يقتلها ولكنها هدأت من أجل صديقتها أمل .
دخل موسم الامتحانات و إجتهدت أمل في دراستها فلم تكن تخرج من البيت الا للجامعه ، وأعدت والدة أمل جوا دراسيا مثاليا لأمل وزميلاتها في الكليه بأن حولت الطابق السفلي " السرداب" الى ورشة علميه تنتشر فيها الطاولات الهندسيه والخرائط والنماذج والأدوات ، وكانت أمل تسهر على الرسومات الهندسية الى ساعة متأخرة في الليل وتجتهد وترهق نفسها على نحو سيئ فكانت لا تنام الا ساعتين في اليوم ، فلاحظ الجميع ذبولها وتغير ملامحها ، ولكن أمل كان أمامها هدفا واحدا وهو أن تكون ناجحه في كل المقاييس وتكون صاحبة مكتب هندسي متميز وذو صيت ممتاز .
كل ذلك وأمل تتجاهل الجرح الغائر في قلبها و تهمل علاجه وتتركه ينهش بها دون رحمه ، ودون أن تفضفض به لأحد ،وكانت آخر ليلة ذرفت فيها الدموع هي الليلة التي ودعت فيها خالد ، فلم تتسائل بعدها لماذا فعل بها ذلك، ولماذا تغير فجأة ، كل همها كبرياؤها وكرامتها التي خدشت بفعله هذا ، فقررت ألا تدع مجالا للألم ليحطم ما تبقى لديها من مشاعر ، وتفرغ همومها في دراستها المتواصله بلا كلل أو ملل أو راحه.
كانت أمل حين ترا خالد تتحاشى النظر في عينيه و تغادر المكان الذي يتواجد فيه ما عدا المحاضرات فإنها تجلس في الخلف متسترة وراء جيش من الطلبة والطالبات ، حتى لا تكون في محيط بصره ، ولا يعلم بوجودها الا من ورقة الاسماء التي تمرر على الطلبه والطالبات ليوقعوا بجانب أسمائهم.
بدأت إختبارات كلية الهندسة و خرجت أمل من بيتها ، ووالدتها تتبعها وتسأل الله أن يوفقها ويسدد خطاها ، وكانت أمل تشعر بارهاق كبير واسوداد تحت عينيها و بعد أن كانت ممتلئة الجسم أصبحت هزيله وذابله ، وكانت تشعر بضغوط شديدة وكيف لا وهي لم ترحم نفسها ولا جسدها فلم تكن تتناول الطعام الا يسيرا ، ولم تشبع حاجة جسدها الى النوم ، فاستأذنت والدتها أن يوصلها السائق الى الجامعه بحجة انها ستستغل الوقت بالمراجعه في الطريق ، فوافقت الأم ، وودعت ابنتها وقرأت عليها المعوذات.
توجهت أمل للكلية مع السائق وعندما وصلت التقت بفرح وذهبتا سويا لقاعة الاختبارات ، وكان الاختبار اليوم في المادة التي يحاضر فيها المهندس خالد ، فجلس كل الطلبة في المكان المخصص لهم لتقديم هذا النوع من الاختبارات ، وبدأ الإختبار العملي في الرسومات الهندسيه المقرره عليهم ، وكانت أمل تعرف جيدا ما تفعل ولكنها تشعر بارهاق نفسي شديد مصحوب بارهاق جسدي ، فحاولت أن تضغط على نفسها حتى تتمكن من انجاز الإختبار وبدأت فعلا في إنجازه ، وكان المهندس خالد يتجول في القاعة ليرد على أسئلة الطلبه ويراقب ما يفعلون .
وفجأه !! سمع الجميع صوت شيء يقع على الارض بقوة فالتفت البعض ونهض البعض الآخر من مقاعدهم، فوجدوا أمل ملقاة على الأرض بلا حراك !!!!!!!!!!!!!!