دموع الحقيقة

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الفصل الثامن
مضت الأيام ب "عباس" وهو يتفانى في عمله؛ وقد اتخذت علاقته ب "فاتن" منحنى أكثر ارتياحا ؛ حيث عمد لتغييرها جذريا بالمحاضرات والكتب الدينية والتاريخية؛ وفرح باستجابتها له أخيرا ؛ وتوسم خيرا من موقفها وتطورها الملحوظ ؛ وكأنها كانت تنتظر من يأخذ بيدها وينتشلها من هذا المستنقع الملوث الآسن ليدلها على طريق النور والايمان الحقيقي ؛ يال الأخت المسكينة !!
وهو بدوره أصبح ليس لديه موضوع لا في العمل ولا في المنزل سوى "فاتن" وحجابها الاسلامي الذي ارتدته بشكل مفاجىْ أذهله وأذهل العاملين وأذهل "علي" وأفرحه تحديدا؛ مما ضايق زوجة خاله التي اعتقدت بوجود علاقة عاطفية بينهما ستتوج بالزواج؛ فأخذت تلح على ابنتها بالموافقة قبل أن "يضيع" من يدها ؛ مما زاد من عناد "منال" ورفضها ونفورها منه في الفترة الأخيرة؛ وبالذات بعد ان اقتنعت بأن "الميثاق" وبنوده لم يحلوا مشاكل الشعب وتطلعاته الدستورية العادلة؛ بل كانا مجرد مسكن يراد به تهدئة ثورة الشعب دون أن يكون هناك أدنى تطبيق حقيقي ؛ فراحت تتخبط حسرة هنا وهناك؛ حتى قررت فجأة الاستقالة من مجلتها !!

وبغمرة هذه الأحداث الصاخبة؛ سارع "عباس" الخطا نحو منزل "عبدالله" في يوم الجمعة ليلتقي برفاقه ؛ فاستقبله "حسين" ما ان دخل بابتسامة عريضة وحياه (أهلا "عباس" ! لتأتي وتجلس بالقرب مني ) صافحهم جميعا ؛ ومن ثم احتل موقعه المعتاد بقرب صديقه سائلا اياه بلهفة (ما أخبارك ؟ وما أخبار العمل ؟) أجابه "حسين" بابتهاج ( الحمد لله ؛ صحيح ما أخبرتني به عن "منال" ؟ هل استقالت حقا؟!) أطرق برأسه في ألم (نعم ؛ هذا ما توقعته من البداية وما حذرتها منه؛ هي الآن ليست مقتنعة بمبادىْ المجلة وأفكارها مما يجعل استمرارها بالعمل هناك من المستحيلات) علق "عبدالله" وهو يدعوهم الى المائدة وقد تزوج هو الآخر من ابنة عمه ( يبدو ان الأحداث ستضطرب من جديد؛ فالاسرائيليون يواصلون حملاتهم التعسفية على فلسطين ومخيم "جنين" بالذات بالفترة الأخيرة ؛ والحكام العرب يرفضون الاقتراب من السفارة الأمريكية !!) استطرد "يوسف" الذي لا يزال في عداد الباحثين عن عمل برغم شهادته الجامعية هو و"لؤي" بلهجة مليئة بالسخرية ( هذه هي حرية الرأي والديمقراطية يا أخي ؛ فالميثاق لم يقّصر معنا؛ أعطانا حقوقنا كاملة مكمّلة ؛ حل مأساة البطالة؛ وضمن لنا العيش والسكن الهانىْ ؛ وطرد الأجانب من بلادنا ؛ ولم يكتفي ؛ فقد شنّع بتصرفات أمريكا وتعاونها مع اسرائيل شر تشنيع؛ وتعاون بفضله حكام العرب على شحذ الأسلحة وتهيئة جيش جرار سيغزو فلسطين قريبا ليحررها من براثن اليهود المحتلين!! ) ضحك الجماعة بقوة ومرارة ؛ وانكبوا بعدها على تناول وجبة غداءهم. وبعد الغداء ؛ انصرف "عباس" الى التمشي في القرية برفقة "حسين" ؛ فسأله الأخير بشكل مباغت ( ألا زلت تحبها ؟؟) حاول التهرب (من ؟؟) تطلع اليه رفيقه بسخرية (بالطبع لا أعني "فاتن" !!) أجاب برعب ( هل تشك باخلاصي ل "منال" ؟؟) واصل "حسين" سخريته المريرة ( هذا لا يسمى اخلاص يا "عباس" ؛ انك تنتحر !!(هاله التعبير (أنتحر ؟؟؟) أكد "حسين" مستطردا بلهجة عاتبة (نعم يا صديقي ؛ ولست أجد تفسيرا آخر.. أخبرني أنت ؛هل فعلت مذ رفضتك ما يستحق المديح ؟! هل سعيت الى معرفة أسبابها و الولوج الى قلبها ؟! أم انك انطويت على نفسك معتصما بالصمت؛ منتظرا أن يأتي من يأخذها منك لتكون هي البادئة بالهجر؟؟) وقعت كلمات "حسين" في صميم قلبه؛ وبان التأثر على قسماته ؛ وحين أدرك الصديق ؛ تابع توبيخه بحرارة أكبر ( لماذا أنت هكذا يا "عباس" ؟! لماذا أنت بتلك القوة أمام الجميع وبهذا الضعف حين تكون بمواجهتي؟! هل أنا مخيف لهذه الدرجة ؟! أم انني آلهه " أستغفر الله "لا يحتمل حديثي الخطأ والتكذيب ؟؟؟) ولما لم يجب ؛ استدار "حسين" اليه بقلق ؛ فأبصر تساقط الدموع من عينيه وقد أطرق برأسه الى الأرض؛ وبدى في حالة نفسية يرثى لها؛ وتمتم بعد فترة في ألم عميق ( لست أدري يا "حسين" ؛ انني لا أشك بصدق أي كلمة تقولها؛ ربما لأنني متأكد من حبك وحسن تفكيرك ؛ وبالذات في أمر "منال" ؛ فأنا جبان في الحب يا "حسين" ؛ بل أنا في غاية الجبن والخور والتراجع) احتضنه "حسين" بقوة على مرأى من المارة ؛ وهمس في أذنه (لا بأس عليك يا "عباس" ؛ لكل منا نقطة ضعف) أوضح "عباس" ( ان أكثر ما يزيدني ترددا هو مسألة "فاتن" وفهمها الخاطىْ لطبيعة علاقتنا) آلمه "حسين" بصراحته (لأنك تماديت كثيرا يا "عباس" ! "فاتن" ستتعلق بك بهذه الطريقة؛ ثم ان "منال" امرأة في النهاية ؛ وحتى لو فرضنا انها لا تحبك؛ فهي لن تقبل بابتعادك عنها بعد ان تمسكت برغبتك بالزواج منها كل هذه المدة) شعر "عباس" بالخوف الشديد ؛ هل "منال" تحتقره الآن وتشك باخلاصه ؟! وهل تعتقد حقا انه يأس من قبولها ؟! وهل غيرتها من "فاتن" هي كما يقول "حسين" غيرة نسائية فطرية لا أكثر ولا أقل؟! لقد كان الأمل قد بدأ بالدبيب في سويداء قلبه؛ ولكنه مات واندثر تماما بهذه اللحظات ؛ بعد ان استمع لهذا التحليل من صديقه الحميم ..
