في اليوم التالي غاد هيم وهاو منزليهما عائدين إلى محطة الجبن "ج" مرة أخرى, حيث كانا لا يزالان
يتوقعان أن يعثرا على قطعتهما من الجبن.
لم يتغير الموقف, ولم يعد هناك وجود للجبن, ولم يعرف القزمان كيف يتصرفان حيال ما حدث ووقفا
متجمدي الحركة مثل تمثالين صامتين.
أغمض هاو عينه بقدر المستطاع ووضع يديه على أذنيه. وتمنى لو توقف الزمن فلم يكن يرغب في معرفة
أن مورد الجبن يتضاءل تدريجيا لقد كان مؤمنا ً بأنها تحركت فجأة.
قام هيم بتحليل الموقف مرات ومرات, وأخيرا ً سيطر عقله المعقد المكتظ بالأفكار الضخمة على ما حدث,
وتساءل: لماذا قاموا بذلك تجاهي ؟ , ما الذي يحدث حقا ً هنا ؟ .
وفي النهاية فتح هاو عينيه, ونظر حوله قائلا ً: بمناسبة ما حدث أين سنيف وسكوري ؟ هل تعتقد أنهما يعرفان شيئا ً غير ما نعرف ؟ ".
قال هيم: ما هو الشئ الذي قد يعرفانه ؟ ".
واستطرد هيم قائلا ً:ما هما إلا مجرد فأرين صغيرين, ولا يقومان بشئ سوى الاستجابة لما يحدث حولهما,
أما نحن فبشر ونتميز عنهما. يجب أن تكون لدينا القدرة على تفسير ما حدث وعلاوة ً على ذلك نستحق
نصيبا أفضل.
ماكان ينبغي أن يحدث ذلك لنا, وحتى ذا حدث فيجب على الأقل أن ننعم بشئ من الربح والمكسب ".
وطرح هاو هذا التساؤل: لم يتعين أن نجني ربحا ً ؟ "
أجاب هيم: لأننا ملتزمان "
وأراد هاو أن يعرف " ملتزمان تجاه أي شيء ؟
تساءل هاو: لمِ َ ؟ .
قال هيم لأننا لم نتسبب في هذه المشكلة, بل تسبب فيها شخص آخر, ويتعين القيام بأي شيء للخروج من
هذا الموقف "
واقترح هاو: ربما يتعين علينا أن نكف عن تحليل الموقف بصورة مبالغ فيها, دعنا ندخل المتاهة ولنبحث
عن جبن جديد "
وبينما كان يحاول كل من هيم وهاو اتخاذ قرار بشأن تصرفهما حيال ما حدث, كان سنيف وسكوري قد تغلبا
بالفعل على ما حدث ومضيا في طريقهما, ودخلا المتاهة مارين بجميع ممراتها من أعلى إلى أسفل باحثين
عن الجبن في كل محطة جبن يمكن أن يجداها.
ولم يفكرا في أي شيء سوى الحصول على قطعة جبن جديدة.
لم يجدا أي شئ لبعض الوقت حتى ذهبا أخيرا ً إلى احد ألاماكن بالمتاهة حيث لم يذهبا إليه أبدا ًّ: هذا
المكان هو محطة الجبن "ن"
وصرخا مبتهجين لقد وجدا ماكانا يبحثان عنه, مورد كبير للجبن الجديد.
لم يصدقا ناظريهما, لقد كان أكبر مخزن للجبن يمكن لهما كفأرين رؤيته.
وفي ذات الوقت كان هيم وهاو لا يزالان في محطة الجبن "ج" يقيّمان الموقف وكانا يعانيان من أثار غياب
الجبن, وأصيبا بالإحباط والغضب, وبدأ في عبارات اللوم على ما حدث
ومن لحظة لأخرى كان هاو يفكر في صديقيه الفأرين سنيف وسكوري ويتسأل عما إذا كانا قد توصلا إلى أي
جبن, واعتقد بأنهما يمران بوقت عصيب وأنهما يعانيان من بعض التشكك وعدم اليقين في تخبطهما داخل
المتاهة, ولكنه عرف كذلك انه كان من المرجح أن يستمر هذا الحال معهما للحظات قليلة.
وكان هاو يتخيل في بعض الأحيان أن سنيف وسكوري قد وجدا جبنا جديدا وأنهما يستمتعان به, وفكر في
مدى روعة دخوله في نوع من المغامرة داخل المتاهة بغية العثور على جبن جديد طازج, بل كاد يصل في
تخيله إلى حد شعوره بطعم هذا الجبن الطازج.
وكلما كان هاو يرى هذه الصورة في مخيلته ( أي انه وجد جبنا ً جديدا وأنه يستمتع به ) أكثر وضوحا.
كان يزيد تخيله لنفسه وهو يغادر محطة الجبن "ج"
وفجأة صاح قائلا ً:
.
.
.
يتبع