ضوى العيون
New member
- إنضم
- 7 أغسطس 2006
- المشاركات
- 5,999
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
الحلقة الأولى
بداية المشوار!!!
لم يكن ذلك اليوم عاديا حينما كانت سناء والدة فارس
تجمع حاجياته وترتبها في حقيبة السفر استعدادا لرحلة دراسية قريبة إلى أمريكا
لكن الأمر كان يهون عليها كلما تذكرت أن فارسا سينتقل من بيتها إلى بيت سلوى أختها الكبرى
التي لم ترزق بذرية والمهاجرة منذ عشرين عاما بصحبة زوجها الذي حصل على الجنسية هناك
كما يملك عددا من المحال التجارية
مما جعل أم فارس تطمئن إلى أنه سيجد من يرعاه بطريقة أفضل مما لديها .
وعلى الرغم من أن فارسا كان الثاني من بين أبنائها التسعة
إلا إنه كان أقربهم إليها وأكثرهم حرصا على رضاها
كما أنه كان أفضلهم من حيث المستوى الدراسي فقد كان متفوقا مند صغره رغم ما تتعرض له أسرته من مشاكل أمنية واجتماعية
شأنها في دلك شأن سائر الأسر الفلسطينية التي ترزح تحت الاحتلال .
الكل هنا يرقب فارس في أيامه الأخيرة
فقد بعثت له خالته برسالة تحثه على الإسراع في ترتيب وصوله إضافة إلى بعض الأوراق التي لابد من إكمالها لاستئناف الدراسة هناك .
وفاء الأخت الكبرى لفارس تعثرت في دراستها فلم تكمل الثانوية لكنها ربة بيت ماهرة وجليسة أطفال ودودة
حينما تغيب أمها في حقول الزيتون المجاورة في موسم البذر والحصاد .
التوأمان أحمد ونزار يدرسان في المرحلة المتوسطة
وهما مشاغبان جدا لجنود الاحتلال
يقضيان الليل في التفكير والتخطيط لمواجهات الغد .
عروب ذات السنوات الست تقضي معظم وقتها مع قطتها المدللة
التي استعاضت بها عن عروستها الجميلة التي تركتها عند بعض الأقارب
فنسف البيت على ما فيه بحجة البناء دون ترخيص !!
لذا فهي تدعو الله أن يكون لقطتها ضفيرتين تسرحهما وتلعب بهما !!
أما الثلاثة الصغار فهم جميعا من الذكور لا يتجاوز الكبير عامه الرابع
بينما يكمل أصغرهم شهره العاشر
وهؤلاء هم مدرسة وفاء التي تقضي معظم وقتها معهم .
ورغم مخاوف الوالدين على فارس من الحياة الغربية بتحررها
إلا إنهم كانوا يعلقون الآمال العريضة على عودته بشهادة عالية
تضمن لهم حياة أفضل مما هم فيه .
أما فارس فعلى الرغم من فرحته بهذه الفرصة إلا أنه كان خائفا من التجربة الجديدة بكل المعاني ،
،كان خائفا على نفسه ودينه هناك ،،
وكان خائفا على أهله من بعده!!
الناس هنا يتعرضون للموت عدة مرات في اليوم الواحد وربما تعرض أحدهم لمكروه!!
في الأيام الأخيرة كان يخرج ليتأمل كل ما حوله !!
الهواء المتكدر بدخان الإطارات المحترقة والحجر الذي يملأ الشوارع كسلاح مخزون
والمياه التي تتسرب من البيوت بفعل تحطيم آلة الحرب الإسرائيلية لمجاري المياه في الشوارع!!
كان يعطر أنفه برائحة الزيتون والزعتر التي تنبعث من دكان الخضار عند مدخل الحارة ،،
كما لا يفوته أن ينصت بحماس لأهازيج العم مروان صاحب الكنافة والقطايف التي ينادي عليها المارة من بعيد!!
والتي لم يتذوق حلاوتها إلا مرة واحدة
فقط حينما رأى ( وداد ) ابنة الجيران وهي تعود من المدرسة إلى البيت ومعها قطعة من الكنافة
وحينما سقطت حقيبتها في مستنقع ماء أسرع بالتقاطها وحملها إلى البيت عنها بقية الطريق
فأقسمت عليه عند باب الدار أن يأخذ قطعة منها تقديرا لشهامته!!
