--------------------------------------------------------------------------------
إلى التي تحدق إلى الشمس بأجفانٍ جامدةٍ، و تنبض على النار بأصابعٍ غير مرتعشةٍ، وتسمع نغمة الروح من وراء ضجيج العميان وصراخهم، إلى حبيبة قلبي، إليك يا قمري اهدي هذه القصة
كنت في الثامنة عشرة من عمري عندما فتح لي الحب بابه و أشعته السحرية جعلت نفسي تطوق لرؤية من أحب
ليلياس الفتاة التي أيقظت روحي بمحاسنها و مشت أمامي إلى جنة العواطف العلوية حيث تمر الأيام كالأحلام و تنقضي الليالي كالأعراس
ليلياس هي التي علمتني عبادة الجمال بجمالها و أرتني خفايا الحب بانعطافها و هي التي أنشدت على مسمعي أول بيت من قصيدة الحياة المعنوية
أي فتى لا يذكر الصبية الأولى التي حولت معنى الحب في داخله
و أبدلت كل الصداقات العابرة بعلاقةٍ هائلةٍ بلطفها جارحة بعذوبتها فتاكةٍ بحلاوتها ؟ من منا لا يذوب حنيناً إلى تلك اللحظة الغريبة التي إذا انتبه فيها لحظة رأى كلّيّته قد انقلبت و تحولت و أعماقه قد توسعت و انبسطت و تبطنت بانفعالاتٍ لذيذةٍ بكل ما فيها من مرارة الكتمان مستجيبةٍ بكل ما يكتنفها من الدموع و الشوق و السهاد
في يومٍ ربيعيٍ مشمسٍ كان جسدي مشتاقٌ للدفء و كنت في رحلةٍ مدرسيةٍ إلى مدينة طرطوس و كان معنا مدرسة للإناث تشاركنا في الرحلة و منذ أول لحظة وقعت عيني على فتاةٍ من بين الموجودين ذبت في جمال عيناها الزرقاوات كلون السماء الربيعية و شعرها مسترسل يميل إلى الشقار كلون الذهب الرائع كانت تنظر إلي بنظرةٍ فيها من الخجل ما هو موجود في خجل الفتاة في يوم زفافها كانت في الحافلة الخاصة بمدرستها و أنا كذلك في حافلتنا
كان بين السائقين سباق و كانت الحافلتان تمران من أمام بعضهما و كل ما مرت حافلتنا من أمام حافلتهن كنت انظر إليها من النافذة و كنت أحاول أن أقول شيء و لكن لم يسعفني الكلام وذاب لساني في جمالها و هي تنظر إلي و كأنها تريدني أن أتحدث معها
وصل الركب إلى طرطوس و نزلنا و كنت أراقبها و هي تمشي في ممر الحافلة و هي كذلك الأمر نزلنا مع بعضنا البعض مشيت نحوها خطوةً و وقفت هناك و الكل من خلفي يقولون هيا ابتعد قليلاً عن الممر و لكني لم اسمع إلا بعد فوات تلك اللحظات و اقتربت هي خطوةً اسوةً بي و بعد أن كثر الصراخ من خلفي سرت متجها إلى مؤخرة الحافلة و نظرت إليها نظرةً كأنها تقول إليها اتبعيني
فهمت علي من النظرة و اتجهت هي الأخرى إلى مؤخرة الحافلة وقفت متأملاً جمال عيناها و مرت الدقائق انظر إليها و لم أقول شيئاً خطر في بالي أول بيت شعر لي و بعد حوالي خمس دقائق قلته تركتها و مشيت
لم أصل إلى شاطئ البحر وقفت للحظات معدودات و إذا بلمسةٍ ناعمةٍ رقيقةٍ تحمل من الأنوثة ما لم يستطيع الشعراء وصفه لمسهٌ إذا مست الحديد أذابته لمسةٌ سحريةٌ تحول القماش الخشن إلى حريرٍ ناعمٍ لمست كتفي فشعرت بأن كل مواجعي تبخرت التفت إلى الخلف فرأيتها وقالت
