العاشره مساءًا

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الأولى

بداية المشوار!!!

لم يكن ذلك اليوم عاديا حينما كانت سناء والدة فارس
تجمع حاجياته وترتبها في حقيبة السفر استعدادا لرحلة دراسية قريبة إلى أمريكا

لكن الأمر كان يهون عليها كلما تذكرت أن فارسا سينتقل من بيتها إلى بيت سلوى أختها الكبرى
التي لم ترزق بذرية والمهاجرة منذ عشرين عاما بصحبة زوجها الذي حصل على الجنسية هناك
كما يملك عددا من المحال التجارية

مما جعل أم فارس تطمئن إلى أنه سيجد من يرعاه بطريقة أفضل مما لديها .


وعلى الرغم من أن فارسا كان الثاني من بين أبنائها التسعة
إلا إنه كان أقربهم إليها وأكثرهم حرصا على رضاها
كما أنه كان أفضلهم من حيث المستوى الدراسي فقد كان متفوقا مند صغره رغم ما تتعرض له أسرته من مشاكل أمنية واجتماعية
شأنها في دلك شأن سائر الأسر الفلسطينية التي ترزح تحت الاحتلال .

الكل هنا يرقب فارس في أيامه الأخيرة
فقد بعثت له خالته برسالة تحثه على الإسراع في ترتيب وصوله إضافة إلى بعض الأوراق التي لابد من إكمالها لاستئناف الدراسة هناك .

وفاء الأخت الكبرى لفارس تعثرت في دراستها فلم تكمل الثانوية لكنها ربة بيت ماهرة وجليسة أطفال ودودة
حينما تغيب أمها في حقول الزيتون المجاورة في موسم البذر والحصاد .

التوأمان أحمد ونزار يدرسان في المرحلة المتوسطة
وهما مشاغبان جدا لجنود الاحتلال
يقضيان الليل في التفكير والتخطيط لمواجهات الغد .


عروب ذات السنوات الست تقضي معظم وقتها مع قطتها المدللة
التي استعاضت بها عن عروستها الجميلة التي تركتها عند بعض الأقارب
فنسف البيت على ما فيه بحجة البناء دون ترخيص !!

لذا فهي تدعو الله أن يكون لقطتها ضفيرتين تسرحهما وتلعب بهما !!

أما الثلاثة الصغار فهم جميعا من الذكور لا يتجاوز الكبير عامه الرابع
بينما يكمل أصغرهم شهره العاشر
وهؤلاء هم مدرسة وفاء التي تقضي معظم وقتها معهم .


ورغم مخاوف الوالدين على فارس من الحياة الغربية بتحررها
إلا إنهم كانوا يعلقون الآمال العريضة على عودته بشهادة عالية
تضمن لهم حياة أفضل مما هم فيه .


أما فارس فعلى الرغم من فرحته بهذه الفرصة إلا أنه كان خائفا من التجربة الجديدة بكل المعاني ،

،كان خائفا على نفسه ودينه هناك ،،
وكان خائفا على أهله من بعده!!

الناس هنا يتعرضون للموت عدة مرات في اليوم الواحد وربما تعرض أحدهم لمكروه!!

في الأيام الأخيرة كان يخرج ليتأمل كل ما حوله !!
الهواء المتكدر بدخان الإطارات المحترقة والحجر الذي يملأ الشوارع كسلاح مخزون
والمياه التي تتسرب من البيوت بفعل تحطيم آلة الحرب الإسرائيلية لمجاري المياه في الشوارع!!

كان يعطر أنفه برائحة الزيتون والزعتر التي تنبعث من دكان الخضار عند مدخل الحارة ،،
كما لا يفوته أن ينصت بحماس لأهازيج العم مروان صاحب الكنافة والقطايف التي ينادي عليها المارة من بعيد!!

والتي لم يتذوق حلاوتها إلا مرة واحدة
فقط حينما رأى ( وداد ) ابنة الجيران وهي تعود من المدرسة إلى البيت ومعها قطعة من الكنافة
وحينما سقطت حقيبتها في مستنقع ماء أسرع بالتقاطها وحملها إلى البيت عنها بقية الطريق
فأقسمت عليه عند باب الدار أن يأخذ قطعة منها تقديرا لشهامته!!

كم هي حلوة!!!

نعم حلوة!!

قطعة الكنافة والفتاة التي قدمتها

تلك الفتاة التي لم يشاهد منها إلا العفاف والحياء وحسن الحجاب

والتي يهفو قلبه إليها كلما رآها لكنه ليس بطلا لقصة حب رومانسية
كما يفعل بعض زملائه بل لم يحاول التحدث إليها ولا مرة واحدة !!
رغم التصاق بيتيهما !!

- يا اااالله!!!!


هكذا قالها بزفرة عميقة!!
حينما كان واقفا عند حائك الأحذية ليصلح حذاءه
الذي سيسافر به لقد رأى جنديا ينهال بالضرب بعصا غليظة
على ظهر طفل صغير بحجم أخيه نزار!!
لأنه رأى في يده حجرا كان يحاول تسديده إليه!!


ركض إليه بسرعة وهو يقول:
- أرجوك دعه إنه صغير وأعدك أن لا يعود!!
لكن الجندي كان قد أشبع نهمته من الصغير وأنهى مهمته بركلة قوية على الأرجل وبحذاء عسكري متين بحجم حذاء فارس خمس مرات!!

انتشل فارس الصبي من الأرض وتجمع حوله الصبيان
وهو ينفض الغبار عنه

ويقول: دعك من هؤلاء ما زلت صغيرا على هذا!!
لكن الصغير رفع رأسه وهو يصلح ثيابه وقال:
ليس هناك أحد صغير على المقاومة!!!

عاد فارس إلى محل الأحذية ليأخذ حذاءه ويعود إلى البيت .

كان عليه أن يقضي آخر أيامه بين دموع أمه التي تغالبها بصمت
بينما كان الصغار يحسدونه على تخلصه من معاناة الاحتلال وذهابه إلى حيث الحرية زعموا!!
أما خاله في الأردن فقد كان ينسق لرحلة المغادرة حيث يتوجب عليه الذهاب إلى الأردن ومن ثم إلى أمريكا .


الكل هنا يودعه !!

حتى العصافير التي كانت تسعد صباحه كل يوم بتغريدها
رأى منها اثنين قد ناما على شرفة غرفته التي في السطوح !!

عروب تريد عروسة جميلة من أمريكا
ونزار وأحمد يريدان ألعابا الكترونية !!
ووفاء قالت له : أريدك أن تتفوق على أقرانك هناك وترفع رأسنا !!
أمه وأبوه كانا صامتين لكنهما يتماسكان أكثر منه ،

وقبيل الظهر حان موعد المغادرة إلى الحدود مع والده
ودع الصغار واحدا واحدا!!
وقبل رأس أمه ويديها بعد أن شرق بدموعه واحتضنها بقوة
وكأنما أراد أن يختبئ بين أضلاعها من هذا العالم الذي لا يرحم!!

والأقسى من ذلك هو رؤيته لدمعة تفر من عيني والده رغم
محاولاته البائسة لإخفاء ذلك عبر حديثه الأبوي بصوته الأجش
الذي كان يردد فيه بعض العبارات التي حفظها فارس

مثل ( كن رجلا)

و

( لا تخيب ظني فيك )!!

ساد الصمت بينهما حين نزل من السيارة ليستقل الحافلة عند الحدود
إلا من قول والده بصوت خافت : ( الله معك ) !!

هناك في الأردن مكث عند خاله ليلة ثم ودعه من الغد إلى المطار...

لم تكن تلك الرحلة غير عادية فقط بالنسبة لفارس !!
لكنها كانت الأولى في حياته حيث لم يغادر وطنه
منذ ولد فيه سوى ذهابه العام الماضي إلى الأردن لدراسة اللغة في معهد عالمي استعدادا للسفر !

كل الأفكار دارت في خاطره وهو هناك على متن الطائرة !
أهله وزملاؤه !
جيرانه !
الجنود والحجارة !!
وعلى الشق الآخر كان يفكر في خالته التي لم يرها منذ عشر سنوات
والتي تنتظره بشوق شديد ليكون ابنا لها يعوضها عن ذرية
حرمت منها على مدى ثلاثين عاما عاشتها كزوجة!!

كبف سيتعامل معها ؟

وكيف سيكون حاله هناك ؟

وهل سيوفق في دراسته أم لا؟
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
- ماذا تشرب من فضلك ؟

قاطعته المضيفة بهذه العبارة ليترك أفكاره التي أتعبت روحه !!

- كوب شاي لو سمحتِ !
قالها وهو يعدل من جلسته التي استرخت من كثرة التفكير!!

- تفضل هل هناك طلب آخر؟

- لا شكرا .

ذهبت المضيفة وقد تركت له على الطاولة كتيبا
يحمل عددا من الأرقام الخاصة بالأفلام التي يمكن متابعتها
والتي كان يكفيه من عناوينها أن يتعرف على ما فيها من مضمون !!

ألقى الكتيب جانبا واسترخى قليلا وغط في نوم عميق
يعوضه سهر الليالي التي كان يبخل فيها على نفسه بالنوم
فلم يكن يفارق أهله إلا بعد أن يناموا فإذا ناموا سهر يرتب حاجياته!!

لم يستيقظ فارس إلا على صوت الكابتن
وهو يعلن قرب النزول فعدل من جلسته ونظر إلى الساعة
فإذا هو قد نام أربع ساعات متواصلة!!

قام بسرعة وتوضأ ثم عاد إلى كرسيه وصلى الظهر والعصر معا
وحينما التفت إلى النافذة نظر إلى الأرض وقد اكتست بالثلوج
فأخرج معطفه واستعد للنزول .
هناك في المطار توجه إلى الصالة الداخلية فوجد خالته بانتظاره مع زوجها

- يا إلهي إنها هي !!

قالها في نفسه وهو يراها لأول مرة بعد انقطاع عشر سنوات
حيث زارتهم وهو في الحادية عشرة من عمره !!

لكنها اليوم تبدو أكثر شبها بأمه التي خلفها وراءه!!

أقبل إليها بسرعه وعانقها بقوة ثم التفت إلى عمه واحتضنه والعم يقول :

رأيت صورتك ولم أصدق أنك كبرت حتى الآن!!

عادوا جميعا إلى البيت ولم ينقطع حديثهم عن الأهل والبلد
حتى وصلوا وهناك كانت الخالة قد أعدت طعام العشاء
وحينما التفوا حول المائدة قالت:

هذا يا فارس ( مسخن) وهذا ( ورق العنب) وهذه ( مجدرة ) من صنع يدي لا نريد أن تشعر بفرق كبير!!

ضحك فارس وهو يقول :
سلمت يداك يا خاله !!لا داعي لهذا كله !! اتعبت نفسك

قاطعه العم قائلا:
ولو !! خالتك من اليوم ستعمل في مشروع تسمين ستملأ علينا الدار أسأل الله لك التوفيق.

تناول الجميع طعام العشاء ثم أخذت الخالة فارسا إلى غرفته وهناك
بدأ يرتب حاجياته التي لم تملأ ربع هذه الغرفة
بينما أخذ كل ما لديه من غرفته التي كان يقتسمها مع ثلاثة من إخوته.
نظر إلى كل شيء من حوله في هذا المكان فتذكر أرضه التي غادرها
ورجع إلى صدره صوت عبث الصغار وصراخهم !!
أراد خلع حذائه فعادت إلى ذاكرته صورة الصغير والجندي يهوي على جسده بركلاته القاسيه !!
اطلق زفرة عميقة من صدره ووضع رأسه بين يديه
حتى نزلت منه دمعات حارة فقام ليمسحها
ثم توضأ وصلى ركعتين قبل أن ينام !!

:
عالم جديد !!

:


اليوم الاثنين هو الأول لي في الجامعة ..
عالم جديد ومختلف لم أعهده من قبل ،،
أشكال وأجناس مختلفة من الناس ،
شباب وفتيات بأشكال غريبة ..وأحياناً مقززه!!
أحس بألم في قدمي!!
لكني سأواصل المسير إلى غرفة التسجيل ،
لابد أن أؤكد حضوري وصلت إلى هناك ..
والتقيت بمسئولة القسم التي رحبت بي كضيف جديد وأكملت تسجيل باقي الأوراق ،
نظرت إلى هويتي وحينما هممت بالانصراف قالت:

يوجد لدينا الكثير من الطلاب العرب !! لعلك تحتاج إليهم ،


ثم أخرجت كرتاً مطبوعا بأرقام وأسماء وقدمته إلي ،
قرأته فإذا هو خاص بتجمع الطلاب الإسلامي في الجامعة !!
لا أخفيكم أنني فرحت به كثيراً فأنا بحاجة إلى إخوة في الله في هذه الغربة ..!!!،


:


خرجت من الجامعة ولم أتعرف على أحد !!
عدت إلى البيت في الحافلة وهناك وجدت خالتي بانتظاري ...

سألتني بشوق: كيف حالك بني؟؟!!

قلت لها بفتور:الحمد لله

يبدو أنها شعرت بما يدور في نفسي من الضيق والذي ظهر على وجهي!!

أمي كانت تقول : وجهك مرآة قلبك !!
ملامحك الطفولية مازالت تسكن قسمات وجهك !!
من يراك لا يحتاج إلى تفكير ليدرك ما تشعر به !!
وحينما هممت بالصعود إلى غرفتي شعرت بها تمشي خطوات خلفي ثم تقف .


واصلت الصعود ودلفت إلى غرفتي وألقيت جسدي المنهك على السرير واغمضت عيني
ومباشره عدت بخيالي إلى هناك!!

إلى غرفتي في السطوح
ومشاكسات أحمد ونزار
وعروب التي تختبئ عندي إذا شاركتهما النزاع

ولم يقطع هذا الشريط سوى صوت طرق خفيف على الباب فتحت عيني فسمعت خالتي تقول:

(فارس أأدخل ؟؟ )

قمت مسرعا وفتحت الباب بنفسي ثم قلت مباشرة :

-بالطبع أنسيت أنك أمي هنا ؟؟

( كنت أقول ذلك وقلبي يحترق على والدتي التي تركتها وقد شرقت بدموعها
لكني كنت مضطرا لمجازاة خالتي على معروفها وإدخال السرور على قلبها المحروم )

تهلل وجهها وابتسمت ثم جلست على كرسي في غرفتي وقالت :

-أتسمح لي أن أحدثك , أم تريد أن ترتاح ؟؟

قلت : بلى تحدثي معي فأنا مرتاح الآن

قالت : أعرف يا بني أنك لن ترتاح مباشرة , ولن يعجبك الكثير من أسلوب الحياة هنا
لكنك يا بني (عابر سبيل) أنت شمعة لبلادك والشمعة لابد أن تحترق لتضيء ,
تحمل يا بني مرارة الغربة كغيرك من الشباب وهم هنا كثير وربما ظروفهم أسوأ منك !!
أنت فارس الذي تنتظرك نابلس بشوق ,
أنت الإبن البار الذي سيعود إلى بلاده بسلاح العلم ليجتمع مع سلاح المقاومه ....

