اثناء بحثي عن نقد يتعلق برواية في بيتنا رجل للكاتب القدير احسان عبدالقدوس
لفت انتباهي هذا الموضوع ويتحدث عن النقد وعناصره
- النقد الذاتي أو التأثـُّري: وهو الذي يقوم على الذوق الخاص ، ويعتمد على التجربة الشخصية ، ويعتمد على المنهج الموضوعي .
2- النقد الموضوعي: وهو الذي يركن إلى أصول مرعية وقواعد عقلية مقررة يعتمد عليها في الحكم ، كطريقة قـُدامة في كتابه " نقد الشعر " .
3- النقد الاعتقادي: وهو النقد الذي تتحكم فيه عقائد وآراء خاصة عند الناقد , وهو يحمل في طياته معنى التعصب والميل إلى نزعة خاصة , وكلما تحرّر الناقد في نقده من آرائه ومعتقداته الشخصية كان تقديمه عادلا وأكثر إنصافا وصدقا وتحريا للحقيقة , إذ أن تجرّد الناقد من هواه وآرائه شرط أساسي لسلامة أحكامه النقدية من الجور .
4- النقد التاريخي: وهو النقد الذي يحاول تفسير الظواهر الأدبية والمؤلفات وشخصيات الكتـّاب ، فهو يـُعنى بالفهم والتفهيم أكثر من عنايته بالحكم والمفاضلة .. وتفسير الظواهر الأدبية أو المؤلفات أو شخصيات الكتـّاب ، يتطلـّب معرفة بالماضي السابق لهم ، ومعرفة بالحاضر الذي أثـّر فيهم .
5- النقد اللغوي: وهو الذي يحكم فيه على أساس اللغة وقواعدها الأسلوبية واللغوية المقرّرة .
هذا ويرى الناقد مصطفى عبداللطيف السحرتي أن الناقد العربي المعاصر ، ينبغي أن تكون له ثقافته الفنية ، واتجاهه الفلسفي ، ومـُثـُله الحضارية ، وقيمه الخلقية على سواء ، وأن يطبـّقها على الأعمال الأدبية في حرّية وشجاعة , فيزن ما في عمل الأديب من مقومات فنية , وما يضم من فكرات صائبة أو مخطئة ، هادية أو مضللة , سليمة أو زائفة منحرفة ، أو بمعنى آخر لابد للناقد من تقييم المضمون أو المحتوى في العمل الأدبي , والمضمون عنصر جوهري في رأينا ورأي الفريق الثاني الذي اصطرع مع الفريق الأول وله درجات بحسب قيمته البناءة في حياة الأشخاص وفي الجماعات ، فالأديب الذي يقصر محتواه على التغزّل في زهرة ، أو يذرف الدمع الغزير على قِط ، أو يهدهد الغرائز بقصصه ، وما إلى ذلك ، ليس كالأديب الجاد الذي يتناول حقيقة من الحقائق النفسية النبيلة ، أو تجربة من التجارب الناضجة ، أو فكرة من الأفكار الحية العميقة . فلو أبيح للأديب أن يقول ما يشاء ، فينبغي أن يباح للناقد أن يعقـب على مضمونه قيـّماً أو تافهاً ، سليماً أو شاذّاً ، وإلا كنا جارمين آثمين في حق الأدب وفي حقّ البشرية التي يطرح الأديب لها نتاجه .
وفي الحركات النقدية في أوربا أو أمريكا من وقف مثل هذه الوقفات ، فلقد وقف في وجه " إليوت " نقاد كبار ، كما هوجم " بوند " و " همنجواي " و " فولكنز " , لآرائهم السلبية , واتجاهاتهم المناقضة للاتجاهات الديمقراطية أو الإنسانية في بعض الأحيان ، فإذا كان هذا هو موقف النقاد في الغرب فما بالنا بما ينبغي أن يكون عليه موقفنا ونحن في مفترق الطريق ، ننشد طريقاً يهدي إلى الرشد والتقدم والحضارة ، إنه لموقف يوجب علينا أن نعطي الناقد كل الحق في التحدث عن فن العمل الأدبي ، ومحتواه ، واتجاهه الفلسفي أو الاجتماعي وأن نلح في ذلك إلحاحا شديدا .
وبهذه المواقف الفنية والفلسفية والاجتماعية التي تتفق مع أيديولوجيتنا العربية ، ومع القيم الخلقية العربية ، ومع الروح الإنساني إلى المتعة الجمالية ، يمكن أن نجني من الأعمال الأدبية الثمرة الطيبة الشهية لخير الإنسـان العربي والمجتمع العربي .
