أهمية الخطابة:
مهمة الخطيب شاقة ولا ريب، مشقةً تُحتِّم عليه أن يستعد الاستعداد الكافي في صواب الفكر وحسن التعبير وطلاقة اللسان وجودة الإلقاء.
إن الخطيب بلسانه ورِقَّة جنانه وتجرُّده يقتلع جذور الشر من نفس المجرم ويبعث في نفسه خشية الله، وحب الحق، وقبول العدل، ومعاونة الناس. إن عمله إصلاح الضمائر، وإيقاظ العواطف النبيلة في نفوس الأمة، وبناء الضمائر الحية، وتربية النفوس العالية في عمل خالص وجهد متجرد، يرجو ثواب الله ويروم نفع الناس.
أثر الخطابة:
لا يكاد ينجح صاحب فكرة، أو ينتصر ذو حق، أو يفوز داعية إصلاح، إلا بالكلمة البليغة، والحجة الظاهرة، والخطبة الباهرة.
وثمة جانب في التأثير آخر ينبغي مراعاته، وهو أن تأثير الخطيب في سامعيه ليس بالإلزام أو الإفحام، بل مرده إلى إثارة العاطفة، وحملهم على الإذعان والتسليم، ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية تساق جافة، ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية، ولكنه بإثارة العاطفة ومخاطبة الوجدان.
عناصر بناء الخطبة:
على الخطيب أن يعلم أنه كالخائض غمار معركة، عليه أن يتدرع بدروعها، ويتترس بتروسها، ويلبس لها لأمتها، ولا يكون ذلك إلا بالاستعداد والتهيؤ، وأخذ العدة لكل موقف.
ومن المعلوم أن الخطبة وسائر الأعمال العلمية والأدبية تحتاج إلى أسس ثلاثة:
1ـ قلب مفكر 2ـ بيان مصور 3ـ لسان معبر
فالأول يكون به إيجاد الموضوع وابتكاره وتوليده، وبالثاني تنسيقه وترتيبه ورصه، وبالثالث عرضه والتعبير عنه.
1 - القلب المفكر (الإيجاد والابتكار):
وقد يعبر عنه باختيار الموضوع. من المعلوم أن بواعث الاختيار متعددة، والخطيب كلما كان صادقاً في قصده، مهتماً بجمهوره وسامعيه، جاداً في طرحه، فسوف يحسن الاختيار، ويقدح زناد فكره بجدية نحو الابتكار، يضاف إلى ذلك الظروف المحيطة، والأحوال المستجدة، والأغراض الباعثة، التي تستدعي الحديث عن بعض الوقائع.
2 - البيان المصور ( التنسيق والبيان ):
لا يخفى أن طريق البيان المصور هو الأسلوب.
للأسلوب سلطان لا يضعفه العقل، وأثر لا يمحوه الدليل. الأسلوب ألفاظ وجمل ينطق بها المتكلم ويتحدث بها الخطيب، لا تكاد تخرج من فيه حتى تعلو الهيبة وجوه السامعين، وتمتد الأعناق له احتراماً.
3 - اللسان المعبر (الإلقاء):
ويقصد به: الإلقاء وحسن الإجادة فيه.
ويمكن أن نجمل هذه العناصر الثلاثة في مرحلتين:
المرحلة الأولى: إعداد الخطبة.
المرحلة الثانية: إلقاء الخطبة.
فلنتحدث بمزيد من التفصيل عن هاتين المرحلتين:
المرحـلة الأولـــى
إعـداد الخطبة
لا يوجد رجل عاقل يبدأ ببناء بيت من دون وضع خطة له، لكن لماذا يبدأ بإلقاء خطبته من دون أي نوع من الاستعداد أو التخطيط ؟
الخطبة رسالة موجهة ورحلة ذات هدف. والإنسان الذي يبدأ في مكان غير محدد، ينتهي عادة في المكان ذاته.
إن أي قصور في هذه المرحلة سيكون له تبعاته وآثاره السيئة على مستوى الخطبة، وعلى قدرات الخطيب.
وليعلم الخطيب المبتدئ أنه لا يمكنه أن يتغلب على الخوف والتوتر العصبي حين يخوض المعركة بعدة ضعيفة أو بلا عدة على الإطلاق.
خطوات تحضير الخطبة:
ما هو التحضير؟ هل هو قراءة كتاب ؟ هذا نوع واحد منه، لكن ليس بالنوع الأفضل.
فالقراءة ربما تساعد لكن إذا حاول الخطيب أن يأخذ الكثير من الأفكار الجاهزة من كتاب ويوردها كما هي، فستأتي خطبته هزيلة وناقصة.
التحضير الجيد يمكن أن يمر بعدة خطوات متوالية:
تحديد موضوع الخطبة:
حدد موضوعك مسبقاً، حتى يتسنى لك الوقت للتفكير فيه طيلة أيام التحضير.
بعض الخطباء يقترف خطأً كبيراً باختيار المواضيع التي تهمه وإهمال المواضيع التي تهم المستمعين. لذلك ادرس جمهورك، وفكر باحتياجاته ورغباته.
التفكير الصحيح:
التفكير والاستنتاج والتذكر من أهم مقومات التحضير الجيد. وبالتالي فهو يحتاج إلى التركيز وإعمال الذهن.
إذا حددت موضوع خطبتك اكتب جميع الأفكار المتعلقة بالمادة التي تخطر ببالك، ودع عقلك يبحث عن المزيد منها، تلك هي الطريقة التي من خلالها يتدرب العقل على الإنتاج وبها تبقى عملياتك الذهنية نشطة وبناءة.
فكر بالموضوع مراراً، ناقشه مع أصدقائك واجعله موضوع حديثك، اسأل نفسك جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به. فإذا كنت تتحدث مثلاً عن الطلاق، اسأل نفسك ما هي أسباب الطلاق وما هي نتائجه الاقتصادية والاجتماعية.
وينبغي أن يكون التفكير في جو هادئ بحيث لا يحول بينك وبين حديث النفس ومراجعة العقل أي حائل، كما ينبغي أن تكون عند التفكير والإلقاء فارغاً من الشواغل النفسية، مقللاً من الطعام والشراب حتى لا تذهب بِطنتك بفِطنتك، وتكون نشيطاً خفيف الروح حاضر الذهن سريع البديهة.
الجمع والانتقاء:
على الخطيب أن يجيد التعامل مع المراجع المتعلقة بموضوعه، يأخذ منها الأدلة التي تقوي حجته، ويقتبس منها الشواهد والملح التي تثري خطبته.
أمام الخطيب سيل جارف من المعلومات، فما الذي يختاره منها ليقدمه إلى مستمعيه ؟
من العيوب التي يقع فيها بعض الخطباء أنهم ينقلون المعلومات لمجرد النقل بعيداً عن النظر والانتقاء، بل ربما نقل بعضهم الخطبة بكاملها قبيل وقت إلقائها، فأنـى لهذا أن يكون ملماً بموضوعه، فضلاً عن أن يكون مؤثراً في خطابه.
إن الجمع والانتقاء الذكي يقوم على أمرين:
أ ـ روح الوفرة ( العمق والشمولية ):
العمق والشمولية في جمع المعلومات له عدة فوائد منها:
1ـ التأكد من صحة المعلومات الواردة في الخطبة.
2ـ انتقاء أفضل المعلومات وأنسبها لتحقيق الهدف من الخطبة.
3ـ اكتساب الخطيب قوة مؤثرة في إلقاء الخطبة بسبب إلمامه الوافر وقناعته بما يعرضه على الناس.
ب ـ حسن التميز:
وذلك باختيار أنسب المعلومات، وصياغتها بأرقى العبارات، ثم دمجها في وحدة فنية متجانسة.
كما قال أحد الباحثين: " أنتجت مليون عينة نباتية لأجد واحدة أو اثنتين منها أفضل من سائر العينات، وبعد ذلك أتلفت جميع العينات الرديئة ".
صياغة الخطبة:
تبنى الخطبة عادة على ثلاثة أجزاء:
أولاً: المقدمة.
ثانيا: الموضوع.
ثالثًا: الخاتمة.
عناصر متداخلة متناسقة، يبلغ الترابط بينها جودته حسب مقدرة الخطيب وغزارة علمه وخبرته. وقد لا يلزم مراعاة هذه الأجزاء في كل خطبة، لكن الخطب الطويلة كخطبة الجمعة غالباً ما تبنى على هذه العناصر.
أولاً: المقدمة:
ينبغي أن يهتم الخطيب بمقدمته وافتتاحيته، فيأتي بعبارات الاستهلال التي توحي للسامع بمقصود الخطبة، مما يشد الانتباه ويهيئ النفوس، وقد يكون ذلك بآيات قرآنية زاجرة أو مرغبة أو بعض الحكم البليغة.
وإن الناظر في افتتاحيات السور في القرآن الكريم يدرك ما تثيره في النفس من الإجلال والشوق والرغبة في المتابعة.
ومعروف عند المتقدمين من السلف ـ رحمهم الله ـ أن ما لا يبتدأ بالحمد فهو الأجذم الأبتر، وما لم يزين بالصلاة على رسول الله r فهو المشوه.
كيف تفتتح الخطبة؟
من المهم أن تفتتح بمقدمة مثيرة، وبشيء يأسر الانتباه في الحال.
وإذا أردت أن تستخدم مقدمة يجب أن تكون قصيرة كلائحة الإعلان. لأن ذلك يتطابق مع مزاج المستمع للحديث الذي لسان حاله يقول: أعطنا ما عندك بسرعة واجلس.
ومن الخطأ الذي يقترفه الخطيب المبتدئ الاعتذار في مقدمته بكونه ليس بخطيب، أو أنه ليس لديه ما يقوله، فهذا الأمر يضعف تفاعل الجمهور معه.
لا تفعل ذلك أبداً، بل ابدأ بشيء مثير منذ الجملة الأولى، وليس الثانية أو الثالثة.
مقترحات للافتتاحية:
1. إثارة الانتباه:
أَثِرْ انتباه جمهورك منذ أول جملة، فإنك بهذا تحوز على اهتمامهم ومتابعتهم.
إن الجملة الابتدائية تثير الفضول، وتمضي بنا قدماً، فنرغب في متابعة الاستماع إلى الخطيب، فإنه بذلك يشوقنا.
والناس مجبولون على حب الاستطلاع، ومعرفة ما أخفي عنهم. ولذا فإن فن الإضمار يعتبر من أهم وسائل إثارة فضولهم وانتباههم.
مثال تطبيقي:
تأمل في أسلوب الإضمار الذي اعتمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة، ومدى تأثيره في المخاطبين.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ((عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ)). فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ. ([1])
2. قصة مثيرة.
إنها بداية مثيرة جداً، فالنفوس تحب الاستماع إلى القصص والروايات ومتابعة أحداثها أكثر من الكلام النظري المجرد.
3. سؤال يحرك الأذهان .
من الافتتاحيات المميزة أن يبدأ الخطيب بطرح سؤال لاستدراج الجمهور إلى التفكير، والتعاون معه.
إن استخدام هذا السؤال الافتتاحي هو واحد من أبسط وأضمن الطرق لفتح أذهان جمهورك والدخول إليها.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟)) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)) قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)).([2])
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
(أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟)) قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ فَقَالَ: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَن يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار)). ([3])
4. ضرب الأمثال:
يصعب على المستمع العادي أن يتتبع العبارات المجردة طويلاً. لكن من السهل عليه الاستماع إلى الأمثلة. لماذا إذن لا تبدأ بواحد منها ؟ افتتح بمثل، أثر الاهتمام، ثم تابع تقديم ملاحظاتك العامة.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟)) قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَال:َ ((فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)).([4])
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة)).([5])
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِه))ِ. ([6])
5. الاستعراض
من الطرق السهلة لجذب الانتباه استعراض شيء يتطلع إليه المخاطبون.
مثال تطبيقي:
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرِيرًا بِشِمَالِهِ وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ: ((إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ))([7]).
6. ربط الموضوع بمصالح المستمعين، أو واقعهم الملموس
ابدأ ببعض الملاحظات التي تعالج مباشرة مصالح جمهورك الشخصية. فهذه من أفضل الوسائل الممكنة للبدء بالخطبة. ومن المؤكد أن تستحوذ على الانتباه. فنحن نهتم جداً بالأشياء التي تمسنا أو تمس واقعنا الذي نعيشه.
أمثلة تطبيقية:
قال تعالى: } الم % غلبت الروم { الآيات إلى قوله } ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم {.
مدخل إلى الحديث عن الإيمان: (السعادة مطلب كل إنسان فأيّنا لا يحب أن يكون سعيداً، و الأمن من أهم مقومات الحياة فمن منا تستقر حياته بلا أمن.
إن السعادة والأمن ثمرتان من ثمار الإيمان، فبالإيمان يسعد الإنسان ويتحقق الأمان ....... الخ ).
7. قوة الانتباه الناتجة عن الحقائق الباهرة:
إن الحقائق الباهرة عبارة عن سلسلة من الصدمات، فهي توقظنا من أحلام اليقظة وتسلب انتباهنا.
هذه الحقائق يمكن أن يعرضها الخطيب بأرقام معبرة، أو أوصاف ساحرة.
أما الأرقام المعبرة فإن لغة الأرقام من أقوى اللغات، فالرقم الواحد قد يحدث أثراً في النفوس لا تحدثه آلاف الكلمات.
وأما الأوصاف الساحرة فإنها تشد انتباهنا شدًّا أقوى من المعلومات المجردة.
أمثلة تطبيقية: (أرقام معبرة)
1 ـ افتتاحية عن الالتزام بالحجاب الشرعي: ( تقول إحدى الدراسات الميدانية المنشورة بمجلة الدعوة أن 86 % من النساء اللواتي يلبسن العباءة على الكتف يتعرضن للمعاكسة ).
2ـ افتتاحية عن التدخين: ( خلال عشر سنوات يبلغ طول السجائر التي يدخنها المدخن العادي الذي يدخن عشرين سيجارة فقط يومياً: خمسة كيلو مترات وأربعين متراً، كل هذه الأمتار تصب في بدنه سموماً قاتلة ).
3ـ افتتاحية عن تربية الأبناء على الصلاة
أظهرت نتائج بحث أجري بإحدى المدارس المتوسطة، نشرته جريدة الجزيرة أن 60% من الطلاب لا يؤدون الصلاة).
مثال تطبيقي: (أوصاف ساحرة)
افتتاحية عن مأساة شعب مسلم: آلاف من البشر يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.. أجسادهم عارية، وبطونهم خاوية.. قتل رجالهم، واستبيحت نساؤهم، ويتم أطفالهم.. فهذا رجل قد ربّى أولاده سنوات طويلة يعود إلى بيته وإذا به قد دمّر على رؤوس أولاده فلا يرى إلا جثثاً هامدة. وهذه فتاة قد دنست عفتها تشكو إلى الله ظلم المعتدين، وهذه طفلة بريئة تخرج من بين الأنقاض وقد فقدت أبويها وإخوتها.. تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، لا تدري إلى أين تذهب.
إنهم إخوانكم المسلمون المضطهدون في...........
8. موجز الخطبة (الإجمال قبل التفصيل)
من المقدمات الناجحة أن يقدم الخطيب لمستمعيه عرضاً مجملاً لعناصر الخطبة، ثم يشرع في تفاصيل الخطبة. إن هذه المقدمة ستكون مفتاحاً لأذهان المستمعين، ومعيناً لهم على فهم الخطبة ومتابعة أجزائها.
أمثلة تطبيقية:
قال تعالى: } يوم تبيض وجوه وتسود وجوه % فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون % وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون{
خطبة عن انحراف الناشئة.
يبدأ بعرض مجمل لعناصر الخطبة وهي: ( نعمة الأولاد، مسؤولية الوالدين عن تربية أولادهم، من مظاهر انحراف الأولاد، أسباب الانحراف، العلاج )
ثم يشرع في تفصيل الخطبة.
ثانيًا: الموضوع:
وهو مقصود الخطبة الأعظم.
وقد يكون من المناسب التصريح به في مبتدأ الخطبة لا سيما إذا كان من قضايا الساعة التي يخوض فيها المجتمع ويتطلع إلى كلامٍ شافٍ فيها.
وقد لا يحسن التصريح به، إما لأنه شائك، أو يوجب انقسام الناس، وفي هذه الحالة ينبغي أن يدخل عليه الخطيب دخولاً متدرجاً، ويتناوله تناولاً غير مباشر، ليأخذ السامعين بتسلسل منطقي فيصل إلى مبتغاه باعتدال.
وموضوع الخطبة عادة ما يبنى على ركنين أساسيين هما:
1. العرض والإيضاح.
2. الاستدلال.
أما العرض والإيضاح: فبذكر الصفات والخواص والمزايا لذات الموضوع، وقد يكون بالاستعارات والتشبيهات وضرب الأمثال، والإجمال ثم التفصيل، وبالصلة والتضاد والتقابل.
وأما الاستدلال: فغالباً يحتاج الموضوع إلى ما يدعمه بالأدلة والحجج والبراهين والشواهد، وهي عادة ما تكون من الكتاب والسنة وأقوال السلف، وإيراد بعض الوقائع والأحداث من باب القياس والاعتبار.
وإذا كان موضوع الخطبة في الإصلاح والتوجيه فعلى الخطيب أن يعلم أنه كالطبيب، فعليه قبل وصف الدواء تشخيص الداء فيتعرف على العلل والأمراض الشائعة، ويشخص الداء ويعرف الأعراض، فإذا استبان له ذلك رجع إلى الكتاب والسنة فوضع الدواء، وكلما دقق التشخيص سهل العلاج.
أمثلة تطبيقية:
يمكن أن يعمد الخطيب إلى المنكرات الفاشية ولا سيما ما كان منها قريب العهد، وحديثه على ألسنة الناس أو ذائعاً في الصحف. ثم يقدم من هذه الوقائع أكبرها ضرراً وأسوأها أثراً، فيجعله محور خطبته وموضوع عظته، ثم يفكر فيما ينشأ عن هذا الحادث أو المنكر من الأضرار الخلقية والاجتماعية والصحية والمالية، ويحصي هذه المضار في نفسه أو بقلمه ثم يستحضر ما جاء فيه من الآيات والأحاديث الصحيحة وآثار السلف، ثم يأخذ في كتابة الموضوع.
