أكمل لكم قصة ريهام
المهم أنه في تلك الفترة التي فارقت فيها ريهام خالد كانت الدار تعيش حالة
استنفار بسبب الاستعداد لزواج وعد إحدى بنات الدار من همام أحد ابناء الدار
فالكل كان مشغول إما بنفسه وتجهيزاته أو مع وعد وتجهيزاتها أو في التجهيزات للحفل
الإدارة كانت تسعى لإنجاح الحفل كي تحظى بالثناء والتقدير من مسؤولي الوزارة ومراكز الإشراف
بينما نحن كنا نسعى لإنجاح حفل زفاف وعد كي تشعر بالسعادة كوننا حاولنا تقديم شيء لها
فوعد كان لها شعبية كبيرة بالدار الكل كان يحبها ويتمنى لها السعادة فهي رائعة خلقا وتعاملا
ولم يكن همام يقل عنها فهو أيضا كان في طفولتنا يعيش معنا في نفس الدار وكان لنا معه ذكريات
كثيرة والكل كان يحبه , مرت الأيام ببطء على ريهام لأنها كانت تحاول جاهدة أن تخفي ألمها عمن حولها
وأن تشارك وعد فرحتها واستعدادتها , في يوم الزفاف كان كل شيء مثلما خطط له سابقا
الحلويات والفطائر والعصائر والشوكولاته من أفخم وأرقى المحلات , عشاء البوفيه تم تأكيد حجزه
أيضا من أرقى المطاعم , القاعة جميلة فهي خمس نجوم إضافة إلا أن الكوشة قد صصمت على
طراز حديث تغطيها الورود الطبيعية الموزعة أيضا على الطاولات , وعد كانت عند الكوافيرة تتزين
استعدادا ليلة عمرها , ونحن في الدار أيضا قد أحضرنا عددا من الكوافيرات ليقمن بتزيينا في الدار
والكل بدأ يستعد والفتيات يتنافسن فيما بينهن فكل واحدة منهن تود أن تكون مميزة وتحظى بالإعجاب
عادت وعد من الكوافيرة متجهة للقاعة وذهبنا نحن أيضا للقاعة , جاءت المطربة وهي من المطربات
المشهورات وبدأت تغني وبدأ الحفل والرقص والفرح ينتشر في أرجاء القاعة , ومن لا يعرف زواجات
أبناء وبنات الدار فهي حفلات جميلة ومنظمة ويتم تجهيز كل شيء فيها مسبقا لكنها تخلو من شيء
مهم وهو الأهل فالعريس بلا أهل والعروس كذلك بلا أهل نجتمع نحن حول العروس , بينما يجتمع
أبناء الدار حول العريس , وفي الزفة حين تنزف العروس فهي تنزف لوحدها مع عريسها وكلنا نلزم الجلوس
والحجاب لأن العريس غير محرم لنا , يجلسان على الكوشة فقط الأطفال هم من يتقدمون للسلام عليهم
بينما الموظفات ونحن البنات الكبيرات لا نستطيع السلام إلا بعد انصراف العريس , زواج رغم أنه يحمل
الفرح والغناء والبخور ورائحة القهوة وكل التجهيزات اللازمة إلا أنه يحمل جوا كئيبا , الكآبة تكمن في أننا
في تلك اللحظة بالذات نشعر بالحزن أكثر من أي لحظة أخرى , منظر العروس بلا أم وأهل وأخوات يبدو
محزنا , والعريس كذلك مثلها , لحظات وبدأ البكاء لينقلب الزواج من فرح وغناء إلى دموع فراق وبكاء
فوعد ستكون هذه الليلة آخر ليلة نراها فيها لأنها ستنتقل لمدينة أخرى تقيم فيها فزوجها يعمل
في مدينة أخرى وستنتقل معه , كنا نودعها ونحن لا نعلم إن كانت ستعود لنراها وتزورنا أم أنها
ستنسانا وتبدأ حياة جديدة , تزوجت وعد وعدنا للدار ونحن نشعر بالألم لفراقها والفرح لزواجها
مشاعر متناقضة لكننا كنا فعلا نشعر بها , ريهام كان حالها أسوأ لأنها كانت تقيم مع وعد في نفس
الغرفة فحين عادت لتنام ورأت سرير وعد فارغ شعرت بالألم والحزن رغم أنها لم تفق من صدمتها الأولى
وفراقها لخالد , كانت الغرفة موحشة بلا وعد والحياة مملة بلا خالد , كل شيء يدعو للكآبة والألم
والحزن .