_ أخاف من لون عينيكي عليك ....... و من بائعات الورد فوق شفتيكي
لمن هذا الكلام ؟
_ انه من وحيٍ نزل علي لما نظرت إليك
_ لم اقصد من القائل إنما قصدت لمن موجه
ارتعبت لهنيهة و فكرت بعاقبة إجابتي < فأنا لا أريد أن اخسرها من أول حديث >
_ أنا قلته لكي و أنت المقصودة به
استدرنا إلى البحر و حل بنا صمت لدقائق
قلت لها
_ هل ازعجكي ما قلت
_ إذا لم يكن منبع كلامك قلبك فسوف انزعج
هذا كلام محب <قلت في خلدي>
ضحكت بصوت مرتفع و كأني طفلٌ وجد لعبته الرائعة
_ اقسم لكي بالله أن منبع كلامي هو قلبي
قلتها و أنا مطمأن على العاقبة الجميلة
قالت و البسمة تعتلي وجهها
_ كنت اعلم ذلك
_ أنت أول فتاةٍ في حياتي
_ أنت أيضاً أول شابٍ في حياتي
_ ستكونين ملكة قلبي
_ و أنت أيضاً
لم اعلم من أين جلبت تلك الكلمات
قالت لي
_ أريد أن أذهب لرؤية صديقاتي
جال في بالي خاطر بأن تكون تريد اللهو لا أكثر
_ لا عليك امرحي بوقتك
سرت راجعاً إلى أصحابي
و كان من المعلمين المرافقين لنا معلمةً تزيدنا بالعمر خمسة أعوام تفهم ما يدور في عقلنا و عندما وصلت إلى الأصدقاء بدأت علامات الاستفهام و التعجب تنهوي علي من كل جانب
من هي ؟ من تكون ؟ هل تعرفها من قبل؟
ما أجملها ما أروع لون عيونها
مللت منهم وانزويت منفرداً و إذا بالمعلمة سناء تلحق بي قالت بشكل المزاح
_ من الحورية التي كنت برفقتها؟
تبسمت و قلت لها
_ لم اعرفها من قبل
_ إذاً لما لحقت بك إلى الشاطئ
_ تبادلنا النظرات و نحن في الطريق و عندما وصلنا تبادلنا إطراف الحديث
كنت أحكي و عيوني تبحث عنها
_ ما اسمها؟
و كأن صاعقةً حلت بي فأنا لا اعرف اسمها و لن أقول لا اعرف اسمها لكي لا أقف في موقف محرج
_ اسمها ليلياس
قلت الاسم ولم أكن اعرف اسمها
قالت المعلمة
_ اسم جميل كصاحبته
و نظرت يميناً فإذا بها تحدق إلي نظرة قائد مقدام ينظر إلى أسوار المدينة التي يريد أن يحتلها نظرة فيها حب القائد لهذه المدينة و انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض عليها
صمت ولم اجب المعلمة فانصرفت و كأنها حسّت بما يدور في داخلي
و ما لبثت المعلمة أن انصرفت و إذا بها تندفع نحوي كسيلٍ مشتاقٍ للمنخفضات اقتربت إلي و قالت بلهجة الغضب و وجهها يعلوه تلك الملامح الصفراء
_ من تلك الفتاة التي كانت معك؟
_ ما بكي و كأني فعلت الفاحشة معها
ارتفع صوتها و كأني بإجابتي سكبت الوقود على النار
_ أجبني و لا تتهرب من الإجابة
بدأ الغضب يدخل إلي فأنا رجل شرقي و لا احتمل أن يعلو صوت أنثى فوق صوتي و لكن لم ارفع صوتي و أجبتها بهدوء
_ إنها معلمة لدينا في المدرسة
انتبهت المعلمة سناء إلى ارتفاع نسق الحديث بيننا و اتجهت نحونا و وقفت أمامي وقالت