تحدثت خالتي قليلا بحديث رقيق
و ما ان انتهت خالتي من حديثها حتى شعرت برغبة عارمة بالبكاء لكني تماسكت وقمت إليها وقبلت يدها وقلت :

( أشكرك يا خالة وأتمنى أن لا تقلقي علي, فلست حزينا!! ولكني مستوحش قليلا !!
فانت تعلمين الفرق الشاسع بين بلادي وهنا !! إنها فترة بسيطه وستزول ,
اليوم أخذت أرقاما تخص تجمع الطلاب المسلمين وسوف أذهب إليهم وأتعرف عليهم إن شاء الله )

سكتت خالتي

ثم رأيت في عينيها نظرات الراحة والرضا
وحينما همت بالانصراف مشت قليلا ثم توقفت عند طاولة قريبة من الباب تحمل الأبجورة الخاصة بغرفتي
ثم أخذت ألبوما من الصور كنت وضعته هناك !!


قبل مجيئي قد جمعت صورا لجميع عائلتي ووضعتها فيه
وربما لا أبالغ إذا قلت لكم أني أقلبه في اليوم خمس مرات أوتزيد
وأني أشعر معه أني هناك ولست هنا ولهذا فإني تضايقت وانقبض قلبي حينما أمسكت خالتي به !!

قالت بصوت حنون : من السيء أن تقلب الصور كل يوم !!
هذا لي وليس لك يا فارس استأذنك في الاحتفاظ به !!

لم تنتظر خالتي أن أجيب فحملت الألبوم معها وخرجت من غرفتي وهي تغلق النور

وتقول: سأدعك لتنام !!

أحسست بالضيق لما فعلت !! لماذا ياخاله ؟؟
هل علي أن أنسى من أحب لأستطيع العيش هنا ؟؟
أسئلة واعتراضات كثيره قطعها نومي الذي لم يتأخر بسبب تعبي الشديد !!!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الثلاثاء كنت في الجامعة أبحث عن مكان التجمع الإسلامي للطلاب
وبينما كنت كذلك سمعت صوتا يناديني بالعربية ( يا أخ ) وقفت في مكاني واستدرت إليه !!
شخص عربي بدا لي من لهجته أنه من بلاد المغرب !!
أقبل علي وتصافحنا !!عرفني بنفسه !!

– أخوك طاهر من الجزائر !

- أخوك فارس من فلسطين !! طالب مستجد طازج لم يصل إلا قبل أسبوع !!

- أطنك هنا تبحث عنا !!

- بالفعل فأنا حصلت على عنوانكم بالأمس !!

- رائع إذا سمحت لي سآخذك هناك الآن لتتعرف على بعضهم
- حسنا شكرا لك !!

مشينا إلى ممر ضيق في آخره غرفة كتب عليها ( مسجد )
دخلنا فإذا جماعة من الطلاب انتظموا صفوفا للصلاة
أديت معهم صلاة الظهر ثم التف الجميع حولي ورحبوا بي!!
كانوا من ألوان وأعراق مختلفه لم يجمعهم سوى هذا الدين أحسست بالانتعاش يملأ صدري وكأن ذرات الهواء لم تتغلغل في صدري سوى هذا اليوم منذ وصلت !!
تحدثنا قليلا ثم تفرقنا إلى محاضراتنا !!


في آخر اليوم ذهبت لأداء صلاة العصر فوجدت طاهرا هناك وحينما انتهينا أصر أن يوصلني بسيارته وغادرنا معا الجامعة !!

في الطريق قال طاهر : أتمنى أن تكون سعيدا برؤية إخوانك هذا اليوم !!

- نعم وبطريقة لا تصدق !! قبل يومين فقط كنت أشعر باليأس !!
الحياة هنا صعبة أليس كذلك ؟؟

- نعم !!لكنها كذلك لنا نحن المسلمين !! أما لغيرنا فهي قمة المتعة والسعادة !!

- حقا أنت صادق !!


ساد الصمت قليلا ثم سألته :

- منذ متى وأنت هنا ؟؟


التفت إلي وهو يبتسم وقال :

- منذ ولدت !!!

نظرت إليه بتعجب فقال :

- أبي كان مهاجرا ولكني على الرغم من ذلك لم أستطع أن أعيش حياتي بالطريقة التي يعيشون بها !!
بينما أخي مثلا تزوج من نصرانية ونسي أنه عربي مسلم !!


قاطعته متعجبا :

- هكذا بكل بساطة !!


قال بسخرية :

- أية بساطة !!؟ إنها الحياة !! أنت تواجه صعوبة في الصمود أمام الأمواج العاتية !!

- وأنت ماذا عنك ؟؟

- والدي توفي منذ عامين وقد ترك لنا ثروة لا بأس بها !!
أما والدتي فقد اختارت العودة إلى الجزائر بعد أن أصيبت بالسرطان ذهبت معها إلى هناك حتى توفيت رحمها الله
ودفنتها هناك كما أوصت !! وقد رجعت قبل ستة أشهر فقط !!


توجهت إليه مباشرة سائلا :
- ولماذا لم تبق في الجزائر ؟؟

- لا شئ هناك يدعو للبقاء !! لا مال لا عمل ولا حياة تعودت عليها هناك !!
حتى المجتمع ليس بذاك الذي كنت أظن أني سألقاه !!

- وماذا تفعل هنا ؟؟

- أكمل دراستي وأدير أعمالي وألتقي بصحبة صالحة يؤنسون وحدتي من أمثالك !!

- هل أنت هنا لوحدك ؟

- كنت !! لكني بعد سفر أخي إلى أوروبا تزوجت بفتاة مسلمة مغربية مهاجرة ونحن نعيش في وضع مستقر ولله الحمد !!
لكني أتمنى إن رزقني الله أولادا أن أذهب بهم إلى بلاد إسلامية ليعيشوا حياة أفضل من هنا !!

سكتنا قليلا وكنا على الطريق العام !! قال لي طاهر:

- والآن أين تسكن تحديدا ؟؟


- في شارع (50) فكتوريا

- أوه إتها منطقة رائعة !!

- بالفعل فأنا أسكن مع خالتي المهاجرة قديما إنها لم ترزق بأولاد وتريدني أن أكون معها .



أوصلني طاهر إلى المنزل وودعته على أمل أن أراه في الغد


كانت خالتي في انتظاري فلما رأتني منشرح البال قالت :

يبدو أنك بدأت تعتاد على المكان ؟؟


تبسمت وقلت لها :
بالتأكيد فقد وجدت إخوة
يعوضونني عن مرارة الاغتراب في هذه الجامعة !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الثالثة


( النظرة الأولى )



الساعة الآن الحادية عشرة مساء .. الليل شديد البرودة !!

والثلج يكسو الأرض بحلته البيضاء !!ا
لسكون يخيم على المكان !!
إلا أن فارسا الذي هو أنا لم يخلد إلى النوم !!أتدرون ما السبب ؟؟

إن صوت أمي مازال في سمعي !! حينما هاتفتها اليوم كانت تكتم عبراتها بطريقة واضحه !!
صراخ الأطفال من حولها يملأ المكان !!
نزار الذي التقط السماعة لأول مرة قال إنه رمى يهوديا بحجر فسال الدم من فمه !!
وأنه نجح في الفرار والاختباء !!ل

كنهم سحبوا واحدا بدلا منه لا يدري من هو !!

لقد عادت التفاصيل اليومية التي كنت أعيشها هناك تدور في مخيلتي !!
حتى شعرت أن رأسي سينفجر !!

لا أدري كم استغرق ذلك من الوقت !! لكني صحوت من ذلك الهاجس على صوت صرير العاصفة الثلجية عبر النافذة !!

قمت من فراشي وتوجهت إلى النافذة فرأيت الثلج قد ارتفع على الأرض !!ورسم عليها تلالا بيضاء جميلة !!

كان المطر القطني ينهمر بغزارة !!
وقفت أتأمل ذلك جيدا !! ماذا يعني لك هذا اللون يا فارس ؟؟إ

نه لون الطهارة التي لم تعرفها كثير من القلوب اليوم !!
إنه لون المحبة التي تلونت بألوان المصالح الدنيوية لدى الكثيرين من الناس !!

يا لعظمة الخالق !! أحسست أن البرودة بدأت تسري في أوصالي !!
عدت إلى فراشي وتكومت على نفسي بعد أن تدثرت بلحافي واستسلمت للنوم !!

في الغد ذهبت إلى الجامعة وعلمت أن أول درس هذا اليوم هو في الحضارات في القاعة رقم (5)

ذهبت إلى هناك ودخلت القاعة فوجدت الكثير من الطلاب والطالبات !!

تأملت المقاعد جيدا فوجدت مقعدا قصيا لا يضايقني فيه أحد !!

ذهبت وجلست في انتظار الدكتور الذي تأخر عن موعده كثيرا !!

أخرجت حاسوبي وبدأت أنشغل به خصوصا بعد أن كلفتني لجنة الطلبة المسلمين بمهام الموقع الخاص بهم نظرا لبراعتي في الكمبيوتر !!
الجميع حولي يتحدثون أو منشغلون !!وبعد مضي نصف ساعة هدأت الأصوات فجأة !!
فقد دخل الدكتور وبعد أن حيا الطلاب اعتذر عن تأخره بسبب العاصفة الثلجية التي أعاقت سير الكثير من الناس !!
لم يشأ أن يلقي درسه لأنه لن يستطيع إنجازه فيما تبقى من الوقت كما يقول
فاكتفى بطرح بعض الأسئلة والاجابة على أسئلة البعض !!

انتهى الدكتور وخرج !!فخرج معه أغلب الطلاب !!

بقيت في مكاني أجمع أوراقي وأغلق حاسوبي وأثناء ذلك سمعت مشادة بين شاب وفتاة كانت تجلس في المقدمة وهي تصرخ به :-

قلت لك دعني وشأني !!

- أنت بالتأكيد مريضة ربما تحتاجين إلى علاج !!( قالها بسخرية )!!

- حسنا لا بأس !!-

إنني أشفق عليك !


- شكرا لا داعي لذلك !!

نظر إليها باحتقار ثم أدار ظهره وخرج !

لم أفهم سبب الخلاف بينهما ولا يهمني ذلك !!لكني دهشت حينما رأيت الفتاة تنخرط في بكاء عميق بعد خروجه !!

يبدو أنها لا تعلم بوجودي ،، مسكينة هي المرأة !!

من أجبر هذه الضعيفة أن تكون وسط هؤلاء الرجال !!

وأن تتحمل منهم النظرات والكلمات الجارحة !!

بئست هذه الحضارة التي تبعث الشقاء في النفوس !!

استمرت الفتاة تبكي وشعرت أن المكان خلا بسرعة إلا مني ومنها !!

دفعت الكرسي لأقوم فأحست بوجودي فكتمت عبراتها !!

خرجت بسرعة ولما مررت بها كانت تمسح دموعها فقالت :

- عذرا إن كنت أزعجتك !!

-التفت إليها فوقعت عيني على عينيها الحمراوين فأحسست بالشفقة !!قلت بسرعه :

- لا بأس كنت سأخرج على أية حال !! أتمنى أن تكوني بخير !!


خرجت فوجدت طاهر وعبد الرحمن في ساحة الجامعة فذهبت إليهما وقضينا معا بعض الوقت !!

تواعدنا بعد ذلك أن نقضي الليلة في بيت طاهر لمناقشة موضوع الخطبة القادم !!


وفي المساء ومع برد الشتاء القارس كانت رائحة الشاي بالنعناع تفوح من أرجاء الغرفة في مجلس طاهر !


الذي أقبل وهو يحمل صينية من الكعك ويقدمها لنا وهو يقول :

- هذه من يد نجاة.. أتمنى أن تعجبكم !!

قلت له مداعبا :

- كم أنت محظوظ يا طاهر... إذا فلديك طباخة ماهرة !!


التفت إلي وقال :
إنها ليست كذلك فقط !! بل نجاة لي من الفتن !!

لا أدري كيف كنت سأعيش بعد وفاة والدتي رحمها الله !!

لكن الله عوضني بها خيرا ولعل الوقت لا يطول بكم أنتم أيضا !!

قال عبد الرحمن : أما أنا فعروستي في انتظاري هناك في مصر !!عام واحد فقط وأعود إليها !

تكلمت أنا وقلت :
- أما أنا فلا عروس ولا حتى مشروع !! لكن الله يرزق من يشاء بغير حساب !!

ضحك الجميع من قولي !!


مضت ليلتنا ونحن نتناقش في أمر الخطبة القادمة ثم تفرقنا إلى منازلنا ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الثالثه..


( أنا من هناك )

الساعة الآن الثامنة صباحا واليوم هو درس الحضارات !!

القاعة تمتلئ بالطلاب بينما أخذ البرفسور مايكل يتحدث عن فن العمارة في الحضارة الشرقية !!

كان معه بعض الصور للقصور في الأندلس من قرطبة والحمراء وغرناطة وغيرها وبعد أن أنهى ما لديه قال :

- هل من إضافات على ما ذكرناه !!

شاهدت صديقا من باكستان رأيته في المصلى أكثر من مرة وهو( شاهد) رفع يده وقال :

- هناك نماذج أخرى لم نتطرق إليها توضح فن العمارة بجلاء !!

قال الدكتور مايكل متعجبا:

- وما هي ؟؟

- إنها المساجد !! الكثير منها بني بطريقة فنية راقية منذ آلاف السنين بل فيها أعاجيب هندسية فريدة !!

- في الحقيقة ليس لدي تصور واضح عنها إن كان لديك نماذج أحضرها لنراها لاحقا !!

انفض الطلاب من القاعة وقام شاهد لكني لحقت به واستوقفته !!
قلت له إنني أملك الكثير عن المسجد الأقصى وأني على استعداد تام لتزويده بالصور المناسبة !!

أخبرني أنه سيجتهد في جمع صور الحرمين والأزهر وغيرهما ويترك الأقصى لي !!

لكنه قال معلقا :

لن أتحدث عما جمعته أنت بل سيكون ذلك من اختصاصك !!

في البداية رفضت الفكرة فأنا لم يسبق لي الحديث أمام الآخرين وخصوصا هؤلاء الأجانب !!

لكني بعد فترة ارتحت للفكرة ووجدت فيها فرصة سانحة للحديث عن قضيتي التي اهتم بها !!

تحمست كثيرا وعكفت على حاسوبي ورتبت صوري بعرض جميل يتخلله بعض التلاوات المؤثرة للقرآن الكريم !!

وعندما جاء موعد الدرس وأذن لنا الدكتور بالحديث قام شاهد وعرض ما عنده فأبهر الجميع ثم جاء دوري !!

أحسست أني سأفشل !! لكني توكلت على الله ونهضت !!

تحدثت عن تاريخ الأقصى باختصار ثم تطرقت إلى مؤامرات اليهود حوله وما فعلوه عبر التاريخ وكيف شوهوا جماله بالحرق والحفر والتنقيب !!

كان الكل يصغي باهتمام !! لكن الدكتور ربما لم يعجبه كلامي !! قال وهو يضحك بسخرية :

- أرجو أن لا يتحول الموضوع إلى خطبة سياسية !!

صدمت مما قال فتوقفت عن الحديث وقلت :

- عذرا على الإطالة لكن الموضوع شيق بالنسبة لي !!

انتبه الدكتور إلى تعابير وجهي فقال مستدركا :

وهو كذلك فعلا!! لكن لدينا ما نقوله اليوم غير هذا !!

انتهى الدرس وغادر الجميع القاعة !!