" يتبع "
----------------
في الدار بنات لهم أهل ويكونون الأم والأب مثلا منفصلين
ووحدة كان لها أب وأمها متوفية , أو أمها متزوجة ,أو غير سعودية وسافرت لبلدها
يعني الدار تقبل من يتخلى أهلهم عن حضانتهم
فمثلا لو رفضت الدار استقبالهم هل ستضمن أنهم سيتربون جيدا ويدخلون مدارس
ويتعلمون , أتوقع رفضهم سيسبب مشاكل أخرى وانحرافات وغيره ,لأنهم ماجابوهم
للدار إلا وهم ناوين يخلون مسؤوليتهم ومافيه حل غير قبولهم في الدار000
كانت هنالك إحدى الحاضنات في الدار كبيرة في السن فهي أم
لأغلب أبناء وبنات الدار , كثيرون من هم تربوا على يديها , كانت تتذكر
تفاصيل قدومنا للدار كلنا , فهي كانت من أوائل الأمهات اللاتي توظفن في الدار
كان تعيينها قبل أكثر من أربعين سنة مع بداية ***** إحدى الدور , كلنا كنا نناديها بماما
سواء كبار أو صغار , وكل الذين تزوجوا كانت هي أمهم وكانت هي من تسعى لتزويجهم وأغلب
أبناء الدار كانوا يجعلونها هي من تختار لهم ويستشريونها فيمن تناسبهم , كلنا كنا نحبها
وحين أصبحت في الستين من عمرها أحيلت للتقاعد الوظيفي لكنها لم تتقاعد من قلوبنا
ولا من تواصلها فكانت تزورنا باستمرار , وتتصل وتكلمنا وتسأل عنا واحدة واحدة حتى أبناء الدار
الشباب يتواصلون معها ويزورونها في بيتها , والمتزوجات كذلك بينما تأتي لزيارتنا نحن في الدار
وتشاركنا في أفراحنا وكل مناسباتنا , في أحد الأيام تفاجئنا بدخولها المستشفى على إثر جلطة
تعرضت لها , ذهبنا لزيارتها وكانت ترقد في العناية المركزة ويمنع زيارتها فكنا نراها فقط من بعيد
من خلال النافذة الزجاجية راقدة مستسلمة كأنها ميتة
والأسلاك تحيط بها من كل جانب , وحالتها يرثى لها , بكينا عليها كثيرا وتأثرنا بحالتها
فكنا ندعو لها بالشفاء ونسأل الله في كل حين أن يشفيها ويلبسها ثوب الصحة والعافية
مرت أيام وحالتها لم تتحسن بل ربما تزداد سوءا وبعد أسبوعين جاءنا خبر وفاتها
انتقلت لرحمة الله , والكل يبكيها , انتقلت لرحمة الله والكل يرثيها , والكل يذكرها بخير
ويدعي لها بالرحمة والغفران ...
ورغم مرور عدة سنوات على وفاتها إلا أننا مازلنا وندعو لها .....
رحمك الله أمي فاطمة وأسكنك فسيح جناته ....
