11- فرحة لم تدم طويلا
توجهت أمل الى الكليه لتقديم الإمتحانات التي تخلفت عن حضورها بسبب الوعكة الصحية التي ألمت بها ، واستقبلها زملاؤها وزميلاتها استقبال حار ، وباركوا لها خبر خطبتها على المهندس خالد ، فتفاجأت من سرعة انتشار الخبر ، وشعرت بالاحراج والخجل من نظراتهم التي تحمل ألف معنى ، فلقد أدينت بجرم الحب ، حب المهندس خالد ، وهاهو حبهما يتوج بالخطوبة ، حب ناجح بجميع لمقاييس ، إلا أن النفوس الحاقدة أبت للحـــــــــب أن يكتمل !
اتفقا أمل وخالد أن تكون " الملجه" بعد أن تنتهي أمل من جميع إمتحاناتها بفترة بسسيطة ، ومن ثم يبدأ تجهيزها لحفل زفافها ، و يذهبا معا لانتقاء أثاثهما الجديد ، وكانت أمل في شدة الفرح والسعاده في هذه الفتره الجميلة في حياتها ، وكانت تذهب لأداء إختباراتها بنشاط غير عادي و بتفاؤل وسرور كبيرين.
مرت الأيام بسرعه وانتهت أمل من اختباراتها وبانت النتيجة النهائية : وتبين أنها نجحت في جميع اختباراتها بتقدير عال ، ففرحت فرحا شديدا وركضت الى غرفة خالد في الكليه لتزف له خبر نجاحها ، فلم تجده في الغرفه ، واتصلت به ولكن لم يجيبها ، فتسائلت بينها وبين نفسها تراه أين يكون ؟ وتذكرت أنها إنشغلت عنه كثيرا بسبب الإختبارات ، وبسبب قلقها وترقبها لنتائج الأختبارات ، وهو كذلك لم يقوم بالاتصال بها ، ورجحت ذلك إلى انه لا يريد أن يشغلها عن دراستها ، ولكن الأختبارات انتهت منذ فترة طويلة ، وهو لا يكلمها كثيرا ، وشكت للحظة أن هناك شيء ما يشغله ، فقامت بالإتصال به مرة أخرى ، وأيضا ما من مجيب ، تعجبت كثيرا ، و بدأت تشعر بالقلق عليه ، فربما أصابه مكروه ، فبعثت له برساله تخبره فيها أنها قلقه عليه كثيرا وبأنها تتمنى أن يتصل عليها فور استلامه للرساله ، ولكنه أيضا لم يجيبها او يرد على رسالتها ، فجلست في البيت مهمومه القلب مشغولة الفكر حتى قاربت الساعة على التاسعة ليلا ، عندها سمعت رنة هاتفها معلنا ورود رسالة فهبت واقفه وتسارعت نبضات قلبها ، فتناولت الهاتف سريعا و فتحت الرساله وكانت من خالد ، وكان نص رسالته كالتالي:
" أمل أولا مبروك على النجاح والتفوق ، اتمنى لج التوفيق في حياتج ، وثانيا : أتمنى كل واحد فينا يروح ابطريج ، وتنسين كل شي صار بينا ، و أفضل انج ما تتصلين على هالرقم نهائيا ، والعلاقه اللي بينا تكون رسميه في الكليه ، ورجاءا لا تسأليني عن الأسباب ، لأني ماني مستعد أناقشج في أي شي ، مع السلامة"
لم تقوى أمل على تحمل ماجاء في رسالته ، ولم تستوعب ما حصل ، فاتصلت به غير عابئه بمضمون رسالته ، وكررت إتصالاتها دون أن يجيبها ، وبعثت بالعديد من الرسائل تريد تفسيرا منطقيا ، وتشرح له انها مصدومه وان من حقها أن تفهم ، ولكن بلا جدوى ، فاستسلمت للبكاء ، و ذهبت لوالدتها مباشرة تشكو لها الحال ، ثم ارتمت بحضنها و ذرفت الدموع ، فقالت والدتها :
" صج إنه ريال مو كفو ، ولا يستاهل إني كنت بعطيه ابنيتي الغاليه ، بس ولا اتحرين قلبج ، وراح أخلي أخوانج يتصرفون معاه ، بنات الناس مو لعبه ، و لازم يوقفونه عند حده " فقالت لها أمل :
لا يما لا تسوين جذي لا تقولين لأحد ، اكفايه اللي فيني ، مابي أخواني يدرون ، يما خالد فشلني اتعرفين شنو فشلني وحطمني ، مادري ليش سوا جذي معاي " ، فقالت والدتها : " ولا يهمج ماراح أقول لأحد وبنقول للكل انج أنتي عفتيه " فقالت أمل وفي قلبها غصة حب لخالد : لا يا يما قوللي ماصار نصيب ، لا اتذمينه " ، فقالت والدتها : " وي ي بعد عمري يا أمل جذي اتحبينه ، هذا يا يمه ما يستاهلج ، حسبي الله عليك يا خالد جانك عورت قلب ابنيتي " .
