البااااااااارت الاول
في أحدى الغرف في بيت للطالبات المغتربات كانت نورين نائمة و شعرها الأسود منتشرا على الوسادة و في تمام الساعة الثامنة صباحا أفاقت من نومها و هي تفتح عينيها بصعوبة بالغة فقد سهرت طوال الليل تذاكر فهي في بداية عامها الدراسي الأخير حيث تدرس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة , دخلت نورين الى الحمام لتغتسل و تتوضأ لتصلي الضحى قبل التوجه الى كليتها لتلحق بالمحاضرة الأولى في تمام الساعة العاشرة و قد اعتادت نورين أن تذهب الى الجامعة سيرا على الأقدام و ذلك لتوفر المال ليكفيها طوال الشهر حيث أنها من أسرة بسيطة تعيش في الأرياف و هي ابنة وحيده لوالدتها المسنة والتي ربتها بمفردها بعد وفاة والدها منذ أن كانت طفلة صغيرة .
ارتدت نورين بنطالا من الجينز الأزرق و قميصا طويلا أبيض اللون و حذاءا أبيض و رفعت شعرها للأعلى و حملت حقيبتها الزرقاء المصنوعة من قماش الجينز و غادرت الغرفة تاركة زميلتها ندي نائمة فهي لا تلتزم بحضور محاضراتها في كلية التجارة , أغلقت هاله باب الغرفة بهدوء و نزلت لتبدأ رحلتها اليومية للجامعة حيث تستغرق خمس و أربعون دقيقة لتصل الى كليتها , و في طريقها وقفت لشراء افطارها الذي يتكون عادة من ساندويتش من الفول وكوبا من الشاي بأحد المطاعم الرخيصة في طريق الجامعة و بعد ان أنهت افطارها أكملت طريقها و لم تهتم لنظرات الأعجاب التي تحيط بها بالرغم من بساطة ملابسها الا أنها ممشوقة القوام و جميلة الملامح فعيونها سوداء واسعة تحيط بها رموشا طويلة و أنفها رقيق و شفتاها رقيقتان و بشرتها بيضاء منتشرا بها بعض النمش الذي يزيد من جمالها الباهر, وصلت نورين الى قاعة المحاضرات و كانت سعيدة لأن اليوم هو يوم الخميس الأول من الشهر حيث ستسافر لتزور والدتها الحبيبة فهي تزورها مرة واحدة كل شهر حتى يكفيها المال الذي تبعثه اليها والدتها من معاش والدها البسيط لتكمل به الشهر كاملا , ابتسمت نورين و هي تتذكر كيف تقضي النصف الاخير من الشهر فقد تكتفي بوجبة واحدة فقط و ربما كوبان من الشاي طوال اليوم , كانت نورين تشعر بالرضا و لا تحزن لأنها لا تملك ملابس او هواتف محمولة مثل باقي زميلاتها بل كانت تتميز بين زميلائها بشخصيتها القوية و أخلاقها الراقية و كان لها الكثير من الأصدقاء خاصة أنها متفوقة و كل عام تكون من الخمس الاوائل على دفعتها , كانت نورين دائما تنتظر اليوم الذي تنهي فيه دراستها و يتم تعيينها كمعيدة في الكلية و تدخل السعادة على قلب والدتها الغالية فكرت نورين:
نورين( وحشتيني أوي يا ماما ... فاضلي كمان محاضرتين و أركب القطر و اجيلك وأبات في حضنك انهارده ... يا ترى عملتيلي الملوخية اللي بحبها ؟؟؟ ولا صينية البطاطس ؟؟؟ لحسن بطني نشفت من الفول والطعمية .... يااااااااه يا رب الوقت يفوت بسرعة بقى.............)
أنهت نورين محاضراتها و اتجهت الى باب المبنى لتخرج منه فاستوقفها صوت شادي زميلها الذي يكن لها أعجابا لا يستطيع اخفاءه بالرغم من محاولته:
شادي : نورين ... رايحه فين علطول كده؟
نورين وهي تحاول انهاء المحادثه سريعا:ازيك يا شادي معلش اصلي مسافره البلد انهارده و عايزه الحق القطر, عن اذنك
شادي:تحبي أوصلك المحطة بعربيتي؟
نورين بملل:شادي بقالنا تلات سنين وآدي الرابعة بقولك شكرا مبركبش عربيات مع حد
شادي : بس احنا زمايل في كلية واحده
نورين :معلش يا شادي وعن أذنك بقى
تنطلق نورين في طريقها بينما يقف شادي يتابعها بعينيه و يأتيه صوت صديقه هاني:
هاني:اييييييييييييييه يا بني روحت فين؟
شادي:هتجنني يا هاني
هاني:انا مش عارف عاجبك فيها ايه ؟ هي أي نعم حلوه بس بلدي أوي و مش ستايلك خالص
شادي:اسكت بقى متتكلمش عنها كده
هاني:يا بني ده انت كل البنات هتموت عليك , انت ناسي انت ابن مين؟
شادي:لا طبعا مش ناسي بس أنا بحبها بجد
هاني:بص يا شادي:نورين دي بنت جد وحاطه هدف لازم توصله ومش هتسمح لأي حد يعطلها حتى لو كان واحد زيك وبيحبها
شادي:يعني مش هتحبني أبدا؟؟؟؟؟؟؟
هاني:معتقدش , ويلا بقى يا معلم ده انهارده ليلة الخميس هنسهر للصبح
شادي:يلا بينا هنروح فين انهارده؟
هاني:انا بقول نروح سوليتير سمعت ان خالد سليم هيغني هناك
شادي:طيب يلا نروح نتغدى ونغير و ننزل
هاني:يلا بينا
و صلت نورين محطة القطار وجلست تنتظر وصول القطار و عندما وصل تدافع الناس للدخول الى عربة الدرجة الثالثة صعدت نورين و جلست بجوار سيدة مسنه ذكرتها بوالدتها و ظلت نورين طوال الطريق تفكر في مستقبلها و كيف أنها تريد تعويض والدنها عن كل ما عانته في سبيل تربيتها و تعليمها...................................
وصل تنورين الى قريتها و احست بالراحه و الأمان فهنا ولدت و هنا عاشت طفولتها مع والديها و هنا تشعر بالدفء و السعادة ... هنا تستطيع شم رائحة الحقول الخضراء و أشجار الفاكهة , تنفست نورين بعمق و انطلقت لتذهب الى منزلها الحبيب و والدتها الغالية .
طرقت هاله الباب لكن الباب لم يفتح .... أين أنت يا أمي؟ هل أنت نائمة أم خرجتي لشراء بعض الأغراض ؟ ذهبت نورين لتطرق باب جارتها السيدة فاطمة لتسألها عن والدتها:
نورين:السلام عليكم يا حاجه فاطمة , متعرفيش ماما فين؟
فاطمة بحزن:حمدلله على سلامتك يا ضنايا
نورين بخوف:هي ماما فين؟
فاطمة:اطمني يا بنتي مامتك بخير بس هي بعافية شوية و ديناها المستشفى العمومي من يومين
لم تكمل ننورين حديثها مع السيدة فاطمة بل ركضت مسرعة متوجهه الى المستشفى لترى والدتها , وصلت نورين الى المستشفى العام الوحيدة الموجوده في قريتها البسيطة و سألت عن والدتها و وجدت أنها موجودة في الدور الأول الخاص بأمراض الكلى , صعدت هاله الدرج وهي مازالت تلهث من أثر الركض الطويل و وصلت الى الغرفة لتجد أن بها عددا كبيرا من الأسرة المليئة بالمرضى و ظلت تبحث بين الوجوه حتى رأت وجها رقيقا نائما و عليه علامات الألم الشديد أقتربت نورين من والدتها و قبلت رأسها برفق وقالت بصوت خافت:
نورين:ماما ... أنا جيت يا حبيبتي
الأم تفتح عينيها ببطء لتنظر الى وجه طفلتها الغالية:نورين .. حمدلله على سلامتك يا حبيبتي .. وصلتي امتى؟
نورين والدموع تتساقط من عينيها:لسه واصله وجيتلك علاطول
الأم:متعيطيش يا حبيبتي , أنا كويسة
نورين و هي لا تستطع التوقف عن البكاء:حاسه بإية؟
الأم: شوية وجع في جنبي
نورين:الدكتور قالك ايه؟
الأم:قالي لازم أعمل غسيل كلى
نورين احست بالرعب فمن أين ستأتي بالمال اللازم لعلاج والدتها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نورين مطمئنة والدتها:متقلقيش يا ماما ان شاء الله هتخفي وترجعي بيتك
الأم:مش باين يانورين

.........
نورين:اوعي تقولي كده تاني انتي هتعيشي لغاية ما تشيلي عيالي مش دايما بتدعي ربنا بكده؟
الأم:كان نفسي يا حبيبتي أفرح بيكي
نورين:ان شاء الله هتكوني كويسة
الأم و الألم يزداد عليها:المهم ... خلي بالك انت من نفسك
نورين:و انتي كمان
ارتمتنورين في أحضان والدتها و بكت .... بكت خوفا من أن تفقدها كما فقدت والدها من قبل .... خوفا من أن تعيش وحيدة في هذه الحياة القاسية........................................... .........
جاءها صوت الطبيب من خلفها:
الطبيب:أزيك انهارده يا حاجه؟
الأم:بخير يا ابني الحمد لله
الطبيب:طيب يلا عشان معاد المسكن
الأم:حاضر
نورين:هي حالتها ايه يادكتور؟
الطبيب:انتي بنتها مش كده؟
نورين:ايوه انا
الطبيب:مخبيش عليكي لازم نعمل غسيل كلى مرتين في الأسبوع لغاية ما نقدر نعمل عملية
نورين:و الغسيل بيتكلف كام؟
الطبيب ينظر اليها و هو مشفقا عليها لصغر سنها:200جنيه المرة الواحده و لازم تغسل 3 مرات في الاسبوع
أحست نورين بالدوار من أين لها بهذا المبلغ الكبير ؟ كيف ستعالج والدتها ؟ ماذا تفعل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تفتكرو اية للي هيحصل و نورين هتتصرف ازاي !!!!
و هتقدر تساعد والدتها ول مش هتقدر !!!!
و شادي دة اية حكايتو و نهايتو معاها ؟؟؟