الهمة العالية

سأكون بأمة

New member
إنضم
31 يوليو 2009
المشاركات
234
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الهمة العالية



جعل الله لكل شيء سببًا، وجرت المقادير بحكمته وعلمه وعدله.. فتاة شابة تخرجت حديثًا في الجامعة وسمت همتها إلى إتمام دراستها العليا... أتي موسم الحج فهفت نفسها إلى بيت الله الحرم وتاق قلبها إلى المشاعر المقدسة!

ولقد كان هذا السفر بداية تحول في حياتها وأيامها! إنها كلمة سمعتها من امرأة كبيرة في السن في مخيم الحج حين ألقت إليها نظرة وسألتها بكلمة بسيطة لها ألف معنى: كم معك من القرآن؟! دهشت الشابة من السؤال فهذه هي المرة الأولى التي تسأل عن هذا الأمر! واحتارت في الجواب! وغلبها الحياء مع امرأة كبيرة في السن، لكنها صدقت في الجواب وقالت: معي ثلاثة أجزاء!

ألقت المرأة العجوزة نظرات شفقة ورحمة على ابنة الإسلام، وقالت لها في تعجب: كم سنة وأنت تدرسين؟ فجاء الجواب بلا تردد: ستة عشر عامًا! تنهدت العجوز وهي ترى أن عمر الفتاة ضاع سدى... لكن كلمتها بقيت تصول وتجول في فكر وعقل الفتاة فاتجهت إلى كتاب ربها وبدأت تحفظ فيه بجد ومثابرة حتى حفظته في ثلاث سنوات! وقالت: الآن الحمد لله أشعر إنني درست وتعلمت واستفدت. يكفي فخرًا أن أحمل كتاب ربي في صدري!

ما أن سمعت هذه القصة إلا وحزنت لحال الكثيرات من الأخوات المسلمات اللاتي يحفظن من الموديلات والأزياء وربما ساقط القصص والأناشيد أكثر مما يحفظن من كتاب الله - عز وجل-.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: «وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علمًا وهو إما باطل أو قليل النفع».

ويكفي للمسلمة سلامة القلب من الخراب فقد قال: «إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» [رواه الترمذي].

بل العجب أن ترى إحداهن تدفع ما تستطيع من الشرور والأذى ولو اضطرت إلى نفص في وقتها ومالها... وها هي تتغافل عن فتنة عظيمة تدفعها بأمر يسير... بعشر آيات تحفظها من كتاب الله - عز وجل-، قال صلى الله عليه وسلم : «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال» [رواه مسلم].

وفي حمل كتاب الله - عز وجل - بشارة عظيمة، قال صلى الله عليه وسلم : «لو جُمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار» [حسنه الألباني].

وينادى صاحب القرآن بأجمل مناداة وأعظمها وأحبها للنفس، قال صلى الله عليه وسلم : «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» [رواه أبو داود].

ولكل أخ وأخت أسوق قول خباب الأرت - رضي الله عنه -: «تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه» وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله.

وليهنأ صاحب القرآن بالأجر العظيم والثواب الجزيل، قال صلى الله عليه وسلم : «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (آلم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» [رواه الترمذي].

ولمن سعى في تعليم أبنائه القرآن فليسعد يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم : «من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به، ألبس يوم القيامة تاجًا من نور ضؤوه مثل الشمس، ويُكسى والدايه حُلتين لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان بم كسينا؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن».

ليكن حفظ القرآن منتهى أمل كل مسلم ومسلمة خاصة مع فشو التعليم وسعة انتشار حلق التحفيظ وتوفر أشرطة القرآن الكريم وتعدد إذاعات القرآن.. لم يبق عذر لهمة ضعيفة أو حجة قديمة.. فليستعن بالله من أراد الآخرة وأراد أن يرتقي في درجات الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهليها ممن يتبؤون من الجنة غرفًا تجري من تحتها الأنهار([1]).







--------------------------------------------------------------------------------

([1]) نشرت في مجلة الأسرة العدد (96) ربيع الأول 1422هـ.

بقلم الشيخ: عبدالملك القاسم رعاه