_ أنا المعلمة سناء .... و من هذه الجميلة يا وسام؟
_ إنها ليلياس
فهمت ما تريد المعلمة فهي تريد أن تجيب على تساؤلات الفتاة دون إحراجي
<قلت الاسم الذي كذبت على المعلمة به>
_ تشرفت بمعرفتك يا ابنتي ... و أنتَ يا بني استمتع بوقتك مع صديقتك
و انصرفت المعلمة و كان وقع كلامها ككلمة قواد الحروب بخصوص إيقاف الحرب
بعد أن ابتعدت عن مدار وصول صوتنا قالت الفتاة باستغراب
_ من أين عرفت اسمي؟
_ انه أول اسم خطر في بالي عندما سألتني المعلمة عنك
_ اسمي جميل؟
_ أنت أكثر جمالاً منه
_ أتعني انه ليس جميلاً؟
_ اسمك في جمال الطبيعة و أنت التي تزهري ورودها
_ كلامك لا يوحي باني أول فتاة في حياتك
_ أنت الأولى في حياتي و لا أريد أن أبرهن شيءً لا يحتاج إلى برهان
_ إذاً من أين تتلفّظ بتلك الألفاظ الجميلة؟
_ إن الكلام يتسم بسمة الموجه إليه
فالحبيب توجه إليه عبارات الحب .... و البغيض توجه إليه عبارات البغض
_ هل تعني ما تقول؟
قلتها بكل شجاعة
_ نعم
و انتظرت ردها
و لكنها انصرفت و وجنتاها تحولتا إلى مرجانتين حمراوتين
عرفت إجابتها دون أن تقولها
أحبك أحبك أحبك
سرت وراءها مستعجل الخطى و أمسكت كتفها بيدي و قلت لها
_ قوليها نعم قوليها ولا تترددي قولي احبك
قالت صارختاً بصوتٍ زلزل الأرض تحت أقامنا
_ احببببببببببك احبك نعم احبك أقولها ولا اخجل من احد
أوقعت بها في بحر حبي نعم اوقعت بها في بحر حبي
ركضت إمامها و ركضت خلفي مسكت بيدها يدي و قالت
_ احبك نعم
_ و أنا احبك
_ لا اعرف ما يدور بداخلي كتلة من الأنوثة فجرتها أنتَ أنتَ الذي عرفت كيف تجعلني احبك
_ احبك بكبر هذا البحر احبك بقدر ما في هذا البحر ما أسرار المحبين
_ دعنا نبوح للبحر بأول سرٍ من أسرار حبنا
_ ما هو السر؟ هل أن حبنا سوف يستمر إلى الأبد؟
_ نعم انه هو
_ لا يا حبيبتي لنجعله سرٌ مفضوحٌ و ليعلم كل حيٍّ في هذا الكون أن حبنا إلى الأبد
صرخت قائلا
_احبك إلى الأبد..... أنت ستكونين لي الحضن الدافئ المحب ... و أنا سأكون لكي الحمى و السند ... يا سيدة روحي يا لبوة الأسد
_ سأحبك حبا ليس له حدود..... سأحبك حب العابد للمعبود..... يا من وجهك أنغام و ورود
استمرينا في الركض و لن نتعب كان من حولنا ينظرون إلينا نظراتٍ بعضها فيها ابتسامة الحقول عندما ترى ورودها و بعضها فيها حقد و حسد كنظرة السارق إلى الذهب المقصود و بعضها فيها من جوع للحب ما في المستكشف للكنز المرصود
توقفت عن الركض و قلت لها
_ ليلياس
_ قل ما تريد يا مهجة الفؤاد
_ انظري إلى العالم كيف ينظرون إلينا
_ لا تهمني نظرات العالم بقدر ما تهمني نظرتك أنت
_ أنا ؟
_ نعم أنت
أنتَ الحبيب المنتظر
_ حبيبتي دعينا نرجع إلى الركب
_ أنت لا تطلب يا حبيبي أنت تأمر و علي أن أطيع
هذه الجملة احد الجمل التي غرست في داخلي مقدار من الحب بمقدار ما في الدنيا من هواء