إذا أراد الحض على عمل صالح أو مشروع نافع أو الحث على خلق فاضل، فليفكر في مزاياه وآثاره الحسنة تفكيراً عميقاً، وليستحضر ما يناسبه من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح، ثم يسلك في الكتابة.
ما الهدف من الخطبة؟
الخطبة رسالة موجهة لها هدف محدد. فعلى الخطيب أن يحدد هدفه من الخطبة، ويُبدئ فيه ويعيد عرضاً وتكراراً عبر أجزاء الخطبة، ويسعى إلى تحقيقه.
وأهداف الخطب كثيرة ومتنوعة، منها: إيضاح أمر غامض، أو تصحيح مفهوم خاطئ، أو حث على فعل معروف، أو ترك منكر، أو إقناع بفكرة معينة.
وحدة الموضوع:
غالباً ما يفشل الخطاب لأن الخطيب يبدو وكأنه يسعى لإنشاء سجل العالم خلال وقت محدد. فيقفز من نقطة لأخرى بسرعة فيخرج المستمع بلا شيء عن كل شيء.
ولهذا ينبغي أن يقتصر الخطيب على موضوع واحد يستوفي عناصره، ويحبـِّر كلماته، ويستوعب معالجته، لأن تشعب المواضيع وتعدد القضايا في المقام الواحد يُشتّت الأذهان، ويُنسي بعضها بعضاً.
اختيار الألفاظ :
ينبغي أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها فلا تتقارب مخارجها ولا تتباعد، كما ينبغي أن تكون ذات جرس خاص يهز النفس ويثير الشعور، وتكون الجمل ذات مقاطع قصيرة كل جملة في معناها.
أما عبارات الخطبة فينبغي أن تتسم بالوضوح والبيان، لتكون سهلة الإدراك من السامعين.
وعندما يتحدث الخطيب عن موضوع غريب عن مستمعيه فلا يظن أنه سيثير اهتمامهم بمجموعة من العموميات والألفاظ الطنانة الرنانة ؟
هذا غير ممكن لأنه يجب أن يثير اهتمامهم أولاً، والمتابعة ثانياً، والفهم وهو المقصود أخيراً.
إن من البيان سحراً، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِه، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا))([8])
هل المراد بهذا الحديث المدح أو الذم ؟
نقل الإمام النووي عن القاضي الخلاف في هذا الحديث، ثم ذكر أن الصحيح المختار أن المراد به المدح لأن الله امتن على عباده بتعليمهم البيان، وشبهه بالسحر لأنه يصرف القلوب ويميلها إليه.([9])
إن من أهم خصائص الأسلوب الخطابي عنصر الشعور والوجدان والإثارة والتشويق الذي يسحر القلوب ويأخذ بالألباب، فعلى الخطيب أن يعتني بالأساليب البلاغية ويختار لكل عبارة قالبها المناسب.
وإذا أراد السجع فليختر منه ما ليس بمتكلف، قصير الفقرات، سهل المأخذ، يخف على السمع، ويحرك المشاعر بحسن جرسه.
ويرتبط بالسجع رعاية المقاطع والفواصل، واختيار الجمل القصيرة، نظراً لأثرها على المستمع عند الوقوف على آخرها.
تجنب المصطلحات العلمية الدقيقة:
إذا كنت من ذوي الاختصاصات العلمية - عالماً أو طبيباً أو مهندساً ـ فضاعف حذرك حين تتحدث إلى الآخرين، وعبر بألفاظ واضحة مقدماً التفاصيل الضرورية.
إنه لعمل جيد أن تختار إنساناً يبدو الأقل ذكاء من بين الجمهور وتحاول أن تثير اهتمامه بنقاشك، وهذا لا يمكن فعله إلا من خلال العبارة السهلة والأسلوب الواضح.
مراعاة السامعين:
ينبغي للخطيب أن يراعي حال التأدية استعداد السامعين، فينزل في العبارة مع العامة على قدر عقولهم متجنباً الألفاظ اللغوية البعيدة عن مداركهم ويتوسط مع الأوساط، ويتأنق مع الخاصة، فيكون مع جميع الطبقات حكيماً يضع الأشياء في مواضعها، وفي كل حال يتجافى في كلامه عن كل زخرف باطل.
وعليه أن يستعين بالشواهد من الحكم النثرية والشعرية، والملح التاريخية في إيصال رسالته إلى أذهان السامعين وإنفاذها في قلوبهم ودفع السآمة والملل عنهم.
أسلوب الوصف التصويري في عرض القصص أو الحوادث:
هذه مسألة هامة. وهي في الحقيقة جانب من جوانب البلاغة في لغتنا العربية، وسر من أسرار الخطابة المؤثرة.
ويكمن هذا السر في التعبير بالفعل المضارع في عرض المشاهد والأحداث عوضاً عن الفعل الماضي.
إن الغرض البلاغي من تصوير المشهد بهذا الأسلوب هو أن يستحضر المخاطب صورته في ذهنه، كأنها ماثلة أمامه، ويشعر أنه يعيش في أجوائه، فيستولي الخطاب على قلبه، ويحرك مشاعره.
أمثلة تطبيقية:
تأمل قول الله تعالى على لسان إبراهيم u وهو يقص رؤياه على ابنه إسماعيل u وكأنها رأي العين } قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} الآية.
وقال عز وجل في تصوير مشهد الأرض وهي تخضرّ بنزول الماء من السماء } ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة { الآية.
قارن بين هذين الأسلوبين:
( في أحد أيام السنة الثالثة والعشرين من الهجرة خرج عمر بن الخطاب إلى المسجد في صلاة الفجر، وكان إذا أقيمت الصلاة سوى الصفوف بقوله استووا، فلما كبر هجم عليه الشقي أبو لؤلؤة المجوسي فطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدين ).
(المكان:مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.. الزمان: اليوم الأخير من خلافة الفاروق t.
يخرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من بيته ليصلي بالناس صلاة الفجر.. يدخل الفاروق المسجد.. تقام الصلاة.. يتقدم عمر ويسوي الصفوف بقوله: استووا.. استووا.. يرفع يديه ويكبر.. فإذا بالشقي أبو لؤلؤة المجوسي يهجم عليه فيطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدين ).
المقارنة بين الواقع والمأمول:
في نقد الأخطاء، وتقويم السلوكيات قد يسأم الناس إذا اقتصر الناقد على الأفكار النظرية فقط.
لكن قلما يفشل في جذب انتباههم والتأثير في نفوسهم إذا عرض بعض المشاهد من أحوالهم الملموسة، وقارن بين هذه المشاهد ومشاهد من الأحوال الصحيحة المأمولة.
إن أكثر الأشياء إثارة لاهتمامنا هي أحوالنا التي نقع فيها. إذ كل واحد منا يشعر في هذه الحالة بأنه معني بهذا الكلام دون سواه.
مثال تطبيقي:
عرض مشاهد من الأحوال الملموسة مقارنة بمشاهد من الأحوال المأمولة (أحوال السلف)
1- رجل يسهر مع رفاقه، ثم ينام عن صلاة الفجر. كان المريض في عهد الصحابة يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
2– شاب يبكي لهزيمة فريقه، وآخر يبكي في أغنية أو تمثيلية. سعيد بن عبد العزيز يبكي لما فاتته صلاة الجماعة.
3- تساهل بعض نسائنا في الحجاب. خروج نساء الأنصار عندما نزل الأمر بالحجاب وكأنهن الغربان.
إن مثل هذه المقارنات سيكون أثرها في نفوس السامعين أبلغ من النقد المجرد.
تأمل في هذا الدرس النبوي الذي يعتمد على أسلوب المقارنة التي تحث على الاقتداء.
عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟! فَقَال: ((قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون))َ.([10])
بين الجدية والدعابة:
ربما تكون واحداً من الذين يمتلكون روح المرح والدعابة.
إن كان الأمر كذلك، نـمِّ هذه الروح بكل الوسائل تكن موضع ترحيب أينما خطبت.
لكن إذا كانت موهبتك تقع في نواحٍ أخرى، فمن غير اللائق أن تحاول ارتداء قناع لا يناسبك.
هل معنى هذا أن تكون الخطبة ثقيلة ضخمة وفي غاية الرزانة ؟
كلا، يمكنك تسريب روح الدعابة باللجوء إلى أمثلة محلية ( من واقع المخاطبين ) تلائم المناسبة.
لاحظ بعض التناقض، صفه بشكل مضخم. فهذا النوع من المرح أكثر نجاحاً من النكات التافهة.
باستطاعة كل إنسان تقريباً أن يداعب الجمهور بتجميع الأفكار أو الصفات المتناقضة.
هذا مع مراعاة نوع الخطبة وحال المخاطبين فما يقال في حفل ترويحي ليس كما يقال في خطبة الجمعة.
مثال تطبيقي:
كان اختيار جيل الصحابة: الجهاد والشهادة، لكن طائفة من شبابنا اختيارهم ( بيبسي اختيار الجيل الجديد ) كما تقول الإعلانات التجارية. فإن لم يكن كذلك فاهتمامات تافهة وهوايات ساذجة، أشبه ما تكون بفقاعات البيبسي.
ما إن تدخل فترة الامتحان حتى تعلن الأسر حالة الطورائ في البيوت، فاللهو ليلة الامتحان أو النوم صبيحته جريمة كبرى.. لكن أين هذا الاستنفار والحرص على الأبناء في صلاة الفجر وهي ركن الدين.
مبدأ التكرار:
التكرار من أهم مبادئ فن الخطابة. لأن تفهم الأفكار الجديدة يحتاج إلى وقت طويل، بحيث يبقى الذهن مسلطاً عليها.
وينقسم التكرار إلى قسمين:-
القسم الأول: تكرار الجمل الطويلة
وهذا النوع لا يحسن أن يكون بالألفاظ ذاتها، إذ النفوس تنفر من ذلك، بل يكون بعبارات جديدة، بل وبأساليب مختلفة تارة بالتقرير، وتارة بالاستفهام، وتارة بالترغيب أو الترهيب، وتارة بالاستنكار، وغيرها من الأساليب البلاغية.
مثال تطبيقي:
في القرآن الكريم الكثير من هذا النوع. ومن ذلك تقرير التوحيد، وقصص الأنبياء، وأحداث القيامة.
القسم الثاني: تكرار الكلمات الرئيسية أو الهامة:
فإذا مر الخطيب بهذه الكلمات فلـه أن يكررها حتى تثبت في قلوب السامعين.
أمثلة تطبيقية:
قال الله تعالى } القارعة % ما القارعة % وما أدراك ما القارعة {.
عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: ((أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّار))َ. حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.([11])
عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأدْرَعِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: ((يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ. يَوْمُ الْخَلاصِ، وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ؟. يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ، ثَلاثًا، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَوْمُ الْخَلاص؟ قَالَ: يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَصْعَدُ أُحُدًا فَيَنْظُرُ الْمَدِينَةَ فَيَقُولُ لأَصْحَابِه:ِ أَتَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الأبْيَضَ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكًا مُصْلِتًا، فَيَأْتِي سَبْخَةَ الْجَرْفِ فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَلا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلا مُنَافِقَةٌ وَلا فَاسِقٌ وَلا فَاسِقَةٌ إِلا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلاص))ِ.([12])
عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلاثًا قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ)). قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. ([13])
توضيح الأفكار بأحوال واقعية ومحددة:
إن إحدى الوسائل المضمونة والسهلة التي توضح أفكارك هي توضيحها بأحوال ووقائع محددة.
كن واقعياً ومحدداً. إذ إن صفة التحديد لا تزيد من الوضوح فحسب، بل إنها تزيد من الإقناع والإثارة والتسلية أيضاً.
مثال تطبيقي: حول موضوع الكذب
قد يقع بعض الناس في الكذب (حال عام)
قد نقع في الكذب خلال أدائنا لوظائفنا (حال واقعي)
قد نتأخر عن الحضور إلى العمل، أو نرتكب خطأً، أو نتقدم بطلب إجازة فنقع في الكذب (حال واقعي ومحدد )
تأمل واقعية الرسول صلى الله عليه وسلم وتحديده، وهو يدعو إلى التصدق في هذه الخطبة الواضحة المؤثرة:
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالاً، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: (({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة}ٍ إِلَى آخِرِ الآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِه،ِ مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِه، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ))([14]).
طول الخطبة:
فن الإيجاز والإطناب يختلف من حال إلى حال، بحسب حال السامعين في إقبالهم ومللهم، ونوع الموضوع، وظروف الإلقاء.
ويحسن من الخطيب أن يعود سامعيه على زمن معتدل ثابت يلتزمه، فإنهم إذا عرفوه بانضباطه ودقة التزامه أحبوه ولازموا حضوره.
ومن الخير للخطيب وجمهوره أن ينفضوا وهم متعلقون به من غير ملل أو سآمة.
إن الخطيب الذي لا يصيغ خطابه ليتناسب مع روح العصر السائدة والمتميزة بالسرعة لن يكون موضع ترحيب، وفي بعض الأحيان، يثير كراهية الآخرين. لذلك كن مختصراً.
عن أَبُي وَائِلٍ قال: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا)).([15])
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَال: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ r يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.([16])
• ذكر عن أحد شعوب أفريقيا البدائية أنه عندما يلقي الخطيب خطاباً طويلاً جداً خلال اجتماع القرية، فإن الجمهور يسكته بالصراخ: كفى ! كفى !
• ويقال أن قبيلة أخرى كانت تسمح للخطيب بالتحدث طالما يستطيع وهو مرتكز على ساقٍ واحدة. وعندما تلمس مقدمة ساقه الأخرى الأرض، يتوجب عليه التوقف عن الكلام.
الجدة والتغيير:
ويعني ذلك ألا يلتزم الخطيب طريقاً واحدة أو وتيرة واحدة في أسلوبه وطريقة إلقائه، بل يكون استفهامياً تارة، وتقريرياً أخرى، وضرباً للأمثال، وتلمساً للحكم والأسرار، مع ما يطلب من معايشة الأحداث، ومتابعة المتغيرات.
ثالثًا: الخاتمة:
بعد أن يفرغ الخطيب من عرض موضوعه، وسوق أدلته، وضرب أمثلته، وبيان دروسه، وعبره، وترهيبه، يحسن أن يُنهي خطبته بخاتمة مناسبة تكون قوية في تعبيرها وتأثيرها، لأنها آخر ما يطرق سمع السامع ويبقى في ذهنه.
كيف تختم الخطبة ؟:
هل تود أن تعلم في أي جزء من أجزاء خطبتك تظهر تجربتك ومهارتك وبراعتك ؟
في الافتتاحية وفي الخاتمة. كما قيل: " تعرفهم من خلال دخولهم وخروجهم ".
إن الخاتمة في الحقيقة هي أكثر النقاط إستراتيجية في الخطبة. فما يقوله الإنسان في النهاية ـ أي ما يبقى يرن في آذان المستمعين ـ هو الكلمات التي ربما تبقى عالقة في أذهانهم.
هناك من ينهي خطبته بـ" هذا ما لدي حول الموضوع " ثم يتوقف وقوفاً اضطرارياً.
وهناك الخطيب الذي يقول كل ما عليه قوله، لكنه لا يدري كيف يختتم خطبته.
إنه ليس من الحكمة أن تحاول إنشاء الخاتمة وأنت تواجه الجمهور فيما أنت واقع تحت ضغط وتأثير الخطبة، وفيما ذهنك مشغول بما تقول.
ما هو العلاج ؟
يجب أن يخطط الخطيب للخاتمة مسبقاً، ويدرك بالتحديد الأفكار التي سينهي بها خطبته.
إن الخطباء المشهورين شعروا أنه من الضروري كتابة وحفظ الكلمات المناسبة لخاتمتهم. فإذا ما اتبع المبتدئ خطواتهم، فنادراً ما يندم على ذلك.
ولأن الخطاب المرتجل قد يعدل أو يختصر خلال عملية الأداء ليناسب التطورات غير المرتقبة ويتناغم مع انفعالات المستمعين، فإن من الحكمة أن تخطط لخاتمتين أو ثلاث، فإن لم تناسب إحداها ناسبت الأخرى.
مقترحات للخاتمة:
1. آيات كريمة أو حديث نبوي:
يمكن أن يختم الخطيب بآيات قرآنية لم يسقها من قبل تجمع موضوعه في الترغيب والترهيب أو التدليل والإثبات، وقد تكون حديثاً نبوياً مناسباً.
2. دعاء:
بين يدي الخطيب طائفة من الأدعية القرآنية أو النبوية المأثورة، يمكن أن يختار منها ما يناسب الموضوع، ويجعله خاتمة لخطبته. كما يمكن أن ينشئ من دعائه الخاص ما يدعم الهدف المراد من الخطبة ويقويه في نفوس المستمعين.
3. تلخيص الأفكار:
الخطيب ميال لتغطية أفكار كثيرة حتى في خطاب قصير تتراوح مدته بين ثلاث أو خمس دقائق.
ومع ذلك، قلة من الخطباء تدرك ذلك. فهي تفترض أن تلك الأفكار واضحة وجلية في أذهانها، وبالتالي هي واضحة في أذهان المستمعين.
لكن الأمر يختلف كلياً لأن الخطيب كان قد فكر ملياً بما سيقوله. بينما أفكاره كلها هي جديدة بالنسبة للمستمع، بعضها يعلق في الذهن، ومعظمها يتدحرج باضطراب. فعلى الخطيب أن يتدارك هذا الأمر بأن يختم خطبته بخاتمة، تجمع أفكاره، وتلخص موضوعه، بعبارات مغايرة، وطريقة مختصرة.
وقد قيل: أخبرهم أولا ًبما تنوي إخبارهم به، ثم أخبرهم، ثم أخبرهم بما أخبرتهم.