بقيت أنا وشاهد نتبادل الصور عبر الحاسوب وكنا بعد العرض نجلس في مقدمة القاعة بعد قليل

جاءت الفتاة التي رأيتها من قبل فوقفت عندنا وقالت :

- عفوا هل يمكن أن أحصل على نسخة من هذه الصور ؟؟

رفعنا نحن الاثنين رأسينا فقال شاهد :

- بكل تأكيد !! لكن ليس معنا قرص لك الآن !!

الفتاة ردت فقالت:

- عندي واحد هل أحضره !!

- لا بأس !!

قالها شاهد وهو ينظر إلي بينما كنت قد خفضت بصري فهذه هي المرة الأولى التي أتأمل فيها هذه الفتاة والتي لم أكن أعلم أنها هي من كانت تبكي تلك المرة !!

رجعت إلينا بسرعة ومعها القرص !!

تناوله شاهد منها ونقل إليها ما كان معنا من الصور بينما ما زالت واقفة قريبا منا !!

وفجأة سمعنا صوت ذلك الشاب الذي كان يسخر منها !!

فبدا عليها التذمر والضيق وأشاحت بوجهها عنه !!

فعلمت أنها هي تلك الفتاة الأولى !!

أنهى شاهد نقل الصور فأعاد القرص إليها فقالت :

شكرا جزيلا لكما !! ثم انصرفت !!

قلت لشاهد متعجبا :

- ماذا تريد فتاة كهذه من هذه الصور ؟؟؟

التفت إلي وهو يبتسم فقال :

- حب الفضول !!

زيادة في المعلومات !!

رغبة في التعرف على الإسلام !!

كل هذا محتمل !!

ثم ماذا تقصد بقولك كهذه !! هل لديك نموذج آخر ؟!!

هؤلاء هن الفتيات هنا !! تحرر كامل عاد عليهن بالسوء والعذاب !!

قلت له معلقا :

_ صدقت !! في الأسبوع الماضي كانت هذه الفتاة نفسها تبكي بضعف حينما قال لها أحدهم كلاما جارحا ، كم تبدو ضعيفة !!

قال شاهد : [/color]- النساء هنا يعانين الكثير !! وإذا كن جميلات مثل ( سيلين ) فالمعاناة تتضاعف !!

قلت له : - ومن سيلين هذه ؟؟!!

- الفتاة التي نتحدث عنها !!

ألست معي أنها جميلة !!

.
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
كان شاهد يبتسم بدهاء !!

لا أدري ماذا كان يقصد !! لعله عتب علي حينما نظرت إليها !!

لكني لم أكن أقصد ذلك ولم أتعمد النظر !!

احمر وجهي خجلا وقلت :

- أنا لم أتأمل فيها جيدا فلا تسألني عنها !

قال شاهد وهو يضحك :

الأمر لا يحتاج إلى تأمل بل هو أظهر من ذلك بكثير !!

لا أدري ما الذي جعلني أبتسم له !!

ربما كانت علامة الموافقة لما قال !!

وربما لأني بدأت أعرف طبيعة شاهد !!

فهو شاب طيب إلى حد كبير يكثر من التندر على الآخرين !!

فلت له مازحا :

- أفهم من ذلك أنك معجب !!

- لا أبدا !!لكني لا أستطيع إنكار البدهيات التي أراها أمامي !!

لكننا نحن المسلمين يهمنا جمال الروح والأخلاق قبل الأشكال !! أليس كذلك ؟؟

- بلى بالتأكيد !!

- إذا يا عزيزي هيا لنخرج !!

توالت الأيام وأنا أحاول أن أكون علاقات جيدة مع من حولي !!

لكني كنت أحاول أن أكون سفيرا حسنا لديني ثم لقضيتي !!

أشعر أن الجميع من حولي يهتمون بي ويحترمونني !!

ومن عندي لم أكن أقصر في مساعدة الجميع !!

غير أني أتجنب الاحتكاك المباشر بالفتيات إلا للضرورة !!
الحلقة الرابعة

( قلق وخوف )


في نفس اليوم من الأسبوع القادم وفي درس الحضارات كنت هناك في الجامعة !!

شاهد لم يحضر !! بعد انتهاء الدرس عزمت على المغادرة !!

والتوجه للمسجد !! لم يبق إلا القليل على صلاة العصر !!

وبينما كنت أجمع أوراقي اقبلت تلك الفتاة نحوي ثم قالت :

- عفوا هل آخذ شيئا من وقتك ؟!!

- تفضلي .

- القرص الذي معي لم يعمل ولا أدري ما هي المشكلة ؟؟

أحسست أني في ورطة !! ومع علمي بخفايا الحاسب وأسراره أكثر من شاهد إلا أني قلت لأتخلص منها :


- زميلي هو الذي قام بنقل الصور من حاسوبه وهو لم يحضر اليوم !!

ردت مسرعة :

- لكنها لديك أليس كذلك ؟ جربه عندك فإن لم يعمل أعدنا النسخ وإن أنفتح فالمشكلة لدى جهازي !!

أحرجتني بطلبها فقلت :

حسنا سأجربه !!

ثم وضعت القرص في الحاسوب وجلست على مقعدي فتقدمت الفتاة وجلست بجانبي !!

حاولت الابتعاد قليلا لكن الكرسي كان مثبتا على الأرض !!

استدار القرص وانفتح فقالت بفرحة وهي تقترب أكثر لتراه حتى إن عطرها قد وصل إلى أدق خلايا خياشيمي !!

- رائع لكن لماذا لا يعمل عندي ؟!!

أحسست أني في مأزق فقلت محاولا إنهاء الموقف:

- لا بد أن هناك مشكلة لديك !!-

هل أحضر حاسوبي لتراه !!

- عفوا لست خبيرا في الحاسب ربما ننتظر شاهد أفضل !!


- أفهم من ذلك أني سأنتظر أسبوعا كاملا لأراه !!

قلت وأنا أغلق حاسوبي وأنهض :

- آسف جدا لكني أخشى أن أفسده عليك !!

قالت وهي تنهض من الكرسي :

- كيف أحصل على هذه الصور بنفسي أتدلني على مواقعها ؟؟

- قلت لك لا أعرف في الحاسب كثيرا شاهد هو من قام بهذا !! أنا مضطر للذهاب الآن !!

سحبت نفسي وخرجت من القاعة وتركتها واقفة في مكانها !!

أعلم أن هذا ما لم تكن تنتظره مني لكني لا أستطيع البقاء في موقف كهذا !!

هناك في الساحة الخارجية وقفت أتنفس الهواء العليل

وكأني أحاول طرد بقايا العطر الذي ربما وصل إلى رئتي !!

تذكرت عندها أن خالتي تعاني من يومين من الرشح !!

ومنذ البارحة لم تخرج من غرفتها !!

أسرعت إلى البيت فوجدتها في الأعلى وقد سافر زوجها منذ يومين في رحلة عمل !!

إنها تعاني من أزمة صدرية منذ عرفتها !!

طرقت باب غرفتها ودخلت فوجدتها في قمة الإعياء !!

أصررت عليها أن نذهب للطبيب فوافقت بعد جهد !!

وعند عودتنا وقفت عند صيدلية قريبة من البيت لأحضر الدواء !!

وحينما دخلت إلى هناك كانت الساعة التاسعة مساء وإذا بها تقف أمامي !!

- يا إلهي إنها تعمل هنا !! ما الذي ابتلاني بهذه الفاتنة !!

وقفت مشدوها بعض الوقت فقالت وهي تنظر إلي وتبتسم :


- مرحبا !! هل سببت لك الصداع !!

لم أجاوبها بل قلت على الفور :

- أحتاج لهذه الأدوية من قضلك !!

نظرت إلي بتعجب ثم ذهبت لإحضارها !!

أشعر أني أكاد أختنق من الضيق !! الأمر بالنسبة لي امتحان وأنا لا أحتمل المزيد !!

جاءت وهي تحمل الدواء وقالت :

- هذا كل شيئ !! ثم وضعتها في الكيس وهي تقول :

- هل أنت متعب ؟؟!!

- لا ليست لي !! شكرا لك !!


ربما لم تصدقني لكني استدرت إلى الباب لأخرج فقالت :


- إلى اللقاء !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسرعت نحو خالتي التي كانت تنتظرني في السيارة وعدنا إلى البيت !!

بقيت خالتي فترة وهي تسعل وفي الليل بقيت معها !!

رفضت أن أذهب عن غرفتها وقلت لها إن الغد يوم دراسي ممل ولن أذهب إلا بعد الظهر !!

يبدو أنها استسلمت للنوم وارتاحت قليلا بعد الدواء !!


وقفت عند رأسها وقد أغمضت عينيها فرحت أسبح في قسمات وجهها الطيب !!
كم هي ودودة ولطيفة !!

كنت أذكرها منذ الصغر وهي تغدق علينا الهدايا والحلوى بل حتى القبلات والاحتضان !!

يبدو أنها تحب الأطفال كثيرا !! لكنها بحكمة الله وإرادته حرمت منهم !!

لم يكن أحد يعلم سبب ذلك !!

وهل هي العاقر أم زوجها !!

لكن أحدهما على التأكيد يحمل قلبا وفيا إلى أبعد الحدود !!

ثلاثون عاما من الوفاء !! إنها جديرة بالاحترام !!

جلست حتى أذان الفجر فأوقظتها لتصلي وأعطيتها بعض الدواء

وحين رأيتها هادئة اسأذنتها لأنام في غرفتي !!

نمت ولم أستيقظ إلا بعد الظهر !!
صليت ثم توجهت إلى خالتي فسمعت صوتها في الأسفل !!

نزلت فوجدتها في الصالة فقبلت يدها وقلت :

- كيف حالك الآن !!

- بخير ما دمت أراك !!


- هل تودين بقائي الآن ؟؟


- لا لا أقصد ذلك وإنما ما دمت في بيتي !!

- هل أخذت الدواء ؟؟

- نعم ولكن أريدك أن تفطر قبل خروجك !!

- عذرا خالة !! أنا مستعجل لدي محاضرة بعد نصف ساعة هي وقت الطريق !! أراك بخير !!

- حفظك الله !!


الآن أنا سيلين أتحدث إليكم :


في الجامعة كان طاهر وشاهد يتحدثان في الساحة الخارجية !!

كنت أقف هناك قريبا منهم !! وكنت أيضا أعرف أنهم أصحاب فارس فكثيرا ما كنت أراهم معا !!


إنهما يقفان وفارس ليس معهما !! شككت أنه لم يحضر !! لكنهما كانا يتحدثان بانفعال !!

استأذنت صديقتي التي كنت معها ومشيت حتى اقتربت منهما قليلا ووقفت أتشاغل ببعض كتبي !!

لحسن الحظ أن شاهد لا يجيد العربية ولهذا فإنهم مضطرون للحديث معه بلغتي !!

تكلم طاهر وقال :

- أعتقد أن فارس لن يحضر اليوم !!

رد شاهد : - لماذا هل اتصل بك ؟؟

- لا لكنه لم يتعود التأخير !! وأنت تعرف ما حصل في فلسطين هذا الصباح !!


- هل تعني أن لغياب فارس علاقة بذلك ؟؟

- وهل تتوقع من شاب متحمس لقضيته كفارس أن تمر عليه الليلة بسلام ؟؟!!!!


العمليات الفدائية هناك مؤثرة فينا نحن فكيف بهم !

أضاف شاهد :
- وليس أي شاب !! إنه مرهف الإحساس ويشعر بالذنب لمجرد أنه ترك أهله وهم يضطهدون !! قال لي ذات مرة :
- كيف أرتاح وهم يتقلبون على الجمر !!!! ربما يجب أن نتصل به ونطمئن عليه !!

رد طاهر :
- اتصلت ولم يجب !!

مشى الاثنان وشعرت بالتوتر لما قالاه !!

ها أنا فارس !!:


بعد الظهر دخلت إلى الجامعة !! وجدت طاهر وشاهد في ممر المصلى قلت مازحا :

- اجتماع طارئ ودون علمي ؟؟!!

- طارئ لغيابك !! أين أنت يا رجل !!؟

- خالتي متعبة واضطررت للسهر معها وهذا كل شيئ !!

نظر الاثنان إلى بعضهما وكأنهما يخفيان عني شيئا !!

في نهاية اليوم خرجنا نحن الثلاثة إلى مواقف السيارات !!

لكن شاهد دعاني إلى شقته هذه الليلة !!

وعدته أن أكون معه إن كان وضع خالتي يسمح بذلك !!

***


تتذكرون أني كنت قلقة على فارس !!

لم أفهم تحديدا ماذا كان يعني كلام أصحابه !!

خرجت من الجامعة فوجدت شاهد عند سيارته فتقدمت إليه وقلت :

- عفوا من فضلك !!

التفت إلي وقال :
- ماذا !؟؟

حاولت إخفاء اهتمامي بفارس فبدأت الحديث عن القرص أولا فقلت :

- أيمكنني التحدث أم أنك مستعجل ؟!!

- تفضلي !!

- القرص الذي أخذته منك لم يعمل لدي وقد ذكرت ذلك لزميلك في غيابك !!

قاطعني وقال : - تقصدين فارس !!

- نعم هو !! لكنه اعتذر وقال إن علي الرجوع إليك فهل يمكنك معالجة ذلك !!

-حسنا سأرى ما مشكلة جهازك لكن ليس الآن بالتأكيد !!

- غدا أين ألقاك ؟؟

- في قاعة الدرس فغدا درس الحضارات أليس كذلك !!

- أوه لقد نسيت !!شكرا لك !! لكن عندي سؤال أخير !!

- ماذا .

- هل فارس لم يحضر اليوم ؟؟
تبسم شاهد وقال :

- ولم السؤال ؟؟ كيف علمت بذلك ؟؟

تلعثمت وقلت :

- رأيته البارحة متعبا !! وسمعتكم اليوم تتحدثون عن غيابه فأحببت الاطمئنان فقط !!

- كلا هو بخير !! وقد حضر بعد الظهر !!

تهلل وجهي بطريقة ربما تعجب منها شاهد لكني قلت له :

- شكرا أراك غدا !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الخامسة..

( بداية الصراع ..)

الآن شاهد يتحدث إليكم :

لا أدري ماذا أقول لكم !! فأنا ما زلت متعجبا من كلام هذه الفتاة !!

ومن اهتمامها بفارس !! صحيح أن فارس شاب مهذب ولطيف ويدخل قلبك لمجرد أن تراه !!

لكنه حقيقة ملتزم وحذر جدا في التعامل مع الفتيات !!

بل إنه يحاسب في كلماته ونظراته !!
ولا أعتقد أنه بهذه المواصفات يروق للفتيات هنا .

تساءلت في نفسي :
متى رأته متعبا البارحة !! وأين ؟؟ وهل كان متعبا وأنا لا اعلم ؟؟


قطعت التفكير وعاتبت نفسي !! فهو أخي الذي أثق به ، لكن ربما غيرة الشباب ثارت في عروقي !!


أدرت المسجل بسيارتي على شريط القرآن الكريم فهدأت نفسي معه..ومضيت في طريقي إلى هناك حيث أسكن .

لم أنس أنني دعوته لضيافتي هذه الليلة..وأن علي أن أرتب المكان بشكل يليق به..

فهو يسكن مع خالته في أرفى أحياء المدينة !!

أعددت الشاي ورتبت الطاوله فسمعت صوت الجرس .. فتحت الباب فوجدت فارساً أمامي بادرته قائلاً:

_ مرحباً بك.. لم أعلم إلا اليوم أنك شخص مهم في الجامعه ..