أشعرتني برجولتي و من منا لا يحب هذا الإحساس من التي يحبها؟
سرقنا الوقت هناك و لم أشعر إلا و المشرف على الرحلة يطلب منا الركوب بالحافلات استعداداً للعودة
ركضت نحوها وقلت لها
_ سوف نذهب إلى البيوت فهل سينتهي كل شيء؟
قلتها بلهجة اليتيم الذي يذكر أبوه و أمه
ردت علي بلهجة أم حنونة لزوجها الطيب
_ لا يا حبيبي
_ إذاً كيف سنتواصل في دمشق؟
_ سأعطيك رقمَ هاتف المنزل و رقم هاتفي الخاص
_ و أنا أيضا
_ سنتحدث على هاتفي و هاتف المنزل
_ سأكلمك في طريق الرجعة
و سمعت صوتا من بعيد يناديني
_ وساااااااام هيا يا بني أسرع فنريد أن ننطلق
استدرت إليها و مشيت بشكلٍ خلفي و يدي بيدها و كل ما ابتعدت أحس بان أحاسيس و أشواق تنسلخ مني تركت يدها بعد أن امتطت يدي و يدها لأمتار و اتجهت إلى الحافلة و كنت أخر من يركب بها مثلها كانت أخر من ركب في حافلتهم
انطلق الركب و نحن في الطريق و الشباب يلعبون و أنا أراقب مقعدها من النافذة و عيني لم تفارق عيونها و يدور في خاطري كل ما دار بيننا من حديث أحلل و استنتج مدا كبر حبنا و الهاتف لم ينزل من أذني
في ذلك اليوم شاهدت ملائكة السماء تنظر إلي من وراء أجفان صبيةٍ جميلةٍ و فيها رأيت ارتدادً لملامح رجلٍ ملهمٍ يتراكض في صدره حبٌ عذريٌ و يتنامى و من لا يشعر بتلك المشاعر يظل قلبه بعيداً عن المعرفة و نفسه فارغةُ من العواطف
وفعلا هذه القصة حقيقة
إلى التي تحدق إلى الشمس بأجفانٍ جامدةٍ، و تنبض على النار بأصابعٍ غير مرتعشةٍ، وتسمع نغمة الروح من وراء ضجيج العميان وصراخهم، إلى حبيبة قلبي، إليك يا قمري اهدي هذه القصة
كنت في الثامنة عشرة من عمري عندما فتح لي الحب بابه و أشعته السحرية جعلت نفسي تطوق لرؤية من أحب
ليلياس الفتاة التي أيقظت روحي بمحاسنها و مشت أمامي إلى جنة العواطف العلوية حيث تمر الأيام كالأحلام و تنقضي الليالي كالأعراس
ليلياس هي التي علمتني عبادة الجمال بجمالها و أرتني خفايا الحب بانعطافها و هي التي أنشدت على مسمعي أول بيت من قصيدة الحياة المعنوية
أي فتى لا يذكر الصبية الأولى التي حولت معنى الحب في داخله
و أبدلت كل الصداقات العابرة بعلاقةٍ هائلةٍ بلطفها جارحة بعذوبتها فتاكةٍ بحلاوتها ؟ من منا لا يذوب حنيناً إلى تلك اللحظة الغريبة التي إذا انتبه فيها لحظة رأى كلّيّته قد انقلبت و تحولت و أعماقه قد توسعت و انبسطت و تبطنت بانفعالاتٍ لذيذةٍ بكل ما فيها من مرارة الكتمان مستجيبةٍ بكل ما يكتنفها من الدموع و الشوق و السهاد
في يومٍ ربيعيٍ مشمسٍ كان جسدي مشتاقٌ للدفء و كنت في رحلةٍ مدرسيةٍ إلى مدينة طرطوس و كان معنا مدرسة للإناث تشاركنا في الرحلة و منذ أول لحظة وقعت عيني على فتاةٍ من بين الموجودين ذبت في جمال عيناها الزرقاوات كلون السماء الربيعية و شعرها مسترسل يميل إلى الشقار كلون الذهب الرائع كانت تنظر إلي بنظرةٍ فيها من الخجل ما هو موجود في خجل الفتاة في يوم زفافها كانت في الحافلة الخاصة بمدرستها و أنا كذلك في حافلتنا