وقرر العمل العمل بنصيحته ؛ نعم ؛ سيحدد موقفه من "فاتن" في صباح الغد ؛ وسيعمد الى مجالسة "منال" ومصارحتها بالحقيقة وبحبه لها ؛ وبعدها ليكن ما يكون !!!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
وأتى الصباح ؛ وأشرق بنوره الجميل ؛ وغادر "عباس" منزله على عجلة بعد أن تأخر في النهوض لكثرة الأعمال التي سهر على اتمامها؛ وعرج على "علي" كعادته كل صباح لالقاء التحية؛ فتفاجىْ بما لم يكن بالحسبان؟؟؟ "منال" ابنة خاله بلحمها وشحمها واقفة على مسافة من "علي" تحدثه في احترام ومودة !!!
وسارع "علي" بالتعريف حالما رأى تسمره وتفاجئه قائلا (الآنسة "منال" ؛ موظفة جديدة لدينا؛ لقد أصر رئيس التحرير على تبنيها بعد استقالتها من "العهد"!!) ابتسمت "منال" على الفور متظاهرة بالرسمية ( أهلا.. اسمي "منال جاسم(" !! أدرك "عباس" مقصدها وعدم رغبتها بأن يعرف أحدا ما بعلاقتهما الشخصية؛ فلملم شتات نفسه وقال برزانة ( أهلا بك؛ أنا "عباس عبدالله" وأنا في خدمتك !(شكرته (شكرا لك ؛ هذا لطف منك يا "أستاذ عباس" ؛ قلي.. هل أنت مصور أيظا ؟( تطلع اليها بشيْ من الدهشة ؛ وحاول كتم غيضه (لا ؛ انني موظف بالصفحة السياسية ) تظاهرت بالتفاجىْ وهتفت (اوه !! اذن فأنت معي بنفس القسم ؟؟) اعترض "عباس" بحدة ودون وعي قال ( قسمي لا يحتمل المزيد من العاملين !!(تدخل "علي" موضحا له ( الأستاذة "منال" ستحل مكان "مريم" الشاغر؛ فقد استقالت بعد وضع مولودها الجديد بهدف التفرغ لأسرتها) استنكر "عباس" (ولكنها لم تذكر شيئا من هذا القبيل ؟!!) تفاجىْ "علي" من لهجته المتوترة الحادة وتكبيره للموضوع بهذا الشكل؛ فخمّن ان هناك ما عكّر صفوه هذا الصباح ؛ أو انه يواجه مشكلة ما بالمنزل ؛ ولذا حاول تهدئته (كل شيْ حدث بسرعة يا "عباس" ؛ ما رأيك بتناول وجبة الافطار برفقتي ؟!) كاد "عباس" اعلان موافقته؛ لولا احتجاج "منال" المفاجىْ قائلة بلهجة خبيثة ( أفضل أن يصحبني الأستاذ "عباس" أولا الى القسم حيث أتعرف ببقية زملائي ان كان لا يمانع) نظر اليها شزرا وتمتم في توعد خفيّ (بالطبع لا ! تفضلي) وقادها الى الخارج؛ وما ان أصبحا لوحدهما حتى علّقت على لهجته ونظراته (لماذا أنت مغتاظ لهذه الدرجة ؟؟) انفجر غاضبا (لأنك تتعمدين استفزازي !!) أنكرت (أنا ؟؟) أكد لها في نفس لهجته الحانقة دون أن ينتبه لكونها "منال" التي طالما داست على مشاعره وتفانى في احترامها (نعم أنت يا "منال" ! تقفين مع رجل غريب لوحدكما ؛ وفوق هذا كله تدعّين بأنك لا تعرفينني!!) بررت له (هذا لألا يعتقد الموظفون بأننا سنخدم بعضنا خارج نطاق العمل!!) استقبح عذرها )حقا؟؟) تابعت توضيحها دون أن تأبه لنظراته الغاضبة (ثم ان رئيس التحرير بنفسه قد دلني على حجرة "علي" حتى يصطحبني الى القسم ويزودني ببعض المعلومات) ... ( كان بامكان رئيسة القسم أن تزودك بها!) لوت "منال" شفتيها باستخفاف واضح (من ؟ "فاتن" ؟؟) سألها (ولما كل هذا الاستخفاف ؟؟) أنكرت متعمدة في نفيّ أشبه بالايجاب (استخفاف ؟! لا أبدا !! ) تطلع اليها بشك واستوقفها معترضا طريقها بجسده العريض ("منال" ؛ لماذا أتيت الى هنا؟؟) أجابته ببساطة أغضبته أكثر مما أراحته ( ألم تسمع ما قال "علي" عن رئيس التحرير ؟؟(! كاد أن يهم بضربها لولا تجلده بآخر لحظة ( أكاد أصدق !! "منال".. اسمعيني) ولم تسمعه ؛ لأن "فاتن" كانت قد تقدمت منهما في طريق عودتها من مكتب رئيس التحرير وصافحت "منال" بمودة وترحيب (أهلا بك يا أستاذة "منال" ؛ لقد مدحك لي رئيس التحرير كثيرا) أطرقت برأسها بتواضع وخجل (انني سعيدة بحسن ضنه..) عرفّت "فاتن" نفسها (أنا "فاتن عبد الستار" رئيسة قسمك؛ سأكون تحت تصرفك في أي وقت وبغرفة واحدة) ابتلعت "منال" ريقها عندما أدركت انها أمام غريمتها وجه لوجه؛ وتمتمت ( شكرا لك..) سألت "فاتن" بفضول متنقلة ببصرها بين "منال" و "عباس" (هل أنتما على تعارف مسبق ؟!) أسرعت "منال" بالنفي ( لا أبدا ؛ الأستاذ "عباس" تبرع بايصالي للقسم !!(استنكر "عباس" كذبتها ؛ ولكنه لم ينبس بحرف؛ بل قفل راجعا الى مكتب "علي" حتى يتركها مع "فاتن" لوحدها في درس عقاب مبّسط !!!