والناقد العربي في تقويمه لا يجوز أن يتقمـّص مذهبا فنيـّاً وينحصر فيه بذاته ، ولا أيديولوجية شرقية أو غربية ، بل عليه أن ينطلق مستقلا في هذا التقويم ومستفيدا من أحدث النظريات الفنية فائدة توجيهية , فله أن يرجع إلى التاريخ ليعرف البيئة التي نما فيها العمل الأدبي وترعرع ، وله أن يرجع إلى السيكولوجية ليعرف صحة الشخوص ويفهم نوازعها فهما عميقا ، وله أن يرجع إلى الحالة الاجتماعية ليعرف آثارها في الأعمال الأدبية ، وله أن يـُقوِّم العمل بما يتفق مع الثقافة الرفيعة . كل هذه النواحي تلقى أضواءً على الأعمال الأدبية ، وإمكان تقويمها ، أضواء أكثر وهجا ً من الأضواء التي تلقيها العناصر الجمالية أو الفنية .
إن فهم الحركة الأدبية التي قامت بها جماعة أبولـُّو في مصر منذ بداية عام 1932 مثلا يكون أكثر عمقا إذا درسنا حالة البلاد الاقتصادية ، وسياسة حكومتها الديكتاتورية ، وسيكولوجية المجتمع في تلك الآونة . وفهم الأعمال الأدبية في فترة القلق والتحرر التي شاعت حين ذاك ، يكون أكثر سعة ورحابة إذا رجعنا إلى حالة القلق السياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة . ولست أقول إن وعي هذه الحالات من عناصر تقويم النصوص الأدبية ، ولكن أقول إنها تنوّرها وتساعد على فهمها فهما ً طيبا ً واسعا ً .
ولكي أخرج من التعميم إلى التخصيص ، أذكر أن رواية " عودة الروح " لتوفيق الحكيم تبدو أكثر إثارة إذا درسنا ثورة 1919 , وأن رواية " الأرض " للشرقاوي تكون أكثر وضوحا إذا رجعنا لفترة ما بين الحربين ، ولعهود الحزبية المتطاحنة ، ورواية " في بيتنا رجل " لإحسان عبدالقدوس تنكشف إذا عرفنا حالة القلق والتحرر قبيل ثورة 1952 ، وهكـذا .
على أن المقياس التاريخي والاجتماعي في تقويم الأعمال الأدبية هو خطوة نحو إنارته , وإن كان ليس مقياسا كافيا ، ولكنه عامل مفيد للنقد ، إذا استخدم كوسيلة أو كعنصر للتقويم .
فليس بين نقادنا اختلاف ، فالفريق الأول الذي يلتزم الفنية , و الفريق الثاني الذي يضم إلى الفنية قيمة المحتوى ، ينتفع كل منهما بالآخر ، ويمكن تقاربهما إذا قدرنا أن أعمالنا الأدبية يجب أن ينظر إليها نظرة فنية في ضوء الأيديولوجية الجديدة التي تعتنقها ، وفي ضوء التقدّم الذي نصبوا إليه .
على أنه لا يجوز لنا أن نجري وراء مدرسة ولا مذهب شرقي أو غربي ، بل يمكننا أن ننتفع بجميع المذاهب لإبداع نقد مستقل أصيل .
إن النقد الأدبي هو فن شخصي ، فن يعتمد على الثقافة والبصيرة النفاذة , وعلى النزاهة ، وعلى الذكاء الحاد ، أكثر مما يعتمد على المذهبية ، وإن النقاد البصراء هم قلة موهوبة ، تعلو موهبتهم إلى درجة النبوغ بل العبقرية ، وإن هؤلاء الموهوبين قد يصلون إلى حكم أكثر نفاذا وحكمة من الذين يسبحون بالقواعد والأصول الفنية , ومن الذين يضعون المضمون في القمة ، وليست الأصول ولا قيم المضامين بأكثر أهمية للناقد من الموهبة , والفطنة , والنزاهة ، فإذا ثارت مناوشة بين أصحاب المذاهب ، فإنما هي مناوشة لن تفيد النقد كثيرا ولا قليلا ، إنما يجني النقد والأدب - على سواء - ثمرات نافعة إذا عَمـِلَ النقاد - مدرّسيين وأحرارا ً- في الحقل الأدبي في محبة وتسامح وتواضع على خير الأدب ، وإعلاء شأن الموهوبين من الأدباء : شعراء ، أو قصاصين ، أو مسرحيين ، أو روائيين , أو مؤلفين ، فإنه ليؤلمني ويشجيني أن أسمع أن النقد في أزمة ، وأن أدبنا العربي يشكو اليتم ، وإنه لا يجد أقلاما ناقدة صادقة ترعاه وتضعه حيث ينبغي أن يوضع ، أو توجـّهه في لباقة وكياسة ومودة إلى الجادة القويمة .