_ دعني أدخل ثم تفلسف كعادتك .
_ تفضل ..

_ ما مصدر هذه الأهميه في نظرك
(قالها فارس وهو يخلع معطفه)..


_ أولاً : تأخيرك في الحضور للجامعه أقلقني وهذا يعني مكانتك الكبرى لدي ..

وثانياً: سؤال البعض عنك ممن لم تتوقع أن يهتموا بك ..
رد فارس بسرعه:

_ د.مايكل؟؟

كنت وعدته المجيء إلى المكتب الخاص به صباحاً لكنني لم أعتذر فعلاً لقد نسيت !!

قلت وأنا اضحك:

_ لا ياغافل..ليس الدكتور مايكل إنها سيلين ..,لنا الله

, لو غبت شهراً كاملاً لا أظن أن مثلها سيسأل عني ..

تغير وجه فارس واحمر خجلا وقال :

_ وهل تعتقد أنه من الأفضل لك أن تسأل عنك النساء ؟

_ لا طبعاً, لكني أعلم أن الكثير من الفتيات هنا يتصرفن بعفويه ,

وقد اعتدن على هذا من قبيل الذوق , لا لشيء آخر ..عموماً لا تغضب كنت أمزح معك ..
زاد غضب فارس وقال:

_ وما علا قتي بها حتى تسأل عني ؟؟!

حاولت تهدئته فقلت وأنا أبتسم :

_ القرص أولاً,,

وثانيا تزعم انها رأتك البارحه متعبا ولذا فهي قلقه لتأخرك.!!

( كنت سأضع الشاي على الطاوله فرأيت فارس يقف غاضباً ويقول
_ شاهد أرجوك لا تكلمني بهذه الطريقه,

إنك تجرحني كثيراً , أنا لست من النوع الذي في ذهنك!!

أرجوك أن تفهمني , كنت في الصيدليه لشراء دواء لخالتي فتفاجأت بها هناك!!

وقد حاولت منذ الصباح أن تتحدث معي عن قرصك المشؤوم هذا وأن أصلح لها جهازها فقطعت عليها السبيل واعتذرت ,

هذا أولاً , وثانياً:

أنا لم آتك هنا لتحقق معي!!

ولا أريد أن تحدثني هكذا مرة اخرى!! .,,أفهمت؟؟

نظرت إلى عينيه وهو غاضب وقلت:

_ ما بك يا رجل , لا أحد يمزح معك ؟

أنا قلت الحقيقه وأعدك ان لا أفتح فمي عنها بعد اليوم..

ثم استدركت:

لكن لحظه ..!! وعدتها أن أعيد لها القرص غدا فإن شئت أن لا تراها فلا تجلس بجانبي ثم تلومني على قرصي المشؤوم..اتفقنا؟؟

نظر فارس إلى الطاولة فجلس ثم قال:

_ شاهد أنت لا تشعر بما أشعر به , اقسم انك فجرت في داخلي بركاناً عميقاً!!

أنا أكره هذه البلاد ..أكره هذا جداً ..لكني مضطر للبقاء,

لا أدري كيف سيكون وقع الخبر على والدي لو فكرت في الرجوع, انهما يتحملان الكثير لأجلي ..

بالأمس وصلتني منهم رساله تحكي أدق التفاصيل ..

خربشات الصغار على ظهر الرساله فجرت دموعي ..

أنت لا تعلم كيف كنت أعيش هناك ؟؟!!

انه الجحيم بعينه في كل يوم قتل واعتقال وتدمير ونسف بيوت ورصاص وقهر وحرمان من أبسط حقوق الانسان ..

وكل هذا يتم بدعم امريكي 100% أنا لا أطيق النظر إلى هؤلاء الناس وكلهم عندي شركاء في الجريمه , انني عابر سبيل فقط,لكني حتى الآن عاجز عن تقبل ذلك!!...


أحسست بما في قلبه من مرارة وكدت أبكي لاجله لكني تمالكت نفسي وقلت:

_ أفهم شعورك يا فارس لكنك مخطئ ان فهمت ان الكل هنا اعداء لك !!

الذي يدعم إسرائيل هو الحكومه والشعب لا ذنب له ..

وان علم بشيء من ذلك فالحقائق مشوهة تصوغها له وكالات الأنباء الصهيونيه العالميه ,,

واجبك ان تخدم قضيتك هنا وان تسعى لكسب الناس بأخلاقك وتعرفهم بمعاناة شعبك فأنت تعلم أن الشعب هم قناتك نحو الحكومه والشعوب هنا تملك العديد من أدوات التغيير مع حكوماتها لكنني لا أريد ذلك منك الآن .

عليك أن تهتم أولاً بدراستك . وأن تكون علاقات جيده مع الآخرين بحكمه وعدل ودع هذا المشروع لاحقاً حتى تتفرغ له وتخطط له بدقه...

نظرت إليه وهو شارد الفكر فقلت مازحا :

- أعتذر عن مضايقتي السخيفة وهيا لنتناول العشاء !!

إنه المفضل لدي ( بيض مسلوق مع حبات الطماطم المملحة ) !!

جلسنا على الطاولة وتناولنا العشاء ثم أسند فارس رأسه على الكرسي بتعب ظاهر !!

قلت له : لماذا لا تنام عندي الليلة ؟؟!!

- لا يمكن خالتي تقلق كثيرا .

- اتصل بها ، أنت متعب ولن أدعك تقود السيارة بمفردك ليلا !!

اتصل فارس بخالته فقالت له :

- أول وآخر مرة !!

قلت له مازحا :

- إنها حريصة عليك !!

- البركة في تعليمات الوالدة !!

- ما أسعدك !!كم أنت محظوظ !! الغربة هنا بلاء وفتنة !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة السادسة

( أنا في مأزق !!)

ها أنا فارس عدت إليكم ..

اليوم في الجامعة تعمدت الابتعاد عن شاهد فتركته يذهب إلى الخلف وجلست في الأمام..

وبعد انتهاء المحاضرة جاءت سيلين إليه وأعادت القرص القديم أعطاها هو آخر وأراها كيف يعمل على جهازها ..

قامت من عنده لكنها في طريقها إلى الخروج وبينما كنت أجمع أغراضي توجهت إلي وقالت :

- مرحبا !! كيف الحال ؟

- لم أرفع رأسي إليها لكني قلت : [بخير ]

-هل لديك ارتباط أم نخرج إلى الفناء معا ؟!

- مضطر الآن للذهاب مع شاهد لأنني لم أحضر سيارتي

- أنا أوصلك بسيارتي !!

رفعت رأسي ونظرت إليها بتعجب !!

قالت مستدركة :

- إن رغبت في ذلك طبعا !!

- شكرا !! سيارتي عند بيته ولا بد أن أعود معه !!

قالت بصوت منخفض :

- بحق السماء هل أنت مضطر للذهاب معه !!

نظرت إليها وقد ثار الدم في عروقي وقلت :

- أنا لا أكذب !! وهذا شاهد إسأليه !!

حينما التفت إلى شاهد رأيته غارقا في الضحك !!

إزداد حنقي عليهما وقلت بصوت عال :

- أليست سيارتي عندك ؟!!وسأعود معك !!

قال شاهد وهو يضحك :


- نعم نعم !! إنها الحقيقة !! أنا وعدته بذلك !!

تسمرت سيلين في مكانها وقالت :

- آسفة !! لم أقصد تكذيبك !! أردت المساعدة فقط !!

قلت بانفعال :

- لا داعي لذلك !!

خرجت بسرعة وتركتها واقفة وتبعني شاهد ..

وصلنا إلى السيارة وانتظرته قليلا ثم ركبنا معا فأدار المسجل على القرآن الكريم..و لم يتكلم معي أبدا ..

وضعت رأسي على الكرسي وأغمضت عيني في محاولة لنسيانها والاستمتاع بكلام الله حتى وصلنا .

وحينما نزلت شكرت شاهد وهممت بركوب سيارتي لكنه قال :


- أعتقد أنك الآن قد ارتحت .. هل تسمع مني ؟

- تفضل

- يجب أن تعلم أن الطريقة المثلى للتخلص من هذه الفتاة أن تتحدث معها بصراحة عن موقفك من صداقة الفتيات !! وأنك لا ترغب في ذلك !! أما أن تراوغ أو أن تجرحها كما فعلت فلا يحق لك ذلك !! إنك تحمل صورة عن دينك يا رجل !!

قلت له متعجبا :

- ولكني لم أخطئ

وقف شاهد وقال :

- لقد انهارت بالبكاء عند خروجك !! أنت لا تعلم كم هي المرأة ضعيفة !! تحتاج إلى رجل يحميها فلا تجد إلا من يعبث بها !! وعدتك أن لا احدثك عنها لكن هذا ما عندي بعد الذي رأيته منك اليوم !!

- ولماذا لا تقوم بذلك أنت عني ؟ما دامت هذه قناعتك ..

_ آسف !! الناس هنا لا يفهمون الوساطة في هذه الأمور .. هذا شأنك أنت..وإلا تحمل أن تظل تلاحقك..

رافقتك السلامة !!

ركبت سيارتي ومشيت في طريقي وأنا في غاية التوتر وحينما دخلت البيت وجدت خالتي في الحديقة مع جارتها العجوز وما إن سمعت صوتي حتى نادتني وهي تقول لها :

هذا ابني الذي انتظرته طويلا..

أقبلت إليها وقبلت يدها وحييت العجوز ثم استأذنت للنوم ..

صعدت إلى غرفتي وبدلت ملابسي.. أشعر بتعب شديد ..

رميت نفسي على السرير وأنا أفكر في كلام شاهد !! وفي الفتاة التي ما زالت صورتها لم تفارق عيني

يا إلهي !! ما شأني بها !! أنا لم أخطئ !! أنا حر في اختيار أصدقائي !! كيف ألقي بنفسي في الفتنة لأعتذر إليها
يااارب !!! ما هذا البلاء !! عونك يا إلهي

أشعر أني سأسقط من شدة الدوار !! حتى وأنا مستلق على السرير !! حاولت النوم فعاندني ثم استسلم لي أخيرا


وهناك في المنام..

رأيتها ..تحت شجرة الزيتون

إنها ( وداد ) بحجابها وجمالها الطاهر وحيائها الكريم ..

رأيتها مع أختي وفاء تتحدثان وتتهامسان فتضحكان .

اقتربت منهما فاختبأت عني خلف وفاء !! حاولت أن أنظر إليها لكنها فجأة طارت واختفت في الأفق البعيد

أخذت أركض وأركض خلفها حتى سقطت من شدة الإعياء

وفاء تناديني من خلفي وأنا لا أهتم بها )


وفجأة استيقظت من نومي فزعا !!

أشعر بتعب حقيقي من هذا الكابوس

لويت ركبتي وفركتها بيدي !! كم هذا مؤلم

حمدت الله أني رأيتها في المنام فأنا لم أعتد أصلا على كثرة رؤيتها حتى وأنا هناك ..

أحس بثقل عظيم في صدري وشيئ ما استيقظ في قلبي

قمت فتوضأت وصليت ركعات بكيت فيها كثيرا

وما إن سلمت حتى شعرت براحة عجيبة

أحس أن دموعي غسلت قلبي

دعوت الله أن يحميني وأن يحفظني بحفظه

فأنا ضعيف لوحدي محتاج إلى لطفك يارب !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة السابعه

سألت عن الإسلام..



اليوم كنت خارجة من الجامعة وفي نفسي شيء من التوتر ..

ذهبت لسيارتي وبحثت عن المفتاح فلم أجده !

أوه لقد نسيته بالداخل !! ما هذه الورطة !!؟؟

وقفت قليلا في البرد القارس وحينما هممت بالانصراف رأيت فارس يقبل نحو سيارته التي كانت قريبة من سيارتي !!

أقبلت نحوه ثم قلت :
- لقد جاءت بك السماء !! أرجوك ساعدني لأفتح الباب لقد نسيت المفتاح بالداخل !!

نظر إلي ببرود وقال :

- لست محترفا في هذه الأمور

شعرت بحرارة الغضب تسري في عروقي فأنا أكره اللامبالاة إلى هذه الدرجة !!
قلت بعصبية :

- كل ما أريده منك هو مفتاحك وبعض المساعدة

وقف قليلا وكأنه في ورطة ثم التفت فرأى طاهر وزوجته يتجهان نحو سيارتهما فقال بسرعة :

- لحظة من فضلك ..

إتجه إلى طاهر وتحدث معه بالعربية ثم أقبل إلي وهو يقول :
- جئت بمن هو أمهر مني !!

حاولا فتح السيارة معا فلم يفلحا فقلت لهما بعد أن كررا المحاولة بفشل :

- شكرا لكما ، سأنتظر ربما أجد من يوصلني أو أذهب بالحافلة آسفة لتأخيركما نظر فارس إلى طاهر الذي قال في الحال :

- عندي حل آخر ،زوجتي تصحبك للمنزل بسيارتي وأنا وفارس سنذهب معا فلدينا عمل لا يقبل التأخير !!

تهلل وجه فارس بطريقة واضحة.. يبدو أنه كاد أن يصفق لطاهر الذي أنقذه من عناء الرفض فيما لو طلبت منه إيصالي !!

هذا ما فهمته جيدا ..

وقفت قليلا فجاءت نجاة بوجهها البشوش وذهبت معها إلى السيارة .

- أعتذر عن إزعاجك لكني في ورطة حقيقية وأنا لا أحب ركوب الحافلات

- أبدا ، فرصة طيبة لأراك.. أنت على الطريق.. لكن لم لا تحبين الحافلات ؟

- أحيانا أشعر فيها بالخوف وتحصل بعض المضايقات !! تعودت أن أكون وحدي في السيارة وهذا أفضل

ساد الصمت بيننا قليلا ثم قلت :

- من أين أنت يا نجاة ؟؟

- من المغرب وزوجي من الجزائر ..

- لا فرق عندكم بين البلدان ؟؟

- لا يهم !!المهم أن يكون مسلما مثلي !!
قلت لها بحماس :
- سمعت عن الإسلام الكثير..و قرأت عن الإسلام القليل،

لكني حقيقة لا أحب المغامرة بأمور كهذه !!

وإن كنت أحببت أخلاق بعض المسلمين هنا وأشعر أن ما يقال عن الإسلام ليس صحيحا تماما !!

-الإسلام دين عظيم لكن فيه أمورا تحتاج إلى بعض التوضيح

أخذها غير المسلمين كنقائص يشوهون بها صورته !!

قلت باهتمام :
- مثل ماذا ؟؟

- مثل قضايا المرأة والجهاد والعقوبات ..

- يبدو أنك مثيرة يا نجاة !! لكن لدي سؤال عن المرأة هل تسمحين ؟؟

- تفضلي !

- هل دينكم يحرم الحديث إلى النساء أو مساعدتهن ؟؟!!

- أبدا الإسلام يدعو إلى التعاون بين جميع الناس !! لكن الحديث مع المرأة حينما يكون غير مهذب فإن الإسلام يحرمه !! لماذا تسألين عن هذا بالذات ؟

- لا شيء !! أحيانا أتحدث مع بعض المسلمين فأشعر بلطفه واهتمامه .. وأحيانا أتحدث مع آخرين فأشعر أنهم يتعالون علي ، وربما يتحدثون معي باحتقار أو غلظة !!

- لعلك من النوع الحساس جدا ،أو انك لم تفهمي مقصود من يحدثك .