فكر "عباس" .. ترى "منال" صادقة في دوافعها وتبريراتها ؟ أم ان هناك دوافع أخرى تحاول اخفاءها ؟! هل قسى عليها ؟! هل آلمها بكلمة ؟! هل فهمت بأنه لا يرغب بوجودها بقربه ؟! لماذا فعل ذلك ؟! لماذا ثارت أعصابه فجأة وبهذه الصورة ؟!
هذه هي المرة الأولى التي يكّلم فيها "منال" بهذه اللهجة ؛ لطالما تحمل ظلمها واستفزازها بنفس صابرة ؛ هل طفح الكيل حين رآها أمام عينيه واقفة برفقة "علي" ؟! هل حقا شعر بالغيرة ؟! ...........
نعم ؛ لابد من انه شعر بالغيرة ؛ فهي أولا ابنة خاله ؛ وثانيا الفتاة التي يحبها ويرغب متفانيا بالزواج منها ؛ ولكن "منال" هي ذات التصرفات الشاذة الغير مقنعة؛ هي من يغير دون أدنى حاجة أو سبب ؛ وهذا ما يؤلمه ويجرحه بعمق !!!
الآن أدرك فقط ان هناك تشابه كبير بين قصة "علي" وقصته ؛ فكلاهما يحب من لا يحبه ؛ وكلاهما مصر على تتمة هذا الدرب الشائك حتى النهاية ؛ فيا ترى ما الذي ينتظرهما بنهايته؟؟؟
استقبله "علي" بابتسامة عريضة مقلبا بعض الصور في يده ( أهلا "عباس" ؛ هل أوصلت الآنسة "منال" ؟) أجاب باستخفاف (أوصلتها !) سأله "علي" بقلق واضح ( ما بك ؟ هل أنت مريض ؟!) أكد "عباس" نفيا (لا أبدا ! اخبرني؛ كيف أحببت "فاتن" ؟؟) ذهل "علي" لسؤاله الصريح؛ ومن ثم أجابه بصراحة بعد برهة ( نحن نسكن معا بنفس المنطقة؛ تستطيع القول بأننا جيران؛ ثم اننا نعمل هنا معا منذ فترة طويلة) تمادى "عباس" بأسئلته ( ولماذا لم تتزوجا اذن ؟!( أطرق "علي" حزنا ( لقد رفضتني لأنها غير مقتنعة بآرائي الدينية). واستدرك بلهجة متفائلة ( ولكنها الآن _ بفضل الله وبفضل مساعدتك_ قد اقتنعت بالحجاب وارتدته ؛ واقتنعت بأمور كثيرة لم تكن تلقي لها بالا ) شجعه "عباس" (وبالتالي لا بد أن تكون موافقة الآن على الارتباط بك !) بانت الحيرة في عينيه وهو يعلق ( ربما ؛ مع انني لم أرى أي اشارة تشجيع منها لحد الآن !) أنبه "عباس" متذكرا نصيحة "حسين" ( لا تكن سلبيا وفاتحها في الموضوع على الفور.. هل فهمت ؟!) ... ( ولما كل هذا الحماس لأجلي ؟!) تلعثم "عباس" ( لأنني أحبك .. !!) ضحك " علي" بشيْ من الشك ( وماذا بعد الحب؟! ( (الحب أيظا)... ( لمن ؟؟؟) ...( للمخلوقة التي خرجت لتوها من هنا) !!تسمر "علي" في مكانه ؛ ماذا يقول "عباس" ؟! هل يحب ؟! ومن ؟؟ الموظفة "منال" التي أتت لتوها ومنذ دقائق معدودة ؟؟؟ واستفسر بذهول تام (من؟؟ الأستاذة "منال" ؟؟؟؟) حاول "عباس" الايضاح ( انها ليست الأستاذة "منال" بالنسبة لي ؛ انها ابنة خالي !!!) واكتفى بما قال مغادرا المكتب في خضم تفاجىْ رفيقه وذهوله؛ واتجه الى قسمه بخطوات خائرة واهنة... كيف سيتسنى له العمل بوجودها ؟! ألم تفكر في ذلك ؟؟ ثم انه يجب أن يأخذ حذره في أدنى حركة أو قول ل "فاتن" أمامها ؛ حتى لا تفسر تصرفاته بطريقة مغايرة للواقع.. ما هذا المأزق الذي وضعتني به يا "منال" ؟! أهو فضولك الذي أرغب في بعض اللحظات باقتلاع جذوره وحرقها كما تحرق النار الحطب؟! لا بد أنه هو ؛ فهو المحرك القوي الوحيد الذي يدفعك لعمل أي شيْ ؛ حتى لو كان سخيفا أو ضربا من الجنون !!!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
ودخل الى المكتب ؛ ووجدها تماما في الموقع الذي تخيله على مكتب "مريم" .. آآه !! ما الذي فعلته أنت أيظا يا "مريم" ؟!