كان بين السائقين سباق و كانت الحافلتان تمران من أمام بعضهما و كل ما مرت حافلتنا من أمام حافلتهن كنت انظر إليها من النافذة و كنت أحاول أن أقول شيء و لكن لم يسعفني الكلام وذاب لساني في جمالها و هي تنظر إلي و كأنها تريدني أن أتحدث معها
وصل الركب إلى طرطوس و نزلنا و كنت أراقبها و هي تمشي في ممر الحافلة و هي كذلك الأمر نزلنا مع بعضنا البعض مشيت نحوها خطوةً و وقفت هناك و الكل من خلفي يقولون هيا ابتعد قليلاً عن الممر و لكني لم اسمع إلا بعد فوات تلك اللحظات و اقتربت هي خطوةً اسوةً بي و بعد أن كثر الصراخ من خلفي سرت متجها إلى مؤخرة الحافلة و نظرت إليها نظرةً كأنها تقول إليها اتبعيني
فهمت علي من النظرة و اتجهت هي الأخرى إلى مؤخرة الحافلة وقفت متأملاً جمال عيناها و مرت الدقائق انظر إليها و لم أقول شيئاً خطر في بالي أول بيت شعر لي و بعد حوالي خمس دقائق قلته تركتها و مشيت
لم أصل إلى شاطئ البحر وقفت للحظات معدودات و إذا بلمسةٍ ناعمةٍ رقيقةٍ تحمل من الأنوثة ما لم يستطيع الشعراء وصفه لمسهٌ إذا مست الحديد أذابته لمسةٌ سحريةٌ تحول القماش الخشن إلى حريرٍ ناعمٍ لمست كتفي فشعرت بأن كل مواجعي تبخرت التفت إلى الخلف فرأيتها وقالت
_ أخاف من لون عينيكي عليك ....... و من بائعات الورد فوق شفتيكي
لمن هذا الكلام ؟
_ انه من وحيٍ نزل علي لما نظرت إليك
_ لم اقصد من القائل إنما قصدت لمن موجه
ارتعبت لهنيهة و فكرت بعاقبة إجابتي < فأنا لا أريد أن اخسرها من أول حديث >
_ أنا قلته لكي و أنت المقصودة به
استدرنا إلى البحر و حل بنا صمت لدقائق
قلت لها
_ هل ازعجكي ما قلت
_ إذا لم يكن منبع كلامك قلبك فسوف انزعج
هذا كلام محب <قلت في خلدي>
ضحكت بصوت مرتفع و كأني طفلٌ وجد لعبته الرائعة
_ اقسم لكي بالله أن منبع كلامي هو قلبي
قلتها و أنا مطمأن على العاقبة الجميلة
قالت و البسمة تعتلي وجهها
_ كنت اعلم ذلك
_ أنت أول فتاةٍ في حياتي
_ أنت أيضاً أول شابٍ في حياتي
_ ستكونين ملكة قلبي
_ و أنت أيضاً
لم اعلم من أين جلبت تلك الكلمات
قالت لي
_ أريد أن أذهب لرؤية صديقاتي
جال في بالي خاطر بأن تكون تريد اللهو لا أكثر
_ لا عليك امرحي بوقتك
سرت راجعاً إلى أصحابي
و كان من المعلمين المرافقين لنا معلمةً تزيدنا بالعمر خمسة أعوام تفهم ما يدور في عقلنا و عندما وصلت إلى الأصدقاء بدأت علامات الاستفهام و التعجب تنهوي علي من كل جانب
من هي ؟ من تكون ؟ هل تعرفها من قبل؟
ما أجملها ما أروع لون عيونها
مللت منهم وانزويت منفرداً و إذا بالمعلمة سناء تلحق بي قالت بشكل المزاح