- حينما ينظر أحدهم إلى السماء ويقول : أنا مضطر للذهاب الآن ، عذرا لا وقت لدي،دون ان يكلف نفسه حتى بالنظر إلى من يتحدث معه !! ماذا يعني ذلك ؟!! إنه الغرور بعينه .

- أظن أني عرفت من تقصدين !! إنه فارس أليس كذلك ؟!!

- بالطبع !! أنت لا تعرفين كم أهانني حينما جئت لأطمئن عليه بعد غيابه !! عرضت عليه إيصاله بسيارتي فرفض بطريقة فجة !! إنه يتعمد تجاهلي إلى درجة تجعلني أحترق غيظا !!

سكتت نجاة ثم قالت :

- إنه لا يتعمد إهانتك !! نحن المسلمين نعتقد ان الخلوة بالمرأة الأجنبية أمر محرم !! إنه تشريع إلهي للوقاية من الانحراف والحفاظ على الأعراض !! لكن احترام المرأة في ديننا واجب !! أما نظره إلى السماء فليس تجاهلا لك !! أنت لا تعلمين أن النظر إلى فتاة جميلة مثلك يمثل سهما قويا يصيب قلب شاب صغير كفارس !!
ربما لا يستطيع بعد هذه النظرات أن يتحمل البعد عن ما يحدث عادة عندكم بين الأصدقاء من الجنسين !!
إسمحي لي أن أقول لك :
إن هذا وإن كان شائعا ومقبولا لديكم إلا أنه في ديننا محرم لا يجوز الاقتراب منه !!


وصلت كلماتها إلى سمعي وفهمتها بقلبي، بل ازداد قدره في نفسي ..إذا هو لا يحتقرني !! وربما لا يكرهني !!

إنه يفعل ما يقتضيه دينه الذي أحترم التزامه به.

إنني أعشق الأشخاص الجادين الذين يلتزمون بما يعتقدون ،
أوصلتني نجاة إلى بيتي ..

وأعطتني رقم هاتفها ، وتفرقنا بعد أن أصبحنا صديقتين !
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الثامنة..

القنبلة الخطيرة !!)

اليوم هو الجمعة .. وقد اعتدت أن أكلم والدي كل أسبوع في هذا اليوم ،لم يجب أحد على اتصالاتي هذا اليوم !!

انقطاع الهاتف أمر شائع في بلادي لكني هذه المرة أشعر بالقلق إزاء ذلك !!سألت خالتي :

- متى تحدثت مع والدتي آخر مرة ؟!!

- قبل أسبوع هل هناك شيء ؟!

- لا لكن أردت الاطمئنان فقط !!

أحسست بضيق جاثم على صدري فقررت الخروج إلى الجامعة.. لم يكن لدي محاضرات إلا بعد الظهيرة !!

توجهت إلى الكافتيريا فأنا بحاجة مع هذا الصداع و التفكير إلى فنجان من القهوة من النوع الثقيل الذي أدمنته للأسف منذ مجيئي إلى هنا.

وقفت أمام البائع وطلبت منه ما أريد ثم توجهت إلى طاولة قريبة وجلست .

سمعت صوتا خلفي يقول :

- صباح الخير

!! التفت إليها فإذا هي سيلين . يا إلهي كيف تجدني هذه الفتاة أينما ذهبت !

رددت باقتضاب :

- مرحبا .

- هل لديك محاضرة قريبة ؟!

- نصف ساعة من الآن .

أتى البائع بفنجان القهوة وحينما أخذته قالت :

- أتسمح لي أن أحدثك قليلا ؟!

-كنت أريد الخروج في الهواء الطلق !!

- نخرج معا ؟!

- لا لا سأجلس هنا !!

جلست وهي تقول : - حقا شكرا لك !!

نظرت إليها باستغراب فأنا لم أوافق أصلا على جلوسها معي !!لكني سكت وعزمت الأخذ بنصيحة شاهد وأن أبين لها موقفي بصراحة وأرتاح !!

لم تتكلم لبعض الوقت وكأنها تخفي شيئا !!

حاولت إنهاء الموقف فلم أجد الشجاعة الكافية للبدء بما عزمت عليه فقلت بعفوية !!

- تريدين قهوة ؟؟

تبسمت وقالت : - من فنجانك ؟؟

ارتعشت يدي وكاد فنجاني أن يسقط !! وأحسست أن الدم فار في وجهي !!

من تظن نفسها هذه حتى تحدثني بهذه الطريقة !!

قلت لها بعصبية : - لا بل من الكافتريا !!

قالت :
- أنا لا أشرب القهوة !! ولا أريد أن آخذ من وقتك !! لكني أحببت أن أعتذر لك !!

تفاجأت من هذه الكلمات !! فقد كنت من يجهز نفسه للاعتذار قبل قليل !!
عدلت جلستي وقلت :

- من ماذا ؟

- من مضايقتي لك !! سؤالي عنك !! بينما لا ترغب أنت في ذلك !! سمعت من نجاة أنكم لا تفضلون محادثة النساء لكني أقول لك : لست أرغب في صديق وإنما في أخ !! هل يزعجك ذلك !!

لا أدري كيف استجمعت قواي وقلت :

- ماذا تعني الأخوة لديك !!؟؟

احمر وجهها خجلا وطأطأت رأسها وهي تقول :

- تعني أن تسمع لي إذا حدثتك !! أن تساعدني إذا احتجت إليك !! أن....

تغير صوتها قليلا فرفعت بصري إليها فإذا عيناها ملأى بالدموع !!

لقد سكتت عن الكلام !! لا أدري ما الذي اعتراني في تلك اللحظة !!
إنني أشعر بالنخوة لمجرد سماع كلمة أخي !!

تخيلت فيها صورة وفاء أختي وهي تبكي وتطلب مساعدتي !!

قلت لها :

- أعتذر عما بدر مني تجاهك !! أشعر أني غريب هنا !! عام كامل مضى منذ قدومي لم اشعر أنني ارتحت فيه يوما واحدا !! أنا غريب هنا يا سيلين !! أرضي وأسرتي وحياتي هناك لم تفارقني لحظة من الزمن !! لا تصدقين إذا قلت لك أنني قادم من الجحيم !! نعم من الجحيم بعينه !! لكني اتمنى أن أعود إليه !! رغم كل ما لديكم هنا من الرفاهية والسعادة إلا أنني أشعر أني أزداد سوءا يوما بعد يوم !!

قالت هي :
- أنت لم تحاول الاندماج هنا !! ولا التكيف مع الحياة !! غيرك من الشباب كثير عاشوا سنين طويلة واستمتعوا بها !! بل لم يرغبوا بمغادرة الولايات !! بعضهم حصل على الجنسية واستقر هنا !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أحسست أن كلماتها نزلت علي كالصاعقة !!

مذا تريد مني هذه الفتاة ؟!! أتريد أن أنسى هويتي وأنسلخ من جلدي !!

قلت بصوت منفعل :

-أنا لا أريد !! نعم لا أريد !! لقد جئت إلى هنا لهدف واحد فقط وهو العلم ولن أتخلى عن هويتي أتفهمين !!؟

تغير وجهها وقالت :

- عفوا !!لم أقصد ذلك !! إنما قصدت ...........

قاطعتها وقلت :

- بقي دقيقتان وتبدأ المحاضرة !!

- لكني لم أكمل كلامي بعد !!

أجبتها وأنا أدير ظهري :

- لم يكن ينبغي أن نتكلم أصلا !!

شعرت وأنا في طريقي إلى القاعة أني متوتر جدا وأنه لا طاقة لي بساعتين قادمتين
خصوصا أن القلق على أسرتي زاد بعدم إجابتهم على الهاتف

وفي أثناء ذلك قررت أن أعود إلى البيت لأرتاح ,

كنت أفكر في أهلي وأحاول الإتصال بهم حتى قطع علي زميلي عبد الرحمن واتصل بي :

فقلت:
- منذ مدة لم أسمع صوتك ..

- إنني مشغول بإعداد بحث التخرج , ولا أكاد أغادر المكتبة , أين أنت الان ؟؟

- في طريقي إلى البيت .

-هل لديك بطاقة عضوية بالمكتبة ؟


- نعم هل تريدها ؟

- بطاقتي نفذت مدتها وأحببت الإستعانة ببطاقتك قليلا , غدا أراك في المكتبة إن أمكن .

- إن شاء الله , حسنا.

- على فكرة ما أخبار أهلك في فلسطين ؟

- بخير إن شاء الله .

- هل هم قريبون من مخيم جباليا ؟؟

- لم السؤال ؟

- العملية الأخيرة كان منفذها من هناك , ألا تعلم ذلك ؟

- ماذا ؟ أي عملية ؟

- ألم تسمع بها ؟

- لم أسمع بشيء وعائلتي قرب ذلك المكان !!!

- عذرا فارس إن كنت فجعتك , ظننتك تعلم بذلك .

- عبد الرحمن هل أنت جاد فيما تقول ؟؟

- آسف فارس أنا لم أتابع الموضوع بدقة أرجو أن لا أكون قد أخطأت .

كنت وهو يتحدث أغرق في بحر من الآلام لا أكاد أفيق من غمراته , شعرت أن حلقي جف وقلبي يتسارع نبضه وأطرافي شلت عن الحركة .

- فارس أتسمعني ؟

- نعم إلى اللقاء !!

أغلقت الهاتف وقمت بسرعة لأصعد إلى غرفتي !! وجدت خالتي تنزل من السلم فقالت :

مابك مستعجل !؟

- لا شيئ زميلي يريد مساعدتي في الكمبيوتر !! سأتصل به عبر الحاسب !!
صعدت إلى غرفتي وبحثت في الشبكة عن الأخبار !!

لا أدري لم كنت مشغولا هذه الأيام عن متابعة الأخبار !!

إن مرض خالتي وتراكم بعض العمل الجامعي أنساني متابعة الأحداث هناك !!

( عملية كبرى في تل أبيب سقط فيها ثمانية قتلى وعشرون جريحا !! نفذها شاب من مخيم جباليا !! كان يدرس في الجامعة وتم نسف منزل أسرته !! منفذ العملية يدعى حسام علاء الدين !!)

يا إلهي لا أصدق !! ( حسام صديقي !!) إنه شقيق وداد !! ابن جيراننا !!
لم أستطع تصديق الخبر !! وجدت في الشبكة شريطا بثته كتائب الأقصى لمنفذ العملية !! إنه حقا حسام !!

سمعت صوته ورأيت صورته !! ثم انخرطت في بكاء عميييق !!!

هز البكاء جسدي ولولا خوفي على خالتي أن تسمعني فتعاودها الأزمة لصرخت بأعلى صوتي !!

أي مأساة أجبرتك يا حسام على أن تتحول إلى قنبلة بشرية !!
حسام الوسيم الذي لم يتجاوز العقد الثاني من عمره !! لا اصدق !!

وضعت رأسي بين رجلي وبكيت كطفل صغير لا يستطيع أن يترجم عجزه إلا عبر هذه الشهقات المتوالية !!

لا أدري كم ساعة بكيت !! لكن الذي أتيقن منه أني تعبت من كثرة البكاء !!

الآن فقط عرفت لماذا لا يجيب هاتف منزلنا !! لابد أن منزلنا تعرض لسوء !!

إنه ملاصق لدار حسام !! لكن هل أهلي وأهله بخير !!؟؟

قررت أن أتصل بخالي في الأردن !! فقد أجد عنده جوابا !!

تحاملت على نفسي وقمت من فراشي واتصلت بخالي في الأردن وسألته عما حدث !!

- نعم يافارس !! والداك تركا المنزل مؤقتا !! إنهم الآن عند عمتك سهام في عين الحلوة !! ربما يعودون قريبا إذا أصلحوا الجدار !! والدتك اتصلت بنا وطمأنتنا عليهم وطلبت منا أن نتصل بك !! لكني لم أكن شجاعا لأخبرك بذلك !!

- خالي أرجوك !! قل الحقيقة !!

- إنها الحقيقة يا بني !! أرجو أن لا تعلم خالتك عن شيء ربما مرضت !!

- أعدك بذلك !! لكن كيف أتصل بهم !!؟

- أعطتني والدتك رقم هاتف زوج عمتك لعلهم يردون عليك !!

- أعطني إياه وسأتصل بهم !!

اتصلت بالرقم وسلمت على زوج عمتي وطلبت والدي الذي ما إن سمعت صوته حتى شعرت أن عجز الدنيا بأسرها يسكن قلبي !!

استحلت إلى طفل صغير ورجعت إلى الوراء عشر سنين !!

تمنيت أن أصرخ وأناديه كما كنت أفعل إذا داهمني الخوف !!
شعر أبي ببكائي فقال :

- مابك يا بني !! نحن في عرس !! كلها أيام ونعود إلى البيت !! نصلح الدار ثم الهاتف ثم نتصل بك فورا لا تقلق !!

- لكن !!حسام ......... بكيت بقوة فما زلت عاجزا عن التصديق فهو صديقي منذ الطفولة !!


- حسام شهيد لا تبك عليه !! الرجل لا يبكي !! أنسيت !!

هكذا يريد والدي وهكذا يظن لكني لا أستطيع يا أبي لا استطيع !!
قلت بصوت مبحوح :

- أين أمي ؟!!

- النساء في مكان آخر لاتقلق سأخبرها باتصالك !!

- وعم علاء !!

- الله معه !! أخذوه ولا نعلم عنه شبئا !!

- وعائلته !؟

- النساء انتقلوا عند أرحامهم ولا أعلم كيف ستكون أحوالهم !! سأبذل جهدي لرعايتهم إن شاء الله !! عذرا بني لقد أطلنا أستودعك الله !!

- لا تقلق يا أبي سوف أرسل لكم بعض النقود سلامي للجميع !!

أغلقت الهاتف وأغلقت عيناي معه لتنهمر منهما الدموع !!

استلقيت على السرير فلم أشعر بالراحة !! جلست فلم أرتح !! وقفت وأمسكت بالجدار ووضعت رأسي عليه وأنا أنتحب !!

يا لقساوة هذا الجدار !! ويا لقساوة الاحتلال !!

تذكرت الرؤيا التي رأيتها قبل ليال !!

وكيف طارت وداد في الأفق ولم أستطع الوصول إليها !!

فهل كان هذا هو معناها أم بقي المزيد ؟؟!!

حسام يعود لناظري مرة أخرى !! منذ عرفته ونحن طفلين وهو عنيد ومشاكس !!

لقد كان شوكة على جنود الاحتلال !! ملّ من رمي الحجارة عليهم وتقرحت يداه من كثرة حملها !!

لماذا قرر هذه المرة أن يستخدم جسده بدلا من الحجارة !!

كيف استطاع التسلل إلى هناك !! يارب لطفك !!!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة التاسعه..
( استعداد للرحيل )
مكثت يومين أفكر بحزن وأتذكر أني وعدت أبي بالمال .. لكني لا أعلم من أين آتي به ؟

- هل أطلب من عمي وزوج خالتي حسان ؟

إنني أخجل منه فكل ما لدي منه ..
- هل أقترض ؟ نعم سأقترض !! ليس هناك سوى طاهر .. فهو أخي وميسور الحال وسوف يساعدني إن شاء الله .

في المساء اتصلت بطاهر وحينما ذهبت إليه وقصصت الخبر عليه قال :

- هون عليك يا فارس..أنت تعلم منزلة الشهيد عند الله ، أخوك كان سيموت بهذه الطريقة أو برصاص طائش أو بغدر العدو !!
الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون !!