وجلس على كرسيّ مكتبه باضطراب شديد ؛ يال برود أعصابها !! تعمل بهمة وبمنتهى الهدوء دون أن يثير لديها وجودي أدنى ردة فعل !!ومضى الوقت بصعوبة بالغة بالنسبة اليه؛ كان ينتظر مرور الدقائق و الثواني حتى يغادر الى منزل خاله ؛ فهو لم يعد يتحمل وجودها المزروع بالشك والضنون؛ ورتب أوراقه ؛ غير ان صوت "فاتن" قد استوقفه قبل أن يجتاز الباب الرئيسي للمكتب قائلة ("عباس" !! باقي خمس دقائق ؟!!) تورد خداه خجلا ؛ لابد ان الوسواس يعبث الآن بقلب "منال" للهجة "فاتن" المتوسلة الرقيقة في محاولة ابقاءه بحكم سلطتها ؛ وعاد الى مكتبه دون أن ينبس بحرف ؛ الا ان "فاتن" واصلت حديثها ( ألهذه الدرجة أنت متضايق منا يا رجل ؟؟ قلي ؛ أين الكتاب الذي وعدتني باحظاره؟!) أكد لها بلهجته الجدية المعتادة (ليس قبل أن تنتهي من الكتاب الذي بحوزتك) ابتسمت بخفة (حاضر يا حظرة المدرس الفاضل! أمرك ولا أمر الحكومة !.. على فكرة ؛ لقد قرأت جزءا كبيرا منه ؛ وكنت سأكمله البارحة لولا ان غلبني النعاس) سألها باهتمام ( وهل اقتنعتي بمضمونه ؟) أجابت بحماس ( انه رائع !!ثم انك لم تأتي لي بشيْ ولم يعجبني ويقنعني يا "عباس" !!) بلغ به التوتر حدا خطيرا لكلماتها ؛ وأسرع في الوثوب من مقعده مغادرا (انتهت الخمس دقائق على ما أضن!!) الا ان "فاتن" لحقت به بصورة غريبة لم يتعود عليها الى خارج المكتب ووبخته بلهفة ( لماذا تتهرب مني يا "عباس" ؟؟) .. (أنا ؟؟ ولماذا أتهرب منك ؟؟) ...( لأنك تعلم بأنني أحبك!!) غرق "عباس" في خجله وتسمر واقفا دون أدنى حركة ؛ الا انه قال بعد مدة محاولا احتواء الموقف كما قرر آنفا ( "فاتن" ؛ أنت لا تحبينني ؛ أنت بحاجة اليّ ؛ وهناك فرق شاسع بين الأثنين) أصرت وقد شهقت باكية وقد خارت قواها وفقدت السيطرة على مشاعرها ( بل أنني أحبك بكل ما لهذه الكلمة من معاني) حاول تذكيرها (و"علي" ؟؟) قالت بلهجة حانقة ( لا أطيقه ؛ لا يعجبني ؛ أنت الوحيد الذي دخل لقلبي ؛ ومن أول يوم !!) حاول اقناعها (لا تكوني متهورة ؛ انه يحبك ومخلص لك منذ مدة طويلة) سألته بشوق ( وأنت ؟ ألا تحبني ؟؟) اضطر لقول الحقيقة ( حبي لك كحب أخ لأخته) كذّبته (أنت تقول ذلك لأجل "علي" !!) أكد لها في صدق واصرار (بل أقوله لأنه حقيقة ما أشعر به) تطلعت اليه بشك لمدة طويلة؛ اضطر بعدها لاعلان بقية الحقيقة حتى لا تتمادى في حبه ( "فاتن" ؛ أرجوك افهميني ؛ انني أحب أخرى؛ صدقيني؛ أنت بمنزلة الأخت التي لم يرزقني الله بها..( شهقت بألم ( تحب أخرى؟؟ من هي؟؟) ... ( ابنة خالي !!) انهمرت الدموع بغزارة من عينيها الشهلاويين ؛ مما آلم "عباس" وعذبه كثيرا ؛ كم يحتقر نفسه بهذه اللحظات ! كم يتمنى لو لم يحاول تغيرها وتجنيد نفسه كأخ لها !!
وتمتم في وجل محاولا كسر جدار الصمت والعذاب ( هل لازلت مقتنعة بالكتاب ؟؟؟) أجابته بسخرية وهي تلملم دموعها لتدخل الى المكتب ( بالطبع ؛ أتعرف لماذا ؟! لأنني سألبس العباءة ليس لأجلك ؛ بل طاعة لخالقي !!!(
ورغم لهجتها ونظراتها المتحدية ؛ الا انه فرح كثيرا بردها ؛ وأدرك ان الزمن كفيل بتخليصها مما هيّ فيه..