_ من الحورية التي كنت برفقتها؟
تبسمت و قلت لها
_ لم اعرفها من قبل
_ إذاً لما لحقت بك إلى الشاطئ
_ تبادلنا النظرات و نحن في الطريق و عندما وصلنا تبادلنا إطراف الحديث
كنت أحكي و عيوني تبحث عنها
_ ما اسمها؟
و كأن صاعقةً حلت بي فأنا لا اعرف اسمها و لن أقول لا اعرف اسمها لكي لا أقف في موقف محرج
_ اسمها ليلياس
قلت الاسم ولم أكن اعرف اسمها
قالت المعلمة
_ اسم جميل كصاحبته
و نظرت يميناً فإذا بها تحدق إلي نظرة قائد مقدام ينظر إلى أسوار المدينة التي يريد أن يحتلها نظرة فيها حب القائد لهذه المدينة و انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض عليها
صمت ولم اجب المعلمة فانصرفت و كأنها حسّت بما يدور في داخلي
و ما لبثت المعلمة أن انصرفت و إذا بها تندفع نحوي كسيلٍ مشتاقٍ للمنخفضات اقتربت إلي و قالت بلهجة الغضب و وجهها يعلوه تلك الملامح الصفراء
_ من تلك الفتاة التي كانت معك؟
_ ما بكي و كأني فعلت الفاحشة معها
ارتفع صوتها و كأني بإجابتي سكبت الوقود على النار
_ أجبني و لا تتهرب من الإجابة
بدأ الغضب يدخل إلي فأنا رجل شرقي و لا احتمل أن يعلو صوت أنثى فوق صوتي و لكن لم ارفع صوتي و أجبتها بهدوء
_ إنها معلمة لدينا في المدرسة
انتبهت المعلمة سناء إلى ارتفاع نسق الحديث بيننا و اتجهت نحونا و وقفت أمامي وقالت
_ أنا المعلمة سناء .... و من هذه الجميلة يا وسام؟
_ إنها ليلياس
فهمت ما تريد المعلمة فهي تريد أن تجيب على تساؤلات الفتاة دون إحراجي
<قلت الاسم الذي كذبت على المعلمة به>
_ تشرفت بمعرفتك يا ابنتي ... و أنتَ يا بني استمتع بوقتك مع صديقتك
و انصرفت المعلمة و كان وقع كلامها ككلمة قواد الحروب بخصوص إيقاف الحرب
بعد أن ابتعدت عن مدار وصول صوتنا قالت الفتاة باستغراب
_ من أين عرفت اسمي؟
_ انه أول اسم خطر في بالي عندما سألتني المعلمة عنك
_ اسمي جميل؟
_ أنت أكثر جمالاً منه
_ أتعني انه ليس جميلاً؟
_ اسمك في جمال الطبيعة و أنت التي تزهري ورودها
_ كلامك لا يوحي باني أول فتاة في حياتك
_ أنت الأولى في حياتي و لا أريد أن أبرهن شيءً لا يحتاج إلى برهان
_ إذاً من أين تتلفّظ بتلك الألفاظ الجميلة؟
_ إن الكلام يتسم بسمة الموجه إليه
فالحبيب توجه إليه عبارات الحب .... و البغيض توجه إليه عبارات البغض
_ هل تعني ما تقول؟
قلتها بكل شجاعة
_ نعم
و انتظرت ردها
و لكنها انصرفت و وجنتاها تحولتا إلى مرجانتين حمراوتين
عرفت إجابتها دون أن تقولها
أحبك أحبك أحبك
سرت وراءها مستعجل الخطى و أمسكت كتفها بيدي و قلت لها
_ قوليها نعم قوليها ولا تترددي قولي احبك
قالت صارختاً بصوتٍ زلزل الأرض تحت أقامنا
_ احببببببببببك احبك نعم احبك أقولها ولا اخجل من احد
أوقعت بها في بحر حبي نعم اوقعت بها في بحر حبي