أجبته بحزن :

- لا تعلم كم اعتدنا أن نرى الموت عدة مرات في اليوم.. لكني حقا أشعر بالأسى الشديد ..ربما لأني لست معهم !!

ماذا أفعل ؟؟ لقد كرهت البقاء هنا .. وأتمنى أن أعود بأسرع وقت !

- لا بأس هذا هو شعور الجميع في السنة الأولى !!

ربما لو ذهبت للزيارة واطمأننت عليهم تتغير أحوالك..

- حقا !! وهل يمكنني أن ازور الآن ؟

- إذا كانت دراستك تسمح فما المانع ؟!!

- لعلي أسعى في ذلك فأنا لم أعد أحتمل ..

سكتنا قليلا ثم قلت باستحياء :

- طاهر ! عندي طلب يسير أتمنى أن تحققه !!

- أنت تأمر يا فارس !!

- والدي يحتاج إلى بعض المال لإصلاح ما تهدم من الدار وقد وعدته بذلك !!
فهل يمكن أن اقترض منك ألف دولار !!

- بكل سرور .. بل يمكن أن تعتبرها أجرة مقدمة !!

- أجرة ماذا ؟

- أجرة عملك عندي .. فأنا منذ زمن أرغب في طلب ذلك منك !!ولكني كنت أعتقد أنه لا يمكنك ذلك .

- وما طبيعة العمل ؟

- أحتاج لشاب مثلك يدير بعض الأمور في شركة والدي في وظيفة مراقب حسابات !..

وهذه مهمة تصلح لك !! فأنت شخص أمين وسأعتبر أن مالي في يدي .. ثلاث ساعات في المساء يوميا أعتقد أنها لن تثقل عليك !! اتفقنا ؟؟

- اتفقنا !!

- غدا سأريك المكان وسوف يعجبك العمل إن شاء الله ..

لكني لن أعطيك إجازة قبل شهرين من الآن !!

تبسمت لطاهر وقلت :

- كما ترى..

أخذت النقود من طاهر وخرجت من عنده .

في الغد توجهت إلى المكتبة فوجدت عبد الرحمن هناك وأعطيته بطاقتي ..

ثم توجهت إلى القاعة ووجدت شاهد في طريقي فمشينا معا ..

وعند ذلك مرت سيلين بجانبنا وهي تقول :

- مرحبا كيف حالكما !!

رد شاهد : بخير!! كيف حالك !!

-بخير !! وأشكرك على هذا القرص الرائع !!

تقدمت وأكملت المسير بينما تمهل شاهد لمحادثتها..

قالت بصوت سمعته :

- مابه فارس ؟ هل هو متعب !!أم أنه يتعمد تجاهلي كالعادة !!

قال شاهد :

- أبدا !! هو حزين بعض الشيء !! ظروف بلاده سيئة !!وقد فقد أحد اصدقائه هناك ..

بدا على وجهها التغير وقالت :

- حقا !! آسفة لما حصل له !!

دخلنا القاعة وتفرقنا !! وبعد المحاضرة صحبني شاهد إلى مواقف السيارات ثم قال :

- ما رأيك في سهرة عندي الليلة !!

- شكرا لكني من الآن لن أستطيع أن أخرج أبدا

- ولماذا ؟

- وجدت عملا مسائيا !!

- أوه !! هذا جيد !! لكن هل ستجمع بينه وبين الدراسة !؟؟

- أستعين بالله فيعينني !!

- ونعم بالله !! سيفوتك البيض المسلوق !!

- دعه لك !! أو اتصل بعبد الرحمن !.

-إنه لا يخرج من المكتبة !! يريد إنهاء بحثه بسرعة !! موعد زفافه قد اقترب وهو يريد العودة !!

- إلى اللقاء !

في المساء ذهبت إلى البنك لأعمل تحويلا لوالدي ..

وحينما توقفت بسيارتي رأيتها هناك تنزل من ..

.. وهذه الصيدلية التي تعمل بها !! لقد نسيت ذلك !!

- مرحبا !!

قالتها من بعيد وهي تؤشر بيدها !!

رددت التحية بالإشارة فقالت : - أتريد دواء اليوم ؟؟

- أشرت بالنفي وواصلت سيري إلى البنك !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة العاشرة


( سأجمع الهدايا )

اليوم مضى شهر كامل على عملي مع طاهر..

والدي اتصل بي حينما أرسلت له مالا ودعا لي.

كم كنت فخورا بذلك ! تحسنت أحوالي قليلا ..
وكنت منهمكا في العمل والدراسة ..

جاء الصيف وخالتي وزوجها عازمان على السفر إلى منتجع خاص بهما كل صيف .

أما أنا فبقيت أستعد للسفر ، لم يبق سوى ثلاثة أسابيع !! كلما تذكرت ذلك خفق قلبي بشدة ونسيت كل متاعبي ..

حاليا أنزل إلى السوق بكثرة.. دمية عروب وفساتينها انتهينا منها

أحمد ونزار يريدان ألعابا الكترونية وقد وجدت لهما ما يريدان .

كنت أبحث عن هدية مناسبة لوفاء !! وبينما كنت في أحد الأسواق وتحديدا في محل للأحذية سمعتها تناديني من خلفي !!

إنها هي مرة أخرى !! لا أدري هل هي فتاة؟أم ظل يلاحقني أينما ذهبت؟

- مرحبا هل تحتاج المساعدة ؟

- ما الذي جاء بك إلى ؟

- أعمل هنا منذ شهر !

- تركت الصيدلية !!؟

- منذ زمن !! يريدون مني أن أعمل بعض الأيام إلى الفجر وهذا لا يناسبني !!

نظرت إلى حذاء أعجبني فقلت :

- هل هناك مقاس من هذا النوع أكبر من هذا ؟؟

- ربما سأبحث لك !.

ابتعدت قليلا ثم جاءت وهي تقول :

- هذه واحدة .

نظرت إليها وقلت : نعم مناسبة

حملتها إلى طاولة البائع وقالت :

- تريدها هدية ؟؟

تفاجأت ونسيت أصلا أنها تعمل هنا فقلت :

- لم السؤال !!

قالت وهي تبتسم :
- لأغلفها لك بطريقة جميله !! هذا عملي !!

- نعم هدية !!

- تريد بطاقه ؟

- لا ليس ضروريا سأقدمها بنفسي .

بدأت تغلف الهدية بمهارة ولما أوشكت على الانتهاء قالت وهي تلصق آخر الشريط :

- كم هي محظوظة هذه الفتاة !
نظرت إليها وقلت :

- ماذا تقصدين ؟!

قالت وهي تبعد بنظرها عني إلى الهدية :

- شخص مثلك تكون الهدايا منه رائعة !!

أحسست بقلبي يخفق بشدة !! لم أنتظر منها هذه الإجابه !! قلت بسرعة :

- إنها أختي .

- حقا !! هل ستأتي إلى هنا ؟

- لا بل أنا سأذهب إليهم.

تغير وجهها وقالت :
ماذا ؟؟

- لدي إجازة لزيارة الأهل .

- متى ستغادر ؟

- بعد أسابيع !!

- ومتى ستعود ؟

- لا أدري ربما شهر وربما أكثر .

- هل لديك عنوان هناك ؟

- تقصدين في بلادي !!

- نريد أن نطمئن عليك فقط .. ألم نصبح بعد إخوة ؟

تذكرت أنها طلبت ذلك مني..

لكني لا أذكر أني وافقتها على هذه الفكرة. بقيت صامتا ، ثم قلت :

- لدي بريد الكتروني.

- أعطني إياه .

كتبت لها عنواني على ورقة ثم قلت :

وبكم هذه الهدية ؟

- نظرت إلي وهي تضع يديها على خديها وتتكئ على الطاولة :


- لقد انتهينا من الحساب .

نظرت إليها بتعجب وقلت "

- والنقود ؟؟
قالت وهي تبتسم :

- اعتبرها هدية مني لأختي !

- لا لن أقبل !! إما أن تأخذي النقود أو سأترك الحذاء .

- وما شأنك أنت ؟ ابحث لها عن هدية أخرى منك

قالت ذلك وهي تقوم لتحادث زبونا آخر بينما بقيت واقفا
انتظرتها قليلا فالتفتت وهي تقول :

- لا تكن عنيدا .. لدي عمل !!

أقبل بعض الزبائن نحو المحل وشعرت أن الوقت غير مناسب للجدل ففضلت الانصراف .
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الحادية عشرة

( معنى الأخوة )


بقيت في بيت خالتي لوحدي أرتب حقائبي وأعد الأيام التي كانت تمر بطيئة في نظري .

ذهبت إلى الجامعة لمتابعة أوراق إجازتي ،

ولأن خالتي ليست في المنزل فقد أصبحت من زبائن الكافتريا الدائمين ..

ذهبت إلى هناك ودخلت بين جموع الطلاب ، وهناك رأيتها واقفة عند بائع العصير !

اقتربت منها ووقفت خلفها وهي لا تشعر بوجودي..

كانت تريد دفع الحساب فنقص ما معها من النقود على ما يبدو..

كانت تبحث في محفظتها فقالت :

- بقي خمس سنتات فقط لكنها ليست معي الآن !!هل يمكنني إحضارها فيما بعد !!

رد البائع البغيض الذي كنت أكرهه :

- الجميلات يكفينا منهن هذه الزيارة ،لا داعي للباقي إن كنت ستزورينا لاحقا !

قالها وهو يضحك بخبث !!

لا أدري ما الذي ثار في عروقي في تلك اللحظة؟

اشعر بغيرة عجيبة !! كنت أتمنى لو لطمت فمه ..

لم أتمالك نفسي فقلت بعصبية وأنا خلفها :


- أنا أدفع الباقي وزيادة إن شئت !

ثم رميت دولارا على طاولته !! بينما التفتت سيلين إلي وهي تبتسم !!

نظر البائع إلي وقال:

- حسنا يا شجاع ! الآنسة تستحق هذا منك !! ألا تريد أنت الباقي أيضا !!

- لا!! قلتها بقوة وانصرفت لأجلس على طاولة مجاورة.


وضعت رأسي بين كفي وأطرقت قليلا !

لا أدري ما الذي جعل أمر هذه الفتاة بدأ يعنيني !!

ألأنها قالت : أخي !؟

إن رجولتي لا تسمح بخذلانها ما دامت محتاجة إلى ذلك !

جاءت إلى طاولتي وقالت وهي تجلس :

- لا أدري كيف أشكرك !!

قلت بعصبية :

كيف تسمحين له أن يحدثك بهذه الطريقة !!؟

- إنه رجل كبير في السن !! هو يحب التعليقات ليس إلا !! إنه ألطف من الكثيرين الذين صادفتهم في حياتي !!

رفعت رأسي وقلت :

- من تقصدين؟

- أقصد الشباب الذين يتحرشون بالفتيات !إنهم بلا ذوق ولا احترام !!

دعنا من هذا !! كيف استعدادك للسفر!!

قلت وأنا أتنهد :

- جيد !! لم يبق إلا القليل !

- تحتاج إلى مساعدة ؟!!

سكت قليلا ثم قلت :

- المعذرة فقط !!

- من ماذا ؟؟

قالتها وهي تشرب العصير !
شعرت بعفويتها وطيبتها !! فقلت :

- كنت قاسيا في وقت مضى !! لكني حقيقة لم أكن أعرف من أنت !!

إنني أكره الفتاة اللعوب التي تهتم بالأصدقاء !! لكنك حقا مختلفة !!

قالت بحياء :
- هذا لطف منك !!
سألتها بشجاعة :

- لم ليس لك أصدقاء ؟

سكتت قليلا ثم نظرت إلي وقالت :

- ألا تعتبر نفسك صديقا جيدا لي ؟

قلت لها مازحا :

- ألم نكن إخوة بالأمس !!؟

نظرت إلي وهي تبتسم وقالت :

- لا فرق لدي !!

كانت تبدو متعبة فأطرقت رأسها إلى الأرض وهي تسعل !!

- أنت متعبه ؟!!

- قليلا !! منذ صغري وأنا لدي حساسية من رائحة الدخان !! هذا المكان يستثير حساسيتي !! الدخان عقدتي منذ كانت والدتي تتعاطاه !!

- وكيف تتصرفين معها الآن ؟

- لقد توفيت منذ ست سنوات !!

- عفوا !! لم أكن أعلم !!

- لا يهم !! حتى والدي متوفى !! لم أره منذ صغري !! تقول أمي إنه غرق في البحر !! ولا أدري إن كانت هذه هي الحقيقة أم لآ !!

- إذا أنت وحيدة !!

- نعم ولو كانت والدتي أنجبت لي أخا أو أختا كان يكفيني عن الدنيا بأسرها و يشعرني بالاكتفاء من هذا العالم الذي حولي !!

- يعني والدتك لم تتزوج بعد أبيك وبقيت لك فقط

- والدتي كانت جميلة جدا وكانت تجمع حولها الكثير من الأصدقاء !! كانوا يأتون إلى منزلنا ويسهرون معها !!ربما أقاموا حفلات صاخبة ورقصوا وشربوا الخمر !! كنت في العاشرة أو قبلها بقليل !! أحيانا أستيقظ من نومي على أصواتهم فلا أجرؤ على النزول !! كانت تهتم بي لكنها تمارس حياتها بحرية كامله !! أعتقد أنها أدمنت على المخدرات وإن لم أشاهد دليلا واضحا بعيني !! كانت تمرض وتسعل وربما تقيء دما !! كنت أحبها بجنون !! لكنها توفيت فجأة !! وأنا في الثالثة عشر من عمري !! انتقلت بعدها إلى مدرسة داخلية وبقيت فيها حتى دخلت الجامعة !! وها أنا أعمل لأوفر لقمة العيش لنفسي !!

كانت تتكلم بحزن وأشعر بنبرات صوتها تضعف !! سكتت عن الكلام وسكت أيضا !! ثم قلت :

- أنا على استعداد لمساعدتك متى احتجت إلى ذلك ..


قامت سيلين واقفة وهي تمسح دمعة فرت من عينها وقالت :

- دعني أراك قبل أن تغادر !! لا يصح أن تذهب قبل أن اسمع صوتك على الأقل !! اتفقنا !!

هززت رأسي بالإيجاب ثم انصرفنا عن المكان ..

في المساء كنت مستلقيا في سريري أعيد حسابات السفر وأرتب بعض الأمور ، قطع أفكاري رنين الهاتف،

إنه خالي يسأل عن موعد الوصول ،

أخبرته أن ذلك بعد يومين الساعة العاشرة مساء إن شاء الله..


قمت إلى حاسوبي لتأكيد موعد السفر ووجدت رسالة في بريدي الالكتروني ..

فتحتها فإذا هي سيلين !! أرسلت رسالة فيها صورة لفتاة صغيرة تبدو في العاشرة !!

أنها فعلا هي !! كتبت تحتها :

( إن الفتاة التي حدثتك اليوم عن حياتها ، هي هذه الصغيرة ،

إنها بريئة القلب كبراءة هذه الطفلة !!

سأناديك بأخي إذا سمحت !!
أتمنى أن تكون سعيدا في سفرك !! وسأكون الأسعد إذا راسلتني من هناك !!)

نظرت إلى الصورة وتأملتها جيدا

، أحتاج إلى أن أتأمل فيها كثيرا لكني لا أستطيع أن أفعل ذلك أمام تلك الشابة !!