ومرت الأيام و "فاتن" تتجنبه بشكل ملحوظ ؛ ولا تحدثه الا نادرا وبأمور العمل لا غير ؛ الى ان وقفت ذات يوم أمام مكتبه حين كان منكبا على أوراقه وتمتمت مادة اليه كتابه الذي كان بحوزتها (خذ كتابك يا "عباس" وهات الكتاب الآخر !!(
رفع رأسه اليها في عدم تصديق ؛ فأشرقت من فيّها ابتسامة هادئة نظرة؛ أوحت اليه بما تود اعلانه عن الصلح والأخوة ؛ فما كان منه الا ان أخرج الكتاب من الدرج بسرعة ليناوله اياها بسعادة كبيرة (خذي) !! تعمدت القول وهي تعود قافلة الى مكتبها القريب من مكتب "منال" (شكرا لك يا أخي !!) فرح "عباس" بمناداتها كثيرا ؛ وشكر الله على هذه النعمة العظيمة في سره ؛ وشعر بأن هما كبيرا قد انزاح عن كاهله من غير رجعة ؛ وتطلع بعدها الى "منال" في تحدي ونظرات تقول عن لسانه (أرأيت أن لا شيْ بيننا غير الأخوة ؟؟) ؛ ولكن "منال" تطلعت اليه في شك وتحد وغرور؛ وبدت وكأنها غير مقتنعة بما جرى أمامها للتو !!!

التقى "عباس" ب "علي" وقد كان في طريقه الى مكتب "فاتن" (الى أين ؟!) أجابه "علي" بتصميم ( انني أعمل على تنفيذ نصيحتك !!) وأضاف مازحا (حتى لا تعتقد بأنا سنأكل ابنة خالك!!) ضحك "عباس" من قلبه ؛ وصاح في تمني ولهجة متضرعة رافعا يديه الى السماء (ساعده يا رب .. أتوسل اليك ..) وانصرف برفقة أحد المصورين حيث سيقوم بتغطية احدى المحاضرات السياسية بعد أن اتصل بزوجة خاله حتى ينبئها بعدم قدرته على مشاركتهم وجبة الغداء ..
عاد "عباس" الى منزله في المساء مرهقا أشد الارهاق؛ وفضّل تناول "سندويشاته" التي ابتاعها في طريق عودته قبل أن يقضي عليه الجوع ويرديه قتيلا؛ ومن ثم أسرع في الرد على رنين هاتفه المحمول حيث وصل اليه صوت " حسين" مرحبا ( كيف حالك يا "عباس"؟) شعر بابتهاج لسماع صوته المحبب ( بألف خير ؛ وأنت ؟! ) مازحه رفيقه المخلص (بألف خير هذه لا تكفيني ! ما أخبارك بالتفصيل ؟!) ... ( في الساعة السادسة و الخمس دقائق وأربعون ثانية بالضبط نهضت لأغسل وجهي واستحم ؛ وفي الساعة) .. !!!قاطعه "حسين" ضاحكا بقوة (رويدك رويدك !! ليس بكل هذا التفصيل !!اعطنا البنود المهمة من يومياتك فقط..) قال "عباس" مجيبا اياه الى مطلبه (اسمع يا عزيزي ؛ أولا : عادت "فاتن" تكلمني وأثبتت لي أخوتها بعد طول انقطاع.. ثانيا : لا بد انها و"علي" قد اتفقا على موعد الزفاف.. ثالثا : "منال" لا زالت تشك بي وبها( !!! قاطعه "حسين" باهتمام كبير بآخر خبر (ان "منال" غريبة الأطوار ؛ لست أفهمها ؛ ما الذي تسعى اليه ؟؟) لوى "عباس" شفتيه بأسى ( تسعى لادخالي مستشفى الأمراض العصبية) !!ضحك "حسين" معلقا ( ربما أعجبتها التمثيلية القديمة !(علّق "عباس" بدوره مبديا ما يضن ( لا أعتقد !) عاد "حسين" للموضوع الذي اتصل من أجله ( المهم ؛ غدا صباحا ستقام مسيرة أمام السفارة الأمريكية ؛ هل ستذهب ؟!) أكد "عباس" بمنتهى الحماس ( بالطبع ؛ أخبرني ؛ هل ستذهب أنت والرفاق ؟) أجاب "حسين" بحماس شديد ( اننا في الطليعة!!) وأضاف ( سنتقابل هناك حسنا ؟ هيا.. في أمان الله ( (في أمان الله...(
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
انضم "عباس" للمسيرة المتوجهة لمبنى السفارة الأمريكية بالصفوف الرجالية وبرفقة أصدقاءه المخلصين مرددا شعاراتهم الحماسية المعادية ل "شارون" و "أمريكا" والداعية الى التحرك السريع ازاء قضية فلسطين التي باتت تزداد سوءا على سوء ؛ وتقدمت المسيرة شيئا فشيئا ؛ حتى وصلت الى السفارة ؛ فذهبت الحماسة بأحد المتظاهرين بالصعود الى أعلى المبنى لاسقاط العلم الأمريكي واستبداله بالعلم الفلسطيني ؛ فما كان من قوات الأمن التي بررت وجودها بالسعي الى تفريق المتظاهرين لا غير؛ الا ان رمت المتظاهرين _ بما فيهم الشاب _ بالرصاص المطاطي ومسيّل الدموع بشكل مكثف وعشوائي؛ حتى تفرقت المسيرة وسط برك من الدماء والجروح الخطيرة ؛ ونقل "عباس" الى المستشفى بعد محاولته الحماسية فاقد الرشد وقد تعددت جراحه وتهاوى جسده اعياءا ؛ ولم يستفق الا بعد مدة على صوت خاله وهو يربت على وجنته بحنان أبوي كبير (يا حبيبي يا "عباس" ! كيف تشعر الآن ؟؟ (سأله وقد كان لا يزال في شبه غيبوبة (هل مات أحد ؟!) أجابه خاله مطمئنا (لا.. اطمئن يا بنيّ ؛ فقط بعض الجرحى (ابتلع ريقه بصعوبة (أريد ماء).. أسرعت المرأة المتواجدة برفقة خاله باحظار الماء ؛ وساعده خاله بالاعتدال في جلسته وناوله اياه بلهفة ( خذ اشرب يا حبيبي ؛ ستكون بخير ان شاء الله ؛ لقد أخبرني الطبيب ان بوسعك المغادرة في صباح بعد الغد) سأل في عجب (هل أنا في المستشفى ؟؟) ...( نعم ؛ قلي ؛ هل تتألم بشدة ؟!) تأوه " عباس" وقد بدأ يشعر بألم كبير ( ان ساقي تؤلمني كثيرا يا خالي؟؟) واساه الأخير معيدا اياه الى وضعه السابق ليشعر براحة أكبر ( ستتحسن قريبا بأذن الله) حاول تبديد الغمامة المتمثلة على عينيه برمشها عدة مرات سائلا ( من هذه المرأة التي برفقتك ؟!) تقدمت منه على استحياء ؛ كان يبدو من صوتها انها تبكي (أنا "منال" يا "عباس".. كيف حالك ؟!) نزلت منه دمعة ساخنة على حين غرة ( بخير).. حاولت النطق ببعض الكلمات (اطمئن يا "عباس" ؛ ان جروحك ليست بالخطيرة).. سألها بصوت متقطع ضعيف ( لماذا تبكين اذن ؟؟(
ولم يحصل على الاجابة ؛ فقد دخلت زوجة خاله في فزع ؛ وانهالت على زوجها وعلى الطبيب مسبقا بألف سؤال و سؤال !!!