كم هي حلوة!!!
نعم حلوة!!
قطعة الكنافة والفتاة التي قدمتها
تلك الفتاة التي لم يشاهد منها إلا العفاف والحياء وحسن الحجاب
والتي يهفو قلبه إليها كلما رآها لكنه ليس بطلا لقصة حب رومانسية
كما يفعل بعض زملائه بل لم يحاول التحدث إليها ولا مرة واحدة !!
رغم التصاق بيتيهما !!
- يا اااالله!!!!
هكذا قالها بزفرة عميقة!!
حينما كان واقفا عند حائك الأحذية ليصلح حذاءه
الذي سيسافر به لقد رأى جنديا ينهال بالضرب بعصا غليظة
على ظهر طفل صغير بحجم أخيه نزار!!
لأنه رأى في يده حجرا كان يحاول تسديده إليه!!
ركض إليه بسرعة وهو يقول:
- أرجوك دعه إنه صغير وأعدك أن لا يعود!!
لكن الجندي كان قد أشبع نهمته من الصغير وأنهى مهمته بركلة قوية على الأرجل وبحذاء عسكري متين بحجم حذاء فارس خمس مرات!!
انتشل فارس الصبي من الأرض وتجمع حوله الصبيان
وهو ينفض الغبار عنه
ويقول: دعك من هؤلاء ما زلت صغيرا على هذا!!
لكن الصغير رفع رأسه وهو يصلح ثيابه وقال:
ليس هناك أحد صغير على المقاومة!!!
عاد فارس إلى محل الأحذية ليأخذ حذاءه ويعود إلى البيت .
كان عليه أن يقضي آخر أيامه بين دموع أمه التي تغالبها بصمت
بينما كان الصغار يحسدونه على تخلصه من معاناة الاحتلال وذهابه إلى حيث الحرية زعموا!!
أما خاله في الأردن فقد كان ينسق لرحلة المغادرة حيث يتوجب عليه الذهاب إلى الأردن ومن ثم إلى أمريكا .
الكل هنا يودعه !!
حتى العصافير التي كانت تسعد صباحه كل يوم بتغريدها
رأى منها اثنين قد ناما على شرفة غرفته التي في السطوح !!
عروب تريد عروسة جميلة من أمريكا
ونزار وأحمد يريدان ألعابا الكترونية !!
ووفاء قالت له : أريدك أن تتفوق على أقرانك هناك وترفع رأسنا !!
أمه وأبوه كانا صامتين لكنهما يتماسكان أكثر منه ،
وقبيل الظهر حان موعد المغادرة إلى الحدود مع والده
ودع الصغار واحدا واحدا!!
وقبل رأس أمه ويديها بعد أن شرق بدموعه واحتضنها بقوة
وكأنما أراد أن يختبئ بين أضلاعها من هذا العالم الذي لا يرحم!!
والأقسى من ذلك هو رؤيته لدمعة تفر من عيني والده رغم
محاولاته البائسة لإخفاء ذلك عبر حديثه الأبوي بصوته الأجش
الذي كان يردد فيه بعض العبارات التي حفظها فارس
مثل ( كن رجلا)
و
( لا تخيب ظني فيك )!!
ساد الصمت بينهما حين نزل من السيارة ليستقل الحافلة عند الحدود
إلا من قول والده بصوت خافت : ( الله معك ) !!
هناك في الأردن مكث عند خاله ليلة ثم ودعه من الغد إلى المطار...
لم تكن تلك الرحلة غير عادية فقط بالنسبة لفارس !!
لكنها كانت الأولى في حياته حيث لم يغادر وطنه
منذ ولد فيه سوى ذهابه العام الماضي إلى الأردن لدراسة اللغة في معهد عالمي استعدادا للسفر !
كل الأفكار دارت في خاطره وهو هناك على متن الطائرة !
أهله وزملاؤه !
جيرانه !
الجنود والحجارة !!
وعلى الشق الآخر كان يفكر في خالته التي لم يرها منذ عشر سنوات
والتي تنتظره بشوق شديد ليكون ابنا لها يعوضها عن ذرية
حرمت منها على مدى ثلاثين عاما عاشتها كزوجة!!