4. مقتطفات شعرية:
وفي الحقيقة، إذا استطعت الحصول على قطعة شعرية ملائمة لنهايتك، يكون الأمر مثالياً. فهي تمنحك النكهة المطلوبة، وستمنحك الوقار والتفرد والجمال.
ودواوين الشعر كثيرة جداً، والخطيب الناجح ينتقي منها أروع الشعر وأعذبه.
وإذا أعياه البحث في الدواوين أو ضاق به الوقت فليستعن بالكتب التي تعتني بجمع وتصنيف المقطوعات الشعرية الجيدة حسب المواضيع المختلفة.
5. خاتمة مرحة:
فقد قيل: " اتركهم دائماً يضحكون عندما تختم حديثك ".
إذا كنت تملك القدرة على فعل ذلك بلا تكلف، وكان نوع الخطبة والموقف مناسباً، فإن الأمر يكون جيداً.
________________________________________
([1]) البخاري ( 466 ) ومسلم ( 2382 )
([2]) رواه مسلم ( 2589 )
([3]) رواه مسلم ( 2581 ).
([4]) رواه البخاري ( 528 ) ومسلم ( 667 ).
([5]) رواه البخاري ( 21.1 ) ومسلم ( 2628 ).
([6]) رواه أحمد ( 15357 ) ، والترمذي ( 2376 ) وقال: حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5620)
([7]) رواه النسائي ( 5144 ) ، وأبو داود ( 4057) ، وابن ماجه ( 3595 ) واللفظ له ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
([8]) رواه مسلم ( 869 ).
([9]) انظر شرح صحيح مسلم: النووي 6 / 226 ، وسياق الحديث يرجح ما اختاره رحمه الله.
([10]) رواه البخاري ( 9643 )
([11]) رواه أحمد ( 17931 ) والدارمي (2812 ) وقال الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح ( 5687 ): إسناده صحيح.
([12]) رواه أحمد ( 18496 ) بسند صحيح.
([13]) البخاري ( 2654 ) ومسلم ( 87 )
([14]) رواه مسلم ( 1.17 )
([15]) رواه مسلم ( 869 )
([16]) رواه البخاري ( 7. ) ومسلم ( 2821 )
المرحـلة الثانية
إلقـاء الخطبة
الإلقاء: هو الغاية التي ينتهي إليها الإعداد والبناء, وهو الصورة التي يتلقى بها السامع حصيلة ما جاد به خطيبه.
تنمية الشجاعة والثقة بالنفس
إن كسب الثقة بالنفس والقدرة على التفكير بهدوء أثناء التحدث إلى مجموعة من الناس ليس أمراً صعباً مثلما يتخيل معظم الناس. وهي ليست موهبة فطرية محضة وهبها الخالق لأفراد قليلين, بل إن جزءاً كبيراً منها مكتسب, وباستطاعة كل فرد أن ينمي طاقته الكامنة إذا ما كانت لديه رغبة كافية لذلك.
لا تتصور أن حالتك صعبة, فمعظم الذين أصحبوا فيما بعد خطباء أجيالهم أصيبوا في بادئ الأمر بالخوف وضعف الثقة بالنفس.
كيف تكتسب الثقة بنفسك ؟
أولاً:الاستعانة والثقة بالله:
تذكر أنك إنما تخطب وتتكلم بحول الله تعالى وقوته, فإن شاء الله تعالى أطلق لسانك, وإن شاء عقده, ولو وكلك الله إلى نفسك لعييت وعجزت.
إن حنجرتك التي هي وعاء خروج الأصوات, ولسانك وشفتيك وأسنانك التي تصيغ الحروف والنغمات, إنما هي خلق من خلق الله تعالى {الذي أنطق كل شيء}.
واعلم أن الله معك.. شاهد ومطلع عليك.. نظره أسبق من نظر المخاطبين إليك.
فاعتصم بالله، وليكن لك في نبي الله موسى عليه السلام أسوة حسنة حيث {قال رب اشرح لي صدري % ويسر لي أمري% واحلل عقدة من لساني% يفقهوا قولي}.
ثانياً: تعزيز الدافع والرغبة:
ما من فعل إلا وله دافع. وبقدر قوة الدافع يكون الإقبال على العمل, وتحمل أعبائه.
لدى بذل أي مجهود, يصاب بعض الأشخاص بالوهن ويرتمون خلال الطريق. لذا يجب أن تظل تفكر بما ستمنحك هذه المهارة حتى تبقى رغبتك قوية صادقة.
إن طالب العلم مثلاً أو الداعية - وهو يحمل عبء تبليغ الدين – عليه أن يستشعر وهو يتعلم الخطابة أنها وسيلة هامة من وسائل الدعوة وتبليغ الدين, وأنه لا مفر له من الإقدام على تعلم الخطابة وإجادتـها حتى يبلِّغ رسالته إلى الناس.
ثالثاً: الإلمام بالموضوع:
لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالارتياح حين يواجه مستمعيه إلا بعد أن يفكر ملياً ويخطط حديثه ويعرف ما الذي سيقوله.
قام بعض المبتدئين متحدثاً عن موضوع ليس لديه الإلمام الكافي نحوه, فاضطربت عباراته, واهتزت ثقته بقدراته, فاتهم نفسه بالفشل وعدم القدرة على الخطابة. والسبب في الحقيقة إنما يعود لسوء التحضير والتخطيط.
رابعاًً: التصرف بثقة وتفاؤل:
قد يقول قائل: كيف أتصرف بثقة وأنا أشعر بالخوف ؟
قد يبدو أن الفعل يلي الشعور, فالتصرف بشجاعة لا يمكن أن يصدر إلا ممن يشعر فعلاً بالشجاعة.
لكن علماء النفس اكتشفوا أن الفعل والشعور يسيران معاً, ويؤثر كل منهما على الآخر, ومن خلال تعديل الفعل - الذي هو ضمن سيطرة الإرادة - نستطيع أن نعدل الشعور بشكل غير مباشر.
ولهذا فإذا ما فقدت الشعور بالسرور الطبيعي فإن طريقك إلى السرور هو أن تتحدث وكأنك مسرور مسبقاً, ولكي تشعر بالشجاعة تصرف وكأنك شجاع.
وقد جاء في السنة ما يشير إلى هذا المعنى في تربية النفس, وذلك فيما ورد في التباكي عند فقد البكاء الطبيعي. فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة أسارى بدر أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يبكيان قال: (يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك, فإن وجدت بكاءً بكيت, وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما).([1])
و روي هذا المعنى مرفوعاً في حديث: (( ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا )) وفيه ضعف ([2]).
ثم تفاءل.. فالتفاؤل سبب قوي في الوصول إلى المراد.
ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الفأل.([3]) لأنه من حسن الظن بالله, فإياك والتشاؤم.
ولسنا نعني بهذا الكلام أن يسبح المرء منا في أوهام التفاؤل السلبي، بل المقصود التفاؤل الإيجابي الذي يبعث الأمل, ويشحذ الهمم, ويقوي العزيمة على المبادرة واتخاذ أنجع الأسباب لبلوغ الهدف.
خامساً: المران والتدريب:
إن أول وآخر طريقة فعالة لتوليد الثقة بالنفس في فن الخطابة, هي أن تقف وتخطب.
فالأعصاب تهدأ تماماً من خلال العادة والتمرين الدائم لقوة الإرادة. فإن كان لدى الإنسان خطاب فإنه سيجيد الكلام أكثر حين يردده ويتدرب عليه باستمرار.
• تدريب عملي:
اختر موضوعاً لديك معرفة سابقة به, قم بإنشاء خطاب حوله مدته خمس دقائق, تدرب على إلقاء الخطاب عدة مرات, ثم قم بإلقائه أمام مجموعة من رفاقك, وضع كل جهدك وقوتك أثناء قيامك بذلك.
قف مستقيماً وتطلع إلى عيون الجمهور. ابدأ الكلام بثقة وكأن الجميع يدينون لك بالمعروف.
لا تعبث بملابسك أو تفرك يديك, وإذا اضطررت للقيام بحركات عصبية نتيجة التوتر أمسك شيئاً أمامك بشدة كالمنبر أو الطاولة ونحوه.
ربما ينتابك خوف عارم أو نوع من الصدمة أو التوتر العصبي في الدقائق الأولى التي تواجه فيها الجمهور. لكنك إذا ثابرت فإنك ستتجاوز كل شيء ما عدا هذا الخوف الأولي الذي ليس سوى خوفاً أولياً فحسب. فبعد الجمل القليلة الأولى, تستطيع أن تسيطر على نفسك. وستتحدث بطمأنينة وارتياح.
من المفيد أن تسجل خطابك بواسطة مسجل الصوت أو الفيديو, ثم تقوم بالمراجعة وتلمس أوجه القصور لتتغلب عليها في المرات المقبلة.
كيف تستحضر موضوعك؟
إذا كتب الخطيب الموضوع فهو مخير بين أمرين:
1. إن شاء حفظه وألقاه 2.وإن شاء ذكر مضمونه
وليحذر جهده من قراءته على الناس من ورقة, فإن ذلك يضعف قوته ويذهب بتأثيره في النفوس كما هو مشاهد.
والأمر الثاني أحسن الأمرين, حتى لا يكون مقيداً بعبارة خاصة, فإذا عرض له أمر جديد أثناء الخطابة أمكنه القول فيه, وكثير من الحفاظ إذا نسوا جملة تلعثموا أو ارتج عليهم فيفقدون هيبتهم في نفوس السامعين.
وما أحوج الخطيب إلى الهيبة والجلال ! فكان من الأحسن والمصلحة ألا يتقيد بعبارة يحفظها بل يتخير من العبارات ما يؤدي المعاني التي حصل عليها ببحثه وتفكيره.
هذا إذا كتب الموضوع. وإن شاء عدم الكتابة واكتفى برسم الموضوع في مخيلته وتسطيره في ذاكرته التي قواها بالمران والممارسة, كان ذلك أحسن وأكمل.
* طريقة الملاحظات المساعدة
بعد تحضير الموضوع ضع ملاحظات موجزة, ربما ترغب في الاستعانة بها حين تتدرب على انفراد, وربما تشعر براحة أكثر لو أنك تحتفظ بها بجيبك أثناء مواجهة الجمهور, وربما تحتاج إلى الاستعانة بها أثناء إلقاء الخطبة.
وإذا شعرت بضرورة الاستعانة بالملاحظات, اجعلها مختصرة جداً، واكتبها بأحرف كبيرة, بحيث تعبر كل كلمة عن جملة أو جمل من الخطبة.
وفي أثناء إلقائك الخطبة استرق النظر إلى ملاحظاتك حين تضطر لذلك, لكن تأكد من تغطية ضعفك أمام الجمهور.
وبرغم جميع ما قيل, هناك حالات يتوجب فيها استخدام الملاحظات.
فمثلاً, بعض الناس, خلال إلقاء خطبه القليلة الأولى, يعاني من العصبية والتوتر حتى إنه لا يستطيع أن يتذكر خطبته التي جهزها. ما هي النتيجة ؟
ينسى المادة التي درسها, فينزلق عن الطريق العالية، ويسقط في الهاوية.
لماذا لا يمسك هؤلاء الأشخاص بأيديهم ملاحظات موجزة مكثفة خلال خطواتهم الأولى ؟
فالطفل يتمسك بالأثاث عند محاولاته الأولى للمشي, لكن ذلك لا يستمر طويلاً.
وتجدر الإشارة إلى حقيقة مهمة، وهي أنه يجب ألا تحاول أن تستظهر الخطبة حرفياً, فإن ذلك قد يؤدي إلى كارثة.
ومع ذلك, وبرغم هذا التحذير يحاول بعض من يقرأ هذه الأسطر أن يفعل ذلك. فإن فعل, فبماذا سيفكر حين يقف لإلقاء كلمته ؟
سيحاول بالطبع أن يتذكر التركيب الإنشائي, ويفكر بالأشياء السابقة, ولا يتطلع نحو الأمام, وهذا بعكس عمليات العقل البشري, فيأتي الخطاب حينئذ جافاً بارداً, وبعيداً عن الطبيعة الإنسانية.
لا تبحث عن الكلمات, ابحث فقط عن الحقيقة والفكرة, عندئذٍ تتدفق الكلمات دون أن تسعى إليها.
مهارات الإلقاء الجيد:
1 ـ طريقة الوقوف:
إن الوقوف الصحيح له دوره في ارتياح الخطيب أثناء إلقاء الخطبة مما يزيد ثقته بنفسه, كما أنه يساعده على التنفس الصحيح الذي يؤثر في فعالية الصوت.
2ـ لا تبدأ بعجلة:
بعدما تنهض لمخاطبة جمهورك, لا تبدأ بعجلة. فهذه هي السمة المميزة للمبتدئ.
تطلع إلى جمهورك للحظة.. إن كانت هناك ضجة, توقف قليلاً حتى تزول.. أبق صدرك عالياً.
لكن لمَ الانتظار لفعل ذلك أمام الجمهور ؟ لم لا تفعل ذلك يومياً حين تكون منفرداً بذاتك، عندئذٍ يمكنك أن تفعل ذلك تلقائياً أمام الناس.
احذر الصدمة الأولى:
لاحظت بعض المبتدئين أثناء تدربهم على الخطابة، فكان بعضهم بمجرد وقوفه أمام الجمهور وشروعه في الخطبة يتلعثم في أول الكلام, بل ربما ارتج عليه فنسي المقدمة تماماً, مع أنه قد اجتهد في إعداد الخطبة. لماذا ؟
إن الكلمات الأولى التي يتفوه بها الخطيب في اللحظات الأولى من وقوفه أمام الجمهور تختلف عن غيرها من كلمات الخطبة.
ذلك لأنه يستقبل موقفاً جديداً يكتنفه الغموض والخوف. فهو يقف أمام الجمهور لأول وهلة وجهاً لوجه, وربما سيطر عليه شبح الخوف من الفشل أو الخطأ أو عدم قبول الناس له, فيصاب بالتوتر العصبي مما يؤدي إلى ذهولـه عن الموضوع. مع أنه في الحقيقة ما أن يمضي في الكلام حتى يشعر بالطمأنينة والثقة.
ما الحل ؟
إن كلمات المقدمة من أهم العوامل المؤثرة في الخطبة، فبها يكتسب الخطيب الثقة بنفسه, وبها يحكم الجمهور على هذا الشخص الغريب الماثل أمامهم.
ولهذا, ضاعف الجهد في إعداد المقدمة وتكرارها واستحضارها حتى تكون من الوضوح مثل اسمك تماماً, وإياك والثقة الزائدة.
4 ـ الاتزان وضبط النفس:
الاتزان يعني الطمأنينة والهدوء, وتجنب إحداث أي حركة في غير محلها.
وقد ذكرنا سابقاً أنه لا ينبغي العبث بملابسك لأنها تلفت الانتباه.
هناك سبب آخر وهو أن ذلك يمنح انطباعاً عن الضعف وقلة الثقة بالنفس.
5 ـ التواصل مع المخاطب, والتحدث بشكل مباشر:
يجب أن يشعر المستمع أن هناك رسالة موجهة من قلب الخطيب إلى قلبه.
إن الجمهور الحديث, سواء كان في اجتماع أو تحت خيمة, يريد من الخطيب أن يتحدث بشكل مباشر كما لو كان في جلسة سمر, وبالأسلوب العام الذي يستخدمه أثناء محادثة واحد منهم.
إذا كنت تخطب أمام الناس فإنك ستستحوذ على استحسانهم إذا كنت تخطب بأسلوب طبيعي لدرجة أن مستمعيك لن يحلموا أبداً بأنك تلقيت تدريباً على فن الخطابة.
إن مهمة تعليم أو تدريب الناس على الإلقاء ليست من المهام الصعبة الإضافية, بل إنها مسألة إزالة العوائق, وتحريرهم من القيود, واستدراجهم للتحدث بشكل طبيعي.
والطريقة الوحيدة لاكتساب هذه الطبيعة هي التدريب.
تدريب عملي:
إذا وجدت نفسك تتحدث بأسلوب متكلف, توقف وقل في نفسك:" ما الأمر؟ انتبه! كن طبيعياً ", يمكن أن تختار واحداً من المستمعين وتتخيل أنه سألك سؤالاً وأنت تجيب. تحدث إليه, وانس وجود سائر الحاضرين.
يمكنك الذهاب إلى أبعد من هذا, لتطرح أسئلة وتجيب عليها.
فمثلاً, في منتصف خطابك, تستطيع أن تقول: " لعلك أيها الأخ الكريم تتساءل عن سبب هذه المشكلة ؟ إن السبب بكل بساطة هو...." ثم تبدأ بالإجابة عن السؤال الخيالي.
يمكنك القيام بهذا الأسلوب بشكل طبيعي جداً. فهو يقطع الرتابة في الإلقاء, ويجعله أكثر مباشرة وتأثيراً.
6 ـ جودة النطق:
مخارج الحروف العربية متعددة معلومة, فعلى الخطيب أن يخرج كل حرف من مخرجه الصحيح, لكن مع مراعاة السلاسة والسهولة وعدم التكلف, فإن النفوس تنفر من التنطع والتشدق, وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((هلك المتنطعون )) ([4]).
7 ـ مجانبة اللحن:
ينبغي للخطيب أن يعتني عناية تامة باللغة العربية صرفاً ونحواً, فيتكلم بلغة عربية صحيحة فصيحة.
وإذا أعياه الأمر فليقرأ خطبتـه على من يصحح له عباراتها, ويضبط كلماتها.
8 ـ التمهل في الإلقاء:
الإلقاء السريع المتعجل يفقد المتابعة, كما أنه قد يشوه إخراج الحروف فيختلط بعضها ببعض وتتداخل المعاني وتلتبس العبارات, وقد يؤدي التعجل إلى إهمال الوقوف عند المقاطع ورعاية الفواصل.
وهذا التمهل الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقود إلى هدوء بارد, وتثاقل مميت.