قضت أمل ليلتها في ذلك اليوم في سرير والدتها ، فلم تود أن تقضي تلك الليلة بالذات بمفردها .
وفي اليوم التالي استيقظت أمل على صوت هاتف والدتها يرن بجانبها ، فأجابت والدتها على الهاتف بتثاقل ، وفجأه انتفضت واقفه وتفاعلت مع المكالمه ، فاستمعت أمل إلى كلمات والدتها ولم تفهم شيئا ، كانت والدتها تقول : شنو ، اشفيها ، اشصار ، حااااااادث؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا تخافين ألحين بييج ،، يالله مع السلامه " ، فزعت أمل وسألت والدتها بما حصل؟ فقالت : فاطمة بنت رفيجتي شيخه سوت حادث وأمها منهاره واتكلمني من اهناك ، مسكينه ماعندها غيري ، أهلها امسافرين , وأبوها في مؤتمر بره الكويت ، فقامت أمل من فراشها وقالت : انا بروح وياج يما .
فذهبا سويا الى المستشفى ، ووجدا والدة فاطمة بحالة يرثى لها وهي تنتظر أمام غرفة العمليات بفارغ الصبر ، فقامت والدة أمل باحتضانها ، وقالت : يا شيخه يا حبيبتي ادعيلها عشان الله يقومها بالسلامه ، لاتسوين في روحج جذيه ، مايصير شي الا ابقدرة رب العالمين ، وبأمره " فقالت لها شيخه : ونعم بالله بس هذي بنتي ، حشاشة يوفي ، والله ما أعبر أشوفها ابهالحال " ، فسألتها أم أمل عن كيفية حدوث الحادث ، فأجابتها أنها اصطدمت بحاجز اسمنتي بعد أن فقدت السيطرة على المركبه لسبب لا نعلم ماهو وذلك بشهاده شهود العيان الذين كانوا متواجدين في مكان الحادث " .
وبعد ساعتين من دخول أمل الى غرفة العمليات ، وبعد افاقتها من المخدر ، سمح الدكتور لوالدتها بالدخول إليها ، فذهبت وغابت عندها عشر دقائق طمأنها فيها الدكتور انها باذن الله ستتماثل للشفاء ولكنها تعاني من كسور شديدة في منطقة الحوض والذراعين وفي رجلها اليسرى وانها ستمكث طويلا في المستشفى ، فحمدت والدة فاطمة ربها كثيرا أنه حفظ ابنتها من موت محقق ، ومن فقد عناصر حيويه في جسدها ،وان تماثلها للشفاء مسألة وقت ، وهنا نطقت فاطمة أول كلمة لها من بعد الحادث الأليم ، وهي تعاني آلاما مبرحه : " يما أبي أشوف أمل " ،فقالت لها والدتها : ليش يا فاطمة انتي تعبانه ؟ اهيا بره مع أمها ، بس انتي ماتبين ترتاحين ، فقالت لها فاطمة وهي تذرف دموعها بغزارة : يما واللي يعافيج أبي أمل ألحين أبي أكلمها بروحنا ، فوافقت والدتها ونادت أمل وقال لها ان فاطمة تريد أن تراها على إنفراد ، فاستغربت الأمر ، ومع ذلك ذهبت ورأت فاطمة مكسوة بالجبس من كل مكان ، ومصابة بالرضوض والسجحات على وجهها الذي كان في يوم من الأيام جميلا وصافيا ، فحاولت أمل أن تخفف على فاطمة و تدعو لها بالشفاء ، فقالت لها فاطمة :