كبف سيتعامل معها ؟
وكيف سيكون حاله هناك ؟
وهل سيوفق في دراسته أم لا؟
بداية المشوار!!!
لم يكن ذلك اليوم عاديا حينما كانت سناء والدة فارس
تجمع حاجياته وترتبها في حقيبة السفر استعدادا لرحلة دراسية قريبة إلى أمريكا
لكن الأمر كان يهون عليها كلما تذكرت أن فارسا سينتقل من بيتها إلى بيت سلوى أختها الكبرى
التي لم ترزق بذرية والمهاجرة منذ عشرين عاما بصحبة زوجها الذي حصل على الجنسية هناك
كما يملك عددا من المحال التجارية
مما جعل أم فارس تطمئن إلى أنه سيجد من يرعاه بطريقة أفضل مما لديها .
وعلى الرغم من أن فارسا كان الثاني من بين أبنائها التسعة
إلا إنه كان أقربهم إليها وأكثرهم حرصا على رضاها
كما أنه كان أفضلهم من حيث المستوى الدراسي فقد كان متفوقا مند صغره رغم ما تتعرض له أسرته من مشاكل أمنية واجتماعية
شأنها في دلك شأن سائر الأسر الفلسطينية التي ترزح تحت الاحتلال .
الكل هنا يرقب فارس في أيامه الأخيرة
فقد بعثت له خالته برسالة تحثه على الإسراع في ترتيب وصوله إضافة إلى بعض الأوراق التي لابد من إكمالها لاستئناف الدراسة هناك .
وفاء الأخت الكبرى لفارس تعثرت في دراستها فلم تكمل الثانوية لكنها ربة بيت ماهرة وجليسة أطفال ودودة
حينما تغيب أمها في حقول الزيتون المجاورة في موسم البذر والحصاد .
التوأمان أحمد ونزار يدرسان في المرحلة المتوسطة
وهما مشاغبان جدا لجنود الاحتلال
يقضيان الليل في التفكير والتخطيط لمواجهات الغد .
عروب ذات السنوات الست تقضي معظم وقتها مع قطتها المدللة
التي استعاضت بها عن عروستها الجميلة التي تركتها عند بعض الأقارب
فنسف البيت على ما فيه بحجة البناء دون ترخيص !!
لذا فهي تدعو الله أن يكون لقطتها ضفيرتين تسرحهما وتلعب بهما !!
أما الثلاثة الصغار فهم جميعا من الذكور لا يتجاوز الكبير عامه الرابع
بينما يكمل أصغرهم شهره العاشر
وهؤلاء هم مدرسة وفاء التي تقضي معظم وقتها معهم .
ورغم مخاوف الوالدين على فارس من الحياة الغربية بتحررها
إلا إنهم كانوا يعلقون الآمال العريضة على عودته بشهادة عالية
تضمن لهم حياة أفضل مما هم فيه .
أما فارس فعلى الرغم من فرحته بهذه الفرصة إلا أنه كان خائفا من التجربة الجديدة بكل المعاني ،
،كان خائفا على نفسه ودينه هناك ،،
وكان خائفا على أهله من بعده!!
الناس هنا يتعرضون للموت عدة مرات في اليوم الواحد وربما تعرض أحدهم لمكروه!!
في الأيام الأخيرة كان يخرج ليتأمل كل ما حوله !!
الهواء المتكدر بدخان الإطارات المحترقة والحجر الذي يملأ الشوارع كسلاح مخزون
والمياه التي تتسرب من البيوت بفعل تحطيم آلة الحرب الإسرائيلية لمجاري المياه في الشوارع!!
كان يعطر أنفه برائحة الزيتون والزعتر التي تنبعث من دكان الخضار عند مدخل الحارة ،،
كما لا يفوته أن ينصت بحماس لأهازيج العم مروان صاحب الكنافة والقطايف التي ينادي عليها المارة من بعيد!!
والتي لم يتذوق حلاوتها إلا مرة واحدة
فقط حينما رأى ( وداد ) ابنة الجيران وهي تعود من المدرسة إلى البيت ومعها قطعة من الكنافة
وحينما سقطت حقيبتها في مستنقع ماء أسرع بالتقاطها وحملها إلى البيت عنها بقية الطريق
فأقسمت عليه عند باب الدار أن يأخذ قطعة منها تقديرا لشهامته!!