9 ـ تمييز الكلمات الهامة بالمؤثرات اللفظية:
ولغتنا العربية مليئة بالمؤثرات والمحسنات اللفظية التي تضفي إلى الكلمة طابعاً مميزاً جذاباً. فيمكن للخطيب أن يؤكد الكلمات الهامة ويلفت انتباه السامع لها بالمبالغة في تمييزها بهذه المؤثرات.
أمثلة تطبيقية:
أ – التشديد: كقوله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحقّ}, وقوله: {وبسّت الجبال بسّاً}، وكقول الخطيب: الصّلاة, الرّحمة.
ب – الغنة: كقوله تعالى: { وأزلفت الجـنَّـة}, وقوله تعالى: {فلهم عذاب جهنـَّم}.
جـ – المد: كقوله تعالى {مأواهم النـار}, وقوله: {والأمر يومئذ لله}، وكقول الواعظ: تذكروا صور العذاب في النار.. من حر وسموم.. وزمهرير وزقوم.
وقد يجتمع أكثر من مؤثر لفظي في الكلمة الواحدة فيقوى تميزها. كقوله تعالى: {فإذا جاءت الطامَّة الكبرى}.
10 ـ تغيير نبرة الصوت:
من أسباب ضعف التأثير, وتطرق الملل والسآمة إلى السامعين, أن يتحدث الخطيب بطبقة رتيبة على وتيرة واحدة.
عندما تجد نفسك كذلك ابحث عن أي جملة مناسبة لتغير من خلالها نبرة صوتك بما يتوافق مع أسلوب الجملة.
ومما يساعدك في القيام بهذا التغيير أمران: 1ـ التوقف اليسير 2ـ التدريب.
11 ـ تغيير سرعة الكلام:
فالأفكار الرئيسية والجمل الهامة ينبغي أن يلاحظ في إلقائها التؤدة وعدم الاستعجال, تمكيناً لاستيعاب السامع لها, وتعزيزاً لأثرها في النفوس.
12 ـ التوقف قبل وبعد الأفكار المهمة:
الخطيب الناجح يعرف أين يتوقف أثناء خطبته. فإذا مر بفكرة عظيمة يرغب في ترسيخها في أذهان مستمعيه توجه إليهم, وأحدق بعيونهم مباشرة للحظة من دون أن يقول شيئاً.
هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة المفاجئة. وهو يجذب الانتباه, ويجعل كل إنسان منتبهاً ومتحفزاً لما سيتلو ذلك الصمت.
وكذا يقال في التوقف بعد كل جملة يراد توكيدها, فهو يضيف إلى قوتها قوة أخرى من خلال الصمت, وذلك أن المعنى يغوص في هذه الأثناء في النفس ويؤدي رسالته.
لكن يجب أن يكون التوقف بشكل طبيعي, ومن دون تكلف.
وقد قيل: " من خلال صمتك تتكلم " فالصمت ليس ذهبياً أكثر مما يستخدم عندما تتكلم. وهو أداة قوية ومهمة لا ينبغي إغفالها, ومع ذلك فهي مهملة من قبل الخطيب المبتدئ.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ((أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟)) قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: ((أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: ((أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَال:َ ((أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِه،ِ قَالَ: ((أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَال: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُم))([5]).
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)). قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)). قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.
قَال: ((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟)) قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا))، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: ((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟)) قَال:َ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ((أَنْ لا يُعَذِّبَهُم))([6]).
13 ـ ماذا يجب أن تفعل بيديك ؟
لا تفكر فيهما. فإذا انسدلتا بشكل طبيعي إلى جانبيك, يكون الأمر مثالياً.
لا تظن أبداً أن أحداً سينتبه لهما أو أن لديه أدنى اهتمام بهما, هذا بالإضافة إلى أنهما ستكونان متحررتين للقيام بحركات تلقائية عندما يستدعي الأمر ذلك.
14 ـ الحركات والإشارات:
للحركات والإشارات أثرها الهام في الخطابة, وهي نوعان:
1 ] حركات لا إرادية: فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه, وذو الحماس تنتفخ أوداجه وتحمر عيناه, ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط, ومنهم من يعلو صوته حماساً وتفاعلاً, ومنهم من يبكي رقة وخشوعاً.
2 ] حركات إرادية: تعكس الانفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة والتوضيح.
وينبغي أن تكون هذه الإشارات والحركات منضبطة بقدر معقول, وانفعال غير متكلف, ومتناسقة مع الشعور الحقيقي.
من الصعوبة إعطاء قواعد محددة في هذا الباب, لأنه يعتمد على مزاج الخطيب, وعلى تحضيره وحماسه وشخصيته وموضوعه, وعلى الجمهور والمناسبة.
وإذا استخدمت الإيماءات والإشارات بمهارة, وبلا تكلف, وكانت ملائمة لمعاني الكلمات المصاحبة لها فإنه من الممكن أن تكون يدا الخطيب أداة عجيبة لإيصال الأفكار وتحريك المشاعر.
أمثلة تطبيقية :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ)) وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: ((أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّد،ٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ))... الحديث. ([7])
وفي رواية: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلا صَوْتُهُ:... ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
• عَنْ حُصَيْن بن عبد الرحمن أن عُمَارَةَ بْنَ رُؤَيْبَةَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ. ([8])
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمْ الصَّلاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" ثَلاثًا.([9])
عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قرأ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ([10])([11]).
15 ـ الاتصال البصري:
لا بد من توزيع النظر على الجمهور. فعيناك هما الحبل الذي يربطك بهم, يعرفون من خلاله مدى اهتمامك بهم, وتعرف أنت من خلاله مدى اهتمامهم بما تقول.
وهذا يزيد ثقتك بنفسك ويخلصك من الارتباك والتوتر, كما أنه يفيدك في معرفة ردود فعل المستمعين وانطباعاتهم لتجري على موضوعك أو طريقة إلقائه التعديل المناسب.
16ـ ما هو دور الابتسامة المشرقة ؟
الابتسامة من أبرز مظاهر الشخصية، فهي تكسب الثقة في الحال, وتُظهر حسن نية المرء بسرعة.
تقول حكمة صينية: " من لا يستطيع الابتسام يجب أن لا يفتح متجراً " فالابتسامة المرحبة مطلوبة أمام الجمهور كما هي مطلوبة وراء الآلة الحاسبة في المتجر.
هناك خطباء يتقدمون بأسلوب بارد متكلف وكأن عليهم القيام بمهمة مزعجة, فيحمدون الله عند انتهائهم. ونحن أيضاً كمستمعين نشعر بمثل ذلك, لأن هذه الأساليب تنتقل بالعدوى.
17ـ ما هو تأثير الملابس على الخطيب والمستمع ؟
في أحد البحوث أجمع كل الأفراد أنهم عندما يكونون بمظهر لائق وأنيق يشعرون بتأثير ذلك في منحهم الثقة بالنفس والرفع من تقديرهم الذاتي.
هذا هو تأثير الملابس على من يرتديها, فما هو تأثيرها على الجمهور ؟
لا شك أن لها أثراً عليه، فإذا كان الخطيب لا يعتني بملبسه, فإن الجمهور يُكنّ احتراماً ضئيلاً لهذا الإنسان مثلما يفعل هو لمظهره.
وإذا اعتاد الناس في مجتمع ما على لبس الخطيب أو الداعية لباساً معيناً ( كالعباءة مثلاً في مجتمعنا السعودي ) فليعتن الخطيب بهذا الجانب مراعاةً لعرف المخاطبين وقبولهم, وتعزيزاً لأثر خطبته في نفوسهم.
18 ـ اجمع جمهورك:
الحقيقة أن الجمهور لا يشعر بالإثارة عندما يكون متفرقاً. وما من شيء يقضي على الحماس كالفراغات الواسعة والكراسي الفارغة بين المستمعين.
اجمع جمهورك فإنك تستطيع إثارته بنصف الجهد. إن الإنسان وسط جمهور ضخم يفقد فرديته حيث يصبح فرداً من الجمهور, ويحُرَّك بسهولة أكثر مما يكون فرداً واحداً. وسيتفاعل ويضحك للأشياء التي لا تكاد تثيره حين يكون بين مجموعة صغيرة من المستمعين.
إذا كنت ستتحدث إلى مجموعة صغيرة, يجب أن تختار غرفة صغيرة. وإذا كان المستمعون متفرقين اطلب منهم التجمع في المقاعد الأمامية قربك. أصرّ على ذلك قبل أن تبدأ الكلام.
لا تقف أمام المنبر إلا عندما يكون الجمهور ضخماً, وهناك سبب يدعوك لذلك.
أقم روابط حميمة, واجعل خطابك كالحديث. وأبق الجو منعشاً.
19 ـ أرنا وجهك, واهتم بالإضاءة:
الناس يهتمون برؤية الخطيب, لأن التغيرات التي تطرأ على تعابير وجهه هي جزء حقيقي من عملية التعبير عن الذات. وهي تعني في بعض الأحيان شيئاً أكثر مما تعنيه الكلمات.
أما الإضاءة, فالخطيب العادي ليس لديه أدنى فكرة عن أهمية الإضاءة المناسبة.
دع الضوء يغمر وجهك. إذا وقفت تحت الضوء مباشرة ربما يكسو الظل وجهك, وإذا وقفت أمام الضوء مباشرة من المؤكد أن لا يبدو وجهك واضحاً. أليس من الحكمة إذن أن تختار قبل أن تنهض للخطاب البقعة التي تمنحك أفضل إنارة ؟
وأما الأثاث, فالترتيب المثالي هو التخلي عن الأثاث. فلا شيء يلفت الانتباه وراء الخطيب, أو على جانبيه, لا شيء سوى ستارة من القماش.
20 ـ القضاء على قواطع الانتباه:
لا يستطيع الجمهور أن يقاوم إغراء التطلع إلى الأشياء المتحركة أو الملفتة للانتباه. إذا علم الخطيب هذه الحقيقة, فإن عليه أن يقوم بالآتي:
أولاً: الابتعاد عن العبث بملابسه والقيام بحركات عصبية تحط من قدره.
ثانياً: يجب أن يتدبر الخطيب أمر جلوس الجمهور إذا أمكنه ذلك, لكي لا يجذب انتباههم دخول المتأخرين.
ثالثاً: يجب ألا يلتقي الضيوف على المنبر.
21ـ طريقة مبتكرة:
يستخدم بعض الخطباء المعاصرين رموزاً لأساليب ومهارات الإلقاء والتوقف يقوم بتدوينها بين جمل الخطبة, أو بإزائها في الهامش, وذلك أثناء التدرب المسبق على الخطاب, أو يدوّنها على ملاحظاته إذا استخدم طريقة الملاحظات المساعدة التي سبق ذكرها. كما يمكن الاستعانة بالألوان بدلاً عن الرموز الخطية.
أمثلة تطبيقية :
(.. ): وقوف ( ! ) أسلوب تعجب
(...): وقوف طويل ( ؟ ): أسلوب استفهام
( رفع ): رفع مستوى الصوت ( ترتيل ): ترتيل الآية
( خفض ): خفض مستوى الصوت ( إشارة ): إشارة أو حركة إرادية مناسبة
• هذه مجرد أمثلة ولكل خطيب أن يستخدم ما يناسبه من الرموز.
مهارات تحسين الذاكرة:
من مقومات الخطيب الناجح قوة ذاكرته, وجودة استحضاره عناصر خطبته.
فما هي قوانين التذكر التي يمكن أن نطور من خلالها ذاكرتنا ؟
يقول علماء النفس: إن الرجل العادي لا يستخدم أكثر من عشرة بالمائة من طاقة الذاكرة الفعلية لديه. فهو يهدر التسعين بالمائة الأخرى بسبب انتهاكه قوانين التذكر الطبيعية.
هل أنت واحد من هؤلاء ؟ إن كنت كذلك فأنت مصاب بعاهة اجتماعية سائدة.
إن " قوانين التذكر الطبيعة " بسيطة جداً, وهي ثلاثة فقط, وكل ما يسمى بــ" جهاز الذاكرة " يقوم على هذه القوانين :
1ـ الانطباع 2ـ التكرار 3 ـ ترابط الأفكار
1 ـ الانطباع:
إن أول قانون للذاكرة هو: الحصول على انطباع عميق وسريع وراسخ عن الشيء الذي ترغب في تذكره, ومن أجل القيام بذلك, يجب أن تركز تفكيرك.
إن خمس دقائق من التركيز الشديد تسفر عن نتائج عظيمة أكثر من قضاء عدة أيام في التأمل.
قدّم اثنين أو ثلاثة من أصدقائك إلى إنسان عادي هناك فرصة في أن ينسى اسم واحد منهم بعد دقيقتين. لماذا ؟ لأنه لم يبد اهتماماً كافياً بهم, ومن المحتمل أن يخبرك أن لديه ذاكرة ضعيفة. كلا, بل لديه قوة ملاحظة ضعيفة.
يقول أحد الكتاب: كنت أستظهر المحاضرات غيباً في كل ليلة, وكان علي في كل ليلة أن أستعين بصفحة من الملاحظات كي لا أرتبك، وكانت الملاحظات تتألف من بدايات الجمل من المحاضرة. هذه الملاحظات كانت تحميني من نسيان فكرة ما, لكنها كانت تبدو متشابهة في الصفحة, ولم تشكل أية صورة. كنت أتصورها في قلبي, إلا أنني لم أستطع أن أتذكر بالتأكيد تتابعها, لذلك كان علي الاحتفاظ بهذه الملاحظات بالقرب مني والنظر إليها من حين لآخر, وحالما أفقدها, لا يمكنك أن تتخيل أهوال تلك الليلة.
ثم اكتشفت وسيلة أخرى للحماية, فحفظت أول الأحرف غيباً بالتتابع.
بعد ذلك خطرت لي فكرة الصور ! فتلاشت مشكلاتي. وخلال دقيقتين, رسمت بقلمي ست صور قامت بعمل الجمل الرئيسية تماماًَ, ثم ألقيت بالصور حالما رسمتها, لأنني تأكدت أن باستطاعتي إغلاق عيني ومشاهدتها في أي وقت.
2ـ التكرار:
باستطاعتك أن تتذكر كمية لا متناهية من المعلومات إذا كررتها جيداً. أعد المعلومات التي تريد أن تتذكرها. استخدم الكلمة الجديدة في محادثتك, وادع الغريب باسمه إذا أردت أن تتذكره, فإن المعرفة التي تستخدم ترسخ في الذهن.
ما هو التكرار الذكي ؟
الإنسان الذي يكرر مراراً في جلسة واحدة يستخدم ضعف الوقت والطاقة الضروريين لتحقيق النتائج ذاتها عندما تجرى عملية التكرار في فترات منفصلة.
وغرابة الذهن هذه ـ إذا أمكننا تسميتها كذلك ـ يمكن تعليلها بعاملين اثنين:
أولاً: خلال فترة الفراغ بين تكرار المادة, ينشغل العقل الباطن بتوثيق ترابط الأفكار, كما قيل: نحن نتعلم السباحة خلال الشتاء.
ثانياً: إن الذهن باستخدام فترات الفراغ لا يشعر بالإرهاق الناتج عن التطبيق المتتابع.
وهنا اكتشاف مفيد جداً عن الطريقة التي بها ننسى. فقد أظهرت التجارب النفسية مراراً أن المادة الجديدة التي نتعلمها ننساها خلال الساعات الثمان الأولى أكثر مما ننساها خلال الثلاثين يوماً التالية. إنها نسبة مذهلة !
والحل هو المراجعة والتكرار المنظم.
ولهذا قال بعض السلف: السبق حرف, والتكرار ألف.
3ـ ترابط الأفكار:
وهو المادة الضرورية للتذكر. وفي الحقيقة, إنه تفسير للذاكرة نفسها.
إن سر الذاكرة الجيدة هو تكوين عدة أفكار مترابطة ومتعاكسة لدى كل حقيقة ترغب في الحصول عليها. ويتم ذلك بإيجاد معناها والتفكير الدائب بها عبر عدة أسئلة: لماذا ؟ كيف ؟ متى ؟ أين ؟ من قال ذلك ؟...إلخ
كيف تتذكر عناصر خطبتك ؟
هناك طريقتان تستطيع من خلالهما أن تتذكر عناصر الخطبة:-
أولاً: بواسطة دافع خارجي: كالملاحظات, مع أن الأولى بالخطيب تجنب استخدامها إذا أمكنه ذلك.
ثانياً: بربط الشيء بشيء موجود في الذهن مسبقاً, وذلك بتسلسل منطقي.
ماذا تفعل إذا نسيت النقطة التالية ؟:
يلجأ بعضهم إلى افتعال موقف معين كالتأكد من وضوح الصوت أو شرب الماء, وخلال هذا التوقف الضئيل يلتقط الفكرة ويتابع.
لكن أفضل منقذ في مثل هذا المأزق الذهني هو: استخدام آخر كلمة أو عبارة في الجملة الأخيرة لتوليد تعليق مناسب أو جمل جديدة فيما يجري تذكر النقطة التالية أثناء إلقاء هذه الجمل.
________________________________________
([1]) رواه مسلم ( 1763 ).
([2]) رواه ابن ماجه ( 1354) وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه.
([3]) رواه البخاري ( 5756 ) ومسلم ( 2224 ) عن أنس t .
([4]) رواه مسلم ( 267. ) عن ابن مسعود
([5]) البخاري ( 1741 ) ومسلم ( 1679 )
([6]) رواه البخاري ( 2856 ) ومسلم ( 30)
([7]) رواه مسلم ( 867 )
([8]) رواه مسلم ( 874 )
([9]) رواه البخاري ( 749 )
([10]) رواه أبو داود ( 4728 ) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: صحيح الإسناد.
([11]) قال أبوداود في السنن / 668: " قال ابن يونس: قال المقرئ: يعني أن الله سميع بصير, يعني أن لله سمعاً وبصراً.
قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية
مهمة الخطيب شاقة ولا ريب، مشقةً تُحتِّم عليه أن يستعد الاستعداد الكافي في صواب الفكر وحسن التعبير وطلاقة اللسان وجودة الإلقاء.
