لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطباً مِنْ ذِكْرِ الله
تذكير
يقول الله تعالى : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ."الحج 78 " ويقول سبحانه : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ."البقرة 185"
عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أنَّ رجلاً قَالَ : يَا رسولَ الله ، إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليَّ ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيءٍ أَتَشَبثُ بِهِ قَالَ : (( لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطباً مِنْ ذِكْرِ الله )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"مَنْ هَالَهُ اللَّيْلُ أَنْ يُكَابِدَهُ، أو بَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، أو جَبُنَ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَلْيُكْثِرْ من " سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ "، فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَب يُنْفَقه فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".صححه الألباني.
وفي رواية فليكثر ذكر الله وفي رواية فليكثر من قول لا إله إلا اللهوالله أكبر والحمد لله وسبحان الله .(صحيح الترغيب والترهيب).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " صحيح البخاري "
وفي صحيح مسلم أن فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ « وَمَا ذَاكَ ». قَالُوا يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً ». قالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ».
الدثور : جمع دثر وهو المال العظيم
التسبيح: يعني قول سبحان الله ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل.
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ
سلوا الله العافية
"تذكير"
عن أنس بن مالك قال :أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة". ثم أتاه الغد. فقال: يا نبي الله! أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العافية في الدنيا والآخرة، فقد أفلحت".صحيح الأدب المفرد
وعن أوسط بن إسماعيل قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم عام أول مقامي هذا - ثم بكى أبو بكر - ثم قال: " عليكم بالصدق؛ فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار. وسلوا الله المعافاة. فإنه لم يؤتى بعد اليقين خير من المعافاة. ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً".صحيح الأدب المفرد
وعن العباس بن عبد المطلب، قلت : يا رسول الله! علمني شيئاً أسأل الله به. فقال: "يا عباس! سل الله العافية"، ثم مكث ثلاثاً، ثم جئت فقلت: علمني شيئاً أسأل الله به يا رسول الله!. فقال: " يا عباس! يا عم رسول الله ! سل الله العافية في الدنيا والآخرة".صحيح الأدب المفرد
وعن ابن عمر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي. اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي. اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي".صحيح الأدب المفرد
وعن الحسن بن علي قال علمني جدي رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر ( اللهم عافني فيمن عافيت . وتولني فيمن توليت . واهدني فيمن هديت . وقني شر ما قضيت . وبارك لي فيما أعطيت . إنك تقضي ولا يقضى عليك . إنه لا يذل من واليت . سبحانك ربنا وتعاليت ) سنن ابن ماجة - قال الشيخ الألباني : صحيح
وفي صحيح مسلم عن أَبي مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى وَاهْدِنِى وَعَافِنِى وَارْزُقْنِى ».
ويقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ". أخرجه الترمذي ، وابن ماجه.
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ
صلة الرزق بصلة الرحم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَهُوَ لَكِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ :
{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } صحيح البخاري
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ مَنْ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. صحيح البخاري
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. صحيح البخاري وفي رواية: من سره أن يُعظم الله رزقه وأن يمد في أجله فليصل رحمه. رواه أحمد
الأثر : الأجل ، ينسأ : يؤخر
وفي صحيح ابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرةفتنمو أموالهم ويكثرة عددهم إذا تواصلوا وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون. انظر صَحِيح الْجَامِع : 5705 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب :2537
وَعَنْ عمرو بْنُ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ " انظر صَحِيح الْجَامِع : 2965 , الصَّحِيحَة : 276
وروى البزار بإسناد جيد والحاكم عن علي رضي الله عنه قال: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُدْفَعَ عَنْهُ مَيْتَةُ السُّوءِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِى وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَىَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَىَّ. فَقَالَ « لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ».صحيح مسلم
المل : الرماد الحار الذى يحمى ليدفن فيه الطعام لينضج
قال المقنع الكندي ، وهذا من أحسن ما قيل في معناه جزالة:
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلفٌ جداً
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم...وإن هم هـووا غيَّي هويت لهم رشداً
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم ... دعوني إلى نصرٍ أتيتهم شدا
وإن زجروا طيري بنحس يمر بي ... زجرت لهم طيراً يمر بهم سعدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالـــي ان تتابع لي غنى ... وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
لاَ تُنْكِحْ خَاطِبَ سِرِّك
الأسرار على ضربين: أحدهما: ما يبوح به إنسان لآخر من حديث يُستكتم، وذلك إما تصريحًا كأن يقول له: اكتم ما أقول لك، وإما حالاً كأن يتحرى القائل حال انفراده بمن يتحدث معه، أو يخفي حديثه عن بقية مجالسيهِ. في هذا قيل: إذا حدثك إنسان بحديث فهو أمانة.