ركضت إمامها و ركضت خلفي مسكت بيدها يدي و قالت
_ احبك نعم
_ و أنا احبك
_ لا اعرف ما يدور بداخلي كتلة من الأنوثة فجرتها أنتَ أنتَ الذي عرفت كيف تجعلني احبك
_ احبك بكبر هذا البحر احبك بقدر ما في هذا البحر ما أسرار المحبين
_ دعنا نبوح للبحر بأول سرٍ من أسرار حبنا
_ ما هو السر؟ هل أن حبنا سوف يستمر إلى الأبد؟
_ نعم انه هو
_ لا يا حبيبتي لنجعله سرٌ مفضوحٌ و ليعلم كل حيٍّ في هذا الكون أن حبنا إلى الأبد
صرخت قائلا
_احبك إلى الأبد..... أنت ستكونين لي الحضن الدافئ المحب ... و أنا سأكون لكي الحمى و السند ... يا سيدة روحي يا لبوة الأسد
_ سأحبك حبا ليس له حدود..... سأحبك حب العابد للمعبود..... يا من وجهك أنغام و ورود
استمرينا في الركض و لن نتعب كان من حولنا ينظرون إلينا نظراتٍ بعضها فيها ابتسامة الحقول عندما ترى ورودها و بعضها فيها حقد و حسد كنظرة السارق إلى الذهب المقصود و بعضها فيها من جوع للحب ما في المستكشف للكنز المرصود
توقفت عن الركض و قلت لها
_ ليلياس
_ قل ما تريد يا مهجة الفؤاد
_ انظري إلى العالم كيف ينظرون إلينا
_ لا تهمني نظرات العالم بقدر ما تهمني نظرتك أنت
_ أنا ؟
_ نعم أنت
أنتَ الحبيب المنتظر
_ حبيبتي دعينا نرجع إلى الركب
_ أنت لا تطلب يا حبيبي أنت تأمر و علي أن أطيع
هذه الجملة احد الجمل التي غرست في داخلي مقدار من الحب بمقدار ما في الدنيا من هواء
أشعرتني برجولتي و من منا لا يحب هذا الإحساس من التي يحبها؟
سرقنا الوقت هناك و لم أشعر إلا و المشرف على الرحلة يطلب منا الركوب بالحافلات استعداداً للعودة
ركضت نحوها وقلت لها
_ سوف نذهب إلى البيوت فهل سينتهي كل شيء؟
قلتها بلهجة اليتيم الذي يذكر أبوه و أمه
ردت علي بلهجة أم حنونة لزوجها الطيب
_ لا يا حبيبي
_ إذاً كيف سنتواصل في دمشق؟
_ سأعطيك رقمَ هاتف المنزل و رقم هاتفي الخاص
_ و أنا أيضا
_ سنتحدث على هاتفي و هاتف المنزل
_ سأكلمك في طريق الرجعة
و سمعت صوتا من بعيد يناديني
_ وساااااااام هيا يا بني أسرع فنريد أن ننطلق
استدرت إليها و مشيت بشكلٍ خلفي و يدي بيدها و كل ما ابتعدت أحس بان أحاسيس و أشواق تنسلخ مني تركت يدها بعد أن امتطت يدي و يدها لأمتار و اتجهت إلى الحافلة و كنت أخر من يركب بها مثلها كانت أخر من ركب في حافلتهم
انطلق الركب و نحن في الطريق و الشباب يلعبون و أنا أراقب مقعدها من النافذة و عيني لم تفارق عيونها و يدور في خاطري كل ما دار بيننا من حديث أحلل و استنتج مدا كبر حبنا و الهاتف لم ينزل من أذني
في ذلك اليوم شاهدت ملائكة السماء تنظر إلي من وراء أجفان صبيةٍ جميلةٍ و فيها رأيت ارتدادً لملامح رجلٍ ملهمٍ يتراكض في صدره حبٌ عذريٌ و يتنامى و من لا يشعر بتلك المشاعر يظل قلبه بعيداً عن المعرفة و نفسه فارغةُ من العواطف
وفعلا هذه القصة حقيقة