كم هي حلوة!!!
نعم حلوة!!
قطعة الكنافة والفتاة التي قدمتها
تلك الفتاة التي لم يشاهد منها إلا العفاف والحياء وحسن الحجاب
والتي يهفو قلبه إليها كلما رآها لكنه ليس بطلا لقصة حب رومانسية
كما يفعل بعض زملائه بل لم يحاول التحدث إليها ولا مرة واحدة !!
رغم التصاق بيتيهما !!
- يا اااالله!!!!
هكذا قالها بزفرة عميقة!!
حينما كان واقفا عند حائك الأحذية ليصلح حذاءه
الذي سيسافر به لقد رأى جنديا ينهال بالضرب بعصا غليظة
على ظهر طفل صغير بحجم أخيه نزار!!
لأنه رأى في يده حجرا كان يحاول تسديده إليه!!
ركض إليه بسرعة وهو يقول:
- أرجوك دعه إنه صغير وأعدك أن لا يعود!!
لكن الجندي كان قد أشبع نهمته من الصغير وأنهى مهمته بركلة قوية على الأرجل وبحذاء عسكري متين بحجم حذاء فارس خمس مرات!!
انتشل فارس الصبي من الأرض وتجمع حوله الصبيان
وهو ينفض الغبار عنه
ويقول: دعك من هؤلاء ما زلت صغيرا على هذا!!
لكن الصغير رفع رأسه وهو يصلح ثيابه وقال:
ليس هناك أحد صغير على المقاومة!!!
عاد فارس إلى محل الأحذية ليأخذ حذاءه ويعود إلى البيت .
كان عليه أن يقضي آخر أيامه بين دموع أمه التي تغالبها بصمت
بينما كان الصغار يحسدونه على تخلصه من معاناة الاحتلال وذهابه إلى حيث الحرية زعموا!!
أما خاله في الأردن فقد كان ينسق لرحلة المغادرة حيث يتوجب عليه الذهاب إلى الأردن ومن ثم إلى أمريكا .
الكل هنا يودعه !!
حتى العصافير التي كانت تسعد صباحه كل يوم بتغريدها
رأى منها اثنين قد ناما على شرفة غرفته التي في السطوح !!
عروب تريد عروسة جميلة من أمريكا
ونزار وأحمد يريدان ألعابا الكترونية !!
ووفاء قالت له : أريدك أن تتفوق على أقرانك هناك وترفع رأسنا !!
أمه وأبوه كانا صامتين لكنهما يتماسكان أكثر منه ،
وقبيل الظهر حان موعد المغادرة إلى الحدود مع والده
ودع الصغار واحدا واحدا!!
وقبل رأس أمه ويديها بعد أن شرق بدموعه واحتضنها بقوة
وكأنما أراد أن يختبئ بين أضلاعها من هذا العالم الذي لا يرحم!!
والأقسى من ذلك هو رؤيته لدمعة تفر من عيني والده رغم
محاولاته البائسة لإخفاء ذلك عبر حديثه الأبوي بصوته الأجش
الذي كان يردد فيه بعض العبارات التي حفظها فارس
مثل ( كن رجلا)
و
( لا تخيب ظني فيك )!!
ساد الصمت بينهما حين نزل من السيارة ليستقل الحافلة عند الحدود
إلا من قول والده بصوت خافت : ( الله معك ) !!
هناك في الأردن مكث عند خاله ليلة ثم ودعه من الغد إلى المطار...
لم تكن تلك الرحلة غير عادية فقط بالنسبة لفارس !!
لكنها كانت الأولى في حياته حيث لم يغادر وطنه
منذ ولد فيه سوى ذهابه العام الماضي إلى الأردن لدراسة اللغة في معهد عالمي استعدادا للسفر !
كل الأفكار دارت في خاطره وهو هناك على متن الطائرة !
أهله وزملاؤه !
جيرانه !
الجنود والحجارة !!
وعلى الشق الآخر كان يفكر في خالته التي لم يرها منذ عشر سنوات
والتي تنتظره بشوق شديد ليكون ابنا لها يعوضها عن ذرية
حرمت منها على مدى ثلاثين عاما عاشتها كزوجة!!
كبف سيتعامل معها ؟
وكيف سيكون حاله هناك ؟
وهل سيوفق في دراسته أم لا؟