موقع ....قس بن ساعدة الثقافي
لفت انتباهي هذا الموضوع ويتحدث عن النقد وعناصره
- النقد الذاتي أو التأثـُّري: وهو الذي يقوم على الذوق الخاص ، ويعتمد على التجربة الشخصية ، ويعتمد على المنهج الموضوعي .
2- النقد الموضوعي: وهو الذي يركن إلى أصول مرعية وقواعد عقلية مقررة يعتمد عليها في الحكم ، كطريقة قـُدامة في كتابه " نقد الشعر " .
3- النقد الاعتقادي: وهو النقد الذي تتحكم فيه عقائد وآراء خاصة عند الناقد , وهو يحمل في طياته معنى التعصب والميل إلى نزعة خاصة , وكلما تحرّر الناقد في نقده من آرائه ومعتقداته الشخصية كان تقديمه عادلا وأكثر إنصافا وصدقا وتحريا للحقيقة , إذ أن تجرّد الناقد من هواه وآرائه شرط أساسي لسلامة أحكامه النقدية من الجور .
4- النقد التاريخي: وهو النقد الذي يحاول تفسير الظواهر الأدبية والمؤلفات وشخصيات الكتـّاب ، فهو يـُعنى بالفهم والتفهيم أكثر من عنايته بالحكم والمفاضلة .. وتفسير الظواهر الأدبية أو المؤلفات أو شخصيات الكتـّاب ، يتطلـّب معرفة بالماضي السابق لهم ، ومعرفة بالحاضر الذي أثـّر فيهم .
5- النقد اللغوي: وهو الذي يحكم فيه على أساس اللغة وقواعدها الأسلوبية واللغوية المقرّرة .
هذا ويرى الناقد مصطفى عبداللطيف السحرتي أن الناقد العربي المعاصر ، ينبغي أن تكون له ثقافته الفنية ، واتجاهه الفلسفي ، ومـُثـُله الحضارية ، وقيمه الخلقية على سواء ، وأن يطبـّقها على الأعمال الأدبية في حرّية وشجاعة , فيزن ما في عمل الأديب من مقومات فنية , وما يضم من فكرات صائبة أو مخطئة ، هادية أو مضللة , سليمة أو زائفة منحرفة ، أو بمعنى آخر لابد للناقد من تقييم المضمون أو المحتوى في العمل الأدبي , والمضمون عنصر جوهري في رأينا ورأي الفريق الثاني الذي اصطرع مع الفريق الأول وله درجات بحسب قيمته البناءة في حياة الأشخاص وفي الجماعات ، فالأديب الذي يقصر محتواه على التغزّل في زهرة ، أو يذرف الدمع الغزير على قِط ، أو يهدهد الغرائز بقصصه ، وما إلى ذلك ، ليس كالأديب الجاد الذي يتناول حقيقة من الحقائق النفسية النبيلة ، أو تجربة من التجارب الناضجة ، أو فكرة من الأفكار الحية العميقة . فلو أبيح للأديب أن يقول ما يشاء ، فينبغي أن يباح للناقد أن يعقـب على مضمونه قيـّماً أو تافهاً ، سليماً أو شاذّاً ، وإلا كنا جارمين آثمين في حق الأدب وفي حقّ البشرية التي يطرح الأديب لها نتاجه .
وفي الحركات النقدية في أوربا أو أمريكا من وقف مثل هذه الوقفات ، فلقد وقف في وجه " إليوت " نقاد كبار ، كما هوجم " بوند " و " همنجواي " و " فولكنز " , لآرائهم السلبية , واتجاهاتهم المناقضة للاتجاهات الديمقراطية أو الإنسانية في بعض الأحيان ، فإذا كان هذا هو موقف النقاد في الغرب فما بالنا بما ينبغي أن يكون عليه موقفنا ونحن في مفترق الطريق ، ننشد طريقاً يهدي إلى الرشد والتقدم والحضارة ، إنه لموقف يوجب علينا أن نعطي الناقد كل الحق في التحدث عن فن العمل الأدبي ، ومحتواه ، واتجاهه الفلسفي أو الاجتماعي وأن نلح في ذلك إلحاحا شديدا .
وبهذه المواقف الفنية والفلسفية والاجتماعية التي تتفق مع أيديولوجيتنا العربية ، ومع القيم الخلقية العربية ، ومع الروح الإنساني إلى المتعة الجمالية ، يمكن أن نجني من الأعمال الأدبية الثمرة الطيبة الشهية لخير الإنسـان العربي والمجتمع العربي .