وقضى "عباس" يومه الأول بالمستشفى شبه وحيد ؛ بعد ان اضطرا كل من خاله و "منال" الى الانصراف لأعمالهما التي لا بد من التوجه اليها؛ ولكن عندما حل المساء؛ ملئت غرفته بالزوار ؛ و "جاسم" أخيه كان من ضمنهم هو وزوجته وابنه "عباس" ؛ ورفاق دربه جميعهم بما فيهم "حسين" الذي كان بالغرفة المجاورة نتيجة لاصابته ببعض الجروح الطفيفة !! شعر "عباس" بالسعادة لقدوم أحباءه وأصدقاءه لزيارته بكل هذا الحماس ؛ وبالذات مقدم "عباس" الصغير الذي طالما رأى فيه نفسه؛ و"زينب" ابنة خاله الصغيرة التي طالما أحب جرئتها وعنادها الذي يذكّره دائما بعناد أختها الكبرى ! حقا ان الانسان ليس له غنى عن أخيه الانسان ؛ الحياة من دون تعاون وانسانية ليست حياة ؛ بل غابة يأكل فيها القوي الضعيف ؛ وتداس فيها المثل والقيم الربانية التي لا يعاش من دونها ؛ ولا ترجى بغيرها أي سعادة...

وانتهى وقت الزيارة ؛ وغادر الجميع بما فيهم زوجة خاله التي لم تفارقه للحظة وكأنه ابنها الوحيد الذي لا ترجو من الدنيا سواه ؛ يا الله !!! ما أعظمك يا من توحد بالعز و البقاء ؛ وقهر عباده بالموت و الفناء....
ان أكثر ما أدهشه هو ما حدث له بالصباح الباكر.. زيارة غير متوقعة من أخته "فاتن" !! نعم ؛ قدمت اليه "فاتن" على استحياء وهي تمسك بيدها باقة جميلة من الزهور ؛ وظبتها في المزهرية القريبة من سريره قبل أن تحتل مقعدها بجواره وتقول ( كيف حالك الآن يا "عباس" ؟!) ابتسم بألم ظاهر (بخير ؛ وأنت.. ما أخبارك ؟ وما أخبار العمل والزملاء ؟!) حاولت بث الاطمئنان بنفسه بمزحة منها (العمل ؟ الزملاء ؟؟ لا تخف ولا تسأل كثيرا ! رئيس التحرير بنفسه سيأتي لزيارتك هذا المساء!!) حاول معاتبتها بلهجة أخوية صادقة ( لماذا أتيت لزيارتي بوقت الدوام ؟؟( استمرت في ممازحته ( أنسيت ان رؤساء الأقسام يفعلون ما يحلو لهم؟؟) سألها باهتمام كبير ( ما أخبار "علي" و"فاطمة" ؟!) عقدت حاجبيها باستغراب مفتعل وتعمدت الاشارة لتجاهله المقصود (و"منال" ؟! ألا تريد السؤال عنها هي أيظا؟؟) حاول التعليق لولا مقاطعتها (أعرف ما ستقول ؛ كيف ستحتاج السؤال عنها وهي ابنة خالك وتراها بشكل يومي في منزلهم؟؟) ثغر فاهه ؛ واتسعت حدقتا عينيه ؛ كيف عرفت "فاتن" بكل هذه المعلومات ؟؟ أيكون "علي" قد أخبرها ؟؟ لا... "علي" لا يعلم بأنه يقابل "منال" في منزلها يوميا ؛ كيف حصلت على هذه المعلومة اذن ؟!!