إن الخطيب بلسانه ورِقَّة جنانه وتجرُّده يقتلع جذور الشر من نفس المجرم ويبعث في نفسه خشية الله، وحب الحق، وقبول العدل، ومعاونة الناس. إن عمله إصلاح الضمائر، وإيقاظ العواطف النبيلة في نفوس الأمة، وبناء الضمائر الحية، وتربية النفوس العالية في عمل خالص وجهد متجرد، يرجو ثواب الله ويروم نفع الناس.
أثر الخطابة:
لا يكاد ينجح صاحب فكرة، أو ينتصر ذو حق، أو يفوز داعية إصلاح، إلا بالكلمة البليغة، والحجة الظاهرة، والخطبة الباهرة.
وثمة جانب في التأثير آخر ينبغي مراعاته، وهو أن تأثير الخطيب في سامعيه ليس بالإلزام أو الإفحام، بل مرده إلى إثارة العاطفة، وحملهم على الإذعان والتسليم، ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية تساق جافة، ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية، ولكنه بإثارة العاطفة ومخاطبة الوجدان.
عناصر بناء الخطبة:
على الخطيب أن يعلم أنه كالخائض غمار معركة، عليه أن يتدرع بدروعها، ويتترس بتروسها، ويلبس لها لأمتها، ولا يكون ذلك إلا بالاستعداد والتهيؤ، وأخذ العدة لكل موقف.
ومن المعلوم أن الخطبة وسائر الأعمال العلمية والأدبية تحتاج إلى أسس ثلاثة:
1ـ قلب مفكر 2ـ بيان مصور 3ـ لسان معبر
فالأول يكون به إيجاد الموضوع وابتكاره وتوليده، وبالثاني تنسيقه وترتيبه ورصه، وبالثالث عرضه والتعبير عنه.
1 - القلب المفكر (الإيجاد والابتكار):
وقد يعبر عنه باختيار الموضوع. من المعلوم أن بواعث الاختيار متعددة، والخطيب كلما كان صادقاً في قصده، مهتماً بجمهوره وسامعيه، جاداً في طرحه، فسوف يحسن الاختيار، ويقدح زناد فكره بجدية نحو الابتكار، يضاف إلى ذلك الظروف المحيطة، والأحوال المستجدة، والأغراض الباعثة، التي تستدعي الحديث عن بعض الوقائع.
2 - البيان المصور ( التنسيق والبيان ):
لا يخفى أن طريق البيان المصور هو الأسلوب.
للأسلوب سلطان لا يضعفه العقل، وأثر لا يمحوه الدليل. الأسلوب ألفاظ وجمل ينطق بها المتكلم ويتحدث بها الخطيب، لا تكاد تخرج من فيه حتى تعلو الهيبة وجوه السامعين، وتمتد الأعناق له احتراماً.
3 - اللسان المعبر (الإلقاء):
ويقصد به: الإلقاء وحسن الإجادة فيه.
ويمكن أن نجمل هذه العناصر الثلاثة في مرحلتين:
المرحلة الأولى: إعداد الخطبة.
المرحلة الثانية: إلقاء الخطبة.
فلنتحدث بمزيد من التفصيل عن هاتين المرحلتين:
المرحـلة الأولـــى
إعـداد الخطبة
لا يوجد رجل عاقل يبدأ ببناء بيت من دون وضع خطة له، لكن لماذا يبدأ بإلقاء خطبته من دون أي نوع من الاستعداد أو التخطيط ؟
الخطبة رسالة موجهة ورحلة ذات هدف. والإنسان الذي يبدأ في مكان غير محدد، ينتهي عادة في المكان ذاته.
إن أي قصور في هذه المرحلة سيكون له تبعاته وآثاره السيئة على مستوى الخطبة، وعلى قدرات الخطيب.
وليعلم الخطيب المبتدئ أنه لا يمكنه أن يتغلب على الخوف والتوتر العصبي حين يخوض المعركة بعدة ضعيفة أو بلا عدة على الإطلاق.
خطوات تحضير الخطبة:
ما هو التحضير؟ هل هو قراءة كتاب ؟ هذا نوع واحد منه، لكن ليس بالنوع الأفضل.
فالقراءة ربما تساعد لكن إذا حاول الخطيب أن يأخذ الكثير من الأفكار الجاهزة من كتاب ويوردها كما هي، فستأتي خطبته هزيلة وناقصة.
التحضير الجيد يمكن أن يمر بعدة خطوات متوالية:
تحديد موضوع الخطبة:
حدد موضوعك مسبقاً، حتى يتسنى لك الوقت للتفكير فيه طيلة أيام التحضير.
بعض الخطباء يقترف خطأً كبيراً باختيار المواضيع التي تهمه وإهمال المواضيع التي تهم المستمعين. لذلك ادرس جمهورك، وفكر باحتياجاته ورغباته.
التفكير الصحيح:
التفكير والاستنتاج والتذكر من أهم مقومات التحضير الجيد. وبالتالي فهو يحتاج إلى التركيز وإعمال الذهن.
إذا حددت موضوع خطبتك اكتب جميع الأفكار المتعلقة بالمادة التي تخطر ببالك، ودع عقلك يبحث عن المزيد منها، تلك هي الطريقة التي من خلالها يتدرب العقل على الإنتاج وبها تبقى عملياتك الذهنية نشطة وبناءة.
فكر بالموضوع مراراً، ناقشه مع أصدقائك واجعله موضوع حديثك، اسأل نفسك جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به. فإذا كنت تتحدث مثلاً عن الطلاق، اسأل نفسك ما هي أسباب الطلاق وما هي نتائجه الاقتصادية والاجتماعية.
وينبغي أن يكون التفكير في جو هادئ بحيث لا يحول بينك وبين حديث النفس ومراجعة العقل أي حائل، كما ينبغي أن تكون عند التفكير والإلقاء فارغاً من الشواغل النفسية، مقللاً من الطعام والشراب حتى لا تذهب بِطنتك بفِطنتك، وتكون نشيطاً خفيف الروح حاضر الذهن سريع البديهة.
الجمع والانتقاء:
على الخطيب أن يجيد التعامل مع المراجع المتعلقة بموضوعه، يأخذ منها الأدلة التي تقوي حجته، ويقتبس منها الشواهد والملح التي تثري خطبته.
أمام الخطيب سيل جارف من المعلومات، فما الذي يختاره منها ليقدمه إلى مستمعيه ؟
من العيوب التي يقع فيها بعض الخطباء أنهم ينقلون المعلومات لمجرد النقل بعيداً عن النظر والانتقاء، بل ربما نقل بعضهم الخطبة بكاملها قبيل وقت إلقائها، فأنـى لهذا أن يكون ملماً بموضوعه، فضلاً عن أن يكون مؤثراً في خطابه.
إن الجمع والانتقاء الذكي يقوم على أمرين:
أ ـ روح الوفرة ( العمق والشمولية ):
العمق والشمولية في جمع المعلومات له عدة فوائد منها:
1ـ التأكد من صحة المعلومات الواردة في الخطبة.
2ـ انتقاء أفضل المعلومات وأنسبها لتحقيق الهدف من الخطبة.
3ـ اكتساب الخطيب قوة مؤثرة في إلقاء الخطبة بسبب إلمامه الوافر وقناعته بما يعرضه على الناس.
ب ـ حسن التميز:
وذلك باختيار أنسب المعلومات، وصياغتها بأرقى العبارات، ثم دمجها في وحدة فنية متجانسة.
كما قال أحد الباحثين: " أنتجت مليون عينة نباتية لأجد واحدة أو اثنتين منها أفضل من سائر العينات، وبعد ذلك أتلفت جميع العينات الرديئة ".
صياغة الخطبة:
تبنى الخطبة عادة على ثلاثة أجزاء:
أولاً: المقدمة.
ثانيا: الموضوع.
ثالثًا: الخاتمة.
عناصر متداخلة متناسقة، يبلغ الترابط بينها جودته حسب مقدرة الخطيب وغزارة علمه وخبرته. وقد لا يلزم مراعاة هذه الأجزاء في كل خطبة، لكن الخطب الطويلة كخطبة الجمعة غالباً ما تبنى على هذه العناصر.
أولاً: المقدمة:
ينبغي أن يهتم الخطيب بمقدمته وافتتاحيته، فيأتي بعبارات الاستهلال التي توحي للسامع بمقصود الخطبة، مما يشد الانتباه ويهيئ النفوس، وقد يكون ذلك بآيات قرآنية زاجرة أو مرغبة أو بعض الحكم البليغة.
وإن الناظر في افتتاحيات السور في القرآن الكريم يدرك ما تثيره في النفس من الإجلال والشوق والرغبة في المتابعة.
ومعروف عند المتقدمين من السلف ـ رحمهم الله ـ أن ما لا يبتدأ بالحمد فهو الأجذم الأبتر، وما لم يزين بالصلاة على رسول الله r فهو المشوه.
كيف تفتتح الخطبة؟
من المهم أن تفتتح بمقدمة مثيرة، وبشيء يأسر الانتباه في الحال.
وإذا أردت أن تستخدم مقدمة يجب أن تكون قصيرة كلائحة الإعلان. لأن ذلك يتطابق مع مزاج المستمع للحديث الذي لسان حاله يقول: أعطنا ما عندك بسرعة واجلس.
ومن الخطأ الذي يقترفه الخطيب المبتدئ الاعتذار في مقدمته بكونه ليس بخطيب، أو أنه ليس لديه ما يقوله، فهذا الأمر يضعف تفاعل الجمهور معه.
لا تفعل ذلك أبداً، بل ابدأ بشيء مثير منذ الجملة الأولى، وليس الثانية أو الثالثة.
مقترحات للافتتاحية:
1. إثارة الانتباه:
أَثِرْ انتباه جمهورك منذ أول جملة، فإنك بهذا تحوز على اهتمامهم ومتابعتهم.
إن الجملة الابتدائية تثير الفضول، وتمضي بنا قدماً، فنرغب في متابعة الاستماع إلى الخطيب، فإنه بذلك يشوقنا.
والناس مجبولون على حب الاستطلاع، ومعرفة ما أخفي عنهم. ولذا فإن فن الإضمار يعتبر من أهم وسائل إثارة فضولهم وانتباههم.
مثال تطبيقي:
تأمل في أسلوب الإضمار الذي اعتمد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة، ومدى تأثيره في المخاطبين.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ((عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ)). فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ. ([1])
2. قصة مثيرة.
إنها بداية مثيرة جداً، فالنفوس تحب الاستماع إلى القصص والروايات ومتابعة أحداثها أكثر من الكلام النظري المجرد.
3. سؤال يحرك الأذهان .
من الافتتاحيات المميزة أن يبدأ الخطيب بطرح سؤال لاستدراج الجمهور إلى التفكير، والتعاون معه.
إن استخدام هذا السؤال الافتتاحي هو واحد من أبسط وأضمن الطرق لفتح أذهان جمهورك والدخول إليها.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟)) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)) قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)).([2])
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
4. ضرب الأمثال:
يصعب على المستمع العادي أن يتتبع العبارات المجردة طويلاً. لكن من السهل عليه الاستماع إلى الأمثلة. لماذا إذن لا تبدأ بواحد منها ؟ افتتح بمثل، أثر الاهتمام، ثم تابع تقديم ملاحظاتك العامة.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟)) قَالُوا: لا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَال:َ ((فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)).([4])
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة)).([5])
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِه))ِ. ([6])
5. الاستعراض
من الطرق السهلة لجذب الانتباه استعراض شيء يتطلع إليه المخاطبون.
مثال تطبيقي:
عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرِيرًا بِشِمَالِهِ وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ: ((إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لإِنَاثِهِمْ))([7]).
6. ربط الموضوع بمصالح المستمعين، أو واقعهم الملموس
ابدأ ببعض الملاحظات التي تعالج مباشرة مصالح جمهورك الشخصية. فهذه من أفضل الوسائل الممكنة للبدء بالخطبة. ومن المؤكد أن تستحوذ على الانتباه. فنحن نهتم جداً بالأشياء التي تمسنا أو تمس واقعنا الذي نعيشه.
أمثلة تطبيقية:
قال تعالى: } الم % غلبت الروم { الآيات إلى قوله } ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم {.
مدخل إلى الحديث عن الإيمان: (السعادة مطلب كل إنسان فأيّنا لا يحب أن يكون سعيداً، و الأمن من أهم مقومات الحياة فمن منا تستقر حياته بلا أمن.
إن السعادة والأمن ثمرتان من ثمار الإيمان، فبالإيمان يسعد الإنسان ويتحقق الأمان ....... الخ ).
7. قوة الانتباه الناتجة عن الحقائق الباهرة:
إن الحقائق الباهرة عبارة عن سلسلة من الصدمات، فهي توقظنا من أحلام اليقظة وتسلب انتباهنا.
هذه الحقائق يمكن أن يعرضها الخطيب بأرقام معبرة، أو أوصاف ساحرة.
أما الأرقام المعبرة فإن لغة الأرقام من أقوى اللغات، فالرقم الواحد قد يحدث أثراً في النفوس لا تحدثه آلاف الكلمات.
وأما الأوصاف الساحرة فإنها تشد انتباهنا شدًّا أقوى من المعلومات المجردة.
أمثلة تطبيقية: (أرقام معبرة)
1 ـ افتتاحية عن الالتزام بالحجاب الشرعي: ( تقول إحدى الدراسات الميدانية المنشورة بمجلة الدعوة أن 86 % من النساء اللواتي يلبسن العباءة على الكتف يتعرضن للمعاكسة ).
2ـ افتتاحية عن التدخين: ( خلال عشر سنوات يبلغ طول السجائر التي يدخنها المدخن العادي الذي يدخن عشرين سيجارة فقط يومياً: خمسة كيلو مترات وأربعين متراً، كل هذه الأمتار تصب في بدنه سموماً قاتلة ).
3ـ افتتاحية عن تربية الأبناء على الصلاة
مثال تطبيقي: (أوصاف ساحرة)
افتتاحية عن مأساة شعب مسلم: آلاف من البشر يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.. أجسادهم عارية، وبطونهم خاوية.. قتل رجالهم، واستبيحت نساؤهم، ويتم أطفالهم.. فهذا رجل قد ربّى أولاده سنوات طويلة يعود إلى بيته وإذا به قد دمّر على رؤوس أولاده فلا يرى إلا جثثاً هامدة. وهذه فتاة قد دنست عفتها تشكو إلى الله ظلم المعتدين، وهذه طفلة بريئة تخرج من بين الأنقاض وقد فقدت أبويها وإخوتها.. تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، لا تدري إلى أين تذهب.
إنهم إخوانكم المسلمون المضطهدون في...........
8. موجز الخطبة (الإجمال قبل التفصيل)
من المقدمات الناجحة أن يقدم الخطيب لمستمعيه عرضاً مجملاً لعناصر الخطبة، ثم يشرع في تفاصيل الخطبة. إن هذه المقدمة ستكون مفتاحاً لأذهان المستمعين، ومعيناً لهم على فهم الخطبة ومتابعة أجزائها.
أمثلة تطبيقية:
قال تعالى: } يوم تبيض وجوه وتسود وجوه % فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون % وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون{
خطبة عن انحراف الناشئة.
يبدأ بعرض مجمل لعناصر الخطبة وهي: ( نعمة الأولاد، مسؤولية الوالدين عن تربية أولادهم، من مظاهر انحراف الأولاد، أسباب الانحراف، العلاج )
ثم يشرع في تفصيل الخطبة.
ثانيًا: الموضوع:
وهو مقصود الخطبة الأعظم.
وقد يكون من المناسب التصريح به في مبتدأ الخطبة لا سيما إذا كان من قضايا الساعة التي يخوض فيها المجتمع ويتطلع إلى كلامٍ شافٍ فيها.
وقد لا يحسن التصريح به، إما لأنه شائك، أو يوجب انقسام الناس، وفي هذه الحالة ينبغي أن يدخل عليه الخطيب دخولاً متدرجاً، ويتناوله تناولاً غير مباشر، ليأخذ السامعين بتسلسل منطقي فيصل إلى مبتغاه باعتدال.
وموضوع الخطبة عادة ما يبنى على ركنين أساسيين هما:
1. العرض والإيضاح.
2. الاستدلال.
أما العرض والإيضاح: فبذكر الصفات والخواص والمزايا لذات الموضوع، وقد يكون بالاستعارات والتشبيهات وضرب الأمثال، والإجمال ثم التفصيل، وبالصلة والتضاد والتقابل.
وأما الاستدلال: فغالباً يحتاج الموضوع إلى ما يدعمه بالأدلة والحجج والبراهين والشواهد، وهي عادة ما تكون من الكتاب والسنة وأقوال السلف، وإيراد بعض الوقائع والأحداث من باب القياس والاعتبار.
وإذا كان موضوع الخطبة في الإصلاح والتوجيه فعلى الخطيب أن يعلم أنه كالطبيب، فعليه قبل وصف الدواء تشخيص الداء فيتعرف على العلل والأمراض الشائعة، ويشخص الداء ويعرف الأعراض، فإذا استبان له ذلك رجع إلى الكتاب والسنة فوضع الدواء، وكلما دقق التشخيص سهل العلاج.
أمثلة تطبيقية:
يمكن أن يعمد الخطيب إلى المنكرات الفاشية ولا سيما ما كان منها قريب العهد، وحديثه على ألسنة الناس أو ذائعاً في الصحف. ثم يقدم من هذه الوقائع أكبرها ضرراً وأسوأها أثراً، فيجعله محور خطبته وموضوع عظته، ثم يفكر فيما ينشأ عن هذا الحادث أو المنكر من الأضرار الخلقية والاجتماعية والصحية والمالية، ويحصي هذه المضار في نفسه أو بقلمه ثم يستحضر ما جاء فيه من الآيات والأحاديث الصحيحة وآثار السلف، ثم يأخذ في كتابة الموضوع.
إذا أراد الحض على عمل صالح أو مشروع نافع أو الحث على خلق فاضل، فليفكر في مزاياه وآثاره الحسنة تفكيراً عميقاً، وليستحضر ما يناسبه من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح، ثم يسلك في الكتابة.