والناقد العربي في تقويمه لا يجوز أن يتقمـّص مذهبا فنيـّاً وينحصر فيه بذاته ، ولا أيديولوجية شرقية أو غربية ، بل عليه أن ينطلق مستقلا في هذا التقويم ومستفيدا من أحدث النظريات الفنية فائدة توجيهية , فله أن يرجع إلى التاريخ ليعرف البيئة التي نما فيها العمل الأدبي وترعرع ، وله أن يرجع إلى السيكولوجية ليعرف صحة الشخوص ويفهم نوازعها فهما عميقا ، وله أن يرجع إلى الحالة الاجتماعية ليعرف آثارها في الأعمال الأدبية ، وله أن يـُقوِّم العمل بما يتفق مع الثقافة الرفيعة . كل هذه النواحي تلقى أضواءً على الأعمال الأدبية ، وإمكان تقويمها ، أضواء أكثر وهجا ً من الأضواء التي تلقيها العناصر الجمالية أو الفنية .
إن فهم الحركة الأدبية التي قامت بها جماعة أبولـُّو في مصر منذ بداية عام 1932 مثلا يكون أكثر عمقا إذا درسنا حالة البلاد الاقتصادية ، وسياسة حكومتها الديكتاتورية ، وسيكولوجية المجتمع في تلك الآونة . وفهم الأعمال الأدبية في فترة القلق والتحرر التي شاعت حين ذاك ، يكون أكثر سعة ورحابة إذا رجعنا إلى حالة القلق السياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة . ولست أقول إن وعي هذه الحالات من عناصر تقويم النصوص الأدبية ، ولكن أقول إنها تنوّرها وتساعد على فهمها فهما ً طيبا ً واسعا ً .
ولكي أخرج من التعميم إلى التخصيص ، أذكر أن رواية " عودة الروح " لتوفيق الحكيم تبدو أكثر إثارة إذا درسنا ثورة 1919 , وأن رواية " الأرض " للشرقاوي تكون أكثر وضوحا إذا رجعنا لفترة ما بين الحربين ، ولعهود الحزبية المتطاحنة ، ورواية " في بيتنا رجل " لإحسان عبدالقدوس تنكشف إذا عرفنا حالة القلق والتحرر قبيل ثورة 1952 ، وهكـذا .
على أن المقياس التاريخي والاجتماعي في تقويم الأعمال الأدبية هو خطوة نحو إنارته , وإن كان ليس مقياسا كافيا ، ولكنه عامل مفيد للنقد ، إذا استخدم كوسيلة أو كعنصر للتقويم .
فليس بين نقادنا اختلاف ، فالفريق الأول الذي يلتزم الفنية , و الفريق الثاني الذي يضم إلى الفنية قيمة المحتوى ، ينتفع كل منهما بالآخر ، ويمكن تقاربهما إذا قدرنا أن أعمالنا الأدبية يجب أن ينظر إليها نظرة فنية في ضوء الأيديولوجية الجديدة التي تعتنقها ، وفي ضوء التقدّم الذي نصبوا إليه .
على أنه لا يجوز لنا أن نجري وراء مدرسة ولا مذهب شرقي أو غربي ، بل يمكننا أن ننتفع بجميع المذاهب لإبداع نقد مستقل أصيل .
إن النقد الأدبي هو فن شخصي ، فن يعتمد على الثقافة والبصيرة النفاذة , وعلى النزاهة ، وعلى الذكاء الحاد ، أكثر مما يعتمد على المذهبية ، وإن النقاد البصراء هم قلة موهوبة ، تعلو موهبتهم إلى درجة النبوغ بل العبقرية ، وإن هؤلاء الموهوبين قد يصلون إلى حكم أكثر نفاذا وحكمة من الذين يسبحون بالقواعد والأصول الفنية , ومن الذين يضعون المضمون في القمة ، وليست الأصول ولا قيم المضامين بأكثر أهمية للناقد من الموهبة , والفطنة , والنزاهة ، فإذا ثارت مناوشة بين أصحاب المذاهب ، فإنما هي مناوشة لن تفيد النقد كثيرا ولا قليلا ، إنما يجني النقد والأدب - على سواء - ثمرات نافعة إذا عَمـِلَ النقاد - مدرّسيين وأحرارا ً- في الحقل الأدبي في محبة وتسامح وتواضع على خير الأدب ، وإعلاء شأن الموهوبين من الأدباء : شعراء ، أو قصاصين ، أو مسرحيين ، أو روائيين , أو مؤلفين ، فإنه ليؤلمني ويشجيني أن أسمع أن النقد في أزمة ، وأن أدبنا العربي يشكو اليتم ، وإنه لا يجد أقلاما ناقدة صادقة ترعاه وتضعه حيث ينبغي أن يوضع ، أو توجـّهه في لباقة وكياسة ومودة إلى الجادة القويمة .
موقع ....قس بن ساعدة الثقافي