أجابت على أسئلة عينيه دون أن يكون بحاجة لطرحها قائلة وقد علت وجهها ابتسامة عريضة معبرة عن حجم السعادة التي تشعر بها ( "عباس" ؛ عندما رفضتني بذلك اليوم شعرت بالاهانة والألم كما لم أشعر بهما من قبل في حياتي ؛ وأقسمت أن أتأكد من صدق روايتك بشان حبك لابنة خالك؛ لأنني لم أكن قد أقتنعت بعد بأنك لم ترفضني لأجل "علي" ؛ وفعلا ؛ تأكدت بنفسي من كل شيْ؛ وعرفت حقيقة حياتك بالتفصيل ؛ عرفت انك يتيم الأبوين ؛ وان لك أخ توأم متزوج ولديه ابن ولكنه لا يعيش معك بنفس القرية؛ وعرفت ان أسرة خالك قد قدمت الى البلد مؤخرا ؛ وانك تشاركهم الطعام بشكل يومي برغم عيشك المستقل بمنزلكم؛ أتعرف ما الذي عرفته أيظا ؟؟ عرفت انني تصرفت بحقارة وأنانية معك؛ وانني أظهرت حبي لك أمام من تحب وتسببت باحراجك دون علم مني !! سامحني يا "عباس" ؛ أتوسل اليك أن تسامحني ؛ وأعدك انني سأصلح ما أفسدت ؛ أعدك !!!) وانخرطت في بكاء مرير ؛ مما آلم "عباس" ودفعه لمحاولة تهدئتها بكل وسيلة ( اهدئي يا "فاتن" ! أنت لم تكوني تعلمين ؛ لقد تصرفت بحسن نية وهذا الأهم.. لست أطالبك باصلاح أي شيْ ؛ علاقتنا أنا و "منال" لم تلتئم حتى تنكسر أساسا وتحتاج الى اصلاح ؛ فقط ادعي لي ؛ وأخبريني عن أخبارك و"علي" ؛ هذا هو الشيْ الذي سيفرحني بحق !!) لملمت دموعها بابتسامة فرح مفاجئة ؛ وأخذت تحاول اخراج شيئا ما من حقيبتها اليدوية قائلة (آه.. لقد كدت أنسى ما جئت لأجله ! تفضل يا "عباس(" وقدمت اليه بطاقة دعوة باسمها واسم "علي" ؛ فلم تسعه السعادة ؛ وأشرق وجهه المريض ؛ وصاح فيها (ألف مبروك يا "فاتن" !! ألف مبروك يا أختي العزيزة !!!(.....
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الفصل التاسع والاخير
أقيم حفل الزواج في صالة واسعة نصفها مخصص للرجال والنصف الآخر للنساء.. دخل "عباس" قد لبس بدلة أنيقة وربطة عنق؛ كان قد ابتاعها مؤخرا من أول راتب استلمه من المجلة لأجل هده المناسبة السعيدة ؛ وتقدم برفقة "حسين" الى "العريس بهدف المباركة له ؛ فما ان رآه "علي" حتى رحب به وبصديقه بحرارة كبيرة ( أهلا بكما ! شكرا على حظورك يا "عباس" ؛ وشكرا على كل ما قمت به لأجلي ولأجل "فاتن(" ضحك "حسين" بقوة وعلق قبل أن يستطيع "عباس" الرد ( لا بأس؛ ف "عباس" مصلح اجتماعي في خدمة الجميع !!) ضحك الثلاثة بقوة لهده المداعبة ؛ بينما تقدم "عباس" مقبلا "علي" ومحتضنا اياه ( ألف مبروك يا "علي" !) شكره ثانية ( أشكرك مجددا يا "عباس" ! ) .... ( الشكر لله يا رجل !(
وجلسو جميعا يتبادلون أطيب الأحاديث.. وفي نهاية الحفل ؛ انصرف "حسين" للبحث عن خطيبته وسط الضجيج حتى يصحبها الى منزلها؛ بينما انصرف "عباس" للبحث عن زوجة خاله و"منال" ؛ فوجدا "زهراء" برفقتهم ؛ وتبادلا الابتسامات دون أن ينبسا بحرف ؛ مما أوقع النسوة في الحيرة !!!
اجتمعت الأسرة _ بما فيهم "عباس" _ في انتظار مقدم "منال"؛ ولكنها تأخرت كثيرا ؛ ولذلك شعر "عباس" بالقلق الشديد ؛ وراودته المخاوف والضنون؛ غير ان ضنونه تبددت بدخولها من الباب الرئيسي وهي تتقدم الى المائدة وقد بدت في محنة كبيرة؛ والدموع تتساقط من عينيها بعنف و ألم ؛ وأعلنت ( لقد استشهد " أحمد (" !! سألها والدها بفزع ( من "أحمد" هدا ؟؟) أجابت منتحبة بقوة بعد ان فقدت رباطة جأشها ( انه شاب في الرابعة و العشرين كان قد أصيب في مسيرة السفارة اصابة بالغة في رأسه اثر رصاصة مطاطية !!(نهض "عباس" من مكانه وسألها باهتمام وحزن بالغ (مند متى حصل هدا ؟؟) أجابته بلهجة متقطعة (منذ قليل ؛ لقد توفي هدا الصباح في المستشفى !(
وأضافت بلوعة وقد بدت غير مصدقة لما يجري (لقد تمت خطوبته مند شهرين فقط ؛ تصور؟؟) صاحت أمها منتحبة بثكل ( شباب يا حبيبي.. منهم لله!!) وملىْ المكان بالصياح والعويل والدعاء على من كان السبب بهده الفاجعة المؤلمة؛
وترك الغداء دون أن يمس ؛ حتى همست "منال" وسط آلامها ( جنازة التشييع ستقام في الساعة الثالثة) أصر والدها (لا بد أن ندهب !) شجعته زوجته (نعم ؛ سنشارك فيها جميعا ؛ لابد أن نتوحد ونعلن احتجاجنا على هدا الوضع الأثم !!(
واستعدوا لمغادرة المنزل منظمين لمسيرة التشييع التي كانت من أفجع المسيرات في تاريخ البلد؛ وتوحدت القلوب؛ وارتفعت الهتافات والأصوات مطالبة بتفعيل " الميثاق" ورفع التحقيق في مقتل هدا "العريس" الشاب "أحمد زهير" وكدلك اغلاق السفارة الأمريكية ومساعدة الاخوان الفلسطينين بكل وسيلة ممكنة ؛ وبعد دفن الشهيد والقاء كلمة من قبل أحد الشيوخ بهده المناسبة المؤلمة؛ انفض الناس وفي قلوبهم حسرة لا تخمد ؛ وغصة مريرة لا تتلاشى ؛ زادت من مرارتها احدى أخوات الشهيد؛ والتي انهارت ما ان أدخلوا شقيقها "العريس" الى دلك القبر المظلم ؛ بدلا من ادخاله الى شقة الزوجية مع خطيبته التي لم تكتب لها الفرحة المطولة ؛ حيث فقدت زوج المستقبل بعد شهرين من السعادة والأحلام العسلية التي تحفها الورود و الرياحيين !!!