ما الهدف من الخطبة؟
الخطبة رسالة موجهة لها هدف محدد. فعلى الخطيب أن يحدد هدفه من الخطبة، ويُبدئ فيه ويعيد عرضاً وتكراراً عبر أجزاء الخطبة، ويسعى إلى تحقيقه.
وأهداف الخطب كثيرة ومتنوعة، منها: إيضاح أمر غامض، أو تصحيح مفهوم خاطئ، أو حث على فعل معروف، أو ترك منكر، أو إقناع بفكرة معينة.
وحدة الموضوع:
غالباً ما يفشل الخطاب لأن الخطيب يبدو وكأنه يسعى لإنشاء سجل العالم خلال وقت محدد. فيقفز من نقطة لأخرى بسرعة فيخرج المستمع بلا شيء عن كل شيء.
ولهذا ينبغي أن يقتصر الخطيب على موضوع واحد يستوفي عناصره، ويحبـِّر كلماته، ويستوعب معالجته، لأن تشعب المواضيع وتعدد القضايا في المقام الواحد يُشتّت الأذهان، ويُنسي بعضها بعضاً.
اختيار الألفاظ :
ينبغي أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها فلا تتقارب مخارجها ولا تتباعد، كما ينبغي أن تكون ذات جرس خاص يهز النفس ويثير الشعور، وتكون الجمل ذات مقاطع قصيرة كل جملة في معناها.
أما عبارات الخطبة فينبغي أن تتسم بالوضوح والبيان، لتكون سهلة الإدراك من السامعين.
وعندما يتحدث الخطيب عن موضوع غريب عن مستمعيه فلا يظن أنه سيثير اهتمامهم بمجموعة من العموميات والألفاظ الطنانة الرنانة ؟
هذا غير ممكن لأنه يجب أن يثير اهتمامهم أولاً، والمتابعة ثانياً، والفهم وهو المقصود أخيراً.
إن من البيان سحراً، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِه، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا))([8])
هل المراد بهذا الحديث المدح أو الذم ؟
نقل الإمام النووي عن القاضي الخلاف في هذا الحديث، ثم ذكر أن الصحيح المختار أن المراد به المدح لأن الله امتن على عباده بتعليمهم البيان، وشبهه بالسحر لأنه يصرف القلوب ويميلها إليه.([9])
إن من أهم خصائص الأسلوب الخطابي عنصر الشعور والوجدان والإثارة والتشويق الذي يسحر القلوب ويأخذ بالألباب، فعلى الخطيب أن يعتني بالأساليب البلاغية ويختار لكل عبارة قالبها المناسب.
وإذا أراد السجع فليختر منه ما ليس بمتكلف، قصير الفقرات، سهل المأخذ، يخف على السمع، ويحرك المشاعر بحسن جرسه.
ويرتبط بالسجع رعاية المقاطع والفواصل، واختيار الجمل القصيرة، نظراً لأثرها على المستمع عند الوقوف على آخرها.
تجنب المصطلحات العلمية الدقيقة:
إذا كنت من ذوي الاختصاصات العلمية - عالماً أو طبيباً أو مهندساً ـ فضاعف حذرك حين تتحدث إلى الآخرين، وعبر بألفاظ واضحة مقدماً التفاصيل الضرورية.
إنه لعمل جيد أن تختار إنساناً يبدو الأقل ذكاء من بين الجمهور وتحاول أن تثير اهتمامه بنقاشك، وهذا لا يمكن فعله إلا من خلال العبارة السهلة والأسلوب الواضح.
مراعاة السامعين:
ينبغي للخطيب أن يراعي حال التأدية استعداد السامعين، فينزل في العبارة مع العامة على قدر عقولهم متجنباً الألفاظ اللغوية البعيدة عن مداركهم ويتوسط مع الأوساط، ويتأنق مع الخاصة، فيكون مع جميع الطبقات حكيماً يضع الأشياء في مواضعها، وفي كل حال يتجافى في كلامه عن كل زخرف باطل.
وعليه أن يستعين بالشواهد من الحكم النثرية والشعرية، والملح التاريخية في إيصال رسالته إلى أذهان السامعين وإنفاذها في قلوبهم ودفع السآمة والملل عنهم.
أسلوب الوصف التصويري في عرض القصص أو الحوادث:
هذه مسألة هامة. وهي في الحقيقة جانب من جوانب البلاغة في لغتنا العربية، وسر من أسرار الخطابة المؤثرة.
ويكمن هذا السر في التعبير بالفعل المضارع في عرض المشاهد والأحداث عوضاً عن الفعل الماضي.
إن الغرض البلاغي من تصوير المشهد بهذا الأسلوب هو أن يستحضر المخاطب صورته في ذهنه، كأنها ماثلة أمامه، ويشعر أنه يعيش في أجوائه، فيستولي الخطاب على قلبه، ويحرك مشاعره.
أمثلة تطبيقية:
تأمل قول الله تعالى على لسان إبراهيم u وهو يقص رؤياه على ابنه إسماعيل u وكأنها رأي العين } قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} الآية.
وقال عز وجل في تصوير مشهد الأرض وهي تخضرّ بنزول الماء من السماء } ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرة { الآية.
قارن بين هذين الأسلوبين:
( في أحد أيام السنة الثالثة والعشرين من الهجرة خرج عمر بن الخطاب إلى المسجد في صلاة الفجر، وكان إذا أقيمت الصلاة سوى الصفوف بقوله استووا، فلما كبر هجم عليه الشقي أبو لؤلؤة المجوسي فطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدين ).
(المكان:مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.. الزمان: اليوم الأخير من خلافة الفاروق t.
يخرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من بيته ليصلي بالناس صلاة الفجر.. يدخل الفاروق المسجد.. تقام الصلاة.. يتقدم عمر ويسوي الصفوف بقوله: استووا.. استووا.. يرفع يديه ويكبر.. فإذا بالشقي أبو لؤلؤة المجوسي يهجم عليه فيطعنه عدة طعنات بسكين ذات حدين ).
المقارنة بين الواقع والمأمول:
في نقد الأخطاء، وتقويم السلوكيات قد يسأم الناس إذا اقتصر الناقد على الأفكار النظرية فقط.
لكن قلما يفشل في جذب انتباههم والتأثير في نفوسهم إذا عرض بعض المشاهد من أحوالهم الملموسة، وقارن بين هذه المشاهد ومشاهد من الأحوال الصحيحة المأمولة.
إن أكثر الأشياء إثارة لاهتمامنا هي أحوالنا التي نقع فيها. إذ كل واحد منا يشعر في هذه الحالة بأنه معني بهذا الكلام دون سواه.
مثال تطبيقي:
عرض مشاهد من الأحوال الملموسة مقارنة بمشاهد من الأحوال المأمولة (أحوال السلف)
1- رجل يسهر مع رفاقه، ثم ينام عن صلاة الفجر. كان المريض في عهد الصحابة يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
2– شاب يبكي لهزيمة فريقه، وآخر يبكي في أغنية أو تمثيلية. سعيد بن عبد العزيز يبكي لما فاتته صلاة الجماعة.
3- تساهل بعض نسائنا في الحجاب. خروج نساء الأنصار عندما نزل الأمر بالحجاب وكأنهن الغربان.
إن مثل هذه المقارنات سيكون أثرها في نفوس السامعين أبلغ من النقد المجرد.
تأمل في هذا الدرس النبوي الذي يعتمد على أسلوب المقارنة التي تحث على الاقتداء.
عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟! فَقَال: ((قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون))َ.([10])
بين الجدية والدعابة:
ربما تكون واحداً من الذين يمتلكون روح المرح والدعابة.
إن كان الأمر كذلك، نـمِّ هذه الروح بكل الوسائل تكن موضع ترحيب أينما خطبت.
لكن إذا كانت موهبتك تقع في نواحٍ أخرى، فمن غير اللائق أن تحاول ارتداء قناع لا يناسبك.
هل معنى هذا أن تكون الخطبة ثقيلة ضخمة وفي غاية الرزانة ؟
كلا، يمكنك تسريب روح الدعابة باللجوء إلى أمثلة محلية ( من واقع المخاطبين ) تلائم المناسبة.
لاحظ بعض التناقض، صفه بشكل مضخم. فهذا النوع من المرح أكثر نجاحاً من النكات التافهة.
باستطاعة كل إنسان تقريباً أن يداعب الجمهور بتجميع الأفكار أو الصفات المتناقضة.
هذا مع مراعاة نوع الخطبة وحال المخاطبين فما يقال في حفل ترويحي ليس كما يقال في خطبة الجمعة.
مثال تطبيقي:
كان اختيار جيل الصحابة: الجهاد والشهادة، لكن طائفة من شبابنا اختيارهم ( بيبسي اختيار الجيل الجديد ) كما تقول الإعلانات التجارية. فإن لم يكن كذلك فاهتمامات تافهة وهوايات ساذجة، أشبه ما تكون بفقاعات البيبسي.
ما إن تدخل فترة الامتحان حتى تعلن الأسر حالة الطورائ في البيوت، فاللهو ليلة الامتحان أو النوم صبيحته جريمة كبرى.. لكن أين هذا الاستنفار والحرص على الأبناء في صلاة الفجر وهي ركن الدين.
مبدأ التكرار:
التكرار من أهم مبادئ فن الخطابة. لأن تفهم الأفكار الجديدة يحتاج إلى وقت طويل، بحيث يبقى الذهن مسلطاً عليها.
وينقسم التكرار إلى قسمين:-
القسم الأول: تكرار الجمل الطويلة
وهذا النوع لا يحسن أن يكون بالألفاظ ذاتها، إذ النفوس تنفر من ذلك، بل يكون بعبارات جديدة، بل وبأساليب مختلفة تارة بالتقرير، وتارة بالاستفهام، وتارة بالترغيب أو الترهيب، وتارة بالاستنكار، وغيرها من الأساليب البلاغية.
مثال تطبيقي:
في القرآن الكريم الكثير من هذا النوع. ومن ذلك تقرير التوحيد، وقصص الأنبياء، وأحداث القيامة.
القسم الثاني: تكرار الكلمات الرئيسية أو الهامة:
فإذا مر الخطيب بهذه الكلمات فلـه أن يكررها حتى تثبت في قلوب السامعين.
أمثلة تطبيقية:
قال الله تعالى } القارعة % ما القارعة % وما أدراك ما القارعة {.
عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: ((أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمْ النَّار))َ. حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هَذَا، قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.([11])
عَنْ مِحْجَنِ بْنِ الأدْرَعِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: ((يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ. يَوْمُ الْخَلاصِ، وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ؟. يَوْمُ الْخَلاصِ وَمَا يَوْمُ الْخَلاصِ، ثَلاثًا، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَوْمُ الْخَلاص؟ قَالَ: يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَصْعَدُ أُحُدًا فَيَنْظُرُ الْمَدِينَةَ فَيَقُولُ لأَصْحَابِه:ِ أَتَرَوْنَ هَذَا الْقَصْرَ الأبْيَضَ، هَذَا مَسْجِدُ أَحْمَدَ ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ، فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكًا مُصْلِتًا، فَيَأْتِي سَبْخَةَ الْجَرْفِ فَيَضْرِبُ رُوَاقَهُ ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفَاتٍ، فَلا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلا مُنَافِقَةٌ وَلا فَاسِقٌ وَلا فَاسِقَةٌ إِلا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ يَوْمُ الْخَلاص))ِ.([12])
عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ ثَلاثًا قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ)). قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. ([13])
توضيح الأفكار بأحوال واقعية ومحددة:
إن إحدى الوسائل المضمونة والسهلة التي توضح أفكارك هي توضيحها بأحوال ووقائع محددة.
كن واقعياً ومحدداً. إذ إن صفة التحديد لا تزيد من الوضوح فحسب، بل إنها تزيد من الإقناع والإثارة والتسلية أيضاً.
مثال تطبيقي: حول موضوع الكذب
قد يقع بعض الناس في الكذب (حال عام)
قد نقع في الكذب خلال أدائنا لوظائفنا (حال واقعي)
قد نتأخر عن الحضور إلى العمل، أو نرتكب خطأً، أو نتقدم بطلب إجازة فنقع في الكذب (حال واقعي ومحدد )
تأمل واقعية الرسول صلى الله عليه وسلم وتحديده، وهو يدعو إلى التصدق في هذه الخطبة الواضحة المؤثرة:
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالاً، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: (({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة}ٍ إِلَى آخِرِ الآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِه،ِ مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِه، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ))([14]).
طول الخطبة:
فن الإيجاز والإطناب يختلف من حال إلى حال، بحسب حال السامعين في إقبالهم ومللهم، ونوع الموضوع، وظروف الإلقاء.
ويحسن من الخطيب أن يعود سامعيه على زمن معتدل ثابت يلتزمه، فإنهم إذا عرفوه بانضباطه ودقة التزامه أحبوه ولازموا حضوره.
ومن الخير للخطيب وجمهوره أن ينفضوا وهم متعلقون به من غير ملل أو سآمة.
إن الخطيب الذي لا يصيغ خطابه ليتناسب مع روح العصر السائدة والمتميزة بالسرعة لن يكون موضع ترحيب، وفي بعض الأحيان، يثير كراهية الآخرين. لذلك كن مختصراً.
عن أَبُي وَائِلٍ قال: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا)).([15])
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، قَال: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ r يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.([16])
• ذكر عن أحد شعوب أفريقيا البدائية أنه عندما يلقي الخطيب خطاباً طويلاً جداً خلال اجتماع القرية، فإن الجمهور يسكته بالصراخ: كفى ! كفى !
• ويقال أن قبيلة أخرى كانت تسمح للخطيب بالتحدث طالما يستطيع وهو مرتكز على ساقٍ واحدة. وعندما تلمس مقدمة ساقه الأخرى الأرض، يتوجب عليه التوقف عن الكلام.
الجدة والتغيير:
ويعني ذلك ألا يلتزم الخطيب طريقاً واحدة أو وتيرة واحدة في أسلوبه وطريقة إلقائه، بل يكون استفهامياً تارة، وتقريرياً أخرى، وضرباً للأمثال، وتلمساً للحكم والأسرار، مع ما يطلب من معايشة الأحداث، ومتابعة المتغيرات.
ثالثًا: الخاتمة:
بعد أن يفرغ الخطيب من عرض موضوعه، وسوق أدلته، وضرب أمثلته، وبيان دروسه، وعبره، وترهيبه، يحسن أن يُنهي خطبته بخاتمة مناسبة تكون قوية في تعبيرها وتأثيرها، لأنها آخر ما يطرق سمع السامع ويبقى في ذهنه.
كيف تختم الخطبة ؟:
هل تود أن تعلم في أي جزء من أجزاء خطبتك تظهر تجربتك ومهارتك وبراعتك ؟
في الافتتاحية وفي الخاتمة. كما قيل: " تعرفهم من خلال دخولهم وخروجهم ".
إن الخاتمة في الحقيقة هي أكثر النقاط إستراتيجية في الخطبة. فما يقوله الإنسان في النهاية ـ أي ما يبقى يرن في آذان المستمعين ـ هو الكلمات التي ربما تبقى عالقة في أذهانهم.
هناك من ينهي خطبته بـ" هذا ما لدي حول الموضوع " ثم يتوقف وقوفاً اضطرارياً.
وهناك الخطيب الذي يقول كل ما عليه قوله، لكنه لا يدري كيف يختتم خطبته.
إنه ليس من الحكمة أن تحاول إنشاء الخاتمة وأنت تواجه الجمهور فيما أنت واقع تحت ضغط وتأثير الخطبة، وفيما ذهنك مشغول بما تقول.
ما هو العلاج ؟
يجب أن يخطط الخطيب للخاتمة مسبقاً، ويدرك بالتحديد الأفكار التي سينهي بها خطبته.
إن الخطباء المشهورين شعروا أنه من الضروري كتابة وحفظ الكلمات المناسبة لخاتمتهم. فإذا ما اتبع المبتدئ خطواتهم، فنادراً ما يندم على ذلك.
ولأن الخطاب المرتجل قد يعدل أو يختصر خلال عملية الأداء ليناسب التطورات غير المرتقبة ويتناغم مع انفعالات المستمعين، فإن من الحكمة أن تخطط لخاتمتين أو ثلاث، فإن لم تناسب إحداها ناسبت الأخرى.
مقترحات للخاتمة:
1. آيات كريمة أو حديث نبوي:
يمكن أن يختم الخطيب بآيات قرآنية لم يسقها من قبل تجمع موضوعه في الترغيب والترهيب أو التدليل والإثبات، وقد تكون حديثاً نبوياً مناسباً.
2. دعاء:
بين يدي الخطيب طائفة من الأدعية القرآنية أو النبوية المأثورة، يمكن أن يختار منها ما يناسب الموضوع، ويجعله خاتمة لخطبته. كما يمكن أن ينشئ من دعائه الخاص ما يدعم الهدف المراد من الخطبة ويقويه في نفوس المستمعين.
3. تلخيص الأفكار:
الخطيب ميال لتغطية أفكار كثيرة حتى في خطاب قصير تتراوح مدته بين ثلاث أو خمس دقائق.
ومع ذلك، قلة من الخطباء تدرك ذلك. فهي تفترض أن تلك الأفكار واضحة وجلية في أذهانها، وبالتالي هي واضحة في أذهان المستمعين.
لكن الأمر يختلف كلياً لأن الخطيب كان قد فكر ملياً بما سيقوله. بينما أفكاره كلها هي جديدة بالنسبة للمستمع، بعضها يعلق في الذهن، ومعظمها يتدحرج باضطراب. فعلى الخطيب أن يتدارك هذا الأمر بأن يختم خطبته بخاتمة، تجمع أفكاره، وتلخص موضوعه، بعبارات مغايرة، وطريقة مختصرة.
وقد قيل: أخبرهم أولا ًبما تنوي إخبارهم به، ثم أخبرهم، ثم أخبرهم بما أخبرتهم.