أمل أرجوج سمعيني للنهايه ، اللي صار فيني عقاب من الله سبحانه ، لاني ظلمت انسانه ماياني منها شي ، بسبب غيرتي ، انا ظلمتج يا أمل ، ولازم أعترف بذنبي جدامج وأتسامح منج ، أنا شفت الموت يا أمل جدام عيني ، حسيت ان الدنيا ماتسوى ، واللي سويته ابحقج أكبر ذنب " فقاطعتها أمل : فاطمة حبيبتي اشفيج ؟ فصرخت فاطمة قائله : أمل قلتلج تسمعيني للآخر ، وتكفين لا اتصيرين طيبه وساذجه وعلى نياتج ، انا ما أستاهل منج الطيب انا طول عمري أحقد عليج وأحسدج ، لاني ما كنت أخاف الله سبحانه ولا قانعه بالشي اللي عندي ، أنا خربت عليج حياتج ، وضريتج والله سبحانه انتقملج مني ، وأبيج بس اتسامحيني يمكن اللي صار فيني يخليج تعطفين علي ، انا يا أمل كنت السبب في ابتعاد خالد عنج " فقالت لها أمل وهي مستغربه : هاه ! خالد؟ شلون ؟ فقالت لها فاطمة : انا وصيت ناس يعرفونه وطلعت رقمه من تحت الأرض وحاولت اني أطيحه بس ما قدرت ، هالشي زادني غيره أكثر وأكثر ، وفكرت ابخطة شيطانيه عشان أبعده عنج ، فقالت أمل : خطة؟ ليش يا فاطمه ليش؟ انا ما ضريتج ابشي ! فقاطعتها فاطمه : هذا اللي صار ولازم تسمعين اعترافي للآخر ويا انج اتسامحيني يا انج اتخليني أعيش ابذنبي طول حياتي ؟ فقالت لها أمل بحزن : كملي يا فاطمه.
فقالت فاطمه: حاولت اني أخرب صورتج جدام خالد و أفرقكم بأي طريقة ، فدزيت عليه وحده معاج زميلتج في الجامعه اتعرف المهندس خالد ، وخليتها اتمثل عليه الدور واتشوه صورتج جدامه واتقوله انج على علاقه ابشباب ابطريقه ما يشك فيها ، فقالت أمل : بس أهوا مستحيل يشك فيني ! فأجابتها فاطمه : صح كان مستحيل يشك فيج ! بس الشيطان شاطر والبنت هذي كانت حاطة عينها على المهندس خالد وكانت تبيه لنفسها فتفننت بالخطه ونسقت معاها انها تروح للمهندس خالد عشان تسأله عن شغله في المنهج وتدخل معاه سوالف ، وفي مره المرات كلمته عنج قبل لا ينتشر خبر الخطبة بالجامعه ويابت طاريج علبو انها ماتدري انه خاطبج ، وقالتله عن سبب طيحتج الأخيره في القاعه وان السبب مو الارهاق ، السبب كان انج كنتي حامل !! ذهلت أمل مما سمعته وشعرت بالغضب يهز كيانها ، وتمالكت نفسها وواصلت الاستماع لفاطمة التي اردفت: المهندس خالد استغرب وقال : وانتي اشدراج عنها ؟ فقالت انها صديقتج ، وانها اتعرف انه لج علاقات وايد ابشباب من الكليه وخارجها ، وانج على علاقة مع واحد تحبينه، وانج حملتي منه وأجهضتي ، اهنيه المهندس خالد صرخ عليها وطردها من المكتب فقالت له بانفعال : اذا مو امصدقني روح المكان الفلاني وراح تلقاها معاه متواعدين ، ولكن المهندس خالد طردها ، لكن فضوله خلاه يروح يشوف اذا كنتي فعلا موجوده ابذاك المكان ، وفعلا كنتي موجوده وشافج ابعينه ، فقاطعتها أمل قائله : شافني ؟ شلون ؟ مع منو ؟ انا ماني فاهمه ! فقالت لها فاطمه:
بالصدفة سمعت أمي تسولف مع أمج وتقول إنج بتطلعين في ذاك اليوم مع أخوج بدر تتغدون بره ، وهو طبعا شاف كل أخوانج ما عدا بدر ، وأخوانج كلهم فيهم منج إلا بدر كان كله أبوج الله يرحمه وما يشبهج خير شر ماجنه أخوج ، فلقيتها فرصه منا سبه اني أطبق خطتي . سامحيني يا أمل سامحيني ، انا مستعده أخليه يسمع اعترافي ابنفسه ، وأردكم لبعض .