-----
سبق وأن ذكرت لكم إنه كثير من أبناء الدار نجحوا في حياتهم لكن أعتقد أن أغلب
من نجحوا وأصبحوا في مراكز مرموقة ,أخفوا حقيقتهم وقلة فقط هم من يعلمون أنهم من أبناء
الدار ,ويقال إنه في فترة من الفترات هناك وزير دولة من مجهولي الهوية وأيضا أنا أعرف
اشخاص مشاهير وأعتقد أنكم تعرفونهم جيدا كانوا من أبناء الدور لكني لم أسمع
أو أقرأ لهم أي تصريح صرحوا فيه بأنهم من أبناء الدار لذا حفاظا على خصوصيتهم لا أود
الحديث عنهم لأنني بمجرد حديثي عنهم ستعرفونهم
هناك طيار وطبيب ومهندس ومعلم وكثر وكذلك بنات الدار
هناك معلمات وممرضات وطبيبات ومتعلمات كثر .....
قبل عدة سنوات جاء للدار مولود صغير جميل وجذاب وبه براءة طاغية
ورغم أننا اعتدنا على رؤية المواليد إلا أن فيصل منذ أن رأيته أول يوم
أحببته جدا , ربما لأني أول من حملته من الدار حيث كنت متجهة للخروج من الدار وصادفت
الممرضة وهي تدخل به للدار قادمة من المستشفى بعد أن أنهى الفحوصات
وكانت أمه قد تنازلت عنه في المؤسسة , أو ربما لأن فيه شيء يجذب لا أدري
إن كنت رأيت فيه طفولتي تخيلت أنني كنت أشبهه حينما كنت بعمره
المهم أنني أحببته كثيرا وشعرت تجاهه بالحب والعطف والحنان ومشاعر
كثيرة فأصبحت كل يوم أذهب إليه وأقضي أغلب يومي معه إما في أسرته
أو أحضره لأسرتي حتى إن كل من أراده لا يبحث عنه فيعرف أنه موجود
عندي ,وحين أخرج إلى أي مكان اصطحبه معي وأصبحت لا أفارقه أبدا
ومرت الأيام وكبر فيصل وأول مانطق من الكلمات كانت كلمة ماما
وأصبح يناديني ماما , وحينما أصبح عمره ثلاث سنوات جاءت
للدار أسرة بديلة كي تتولى حضانته ولم يخبروني
بذلك وتمت الإجراءات دون علمي وبعد أن انتهوا من كل شيء صارحتني
إحدى الأخصائيات بأن فيصل سيرحل ويذهب مع أسرة بديلة هنا رفضت
بشدة وعارضت قلت لها : "فيصل لا ,,, فيصل لا خليهم يدورون غيره
ماكثر الله من عيال الدار إلا فيصل لا يآخذونه , قالت لي لكنهم ارتاحوا ل
فيصل ويريدونه هو كنت أرفض بشدة كيف سيغادرنا فيصل وكيف ستصبح
الحياة بدونه والدار بدونه " إن ذهب إلى أسرة بديلة هذا
يعني أنني لن أراه مجددا ,ثلاث سنوات وفيصل يكبر فيها أمام عيني
ثلاث سنوات وأنا أرقبه وهو يتحرك ويضحك ويلعب ويحبو ويمشي ويتكلم
لم أكن أتخيل رحيله ....ربما كانت أنانية مني أن أحرمه من أن يعيش وسط
أسرة بديلة تعوضه عن فقدان أسرته , لكني كنت أحبه
وكنت أعلم أن رفضي لرحيله لن يغير شيئا فهو سيرحل رغما عني
الجميع كان يقول لي افرحي له لأنه سيعوض الكثير مما يفتقده في الدار
سيكون له أبا واحدا وأما واحدة وسيكون له حياة أجمل
من حياة الدار , لكنني لم أفرح ولم أشعر بالفرح بل كنت مكتئبة جدا لرحيله
بعضهم اتهمني بالأناينة فقالوا لو كنتي تحبينه حبا حقيقيا لتمنيتي له الخير
والحياة السعيدة , هل يضمنون أن يكون سعيدا مع أسرته الجديدة
كم أولئك الذين تم سحب حضانتهم من الأسر البديلة لإهمالهم وتقصيرهم ؟؟؟
هل حقا حياته معهم ستكون أفضل من حياته معنا ؟؟؟
رحل فيصل وبعد رحيله قررت أن لا أتعلق بأي طفل جديد خوفا من أن يرحل
ويجر معه في رحيله بعض من أشلاء قلبي , ويخلف لي المزيد من الألم ....