أما الضرب الثاني من الأسرار فهو أن يكون حديثَ نفسٍ بما يستحي الإنسان من إشاعته، أو أمرًا ما يريد فعله.
والكتمان في النوعيين محمود؛ فهو في الأول نوعٌ من الوفاء، وفي الثاني نوعٌ من الحزم والاحتياط والستر ،
قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
وَمُسْتَوْدَعِي سِرًّا تَضَمَّنْتُ سِرَّهُ... فأَوْدَعْتُه مِنْ مُسْتَقَرِّ الْحَشَى قَبْرَاً
وَلَكِـنَّنِي أُخْفِيـهِ عَنّي كَأَنَّنِي... مِنْ الدَّهْرِ يَوْمًا مَا أَحَطْتُ بِهِ خُبْرَا
وَمَا السِّرُّ فِي قَلْبِي كَمَيْتٍ بِحُفْرَةٍ... لِأَنِّي أَرَى الْمَدْفُونَ يَنْتَظِرُ النَّشْرَا.
واعْلَمْ أَنَّ كِتْمَانَ الاسْرَارِ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّجَاحِ، وَأَدْوَمِ لِأَحْوَالِ الصَّلاَحِ ، رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: اسْتَعِينُوا عَلَى إنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: سِرُّك أَسِيرُك فَإِنْ تَكَلَّمْت بِهِ صِرْت أَسِيرَهُ...
وقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِ، وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ... وَإِظْهَارُ الرَّجُلِ سِرَّ غَيْرِهِ أَقْبَحُ مِنْ إظْهَارِهِ سِرَّ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَبُوءُ بِإِحْدَى وَصْمَتَيْنِ، الْخِيَانَةُ إنْ كَانَ مُؤْتَمَنًا، أَوْ النَّمِيمَةُ إنْ كَانَ مُسْتَوْدَعًا.
إذا المرء أفشـى سره بلسـانه ... ولام عليه غيره فهو أحمــق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي يستودع السر أضيـق
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: سِرُّك مِنْ دَمِك فَإِذَا تَكَلَّمْت بِهِ فَقَدْ أَرَقْتَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الاسْرَارِ مَا لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ مُطَالَعَةِ صَدِيقٍ مُسَاهِمٍ، وَاسْتِشَارَةِ نَاصِحٍ مُسَالِمٍ. فَلْيَخْتَرْ الْعَاقِلُ لِسِرِّهِ أَمِينًا إنْ لَمْ يَجِدْ إلَى كَتْمِهِ سَبِيلًا، وَلْيَتَحَرَّ فِي اخْتِيَارِ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ. فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى الامْوَالِ أَمِينًا كَانَ عَلَى الاسْرَارِ مُؤْتَمَنًا.
وَالْعِفَّةُ عَنْ الامْوَالِ أَيْسَرُ مِنْ الْعِفَّةِ عَنْ إذَاعَةِ الاسْرَارِ؛ لِأَنَّ الانْسَانَ قَدْ يُذِيعَ سِرَّ نَفْسِهِ بِبَادِرَةِ لِسَانِهِ، وَسَقَطِ كَلاَمِهِ، وَيَشُحُّ بِالْيَسِيرِ مِنْ مَالِهِ، حِفْظًا لَهُ وَضَنًّا بِهِ، وَلاَ يَرَى مَا أَذَاعَ مِنْ سِرِّهِ كَبِيرًا فِي جَنْبِ مَا حَفِظَهُ مِنْ يَسِيرِ مَالِهِ مَعَ عِظَمِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ.
فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ أُمَنَاءُ الاسْرَارِ أَشَدَّ تَعَذُّرًا وَأَقَلَّ وُجُودًا مِنْ أُمَنَاءِ الامْوَالِ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه: الْقُلُوبُ أَوْعِيَةُ الاسْرَارِ، وَالشِّفَاءُ أَقْفَالُهَا وَالالْسُنُ مَفَاتِيحُهَا، فَلْيَحْفَظْ كُلُّ امْرِئٍ مِفْتَاحَ سِرِّهِ.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: قُلُوبُ الْعُقَلاَءِ حُصُونُ الاسْرَارِ. وَلْيَحْذَرْ صَاحِبُ السِّرِّ أَنْ يُودِعَ سِرَّهُ مَنْ يَتَطَلَّعُ إلَيْهِ، وَيُؤْثِرُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ طَالِبَ الْوَدِيعَةِ خَائِنٌ.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لاَ تُنْكِحْ خَاطِبَ سِرِّك.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كُلَّمَا كَثُرَتْ خِزَانُ الاسْرَارِ ازْدَادَتْ ضَيَاعًا.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ ... وَسِرُّ الثَّلاَثَةِ غَيْرُ الْخَفِي
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ
:
.
تدبير صرف الغضب وقمعه
الوسائل الدفاعية
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ».
صحيح مسلم .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ . صحيح البخاري
تأتي أهمية الغضب من بين الأعراض النفسانية بسبب شيوعه وتفشّيه في مختلف شرائح الناس، وبسبب عواقبه الوخيمة التي يجب تجنبها.
يرجع الغضب إلى سببين:
أ- كثرة احتكاك الناس ببعضهم.
ب- طبع الضجر وسرعة الاهتياج عند الإنسان.
تدبير الغضب من خارج النفس:
يتم تدبير الغضب بطريقين:
الأول من خارج النفس،
والثاني من داخل النفس.
يقوم تدبير الغضب من خارج النفس على اتخاذ الغضبان بطانة مهمتها:
أ- وعظه وتذكيره بفضيلة الصفح.
ب- الشفاعة لمن يريد الغضبان معاقبته.
تدبير الغضب من داخل :
يقوم تدبير الغضب من داخل النفس على اتخاذ حيلٍ تعدُّ من أجل استرجاعها في الوقت المناسب للاتعاظ بها، فلا يتطور الغضب إلى شكله المَرَضي.
يقترح البلخي أنواعاً من هذه الحيل ( الوسائل الدفاعية ) تلخّص بما يأتي:
1- أن يفكر بأن ضبط الغضب يسهل عليه في أول اهتياجه، بخلاف ما إذا تركه يتمكن منه، فيرجع إلى هذه الفكرة في أول ما يحسُّ من نفسه حركة الغضب.
2- أن يفكِّر بالآثار السلبية للغضب على النفس والبدن، وربما أدت إلى ما يصعب شفاؤه من الأمراض. فيكون بالنتيجة الألم الذي يلحقه بنفسه أكبر من شفاء غيظه والإساءة إلى غيره.
3- أن يفكر في أن غضبه قد يعود عليه بالندم، كما كان ذلك من أمر كثيرٍ ممن عاد عليهم بأعظم الضرر الديني والدنيوي، فلم يتهيأ لهم تدارك ما جنوه.
4- أن يفكر في فضيلة الحلم وأنه أشرف المناقب التي يوصف بها العظماء الذين استعملوا العفو والصفح، فيقارن بين ما يقضيه من وطر الغضب بالانتقام و ما تكسب نفسه من فضيلة الحلم. فهذا مما ينفعه استرجاعه وقت هيجان الغضب.
5- أن يفكر في أن شدة الانتقام تنفر قلوب الرعية، وأن الانقياد الظاهر لا يكسب إلا الأحقاد، بينما يوجب العفو خلاف ذلك من المحبة. والطاعة من داخل هي المطلوبة، لأنها طاعة المحبة وهي المجدية في علاقات الناس. بينما الطاعة من خارج هي طاعة الرهبة. وهذه لا تجدي نفعاً.