* * * *

أسرع "عباس" في استقلال سيارته بعد ان سمع بالخبر المروع متجها الى المجلة ؛ يجب أن يلتقي بها ؛ يجب أن يمنع هدا الأمر بكل ما لديه من قوة ؛ لن يسمح لها بالتخلي عنه ؛ لن يقبل بهجرها !!
والتقى بها في الممر المؤدي للمكتب ؛ تطلعت الى عينيه الحمراويين بتساؤل ؛ وانتظرته حتى انفجر غاضبا ("منال".. هدا الزواج لن يتم!!) سألته ببرود مفتعل ( كيف ؟؟؟) عاد لنفسه وحاول التبرير كعادته ( يجب أن نسأل عنه بشكل مكثف) ابتسمت في ضحكة قصيرة (لا داعي لأن تتعب نفسك يا "عباس" !!!) سألها بتخوف وقلبه يكاد يغادر جوفه من شدة الطرق ( لمادا ؟؟؟) أجابته بما لم يتوقع ؛ جملة كان لا يسمعها منها الا في الأحلام بعد أن يخلد للنوم كل ليلة ؛ عبارة عدبته أياما وشهورا طويلة (لأنني موافقة على الزواج بك!!!!!!!!!!!!(
تسمر في مكانه ؛ حاول أن يستند الى الجدار قبل أن يسقط أرضا ؛ هده السعادة التي يشعر بها الآن تكاد ترديه قتيلا ؛ انه يكاد يجن !!! "منال" وافقت على الزواج به ؟؟.. كيف ؟؟ لمادا؟؟.. انه لا يفهم شيئا .. هل هو في حلم أم علم ؟! أهو في يقضة أم في منام ؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!......
ودون أن يسألها أجابت بصوت يخالطه البكاء (لقد آلمتني كثيرا يا "عباس" ؛ وعنادي كل تلك المدة ليس الا العقاب لهدا الألم).. ما الدي تقوله "منال" ؟؟ هو آلمها ؟؟ متى ؟؟ كيف ؟؟ وهل تجرأ يوما على فعل دلك ؟؟؟؟
تابعت توضيحها وقد بدأت الدموع بالتساقط بغزارة وألم على وجنتيها البريئتين ( لقد توقعت أن تخفي حقيقتك عن الناس جميعا الا أنا.. عندها فقط أكدت لنفسي ان حبك لي لم يكن الا وهما) حاول الشرح ( ولكنني...) قاطعته (ولكنك لست مدينا لي بأي توضيح !! لا تعتذر على ما تراه صائبا يا "عباس" !!( أصر على التبرير لتفهم موقفه (لقد كنت مجبرا يا "منال" ؛ حاولت أن أصارحك أكثر من مليون مرة ولكن "حسين" أقنعني بالعدول ؛ خاف أن تضعفي أمام الباقيين.. "منال" ؛ لقد كنت أموت كل لحظة وأنت تعامليني على انني أحمق لا أفهم شيئا.. وكدت أجن عندما أوهمك "حسين" بالجامعة انني "جاسم" ورحت تنظرين الي بتلك النظرات المحتقرة المدينة ... كل ما استطعت فعله هو الاستسلام لك في النهاية ومعاملتك بحقيقتي التي تمنيت أن تدكرك ب "عباس" القديم.. "عباس" الدي لم يعرف فؤاده غيرك مد سافرت) وعندما لم تحر جوابا ؛ تابع حديثه في لوم كبير وندم على ما فات من العمر وهو بعيد عنها (لقد ضيعتي أجمل لحظات عمرنا بهده الضنون يا "منال" ؛ لقد كان العقاب أفضع بكثير من الجريمة التي اقترفتها في نظرك؛ وأضنك تأكدت الآن _ وبعد كل هدا الرفض_ انني أحبك.. أليس كدلك ؟!) ابتسمت بعدوبة ململمة دموعها وأطرقت حياءا وخجلا ( لقد عوضتني باخلاصك عن ما كان يا "عباس" ؛ وعن السنين التي قضيتها خارج البلاد بين الشك واليقين أيظا... أنا آسفة.. أرجوك سامحني ) مازحها وقد شعر بأن فؤاده لم يعد قادرا على حمل كل هده السعادة التي يشعر بها بهده اللحظات ( لن أسامحك الا اذا اعترفتي بأن "الميثاق" ليس مفتاح الحرية كما زعمتي !! )
شاركته "منال" المزاح معترفة ( "الميثاق" ليس الا مفتاح الشقاء والعنصرية والظلم المتخفي وراء الأقنعة الهمجية !!)
واصل "عباس" ضاحكا بخبث (وعلاقتي ب "فاتن" ؟؟؟)
أجابت باستسلام (لم تكن الا أخوة خالصة لوجه الله !!(
)وأنتي مدينة لي ؟؟؟) ....
( بانقادك اياي من الموت مرتين !!(
(والعريس المتقدم ؟؟؟ ) ....
( لا يصلح لي !!).....
( والفضول ؟؟؟)....
( صفة متعبة بعض الأحيان !!(
(وزفافنا ؟؟؟) .....
( الخميس القادم !!!!(
وضحكا بفرح ؛ وسارا متلازمين لاعلان الخبر السعيد الدي طال انتظاره..



تمت بعون الله