4. مقتطفات شعرية:
وفي الحقيقة، إذا استطعت الحصول على قطعة شعرية ملائمة لنهايتك، يكون الأمر مثالياً. فهي تمنحك النكهة المطلوبة، وستمنحك الوقار والتفرد والجمال.
ودواوين الشعر كثيرة جداً، والخطيب الناجح ينتقي منها أروع الشعر وأعذبه.
وإذا أعياه البحث في الدواوين أو ضاق به الوقت فليستعن بالكتب التي تعتني بجمع وتصنيف المقطوعات الشعرية الجيدة حسب المواضيع المختلفة.
5. خاتمة مرحة:
فقد قيل: " اتركهم دائماً يضحكون عندما تختم حديثك ".
إذا كنت تملك القدرة على فعل ذلك بلا تكلف، وكان نوع الخطبة والموقف مناسباً، فإن الأمر يكون جيداً.
________________________________________
([1]) البخاري ( 466 ) ومسلم ( 2382 )
([2]) رواه مسلم ( 2589 )
([3]) رواه مسلم ( 2581 ).
([4]) رواه البخاري ( 528 ) ومسلم ( 667 ).
([5]) رواه البخاري ( 21.1 ) ومسلم ( 2628 ).
([6]) رواه أحمد ( 15357 ) ، والترمذي ( 2376 ) وقال: حديث حسن صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5620)
([7]) رواه النسائي ( 5144 ) ، وأبو داود ( 4057) ، وابن ماجه ( 3595 ) واللفظ له ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
([8]) رواه مسلم ( 869 ).
([9]) انظر شرح صحيح مسلم: النووي 6 / 226 ، وسياق الحديث يرجح ما اختاره رحمه الله.
([10]) رواه البخاري ( 9643 )
([11]) رواه أحمد ( 17931 ) والدارمي (2812 ) وقال الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح ( 5687 ): إسناده صحيح.
([12]) رواه أحمد ( 18496 ) بسند صحيح.
([13]) البخاري ( 2654 ) ومسلم ( 87 )
([14]) رواه مسلم ( 1.17 )
([15]) رواه مسلم ( 869 )
([16]) رواه البخاري ( 7. ) ومسلم ( 2821 )
المرحـلة الثانية
إلقـاء الخطبة
الإلقاء: هو الغاية التي ينتهي إليها الإعداد والبناء, وهو الصورة التي يتلقى بها السامع حصيلة ما جاد به خطيبه.
تنمية الشجاعة والثقة بالنفس
إن كسب الثقة بالنفس والقدرة على التفكير بهدوء أثناء التحدث إلى مجموعة من الناس ليس أمراً صعباً مثلما يتخيل معظم الناس. وهي ليست موهبة فطرية محضة وهبها الخالق لأفراد قليلين, بل إن جزءاً كبيراً منها مكتسب, وباستطاعة كل فرد أن ينمي طاقته الكامنة إذا ما كانت لديه رغبة كافية لذلك.
لا تتصور أن حالتك صعبة, فمعظم الذين أصحبوا فيما بعد خطباء أجيالهم أصيبوا في بادئ الأمر بالخوف وضعف الثقة بالنفس.
كيف تكتسب الثقة بنفسك ؟
أولاً:الاستعانة والثقة بالله:
تذكر أنك إنما تخطب وتتكلم بحول الله تعالى وقوته, فإن شاء الله تعالى أطلق لسانك, وإن شاء عقده, ولو وكلك الله إلى نفسك لعييت وعجزت.
إن حنجرتك التي هي وعاء خروج الأصوات, ولسانك وشفتيك وأسنانك التي تصيغ الحروف والنغمات, إنما هي خلق من خلق الله تعالى {الذي أنطق كل شيء}.
واعلم أن الله معك.. شاهد ومطلع عليك.. نظره أسبق من نظر المخاطبين إليك.
فاعتصم بالله، وليكن لك في نبي الله موسى عليه السلام أسوة حسنة حيث {قال رب اشرح لي صدري % ويسر لي أمري% واحلل عقدة من لساني% يفقهوا قولي}.
ثانياً: تعزيز الدافع والرغبة:
ما من فعل إلا وله دافع. وبقدر قوة الدافع يكون الإقبال على العمل, وتحمل أعبائه.
لدى بذل أي مجهود, يصاب بعض الأشخاص بالوهن ويرتمون خلال الطريق. لذا يجب أن تظل تفكر بما ستمنحك هذه المهارة حتى تبقى رغبتك قوية صادقة.
إن طالب العلم مثلاً أو الداعية - وهو يحمل عبء تبليغ الدين – عليه أن يستشعر وهو يتعلم الخطابة أنها وسيلة هامة من وسائل الدعوة وتبليغ الدين, وأنه لا مفر له من الإقدام على تعلم الخطابة وإجادتـها حتى يبلِّغ رسالته إلى الناس.
ثالثاً: الإلمام بالموضوع:
لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالارتياح حين يواجه مستمعيه إلا بعد أن يفكر ملياً ويخطط حديثه ويعرف ما الذي سيقوله.
قام بعض المبتدئين متحدثاً عن موضوع ليس لديه الإلمام الكافي نحوه, فاضطربت عباراته, واهتزت ثقته بقدراته, فاتهم نفسه بالفشل وعدم القدرة على الخطابة. والسبب في الحقيقة إنما يعود لسوء التحضير والتخطيط.
رابعاًً: التصرف بثقة وتفاؤل:
قد يقول قائل: كيف أتصرف بثقة وأنا أشعر بالخوف ؟
قد يبدو أن الفعل يلي الشعور, فالتصرف بشجاعة لا يمكن أن يصدر إلا ممن يشعر فعلاً بالشجاعة.
لكن علماء النفس اكتشفوا أن الفعل والشعور يسيران معاً, ويؤثر كل منهما على الآخر, ومن خلال تعديل الفعل - الذي هو ضمن سيطرة الإرادة - نستطيع أن نعدل الشعور بشكل غير مباشر.
ولهذا فإذا ما فقدت الشعور بالسرور الطبيعي فإن طريقك إلى السرور هو أن تتحدث وكأنك مسرور مسبقاً, ولكي تشعر بالشجاعة تصرف وكأنك شجاع.
وقد جاء في السنة ما يشير إلى هذا المعنى في تربية النفس, وذلك فيما ورد في التباكي عند فقد البكاء الطبيعي. فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة أسارى بدر أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يبكيان قال: (يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك, فإن وجدت بكاءً بكيت, وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما).([1])
و روي هذا المعنى مرفوعاً في حديث: (( ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا )) وفيه ضعف ([2]).
ثم تفاءل.. فالتفاؤل سبب قوي في الوصول إلى المراد.
ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الفأل.([3]) لأنه من حسن الظن بالله, فإياك والتشاؤم.
ولسنا نعني بهذا الكلام أن يسبح المرء منا في أوهام التفاؤل السلبي، بل المقصود التفاؤل الإيجابي الذي يبعث الأمل, ويشحذ الهمم, ويقوي العزيمة على المبادرة واتخاذ أنجع الأسباب لبلوغ الهدف.
خامساً: المران والتدريب:
إن أول وآخر طريقة فعالة لتوليد الثقة بالنفس في فن الخطابة, هي أن تقف وتخطب.
فالأعصاب تهدأ تماماً من خلال العادة والتمرين الدائم لقوة الإرادة. فإن كان لدى الإنسان خطاب فإنه سيجيد الكلام أكثر حين يردده ويتدرب عليه باستمرار.
• تدريب عملي:
اختر موضوعاً لديك معرفة سابقة به, قم بإنشاء خطاب حوله مدته خمس دقائق, تدرب على إلقاء الخطاب عدة مرات, ثم قم بإلقائه أمام مجموعة من رفاقك, وضع كل جهدك وقوتك أثناء قيامك بذلك.
قف مستقيماً وتطلع إلى عيون الجمهور. ابدأ الكلام بثقة وكأن الجميع يدينون لك بالمعروف.
لا تعبث بملابسك أو تفرك يديك, وإذا اضطررت للقيام بحركات عصبية نتيجة التوتر أمسك شيئاً أمامك بشدة كالمنبر أو الطاولة ونحوه.
ربما ينتابك خوف عارم أو نوع من الصدمة أو التوتر العصبي في الدقائق الأولى التي تواجه فيها الجمهور. لكنك إذا ثابرت فإنك ستتجاوز كل شيء ما عدا هذا الخوف الأولي الذي ليس سوى خوفاً أولياً فحسب. فبعد الجمل القليلة الأولى, تستطيع أن تسيطر على نفسك. وستتحدث بطمأنينة وارتياح.
من المفيد أن تسجل خطابك بواسطة مسجل الصوت أو الفيديو, ثم تقوم بالمراجعة وتلمس أوجه القصور لتتغلب عليها في المرات المقبلة.
كيف تستحضر موضوعك؟
إذا كتب الخطيب الموضوع فهو مخير بين أمرين:
1. إن شاء حفظه وألقاه 2.وإن شاء ذكر مضمونه
وليحذر جهده من قراءته على الناس من ورقة, فإن ذلك يضعف قوته ويذهب بتأثيره في النفوس كما هو مشاهد.
والأمر الثاني أحسن الأمرين, حتى لا يكون مقيداً بعبارة خاصة, فإذا عرض له أمر جديد أثناء الخطابة أمكنه القول فيه, وكثير من الحفاظ إذا نسوا جملة تلعثموا أو ارتج عليهم فيفقدون هيبتهم في نفوس السامعين.
وما أحوج الخطيب إلى الهيبة والجلال ! فكان من الأحسن والمصلحة ألا يتقيد بعبارة يحفظها بل يتخير من العبارات ما يؤدي المعاني التي حصل عليها ببحثه وتفكيره.
هذا إذا كتب الموضوع. وإن شاء عدم الكتابة واكتفى برسم الموضوع في مخيلته وتسطيره في ذاكرته التي قواها بالمران والممارسة, كان ذلك أحسن وأكمل.
* طريقة الملاحظات المساعدة
بعد تحضير الموضوع ضع ملاحظات موجزة, ربما ترغب في الاستعانة بها حين تتدرب على انفراد, وربما تشعر براحة أكثر لو أنك تحتفظ بها بجيبك أثناء مواجهة الجمهور, وربما تحتاج إلى الاستعانة بها أثناء إلقاء الخطبة.
وإذا شعرت بضرورة الاستعانة بالملاحظات, اجعلها مختصرة جداً، واكتبها بأحرف كبيرة, بحيث تعبر كل كلمة عن جملة أو جمل من الخطبة.
وفي أثناء إلقائك الخطبة استرق النظر إلى ملاحظاتك حين تضطر لذلك, لكن تأكد من تغطية ضعفك أمام الجمهور.
وبرغم جميع ما قيل, هناك حالات يتوجب فيها استخدام الملاحظات.
فمثلاً, بعض الناس, خلال إلقاء خطبه القليلة الأولى, يعاني من العصبية والتوتر حتى إنه لا يستطيع أن يتذكر خطبته التي جهزها. ما هي النتيجة ؟
ينسى المادة التي درسها, فينزلق عن الطريق العالية، ويسقط في الهاوية.
لماذا لا يمسك هؤلاء الأشخاص بأيديهم ملاحظات موجزة مكثفة خلال خطواتهم الأولى ؟
فالطفل يتمسك بالأثاث عند محاولاته الأولى للمشي, لكن ذلك لا يستمر طويلاً.
وتجدر الإشارة إلى حقيقة مهمة، وهي أنه يجب ألا تحاول أن تستظهر الخطبة حرفياً, فإن ذلك قد يؤدي إلى كارثة.
ومع ذلك, وبرغم هذا التحذير يحاول بعض من يقرأ هذه الأسطر أن يفعل ذلك. فإن فعل, فبماذا سيفكر حين يقف لإلقاء كلمته ؟
سيحاول بالطبع أن يتذكر التركيب الإنشائي, ويفكر بالأشياء السابقة, ولا يتطلع نحو الأمام, وهذا بعكس عمليات العقل البشري, فيأتي الخطاب حينئذ جافاً بارداً, وبعيداً عن الطبيعة الإنسانية.
لا تبحث عن الكلمات, ابحث فقط عن الحقيقة والفكرة, عندئذٍ تتدفق الكلمات دون أن تسعى إليها.
مهارات الإلقاء الجيد:
1 ـ طريقة الوقوف:
إن الوقوف الصحيح له دوره في ارتياح الخطيب أثناء إلقاء الخطبة مما يزيد ثقته بنفسه, كما أنه يساعده على التنفس الصحيح الذي يؤثر في فعالية الصوت.
2ـ لا تبدأ بعجلة:
بعدما تنهض لمخاطبة جمهورك, لا تبدأ بعجلة. فهذه هي السمة المميزة للمبتدئ.
تطلع إلى جمهورك للحظة.. إن كانت هناك ضجة, توقف قليلاً حتى تزول.. أبق صدرك عالياً.
لكن لمَ الانتظار لفعل ذلك أمام الجمهور ؟ لم لا تفعل ذلك يومياً حين تكون منفرداً بذاتك، عندئذٍ يمكنك أن تفعل ذلك تلقائياً أمام الناس.
احذر الصدمة الأولى:
لاحظت بعض المبتدئين أثناء تدربهم على الخطابة، فكان بعضهم بمجرد وقوفه أمام الجمهور وشروعه في الخطبة يتلعثم في أول الكلام, بل ربما ارتج عليه فنسي المقدمة تماماً, مع أنه قد اجتهد في إعداد الخطبة. لماذا ؟
إن الكلمات الأولى التي يتفوه بها الخطيب في اللحظات الأولى من وقوفه أمام الجمهور تختلف عن غيرها من كلمات الخطبة.
ذلك لأنه يستقبل موقفاً جديداً يكتنفه الغموض والخوف. فهو يقف أمام الجمهور لأول وهلة وجهاً لوجه, وربما سيطر عليه شبح الخوف من الفشل أو الخطأ أو عدم قبول الناس له, فيصاب بالتوتر العصبي مما يؤدي إلى ذهولـه عن الموضوع. مع أنه في الحقيقة ما أن يمضي في الكلام حتى يشعر بالطمأنينة والثقة.
ما الحل ؟
إن كلمات المقدمة من أهم العوامل المؤثرة في الخطبة، فبها يكتسب الخطيب الثقة بنفسه, وبها يحكم الجمهور على هذا الشخص الغريب الماثل أمامهم.
ولهذا, ضاعف الجهد في إعداد المقدمة وتكرارها واستحضارها حتى تكون من الوضوح مثل اسمك تماماً, وإياك والثقة الزائدة.
4 ـ الاتزان وضبط النفس:
الاتزان يعني الطمأنينة والهدوء, وتجنب إحداث أي حركة في غير محلها.
وقد ذكرنا سابقاً أنه لا ينبغي العبث بملابسك لأنها تلفت الانتباه.
هناك سبب آخر وهو أن ذلك يمنح انطباعاً عن الضعف وقلة الثقة بالنفس.
5 ـ التواصل مع المخاطب, والتحدث بشكل مباشر:
يجب أن يشعر المستمع أن هناك رسالة موجهة من قلب الخطيب إلى قلبه.
إن الجمهور الحديث, سواء كان في اجتماع أو تحت خيمة, يريد من الخطيب أن يتحدث بشكل مباشر كما لو كان في جلسة سمر, وبالأسلوب العام الذي يستخدمه أثناء محادثة واحد منهم.
إذا كنت تخطب أمام الناس فإنك ستستحوذ على استحسانهم إذا كنت تخطب بأسلوب طبيعي لدرجة أن مستمعيك لن يحلموا أبداً بأنك تلقيت تدريباً على فن الخطابة.
إن مهمة تعليم أو تدريب الناس على الإلقاء ليست من المهام الصعبة الإضافية, بل إنها مسألة إزالة العوائق, وتحريرهم من القيود, واستدراجهم للتحدث بشكل طبيعي.
والطريقة الوحيدة لاكتساب هذه الطبيعة هي التدريب.
تدريب عملي:
إذا وجدت نفسك تتحدث بأسلوب متكلف, توقف وقل في نفسك:" ما الأمر؟ انتبه! كن طبيعياً ", يمكن أن تختار واحداً من المستمعين وتتخيل أنه سألك سؤالاً وأنت تجيب. تحدث إليه, وانس وجود سائر الحاضرين.
يمكنك الذهاب إلى أبعد من هذا, لتطرح أسئلة وتجيب عليها.
فمثلاً, في منتصف خطابك, تستطيع أن تقول: " لعلك أيها الأخ الكريم تتساءل عن سبب هذه المشكلة ؟ إن السبب بكل بساطة هو...." ثم تبدأ بالإجابة عن السؤال الخيالي.
يمكنك القيام بهذا الأسلوب بشكل طبيعي جداً. فهو يقطع الرتابة في الإلقاء, ويجعله أكثر مباشرة وتأثيراً.
6 ـ جودة النطق:
مخارج الحروف العربية متعددة معلومة, فعلى الخطيب أن يخرج كل حرف من مخرجه الصحيح, لكن مع مراعاة السلاسة والسهولة وعدم التكلف, فإن النفوس تنفر من التنطع والتشدق, وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((هلك المتنطعون )) ([4]).
7 ـ مجانبة اللحن:
ينبغي للخطيب أن يعتني عناية تامة باللغة العربية صرفاً ونحواً, فيتكلم بلغة عربية صحيحة فصيحة.
وإذا أعياه الأمر فليقرأ خطبتـه على من يصحح له عباراتها, ويضبط كلماتها.
8 ـ التمهل في الإلقاء:
الإلقاء السريع المتعجل يفقد المتابعة, كما أنه قد يشوه إخراج الحروف فيختلط بعضها ببعض وتتداخل المعاني وتلتبس العبارات, وقد يؤدي التعجل إلى إهمال الوقوف عند المقاطع ورعاية الفواصل.
وهذا التمهل الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقود إلى هدوء بارد, وتثاقل مميت.
