قسوة القلب ، مالحل ؟

إنضم
1 أكتوبر 2004
المشاركات
538
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
استشارات إيمانية

أموات الأمس.. أحياء اليوم

مسعود صبري**
27/01/2005


لا يغفل كثير من الناس عن قسوة قلوبهم، لكن تأتي مواقفهم متباينة، فمن الناس من يرى قلبه لا شيء؛ ولذا يرى قلبه مريضًا، أو يكاد يصل إلى حد الموت والفناء، ولكنه يتركه كما هو في طريقه إلى الموت وهو ينظر إليه، فهذا لا يهمه، فجسده أغلى عنده من قلبه، وشهوته أحب إليه من روحه، ومن الناس من يسعى لإحياء قلبه، ولكنه في تيه لا يدري أين الطريق؟، ومنهم من يرى تلوث قلبه بأتفه الأمور كبائر لا تغتفر، وعظائم لا تحتقر، فإذا به في نفير عام وثورة عارمة، يشكو إلى الله قسوة قلبه، وما هو بقاس، ولكنه لا يشعر بتدفق شريان الإحساس كما يحب، فإذا به يتهم نفسه بما ليس فيها، وهو في هذا يحيي قلبه، ويحفظ له مادة حياته، ويخطو نحو المعالي ليرتفع بنفسه وقلبه نحو نور الحقيقة، فإذا بقلبه شعاع خير يعمّ من حوله.

رسالة عجيبة

وقعت على استشارة إيمانية، وجهها أحد الشباب للشيخ حسن البنا -رحمه الله- يشكو هذا الشاب قسوة قلبه لشيخه، ويطلب منه الطريق إلى إحياء القلوب، إنه لم يرضَ أن تكون له حياة كحياة كل البشر، ولكنه يريد أن يكون قلبه حيًّا ينبض بالإيمان الصادق المتين، وإذا بي أقول: لو كان هذا هو حال من أسموا أنفسهم موتى القلوب، فبأي شيء نسمي نحن أنفسنا؟ لقد أحدثت تلك الاستشارة صدمة في نفسي، إنه يصف نفسه بأن قلبه قد ضاع.

فيقول: "سيدي وأستاذي:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

(وبعد)..

هل أتاك نبأ الرجل لا قلب له؟ عفوًا، إذا كان القلب هذه الكتلة العضلية من اللحم الأحمر التي تقبض الدم وتبسطه، فهو يملكه -بلا ريب- بدليل حياته، وأما إذا كان هذه العاطفة الجياشة، والإحساس الصقيل، والشعور الحي فأسفًا!".

إن هذا الشاب رأى أن العقل وحده لا يكفي في تسيير الحياة، ولكن يجب أن يكون مع العقل الفطن، القلب اليقظ، فيصف نفسه بقوله: "فهو يفطن إلى معالم الحسن الدقيقة بالنظرة الخاطفة، كما يدرك مواطن القبح الخفية اللمحة العابرة.

وهو يقرأ أخلاق الرجل في وجهه، مصيبًا إلى حدٍّ بعيد، كما يشير إليه الرمز، ويرمي الإيماء.

وبالرغم من ذلك فهو لا قلب له!".

أفعال بلا حياة

وإذا به يصف داءه أحسن ما يصف الطبيب، فهو يعيش حركات لا حراك فيها "هو يلقى الصديق بعد غياب طويل، فيهز يده في قوة، بل ويعانقه، ولكن قلبه جامد لا يختلج.

هو يهتف في الناس: أن كونوا وكونوا، ويدلل ويحتج، ولكن قلبه متصلِّب لا يهتز.

هو يتلقَّى الخبر السار فيبتسم، والنبأ المحزن فيقطب، ولكن سروره وحزنه آليين، وقلبه ساكن لا يضطرب.

وهو يعلن للشخص حبه أو بغضه، ثم يلتفت إلى قلبه فيجده صامتًا لا يُبِين".

بل أعجب من هذا قوله: "هو يقف للصلاة ويلم فيها شتاته، ويتلو القرآن ويحصر فيه انتباهه، ثم يصلي ويتلو بنبرات قالوا: إنها شجية خاشعة، ولكنه يتحسس قلبه فيجده أصَمَّ لا يخشع، وإن كان يفقه.

هذا وصف حق يا سيدي، لم أتزيَّد عليه أو أتنقص فيه شيئًا، فهل تجد لديك القدرة على الاعتراف بأن هذا قلب كسائر القلوب؟؟".

طغيان العقول على القلوب

وهو يوضح لنا ما نعاني نحن كثيرًا منه لا هو في حقيقة الأمر من طغيان التفكير والعقل على الشعور والإحساس بالقلب، إنه لا يرضى لنفسه أن يكون إيمانه كإيمان كل الناس، بل يجب أن يكون إيمانًا متمايزًا، فيقول: "لقد أوتيتُ العقل، وسلبتُ القلب، فطالما أحسست بفكري يتأجَّج، ويعمل، ويحيا، ويثبت وجوده، ولكن عبثًا حاولت أن أثبت هذا لقلبي. ما أظنك إلا سائلاً عن مبلغ عقيدتي ودرجة إيماني. وأجيبك صريحًا، فأقول: إن عقلي أثار أمامي مشكلات ومعضلات تتعلق بهما، فانهار ما لُقِنْتُه في الصِّبا، ورحت أُحاج وأُجادل فما عدت بطائل، وألفيتني في ظلام قاتل، فدفنت شكوكي، ووأدت حيرتي، وارتدت إلى عقيدتي الصمَّاء، وعدت إلى إيماني العاجز كملايين الناس الذين عاشوا وماتوا وآمنوا وستخلفهم الملايين والملايين! أنا أصلي لأن ديني يطلب هذا. وهكذا أصوم وأؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله.

ولقد اندمجت في القطيع المسوق إلى حتفه، لا ينظر إلا إلى الأرض وفوق السماء ولكنها لا تعنيه، ولا هو يفكر يومًا في أن يُعْنَى بها.

وأخيرًا:

ولقد أتاك نبأ الرجل لا قلب له!

وإذا به يخاطب شيخه يستحثه أن يساعده في وصف علاج، وهو أمر قد ندر في هذا الزمان، أن يكون للمرء شيخ في وصوله إلى الله، يشكو إليه حاله مع الله تعالى فيرشده لما فيه حياة القلوب، فهو يذكره بما بينهما من رابطة المريد للشيخ، فيقول:

"هو شاب قد بايعك، وأخذت منه ميثاقًا غليظًا، فهل يرضيك أن يحيا أحد جنودك بلا قلب؟.

يا ذا القلب الكبير: إني أستجديك قبسًا مما يضطرم في قلبك ألقيه على هَشِيم قلبي الميت، علَّه يبعث فيه الحياة.

إني أسألك وميضًا مما يسطع في قلبك أسلطه على دياجير قلبي الكريهة، علَّه ينشر فيه النور".

اتباع على هدى لا على عمى

ومع كونه يقدر شيخه ويرى طريقه خيرًا للناس، ولكنه ما يرضى لنفسه أن يساق كما يساق القطيع، فإنه يتبع على هدى وبصيرة، لا على عمى وإغماض عين، فيقول لشيخه:

"أنت رجل ممتاز، وعنصر جبَّار، نهض في جيلنا المتداعي، وأنا أحمل لك ما أحمله للوجوه البارزة التي تُطل على الدنيا فتهزها وتخضعها لإرادتها، وأنا أجلُّك كما أجلُّ كلَّ عزيمة عاتية سيطرت على عنان الزمن، ووجهته إلى حيث تريد.

وأنا مطمئن إلى سيري في موكبك، ولكني أحتقر عقلية القطيع احتقارًا شديدًا، حتى أَنْقِم على كل شعوب الأرض انقيادها لقادتها انقيادًا يجرها إلى الانتحار، أنا أمقت عقلية الجماعات هذه أشد المقت، وأحتقر نفسي وأطلب لها الهلاك إن قلت قولاً لا يقرني عليه عقلي، ويدفعني إليه قلبي.

فهل لك في أن تحيي قلبي حتى يؤمِّن على ما يقوله اللسان بالخفقان والإحساس والشعور؟.

هذه عِلَّة أحد جنودك سيوجعك أن تعرفه؛ ولذلك أمسك عنك اسمه حتى أهنئك بشفائه فأصرح لك باسمه".

وفي ختام رسالته يطلب نشر إجابة شيخه، علها تعالج غيره ممن يعاونون مثله حسب فهمه، فيقول: "وأما العلاج، فمتروك لطبيبي الرحيم، فإما على أمواج حديث الثلاثاء، وإما على صفحات الجريدة، وإما ضمن رسالة تُنشر لعل أحدًا يعاني ألمي، ويشكو علتي.

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

نموذج للشيخ المعلم

بهذه الكلمات ختم هذا الشاب رسالته التي يشكو فيها قسوة قلبه، وكان رد الشيخ أقصر مما كتب الشاب، ولكن حمل في طياته معالم خبير بنفوس الناس، مربٍّ يدرك كيف يرشد مريديه إلى إحياء قلوبهم، فهو يبدأ إجابته بنداء "يا أخي: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته"، ليشعر من يكتب له بالقرب، ويرد عليه السلام، دعاء إلى الله تعالى أن يرزقه السلامة والرحمة والبركة من عنده.

ثم يشعره باعتنائه برسالته، وتفاعله معه، بل وتشخصيه لمن أمامه "قرأت خطابك متأثرًا أعمق التأثر، بصدق لهجتك، وروعة شجاعتك... ودقة يقظتك، وحياة قلبك".

وهو لا ينساق وراء السائل بأنه ميت القلب، بل يظهر له الوجه الآخر الذي سيكون بداية إشراقة القلب، فللإنسان أن ينظر سواد من أمامه، ولكن له أن ينظر إلى ما به من شفافية وحياة"، لست عزيزي ميت القلب كما تزعم لنفسك، ولكنك شاب مُرْهف الحس، صافي النفس، دقيق الشعور، ولو لم تكن كذلك ما اتهمت نفسك، ولا أنكرت حسك، ولكن بُعْد همَّتك، وتنائي غايتك، يجعلك تستصغر الكبير من شأنك، وتتطلب المزيد لوجدانك، ولا بأس عليك في ذلك، فهكذا يجب أن تكون".

وصف الدواء

ولكن حتى لا يشعر السائل أنه ما خرج بإجابة عن سؤاله، إذا به يصف له الدواء ليعالج مرضه، وهو يقدم وسيلتين للعلاج، النصائح المكتوبة، فإن كانت نافعة فحسن، وإلا فاللقاء المباشر بين الشيخ والمريد حتى يتم تشخيص الأمر بشكل واضح: "وسأجاريك فيما زعمت، وأسايرك كما سرت، وسأحاول أن أتقدم إليك ببعض النصائح، فإن أفادتك ورأيت في العمل بها إرواءً لغُلَّتك، وشفاء لعِلَّتك: فالحمد لله إلى توفيقه. وإن لم يكن ذلك كذلك: فيسعدني لقاؤك؛ لنتعاون في تشخيص الداء ووصف الدواء".

الصحبة الصالحة

وأول هذه النصائح "صحبة أهل الخشوع والتأمل، وملازمة أهل التفكير والتبتل، وملازمة هذا الصنف من الأتقياء الصالحين الذين تتفجر جوانبهم بالحكمة، وتشرق وجوههم بالنور، وتدان صدورهم بالمعرفة -وقليل ما هم- دواء ناجع، فاجتهد أن يكون لك من هؤلاء أصدقاء تلازمهم، وتؤوي إليهم، وتصل روحك بأرواحهم، ونفسك بنفوسهم، وتقضي معهم معظم وقت الفراغ، واحذر من الأدعياء، وتَحَرَّ من يُنهضك حاله، ويدلك على الخير فعاله، ومن إذا رأيتَه ذكرتَ الله.

هذه الصحبة من أنفع الأدوية، فالطبع سرَّاق، والقلب يتأثر بالقلب، وتستمد الروح من الروح، فاجتهد أن تجد لك من الأرواح الصالحة صاحبًا".

الفكر والذكر

ويلاحظ أن الشيخ وصف الصحبة الصالحة، ولكنه وضع شرطها، أن تكون صالحة بحق، وحذره ممن يدعي الصلاح، وكثير ما هم في وسط التدين، ثم يرشده إلى الأمر الثاني الذي تحيا به القلوب، وهو "والفكر والذكر في أوقات الصفاء وساعات الخلوة والمناجاة، والتأمل في هذا الكون البديع العجيب، واستجلاء سر الجمال والجلال منه، وإجالة النظر في هذا القلب واللسان بآثار هذه العظمة الساحرة، والحكمة البالغة.. كل ذلك -يا عزيزي- مما يمد القلب بالحياة، وينير جوانب النفس بالإيمان واليقين "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" (آل عمران: 190).

التفكر في مآسي المجتمع

ويلفت الشيخ سائله إلى علاج قلّ من ينتبه إليه، إنه ذلك "التفكير في هذا المجتمع الإنساني، واستطلاع مظاهر بؤسه وسعادته، وشقائه وهناءته، وعيادة المرضى في أسِرَّتهم، ومواساة البائسين في نكبتهم، وتعرف الأسباب النفسانية لهذا الشقاء بين الناس من جحود وكفران، وظلم وعدوان، وأَثَرة وأنانية، وانخداع بالأعراض الفانية.

هذه كلها ضربات على أوتار القلوب تجمع شتاتها وتحيي مواتها، فاجتهد أن يكون في وجودك عزاء للبائسين، ومواساة للمنكوبين، وليس أعمق أثرًا في المشاعر من إحسان إلى مضطر، أو إغاثة لملهوف، أو مشاركة لبائس حزين!".

حياة القلوب من الله

ثم يختم له بعماد الأمر كله وأوله وآخره، وأصله ومصدره، فيناديه قائلاً: (وبعد) يا عزيزي: فالقلوب بيد الله وحده يصرفها كما يشاء، فألحَّ عليه في الدعاء أن يمد قلبك بالحياة، ويشرح صدرك بالإيمان، ويفيض عليك من برد اليقين، فضلاً منه ونعمة، وتخير لذلك أوقات الإجابة، وساعات السحر، فدعوة السحر سهم نافذ لا يقف دون العرش، وما أشك في أنك مخلص في غايتك، صادق في دعوتك، و"إنما يتقبل الله من المتقين" (المائدة: 27).

ثم يختم له بالسلامة، ويتواضع له حتى لا يشعر السائل بالدونية لنفسه، والفوقية لشيخه، فالشيخ الصادق من تقرب لمريديه، ومن اعتبر نفسه واحدًا منهم، اقتداء بتواضع النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




م
ن
ق
و
ل

 
ح

حبنا الله عليه

Guest
رد : قسوة القلب ، مالحل ؟

من أشد امراض القلوب وأبعدها من الله

" القلب القاسي "

اعاذنا الله واياكم من هذه الأمراض

وجزاج الله كل خيــــــــــر يا الغاليه
 

الغلاااااااكله

*عضـوة شـرف في منتديات كويتيات*
إنضم
29 سبتمبر 2004
المشاركات
14,756
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
39
رد : قسوة القلب ، مالحل ؟

اللهم إنا نعوذ بك من قلب لايخشع ومن عين لاتدمع ومن دعوة لايستجاب لها



بارك الله فيج وجزاج الله عنا خير الجزاء ووفقج لما يحبه ويرضى



(( اسمحي لي كبرت الخط ))
كان حييييييييل صغير
 
إنضم
1 أكتوبر 2004
المشاركات
538
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد : قسوة القلب ، مالحل ؟

بنت البدو .. أجمعين يالغااالية ونورتي الموضوع

حبنا الله عليه ..اعاذنا الله واياك من هذا المرض أخيه ... وأجمعين ومشكوره عالطله الحلووه

بشوره ... أجمعين يالغااليه ... وحلااااااااااالك الموضوع كله يالغاليه واخذي راحتج وبدون ماتستأذنين ... والله لايحرمك الاجر والثواااب