إنني أشعر بوخز الضمير !! أشعر أني بدأت أضعف أمامها وحمدت الله أني سأسافر وأبتعد عنها قليلا !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الثانية عشرة

( في أرض الإسراء ) ,,,


في يوم المغادرة كنت قد اتفقت مع شاهد لإيصالي إلى المطار !! جاء إلي وحملني بسيارته .

- لم أرك مبتسما كاليوم .

- وهل تلومني ؟!

- لا !! لكني سأجد نفسي وحيدا في كثير من الأحيان .

- وأنا سأفتقد البيض المسلوق على طريقتك الخاصة .

ودعته في المطار وركبت الطائرة ،

لا أدري أينا كان يسابق الريح ويعانق النجوم،
أهو هذه الطائرة أم روحي العطشى..

لم أستطع النوم من شدة الفرح !.

حينما وصلت الأردن كاد قلبي ان يتوقف قبل أن تتوقف الطائرة !

نزلت فوجدت خالي بانتظاري ، ثم ركبنا معا إلى فلسطين.

عند الحدود عادت إلى ذاكرتي المعاناة الكاملة ،

حينما شاهدت جنود الاحتلال عند الحواجز ثار الدم في عروقي .

ألم تسأم هذه الوجوه الكالحة من الطغيان ؟

وقفنا عدة ساعات ولما عبرت وجدت أبي في انتظاري .

نعم إنه ابي..

ركضت بسرعة وألقيت نفسي في حضنه .

كان يضمني بقوة..

ورغم الدموع التي ملأت عيني إلا أن التجاعيد التي غزت وجهه بقوة لم تخطئ عيني .

إنها تضاريس القهر والحرمان التي ترسم خطوطها حتى على وجوه الصغار !

حدثني والدي في الطريق عن أحداث كثيرة وقعت في المنطقة ،
وسالته عن كل شيء حتى وصلنا إلى المنزل..

السيارة تقترب وقلبي يكاد يخرج من مكانه .

وحينما وصلنا وجدت عروب ونزار وأحمد جميعا عند الباب !

صفقوا فرحا حينما شاهدوا السيارة ، تراكضوا إلينا ، حملتهم وقبلتهم واحدا واحدا !.

دخلت إلى الدار فاستقبلتني والدتي !! لا أدري لم أصبحت طفلا حينما رايتها !!

عام ونصف وأنا أشتهي حضنها ، وأتمنى أن أضع رأسي على صدرها لأسمع خفقات قلبها الذي لا أظن أني سأجد في الوجود قلبا يخفق بحبي كما يخفق هو .


ارتميت عليها وبكيت كطفل صغير ضل عن أمه ثم وجدها ،

لم تكن والدتي أشجع مني ، فقد أرسلت دموعها بكرم !!

وفاء تنظر إلينا وتقول :

- هل نسيتني يا فارس ؟

التفت إليها وعانقتها بقوة ، وأرسلت إليها ما تبقى من دموعي.

- يا ألله !! كم اشتقت إليكم ..

قلتها وأنا أجلس في الصالة !! ثم استدركت :

- يبدو أن هناك رائحة جميلة !

تبسمت وفاء وقالت :

- هذا اليوم عشاؤك من صنع يدي !!

قاطعها نزار المشاكس وقال :

- لعلك قد شبعت من الطائرة فهذا أفضل لك ..

قلت له مازحا :

- ألم تكبر قليلا على مشاكساتك ؟ هيا قم وأحضر الحقيبة من السيارة إن كنت تريد الهدية.

قفز بسرعة وعاد بالحقيبة وبدأت أوزع الهدايا ،

هذا جاكيت فاخر لوالدي ، وهذا شال من الصوف الدافئ سيكون مناسبا لأمي إذا خرجت في ساعات الصباح الباكر لقطف الزيتون.

وهذه عروسة عروب وملابسها !! وهذه ألعاب أحمد ونزار .

وأخيرا هذا حذاء وفاء !! أخرجته بغلافه الجميل وأنا أحس بوخز في صدري لأن سيلين عادت إلى ذاكرتي مرة أخرى !!

الليلة لن أستطيع النوم من شدة الفرح !

تناولنا العشاء وقمت لأستكشف الدار لقد تغيرت قليلا سألت والدي :

- كيف حال العم علاء وأبناؤه !؟


- في الحقيقة لم نعلم عنه أي جديد !! لكن أم حسام وابنتها وداد والصغيرة لبنى كانوا هنا قبل مجيئك ،
لقد استضفناهم لحين خروج العم علاء ..الجار للجار يا بني .


رقص قلبي فرحا لكلمات أبي ولم أصدق أذني !! أحقا أن وداد تسكن بيتنا !! قلت لوالدي :

- وأين هم الآن !!

- ذهبوا إلى بعض الجيران ،

خالتك أم حسام تقول : لن نفسد عليكم الفرحة بفارس !!

- وهل سيعودون غدا ؟

- أصرت أن لا يعودوا حتى تغادر أنت .

- كلا !! كيف يكون ذلك !! أنا واحد ولست عشرة !!

- لكن غرفتك في السطوح كانت هي مكانهم .

أنت تعلم أننا لا نملك غيرها .

- ثم ماذا أنام في أي مكان .ولو تحت السلالم !!

التفت إلى أمي وقلت :

- أرجوك أمي أطلبيهم أن يبقوا معنا وفاء لحسام ..

تدخلت وفاء وقالت :

عفوا !! وداد أخبرتني أن ذلك يصعب عليها هي بالذات !! لأنها اعتذرت من المدرسة هذا الفصل !! إنها تخاف من تنكيل جنود الاحتلال إذا عرفوا قرابتها لحسام !!ولهذا سوف تكون في البيت حتى تهدأ الأوضاع !!

قلت لها :
- لكني سأستأذن عند دخولي وخروجي ولن يضايقني ذلك.

قالت والدتي :

- غدا سيأتون إلى الوليمة التي عملناها لك . قل ذلك لخالتك بنفسك لعلها تقبل.

جاء الغد وقمت باكرا لأساعد والدي.

بدأ المدعوون بالتقاطر منذ صلاة العصر رجالا ونساء يشاركون والداي فرحتهما بي ،بقيت بينهم إلى منتصف الليل وذهب الكثيرون .. وحينما أرادت أم حسام الخروج ناديتها عند باب الدار :

- مرحبا خالتي .

- حمدا لله على سلامتك يا فارس..كيف حالك !؟

كانت وداد تقف خلفها فلما سمعت صوتي توارت حياء وهي تصلح من حجابها !! قلت لأم حسام :

- أهنئك بشهادة حسام !! كم فرحت له وتمنيت أني مكانه .

أطرقت أم حسام وبدا عليها الحزن فتابعت حديثي :

- أسأل الله أن يفك أسر العم علاء وأن يفرج كربتكم ، لكن عندي يا خاله طلب صغير .

- أنت تامر يا فارس !!

- أرجوكم إبقوا معنا هذه الأيام . أنا لن اطيل البقاء ولن اتحرك إلا بإذنكم .

- آسفه بني !! المعروف له حدود !! هي أيام ولن نفسدها عليكم .
أشكرك على شهامتك يا بني .

ما خاب ظني فيك !! ها أنت تعود كما عرفتك !!

- حق وواجب يا خالة. أتمنى ان افعل أي شيء من أجلكم .

التفت إلى وداد وأنا أغض طرفي وقلت :

- وأنت وداد كيف حالك ؟؟

- أهلا فارس !! أنا بخير، حمدا لله على سلامتك .

- هل حقا ستتركين المدرسة !؟

نكست رأسها وقالت :

- مؤقتا إن شاء الله !!


ثم قالت خالتي : - إنها أزمة يا بني وسوف تنتهي بإذن الله !! أطلنا عليكم ، تصبحون على خير .


خرجت أم حسام وتبعتها وداد ،

التي بدت في عيني نورا من الضياء على الرغم من حجابها الساتر الذي زادها في عيني جمالا ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الثالثة عشر

(عذرا وداد !!)


كانت الأيام الأولى هادئة نسبيا .. حتى تفجرت بعض المواجهات بسبب خلاف كان على بعض الحواجز .

لقد كانوا يمنعون حتى الجرحى من العبور إلى المستشفيات ! مما جعل البعض يموتون عند الحواجز !

الله أكبر !! كم هي معاناة غبت عنها يا فارس ونسيت بعض تفاصيلها .

خرجت ذات يوم إلى محل الخضار القريب من الدار، وهناك تفاجأت وخفق قلبي بشدة !! أتدرون من وجدت !؟

إنها وداد !! تحمل كيسا من الخضار وتقف في طابور الحساب .

أسرعت ووقفت خلفها وقلت بصوت منخفض :السلام عليكم ..

التفتت إلي فلما عرفتني توردت وجنتاها وقالت وهي تبتعد عن مكانها :

- وعليكم السلام.. هل أنت مستعجل لأفسح لك ؟

- لا ولكني أسلم فقط !

حاسبت وداد ثم انصرفت !وحينما سلمت نقودي للبائع هرولت وراءها وقلت :

- وداد .. أريد أن أقول لك شيئا !

وقفت وداد والحياء يبدو على وجهها وقالت :

- ماذا تريد ؟

- أن تعودي للمدرسة وسأوصلك بنفسي كل يوم صباحا وظهرا ..

تبسمت وقالت :

- وإذا سافرت ؟

- تكون الأوضاع هدأت بإذن الله .

نظرت وداد إلى الأرض وقالت :

- والدتي يا فارس في حالة نفسية سيئة !.. لا أستطيع تركها .. إنها تفكر في أبي وفي محمود الذي اعتقل قبل موت حسام.. إنها أيضا لم تنس حسام تبكي على شبابه ليل نهار !! لا أريد أن أتركها وحدها ولا أن أحملها هما ثالثا ! أشكرك على شهامتك وعنايتك بنا

كانت تتحدث وأرى بريق الدمع في عينيها !!أشعر أنها تداري حزنا عميقا عز على نفسي أن يسكن قلبها ..

تملكني شعور عارم بالبكاء !، وشعور غريب تجاهها !

أرادت أن تنصرف وأنا ما زلت ساهيا في أمرها !! لا أدري كيف امتدت يدي إليها فجأة فأمسكتها من يدها وأنا أقول :

- لحظه !! انتظري قليلا .

التفتت إلي وداد وقد تغير وجهها ..

سحبت يدها مني بقوة !! ولأول مرة أراها متجهمة ثم قالت :

- تبدو جريئا على غير عادتك ! هل أفسدتك أمريكا ؟

أرجوك يكفي !!

ذهبت وداد مسرعة وبقيت مشدوها في مكاني .. وما إن توارت عن ناظري حتى بدأت أنتبه لنفسي وألومها.

- كيف أغضبت وداد ؟

- مالذي جعل يدك تمتد إليها ؟

- كيف أمسكت بها ؟

- أنسيت الأدب والأصول يا فارس !!

- أحقا أفسدتك أمريكا ؟ وأنت تزعم أنك تجاهد نفسك وتحافظ عليها !!

جرح عميق أشعر به يشرخ قلبي .. وأسئلة كثيرة تنهال كالسياط على فؤادي ليس لدي جواب عنها !!

مشيت وأنا أجرجر أقدامي إلى البيت بخطوات ثقيلة ..

كنت أضع يداي في جيبي وكأني أخفيهما عن الناس !! أو أعاقبهما على ما فعلاه .

ضاقت نفسي بما قالت.. لكني صممت على الاعتذار..

إنني لا أحتمل ما قلته يا وداد !! وأقسم اني لست كذلك !!

بعد يومين جاءت لبنى الصغيرة شقيقة وداد لتلعب مع عروب أختي وحينما رأيتها طرت فرحا !! كتبت رسالة صغيرة وأعطيتها لها وطلبت منها أن توصلها لوداد ! كنبت فيها :

(أعتذر عما بدر مني .. لم أقصد سوءا وربي ..إنني مسكون بالوجع !! مثقل بالهم من قولك يا وداد !! أحقا ترينني قد فسدت؟ أقسم بربي أني ما مسست بكفي كف أنثى قط !! وإني لأرجو الله أن يعصمني ما بقيت .. إنها غلطة غير مقصودة يغفرها الله تعالى إن شاء وسيغفرها قلبك الطاهر .. وسيحفظ قلبي الوداد لأطهر وداد عرفتها في حياتي .)

وحينما وصلت الرسالة إلى وداد ردتها إلي وقد كتبت في ظهرها :

( ومنك أعتذر !! لم تكن تستحق ذلك.. لكني أتمنى لودادك الطاهر ان يبقى طاهرا !! علمت أنك تستعد للسفر،لكني أتمنى أن ألقاك مجددا في الدنيا .. وإن لم يكن فحيث لا هم ولا كدر !! في الجنة إن شاء الله )

وقعت كلماتها على قلبي كالثلج !! وأحسست براحة عظيمة !! أخذت الورقة وجعلتها في جيبي !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الرابعة عشر

( وتحقق الحلم)

هذه الأيام بدأت أستعد للسفر .. لم يبق سوى أسبوع..

كانت الأحوال مضطربة منذ صباح هذا اليوم ، كان هناك مواجهات عديدة .

البعض منها كان عنيفا .. الأطفال خرجوا لرشق الحجارة، كانوا يحرقون الإطارات ويرمون الزجاجات الحارقة على مدرعات الجيش التي تمركزت عند مداخل الحي.


وداد خرجت كعادتها تنتظر عودة لبنى من المدرسة ،ووقفت في مدخل الحارة عند منعطف الطريق.

كانت تنظر إلى الصغار وهم يرشقون الحجارة..لم يكن حولها منهم أحد !.. ولذا كانت تطل على الطريق من حين لآخر ،فحافلة المدرسة لا تدخل إلى منعطفات الحي ..

وفجأة !! انطلق الرصاص من كل صوب ..بدأ الجميع بالهرب وهم يصرخون .. البعض منهم سقط !! وسقطت وداد التي حاولت الهروب فلم تدرك ذلك !!

إنها رصاصة طائشة تصيب رأسها ..تجمع الناس حولها وحول صغير آخر كان مضرجا بدمائه..
الكل بدأ يصرخ والإسعاف يصدر صوته من بعيد !!

رأيت المدرعة تنسحب من الشارع ببطء بعد أن شفى من فيها صدورهم برؤية هؤلاء الضحايا يتساقطون على الأرض ..

كنت أرقبهم من غرفتي في السطوح ، وحينما انكفأت المدرعة خرجت لمساعدة الجرحى .
رأيت بعض الناس قد تجمعوا وهم يصرخون :

( الفتاة !!الفتاة ) أسرعت إليهم فوقعت عيني عليها ، إنها هي !!

وداد مضرجة بالدماء قد ابتل خمارها الأبيض بحمرة الدماء !!

تقدمت نحوها بلا وعي وأنا أصرخ فيهم :

- ابتعدوا عنها إنها أختي !!

تحسست معصم يدها فأحسست بحرارة جسدها ونبض ضعيف لا أكاد أحس به !!

أخذت أناديها وأنا أمسح الدم عن وجهها :

- وداد أتسمعينني !!

كان نفسها بطيئا وضعيفا وحينما وصل الاسعاف حملتها بسرعة إلى السرير !!وركبت مع الفريق.

طلب مني الممرض أن أنزع خمارها ليوقف نزف الدم ..ويرى مكان إصابة الرأس .