فقالت لها أمل :آه يا فاطمة انتي اشسويت فيني ؟ ماقول إلا الله يسامحج ، وانتي ابهالحالة محتاجة من يعطف عليج مو يلومج ، وانا مسامحتج ، أما خالد ماكان لازم يسمع كلام أحد عني لانه المفروض كان عارفني ، بس انا بطريقتي الخاصة ببرئ نفسي ، لكن الرجوع له بعد ما شك فيني صعـــــــــب ، وشعرت أمل بالإشمئزاز مما سمعته من تلطيخ لسمعتها وشرفها.
خرجت أمل من غرفة فاطمة ، واعتذرت من والدتها بأنها تشعر بالتعب وتريد العودة الى البيت ، فلم تمانع والدتها على أن تبعث السائق من جديد لينتظرها في المستشفى ، وفي الطريق فكرت أمل كيف تبرئ ساحتها أمام خالد ، وأمام كل من يظن بها سوءا ليس لكي تكسب رضاه وثقته وانما لتسترد كرامتها و سمعتها وصورتها أمام الجميع ، فخطرت على بالها فكرة قررت أن تطبقها في الغد ، ولكن كان عليها أن تأخذ موافقة أخيها بدر و تشرح له الموقف بالكامل وأخذت عليه وعد ألا يقول لأخوانها ما حصل ، فوعدها خيرا.
وفي اليوم التالي استيقظت أمل و أرتدت ملابسها ، ثم قامت بإيقاظ بدر ، وتناولا فطورهما على عجاله ، ثم توجها إلى كلية أمل .
عندما وصلا الكلية نزلا سويا وتوجها إلى غرفة المهندس خالد ، وطرقا عليه الباب فأذن لهم بالدخول و تفاجأ برؤيتهما معا ، فقالت له أمل دون أن تمهله أن ينطق :
حضرة المهندس خالد ، أقدملك أخوي بدر اللي كان يدرس بأمريكا ، وتوه ياي الكويت من أسبوعين ، فسلم على أخيها ، وأحرج من الموقف الذي وضع فيه ، وود لو شقت الأرض وابتلعته ، فقال له بدر : شوف يا حضرة المهندس خالد ، إختي أمل أشرف بنت بالدنيا، وا أسمح لأي أحد يقول العكس، مستحيل كن راح اتحصل في هالدنيا كلها مثلها ، أقص لسان أي واحد يقول غير هالحجي عنها ، واذا انت ماعرفتها فأحنا أخوانها وانعرفها زين وانعرف أخلاقها وسنعها ، أمل جوهره ، لما انخطبت قلت منو سعيد الحظ اللي بياخذها واتصير من نصيبه ، بس انت فرطت ابهالجوهره وأثبت أنك ما تستاهلها ، واحنا اهني بس عشان اتعرف انك غلطت يوم انك ظنيت فيها ابسوء ، فرجاءا احنا انقولك هالمره ، لايكون بعد تفكر انك اتعدي اعتبة بيتنا ، البيت وأهل البيت يتعذرونك "
وخرج أمل وبدر من غرفة المهندس خالد ، وجلس خالد ، حزينا مهموما ، يعض أصابع الندم على ما فرط فيه ، و تمنى لو انه تروى في حكمه ، ولكن قدر الله وما شاء فعل .
فهل هناك أمل لعودتهما سويا ، أم أن هناك خطط جديدة تلوح في الأفق؟؟؟