رحل فيصل ولم أره منذ يوم رحيله إلا مرة واحدة وهي بعد أسبوع من رحيله
حين عاد بصحبة أمه الجديدة التي جاءت لتأخذ بقايا أغراضه وملابسه وألعابه .....
رحل فيصل وكان يوم رحيله يوما من أسوأ الأيام التي مررت بها ....
في الدار من ينجح في المدرسة يكافأ ومن يرسب لعاقب عقابا معنويا
فيحرم من السفر ومن أغلب الرحلات ومن هدية النجاح وهي غالبا عبارة عن مبلغ
مادي لايقل عن ألف ريال وأحيانا ألفي ريال نشتري بها مانريد ....
في إحدى مراحل طفولتي كانت أمي مصرية الجنسية وهي ماما انتصار
وحين ننجح كانت تذهب معنا للسوق لنشتري مانريد وغالبا كنا نشتري ألعابا
ما أن نصل للدار حتى نبدأباللعب بها والذي ينتهي بتكسيرها , وكانت دائما توبخنا لهذا
السبب قائلة لنا : ياخرابي إيه اللي بتعملوه ده دنتوا مابتعرفوش تقدروا
قيمة النعمة اللي إنتوا فيها حرام عليكم دي بشوية وشويات
تقوموا تكسروها كدا طب دا فيه ناس ماحيلتهموش حاجة وبيتمنوا نص اللي عندكم ....الخ
المهم أنها كانت طيبة معنا و تحب تلعب معنا وكان في أسرتنا بلكونة كنا في الدور الثاني
على ارتفاع مترين تقريبا وكنا نحب نجلس ونلعب فيها معها وفي إحدى المرات
كانت ماما انتصار تقف على حافة البكلونة وتقول : عاوزيني أطيح ياولاد
ونحن نصرخ بصوت واحد لا لا , وهي تضحك وتعيد نفس الجملة : عاوزيني أطيح ياولاد
وفجأة وإذ بها تسقط من تلك البلكونة حقيقة لامزحا , وحين نظرنا وجدناها مستلقية
على الأرض هنا أخذنا نصرخ ونبكي وكنت أنا أجري في أرجاء الدار وأقول ماما انتصار
ماتت , ماما انتصار ماتت , وتجمعن الحاضنات حولها , وكانت ضخمة جدا حتى إن أحدا
لم يستطع حملها , واتصلوا على الأسعاف ونقلوها للمستشفى وأتضح أنها أصيبت
بكسور في بعض فقرات العمود الفقري , ورضوض عديدة , وكسر في اليد اليمنى
وإصابات في الرأس ,وكنا نذهب لزيارتها وهي تبكي وتدعي على نفسها
وتقول : دنا بستاهل اللي جرى لي ,ربنا يآخدني ......الخ
هنا وكعادة الدار تنازلت عن خدماتها وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر سافرت خروج نهائي لمصر
حيث رفضوا في الدار أن يعيدوها لوظيفتها وقالوا نخشى أن يقلدك الأبناء في تصرفاتك الحمقاء
واتهموها بأنها مخطئة حين مزحت تلك المزحة التي كادت تقضي عليها ,
والتي كانت كفيلة لتخلي الدار عنها وهي طريحة الفراش غادرت لبلادها
بعد أن استعادت صحتها ولم نعد نعرف عنها شيئا , لله درك ياماما انتصار
وأطال الله في عمرك ....