حاولت نزعه فلم أستطع بسهولة،فقد أحكمت رباطه بقوة !!

تخلصت منه بمقص !!وحينما سحبته تناثر شعرها المخملي على يدي ..

كان الدم ينزف بغزارة !.. أمرني الممرض أن أضع الأكسجين عليها..
اقتربت منها وألبستها الكمامة وأمسكت بيدها ليثبت فيها المغذي وأنا أتقطع من داخلي !!

كنت في حالة من الذهول أعجز عن وصفها !!كنت أمسك بيدها وأقول :

- عذرا وداد إنني اليوم أكثر جرأة .. لكن ذلك رغما عني !!

تذكرت حياءها وعفافها وكنت ابكي بقوة.

وصلنا إلى المستشفى وكان النبض يضعف.. وفجأة توقف النبض .حاولوا إنعاش القلب .. لكن الروح كانت أسرع وصولا إلى باريها !!

خرج الطبيب إلينا بعد أن وصل أبي وأمي وأم حسام ..

كلمة الطبيب سقط منها قلبي !! ( لا حول ولا قوة إلا بالله !! )

بكت امي وكادت أم وداد تسقط مغشيا عليها لولا عناية الله بها ..
والدتي احتضنتها وهي تدعو لها بالثبات !!
والدي رآني منهارا فجذبني إليه فسقطت على الأرض ابكي كطفل صغير !!

يا إلهي !! لم أعد أحتمل !! أي نوع من المخلوقات هؤلاء؟

ما ذنب هذه الزهرة المتفتحة لتذهب هدرا لعبث جنود أشقياء ..

دخلت أمي وأمها ليودعوها فبكت والدتها حتى انهارت كانت تكب عليها وتلثم وجهها بلا شعور كانت تقبل وجهها وصدرها ويديها...

حاولنا إعانتها فأردناها أن تخرج لكنها رفضت دخلت وأبي لنقنعها بالخروج وهناك...

استرقت النظر الى وداد..

كانت أجمل ما تكون وجهها يضيء بنور الإيمان وعلى شفتيها تبدو ابتسامة الرضا!!!

ما الذي رأيته يا وداد؟ أرأيت حسام ؟ أتبسمين لخلاصك من الهم والنكد!!!؟؟

كنت أستجمع قواي وأطلب من أم حسام المكلومه أن تخرج من الغرفه ,,

خرجت النساء وحملناها إلى ثلاجة المستشفى لإنهاء اجراءات الغسل والدفن ..
.
لا أستطيع أن أصف لكم شعوري حينما هموا بإدخالها إلى الثلاجة !!!لقد صرخت بهم :


_ أخرجوها !!لن نتأخر سنستلمها فوراً..

_ لا يمكن ذلك الاجراءات ستطول !!

_ ولو طالت أنا سأكون معها..!!

_ ممنوع!!دعها واخرج فوراً ..

_ أنا ولي أمرها !!

_ ولو كنت كذلك هذه اجراءات روتينيه من فضلك اخرج!!

خرجت وأنا أعلم أن طلبي لم يكن منطقياً لكني أتمنى لو أسكنتها قلبي حتى تدخل قبرها ..

نقلناها من الغد إلى المغسلة وهناك غسلتها أمي ووفاء..

حملناها إلى المقبرة و نزلت إلى قبرها وحملوها إلي ثم أنزلتها ووضعتها فيه ..
أتصدقون !! وضعتها فيه !! لا !! بل وضعت قلبي معها في تلك الحفرة الضيقة !!

وضعتها وجلست أبكي في القبر كطفل صغير فقد أعز ما يملك ..

أمسكت رأسي والتراب يملأ يداي .. مسحت بهما وجهي !!

أهذا التراب سينهال عليك وداد ؟ يارب أبدلها دارا خيرا من دارها التي طردت منها ولم تنعم بها بعد نسف الاحتلال..
كنت أبكي بقوة !! أبي جذبني إلى خارج الحفرة وأكمل الدفن عني ..

رجعنا إلى البيت واستقبلنا جموع المعزين ،! أم حسام كانت تبكي كلما رأت وفاء !! بل وتناديها بوداد !!

كانت أياما كئيبة حزينة !! فقدت معها كل طعم للحياة..

- يا إلهي !! بقي يومان وترحل يا فارس !! حاولت تاجيل السفر لكني تأخرت في ذلك فلم يمكنني !!

هل جئت من أمريكا لأراك تقتلين ياوداد ؟

ثم أرحل بهذه السهولة !! قلت لوالدي أني سأحذف هذا الفصل بالكامل !! لكنه رفض وأصر على مغادرتي !.

إنه يعلم أني لن أنسى ما دمت هنا !! كما أن بقائي لن يفيدهم في شيء !!

لم أهنأ بنوم منذ ماتت وداد !! بل لم يرقأ لي دمع !!

كنت أجمع أغراضي !وعندها وجدتها !! إنها تلك الرسالة التي أرسلت فيها اعتذاري !!

تفجرت دموعي من جديد !! وحينما أفرغت جيب بنطالي وجدت شيئا لم يعلم به أحد !!

إنها الساعة التي نزعتها من يدها في سيارة الإسعاف !!

تحمل رائحة الدم وآثاره ..نظرت إليها بحزن وأنا أنادي وفاء .. إنها أمانه وسأدفعها لأمها، لما راتها وفاء انفجرت بالبكاء !!

- وفاء أرجوك لا تزيديني حزنا !!

- أتدري من أين هذه الساعة يا فارس !!

- كلا

- إنها من مدرسة التحفيظ !! لم تستلمها إلا منذ شهرين !! كانت من الطالبات اللواتي أتممن حفظ القرآن خلال عام !!

عادت وفاء تبكي وأدرت لها ظهري .. كنت أتظاهر بجمع اغراضي لكني أرسلت عيناي بالدموع ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الخامسة عشر


( رجع الأحزان )

اليوم وصلت إلى أمريكا وأنا في حالة نفسية يرثى لها..طوال الفترة الماضية لم أكن آكل شيئا يسد حتى الرمق !ولم أكن حتى أنام .

رجعت إلى بيت خالتي وهي ما زالت في رحلتها الصيفية..صعدت إلى غرفتي ونثرت أغراضي

استبدلت ثيابي واستسلمت للنوم ، استيقظت بعدها على صوت الأذان في الحاسوب.

قمت فتوضأت وصليت ،تصفحت بريدي الالكتروني فوجدت عددا من الرسائل قبل أيام .. حذفتها جميعا ولم أقرأ شيئا منها.

اتصلت بطاهر وأخبرته بوصولي وطلبت منه أن أتخلف عن العمل يومين للراحة فأنا متعب من السفر ،

عدت إلى النوم مرة أخرى وأنا أشعر بتعب في جسدي وثقل شديد في راسي وحمى تسري في أوصالي ..

بعد يومين لم يكن أحد يعلم بوجود فارس غير طاهر الذي أحس من مكالمته بأنه متعب لكنه توقع ذلك بسبب السفر ..

ذهب طاهر إلى مصلى الجامعة فوجد شاهد هناك، سأله عن فارس لكنه تفاجأ انه لم يعلم حتى بوصوله .

- معنى ذلك أنه لم يحضر إلى الجامعة ! قالها طاهر بخوف

- أبدا لم أشاهده هنا .

-هل اتصلت به ؟

- لا أحد يرد .

- ما رأيك لو ذهبنا إليه ؟

- هيا بنا ..

خرج الاثنان وتوجها إلى بيته، طرقوا الباب طويلا فلم يجب أحد

نهض من فراشه على صوت الجرس .. حاول القيام بصعوبهاستطاع أن يقف لكنه لم يستطع النزول مباشرة .

توجه إلى نافذة غرفته التي كانت تطل على الباب من أسفل ، رآهم وحاول مناداتهم لكن صوته كان ضعيفا ..
نزل بصعوبه وما إن فتح الباب حتى خر مغشيا عليه

اندفع الاثنان إليه ..

- يا إلهي ! إنه محموم !فارس أأنت بخير ؟

حملوه إلى المستشفى وهو يهذي ويتمتم بكلام لم يفهموه .

في غرفة الإسعاف كان فارس يغط في نوم عميق

- ( إنها أمراض السفر )

قالها الطبيب عندما أخبراه أنه عاد للتو من السفر .

مكث الاثنان عنده وبعد ساعة كاملة استطاع أن يفتح عينيه ،

كان ينظر إليهم بتعجب ويتفحص المكان من حوله حاول أن يقوم لكنهما منعاه فالإبرة ما زالت في يده !

حينما أدرك ما يدور حوله تذكر سيارة الاسعاف والإبرة التي أمسك بيد وداد لتغرز فيها فانخرط في بكاء عميق !

حاول الاثنان تهدئته لكنه كان ضعيفا لا يقاوم ..

- هل يعاني من أزمة نفسية ؟!


هكذا سأل الطبيب حينما رآه يبكي

- جاء قريبا من سفر ولا نعلم عنه شيئا !

- دعوه يرتاح

قالها الطبيب وهو يأمر بإعطائه إبرة منومة استغرق بعدها في السبات..

خرج طاهر من عنده لكن شاهد أصر على البقاء معه

هاهو بجانبه ينظر إليه ويكاد قلبه يتقطع من الألم.. كم أنت غامض ومحير يا فارس

أي قلب هذا الذي تحتضنه في جوفك ؟

ألم تستطع الدنيا والدراسة والمال وربما الحب الذي تدافعه أن يغير من قلبك الثائر شيئا
أحيانا أشعر بالخجل من حرقته على مآسي المسلمين في بلاده فأظن أن قلبي من خشب لا من عصب

هكذا كان شاهد يحدث نفسه

فتح فارس عينيه فقام شاهد إليه ، نظر إليه وابتسم في وجهه وهو يقول :

- حمدا لله على سلامتك

ابتسم فارس ابتسامة المنهك وطلب بعض الماء ,,

جاء شاهد بالماء ودفعه إلى فارس وهو يمازحه قائلا :

- أصمد قليلا يا رجل !! أكل هذا لأنك فارقت الأحباب؟

قل لي بربك كيف الأهل ؟؟ لماذا انشغلت عن الكتابة إلينا ؟؟ لقد قلقنا عليك !!

نظر فارس إليه مرة أخرى وغرق في دموعه وهو يحاول أن يكتم عبراته ..

- فارس !! أخبرني بالله عليك ما بك ؟ أصابك مكروه هناك ؟؟

لم يستطع الكلام فقد تجددت فيه الأحزان !! نظر إلى شاهد بحزن !! لكن شاهد قال له :

- سأدعك حتى تتكلم أنت .

بدأ شاهد يتلو آيات القرآن الكريم وينفث عليه بينما استسلم هو للنوم مرة أخرى !!

أثناء ذلك دخل طاهر :

- ما زال نائما ؟!

- استيقظ وعاد إلى النوم !! ما زلت أرقيه !!

- هل تعتقد أنه يعاني من مشكلة ؟

- بالتأكيد لكن من الأفضل أن لا نسأله الآن ..

- هل سيخرج اليوم !؟

- لا أعتقد ، ما زال محموما .

- إذهب شاهد فقد تعبت وسأبقى معه .

- بل اذهب أنت لزوجك فالوقت متأخر !! سأبقى معه حتى الصباح ثم استأذن لأن لدي محاضرات مهمة

- حسنا سآتي هنا في الصباح بدلا منك ..

- اتفقنا

في الغد كان شاهد في الكلية ،وهناك وجد سيلين في طريقه

سألته عن فارس !! لم تكن المرة الأولى ولا العاشرة التي تسأل عنه !! متى سيعود ؟ ولماذا لا يرسل ؟ لكنه هذه المرة يملك جوابا غير سار

- هل تعرف شيئا عن فارس !! بادرته هي بالسؤال !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
- نعم لقد عاد

- حقا ؟ متى ؟

- منذ أيام لكنه متعب

- وأين هو الآن ؟

- في المستشفى

- ماذا ؟؟ هل به مكروه !!

- ربما أمراض السفر مع قليل من الإرهاق والحمى لعله يخرج اليوم

- في أي مستشفى ؟!

- مستشفى الجامعه ! هل ستذهبين إليه ؟

- بالتأكيد !!

- أظنه غير مناسب الآن

- لماذا ؟

- إنه حزين ولا نعلم ما به ، أعتقد أنه لا يريد أن يرى أحدا الآن .

- حقا !! لا بد أن أراه ، أرجوك شاهد نذهب إليه معا !!

- آسف !! أخشى أن يغضب مني أرجوك سيلين تريثي حتى يعود إلى الكلية !! تمالكي أعصابك قليلا !!

في المساء كان فارس قد تحدث مع طاهر عن كل ما وقع له هناك ..

لقد ارتاح قليلا لكنه لم يتناول طعاما ولا شرابا غير الماء حتى بدا شاحبا هزيلا .

دخل شاهد عليهما فلما رآه أسرع إليه يحتضنه !! قال طاهر :
- إنه بخير الآن وسيخرج معي بإذن الله إلى بيتي .

قال فارس بصوت ضعيف مبحوح :

- شكرا لك سأذهب إلى بيتي

- هل ترد ضيافتي ؟

- كلا !! لكني متأخر في بعض الأوراق اللازمة للفصل القادم ولم يبق شيء .

- حسنا افعل ما تراه لكن اتصل بي إن احتجت إلى مساعدة

- شكرا لك !!

استأذن طاهر في الخروج وبقي شاهد معه وحينما أراد الخروج وجد سيلين عند الباب .

- ما الذي جاء بك إلى هنا ؟

- أرجوك أريد أن اطمئن عليه فقط استاذنه لأدخل !!

-عاد شاهد إلى الغرفة وهو يقول :

- معي لك مفاجأة من العيار الثقيل ، أنت حر إن شئت قبلتها وإن شئت رددتها .

التفت إليه فارس بع أن أسند رأسه إلى السرير وقال :

- أما زلت تمزح ؟!

- سيلين تود رؤيتك !! إنها عند الباب .. أنا آسف !!لقد ألحت في السؤال عنك ولم استطع التخلص منها وأخبرتها أنك هنا .

- دعها تدخل !! لكن إبق معنا

- بالتأكيد !! قالها شاهد وهو يبتسم

دخلت سيلين حتى وقفت عند حافة السرير ولم تتكلم بكلمة..

التقت عيناه بعينيها فامتلأت عيناه بالدموع .. أسند رأسه إلى السرير وأغمض عينيه .

- آسفه لما حصل لك !! تبدو متعبا جدا

كانت مرتبكة جدا فهي لم تتخيل أن تراه على هذه الحال !!
لم يتكلم فارس بل أصدر زفرة عميقة تنم عن حزن عميق !!
نظرت إلى شاهد فقال لها :/

- إنه صائم حتى عن الكلام !! ربما يكون غدا أفضل .

حاولت أن تكتم عبراتها فقالت :

- أيمكنني المساعدة ؟غدا آخر موعد للتسجيل !!

- شكرا !! لاشيء!! قالها بصوت مبحوح !!

- غدا ستحضر !؟

- ربما !!

- أراك بخير .. وأعتذر لإزعاجك !! ثم التفتت إلى شاهد وقالت :

وأعتذر لك أيضا ، لكن إزعاجي سينقطع بعد اليوم أليس كذلك !!

خرجت سيلين وبقي شاهد قليلا ثم خرج بفارس إلى بيته .

تماثل فارس للشفاء وعاد لصورته الطبيعية