6- أن يفكر بأن من يغضب عليه من رعيته إذا كان متمكناً منه فإنه يتهيأ له عقابه متى أحب، فليس لإيذاء نفسه بالغضب معنى، فالأجدى أن يسكِّن غضبه، وينتظر فتوره ثم يفكر بما أغضبه بعين الإنصاف فيستفيد: تحصيل رتبة الحلم، وبلوغ المراد في التغيير والإنكار متى أحب.
7- أن يفكر في أن رعاياه لا يمكن لهم أن يقصدوا الإساءة إليه، وإنما غلبتهم شهوتهم وتقصيرهم. وهذا لا يخلو منه أحد، فعليه أن يرحم ضعف نفوسهم.
8- أن يفكر في أنه إذا عاد إلى نفسه فسوف يجد أن التقصير الذي من أجله يغضب على غيره لا يخلو هو من نوعٍ من أنواعه، فليس من الإنصاف أن يشتد غيظه على ما هو شريك لغيره فيه.
9- أن يفكر فيما إذا كان للمغضوب عليه سالف إحسان، فيشفع سابق الإحسان للاحق الإساءة.
10- تجنب لقاء من أغضبه والنظر في وجهه، حتى تخف حدة الغضب مع الزمن.
من كتاب "مصالح الأبدان والأنفس" من تأليف أبي زيد احمد بن سهل البلخي
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ
وإن سفه عليك فاحلم
وإذا هدأ غضبك فتكلم
وعظ الخطاب بن المعلى المخزومي القرشي ابنه فكان مما قال:
يا بني عليك بتقوى الله وطاعته وتجنب محارمه باتباع سنته ومعالمه حتى تصح عيوبك وتقر عينك فانها لا تخفي على الله خافيه ، واني قد وسمت لك وسما ووضعت لك رسما ان انت حفظته ووعيته وعملت به ملأت أعين الملوك وانقاد لك به الصعلوك ولم تزل مرتجى مشرفا يحتاج اليك ويرغب الى ما في يديك ، فأطع اباك واقتصر على وصية ابيك وفرغ لذلك ذهنك واشغل به قلبك ولبك .
إياك وهذر الكلام وكثرة الضحكك والمزاح ومهازلة الإخوان فإن ذلك يذهب البهاء ويوقع الشحناء وعليك بالرزانة والتوقر من غير كبر يوصف منك ولا خيلاء تحكي عنك ، والق صديقك وعدوك بوجه الرضى وكف الأذى من غير ذلة لهم ولا هيبة منهم ، وكن في جميع أمورك في أوسطها فإن خير الأمور أوساطها ، وقلل الكلام وأفش السلام وامش متمكنا قصدا ولا تخط برجلك ولا تسحب ذيلك ولا تلو عنقك ولا ردائك ولا تنظر في عطفك ولا تكثر الالتفاف ولا تقف على الجماعات ولا تتخذ السوق مجلسا ولا الحوانيت متحدثا ، ولا تكثر المراء ولا تنازع السفهاء فإن تكلمت فاختصر وإن مزحت فاقتصر ، واذا جلست فتربع وتحفظ من تشبيك أصابعك وتفقيعها والعبث بلحيتك وخاتمك وذؤابة سيفك وتخليل أسنانك وإدخال يدك في أنفك وكثرة طرد الذباب عنك وكثرة التثاؤب والتمطى وأشباه ذلك مما يستخفه الناس منك ويغتمزون به فيك ، وليكن مجلسك هاديا وحديثك مقسوما وأصغ الى الكلام الحسن ممن حدثك بغير إظهار عجب منك ولا مسألة إعادة وغض عن الفكاهات من المضاحك والحكايات ، ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جاريتك ولا عن فرسك ولا عن سفيك.
واياك وأحاديث الرؤيا فإنك إن أظهرت عجبا بشيء منها طمع فيها السفهاء فولدوا لك الأحلام واغتمزوا في عقلك ، ولا تصنع تصنع المرأة ولا تبذل تبذل العبد ، ولا تلح في الحاجات ولا تخشع في الطلبات ... ولا تعلم أهلك وولدك فضلا عن غيرهم عدد مالك فإنهم إن رأوه قليلا هنت عليهم وإن كان كثيرا لم تبلغ به رضاهم ، وأخفهم في غير عنف ولن لهم في غير ضعف ، ولا تهازل أمتك .
واذا خاصمت فتوقر وتحفظ من جهلك وتجنب عن عجلتك وتفكر في حجتك وأر الحاكم شيئا من حلمك ولا تكثر الأشارة بيدك ولا تحفز على ركبتيك وتوق حمرة الوجه وعرق الجبين ، وإن سفه عليك فاحلم وإذا هدأ غضبك فتكلم ، وأكرم عرضك وألق الفضول عنك ... وإذا وعدت فحقق وإذا حدثت فاصدق ولا تجهر ، بمنطقك كمنازع الأصم ولا تخافت به كتخافت الأخرس وتخير محاسن القول بالحديث المقبول ، وإذا حدثت بسماع فانسبه الى أهله وإياك الأحاديث العابرة المشنعه التي تنكرها القلوب وتفق لها الجلود وإياك ومضعف الكلام مثل نعم نعم ولا لا وعجل عجل وما أشبه ذلك ... ولا تمسك إمساك المثبور ولا تبذر تبذير السفيه المغرور واعرف في مالك واجب الحقوق وحرمة الصديق واستغن عن الناس يحتاجوا اليك ، واعلم ان الجشع يدعو الى الطمع والرغبة كما قيل تدق الرقبة ورب أكلة تمنع أكلات ، والتعفف مال جسيم وخلق كريم ، والصدق زين والكذب شين ، ومعاداة الحليم خير من مصادقة الأحمق ، ولزوم الكريم على الهوان خير من صحبة اللئيم على الإحسان .
الكتاب : روضة العقلاء ونزهة الفضلاء
المؤلف : محمد بن حبان البستي أبو حاتم
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ
نصائح تخط بماء الذهب
للشيخ عائض القرني
ما مضى فات , وما ذهب مات , فلا تفكر فيما مضى , فقد ذهب وانقضى ..
اترك المستقبل حتى يأتي , ولا تهتم بالغد لأنك إذا أصلحت يومك صلح غدك .
عليك بالمشي والرياضة , واجتنب الكسل والخمول , واهجر الفراغ والبطالة .
جدد حياتك , ونوع أساليب معيشتك , وغير من الروتين الذي تعيشه ..
كرر( لاحول ولا قوةإلا بالله ) فإنها تشرح البال , وتصلح الحال,وتحمل بها الأثقال , وترضي ذا الجلال .
أكثر من الإستغفار , فمعه الرزق والفرج والذرية والعلم النافع والتيسير وحط الخطايا
البلاء يقرب بينك وبين الله ويعلمك الدعاء ويذهب عنك الكبر والعجب والفخر ..
لا تجالس البغضاء والثقلاء والحسدة فإنهم حمى الروح , وهم حملة الأحزان ..
إياك والذنوب , فإنها مصدر الهموم والأحزان وهي سبب النكبات وباب المصائب والأزمات ..
لا تكترث من القول القبيح والكلام السيء الذي يقال فيك فإنه يؤذي قائله ولا يؤذيك ..
اعلم أن من إغتابك فقد أهدى لك حسناته وحط من سيئاتك وجعلك مشهورا, وهذه نعمة ..
ابسط وجهك للناس تكسب ودهم, وألن لهم الكلام يحبوك , وتواضع لهم يجلوك ..
إبدأ الناس بالسلام وحيهم بالبسمة وأعرهم الإهتمام لتكن محببا إلى قلوبهم قريبا منهم ..
كن واسع الأفق والتمس الأعذار لمن أساء إليك لتعش في سكينة وهدوء , وإياك ومحاولة الإنتقام ..
لا تفرح أعدائك بغضبك وحزنك فإن هذا ما يريدون , فلا تحقق أمانيهم الغالية في تعكير حياتك ..
أنت الذي تلون حياتك بنظرك إليها, فحياتك من صنع أفكارك , فلا تضع نظارة سوداء على عينيك ..
إذا وقعت في أزمة فتذكر كم أزمة مرت بك ونجاك الله منها, حينها تعلم أن من عافاك في الأولى سيعافيك في الثانية ..
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