9 ـ تمييز الكلمات الهامة بالمؤثرات اللفظية:
ولغتنا العربية مليئة بالمؤثرات والمحسنات اللفظية التي تضفي إلى الكلمة طابعاً مميزاً جذاباً. فيمكن للخطيب أن يؤكد الكلمات الهامة ويلفت انتباه السامع لها بالمبالغة في تمييزها بهذه المؤثرات.
أمثلة تطبيقية:
أ – التشديد: كقوله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحقّ}, وقوله: {وبسّت الجبال بسّاً}، وكقول الخطيب: الصّلاة, الرّحمة.
ب – الغنة: كقوله تعالى: { وأزلفت الجـنَّـة}, وقوله تعالى: {فلهم عذاب جهنـَّم}.
جـ – المد: كقوله تعالى {مأواهم النـار}, وقوله: {والأمر يومئذ لله}، وكقول الواعظ: تذكروا صور العذاب في النار.. من حر وسموم.. وزمهرير وزقوم.
وقد يجتمع أكثر من مؤثر لفظي في الكلمة الواحدة فيقوى تميزها. كقوله تعالى: {فإذا جاءت الطامَّة الكبرى}.
10 ـ تغيير نبرة الصوت:
من أسباب ضعف التأثير, وتطرق الملل والسآمة إلى السامعين, أن يتحدث الخطيب بطبقة رتيبة على وتيرة واحدة.
عندما تجد نفسك كذلك ابحث عن أي جملة مناسبة لتغير من خلالها نبرة صوتك بما يتوافق مع أسلوب الجملة.
ومما يساعدك في القيام بهذا التغيير أمران: 1ـ التوقف اليسير 2ـ التدريب.
11 ـ تغيير سرعة الكلام:
فالأفكار الرئيسية والجمل الهامة ينبغي أن يلاحظ في إلقائها التؤدة وعدم الاستعجال, تمكيناً لاستيعاب السامع لها, وتعزيزاً لأثرها في النفوس.
12 ـ التوقف قبل وبعد الأفكار المهمة:
الخطيب الناجح يعرف أين يتوقف أثناء خطبته. فإذا مر بفكرة عظيمة يرغب في ترسيخها في أذهان مستمعيه توجه إليهم, وأحدق بعيونهم مباشرة للحظة من دون أن يقول شيئاً.
هذا الصمت المفاجئ له نتيجة الضجة المفاجئة. وهو يجذب الانتباه, ويجعل كل إنسان منتبهاً ومتحفزاً لما سيتلو ذلك الصمت.
وكذا يقال في التوقف بعد كل جملة يراد توكيدها, فهو يضيف إلى قوتها قوة أخرى من خلال الصمت, وذلك أن المعنى يغوص في هذه الأثناء في النفس ويؤدي رسالته.
لكن يجب أن يكون التوقف بشكل طبيعي, ومن دون تكلف.
وقد قيل: " من خلال صمتك تتكلم " فالصمت ليس ذهبياً أكثر مما يستخدم عندما تتكلم. وهو أداة قوية ومهمة لا ينبغي إغفالها, ومع ذلك فهي مهملة من قبل الخطيب المبتدئ.
مثال تطبيقي:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: ((أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ((أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟)) قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: ((أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: ((أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَال:َ ((أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِه،ِ قَالَ: ((أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟)) قُلْنَا: بَلَى، قَال: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُم))([5]).
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)). قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)). قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ.
قَال: ((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟)) قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ((فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا))، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً قَالَ: ((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ)) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: ((هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟)) قَال:َ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ((أَنْ لا يُعَذِّبَهُم))([6]).
13 ـ ماذا يجب أن تفعل بيديك ؟
لا تفكر فيهما. فإذا انسدلتا بشكل طبيعي إلى جانبيك, يكون الأمر مثالياً.
لا تظن أبداً أن أحداً سينتبه لهما أو أن لديه أدنى اهتمام بهما, هذا بالإضافة إلى أنهما ستكونان متحررتين للقيام بحركات تلقائية عندما يستدعي الأمر ذلك.
14 ـ الحركات والإشارات:
للحركات والإشارات أثرها الهام في الخطابة, وهي نوعان:
1 ] حركات لا إرادية: فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه, وذو الحماس تنتفخ أوداجه وتحمر عيناه, ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط, ومنهم من يعلو صوته حماساً وتفاعلاً, ومنهم من يبكي رقة وخشوعاً.
2 ] حركات إرادية: تعكس الانفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة والتوضيح.
وينبغي أن تكون هذه الإشارات والحركات منضبطة بقدر معقول, وانفعال غير متكلف, ومتناسقة مع الشعور الحقيقي.
من الصعوبة إعطاء قواعد محددة في هذا الباب, لأنه يعتمد على مزاج الخطيب, وعلى تحضيره وحماسه وشخصيته وموضوعه, وعلى الجمهور والمناسبة.
وإذا استخدمت الإيماءات والإشارات بمهارة, وبلا تكلف, وكانت ملائمة لمعاني الكلمات المصاحبة لها فإنه من الممكن أن تكون يدا الخطيب أداة عجيبة لإيصال الأفكار وتحريك المشاعر.
أمثلة تطبيقية :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ)) وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ: ((أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّد،ٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ))... الحديث. ([7])
وفي رواية: يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَقَدْ عَلا صَوْتُهُ:... ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
• عَنْ حُصَيْن بن عبد الرحمن أن عُمَارَةَ بْنَ رُؤَيْبَةَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ. ([8])
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمْ الصَّلاةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" ثَلاثًا.([9])
عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قرأ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ([10])([11]).
15 ـ الاتصال البصري:
لا بد من توزيع النظر على الجمهور. فعيناك هما الحبل الذي يربطك بهم, يعرفون من خلاله مدى اهتمامك بهم, وتعرف أنت من خلاله مدى اهتمامهم بما تقول.
وهذا يزيد ثقتك بنفسك ويخلصك من الارتباك والتوتر, كما أنه يفيدك في معرفة ردود فعل المستمعين وانطباعاتهم لتجري على موضوعك أو طريقة إلقائه التعديل المناسب.
16ـ ما هو دور الابتسامة المشرقة ؟
الابتسامة من أبرز مظاهر الشخصية، فهي تكسب الثقة في الحال, وتُظهر حسن نية المرء بسرعة.
تقول حكمة صينية: " من لا يستطيع الابتسام يجب أن لا يفتح متجراً " فالابتسامة المرحبة مطلوبة أمام الجمهور كما هي مطلوبة وراء الآلة الحاسبة في المتجر.
هناك خطباء يتقدمون بأسلوب بارد متكلف وكأن عليهم القيام بمهمة مزعجة, فيحمدون الله عند انتهائهم. ونحن أيضاً كمستمعين نشعر بمثل ذلك, لأن هذه الأساليب تنتقل بالعدوى.
17ـ ما هو تأثير الملابس على الخطيب والمستمع ؟
في أحد البحوث أجمع كل الأفراد أنهم عندما يكونون بمظهر لائق وأنيق يشعرون بتأثير ذلك في منحهم الثقة بالنفس والرفع من تقديرهم الذاتي.
هذا هو تأثير الملابس على من يرتديها, فما هو تأثيرها على الجمهور ؟
لا شك أن لها أثراً عليه، فإذا كان الخطيب لا يعتني بملبسه, فإن الجمهور يُكنّ احتراماً ضئيلاً لهذا الإنسان مثلما يفعل هو لمظهره.
وإذا اعتاد الناس في مجتمع ما على لبس الخطيب أو الداعية لباساً معيناً ( كالعباءة مثلاً في مجتمعنا السعودي ) فليعتن الخطيب بهذا الجانب مراعاةً لعرف المخاطبين وقبولهم, وتعزيزاً لأثر خطبته في نفوسهم.
18 ـ اجمع جمهورك:
الحقيقة أن الجمهور لا يشعر بالإثارة عندما يكون متفرقاً. وما من شيء يقضي على الحماس كالفراغات الواسعة والكراسي الفارغة بين المستمعين.
اجمع جمهورك فإنك تستطيع إثارته بنصف الجهد. إن الإنسان وسط جمهور ضخم يفقد فرديته حيث يصبح فرداً من الجمهور, ويحُرَّك بسهولة أكثر مما يكون فرداً واحداً. وسيتفاعل ويضحك للأشياء التي لا تكاد تثيره حين يكون بين مجموعة صغيرة من المستمعين.
إذا كنت ستتحدث إلى مجموعة صغيرة, يجب أن تختار غرفة صغيرة. وإذا كان المستمعون متفرقين اطلب منهم التجمع في المقاعد الأمامية قربك. أصرّ على ذلك قبل أن تبدأ الكلام.
لا تقف أمام المنبر إلا عندما يكون الجمهور ضخماً, وهناك سبب يدعوك لذلك.
أقم روابط حميمة, واجعل خطابك كالحديث. وأبق الجو منعشاً.
19 ـ أرنا وجهك, واهتم بالإضاءة:
الناس يهتمون برؤية الخطيب, لأن التغيرات التي تطرأ على تعابير وجهه هي جزء حقيقي من عملية التعبير عن الذات. وهي تعني في بعض الأحيان شيئاً أكثر مما تعنيه الكلمات.
أما الإضاءة, فالخطيب العادي ليس لديه أدنى فكرة عن أهمية الإضاءة المناسبة.
دع الضوء يغمر وجهك. إذا وقفت تحت الضوء مباشرة ربما يكسو الظل وجهك, وإذا وقفت أمام الضوء مباشرة من المؤكد أن لا يبدو وجهك واضحاً. أليس من الحكمة إذن أن تختار قبل أن تنهض للخطاب البقعة التي تمنحك أفضل إنارة ؟
وأما الأثاث, فالترتيب المثالي هو التخلي عن الأثاث. فلا شيء يلفت الانتباه وراء الخطيب, أو على جانبيه, لا شيء سوى ستارة من القماش.
20 ـ القضاء على قواطع الانتباه:
لا يستطيع الجمهور أن يقاوم إغراء التطلع إلى الأشياء المتحركة أو الملفتة للانتباه. إذا علم الخطيب هذه الحقيقة, فإن عليه أن يقوم بالآتي:
أولاً: الابتعاد عن العبث بملابسه والقيام بحركات عصبية تحط من قدره.
ثانياً: يجب أن يتدبر الخطيب أمر جلوس الجمهور إذا أمكنه ذلك, لكي لا يجذب انتباههم دخول المتأخرين.
ثالثاً: يجب ألا يلتقي الضيوف على المنبر.
21ـ طريقة مبتكرة:
يستخدم بعض الخطباء المعاصرين رموزاً لأساليب ومهارات الإلقاء والتوقف يقوم بتدوينها بين جمل الخطبة, أو بإزائها في الهامش, وذلك أثناء التدرب المسبق على الخطاب, أو يدوّنها على ملاحظاته إذا استخدم طريقة الملاحظات المساعدة التي سبق ذكرها. كما يمكن الاستعانة بالألوان بدلاً عن الرموز الخطية.
أمثلة تطبيقية :
(.. ): وقوف ( ! ) أسلوب تعجب
(...): وقوف طويل ( ؟ ): أسلوب استفهام
( رفع ): رفع مستوى الصوت ( ترتيل ): ترتيل الآية
( خفض ): خفض مستوى الصوت ( إشارة ): إشارة أو حركة إرادية مناسبة
• هذه مجرد أمثلة ولكل خطيب أن يستخدم ما يناسبه من الرموز.
مهارات تحسين الذاكرة:
من مقومات الخطيب الناجح قوة ذاكرته, وجودة استحضاره عناصر خطبته.
فما هي قوانين التذكر التي يمكن أن نطور من خلالها ذاكرتنا ؟
يقول علماء النفس: إن الرجل العادي لا يستخدم أكثر من عشرة بالمائة من طاقة الذاكرة الفعلية لديه. فهو يهدر التسعين بالمائة الأخرى بسبب انتهاكه قوانين التذكر الطبيعية.
هل أنت واحد من هؤلاء ؟ إن كنت كذلك فأنت مصاب بعاهة اجتماعية سائدة.
إن " قوانين التذكر الطبيعة " بسيطة جداً, وهي ثلاثة فقط, وكل ما يسمى بــ" جهاز الذاكرة " يقوم على هذه القوانين :
1ـ الانطباع 2ـ التكرار 3 ـ ترابط الأفكار
1 ـ الانطباع:
إن أول قانون للذاكرة هو: الحصول على انطباع عميق وسريع وراسخ عن الشيء الذي ترغب في تذكره, ومن أجل القيام بذلك, يجب أن تركز تفكيرك.
إن خمس دقائق من التركيز الشديد تسفر عن نتائج عظيمة أكثر من قضاء عدة أيام في التأمل.
قدّم اثنين أو ثلاثة من أصدقائك إلى إنسان عادي هناك فرصة في أن ينسى اسم واحد منهم بعد دقيقتين. لماذا ؟ لأنه لم يبد اهتماماً كافياً بهم, ومن المحتمل أن يخبرك أن لديه ذاكرة ضعيفة. كلا, بل لديه قوة ملاحظة ضعيفة.
يقول أحد الكتاب: كنت أستظهر المحاضرات غيباً في كل ليلة, وكان علي في كل ليلة أن أستعين بصفحة من الملاحظات كي لا أرتبك، وكانت الملاحظات تتألف من بدايات الجمل من المحاضرة. هذه الملاحظات كانت تحميني من نسيان فكرة ما, لكنها كانت تبدو متشابهة في الصفحة, ولم تشكل أية صورة. كنت أتصورها في قلبي, إلا أنني لم أستطع أن أتذكر بالتأكيد تتابعها, لذلك كان علي الاحتفاظ بهذه الملاحظات بالقرب مني والنظر إليها من حين لآخر, وحالما أفقدها, لا يمكنك أن تتخيل أهوال تلك الليلة.
ثم اكتشفت وسيلة أخرى للحماية, فحفظت أول الأحرف غيباً بالتتابع.
بعد ذلك خطرت لي فكرة الصور ! فتلاشت مشكلاتي. وخلال دقيقتين, رسمت بقلمي ست صور قامت بعمل الجمل الرئيسية تماماًَ, ثم ألقيت بالصور حالما رسمتها, لأنني تأكدت أن باستطاعتي إغلاق عيني ومشاهدتها في أي وقت.
2ـ التكرار:
باستطاعتك أن تتذكر كمية لا متناهية من المعلومات إذا كررتها جيداً. أعد المعلومات التي تريد أن تتذكرها. استخدم الكلمة الجديدة في محادثتك, وادع الغريب باسمه إذا أردت أن تتذكره, فإن المعرفة التي تستخدم ترسخ في الذهن.
ما هو التكرار الذكي ؟
الإنسان الذي يكرر مراراً في جلسة واحدة يستخدم ضعف الوقت والطاقة الضروريين لتحقيق النتائج ذاتها عندما تجرى عملية التكرار في فترات منفصلة.
وغرابة الذهن هذه ـ إذا أمكننا تسميتها كذلك ـ يمكن تعليلها بعاملين اثنين:
أولاً: خلال فترة الفراغ بين تكرار المادة, ينشغل العقل الباطن بتوثيق ترابط الأفكار, كما قيل: نحن نتعلم السباحة خلال الشتاء.
ثانياً: إن الذهن باستخدام فترات الفراغ لا يشعر بالإرهاق الناتج عن التطبيق المتتابع.
وهنا اكتشاف مفيد جداً عن الطريقة التي بها ننسى. فقد أظهرت التجارب النفسية مراراً أن المادة الجديدة التي نتعلمها ننساها خلال الساعات الثمان الأولى أكثر مما ننساها خلال الثلاثين يوماً التالية. إنها نسبة مذهلة !
والحل هو المراجعة والتكرار المنظم.
ولهذا قال بعض السلف: السبق حرف, والتكرار ألف.
3ـ ترابط الأفكار:
وهو المادة الضرورية للتذكر. وفي الحقيقة, إنه تفسير للذاكرة نفسها.
إن سر الذاكرة الجيدة هو تكوين عدة أفكار مترابطة ومتعاكسة لدى كل حقيقة ترغب في الحصول عليها. ويتم ذلك بإيجاد معناها والتفكير الدائب بها عبر عدة أسئلة: لماذا ؟ كيف ؟ متى ؟ أين ؟ من قال ذلك ؟...إلخ
كيف تتذكر عناصر خطبتك ؟
هناك طريقتان تستطيع من خلالهما أن تتذكر عناصر الخطبة:-
أولاً: بواسطة دافع خارجي: كالملاحظات, مع أن الأولى بالخطيب تجنب استخدامها إذا أمكنه ذلك.
ثانياً: بربط الشيء بشيء موجود في الذهن مسبقاً, وذلك بتسلسل منطقي.
ماذا تفعل إذا نسيت النقطة التالية ؟:
يلجأ بعضهم إلى افتعال موقف معين كالتأكد من وضوح الصوت أو شرب الماء, وخلال هذا التوقف الضئيل يلتقط الفكرة ويتابع.
لكن أفضل منقذ في مثل هذا المأزق الذهني هو: استخدام آخر كلمة أو عبارة في الجملة الأخيرة لتوليد تعليق مناسب أو جمل جديدة فيما يجري تذكر النقطة التالية أثناء إلقاء هذه الجمل.
________________________________________
([1]) رواه مسلم ( 1763 ).
([2]) رواه ابن ماجه ( 1354) وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه.
([3]) رواه البخاري ( 5756 ) ومسلم ( 2224 ) عن أنس t .
([4]) رواه مسلم ( 267. ) عن ابن مسعود
([5]) البخاري ( 1741 ) ومسلم ( 1679 )
([6]) رواه البخاري ( 2856 ) ومسلم ( 30)
([7]) رواه مسلم ( 867 )
([8]) رواه مسلم ( 874 )
([9]) رواه البخاري ( 749 )
([10]) رواه أبو داود ( 4728 ) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: صحيح الإسناد.
([11]) قال أبوداود في السنن / 668: " قال ابن يونس: قال المقرئ: يعني أن الله سميع بصير, يعني أن لله سمعاً وبصراً.
قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية