مضى حوالي أسبوع على الأحداث الأخيرة
وبدأ الفصل الدراسي الثاني
فارس والعنود عادا من السفر
وعادت العنود لجامعتها.. وفارس لعمله
علاقتهما تعمقت كثيرا.. وفارس يحرز تحسنا ملحوظا في سيطرته على قسوته
ولكنه فاشل جدا في السيطرة على غيرته على العنود
ولكن وضعهما بشكل عام مستقر جدا وهما يستمعان لأبعد حد بحياتهما معا
مشعل ولطيفة كذلك وضعهما مستقر
أولادهما عادوا للدراسة وكذلك عادت لطيفة
ومشعل أنجز قسم راكان ولطيفة أنهت مهمتها المتعبة في نقل أغراض الفريقين وترتيبها
ولكن الصدمة الحقيقية التي أفسدت مخططات لطيفة وناصر أن مشاعل أخبرت والدها قبل حوالي أربعة أيام
أنها على خلاف مع ناصر ولا تريد العودة له في الوقت الحالي
ناصر غضب منها كثيرا.. ليس لأنها أخبرت والدها فهو ذاته أخبر والده حين سأله قبل أيام لمَ لم يُرجع زوجته بعد.. أن بينهما خلافا بسيطا سيحلانه بنفسيهما
ولكن غضبه العميق كان لأنها رفضت العودة له
لم يعاود الاتصال بها أو رؤيتها من حينه
وكلاهما يكادان يجنان شوقا ولوعة
وعبدالله ومحمد حاولا إقناع مشاعل بالعودة ولكنها رفضت
مشعل وهيا.. مستغرقان في الدراسة
هيا تعاني من الوحم ومرهقة قليلا.. لكن مشعل يغمرها بحنانه واحتواءه
ويخاف عليها من كل شيء.. ولو استطاع أن يحملها عن الأرض لحملها
باكينام ويوسف
لم يريا بعضهما خلال الأسبوع المنصرم
ولم يعاود يوسف الاتصال بها
وباكينام تشعر بألم عميق جارح متعمق لأنها اعتقدت أن ظنها صدق
وأن المرة الأخيرة كانت المرة الأخيرة التي تراه فيها
تنتظر برعب خبر طلاقها
بينما يوسف أنهى تنفيذ مخططه وينتظر نقطة الصفر فقط
موضي وراكان هما حالة الغرابة الجديدة
غرابة ومنطقية في آن
الاثنان يتعاملان مع بعضهما بشفافية مطلقة
عدا في موضوع حرج موضي البالغ أن يلمح راكان أي جزء من جسدها يتجاوز شعرها ووجهها وكفيها
قضيا الأسبوع المنصرم كصديقين حميمين في رحلة استجمام معا
كلاهما يستمتع برفقة الآخر وحديثه لأبعد حد
بينهما تفاهم مدهش.. وبدآ ينهيان جمل بعضهما
هذه حالة تحدث للمتزوجين بعد سنين.. ولكنها بدأت تحدث معهما من الأسبوع الأول
بعد أن تحسنت إصابة راكان لم يتركا مكانا في دبي لم يزوراه معا
لا يفترقان مطلقا إلا حينما يذهب راكان للصلاة في المسجد ويعود لها فورا
كلاهما بدأ بتفهم طباع الآخر وما يحب وما يكره
موضي انطلقت في الحديث مع راكان ومشاعر ود عميقة تتكون في قلبها ناحية راكان.. ولكنها لم تحاول مطلقا جذبه كرجل لها
بينما راكان يتعامل معها بطبيعية بعد أن نحى مشاعره منذ سنوات ومازال مستمرا في تنحيتها
في حالة موضي.. موضي لم تجرب الحب مطلقا.. ورجل في شخصية راكان يستطيع تفجير الحب في قلب أي أمرأة تعاشره..
فكل ما على موضي أن تفعله أن تسمح لقلبها المغلق بالانفتاح.. وأن تدع راكان يداوي جروح روحها بحنانه واحترامه لها
ولكن حالة راكان أكثر صعوبة.. فراكان جرب الحب وتعمق فيه حتى تغلغل في كل خلاياه.. لكن حبه انتزع منه.. فمات قلبه..كما كان يكرر دائما..
تستطيع إنقاذ الجريح.. ولكن كيف تحيي الأموات؟!!!
***************************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
الساعة 8 ونصف صباحا
العنود مازالت نائمة.. بالكاد استطاعت أن تصحو مع فارس قبل أن يذهب لعمله وعادت للنوم
ويُفترض أنها صحت قبل الآن.. لأن محاضرتها الساعة التاسعة
وسائقة مريم تنتظرها في مطبخ بيت فارس منذ أوصلت مريم لعملها وعادت لكي توصل العنود للجامعة
هاتفها يرن ويرن.. تسمعه ويبدو لها أنها تحلم
السائقة تتصل بها.. وفارس يتصل بها
ومريم اتصلت بها لأنها قلقت عليها حين أخبرتها السائقة أنها لم تنزل عليها ولم ترد على اتصالاتها
فارس اشتعل من قلقه عليها فهي منذ قامت لصلاة الفجر ثم معه لعمله وهي تبدو خادرة تماما
اتصل بوالدته وطلب منها أن تصعد لتراها
وهاهي أم فارس تفتح باب غرفتهما بحرج.. كانت تسمع صوت هاتف العنود يرن
تجاوزت الصالة لغرفة النوم.. وجدت العنود مستغرقة في النوم
اقتربت منها وهزتها بلطف: العنود يأمش .. وش فيش؟؟ ما تسمعين ذا التلفون اللي انفرى جوفه من الصياح
العنود بصوت متعب: اسمعه واحسب روحي اتحلم..
أم فارس بقلق: أنتي تعبانة يأمش؟؟
العنود بإرهاق: مافيني حيل ومكسلة بالمرة
أم فارس ابتسمت بسعادة حقيقية وخاطر أمنية غالية يهب على روحها وهي تساعد العنود على النهوض وتقول بحزم:
قومي نروح الدكتورة
العنود بكسل: مافيه داعي.. أبي أنام بس
حينها رن هاتف أم فارس: هلا يأمك
.....................
هذا أنا عندها.. شكلها تعبانة.. أبي أوديها الدكتورة بس هي مهيب راضية
................
هاك.. كلمها
العنود تناولت الهاتف لترد بصوتها المرهق: هلا
فارس بقلق: ليه حبيبتي ما تبين تروحين الدكتورة
العنود: مافيه شيء يستاهل.. بأنام شوي وبأقوم زينة
فارس بحزم: تخلين أمي توديش ؟؟ أو بأجي أنا بنفسي أوديش
العنود برقة: خلاص.. خلاص.. بأروح مع أمي وضحى
************************
دبي
جناح راكان وموضي
الصباح
موضي أمام المرآة تمشط شعرها
وراكان يتصفح جريدة الصباح
فور أن أنهت موضي مهمتها توجهت للجلوس مع راكان الذي نحى الجريدة جانبا وهو يضعها بجواره ويبتسم لها
موضي ابتسمت: في وجهك حكي.. آمر
راكان بابتسامة: صايرة خطيرة.. ماعاد أقدر أخبي عليش شيء
موضي تهز كتفيها وهي تبتسم بعذوبة: شأسوي وأنت واحد مكشوف كذا
راكان بعمق: عمري ما كنت مكشوف..وإسالي أخيش مشعل.. أنا هو ربع من عادنا بزران
بس أنتي اللي عندش قدرة مذهلة إنش تقريني كأني كتاب مفتوح قدامش
موضي بحرج: لا تبالغ
راكان يبتسم: وانتي تعرفين إني أزعل من تقليلش لقدرش
موضي ابتسمت: خلاص خلنا من إنك تمدحني وأنا أسوي روحي متواضعة خرطي
وقل لي وش اللي في خاطرك؟؟
راكان باستفسار عميق: أبي أعرف اشلون عرفتي بزواجي من مرت محمد
صدقيني المعرفة نفسها ما تهمني.. لأنه يمكن أنا نفسي كان قلت لش
بس أبي أعرف أشلون عرفتي
موضي ابتسمت: من مرت محمد نفسها
**************************
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية
الصباح
الجدة هيا أمام قهوتها الصباحية ومشاعل معها تصب لها
الجدة بعتب: لين متى وأنتي عندنا؟؟
مشاعل بابتسامة مغتصبة: افا يا أم محمد.. زهقتي من مشاعل حبيبتش
الجدة بعمق: مشيعل يأمش أنتي عارفة إن غلاش عندي غير.. وأحزن ما جاني يوم رحتي وخلتينا
بس يأمش السنع سنع.. وناصر ولد عمش.. وعيب عليش تخلينه ذا كله.. صار لش أكثر من أسبوعين عندنا
يأمش حتى لو ناصر غلط عليش.. المرة الأصيلة تدمح زلة رجالها وخص إن ناصر كان مستوجع من اللي صار له
فإذا أنتي ما داريتيه ودورتي اللي في خاطره.. فتربيتي لش مالها خانة
مشاعل قفزت وهي تجلس عند قدمي جدتها وتحتضن كفها وتغمرها بقبلاتها وتهتف برجاء عميق:
تكفين يمه ما تقولين كذا
وإذا ناصر كان مستوجع.. فأنا الحين مستوجعة
خليني يمه شوي.. تكفين ما تلحين علي.. وإن شاء الله مايصير إلا خير
جدتها انتزعت يدها واحتضنت رأس مشاعل وهي تقول لها بحنان:
أنا ما ابغي لش إلا الزين.. وناصر والله ما يستاهل منش ذا الجفا
مشاعل تنهدت بعمق وهي تصمت
حينها أردفت جدتها وهي تسألها باهتمام: زين علمتيه إنش بتروحين اليوم للمدرسة التي طالبتش؟؟
مشاعل بحرج وجزع: لا
جدتها بغضب: لا كذا مهوب سنع.. قومي كلميه وترخصي منه
مشاعل بحرج وخجل شديدين: ما أقدر يمه.. استحي
جدتها بغضب: يعني ما استحيتي من عمش وأبيش وهم يترجونش البارحة ترجعين لبيتش
والحين مستحية تكلمين ناصر
مشاعل بحزن: يمه تكفين ما توجعيني كذا
مشاعل مازالت لم تتجاوز ألم البارحة وهي تجلس كالتلميذة المذنبة امام والدها وعمها.. اللذين ترجياها طويلا أن تعود لزوجها
ولكنها بقيت صامتة.. ثم انهمرت دموعها بصمت وهي تهمس بجملة واحدة
(تكفون لا تغصبوني على شيء ما أبيه)
الدموع كانت سلاحها الناجح.. فرجال آل مشعل قلوبهم القاسية لا يلينها الحديد ولكن تذيبها دموع امرأة
لذا تنهدا بعمق وهما يغادران ويهمسان لها بحنان:
خذي وقتش وفكري.. لكن حطي في بالش إن المره مالها إلا رجّالها
جدتها تنهدت: قومي عطيني إياه.. أنا بأكلمه.. لازم تستأذنينه.. وإلا تبين تشتغلين من وراه؟!!
مشاعل تناولت هاتف المنزل.. واتصلت برقم ناصر الذي تحفظه أكثر مما تحفظ اسمها وناولت جدتها السماعة
ناصر وقتها كان في مكتبه في مقر عمله.. حين رأى رقم هاتف منزل عمه توتر نوعا ما.. ولكنه حين سمع صوت جدته ابتسم وهو يهمس بمرح:
هلا والله بالغالية.. هلا والله بشيخة النسوان كلهم وأزينهم
جدته ابتسمت: ولو أنك كذوب.. بس ماعليه.. امدحه وخذ عباته
ناصر يضحك: أفا يا ذا العلم.. أنا كذوب..
الجدة بحنان: كذوب شوي مهوب واجد.. أشلونك اليوم يأمك؟؟
ناصر باحترام: طيب.. ذيب ولد جدتي الذيبة.. أنتي أشلونش جعلني الأول؟؟
الجدة بذات اللهجة الحنونة: طيبة ياولد جدتك.. جعل عين جدتك ما تبكيك
ناصر بحنان: وش ذا النهار المبارك اللي تصبحنا بصوتش
الجدة بحزم رقيق: كنت أبي أستأذن لمشاعل.. مشاعل طالبينها مدرسة وتبي تروح لهم اليوم
ناصر حين سمع اسم مشاعل أحس بما يشبه الدوار في رأسه والأعاصير في قلبه
ولكنه رد عليها بثبات: وليه هي ما كلمتني؟؟
الجدة بعفوية: مستحية
ناصر بحزم: هي تكلمني تستأذني.. وعقبه أشوف أرخص لها وإلا لأ
جدتها مدتها بالسماعة وهي تقول بحزم: هاش كلمي رجالش.. وأنا بأقوم أتوضأ أصلى الضحى
مشاعل كانت تشير لا.. ولكن جدتها حلفت عليها أن تكلمه
لطيفة تجهزت وجهزت جود التي كانت سعيدة بهذه الطلعة الصباحية المفاجئة التي ستكون هي أميرتها في غياب أشقائها
وهاهما تنزلان لمشعل الذي جاء على الموعد تماما
انطلقت السيارة ومشعل يتحادث مع لطيفة وهما ينظران من حين لآخر لجود المثبتة على مقعدها الخاص في الخلف
بعد دقائق رن هاتف مشعل.. رد بتلقائية واحترام: هلا أم علي
....................
لا والله ما أقدر سامحيني
.....................
طالع مع الأهل
.....................
السيتي سنتر (بدا عليه الضيق من مطاردة الطرف الآخر له بالأسئلة)
.....................
لا والله ماني براجع للشركة إلا العصر
.....................
مافيه شيء ضروري
.....................
خلي سكرتيرتش ترسلها بالفاكس لسكرتيري ومايصير إلا اللي يرضيكم
....................
مع السلامة
لطيفة عرفت من المتصلة.. شعرت بضيق عميق.. فهذه ليست المرة الأولى التي تطارد مشعل بالهواتف
بل وصدف أن رأتها لطيفة عدة مرات وكأنها تتعمد أن تظهر نفسها أمام لطيفة
تعلم أن مشعل قد يكون لم ينتبه لحركاتها وهو يتعامل مع العديد من سيدات الأعمال
ولكن حركاتها لم تطف على الحاسة السادسة لأمرأة مثلها بدأت تشعر بالخطر من اقتحام حصونها الخاصة
لطيفة تشعر بالقلق منها منذ أكثر من عام.. حتى حينما قال لها مشعل أنه سيتزوج.. كانت هي من قفزت لمخيلتها
فهي سيدة قوية وجميلة ومن عائلة معروفة.. ليس لديها سوى ابن واحد هو علي من زوجها الراحل..
مازالت في أواسط الثلاثينات وتتمتع بجبروت تلقائي مثير
رأتها لطيفة للمرة الأولى الصيف قبل الماضي في باريس مع ابنها في ديزني لاند
بدا للطيفة أن هذه المقابلة لم تكن صدفة مطلقا لأن مشعل أخبرها بتلقائية أنه من أخبرها بتواجدهم فيها حين اتصلت به فاتن
ولكن لطيفة رأت أن مشعل لم يتجاوز مع هذه الدخيلة الاحترام العادي
ثم أخذ عائلته وغادرها رغم أنها كانت تلمح برغبتها أن تبقى مع مشعل وعائلته
لذا لطيفة حاولت أن ان تحترم علاقات مشعل العملية وتنحيها جانبا عن حياتهما الشخصية
ولكن الجديد أن علاقتها الآن بمشعل ازدادت تعمقا
وأصبحت متيقنة أنه كله لها قلبا وقالبا.. ولن ترضى بتعدي أي أنثى على ماهو لها
لطيفة غارقة في أفكارها بينما مشعل يوقف سيارته
همس مشعل بابتسامة: اللي ماخذ عقلش.. وصلنا
لطيفة تبتسم: ماحد ماخذ عقلي غيرك
نزلا.. ومشعل يحمل جود حتى دخلا للداخل ثم أمسك بكفها الصغيرة بحرص وحنان
رن هاتف مشعل..
كانت هي للمرة الثانية بصوتها الأنيق الواثق: آسفة أبو محمد على الإزعاج
بس جد لازم توقع على الأوراق الحين عشان نلحق البنك قبل الظهر
تنهد مشعل بضيق: خلاص ساعة وأرجع للشركة وأوقع الأوراق
فاتن بهدوء: لا ما نبي نخرب عليك طلعتك.. أنا وسكرتيرتي جريب منكم
ممكن نييب لك الأوراق توقعها
مشعل بهدوء عملي: مافيه داعي أم علي.. الشغل شغل.. ومكانه في الشركة
وأنا ما أحب أخلط حياتي الخاصة بشغلي
فاتن بذات نبرتها الواثقة: لكل قاعدة استثناءات ومانبي نخرب على أم محمد طلعتها وياك..
أصلا خلاص احنا نوقف في مواقف السيتي.. وياينكم
****************************
واشنطن دي سي
سكن باكينام
مساء
باكينام تعود للسكن كانت مرهقة تماما ومستنزفة
وتشعر بالانطفاء تماما
ولكن ما أن تجاوزت المدخل ورأت العينين البنيتين الدافئتين
حتى تحول الارهاق إلى تحفز
والانطفاء إلى اشتعال مدو
و عصافير الفرحة تحلق في أسراب شاسعة في سماوات روحها وهي تراه بعد كل هذا الغياب
ولكن كل هذه المشاعر اختفت خلف قناع برودها وهي تقترب منه
بينما هو نهض فور رؤيتها وهي تهمس له ببرود جليدي هو سر انجليزي عتيد:
مشرفنا بالزيارة ليه؟؟
يوسف بنبرة جدية لأبعد حد: بسرعة معايا للبيت
أنّا صفية وفيكتوريا هيوصلوا المطار بعد شويه
راكان ضحك: ليه هذا هو اللي يسمونه الغزل.. ماعندي خبر
موضي ابتلعت حرجها وهي تعلم أنه يجاملها ليس إلا: خلنا من مجاملاتك يالشاعر
خلني أقول وين شفت مرت محمد
قبل حوالي سبع سنوات كنت سنة ثانية جامعة
وكان جاي لنا خدامة جديدة.. ولطيفة كانت نفاس بعبود وأمي عندها
فأنا رحت أودي الخدامة للقومسيون الطبي عشان يسوون لها فحص
واحنا قاعدين ننتظر شفت المرة اللي جنبي معها بطاقتك فوق أوراقها
بصراحة استغربت فسألتها: من هذا؟؟
جاوبتني بعفوية: زوجي
أنا مثل اللي انضربت على رأسي .. سألتها: متأكدة؟؟
المرة وقتها ارتبشت وعرفت إني عرفتك.. فهي سألتني: أنتي من؟؟
قلت لها: بنت عم اللي أنتي تقولين إنه زوجش
المسكينة والله تلخبطت.. وهلت شريطها كامل.. إنه أنت متزوجها على الورق بس عشان عيالها وبس..
وأنها جاية تخلص فحص خدامة أنت جايبها لهم باسمك
وصارت تعتذر وتعتذر..
أنا قلت لها: دام الرجال مسوي فيكم خير.. المفروض تصيرين أحرص عليه
هالمرة صدفتيني أنا.. وأنا مستحيل أقول لأحد
لكن الدوحة صغيرة وبكرة تصدفين حد غيري يعرف راكان.. وش بتسوين وقتها؟؟
المسكينة حلفت لي إنها ماعاد تقول لأحد إنك زوجها في مكان عام.. اللي يهمها جيرانها ومعارفها.. وهم يدرون
وهذي السالفة كلها
موضي أنهت حكايتها وهي تبتسم..
بينما راكان كان في غاية التأثر لأسباب عديدة..
همس بعمق: ومن وقتها تدرين وما قلتي لأحد؟؟
موضي بتلقائية: وليش أقول لأحد
يعني أنت تستر على بنت الناس وعيالها أجي أنا وأفضحك
راكان بهدوء آسر: تدرين إنش عظيمة يا موضي
موضي بخجل: وتدري إنك تستخدم ألفاظ فضفاضة زيادة عن اللزوم
راكان يبتسم: أنا ما أعرف أجامل ولا أنافق ولا أنفخ ريش ولا أمسح جوخ
بس جد موضي أحس كل الكلام ما يوفيش حقش علي
حفظتيني وحفظتي سري.. ولو كنتي كشفتيه ما كان عليش لوم
أنت كنتي بنت صغيرة.. والمنطق كان يقول إنش بتخافين وتبلغين أمش على الأقل
موضي تبتسم: ودام قلت لك سري.. ليش ما تقول لي سرك
دام إن السرين كلهم انتهوا
وسر بسر ونكون خالصين
راكان بحذر: أي سر؟؟
موضي بعذوبة: اللي كنت تحبها.. نفسي أعرفها بس
لو ما حبيت تقول براحتك.. أنا بس نفسي أعرف اللي قدرت على قلبك
اكفهر وجه راكان وهو يقول بهدوء: اسمحي لي موضي
أحب أحتفظ باسمها لنفسي
موضي شعرت بضيق ما..
عميق ربما.. حاد ربما.. اعتيادي ربما.. غير طبيعي ربما
مادام يرفض أن يخبرها باسمها مع أنه بات يعرف إن موضي هي موضع ثقة ولن تفشي له سرا
فهذا يعني أنه بقي لها شعور ما في قلبه
وأنها مازالت تتلحف بغشاء فؤاده في أحد الزوايا التي يحاول تناسيها
موضي حاولت رسم ابتسامة فاشلة على شفتيها : براحتك راكان.. أنا آسفة جد
راكان نظر لها بتعمن وهي تشيح بناظريها همس بهدوء: طالعيني موضي
موضي رفعت عينيها له.. وهو همس لها بثبات عذب: زعلتي صح؟؟
موضي ابتسمت بعذوبة مثقلة بالشجن: مازعلت والله العظيم.. يمكن تضايقت
أدري أنك كاشفني.. فما فيه داعي أنكر
ولا تقول لي ليه تضايقتي لأني ما أدري بالتحديد
يمكن أكون كرهت إنك مهوب قادر تأتمني على سرك
بينما احنا صرنا أصدقاء بالمعنى الفعلي
راكان ابتسم: واحنا فعلا أصدقاء وأكثر .. عمري ماحسيت بالراحة وأنا أتكلم مع حد مثل راحتي معش
بس بلاها تنبشين في ذا الموضوع يا موضي
موضي ابتسمت: خلاص راكان.. ما يهم.. خلك من حساسية النسوان
متى بنمشي بكرة؟؟
راكان بهدوء: بكرة إن شاء الله نتغدى .. وأسوي شيك آوت ونمشي
*****************************
بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية
مشاعل تجلس مع جدتها التي كانت تحادث ناصر في الهاتف
جدتها مدتها بالسماعة وهي تقول بحزم: هاش كلمي رجالش.. وأنا بأقوم أتوضأ أصلى الضحى
مشاعل كانت تشير لا.. ولكن جدتها حلفت عليها أن تكلمه
ناصر تنهد بعمق وهمسها يصب في أعمق نقطة في قلبه.. رد بهدوء: هلا
مضت دقيقة صمت.. قطعها ناصر وهو يقول بحزم: وين المدرسة التي تبين تروحين لها؟؟
(رغم أنه كان يتمنى أن يقول لها:
اشتقت لك
بل أكاد أجن من شوقي
أما لهذا الهجر من آخر
أما لهذا العذاب من نهاية؟!!)
مشاعل تشعر أنها تختنق بكلماتها وهي تجيبه: اللي ورا بيتنا بشوي
(رغم أنها كانت تتمنى أن تقول له:
ألا تأتي لزيارة جدتي حتى
أراك لو من بعيد
أشعر بالاختناق بعيدا عن أنواءك
أشعر بالضياع بعيدا عن موانئك
أشعر أنني أذوي بعيدا عن شمسك وظلالك)
ناصر بهدوء: بس أنتي منتي بحاجة للشغل الخير واجد
مشاعل بحرج: الشغل حاجة نفسية قبل ما يكون مادية
ناصر بذات الهدوء: زين أنا بجي أوديش
مشاعل بجزع: لا ناصر لا.. يعني توهم عمي وأبي عندي البارحة يبوني أرجع وما رضيت.. اليوم أروح معك
ناصر ببرود: زين إنش فتحتي الموضوع بنفسش
ما تشوفين إنها كبيرة واجد تردين شيبان آل مشعل الكبار
على الأقل احشمي شيباتهم
مشاعل بألم: وأنت ما حشمتني قبلها
ناصر بغضب: وأنتي ما حشمتيني لا أول ولا تالي
مشاعل بألم عميق: ناصر مافيه داعي نفتح جروح بعض.. أنا عشان كذا ما أبي أرجع
كل واحد منا مجروح من الثاني.. أخاف عند أقل خلاف بيننا كل واحد يفتح للثاني الدفاتر القديمة
خلنا الحين في موضوع المدرسة
عندي مقابلة.. نص ساعة بس وأرجع..
ناصر يستعيد بروده: أنا أوديش.. أو مافيه روحة
مشاعل توترت بشدة.. ستكون المرة الأولى التي تركب معه في سيارته
وهما أمام الناس بينهما خلاف كبير
وبالفعل بينهما ما هو أكبر من مجرد خلاف
جرح عميق متجذر
همست بمناشدة عميقة: تكفى ناصر لا تعقدها
ناصر بعمق: أنتي عقدتيها قبلي
مشاعل تنهدت بعمق: بس توديني للمدرسة وترجعني بيت إبي
ناصر بغضب: لا تشرطين علي
مشاعل بخفوت: لا حول ولا قوة إلا بالله
خلاص ناصر هونت.. ما أبي المدرسة.. ولا أبي الوظيفة
ناصر بحزم: نص ساعة وأكون عندش.. ولو ما نزلتي لي.. طلعت لش
************************
الدوحة
سيتي سنتر
مشعل يلتفت للطيفة: انا آسف ياقلبي.. بس هذي أم علي ، فاتن الفرج
تعرفينها... تبي تجيب لي أوراق أوقعها.. يضايقش؟؟
شغلة دقيقتين بس
رغم أن لطيفة تجاوزت الإحساس بالضيق للغضب الفعلي لكنها همست بهدوء وهي تسيطر على غضبها:
خلاص خلنا نروح الكوفي.. وتجينا هناك.. مايصير توقعون الأوراق في الممرات
كان يدور تفكير ما في رأس لطيفة.. فهي تعلم أن تلك الحية الخبيثة لم تحضر إلا لتعلن وجودها أمامها
وهي مستعدة لها
مشعل ولطيفة توجها لريشو المقهى كان خاليا تماما
أخذا زاوية منعزلة ولطيفة تعطي ظهرها للمدخل ثم تهمس بهدوء: ممكن أحط نقابي مشعل؟؟
مشعل باستغراب: غريبة مهيب عوايدش
لطيفة بعفوية مصطنعة: أشوف الكوفي فاضي.. وبعدين أنت اللي وجهك للباب لو حد دخل نبهني
والجرسونات ناد لنا وحدة من البنات
مشعل بعفوية: براحتش
لطيفة قررت أن تلجأ لسلاح جمالها هذه المرة.. حتى تعلم هذه المتطفلة أن أم محمد ليست بالخصم السهل
ففاتن لم ترَ مطلقا وجه لطيفة.. ففي كل مرة كانت تراها بنقابها حتى في باريس
فإن كانت لا تعرف شخصيتها وكيف هي قادرة على احتواء زوجها
فعلى الأقل فلتريها أن الله أنعم عليها بنعمة الجمال التي تكفي لملء عين مشعل
حتى وإن كانت حقيقة لم تملأ عين مشعل إلا في الفترة الأخيرة فقط
لطيفة أخرجت مرآتها وتأكدت من شكلها ثم من ترتيب ابنتها
ومشعل يهمس لها بإعجاب: البنت وأمها كل وحدة تقول الزود عندي
وهو مستغرق في حديثه المرح مع لطيفة كانت فاتن تصل ومعها سكرتيرتها بعد أن أخبرها مشعل بمكانهما
اقتربت بهدوء وهي تسلم باحترام وذوق
لطيفة وقفت لها وهي تصافحها وترحب بها بدفء محترف
فاتن شعرت بصدمة حقيقية... فهي لم تتوقع أن زوجة مشعل قد تكون بهذا الجمال المبهر
ولكن انفعالها لم يظهر مطلقا على وجهها وهي تهتف بمهنية راقية:
جاكلين عطي أبو محمد الأوراق يوقعها ما نبي نخرب قعدته مع هله
فاتن بالنظرة الموضوعية الطبيعية.. ليست بالشخصية السيئة مطلقا.. فهي امرأة ناجحة وواثقة.. لها سمعتها الممتازة في السوق تعاملا مهنيا وأخلاقيا
ولكنها امرأة تعرف ماذا تريد تماما.. وتصل إليه
فهي تريد والدا قويا لابنها.. يربي ابنها كرجل حقيقي
وفي كل من عرفت من رجال.. كان مشعل هو الأنسب في نظرها
ولكن مشعلا لم ينتبه إليها.. أو ربما انتبه وادعى عدم الانتباه وحصر علاقته بها في العمل فقط
فاتن أخذت الأوراق بعد أن وقعها مشعل... وغادرت
ولطيفة تشعر بالارتياح العميق وهي تظن أنها ربحت المعركة
بينما المعركة لم تكن بدأت بعد.. بل هي على وشك الاندلاع
***************************
مركز طبي خاص/ الدوحة
أم فارس والعنود تجلسان أمام الطبيبة... أم فارس كانت شبه متأكدة أن العنود لابد حامل
ونقلت إحساسها للعنود وهي تسألها باهتمام وهما في الطريق عن آخر دورة شهرية
الاثنتان تشعران بتوجس سعيد مفعم بالأمل.. وخصوصا أم فارس التي نذرت حياتها لهذا الولد الوحيد.. لفارس
كم هي مشتاقة لرؤية صغاره.. أحفادها
بداخلها كم كبير من الحب ينتظرهم.. ينتظر وجووهم وأناملهم الصغيرة
تكاد تحلم الآن بملمس هذه الأنامل الزبدية بين يديها منذ الآن
تحلم بخطواتهم الأولى وأسنانهم الأولى وكلماتهم الأولى
تحلم برائحة فارس فيهم.. نظرة عينيه وابتسامة الرائعة
تتمنى أن يأخذوا من عبق روح والدهم وجمال أمهم..
مرجلة آل مشعل إن كانوا فتيانا.. آصالة عماتهن بالرضاعة إن كن فتيات
تريدهم أن يجمعوا كل الصفات المميزة.. تريدهم الأروع
أو ...
بالأحرى تريدهم كيف كانوا.. وكيف كان شكلهم
حتى وإن كانوا الأبشع بين الأطفال
يكفيها أنهم أبناء فارس
العنود كانت تشعر بتوجس مثير رقيق عذب
قطعة من فارس تنمو في أحشائها؟!!
تمازج روحيهما وخليط صفاتهما
هل سيشبه فارس؟؟ أم سيشبهها؟؟
هي تريده يشبه راكان إن كان فتى
وتشبه لطيفة إن كانت فتاة
يا الله لا تستطيع الصبر حتى يصبح جسده الصغير بين يديها وفي أحضانها
انتزع الاثنتان من أفكارهما صوت الطبيبة الهادئ:
نقص بي12 .. هو اللي مسبب الخمول واضطراب الدورة الشهرية
أم فارس شعرت بصدمة موجعة نسفت أبراج أحلامها
تعلم أنهما لم يتجاوزا شهرين بعد منذ زواجهما ومازال الوقت مبكرا
ولكنها كانت قد بنت أحلاما عريضة.. وانهيارها كان موجعا لها
همست أم فارس بخفوت بينما العنود غارقة في صدمتها الرقيقة: نعم؟؟
الطبيبة بذات الصوت الهادئ: البي12 عندها 300 والطبيعي من 450 ل900
تبي لها كورس علاج مكثف
10 إبر كل ابرة بقوة 500 يوم ورا يوم
وبعدين 4 ابرة بقوة 1000 مرة في الأسبوع
وبعدين من الأفضل تأخذ ابرة بقوة 1000 مرة كل شهر بشكل دوري
أم فارس باهتمام: والنقص هذا يأثر على الحمال؟؟
ابتسمت الطبيبة: لأ إن شاء الله
بس هالفيتامين أساسي في تكوين خلايا الدم الحمراء والحمض النووي
ومهم جدا أنه يكون في المستوى الطبيعي وقت الحمل عشان نضمن أطفال أصحاء خالين من التشوهات بإذن الله
الطبيبة استغرقت في كتابة الوصفة الطبية بينما كانت أم فارس تهمس للعنود بابتسامة وتقول لها كلام لا تقصده بحذافيره:
الشهر بداله شهور.. وانتو توكم معاريس وصغار.. استانسوا الحين ولاحقين على غثاء البزران
*********************************
واشنطن دي سي
بيت يوسف
باكينام تدخل البيت ويوسف يدخل قبلها يحمل حقيبتها وفي عينيه نظرة انتصار واضحة
باكينام صُدمت وفُجعت ويوسف يلقي الخبر على مسامعها
رتبت حقيبتها على عجل وهي تشعر بثقل المهمة على قلبها
وطوال الطريق وهي تتحاشى النظر إليه أو حتى محادثته
وهاهي تدخل بيته كأنها تُقاد إلى قبرها
همست وهي تتجاوز الباب بحرج حقيقي: وممكن أعرف أنّا وفيكتوريا جايين ليه؟؟ وإزاي ما يبلغونيش؟؟
يوسف بنبرة اعتيادية: شكلهم عاوزين يعملوها سربرايز
باكينام بتصميم: بس اسمعني أول ما يسافروا أنا هأرجع للسكن
يوسف بهدوء رغم التماع نظرة الخبث في عينيه: لما يسافرو يحلها الحلال
ثم أردف باهتمام: أنا ئلت لماريا تجهز لهم أوضة الضيوف اللي تحت
شوفي هي عملت إيه.. وعملت إيه للعشاء
عشان تباني ئدامهم إنك عارفة كل حاجة
وأنا رايح المطار أجيبهم
***************************
بيت جابر بن حمد
الصباح
أم حمد مريضة اليوم.. فهي باتت تمرض كثيرا الفترة الأخيرة
عالية من بقيت عندها اليوم.. وعلياء ومعالي توجهتا للمدرسة
حينما رن هاتف البيت سارعت لإلتقاطه فهي وشقيقتيها ينتظران اتصالا غاليا على قلوبهن منذ فترة
وكثيرا ما خاب ظنهن في المتصل حين لا يكون حمد الذي لم يتصل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع
الفتيات الثلاث يشعرن بحزن عميق وخوف أعمق
غياب حمد جعل والديهما يكبران كثيرا.. وخطوط الهم ترسم علامات غائرة على وجهيهما وروحيهما
لو حدث لوالديهما شيء وحمد غائب.. فمن لهن؟؟
إحساس ضياع يلف أرواحهن المراهقة القلقة
التقطت السماعة بتوتر وهي تهمس: الو
حين سمعت صوته الدافئ يهمس بمرح: أي وحدة في الغزلان الثلاثة أنتي؟؟
انهارت مشاعرها المثقلة
وانخرطت في بكاء حاد وهي تشهق بعنف
حمد شعر برعب كاسح وهو يصرخ: وش شفيش؟؟ حد منكم صار عليه شيء؟؟
عالية تشهق: لا والله كلنا طيبين.. بس اشتقنا لك.. تكفى حمد ارجع خلاص
تكفى
حمد برعب: عطيني أمي أكلمها.. أبي أتطمن عليها
عالية بتوتر وصوتها يهتز: أمي تعبانة شوي ومتمددة في غرفتها
حمد بغضب مختلط بالقلق والتوتر: عالية خلصيني.. أمي وش فيها؟؟
عالية بصدق وكلماتها تنثال بوجع: والله تعبانة شوي بس..وإن شاء الله إنها طيبة
أمي مشتاقة لك يا حمد.. حتى إبي مشتاق لك واجد ولا يبين
وأنا وخواتي
حمد حن مالنا غيرك.. لمتى وأنت مخلينا
حالتنا حالة عقبك
حمد شعر أن روحه تتمزق.. هتف لها بحزم: خلاص قولي لأمي وأبي إني راجع قريب.. قريب
رجلان اثنان يجتاحهما شوقهما واحتياجهما لنصفهما الآخر
مثقلان بالأسى والأذى
ومصدران للأسى والأذى
يحتاجان لحيلة ما لخلق الحصار.. وإعادة الحوار
لِـمَ لا؟؟
كل شيء مباح في الحب والحرب
فكيف حينما يكون هو الحب المباح والمتاح والمحال؟!!!!!
**********
واشنطن
بيت يوسف
يوسف غادر البيت بعد أن وضع حقيبة باكينام في غرفته
وهاهي باكينام تصعد بخطوات مترددة
وصلت للغرفة.. جالت فيها بعينيها..
ليلة واحدة قضتها في هذه الغرفة
ليلة واحدة بذكريات قرن كامل.. ألما ووجعا ويأسا
ماذا وجدت من يوسف إلا الإهانة والتجريح ؟!!
كل ما يرتبط بيوسف يجرحها لأبعد حد
ويشجيها لأقصى حد
ويهزها بلا حد
اقتربت أكثر
قميصه ملقً على السرير..تناولته
قربته من أنفها وهي تستنشق رائحته بعمق
عبق رائحة يوسف!!!
احتضنت القميص وهي تشعر أن جروح قلبها لا تتوقف عن النزيف
فهل لهذا النزف من آخر؟!!
وهل لأوجاعها من نهاية؟!!
انتزعها من الموقف رنين هاتفها
انتفضت بعنف وهي تلتقطه..
تنهدت وهي ترد: خوفتيني يا بت يا هيا
هيا بمرح: بسم الله عليش.. وينش؟؟ أنا في السكن
ومشعل راح وخلاني
بتجين أو أتصل فيه يرجع علي
باكينام بحرج: أنا في بيت يوسف
هيا انفجرت ضاحكة: نعم.. نعم.. عيدي ما سمعت
باكينام بغيظ: بلاش عبط يا هيا.. أنا مش نئصاكي
هيا مازالت تضحك: لا جد جد.. قولي لي أشلون صادش يوسف وسحبش لبيته
ثم أردفت هيا بخبث: أو يمكن أنتي تبين تنصادين
باكينام بغيظ أكبر: بس يا عبيطة.. أنا صفية وستي فيكتوريا جايين لواشنطن
عاوزاهم يجوو يلائوني طافشة من بيت جوزي وأنا ماليش تلات أسابيع متجوزة
هيا بصدمة: جداتش كلهم جايين.. فيه اجتماع للامم المتحدة بيصير في واشنطن؟؟
باكينام تضحك باصطناع: زريفة أوي يا بت
ما تنسيش لازم تيجي تسلمي عليهم
هيا تبتسم: أكيد بدون ما تقولين.. خليهم الحين يرتاحون.. وبكرة بأخذ منش العنوان وأخلي مشعل يجيبني
*************************
بيت عبدالله بن مشعل
باحة البيت الأمامية
الساعة 9 صباحا
سيارة ناصر تتوقف في الباحة
ومشاعل تنزل بعباءتها ونقابها بخطوات مترددة ثقيلة
يغمرها طوفان من الخجل والارتباك............ والشوق
وقفت بجوار سيارة ناصر
ناصر أنزل الزجاج وهو يهمس بحزم: اركبي
مشاعل توجهت للباب الخلفي
ناصر بحزم أكبر: وين رايحة.. تراني ماني بسواقش.. رجالش يا مدام
مشاعل تنهدت وهي تتوجه للركوب جواره
ركبت بصمت ورائحة عطرها الرقيق تخترقه بكثافة
هي تعطرت بعفوية لأنها ذاهبة لنساء فقط
أو......
ربما تعطرت من أجل من تجلس جواره ويغتالها اشتياقها له؟!!!
ناصر تحرك وهو يهمس بهدوء: مافيه سلام حتى؟؟
مشاعل بخجل: السلام عليكم
ناصر بذات الهدوء الذي لا يُعلم ما خلفه: وعليكم السلام..
أشفيش زعلانة؟؟
مشاعل بخجل حقيقي: بصراحة محرجة ومستحية.. وش تبي هلي يقولون علي
أقول لهم ماني براجعة بيته.. ثم أروح معك وأرجع عليهم؟!!
ناصر بابتسامة جانبية وهما يصلان للمدرسة القريبة: محلولة يا بنت الحلال.. أنتي الحين خلصي مقابلتش
وأنا أتناش هنا
************************
واشنطن
بيت يوسف
باكينام استحمت ورتبت شعرها وتأنقت لأقصى حد
لا تعلم هل هي تتأنق أمام جدتيها لتظهر بمظهر العروس
أم تتأنق من أجله؟!!!
متوترة كثيرا
تعود لبيت يوسف.. وفي وجود جدتيها الدقيقتي الملاحظة
أي عذاب نفسي هذا؟!!!
نزلت للأسفل وهي تحمل زجاجة عطرها لتكون قريبة منها
توجهت للمطبخ
أشرق وجه ماريا بسعادة: أهلا بعروسنا الهاربة
باكينام تبتسم: أرجوكِ ماريا لا أريد أن تعلم جدتاي أنني لم أكن هنا
أنا هنا منذ اليوم الأول لوصولنا واشنطن
ماريا تبتسم: لا تخشي شيئا.. جو أخبرني وأخبر سانتياغو.. تأكدي أننا حريصان عليكما
ولكن أتمنى ألا تعاودي الهروب مرة أخرى
باكينام تبتسم: أخشى أني سأهرب فور عودة جدتيّ كلٌ لبلدها
ماريا بجزع: أرجوكِ لا تفعلي... جو كان غاية في الاكتئاب طيلة الأيام الماضية
أرجوك ابنتي لا تضغطي عليه أكثر.. فهو على وشك إنهاء دراسته
ويحتاج للتركيز.. وغيابك شتته تماما.. غالبا أدخل عليه لأجده مستغرقا في التفكير والحزن على محياه
باكينام شعرت بحزن شديد يخترم فؤادها.. لم تتوقع أن هذا المتوحش المدعو يوسف قد يتأثر من أجل غيابها
( وما أدراني أنه متأثر لغيابي
قد يكون تأثره لأي سبب آخر
فهو لا يحبني حتى يحزن لغيابي ويكتئب)
(وحتى وإن كان هناك سبب آخر لحزنه
أليس ذلك السبب يكفيه.. حتى آتي أنا لأزيد همه هما)
(لست أنا سبب همومه
بل هو السبب في كل شيء.. كل شيء)
***************************
الدوحة
سيارة ناصر
مشاعل أنهت مقابلتها وعادت لناصر الذي كان ينتظرها
ركبت بهدوء يخفي أعاصير قلبها
وناصر كان من تكلم: وش قالوا لش؟؟
ولكنه بدل أن يدخل داخل سور بيت عمه عبدالله.. دخل إلى داخل بيت والده
مشاعل برعب: ناصر احنا ليش جايين هنا؟؟
ناصر بابتسامة شاسعة: بيتش يا قلبي
ناصر أصبح يعرف بجميع مخاوف مشاعل من لطيفة..
ولطيفة قررت مصارحة ناصر لأنها شعرت فعلا بعمق حبه لمشاعل ورغبته العميقة في عودتها إليه
وناصر يرى أن تأجيل حل المشكلة سيأزمها
وكلما تأجلت عودتها إليه.. ستجد أن العودة تصبح أصعب وأصعب
وخصوصا أنه حتى الكلام ماعادا يتكلمان سويا
لذا لابد أن يضع مشاعل أمام المدفع.. ويجبرها أن تراه وتعرفه كما هو حقيقة
ناصر بشخصيته الفعلية
ليس ناصر القاسي الذي عرفته بعد عودته من الإصابة
وليس شبح مخاوفها من تجارب شقيقتيها لطيفة وموضي
أن يداوي هو جروح قلبها النازف وهي بقربه
مشاعل بغضب: عيب عليك ناصر تكذب علي.. أنت قلت إنك بترجعني البيت
ناصر يلتفت لها وهو يبتسم: أنتي اللي لا تكذبين علي
أنا ماقلت نهائي إني بأرجعش لبيت عمي
مشاعل تعصر مخها تفكيرا وتذكرا لتجد جملة تدينها فيه..
ولكنه بالفعل لم يصرح أنه سيعيدها لبيت والدها بعد انتهاء مقابلتها
ورغم ذلك لم تنزل وهي تقول بغضب طفولي: ودني لبيت هلي أو بأروح بروحي
ناصر من بيت أسنانه: مشاعل انزلي قدامي.. أو بأجي لش أشلش وأنزلش
مشاعل بخوف: ماني بنازلة
ناصر نزل وهو يغلق بابه بصوت مسموع ..ويتجه لبابها ويفتحه.. قبل أن تنجح في محاولته المرتبكة لاغلاقه
وهو يشدها ليحملها فعليا
مشاعل صرخت بخفوت مرتعب: خلاص ناصر بأنزل بروحي لا تفضحني
مشاعل نزلت بخطوات مترددة: وين أروح؟؟
ناصر بحزم: داخل البيت
مشاعل بمناشدة: حرام عليك تفشلني كذا في هلك
ناصر بذات الحزم: البيت الحين فاضي.. يالله قدامي
مريم في الدوام.. وأمي وأبي رايحين الكَبرة..
مشاعل تتعثر في خطواتها وهي تفكر أنه حينما يرجع ناصر لعمله ستعود هي لبيت أهلها قبل أن ينتبه أحد
ولكن ناصر قطع عليها خط الرجعة وهو يقودها للأعلى ويتصل في ذات الوقت بوالده ووالدها ثم بجدته
ويبلغهم جميعا أن مشاعل عادت برضاها لبيتها المفترض
شعرت بيأس عميق أنه خطط لكل هذا..
تحبه ومشتاقة له ولكنها لا تريد العودة قبل شفاء جروح قلبها
ولا تريد العودة بهذه الطريقة الإجبارية
وصلا للأعلى
ناصر فتح لها باب إحدى الغرف
كانت غرفتان واسعتان مفتوحتين على بعضهما
ومأثثتان بذوق رفيع جدا
هما غرفته وغرفة راكان السابقتان.. بعد أن أستأذن راكان في هذا التبادل
وبدا هذا التبادل لراكان أكثر راحة مع فكرة الزواج الصوري السخيف المعقود بينه وبين موضي.. حتى يتلافى التمثيل أمام أهله
مشاعل دخلت بتردد وهي تقول بتوتر: زين وأغراضي؟؟
ناصر يبتسم: كلها هنا من كم يوم.. لطيفة جابتها
مشاعل بعتب عميق: يعني متفقين علي
ناصر يقترب منها وهو يمسح بظهر سبابته على خدها ولكنها ابتعدت لتترك سبابته معلقة في الهواء
تنهد ناصر.. يعلم أن مهمته صعبة.. وكأنهما في معركة بين شد وجذب
همس لها بهدوء حازم: أنتي تبيني وإلا لا؟؟
صمتت مشاعل.. وردها واضح في صمتها
ناصر همس لها بحنان: وأنا أموت فيش... وش ذا العبط واحنا مسوين فيلم هندي
وكل واحد يعذب في الثاني
مشاعل بألم: بس فيه شيء في نفسي انكسر
ناصر بعمق: الكسر نجبره.. وهالمرة بكل صدق ماني بجابرش على شيء
بس خلش جنبي.. تعبت من بعدش
خلش هنا واعرفيني عدل لين تشوفين إنه أنتي مستعدة تبدين معي حياة جديدة ننسى فيها كل اللي فات
*************************
واشنطن
بيت يوسف
باكينام تنتظر بترقب وصول جدتيها.. مشتاقة لهما كثيرا
وروحها الممزقة تحتاجهما لجوارها
وقتها كانت سيارة يوسف تتوقف في الخارج
وهو يبتسم ويلتفت للعجوزين القويتين اللطيفتين الذكيتين
ويهمس بالعربية ثم بالانجليزية:
كما اتفقنا.. أنتما قادمتان لمفاجأة باكينام
لا أريدها أن تعلم أني من طلبت حضوركما حتى لا تغضب مني
فأنا رأيت أنها حزينة وتفتقدكما وأنتما تعلمان أن الفتيات يتأثرن في بداية الزواج لفراق أهلهن
لذا أردتها أن تشعر أنكما تفكران بها.. كما هي تفكر بكما
العجوزان تبادلتا النظرات الخاصة
فهما منذ وجودهما في القاهرة معا وكانت فيكتوريا تستعد للعودة لبريطانيا
ووصلهما اتصال يوسف مع هذه الحكاية اللطيفة المحبوكة عن الزوج المحب المهتم بعروسه
وهما تعلمان أن هناك ماهو أكبر بكثير
وخصوصا مع استعجال يوسف وتوظيفه لمعارفه حتى ينجز لأنا صفية فيزا الدخول لأمريكا لأن فيكتوريا بجنسيتها البريطانية لا تحتاج لفيزا
لذا قررت الاثنتان الحضور وبرأس كل منهما ذات التفكير
"ما بها باكينام؟؟؟"
ما أن دخلت العجوزان حتى قفزت باكينام لترتمي في أحضانهما وهي تنخرط في بكاء جنائزي حاد موجع
الجدتان ويوسف معهما انصدموا جميعا بل فُجعوا.. فبكينام القوية كانت تشهق بشكل مأساوي
يوسف شعر بالتمزق وهو يتمنى أن ينتزع باكينام من أحضان جدتيها ليزرعها في أحضانه هو..
لم يتخيل أنه قد يرى هذه الأنثى الاستثنائية القوية تبكي يوما
باكينام نفسها لم تتوقع أنها قد تبكي
ولكنها مرهقة.. مرهقة تماما
موجوعة.. ومجروحة.. ورؤيتها لجدتيها فجرت كل أوجاعها
باكينام تشعر بالألم..
وتريد أن تكون ضعيفة..
وتريد من يحتوي ضعفها ووجعها وانهزام روحها
ولكنها لابد أن تبدو قوية أمامهما.. مسحت وجهها وهي تبتسم:
أنا اشتقت لكما فقط
.
وحشتيني آوي يا أنّا
حينها يوسف اقترب ووضع يده على كتفيها.. انتفضت بعنف وذهول وهي تشعر بثقل ذراعه ودفئها على كتفيها
ثم شعرت بقشعريرة باردة وهو يهمس في أذنها بدفء عميق:
البكا مش عيب... سيبك من جنان الاتراك والايرلنديين
احنا عرب وعندنا مشاعر سخنة مش عندهم
باكينام التفتت له بعينيها الغائمتين التي غرزت حزنا غائما في روحه
ولكنه التفت للعجوزين وذراعه مازالت على كتفي باكينام وهو يقربها منه ويبتسم:
كده تزعلوا عروستي وتخلوها تعيط
أنّا صفية من أجابت بحزم: أديك ئلتها.. عروستك
لأنه بنتنا ما بتعيطش
يوسف طبع قبلة على شعر باكينام وهو يأخذ نفسا عميقا رغم أنه حاول أن يجعل قبلته عفوية وهو يهمس بمرح:
أحلى عروسة.. ربنا ما يحرمنيش منها
باكينام مازالت مذهولة.. ماذا يخطط هذا اليوسف؟؟
ربما يريد فقط أن يبدوا عريسين طبيعيين أمام جدتيها
ثم عادت ليوسف وهي تهمس له بغضب: ممكن أعرف إيه لزمة التمسيل ده؟؟
يوسف جلس وهو يرد عليها ببرود: أديكي ئلتيها.. تمسيل
عاوزاني أديكي ألمين مسلا عشان تنبسطي
باكينام بغضب: أنته مخلوء غير مهيأ للتفاهم الإنساني خالص
يوسف يرفع حاجبا وينزل الآخر: سبنا التفاهم الإنساني والنفسي ليكي
ما أنتي خبيرة في التفاهم الإنساني... والنفسي خصوصا
باكينام شعرت بألم إهانة حاد لأنها فهمت أنه يعرض بعلاقتها المفترضة مع حمد
ويوسف تنهد وهو يشعر بألم عميق.. يبدو أن كل محاولاته للتناسي باءت بالفشل مع أول حوار بينهما
سيبقى شكه فيها حاضرا كوحش مرعب يقف بينهما
لا يستطيع أن ينسى بل يستحيل مادامت هي لم تبرر له شيئا.. ولم تدافع عن نفسها
وهاهو الحائط يزداد ارتفاعا بينهما
والجرح يزداد تعمقا
مضت فترة العشاء على خير
الجدتان أشعلتا أبراج المراقبة وهما تتفحصان علاقة باكينام بيوسف
ويوسف علم أنه لعب لعبة خطرة بإحضار العجوزين
فلو علمتا أن باكينام غاضبة منه فهو يعلم أنهما ستقفان في صفها وقد يجبرانه على تركها
ولكن كان احضارهما حله الوحيد لإجبار باكينام على العودة إلى حياته
يعلم أنه يلعب بالنار.. ولكنه سيستخدم كل ذكائه لإكمال اللعبة
باكينام لن تخرج من سجنه..
يشك بها!!.. يحتقرها!!.. ولكنه يريدها!!
ومجنون بها
باكينام حاولت أن تبدو طبيعية جدا أمام جدتيها وأنها سعيدة مع يوسف وتحبه
رغم أنها أبعد ما تكون عن الطبيعية والسعادة
ولكن ماذا عن الحب؟؟
نعم.. تحبه
في هذا لم تكذب ولم تمثل..
انتهى العشاء
والعجوزان استأذنتا للراحة والنوم فهما متعبتان من الرحلة الطويلة
تبقى يوسف وباكينام.. يطوف حولهما جو مشحون تماما
حرب نظرات صامتة مشتعلة تستعر بينهما
وكانت باكينام من أنهت هذه الحرب
حين نهضت وتوجهت للأعلى تريد الهرب من أمامه
تخشى فتح حوار ينتهي بتجريحه لها
يوسف كان يريد التحجج بإطروحته ليتركها
ولكنه لم يستطع تركها تغيب عن عينيه
فهو لم يرتوي من النظر إلى محياها العذب بعد
تبعها للأعلى
فور وصولهما.. التفتت له وهي تقول بحدة: إياك تفكر تلمسني
اقترب منها يوسف بهدوء وهو يثبت عينيه على عينيها ويهمس ببرود:
لو فكرت ألمسك دا حئ من أبسط حئوئي.. وأنتي مالكيش حئ تمنعيني
باكينام تتنهد بعمق: أنا عاوزة أعرف انته ليه بتكون كويس لحد ما توصل عندي وكل البشاعة اللي فيك بتطلعها فيا
اقترب منها أكثر
واحتضن وجهها بين كفيه وهمس لها من قرب بدفء حقيقي عميق:
وحشتيني
باكينام شعرت بالتبعثر ودفء صوته يتسلل لروحها
وأحرف كلمة (وحشتيني) تخترقها بكل العنفوان
ولكنها همست بألم: وحشتك بأي معنى؟؟
وحشتك كروح بتنبسط بإهانتها؟؟
أو وحشتك كجسد رخيص للاستهلاك الحيواني؟؟
يوسف تنهد بعمق وهو يشدها ليدفنها بكل قوته بين أضلاعه:
باكينام أنتي ما بتتعبيش من الحرب؟!!!
هدنة ادينا هدنة
سيبك من وحشيتي
وسيبك من غرورك
وادينا هدنة..
وحشتيني وخلاص.. ليه عاوزة تخربي كل احساس جميل بيننا
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل الجديدة
بعد صلاة الظهر وقبل الغداء
مشاعل متوترة جدا.. تعلم أن ناصر على وصول
بعد أن غادرها صباحا وعاد لعمله
تشعر بخجل كاسح
لم تتحرك من الغرفة مطلقا ولا تستطيع وضع عينيها في عيني أي أحد من أهل البيت
طرقات رقيقة على الباب
مشاعل بخجل: من؟؟
من خلف الباب بصوتها الهادئ: مريم
مشاعل قفزت لتفتح الباب بسرعة رغم أنه مفتوح ولكن احتراما لمريم ومكانتها عندها
سلمت على مريم.. ومريم احتضنتها بحنو وهي تهمس بترحيب حقيقي دافئ:
تو ما نور بيتنا.. حتى لو أنا ما شفت النور بس حاسه فيه
إن شاء الله عجبش مكانش الجديد؟؟
مشاعل بخجل: الحمدلله فديتش..كل شيء زين
مريم بحنان: زين انزلي تغدي معنا أنا وأمي
مشاعل بحرج وصدق: بصراحة مستحية يا مريم.. منحرجة أحط عيني في عين عمي وإلا أمي أم مشعل
مريم بهدوء عذب: اسمعيني مشاعل.. هونها وتهون
يعني إذا أنتي كبرتيها تكبر.. وإذا أنتي صغرتيها تصغر
يعني دامش بتحطين السالفة كبيرة وانش منحرجة.. بتخلين ابي وامي يلاحظون انه فيه فعلا شيء كبير
بينما لو نزلتي عادي وتعاملتي مع الوضع عادي.. بتحسسينهم إن الموضوع بسيط
واللي صار بينش وبين ناصر مجرد خلاف عادي مثل اللي يصير بين كل المتزوجين
مشاعل ابتسمت برقة: خلاص مريم ألبس وأنزل..
مريم نزلت
ومشاعل انشغلت في تغيير ملابسها والتأنق
وهي أمام المرآة دخل ناصر
توترت
سلم.. ردت عليه بتوتر
ناصر ابتسم دون أن يقترب منها رغم أن شوقه لها يغتاله ويهزه بعنف:
مايصير كل ما تشوفيني كنش شايفة جني
مشاعل ابتسمت: عطني وقت لين أتعود..
ناصر وهو يتجه للدولاب: زين أنا بأبدل.. وبأتغدى في المجلس
وعقبه بأرجع للشغل عندنا مؤتمر.. وماني براجع إلا في الليل
مشاعل باهتمام: مهوب تعب عليك؟؟
ناصر بمرح: خلش تخلصين من غثاي اليوم
************************
الدوحة
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
بعد الغداء
فارس يفتح الباب بهدوء فهو أصبح يعرف بخيبة أمل العنود اليوم بعد انتهاء فحوصها.. ومن ناحية أخرى هو قلق عليها وعلى إرهاقها
ويشعر أنه قد يكون أرهقها بكثرة التنقلات والتحركات والجولات حينما كانا في تركيا
تطوف دائما في مخيلته بعذوبتها ورقتها وأنوثتها المصفاة
وكأنها قد تنكسر من شدة رقتها ولكنها تفاجئه دائما بقوتها الشفافة
دخل بخطوات ثابتة هادئة
كانت تتمدد على سريرها.. حين رأته جلست وهي تبتسم له ابتسامتها التي تأسره وتأسر روحه على أطراف شفتيها
جلس جوارها وهو يهمس لها بحنان: سلامات ياقلبي
ابتسمت العنود: مافيني إلا العافية
ثم أردفت بنبرة حزن: ولو أني تأملت إنه يكون فيه شيء ثاني
فارس شدها برقة واحتضنها وهمس في أذنها بعمق: ياقلبي تو الناس
على ويش مستعجلة؟؟ تبين حد يشغلش عني يعني؟؟
العنود رفعت رأسها عن صدره وهي تهمس بضعف: يعني جد منت بمتضايق؟؟
نهض فارس ليبدل ملابسه وهو يهمس لها بصدق شاسع ووله مصفى:
إذا قدش جنبي.. ما أبي من الدنيا شيء
ثم أردف باهتمام:
المهم الحين تواضبين على كورس علاجش..
أنا اتصلت في المركز وحطيت مواعيدش كلها المسا... عشان أنا اللي أوديش
**************************
دبي
وقت الغداء
مدينة جميرا
راكان وموضي أنهيا غداءهما وهاهما يجلسان على إطلالة رائعة من إطلالات مدينة جميرا
راكان بهدوء فخم: موضي ترا ناصر أستاذني يبي يأخذ هو غرفتنا واحنا نأخذ قمسه
وأنا رخصت له.. أتمنى ما يكون عندش مانع
موضي توترت نوعا ما.. وجودها معه في مكان منفرد.. أعاد لها ذكريات انفراد حمد بها وهي تصرخ دون أمل في أن ينقذها أحد من براثنه
ولكن رقته الفخمة وهو يقول (غرفتنا) رغم أنها لم تكن يوما غرفتها.. أذابت شيئا ما في روحها بعفوية غضة
موضي ابتسمت: أفا عليك راكان.. وهو عقب كلامك كلام.. أو تظن إني بارادك في شيء أنت عطيته..
راكان يبتسم لها بدفء: على العموم قسم ناصر أحسن..
والشيء الثاني أنا عقب رجعتنا للدوحة بشوي مسافر لسنغافورة عندنا بطولة آسيا للرماية
تقدرين تروحين بيت هلش لو حبيتي لين أرجع
شعرت موضي بما يشبه إحساس ضياع موجع.. فهي طوال أكثر من أسبوع كانت ملتصقة به كظله
فكيف ستتوازن بعد سفره؟!!
هزت رأسها وهي تهرب من أسر أفكارها.. لتبتسم وتهمس له برقة:
إن شاء الله الذهبية ذا المرة
راكان ضحك: يعني تذكريني إني و لا مرة خذت ذهبية أولمبية
موضي تبتسم: بس خذت أكثر من ذهبية محلية وخليجية وعربية
فما فيه داعي للتواضع على غير سنع
راكان يبتسم: بس ذهبية القارة غير
موضي تعاود الابتسام: بس خذت فضية وبرونزية قبل كم سنة في الدورة اللي فاتت... لا تصير طماع
راكان يعاود الضحك: ماشاء الله عليش.. حافظة ميدالياتي أكثر مني
موضي تضحك بخفوت عذب: في هذي لا تصير مغرور.. لاني حافظة ميداليات ناصر بعد
ماعندنا أبطال غيرك أنت وياه
راكان بعمق: ادعي لي ذا المرة أجيب الذهبية..
كل مرة أكون قريب.. قريب.. يصير في الأخير اللي يخرب علي
أحس أحيانا كأنه الفرح كثير علي
موضي بجزع: تكفى راكان ما تقول كذا.. قلبي عورني مع كلمتك والله العظيم
راكان ابتسم: بس أكيد الحظ ابتسم لي يوم بعث لي ربي خوي سفر مثلش
موضي بحزن شفاف: شكرا على المجاملة.. ولو أنك ما ضبطتها
*****************************
واشنطن دي سي
بيت يوسف
قبل الظهر بقليل
باكينام فتحت عينيها بكسل
مازالت لم تستوعب مكانها
وهي تظن أن أحداث الأمس كلها ليست سوى حلم طويل مليء بالهلوسات
رائحة عطر رجالي فخم تحيط بها
فتحت عينيها لتجد رأسها على صدر يوسف
انتفضت وهي تقفز مبتعدة بجزع
نظرت من بعيد ليوسف المستغرق في نومه
فهما لم يناما حتى صليا الفجر
مثقلان بالجرح والحب
تنهدت باكينام بعمق
(أي كابوس جميل هذا؟!!
كابوس وجميل؟؟!!
أي تناقض تسقيني إياه يا يوسف؟!!)
نزلت وهي تشعر بخجل عميق من جدتيها لأنها تأخرت في النوم
لابد أنهما صحتا منذ وقت مبكر
وبالفعل كانت الجدتان تجلسان في الأسفل بالقرب من المدفأة الحجرية
ويرتشفان قهوة ساخنة أعدتها لهما ماريا
فمازال الجو شديد البرودة في واشنطن مع أواخر شهر فبراير
ولكن البيوت غالبا مدفأة بتدفئة مركزية كما هو حال بيت يوسف
ولكن الجدتين أرادتا الاستمتاع بدفء أكبر قرب النار
باكينام تنهدت وهي تسلم بمرح:
صباح الخير لأحلى جدتين على الكرة الأرضية
كل جمل باكينام تقولها مرتين بالعربية مرة وبالانجليزية مرة أخرى
الجدتان نظرتا لها بتفحص.. وكأنهما تريدان سبر أغوارها
صفية ابتسمت: صباح نادي يا عروسة
وشك زي ورد النهاردة
مش زي امبارح دبلان وتعبان
حتى وانتي حاطة مكياج امبارح كان باين تعبان
بس دلوئتي زي ئمر
كحت باكينام بحرج..
أ يكون لقرب يوسف هذا التأثير الواضح عليها حتى في شكلها؟!!
روحها تتفتح كزهرة نيسان في قربه
ووجهها يشرق في حضرته
وكأنها زهرة دوار الشمس التي تتجه للشمس
ويوسف هو شمسها التي تمدها بالإشراق والحياة
فيكتوريا أشارت لها أن تجلس جوارها
جلست بجوار فيكتوريا التي احتضنت كتفيها وهمست لها:
كيف هو جو معكِ؟؟
هل أنت سعيدة معه؟؟
ابتسمت باكينام وهي تجيبها بصدق: أحبه
ابتسمت فيكتوريا: لا تلاعبيني يا فتاة
فحبك له واضح حتى لمن لا عينان له
لم أسألك إن كنت تحبينه
سألتكِ هل أنتِ سعيدة معه؟؟
عاودت باكينام الإبتسام: سعيدة
فيكتوريا تنهدت: سأكتفي اليوم بإجابتك الأولى لأنها أكثر صدقا
صفية همست بتقطيب: مالك بتتساسري أنتي وأنتك الخوجاية؟؟
باكينام ابتسمت: انتو مش بئيتو صحاب خلاص؟؟
صفية تبتسم: آه صحاب ولا حد فينا فاهم التاني.. بنتكلم بالإشارة
باكينام بحماس: اليوم هألف بيكم واشنطن كلها.. حتى البيت الأبيض هأخليكم تزوروه (ذات الجملة أعادتها بالانجليزية)
فيكتوريا تبتسم: زرت واشنطن عدة مرات مع ويليام
باكينام تبتسم: رأيتي واشنطن بعين ويليام.. اليوم ترينها بعيني
هيا تبتسم: عيب عليش.. انتي شبعتي عندي اكل خليجي
خليني أذوق جداتش ويوسف
وعلى فكرة ترا مشعل بيجي معي يتعرف على يوسف
فحطي في بالش تجهزين لهم مكان بعيد عنا
باكينام بترحيب حقيقي: اهلا وسهلا فيكي وفي الدكتور مشعل
ويوسف هينبسط كتير انو يتعرف عليه
(قالت هذه الجملة وهي لا تعلم حقيقة هل يوسف يرحب أو لأ)
جهزت مكتب يوسف لاستقبال مشعل ثم صعدت لتصلي الظهر ولتخبر يوسف
حين دخلت
كان يوسف يتوضأ للذهاب للمسجد
خرج.. نظر لها بتمعن.. وعيناه تمسحان إطلالتها التي تعذبه
همس بنصف ابتسامة: الحلاوة دي كلها عشان أنّا وفيكتوريا؟؟
باكينام بتوتر غير مفهوم: تئدر تئول كده؟؟
كان يرتدي ملابسه وهي تدور في الغرفة.. وواضح تماما أنها تريد أن تقول شيئا
يوسف كان يتناول جاكيته وهو يهمس لها بهدوء: فيه إيه باكي؟؟
باكينام بتردد: صاحبتي هيا جايه تزورني وتسلم على ستاتي
وجوزها جاي معاها يتعرف عليك
هو طالب دكتوراة وهيخلص ئريب زيك تمام
ممكن تكون كويس معاه؟؟
يوسف نظر لها باستغراب: أنتي فكراني همجي بجد وإلا إيه؟؟
الراجل جاي لحد بيتي.. دنا أحطه فوء دماغي.. مش عشانك.. لكن عشانه ضيفي أنا
ثم أردف بضيق وهو يعطيها ظهره ويحكم إغلاق سحاب الجاكيت
و يخطر له خاطر مؤذٍ: وإلا تكوني فاكرة إني هاشوف في كل راجل خليجي صورة غريم يفكرني بحبيب الئلب؟!!
تنهدت باكينام بألم عميق.. وهي تسحب أنفاسها بألم أكبر
هذه المرة الإهانة كانت حادة.. حادة.. موجعة لأبعد حد
(لماذا يوسف؟؟ لماذا تستمتع بتعذيبي وأذيتي لهذا الحد؟!!
ماذا فعلت لك لأستحق منك هذا التجريح؟!!
هل تعلم يوسف
لست نادمة أبدا أني لم أخبرك الحقيقة
لست نادمة
أنت تستحق كل الألم الذي تعيشه
فمهما كان ألمك
فهو ليس بمقدار ألمي
احترق يوسف.. احترق أكثر.. وأكثر)
باكينام ردت عليه ببرود رغم أنها تغلي في داخلها:
تعرف أنك أحقر راجل على وش الأرض
مادمت بتشك فيني وتحتقرني.. متمسك فيا ليه؟؟
بتئربني منك ليه؟؟ بتتنازل تلمسني ليه؟؟
اعتئني.. اعتئني.. وارتاح مني
يوسف يمسك ذراعها ويشدها إليه وهو يهمس من بين أسنانه:
ولا تحلمي في يوم إني ممكن أسيبك تبعدي عني
أنا وأنتي خلاص اتربطنا ببعض
والحاجة التانية أوعي تطولي لسانك عليا مرة تانية
ثم أفلتها وهي تدعك ذراعها الذي يألمها
تنهد بعمق وهو يغادر للصلاة ويهمس لها: ضيوفك هم ضيوفي
ما تخافيش مش هأحرجك بهمجيتي
**************************
بيت محمد بن مشعل
بعد المغرب
جمعة عائلية نسائية بمناسبة عودة مشاعل وإن كان أحدا لم يصرح بأن هذا هو السبب حتى لا يحرجن مشاعل المحرجة أصلا
أم مشعل هتفت بصوت عال: يا جماعة ترا راكان وموضي بيوصلون بكرة في الليل
وإن شاء الله بسوي لموضي عشاء كبير بعد بكرة.. عشان كن البنيات يبون يتجهزون
معالي كانت أول من تكلم وهي تقول بحماس مفتعل وإن بدا للكل حقيقيا:
الله يهداش خالتي توش تقولين
يا الله إن شاء الله بكرة يكفينا نتجهز
معالي سارعت للكلام حتى تصرف الانتباه عن وجه والدتها وشقيقتيها اللاتي غمرهن حزن شفاف
فمازال موضوع زواج موضي من راكان يسبب الألم لهن وخصوصا مع معرفتهن أن حمد سيعود قريبا
تعلمن أنها ماعادت تحل لحمد حتى ولو لم تكن تزوجت.. ولكنهن يعلمن أيضا أن هذا لن يمنع حمد من الشعور بالحزن العميق
فهن كن يعلمن تماما ولعه الجنوني بموضي وحبه اللا محدود لها..
الجدة ردت على معالي وهي تنهرها: قصري حسش يا بنت.. وش ذا الفلاج؟؟
ماتعرفين السحا؟!!
معالي جلست جوار جدتها وهي تحتضن ذراعها وتقبل كتفها: كذا يا هويه
تفشلين بنتش المزيونة
الجدة ابتسمت وهي تقرص ذراع معالي: أما مزيونة وتفشلت.. فكثري منها يأمش
معالي تدعك القرصة: وأنا أقول أمي من وين متعلمة تقبص كذا.. أثرها خذت كورس عند الرأس الكبيرة
الجدة بخبث لطيف: أمش كانت قبصتها غير.. أنتو يا بنات ذا الزمن مدلعات
لو أقبصش مثل ما كنت أقبص أمش.. كان فضحتينا بصياحش
زاوية أخرى
العنود تجلس بجوار مريم
مريم بحنان: سلامتش ياقلبي.. كله من اهمالش لأكلش الله يهداش
العنود تبتسم: لا تسوين لي مثل فارس..كل كبدي من كثر ما يوصيني: كلي كلي.. هذا أنا بأخذ الأبر وأصير أحسن
مريم بتساءل حذر حنون: مبسوطة مع فارس؟؟
العنود بصدق: مبسوطة فوق ما تتخيلين.. فارس إذا كان رايق يجنن يجنن فديته
الله يبعد عنا بس عصبيته وغيرته ويكون كل شيء تمام
مريم تبتسم وهي تحتضن كف العنود: وأنتي لا تسوين شيء يخليه يعصب وإلا يغير ويكون كل شيء تمام
زاوية ثالثة
لطيفة ومشاعل
مشاعل بعتب: كذا يا لطيفة تتفقين مع ناصر علي
لطيفة تبتسم: أبي أسوي فيش خير.. شوفي حتى لو سويتي روحش زعلانة
أدري أنش مبسوطة.. شوفي عيونش أشلون تلمع
مشاعل كحت بحرج
ولطيفة تكمل بذات الابتسامة: أنتي على قولت عجايزنا "اغصبني واتغيصب"
مشاعل بصدمة وخجل: أنا؟؟
لطيفة تضحك: ميشو مهوب علي... أنا مربيتش يا بنت
خلي التمنان والدلع لناصر مهوب لي
يا بنت الحلال تدلعي عليه وأنتي عنده... خلونا من غرام المراسلة الفاشل
ولا تطولين الدلع.. أنا مشتاقة لبيبي صغنون ألاعبه
وجودي شبعت من الدلال.. خل يجي ولد عمها وخالتها ويخرب عليها
عاد الاثنان للفندق ليصليا ويغيرا ملابسهما ليعاودا الخروج للعشاء خارجا
ثم يتمشيان قليلا على الخور
فالليلة ليلتهما الأخيرة في دبي
موضي كانت تصلي في الغرفة بينما راكان ذهب للمسجد
حينما انتهت كان راكان يعود
همس لها بهدوء: أنا بأخذ شاور على ما تلبسين
موضي توجهت للمرآة وهي تتناول كريما من حقيبتها
فتحت أزارار قميصها وهي تكشف عن كتفها الأيسر
كانت تتأمل الأثر الواضح بألم شاسع
مهما حاولت التناسي.. لا تستطيع أن تنسى
الطبيبة أخبرتها أن لون الأثر سيخف مع الوقت ومع العلاج
ولكنه لا يخف.. والجرح بروحها يتعمق
(إلى متى ؟؟
إلى متى وهذا الوجع يستوطن روحي وشراييني؟!!
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي أنسى فيه كل هذا.. وأحلق
أحلق
أحلق حتى حد النجوم.. وأداعب وجنات القمر
متى أعود كما كنت؟؟
مخلوق معجون بالحياة والإشراق والتألق
روح محلقة
محلقة
محلقة!!)
تنهدت وهي تعود من أفكارها
ومدت يدها للكريم لتأخذ منه بعض النقاط لتمدها على الأثر
ولكن قبل أن تصل للعلبة التي وضعتها على التسريحة
فُجعت بيد قوية تمسك بمعصمها
وصوته يصلها هادرا عميقا موجعا: لفي خليني أشوف كتفش
عاد الاثنان للفندق ليصليا ويغيرا ملابسهما ليعاودا الخروج للعشاء خارجا
ثم يتمشيان قليلا على الخور
فالليلة ليلتهما الأخيرة في دبي
موضي كانت تصلي في الغرفة بينما راكان ذهب للمسجد
حينما انتهت كان راكان يعود
همس لها بهدوء: أنا بأخذ شاور على ما تلبسين
موضي توجهت للمرآة وهي تتناول كريما من حقيبتها
فتحت أزارار قميصها وهي تكشف عن كتفها الأيسر
كانت تتأمل الأثر الواضح بألم شاسع
مهما حاولت التناسي.. لا تستطيع أن تنسى
الطبيبة أخبرتها أن لون الأثر سيخف مع الوقت ومع العلاج
ولكنه لا يخف.. والجرح بروحها يتعمق
(إلى متى ؟؟
إلى متى وهذا الوجع يستوطن روحي وشراييني؟!!
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي أنسى فيه كل هذا.. وأحلق
أحلق
أحلق حتى حد النجوم.. وأداعب وجنات القمر
متى أعود كما كنت؟؟
مخلوق معجون بالحياة والإشراق والتألق
روح محلقة
محلقة
محلقة!!)
تنهدت وهي تعود من أفكارها
ومدت يدها للكريم لتأخذ منه بعض النقاط لتمدها على الأثر
ولكن قبل أن تصل للعلبة التي وضعتها على التسريحة
فُجعت بيد قوية تمسك بمعصمها
وصوته يصلها هادرا عميقا موجعا: لفي خليني أشوف كتفش
موضي انتفضت برعب وهي تحاول شد طرف قميصها لتستر كتفها العاري عن نظرات راكان الغامضة العميقة والموجعة
كانت نظراته خليط من غضب ويأس وألم مر.. ومشاعر أخرى عميقة ومجهولة
(الله يأخذني.. الله يأخذني
أشلون ما انتبهت إنه طلع من الحمام
وهو ليش طلع بسرعة كذا؟!!)
كانت تنظر له برعب موجع وهو يقف أمامها عار الصدر إلا من ضمادة كتفه التي أصبحت أصغر حجما بعد تحسن حالته
وهو يقيد يديها الاثنتين ليمنعها من محاولة تغطية كتفها
ويهمس لها بعمق غاضب ناري مختلف لأبعد حد اشتعالا وعمقا:
منه؟؟ صح؟؟
صمتت وعيناها تغرقان في بحر من الدموع.. دموعها نحرت روحه وهي تهمس برجاء موجع :
تكفى راكان.. هدني
راكان أطلق أسار يديها مجبرا من أجل رجائها الذي لم يستطع رده
وسارعت لاغلاق أزرار قميصها حتى آخر عنقها
كانت تريد الهرب من أمامه ولكنه لم يمنحها الفرصة وهو يثبتها في مكانها و يحكم إمساك عضديها بقوة
كانت تنظر للأسفل ووجهها غارق في دموعها الصامتة
همس لها بعمق: موضي طالعيني
لم تستطع رفع عينيها إليه.. شدها وأجلسها على السرير وجلس جوارها
مد سبابته لذقنها ورفع وجهها برقة..
همس لها بألم لم يستطع إخفاءه: ليش تبكين؟؟
وهمست له بألم لم تحاول إخفاءه: وأنت ليش طلعت من الحمام بسرعة؟؟
راكان تنهد بعمق: رغم أن هذا مهوب جواب..
بس طلعت لأني نسيت أجيب ضمادة عشان أغير هذي إذا تسبحت..(قالها وهو يشير لضمادته)
راكان رغم تحكمه الكبير بأعصابه.. إلا أنه كان يعاني غضبا صاخبا يثور في أعماقه كالبراكين
كانت حمم غضبه تتدفق في موجات متتالية
بكاءها وانكسارها ووجيعتها جعلته مستعدا حتى للقتل حتى يمحي نظراتها المبللة بالدموع
راكان مد يده لأزرار قميصها ليفتحه وهو يهمس بعمقه الخاص الذي لا يشبه أحدا سواه:
خليني أشوف يا موضي
موضي قفزت مبتعدة وهي تضم جيبها بيدها الاثنتين
راكان وقف في طريقها ليمنعها من الهروب للمرة الثانية
همس لها بذات العمق الموجع: موضي ليش تعقدين نفسش على شيء ما يستاهل؟!!
عشان أثر بسيط في كتفش؟؟!!
هذا أنا عندي أثر أقوى في كتفي
(قالها وهو ينتزع ضمادته بحدة لتظهر علامات غائرة في كتفه مكان أنياب الذئب)
موضي بألم عميق جارح: وتقارن نفسك فيني؟؟.. أنت رجال ما يعيبك أي شيء
لكن أنا غير.. غير
راكان يمسك بمعصمها ويشدها قليلا باتجاهه وهو يجيبها بعمق شاسع مذهل:
أنا وأنتي ما بيننا فرق.. مثل ما أنتي تشوفين إنه ما يعيبني شيء
أنا أشوف إنه ما يعيبش أي شيء مهما كان.. فشلون بأثر سخيف تافه مثل هذا؟!!
ليش الحياة يعني ما تقوم إلا على جسد مثالي خالي من العيوب؟؟
ونغدي حن عبيد أجساد مسعورين؟؟
الإنسان كله مخلوق مليان عيوب في روحه اللي هي العماد
فشلون وأنتي وروحش وحتى في شكلش كاملة والكامل وجه الله.. الأثر هذا اعتبريه كفارة لكمالش
موضي ماعادت تحتمل كل هذا.. كل هذا كثير عليها.. كثير
انخرطت في بكاء حاد هستيري وهي تنهار على الأرض
راكان فُجع وهو يراها تسقط أمامه وتنهار في عاصفة من الدموع
شدها للأعلى بقوة وحنان
ليزرعها بين أضلاعه وهو يحتضنها بقوة متملكة وحنان مصفى
موضي شعرت بانهيار فعلي وأحاسيس ثورية تغتال مشاعرها وهي تستكين بأمان في أحضان راكان
شعرت أنها أخرى.. في مكان آخر.. في زمن آخر
أهدرت كل طاقة بكائها ونشيجها وهي بين أحضانه
أغرقت صدره بدموعها الغزيرة
حين تعبت من العويل صمتت وهي تشهق بخفوت.. وهو لم يفلتها مطلقا حتى هدأت تماما
حينها أبعدها قليلا لينظر إلى وجهها الذي تورم من البكاء
بدت له أكثر جمالا وعذوبة مما يمكن أن يحتمل مخلوق بشري
أكثر رقة وفتنة من أي تصور خيالي موغل في الخيال
مسح بأنامله دموعها التي لا تتوقف سيولها..مسحها بكل الحنان المتجسد الذي قد يوجد على الكرة الأرضية
وهو يمعن النظر في رموشها المبتلة وشفتيها المرتجفتين وخديها المحمرين
ثم..
احتضن وجهها بين كفيه
لترفرف قبلاته العميقة الدافئة على مختلف أجزاء وجهها
ودموعها مستمرة بالانهمار في صمت
*************************
واشنطن
أمام بيت يوسف
الساعة الواحدة والنصف ظهرا
كانت سيارة مشعل تتوقف.. ويلتفت لهيا ليقول بهدوء يخفي حرجه:
هيا يمكن الرجال مشغول.. انزلي انتي عند رفيقتش وجداتها
وأنا بجي لش إذا خلصتي
هيا بمناشدة عميقة: تكفى مشعل أبيك تعرف على يوسف
عشان خاطري
تنهد مشعل وهو يستعد للنزول: يا كثر حنتش بس.. إذا حطيتي شيء في رأسش الله يعين عليش
هيا ابتسمت: فديت اللي دايما جابر بخاطري..
مشعل يبتسم: إيه العبي علي.. تدرين أخق عند أقل كلمة تقولينها لي.. ماشفت خير
الاثنان نزلا ومشعل يحمل حقيبة طعام ضخمة تحتوي قدور الغداء الذي أعدته هيا وتركته مغلقا بإحكام في قدوره
طرقا الباب
ومشعل يتأخر للخلف
باكينام فتحت الباب بعد أن أبدلت ملابسها وارتدت عباءة خضراء مطرزة مع حجابها
وهي ترحب بهما بحرارة
الاثنتان دخلتا
ويوسف خرج لمشعل وهو يرحب به ترحيبا كبيرا ويحمل الحقيبة عنه ليدخلها المطبخ
ويقوده إلى مكتبه
هيا سلمت على العجوزين وكانت سعيدة جدا بهما..
هذه ليست المرة الأولى التي تراهما فيها
فقد رأتهما في بريطانيا عدة مرات
كانت ترى فيهما شبها كبيرا من باكينام.. فباكينام أخذت من الاثنتين الكثير من الصفات شكلا ومضمونا
ورؤيتهما ذكرتها بجدتها هيا التي اشتاقت لها كثيرا
فيكتوريا بترحيب: أهلا بكِ ياصغيرتي.. ومبارك زواجكِ وحملكِ أيضا
هيا بمودة: شكرا على لطفكِ.. يبدو أن باكينام أخبرتكم بكل شيء
فيكتوريا برقة: أتمنى كما غارت منك باكينام وتزوجت بعدك.. أن تغار منك وتنجب لنا حفيدا صغيرا
كانت باكينام حينها تمد يدها لهيا بفنجان قهوة.. انتفضت يدها.. لتنسكب قطرات من القهوة على يدها
صفية قفزت وهي تأخذ الفنجان من يد باكينام: خدت شر وراحت
ماعلش بت هيا هأصب لك واحد تاني
باكينام بتوتر أخفته خلف هدوءها: ماعلش أنّا.. أنا اللي هأصب.. ائعدي أنتي بس زي البرنسيسات
تفكير باكينام يتجه لاتجاه مرعب.. ماذا لو حملت.. أو كانت حتى حاملا
فهي لم تتخذ أيه احتياطات أو موانع
أ يعقل أن تحمل طفلا من يوسف المتوحش؟!!
أي طفل هذا الذي سيكون نتاجا للاهانات والتحقير والوجع والقسوة؟!!
مادامت في بيته.. فهي لا تستطيع منعه من حقوقه عليها
فماذا تفعل؟؟ ماذا تفعل؟؟
تنهدت بعمق وهي تميل على هيا وتهمس لها:
هيا ممكن أروح أنا وأنتي للدكتورة بعد الغداء
هيا نظرت لها بعينين لامعتين وهي تغمز بصمت وتهز لها رأسها
***************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل الجديدة
الساعة العاشرة مساء
ناصر يعود بعد يوم العمل الذي كان طويلا ومرهقا تماما
كانت مشاعل تنتظره وهي تشعر بتوتر عميق.. كيف سيكون تعامله معه بعد أن عادا للسكن معا
هل سيعاود القسوة عليها؟؟
هل سيكون عاشقا رقيقا كما كان حين عادت لبيت أهلها؟!!
هل سيطالبها بثمن رقته وحنانه معها؟؟
ناصر يبتسم لها فور دخوله
يسلم.. وترد عليه السلام بذات التوتر
جلس قريبا منها رغم أنه كان يتمنى بكل الوجع أن يجلس جوارها ويأخذها في أحضانه
ولكنه كان يفكر بمنطق (كل شيء في وقته حلو)
سألها باهتمام عن أحوالها وأخبرها عن أحداث يومه
كان يحاول أن يبدأ بإدخالها إلى عوالمه كزوجين فعليين يتشاركان في كل شيء
ويعرفان عن بعضهما كل شيء
قضيا فترة يتحدثان وبينهما نوع من الحذر
ثم استأذنها ليتوجه للحمام ليتوضأ ويصلي قيامه فهو مستهلك من التعب ويريد أن ينام
ومن ناحية أخرى لا يريد أن يثقل على مشاعل
يريدها أن تشعر بالراحة والاطمئنان
ولا يريد أن يستعجلها في أي شيء
فيكفي ما عاشاه من الآم منذ اليوم الأول لزواجهما
لا يريد تكرار أخطائه
يريدها أن تقتنع به تماما هو كما هو بكل عيوبه وميزاته
هو ..ناصر الحقيقي.. في مكانه الطبيعي
حينما أنهى الصلاة
جلس على السرير ليخلع ساقه
كانت المرة الأولى التي ستراه فيها يفعل هذه المهمة الروتينية
كانت قد نسيت تماما أمر هذه الساق
فهو كان أمامها طيلة الأيام الماضية رجلا كاملا فعليا
ولكنها الآن لابد أن تتقبل وتتعود على هذا الروتين المؤلم
همست له برقة وهي تقترب: تبي أساعدك بشيء؟؟
ناصر رفع رأسه بعد أن أنهى فك الساق ووضعها تحت السرير
ابتسم لها بحنان: لا ياقلبي شكرا.. بادهن مكان البتر وبس
فتح الجارور المجاور لسريره وتناول الكريم منه
شعرت مشاعل بألم شاسع وهي ترى مكان البتر
ولكنها لم تعلق مطلقا.. فهي لا تريد أن تشعره أن هناك شيئا مختلفا
دارت حول السرير لتجلس على الطرف الآخر
فعليا لم تكن تريد النوم بجواره
ولكن ستبدو سخيفة إن توجهت للنوم في مكان آخر
بعد أن كانت طوال فترة معيشتهما معا تنام إلى جواره
ناصر غطى ساقيه ثم ألتفت لها وهو يبتسم ويقول بوله:
وأخيرا بأنام على شوفت وجهش.. وأصحا عليه
اشتقت لش ياقلبي.. والله ما تتخيلين أشلون اشتقت
اشتقت
اشتقت
واشتقت...
*****************************
دبي
جناح موضي وراكان
وقت ما بعد صلاة العشاء وقبل منتصف الليل
كل واحد منهما معتصم بأقصى ناحية من طرفي السرير
ويعطي للآخر ظهره
شعور غامض عميق يلفهما.. وشعور بالحزن يغتال مشاعرهما
لِمَ هما غير سعيدين هكذا؟؟
هل لأن ماحدث كان يجب ألا يحدث؟!!
أم لأن ماحدث كان مجرد نداء فسيولوجي طبيعي لم يكن للحب دور فيه؟!!
ولكن أ حقا لم يكن للحب دور فيه؟!!!!
راكان همس بعمق وهو مازال يعطيها ظهره: أنا آسف يا موضي
موضي بخفوت موجع وكأنها تحادث نفسها: ليش تعتذر راكان؟؟
اللي صار أنت ما جبرتني عليه.. صار برضاي وموافقتي
موضي بذات الخفوت العميق: وليش ما تقول أني أنا استغليت شهامتك وشفقتك
مازال الحوار يدور وكل واحد منهما عاجز عن النظر للآخر
راكان يظن أنها تجاوبت معه لأنها كانت تشعر بالضعف وهو قدم لها المساندة والاحتواء..
ولأنها تحترمه وتقدره لم ترد أن تجرحه برفضها له..بينما هي في داخلها غير متقبلة لأي لمسة منه
بينما موضي تظن أن ماحدث ليس سوى محاولة فاشلة من راكان لتعزيز ثقتها بنفسها وأنها أنثى كاملة قد تجذب أي رجل
وماحدث وفقا لأفكار كل طرف كان مؤذيا وموجعا لأبعد حد.. بل بلا حدود لمساحات الأذى والوجع المتشعبة
راكان همس بشفافية: موضي أنتي شيء كبير عندي.. ومابي اللي صار يخرب علاقتي فيش
موضي تتنهد: اعتبر انه ماصار شيء.. خلاص ننساه لأنه أنت عندي شيء أكبر مما تتخيل
احتكم الصمت لعدة دقائق قام بعدها راكان ليستحم
بينما موضي حينما تأكدت أنه دخل للحمام وأغلق على نفسه.. سمحت لأنهار دموعها المحبوسة بالانهمار
**************************
واشنطن
شقة مشعل
هيا ومشعل يعودان لشقتهما بعد الزيارة الطويلة لبيت يوسف
والتي توطدت فيا علاقة مشعل بيوسف
مشعل بهدوء: وين رحتي أنتي وباكينام يوم استأذنتي تطلعون مشوار عقب الغداء؟؟
هيا بعمق وأفكار مستجدة تخطر ببالها: رحنا للدكتورة
هيا أصرت أن يتعرف مشعل على يوسف حتى تطلب من مشعل أن يخبر يوسف عن حمد حين يصبح الوقت مناسبا
ولكنها أصبحت ترى أنها لابد أن تتصرف بشكل أسرع
فبكينام تتألم وحالتها يرثى لها
كانت تتذكر مشوراهما للطبيبة وهي تهمس لبكينام: ليه تبين الدكتورة؟؟
باكينام بهدوء: عاوزاها تفحصني وتكتب لي برشام منع حمل
هيا بهدوء: طيب مهوب المفروض تسوين فحص حمل قبل
باكينام بألم: أنا بأتمنى من كل ئلبي ما أكونش حامل.. لكن لو كنت مش هيبان من تست عادي لازم أعمل فحص دم لأنه هأكون في أسابيع بس
وادينا رايحين وهاشوف هاعمل ايه
هيا بمنطقية: طيب مهوب مفروض تستأذنين يوسف قبل ما تأخذين الحبوب؟؟
كانت هيا تراقب وجه باكينام والدكتورة تخبرها أنها غير حامل
وأنها لابد أن تنتظر دورتها القادمة التي سيحين موعدها التقريبي بعد يومين للبدء بتناول الأقراص
تعلم هيا أن باكينام حاولت أن تظهر سعادتها بالخبر ولكنها في داخلها لم تكن سعيدة
فهي في عقلها الباطن كانت تتمنى أن تكون حاملا.. حتى تجد سببا يجبرها على الارتباط بيوسف إلى الأبد
تريد أن تدعي أنها مجبرة عليه بينما هي تكاد تجن من مجرد التفكير أنه قد يأتي يوم لا تكون فيه زوجة ليوسف
هيا تشعر تماما بكل الآمها.. وتشعر جزئيا بالمسئولية لأنها من طلبت من باكينام أن تزور ابن عمتها
القضية الآن أن مشعلا لا يعرف بوجود حمد في مصر للعلاج.. ولا يعرف حتى بضربه لموضي
يعتقد أنه في دورة في مصر
هيا بعد تفكير عميق قررت أن تخبر مشعلا فقط بجزئية العلاج وكيف أنها طلبت من باكينام أن تزوره من أجل عمتها.. ثم ماحدث بعد ذلك
هيا أخبرت مشعلا بكل هذا
ومشعل ثار وغضب كثيرا من هيا:
كذا تورطين بنت الناس في مشاكلنا وتسوين لها مشكلة مع رجّالها
هيا بضعف: هي اللي مارضت تقول له عشان نفسها عزت عليها
مشعل بذات الغضب: خلاص باتصل في يوسف وأقول له كل شيء
هيا بجزع: لا لا مشعل تكفى.. مايصير كذا خبط لزق
شتقول له؟؟
إنه شكك في مرتك ماله أساس
ويدري إنها قالت لي على مشاكلهم
مشعل بنفس الغضب: زين وشتبيني أقول له؟؟
هيا تنهدت: إذا قابلته المرة الجاية قل له بشكل طبيعي في نص الكلام:
انه مرتك سوت فينا معروف
كانت تطمننا على ولد عمتي.. وعمتي وهيا جننوها من كثر ما يطلبون منها تطمنهم عليه
وهي والله ماقصرت مع انشغالها وقتها في تجهيز عرسها مثل ماقالت لي زوجتي
مشعل يتنهد: خلاص بكرة أنا وهو تواعدنا نتلاقى في الجامعة
أقول له بكرة
ثم تذكر شيئا: بس خليني أتأكد من موعد سفر سعيد
لأنه احتمال بكرة
************************
ذات الوقت
في بيت يوسف
العجوزان قامتا لترتاحان قليلا وتبقى يوسف وباكينام جالسين
يوسف بهدوء: ممكن أعرف رحتي فين.. أو هتعمليها قضية الشرق الأوسط؟؟
باكينام بهدوء مماثل: رحت للدكتورة
يوسف شعر بقلق لم يظهر في صوته البارد: ليه يعني؟؟
باكينام تتنهد: عشان تكتب لي برشام منع حمل بعد ازن حضرتك
يوسف بهدوء أكبر: وممكن أعرف السبب
باكينام تنظر له بشكل مباشر وهي تقول بحدة باردة كالصقيع:
كان ممكن أقول عشان انا وانته بندرس وده مش وئته
بس ده هيبئى جواب مالوش معنى مع انه حئيئة
لأنو الحئيئة انو مش عاوزة حاجة تربطني بيك
انا عارفة انه هيجي يوم وتزهئ من اللعبة اللي اسمها باكينام
وئتها مش عاوزة نبئى لعبتين.. أنا وابنك
يوسف وقف بشكل حاد مفاجئ ليمد يده وينتزعها من مقعدها
وينظر لها بشكل مباشر وعيناه تشتعلان بكل معنى الكلمة:
لو كنتي ئلتي لي السبب اللي مالوش معنى مع انه حئيئة
كنت هاوافق تعملي اللي عاوزاه وتاخدي أي مانع انتي عاوزاه
لكن انتي ما يريحيكيش الا تجرحيني عشان تنبسطني
عشان كده بائول لك: لأ..
ولو فكرتي تاخديه من ورايا.. هتشوفي اللي عمرك ماشفتيه
موضي نهضت منذ وقت
صلت ضحاها ومنذ ذلك الوقت وهي تجلس على مقعد منفرد وتراقب راكان المستغرق في نومه على الأريكة
(حتى وهو نائم يبدو عظيما ورائعا!!
كانت علاقة رائعة ومريحة تلك التي ربطتني بك
لماذا أفسدناها؟؟ لماذا؟؟
هل نستطيع فعلا إصلاح ما اهتز بيننا؟!!
لماذا كان يجب أن تضغط على نفسك لتكون رقيقا وعذبا ومجاملا لأبعد حد؟!!)
تنهدت بعمق وهي تستعيد شريط البارحة الذي استعادته الآف المرات
لا تشعر بالضيق
ولكنها تشعر بالشجن وبحزن شفاف غامض
البارحة
حين خرج راكان من الحمام.. ارتدى ملابسه وخرج بعد أن أستأذنها
وقال لها بكل صراحة وشفافية إنه محرج من إساءته لها ومن إخلافه لوعده معها
ويحتاج لبعض وقت يمشي فيه وحيدا
ولن يطيل عليها.. سيمشي لساعة ويعود
وبالفعل بعد ساعة عاد
كانت موضي استحمت وصلت قيامها وجلست تنتظره
جلس قريبا منها ثم همس لها بعمق: توعديني تحاولين تسامحيني
على الأقل تحاولين
موضي ابتسمت له بشجن: ماسويت لي شيء أسامحك عليه
ولا زعلت منك أساسا عشان أسامحك
أنا زعلانة من روحي بس
أحس أني استنزفت مشاعرك وتعاطفك.. بكيت بكاء عمري في حياتي ما بكيته
وأنت لقيت نفسك متورط فيني
راكان بجزع فخم كفخامة عباراته: تكفين موضي لا تقولين كذا
إذا أنتي ورطة.. ليتني أعيش عمري كله متورط
خرجت العبارة عفوية..عميقة .. محملة بعشرات التاؤيلات..
ولكن كلا الطرفين بشفافيتهما العميقة لم يحملاها أكثر مما تحتمل.. وإن كانت تحتمل الكثير الكثير!!!
ابتسم راكان وهو يهمس لها بعمق حنون: يعني أصحاب؟؟
أجابته موضي بابتسامة عذبة: أصحاب
وهاهي موضي الآن تجلس مقابلة له وتنظر له بعمق
وهي تهمس في داخلها: أصحاب.. أصحاب.. أصحاب...
لتقنع نفسها أنهما فعلا لم يكونا أكثر من أصدقاء ومازالا أصدقاء
راكان فتح عينيه ببطء.. رآها تجلس أمامه.. ابتسم بعمق وعاد لإغلاق عينيه كان يعتقد أنه يحلم
عاود فتح عينيه ورآها مازالت تجلس أمامه.. فعاود الابتسام
ومد كفه لها وهو مازال متمددا
استجابت لدعوته بتلقائية وهي تضع أناملها المرتجفة في كفه المحتوية
احتضن أناملها بحنان وتملك.. طريقة خاصة براكان باتت تكتشفها وتثير قشعريرة حادة تهز كل فقرات عمودها الفقري بعنف
همس لها بصوته الناعس العميق: بعدنا أصحاب؟؟ أو غيرتي رأيش وتبين تزعلين علي؟؟
موضي ابتسمت: قلت لك أصحاب.. احنا نسوان كلمتنا وحدة ما نثينها
راكان أفلت يدها وهو يستوي جالسا: خوش نسوان أحدث طراز
موضي بعذوبة: أجهز شناطنا؟؟
راكان بهدوء: جهزيها.. بس خلي لي غيار واحد برا
************************
الدوحة
الساعة 10 ونصف صباحا
شركة مشعل بن محمد
مكتبه تحديدا
يجلس خلف مكتبه بهدوء ورزانة
وتجلس معه فاتن الفرج
الباب مفتوح كما اعتاد مشعل في كل لقاءاته مع سيدات الأعمال
فاتن أنهت حديثها معه في العمل.. ومشعل ينتظر أن تغادر لأن لديه موعد آخر بعد قليل مع سعد الذي اتصل به وأصر على مقابلته
فاتن صمتت قليلا ثم همست بعذوبة رزينة:
ما تخيلت أم محمد حلوة كذا.. ماشاء الله
مشعل بهدوء: الجمال هو أبسط صفات أم محمد.. فيها من الأخلاق والسنع اللي يفوق الزين بواجد
فاتن شعرت بضيق ما (شكله متولع فيها.. بس يالله المرحلة الثانية)
عاودت الكلام بتلقائية مدروسة: تشتغل أم محمد؟؟
مشعل بهدوء رغم ضيقه من تدخلها في خصوصيات بيته: لا
كفاية عليها بيتها..
مشعل ابتسم بثقل: كفاية علي شغلي.. في بيتي أبي أريح رأسي من حوارات الشغل والاقتصاد
والشيء الثاني أنا اللي ما رضيت أم محمد تدخل جامعة مع أنها جابت في الثانوية 93 في المية
وتذكرين تيك الأيام الثانوية العامة كانت صعبة ..امتحان واحد آخر السنة والكتاب كامل الفصلين
ثم أكمل بخبث:
أنا جبت 79 على هذاك النظام.. أنتي كم جبتي؟؟
فاتن شعرت بحرج حقيقي ولكنها نهضت وهي تقول بلباقة احترافية اعتادت عليها:
اسمح لي أستاذن.... عندي موعد في شركتي بعد نص ساعة
غادرت وهي تقرر نقل معركتها لمستوى آخر.. ولكنها ليست من تخسر معاركها
**********************
واشنطن
بيت يوسف
الصباح الباكر
يوسف يصحو من نومه.. مد يده بحذر قبل أن يفتح عينيه
حين اصطدمت بجسد لين طري.. تنهد بعمق وهو يكف يده ويفتح عينيه
لينظر لها بعمق وهي مستغرقة في نومها
يعيش مع هاجس مرعب أنه سيصحو يوما ليجدها هربت كما فعلت بعد ليلتهما الأولى في واشنطن
(آه يا ملاكي الشرير..
لا أعلم كيف من تمتلك هذه الملامح الملائكية بداخلها كل هذا الشر والقسوة؟!!
وكيف من بداخلها كل هذا الشر والقسوة قادرة على إذابة قلبي بكل جبروت ورقة؟!!
تعبت حبيبتي تعبت..
أقسم أني متعب ويائس ومطعون بالألم حتى أقصى خلاياي
.
أخبريني
كيف أستطيع أن أقيدك إلي حتى أمنعك من مجرد التفكير في الهرب وتركي؟!!
كيف أستطيع الاستيلاء على قلبك الذي وهبته لغيري؟!!
ولِمَ تكونين أنتِ حبي الأول والأخير؟!!
وأكون أنا المهجور أبدا
والمجروح أبدا
والمخدوع أبدا
لا تتركيني باكي.. لا تتركيني
قربكِ عذاب وبعدكِ عذاب
ولكن العذاب مع النظر إلى محياكِ هو بحد ذاته نعمة
فلا تحرميني هذه النعمة حبيبتي... لا تبتعدي عن أسواري وقسوتي وجبروتي)
تذكر يوسف أن لديه موعدا اليوم مع مشعل
مد يده لهاتفه لينظر للساعة
فوجد رسالة من مشعل يعتذر فيها عن مقابلته
لأن اليوم موعد سفر صديقه النهائي للدوحة
وبالفعل كان اليوم هو يوم عودة سعيد للدوحة
ومشعل سينشغل معه
تنهد يوسف براحة وهو يعاود التمدد والنظر لوجه باكينام
تكفيه هذه اللذة عن كل ملذات الدنيا
أن يتمتع بالنظر إلى كل تفصيل دقيق في تضاريس وجهها
دون توتر أو توجس أو خوفا من ثورتها أو انفعالها
أن يستمع إلى سيمفونية أنفاسها العذبة وهي تتردد شهيقا وزفيرا لتنبئه أن هذا العالم مسكون بالسحر والمباهج
مسكون بحورية خيالية اسمها حبيبته!!!!!!
*******************
عودة لمكتب مشعل بن محمد في الدوحة
الساعة 11 صباحا
سعد يجلس مع مشعل وأنهيا تناول قهوتيهما
مشعل بمودة أخوية: دام أنك صممت تشوفني مستعجل وما انتظرت لين نتقابل في المجلس عقب المغرب
فأكيد أنك تبي شيء.. امرني يا أخيك
قاصرك شيء؟؟ تبي شيء؟؟ تبي فلوس؟؟ ترا الجيب واحد طال عمرك في الطاعة
سعد ابتسم: كل شيء عندكم يأهل الدراهم فلوس
لا.. جعلني ماذوق حزنك.. الخير واجد والرب كريم.. كنك انت تبي فلوس تراني حاضر
مشعل ابتسم: يا شين ملاغتك.. زين خلني اتمدح
سعد بعمق خبيث شفاف: سوو لي اللي أنا أبغي.. وبأكتب فيك معلقة مدح وأعلقها على طوفة بيتي واسميها المعلقة المشعلية
مشعل بابتسامة: آمر
سعد تنهد: تذكر قبل حوالي عشر أيام قبل مايرجع راكان من لندن
قلت لك عن تحديد موعد العرس إذا خلصت مريم دوامها نص شهر 5
وانت رديت علي ليلة عشاء راكان بالموافقة
وانا انحرجت أقول لك شيء وقتها
انا اخترت ذا الموعد المتأخر عشانك قلت لي انه لازم عرسنا عقب عرس راكان
ومادريت ان راكان بيسوي عشاه عقب ردته من لندن على طول
وراكان هذا هو تزوج وخلص
وماشاء الله الوالدة الحين معها في البيت ثنتين من بنات عبدالله
ومثل ما قالت لي أم فارس.. مريم ما تبي أصلا حجز قاعة.. وتبي عشاء عائلي بسيط وبس
فأنا أشوف انه التأجيل خلاص ماله معنى
وخصوصا أن المهر عند العروس من زمان
بصراحة يا أخيك أنا بالي مشغول على فهيدان مجنني.. أبي أتفرغ له وأبي بالي يكون مرتاح
قد يكون في الأسباب التي قالها سعد جانب كبير من الصحة
ولكن أيا منها لم يكن السبب الأساسي
فسعد خلال الفترة الاخيرة بات يشعر أنه قد يكون استعجل في خطبته لمريم
فهو خطبها تحت وطأة إحساسه المتزايد بالوحدة
وفي مقابلته الوحيدة لها حركت مريم بعمق صوتها ورقة عباراتها ورزانتها شيئا غافيا في أعماقه
ولكن هل تكفي أحاسيس مشوشة مجهولة لصنع حياة زوجية ناجحة تترتب عليها مسؤليات..حقوق وواجبات؟!!
فمريم قد تصبح عبئا عليه يُضاف إلى أعباء أبنائه المتزايدة
وفي خلال تواجدها مع ابنائه لن تعرف مطلقا ما الذي قد يفعلونه ليس من وراءها.. ولكن حتى أمام عينيها
ماذا يشاهدون؟؟
مع من يتحادثون؟؟
ماذا حتى يرتدون؟؟
وحتى يهرب سعد من هذه الأفكار قبل أن تستولي عليه قرر تقديم موعد زواجه
حتى يضع نفسه أمام الأمر الواقع
فهو لا يستطيع مطلقا أن يُحرج نفسه مع ابن عمه محمد
وفي ذات الوقت بات يخشى وطأة أفكاره عليه
مشعل أجابه بهدوء: يعني متى تبيه؟؟
سعد بهدوء حذر: بعد أسبوعين ثلاثة بالكثير
مشعل بنفس هدوءه: ما تشوف أنك مستعجل؟!!
سعد يتنهد: لا مستعجل ولا شيء
السالفة كلها عشاء بسيط
أنا حتى خدامات مريم اللي جبتهم لها صار لهم فترة عند أم فارس
وبأقدم لأم صبري فيزه عشان تجي خلال ذا الأسبوعين
يعني ما أشوف سبب للتأجيل
مشعل يبتسم: ولا يهمك.. أشور العرب وارد عليك
سعد بابتسامة: ما أبيك تشورهم وبس
أبيك تشغل مخك التجاري وتساعد أخيك المسلم اليتيم المدعو سعد
لازم تحاول تقنعهم..
***************************
بيت يوسف
بعد الغداء
يوسف يشعر بالاختناق فعلا.. فالعجوزان بدئتا بالملاحظة
فباكينام طوال فترة الغداء كانت غالبا مشغولة التفكير ويبدو الهم على وجهها
فإن كان هو قادرا على التحكم في انفعالاته
فهي باتت عاجزة عن التحكم
وروحها تغرق في الهم أكثر وأكثر
هاهم يجلسون يشربون الشاي بعد الغداء
العجوزان تجلسان متجاورتين وعلى جبينيهما علامات تقطيب
تتبادلان النظرات ثم تنظران ليوسف وباكينام التي كانت غير منتبهة لشيء وملامحها غارقة في الحزن
يوسف نهض من مكانه وجلس جوار باكينام
تناول كفها وقبلها بعمق
انتفضت باكينام بعنف
ولكن ردة فعلها كانت أغرب
فهي أراحت رأسها على صدر يوسف
رغم تفاجئ يوسف العميق من ردة فعلها ولكنه احتضن كتفها
ومشاعر دافئة تستولي على روحه وهو يمسد شعرها حيث ارتاح رأسها على صدره لأول مرة باختيارها
و همس في أذنها بهدوء خافت:
باكينام ربنا يخليكي.. فكيها شوية
أنتي مش شايفة ستاتك بيبصوا لي ازاي
زي ما اكون مجرم حرب
باكينام لا تعلم لماذا وضعت رأسها على صدره.. اقنعت نفسها أنها تمثل من أجل جدتيها
همست باختناق: تعبانة يا يوسف والله تعبانة
أنته اللي ربنا يخليك خليني أروح لأوتيل أنا وستاتي
يوسف شدها بحنان ليوقفها ثم يتوجه للجدات بالحديث:
عن أزنكم
هأروح أنا وباكينام لمكتبي شوية
وأنتو ممكن تتجهزوا عشان نخرج بعد شوية كلنا
هأوديكم لمتاحف سميث سميثونيان.. هي مجموعة متاحف.. للتاريخ الطبيعي والتاريخ الأمريكي، ومتحف للطوابع .. ومتحف للفنون..
بس هتعجبكم خالص
باكينام بالفعل مستنزفة من التعب والإرهاق والألم
ماعاد بها قدرة على الصمود
ولكن يستحيل أيضا أن تستسلم وتتخلى عن كبرياءها العتيد
دخلا لمكتبه
همس يوسف بهدوء واثق: ايه حكاية الاوتيل دي؟؟
باكينام بهدوء مرهق: انا تعبت من الحياة اللي احنا عايشينها
يوسف باستغراب: تعبتي؟؟ ومن يومين
ثم أكمل بنبرة غضب: والحيطة الهبيطة اللي سايباه تلات أسابيع
مشاعره مالهاش أي احترام
صمت وهو يعيد النظر إليها بعمق..
ثم قال لها بصوت غائر يبدو كما لو كان قادما من بئر عميقة:
عندي مشاعر للي يستاهلها وبس
صمتت.. لن تسأل.. فهي تعرف جوابه
وهي ليست مستعدة لمزيد من الإهانات والتجريح والألم
صمت أعمق احتكم بينهما
بعدها همس يوسف بهدوء: البسي خلينا نودي ضيوفنا نمشيهم
ولما يسافروا.. ابئي فكري تطفشي براحتك
ما أنتي ما تئدريش تحلي مشاكلك الا بالهروب منها
باكينام هذه المرة هي من ردت بصدمة: أنا؟؟
يوسف ببرود ملتهب: آه أنتي.. فالحة بس تتعنطزي عالفاضي
بس وئت الجد.. هتطفشي وتسيبي كل حاجة
عندنا مشاكل زي كل المتجوزين؟؟ ممكن نحلها بالتصافي والتفاهم
لكن انتي جبانة.. ومش مستعدة توئفي ئدامي وتتفاهمي بلغة حوار طبيعية غير غرورك الفاضي
باكينام تنهدت بعمق.. ثم زمت شفتيها بحزم وهي تقول:
مش باكينام الرشيدي اللي يتئال لها جبانة
انا طالعة ألبس
وئاعدة معاك بدال الشهر سنة.. وخلينا نشوف ازي الحوار هينفع مع مخ مئفل زي مخك
هي غادرت
وهو بقي في مكتبه
وعلى شفتي كل منهما ارتسمت ابتسامة شاسعة
فكل منهما حصل على مبتغاه
هو استفزها.. حتى حصل على وعد منها أنها لن تغادره
وهي وجدت لها غطاء يرضي غرورها واعتقادها انه تبقى معه مجبرة على البقاء
***************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
بعد الغداء
ناصر يدخل عائدا من عمله ومن الغداء في المجلس
مازال الحذر يرسم دوره في علاقته مع مشاعل
فكلاهما يخشيان تكرار الجرح والألم..
يخشيان أن يقتربا أكثر.. فينتج عن الاقتراب جرح أعمق
كلاهما باتا غير قادرين على الابتعاد.. وفي ذات الوقت غير قادرين على الاقتراب
وضعهما كما لو كانا يعيشان داخل فقاعتي صابون
الفقاعتان شفافتان متلاصقتان.. لذا كل منهما مستمع برؤية الآخر..
ولكنهما يخشيان تفجر الفقاعتين.. وما ينتج عن هذا التفجر
هل يتمازجان ليصبحا في فقاعة واحدة؟؟
أم يسقطان أرضا لتُدك عظامهما؟!!
لم يجد ناصر مشاعل حين دخل
توتر
فهو لم يراها في الأسفل مع والدته ومريم
ولم تستأذنه في الذهاب لمكان ما
هل يعقل أن تكون ذهبت لبيت والدها
تحول التوتر لنوع من الغضب.. أيعقل أن تفعلها؟؟!!
اغتسل وأبدل ملابسه
وتمدد على سريره بكلا ساقيه.. فهو لا يخلع ساقه إلا ليلا
ثم رن على هاتفها
رن الهاتف عنده.. فهاتفها كان موجودا في الغرفة
إذن أين هي مختفية؟؟
بعد دقائق دخلت مشاعل بخطواتها الرقيقة المترددة
ابتسم وهو يراها تدخل وهمس لها بمرح:
لو تأخرتي 5 دقايق بعد كان بلغت الشرطة وقلت مرتي مخطوفة
ابتسمت بعذوبة: كنت في المطبخ
خبرك موضي بتوصل الليلة.. وحبيت أسوي شوي حلويات
ناصر ابتسم: لموضي بس؟؟
مشاعل بابتسامة دافئة: وراكان بعد
ناصر مستمر في أسئلته المرحة: وبس؟؟
مشاعل برقة مدروسة: وبس
ناصر بانكسار مصطنع: يا حرام وأبو نص رجل ماله شيء؟!!
مشاعل بجزع عميق: تكفى ناصر ما تقول كذا على روحك
ناصر يضحك: أنتي الحين مسكتي في التسمية وخليتي الموضوع الأساسي
وين نصيبي؟؟
مشاعل بعفوية: كلي لك يا ابن الحلال
ناصر بنبرة أبعد ما تكون عن العفوية: أكيد كلش لي؟!!
مشاعل قفزت وكلماتها تتبعثر بحرج عميق: نسيت الصينية في الفرن
ابتسم ناصر وهي يراها تهرب كمجرم أمسكوه بالجرم المشهود
(يا حبي لش بس
فديت المستحية ياناس
تدللي يا بنت عبدالله
القلب ملعبش)
في الوقت الذي بدأ ناصر يعود فيه إلى طبيعته
فإن مشاعل بدأت بالعودة إلى طبيعتها أيضا
قبل أسابيع.. بعد عودة ناصر من الإصابة
كانت مشاعل مطمئنة في عقلها الباطن أنها مهما تقربت من ناصر فهو لن يقترب منها..
ولكنها الآن تعلم أنه ينتظر إشارة صغيرة منها.. مجرد إشارة
لا تريد أن تطيل انتظاره لهذه الإشارة
ولكنها فعلا تشعر بخجل عميق.. هو خجلها الطبيعي
بعد أن عادت لقواعدها سالمة التي أعادها لها رؤيتها لناصر بشخصيته الطبيعية المرحة الدافئة
بالتأكيد ليس خجلها المرضي.. ولكنه الخجل الأنثوي الرقيق!!
****************************
بيت محمد بن مشعل
بعد صلاة العصر
كانت مريم تنتهي من صلاتها وتريد البدء في وردها
سمعت طرقات هادئة على الباب
همست بهدوء مرحب: تفضل يابو محمد
مشعل دخل وهو يبتسم.. بعد السلام.. همس بمرح:
تدرين يا السكنية إني مغير عطري اليوم أبي أفاجئش مرة ..وكل مرة تصيديني
مريم تبتسم: هالمرة عرفتك من الدقة..
مشعل بمودة عميقة: مافيش حيلة
مريم برقة: شأخبارك مع لطيفة؟؟
مشعل بعمق: مستانس فوق ما تخيلين.. لأول مرة أكون مبسوط بحياتي الزوجية مثل أنا ذا الأيام
مريم بسعادة: دوم يارب.. أنا فعلا كنت مستغربة منك
لما قلت لي إنك مهوب مبسوط مع لطيفة
لطيفة جنة وقربها جنة.. الله يديم السعادة عليكم
مريم بذات هدوئها: لا تعصب مشعل
أنا سألت سؤال.. والسؤال يرد عليه بجواب.. مهوب بسؤال مثله
مشعل تنهد ليسيطر على غضبه: لا طبعا.. يبي يقدم موعد العرس يخليه بعد أسبوعين أو ثلاثة
وأنا أقول بعد ثلاثة أحسن.. عشان يكون راكان رجع من سنغافورة
لكن وش اللي طرا الطلاق عليك؟؟
مريم بعمق: إحساس بس
مشعل بمودة حازمة: إحساسش غلط.. وين حد يلقى مثلش ويطلقها
مريم برقة حازمة: أنت آخر من يتكلم يا مشعل.. كان عندك جوهرة وتبي تتزوج عليها
أشلون بسعد اللي تورط بوحدة ضريرة...؟؟!!
أم فارس تقول سعد صاير متضايق من مشاكل ولده الصغير
والواحد يوم يتزوج يبي له سند..وش نوع المساندة اللي بأقدمها لسعد؟؟
أخذ من الوقت المخصص لعياله؟؟
أزيد مشاكله مشاكل..؟؟
يطلع من البيت وهو خايف إن الضريرة اللي وراه تخبط في طوفه وإلا تطيح من الدرج؟؟
مشعل باستغراب: مريم وش فيش؟؟ وش ذا الكلام اللي تقولينه؟؟ يعني هذا أنتي عمرش ما خبطتي في طوفة هنا؟؟
مريم بعمق موجع: هنا عشت عمر..حفظت كل شبر في البيت
لكن بيت سعد عمري ما دخلته
مشعل بعمق مشابه: مريم أنتي خايفة؟؟
مريم بوجع: وحرام أخاف يا مشعل؟؟
أنا خايفة على نفسي
وخايفة من نفسي
وخايفة على سعد وخايفة منه
وخايفة على عياله وخايفة منهم
خايفة من كل شيء
مشعل بمؤازرة وهو يحتضن كفها: أي واحد يقدم على خطوة جديدة لازم يكون خايف
مريم بحزن: الخوف إحساس بسيط تافه قدام اللي أنا حاسة فيه
ثم أردفت بمناشدة: تكفى مشعل عشان خاطري
قل لسعد إذا هو يبي يتراجع عن العرس ويطلقني.. ترا الزواج مهوب قضية وقتية هذي قضية مصيرية
مشعل قفز وهو يقول بغضب: مريم مع حبي واحترامي لش
لكن شكلش استخفيتي
مريم بمناشدة عميقة: تكفى يا مشعل عشان خاطري لو لي خاطر عندك
عشان قلبي يرتاح
وعشان لو صار بيني وبينه شيء عقب
ما ألوم نفسي.. لأني عطيته فرصة للتراجع
مشعل يحاول التماسك والهدوء: سعد أعرفه أكثر من نفسي
مستحيل يتراجع
مريم بمناشدة أخيرة عميقة: أرجوك مشعل قل له... وقل له إني جادة
أنا صاير عندي إحساس عميق إنه يمكن يكون ذا الزواج كله مشروع فاشل
وأنا في وضعي وعمري.. ما عدت حمل مشاريع فاشلة
************************
واشنطن
شقة مشعل
مشعل يدخل بهدوء
يسلم على هيا التي كانت تجلس في الصالة وتدرس
يخلع جاكيته.. ويجلس جوارها
وعلى محياه علائم ضيق عميق
هيا تحتضن كفه وتهمس برقة: وشفيك حبيبي؟؟
مشعل بهدوء عميق رغم ضيقه: متضايق شوي عشان سفر سعيد
الفال لنا ونرجع بالسلامة
هيا بذات الرقة: آمين
مشعل بسكون: والله سعيد مكانه بين.. مع أنه ماله إلا سنة هنا.. وأنا قبله بثلاث سنين.. بس كان قريب مني واجد
هيا بعتب: يعني أنا ما أكفي
مشعل يحتضن كتفيها ويهمس بحنان: أنتي تكفيني عن العالم كله
ثم أردف بعمق: بس الغربة كسرت ظهري.. الله يعدي ذا الكم شهر على خير
ونرجع لأهلنا سالمين غانمين..
***********************
بعد المغرب
السعودية.. الطريق الصحراوي بين الحدود الأماراتية والحدود القطرية
المنطقة حيث تعرض راكان لهجوم الذئب
موضي بألم: نفسي انكتمت علي
صرت أكره ذا المكان
راكان يبتسم: بس أنا صرت أحبه
صار له عندي ذكرى
موضي أنفاسها تتسارع بضيق: والله جد أتكلم راكان
متضايقة من المكان
موضي تعلم أنه يريد إشغالها عن أفكارها الكئيبة.. ولن تفوت فرصة سماعه مرة أخرى
فهما منذ خروجهما من دبي
كانا مع سيارة أجرة.. وحديثهما بينهما بصوت خافت
حتى أخذ راكان سيارته من المركز الإماراتي
ومن لحظتها وهي تتمنى أن تسمع شيلة بصوته لذا همست:
وليش ما تكون قصيدة لك
راكان بهدوء: الحين مهوب طاري على شيء من قصايدي
(لم يكن هذا هو السبب
والسبب أن كل القصائد التي تواردت على خاطره اسم موضي منصوص فيها
لذا قرر أن يشيل أول شيلة خطرت بباله ويحفظها)
موضي بعذوبة: خلاص سلمان الميزاني..و النعم
تنهد راكان ثم خلع غترته ووضعها جواره.. وبدأ في جر القصيدة الموجعة الآخرى.. ماهو سر خياراتك يا راكان؟!!:
لا خيرفي رَجل(ن) قصار(ن) شبوحه
ولا خير في سيف(ن) نثر دم راعيه
ماجيت أبي مد اليدين الشحوحه
ولاجيت ضامي في رجاء الغير يسقيه
سرتني أقـدار الليال اللحوحه
لو كان مسرايه على شي مابيه
والهم وطعون الزمان وجروحه
تجمعت في خافقي واسكنت فيه
واللي غموضه يختلف عن وضوحه
اجبرني اركب مركب التيه واتيه
أستاذنك يا خاطري والسموحه
لا عاد تلحقني ملام ومشاريه
سري وسرك لازم إنّا نبوحه
ونودعه توديع غالي لغاليه
لو إن دمعات الموادع فضوحه
تطري علي البعد وأنا ما أدانيه
لكن يا سر(ن) توفى طموحه
نقلك يعذبني ولاني بقاويه
ركزت في صدري سهوم(ن) ذبوحه
وعلمتني في شي ماني بناسيه
وعلمتني في شي ماني بناسيه
وعلمتني في شي ماني بناسيه
يا الله كيف يكون لجبروت صوته هذه السطوة في هز أوتار قلبها المتساقط ارتجافا واعياءً!!
تكاد أن تشهق ألما وشجنا..
تنزف كل دماء روحها بلا تفكير
أي رجل أنت يا هذا؟؟!!
أي رجل؟!!
صمت راكان وهمست موضي: وصدق يا راكان.. منت بقاويه؟؟
ألتفتت موضي لزجاج نافذتها وهي تهمس بارتجاف: ماظنيت غير كذا!!
(أي ألم بات سرك يبعثه في أوصالي؟!!
في البداية كنت أشعر بالفضول
من هي؟؟ من تكون؟!!
الآن أشعر بالألم.. الكثير من الألم
رغم أن السؤال مازال ذات السؤال
من هي؟؟ ومن تكون؟؟)
موضي تبعده عن المقصود الفعلي إلى شيء آخر هو قلق فعلي أيضا
همست بضيق: ما أدري وش بأسوي إذا رجعنا للدوحة.. متوترة.. أخاف أسوي شيء يضايقك مني
ابتسم راكان وهو يقول برجولة: لا تخافين من شيء وأنتي معي
ثم أردف بمودة حازمة: خلينا نتفق.. لو أنا ضايقتش أو أنتي ضايقتيني
على طول نتصارح.. مافيه داعي نحط بيننا حواجز
موضي بشجن: اتفقنا..ومن يقدر يحط بينه وبين روحك الصافية حواجز
راكان بعمق: أنتي حطيتي
موضي بألم: راكان بلاه ذا الموضوع
راكان بمصارحة شفافة: موضي أنا مستوجع فوق ما تتخيلين
لو شفت هذاك الكلب الحقير بأقطعه..
مهوب لأن الاثر له أي أهمية عندي.. لكن لأنه أذاش وخلاش تتعقدين من نفسش بذا الطريقة
موضي بجزع: راكان تكفى.. لا تنسى أنه ولد عمتنا.. وعمتي نورة وبناتها ماعندهم غيره
راكان ببرود يشتعل تحته ولا يعلم سبب هذا الاشتعال.. يشعر بألم مشتعل يحرث روحه بمناجله: مهتمة فيه؟؟
موضي باستنكار جازع: يخسى.. والله ولا همني.. بس حشمة لعمتي نورة وخالي جابر
راكان يحاول الهرب من وطأة أفكاره وهو يهمس لها بهدوء شديد الحزم: إذا تبيني أسامحه
فأنتي لازم تحاولين تتجاوزين كل اللي هو سواه فيش..
لكن دامني أشوفش مستوجعة.. والله ما أسامحه.. واللي رفع السما وبسط الأرض
لأخليه يدفع ثمن كل دمعة بكيتيها
موضي بجزع: خلاص أحاول
راكان بحزم: لا.. أوعديني
موضي تضغط على نفسها: أوعدك
راكان يبتسم وهو يهمس بشفافية: وأنتي على قولتش: من نسوان كلمتهم ما تصير ثنتين
وأنتي وعدتيني
موضي تبتسم: على قولتك: نسوان أحدث طراز.. وأنا وعدتك
العنود تنظر له بفضول واستغراب حتى رأته يتناول مسدسه ويضعه في جيبه
ليتحول الفضول لرعب
والاستغراب لجزع قلق
العنود تختنق بكلماتها: فارس وين بتروح؟؟
فارس بنبرة اعتيادية حازمة: الشرطة طالبيني في مداهمة
ولأني مدني ما يعطوني سلاح..
بس عندي سلاحي هذا مرخص..
العنود تقف أمامه لتقول بمناشدة: تكفى فارس ما تروح
فارس بغضب: نعم..
أمسكت بذراعه لتمنعه.. ولكنه دفعها بحدة وخرج..
لم ينتبه أن دفعته كانت أقوى مما تحتمل رقتها وضعف بنيتها
ولم يعلم أنها سقطت أرضا
لأنها دفعها وخرج.. وهو يعتقد أنه أزاحها فقط عن طريقها
يعلم أن دفعته كانت قاسية نوعا ما
ولكنه لا وقت لديه للأخذ والرد والمداهمة بعد أقل من نصف ساعة
العنود بقيت مذهولة للحظات
لم تستوعب أنه دفعها ولم تستوعب أنها وقعت أرضا
ومع الاستيعاب حضر الألم
(تمد يدك علي يا فارس؟!!
أنا تمد يدك علي؟؟!!
عمري ماحد صرخ علي في بيتنا
صرخت أنت علي... وتحملت
اليوم تدزني
وش بيصير عقب؟؟
تضربني؟؟؟
بس ماعليه يا فارس ماعليه..
خلك ترجع بالسلامة.. ونتفاهم)
بيت محمد بن مشعل
صالة البيت الرئيسية
الساعة 9 مساء
أم مشعل وبناتها مريم والعنود كن في الانتظار
ومعهن مشاعل ولطيفة
في ذلك الوقت كانت سيارة راكان تتوقف في باحة البيت
راكان يلتفت لموضي المتوترة جواره
يتناول كفها ويحتضنه بحنو وتملك ويهمس لها: ترا مافيه حد داخل غير الناس اللي أنتي خابره
ماحد منهم تغير.. ليش التوتر؟؟
موضي بقلق: بس يمكن أنا تغيرت
شد كفها بقوة أكبر وحنان أعظم: وش اتفقنا عليه؟؟
للمرة الأولى تبادر موضي وتشد هي كفه التي تحتضن كفها
شعر راكان بألم غير مفهوم في عمق فؤاده مع ضغط أناملها الرقيقة
همست برجاء: ادخل معي
هز أعماقه بعنف امتدادها القوة منه ورغبتها في الاحتماء به
تمنى لو يستطيع أن يخبئها بين رموش عينيه لو استطاع
همس لها بهدوء حانٍ: كان ودي ادخل معش.. بس شوفي جودي واقفة عند الباب
معناته لطيفة داخل
مهوب أمي وخواتي بس
أنا بأروح المجلس.. الرياجيل ينتظروني على العشاء
وباجيكم عقب
موضي تنهدت وهي تسمي بسم الله وتنزل بخطوات مترددة
عكس خطوات راكان الواثقة الواسعة وهو يتجه لجود ويحملها ويغمرها بالكثير من قبلاته
ثم ينزلها ويتوجه للمجلس
وجود تركض لناحية خالتها وترمي نفسها عليها
لتحتضنها موضي بحنان وهي تحملها وتقبلها بعمق ثم تدخلها معها لداخل البيت
بعد حوالي ساعة
انتهى العشاء عند كلا الطرفين
النساء والرجال
مجلس الحريم في بيت محمد بن مشعل
لطيفة وموضي متجاورتان
مريم والعنود ومشاعل يشتبكن في الحديث معا
وأم مشعل استأذنت لتناول أدويتها
لطيفة بنبرة مقصودة: المشكلة أنش ما تمثلين يا موضي.. مستحية صدق
صمتت موضي
ولطيفة أكملت حديثها: شالسالفة موضي؟؟ ما عمرش دسيتي علي شيء
لا تكونين منتي بمبسوطة مع راكان؟؟
موضي بجزع عفوي: لا والله.. ياحظها اللي يصير راكان لها.. مامثله في الرياجيل اثنين
لطيفة باستغراب: ياحظها؟!!
ليه هو صار حق حد غيرش؟؟!!
موضي بحرج: ما أقصد.. لا تصيدين علي كل كلمة
لطيفة تتنهد: براحتش موضي.. أظني إنش تعرفيني.. اذا صار في خاطرش شيء تقولينه تراني حاضرة
عاودت موضي الصمت
في حياتها مع حمد.. كانت تخبر لطيفة بكل شيء
ولكنها الآن غير مستعدة لإدخال أحد في عالمها هي وراكان.. العالم الغريب والعميق والمجهول والمثير
همست موضي بعد دقيقة بهدوء: قومي معي أروح أسلم على أمي وجدتي..
ألحق أرجع قبل يجي راكان
على الجانب الآخر
مشاعل تهمس برقة: عنودة وش فيش؟؟ ليش مكتمة كذا؟؟
العنود بنبرة مصطنعة: مافيني شيء
مريم بهدوء عميق: من حيث فيش.. فأكيد فيش..
مشاعل ابتسمت: يا الله وهذي مريم ساندتني بعد
العنود تحاول أن تبتسم: ياشينكم.. ما أسرع اتفقتو.. الله يكفي شركم
أصلا كل وحدة منكم حاستها السادسة رادار.. اتفقتو يعني مافيكم حيلة
مريم تبتسم: والمعنى أنه فيه شيء فيش..
العنود ببساطة: مافيه شيء.. فارس عصب علي شوي قبل أجي.. عشان كذا متضايقة
(جزء من الحقيقة ولكنها ليست الحقيقة)
مشاعل بحنان: ياقلبي يا العنود.. عشرين ألف مرة قايلة لش.. فارس يعصب بس والله قلبه طيب
العنود بضيق: أدري.. بس ما أقدر أمنع نفسي ما أتضايق
مريم بعمق: وأنا قلت لش لا عاد تسوين شيء يخليه يعصب
العنود تتنهد: خلاص خير.. الموضوع كله بسيط.. أنا وهو نعرف نتفاهم
ذات الوقت.. مجلس آل مشعل
راكان وناصر
ناصر بمرح: هاه وشرايك في الحياة الزوجية يالعريس؟؟
راكان يبتسم: مالك شغل.. ما نعطي كورسات للبزارين
ناصر يضحك بصوت خافت: عشتو.. أظني إني معرس قبلك يا أخ أنت
راكان بابتسامة: وأظني أكبر منك يا أخ أنت..
ناصر بمودة ومرح: حتى لو ما قلت.. باين عليك متشقق..
من يوم دخلت علينا وابتسامتك شاقة.. بالعادة تبتسم في المناسبات الرسمية والعيدين..
راكان مازال مبتسما: ياملغك بس
(أحقا ماعدت قادرا على السيطرة حتى على ابتسامتي؟!!
ولكني بالفعل سعيد
لا أعلم سببا لهذه السعادة
ولكنها سعادة جديدة بدأت تتسلل لروحي المثقلة
هناك ما ينغصها.. نعم
ولكنها تبقى سعادة عميقة
لأول مرة ..سعادة بهذا العمق ترفرف في كل أنحاء روحي)
رن هاتف ناصر.. رد بصوت خافت..ثم أنهى المكالمة
وألتفت لراكان ليقول باستغراب: أختك دلوعتنا مهيب صاحية متصلة فيني تسألني عن رجالها
أقول لها ليه ما تتصلين فيه
تقول جواله مقفل
شكلها تتدلع عليه
ابتسم راكان وهمس بحنان:خلها تدلع الغالية.. الدلع أصلا ماخلق إلا لها
ثم أردف باهتمام: بس فارس كنه تأخر
أنا تعبان من السواقة وأبي أنام
بس أبي أشوفه الأول
ناصر (بعيارة): عدال.. تعبان من السواقة وإلا مستعجل على شوفت بنت عبدالله؟؟
راكان بغضب شفاف: نويصر تحشم
ناصر يضحك: ياشين دور الأخ الكبير عليك.. لازم تكعمني يعني (تكعمني/تجعمني/ تأنبني وتسكتني)
فارس توه اتصل فيني من دقايق.. يقول خلص شغله وجاي في الطريق
ومع انهاءه لجملته كان فارس يدخل المجلس
وناصر يكمل بمرح: ليتنا طرينا مليون ريال بدال وجه رجال أختك الودر ذا
قبل ذلك بقليل
زاوية أخرى
سعد ومشعل
مشعل أخبر سعد بما طلبته منه مريم
سعد يرد غاضبا: مشعل أنت شايفني بزر أسوي شيء ماني بمقتنع فيه
مشعل بهدوء: هدي أعصابك.. أنا قلت لمريم كذا
بس هي تقول هذا زواج.. وعشرة عمر
وهي وحدة ضريرة وتخاف إنها تكون حمل عليك مع مسؤوليات عيالك
وتقول إنها حاسة أنه....
والله ما أدري أشلون أقولها لك...
إنه... يمكن يكون ذا الزواج مشروع فاشل
ووحدة في عمرها ووضعها ماتستحمل مشاريع فاشلة
سعد بصدمة: زواجها مني مشروع فاشل؟!!!
مشعل يتنهد: يا ابن الحلال لا تفهمها بذا الطريقة
الفشل من ناحيتها مهوب من ناحيتك
أنت رجال كامل.. والكامل وجه الله
لكن هي متحسسة من ناحية إنها ماتشوف.. وتخاف تكون حمل عليك
سحب سعد نفسا عميقا ثم همس لمشعل: مريم عمرها كانت حمل عليكم؟؟
مشعل يبتسم: لا والله حن اللي حمل عليها.. وإلا هي ماعمرها ثقلت على حد
سعد يبتسم: خلاص عشانا عقب رجعة راكان من سنغافورة.. الخميس اللي عقب 3 أسابيع
***************************
قسم ناصر الذي أصبح لراكان
الساعة 11 مساء
لطيفة تدخل مع موضي للبيت
موضي تخطو للداخل بتردد
ولطيفة تحمل جود التي تشعر بالنعاس وتهمس بخفوت:
شوفي أنا رتبت كل أغراضش وأغراض راكان
أنا رتبت مثل ما أعرف إنش تحبين ترتبين أغراضش
لو ما عجبش شيء خلاص بكيفش رتبي مثل ما تبين
موضي بعذوبة: مشكورة يأم محمد.. ومن اللي ما يعجبه ترتيبش
ثم أردفت: ايه لطيفة.. كنت أبي أسألش الكنبة اللي تنفتح اللي في صالة غرفتش من وين اشتريتيها؟؟ عاجبتني
لطيفة باستغراب: ليه وش تبين فيها؟؟
موضي بحرج: أبي أرتب الغرفة الثانية بأحط فيها مكتب لي ولراكان وأبي أحطها فيها
لطيفة نظرت لها بنصف عين: لا تكونين ناوية تطردين راكان
موضي بحرج أشد: الشرهة علي اللي سألتش
لطيفة باستعجال: خلاص لا تطنقرين (تزعلين) علينا.. إذا بغيتي تشترين وديتش
والحين لازم أروح.. تأخرت على بيتي
أنا ساحبة فاطمة من بيت هلي عشان تقعد عند عيالي اللي رقدتهم قبل أجي
الحين فاطمة بتسطرني.. كل مرة تلاغيني تقول أنا أشتغل عند أنتي وإلا عند ماما؟؟
ثم أردفت وهي تخرج: بكرة بأجي لش مع الكوافيرة عقب صلاة المغرب
موضي دخلت للداخل بخطوات مترددة.. تعرف المكان جيدا فهي جاءت مع لطيفة عدة مرات لترتيب أغراض مشاعل هنا
علقت عباءتها التي كانت بيدها
وقررت أن تستحم أولا لتهدئة أعصابها المستنزفة
ثم خرجت ملتفة برداء الحمام
فتحت الدولايب لتختار لها ما تلبسه
شعرت بالتوتر يتزايد
تريد أن تلبس شيئا أقل تزمتا مما كانت ترتديه أمام راكان طيلة الأيام الماضية
ليس لأنها تريد
فلو كان الأمر برغبتها لبقيت ربما بعباءتها وشيلتها
ولكن لأنها لابد أن تفعل ذلك.. حتى تقنع راكان أنها تحاول تجاوز مافعله حمد بها
فراكان كالبقية لا يعلم أن حمد يعاني من مرض نفسي يتعالج منه في مصر
ومن يعلم هن لطيفة ووالدتها وموضي وهيا ووالد حمد فقط
وموضي لا تريد أن تخبر أحدا بسر علاجه
ومن ناحية أخرى لا تريد أن يظن راكان أنه بقي لحمد أي تفكير في مخيلتها
استقرت على اختيار معين لملابسها
ارتدت ملابسها ثم ارتدت ثوب الصلاة فوقها وصلت قيامها
بعدها توجهت للتسريحة
شعرت برغبة ملحة غير مفهومة أن تتعطر.. تتزين.. بعضا من أحمر شفاه فاتح ربما
تعطرت بكثافة وعطرت شعرها
ولكنها قررت أن تتوقف عن فكرة التزين التي بدت لها لا داع لها بل ومبتذلة
وتركت وجهها صافيا خاليا من المساحيق
ثم توجهت للصالة لتجلس فيها انتظارا لراكان
لم يطل انتظارها
فبعد دقائق كان يدخل بخطواته الثقيلة الثابتة قادما من بيت والده بعد أن سلم على والدته وشقيقاته..
توقف للحظات وكأن الزمن توقف معه وهو ينظر للبهاء المكتمل الجالس أمامه
ارتعش شيء ما في داخله.. شيء ما!!
ولكن هذه الرعشة لم تتجاوز داخله مطلقا
كانت تجلس أمامه ببيجامة أنيقة
قميصها (التوب) القطني بدون أكمام (هاي نك) باللون الفستقي الكامل
وبنطلونها الحريري (برمودا) لتحت الركبة بقليل حرير مشجر باللونين الفستقي والابيض..
وشعرها المستحيل متناثر على كتفيها ويلتف حول رأسها عصابة حريرية من نفس لون وقماش بنطلون البيجامة
وترتدي خفين فستقيين برباطين يعقدان عند الكاحل
كانت طلتها مثيرة ورقيقة.. وموجعة.. وصادمة..
فهو لم يراها طيلة الأيام الماضية سوى بلباس غاية في الرسمية والاحتشام
حتى البيجامات كانت ترتدي فقط البيجامات الكلاسيكية الحريرية موحدة اللون
بعد أن اشترت منها عدة قطع من أحد مجمعات دبي..
بقي مذهولا للحظات لم تشعر بها موضي ولكنه هو من شعر بها
ولكنه تماسك بسرعة وهو يبتسم ويسلم ثم يجلس قريبا منها
لتخترقه رائحة عطرها المختلط برائحتها العذبة
تنهد وهو يقول لنفسه (أنا اللي جبته لنفسي )
راكان يشعر بألم غير مفهوم
فهي توقظ فيه الرجل
ولكن أين العاشق؟؟
يستحيل أن ينظر إليها كما ينظر أي رجل لأي أنثى
فليس هو بأي رجل
وليست هي بأي أنثى
بل هما راكان وموضي!!
ابتسم وهو يسألها: زال توتر المقابلة الأولى؟؟
ابتسمت وهي ترفع عينيها له: زال.. وترى جدتي تسأل عنك
راكان يضرب على جبينه: يوه.. والله حسبتها نايمة.. الحين وش بيرضي هويه علي .. بتقص رقبتي
موضي بمرح رقيق: خلك من المهايط.. ومن اللي يقدر عليك
أنت بالذات جدتي عمرها مازعلت عليك
زعلت من كل عيال عيالها إلا أنت.. ما أدري وش مسوي لها؟!!
راكان بابتسامة: وهم ليه يزعلونها؟؟
موضي بعذوبة: ولو أن هذا مهوب جواب على قولتك
بس تدري أمي هيا تحب تجرب غلاها
راكان بمودة: وهي تدري إنها عندي غالية..ومافيه داعي تجرب
وقفت موضي وهي تهمس بمرح: ماشاء الله.. ماحد يقدر عليك في الحكي
كانت موضي تريد التحرك.. لولا أن يد راكان الجالس أطبقت على أناملها بقوة لتوقفها مكانها
ارتعشت موضي بعنف..
لاحظ ارتعاشها وأناملها الساكنة بين أناملة تنتفض كعصفور بلله القطر
ولكنه تجاوز ارتعاشها رغم تأثره به وهو يهمس لها بحنان: وين بتروحين؟؟
موضي بصوت مرتعش: بأروح أجيب لي ماي.. تبي أجيب لك شيء.. أو أسوي لك شيء
راكان بهدوء حانٍ: لا.. مشكورة.. أنا بأقوم أصلي.. ثم بأرجع
ثم أردف بشفافية: مشتهي أسولف معش
(فأنا لم أرتوي بعد من النظر إلى محياكِ
ولا من سماع همسكِ
ولكن
هل سأرتوي يوما؟!!
هل؟؟
لا أريد أن أرتوي.. لا أريد
أريد أن أعيش مابقي من أيامي ضارعا إلى عينيكِ
غارقا بين همساتكِ
.
.
.
راكان ما الذي يحدث لك؟؟
أي جنون أصابك؟!!
يبدو أنني فقدت السيطرة المنطقية على تفكيري!!
لا أريد أن أخسر موضي كإنسان وصديق نادر
وأنا وعدتها بالحماية والاحتواء
.
.
ولكني لم أمارس أي تجاوز لعلاقتنا كأصدقاء
فهل هناك أحب إلى الإنسان من النظر إلى وجه صديقه والاستماع إلى حديثه؟!!)
**************************
بيت فارس بن سعود
الساعة 12 مساء
غرفة فارس والعنود
العنود بعد أن اطمأنت إلى عودة فارس سالما من شقيقها ناصر
استعادت شعور غضبها منه
قد تكون تحملت منه الكثير
ولكنه أيضا تغير كثيرا من أجلها.. وهي تعلم ذلك
من رغبة بالزواج حتى يأدبها على تطويلها لسانها عليه إلى عاشق متيم
ولكن هل حقا كان يرغب في تأديبها أو في تأديب نفسه المتجبرة القاسية؟!!
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" النساء يغلبن الكريم ويغلبهن اللئيم"
وفارس ليس لئيما أبدا
بل هو رجل كريم النفس واليد ومن نسل كريم
وهكذا حين تحكم العروق الطيبة..يحضر الطيب وتفوح روائحه العطرة
ولكن هذه العروق الطيبة بها كبرياء متأصل عتيد أيضا!!
فكيف التلاقي بين الطيب.. والطيب؟!!
و من ناحيتهاالعنود لا تريد أن تكون من مكفرات العشير..
اللاتي ما أن يبدر من أزواجهن أي إساءة لهن.. حتى ينكرن عشرتهم وينفين كل طيبهم معهن
ولكنها على الجانب الآخر تعلم أنها لن تحتمل مرة قادمة قد يمد يده عليها فيها
دخل فارس بهدوء.. كان خالي الذهن تماما
فهو لم يظن للحظة أن العنود قد تكون غاضبة منه
دخل وهو يتلفت بحثا عن طيف فاتنته
كانت تجلس على مكتبها مقابلة لحاسوبها تعد ورقة عمل مطلوبة منها
اقترب منها
وهي اضطربت وبدأت طباعتها تتحول إلى سلسلة من الأخطاء
لم يكن اضطرابها خوفا.. ولكن تبعثرا
فحضوره يبعثرها غصبا عنها
وقف خلفها وهو يسلم وهي ردت السلام بخفوت
انحنى عليها وهو يرفع شعرها عن عنقها ويميل أكثر ليطبع قبلته عليه
ولكنها وقفت قبل أن تصل شفتيه إليها وشعرها يفلت من بين أنامله
فارس نظر لها باستغراب وتقطيب وهو يراها تبتعد لتجلس على الأريكة
اقترب وجلس قريبا منها وليس جوارها
وهمس بهدوء: وش فيش؟؟
العنود تهمس بحزن دون أن تنظر له: إسأل روحك
فارس بهدوء حازم: وش الجريمة اللي سويتها حتى تكلميني بدون ماتطالعيني؟!!
إذا صار عندش شيء تقولينه حطي عينش في عيني وكلميني
أو احتفظي بكلامش كله لنفسش
العنود رفعت عينيها له وهي تهمس بحزن أكبر: ليه أنت منت بداري حتى وش سويت؟؟
فارس بنبرة حادة نوعا ما: العنود بلاها حركات الدلع.. أنا ما سويت شيء
إذا أنتي عندش شيء قوليه
حينها بدأت عيناها تغيمان بالدموع.. وهو شعر بالجزع.. قد يحتمل كل شيء إلا دموعها
حينها وقف وجلس جوارها واحتضن كفها وهمس بحنان: ودموع بعد
حبيبتي تكفين قولي اللي تبينه بس من غير دموع.. تدرين ما أستحمل دموعش
حينها أسندت العنود رأسها لكتفه وهو احتضنها بحنو وهو يهمس: يالله قولي لي
وش مزعلش على فارس ثقيل الدم؟؟
العنود تحاول السيطرة على سيول دموعها وحتى لا تبدأ بالشهقات
فإن كان لا يحتمل دموعها.. فهي لا تحتمل نبرة الحنان الدافئة المختلفة في صوته
همست بخفوت: الليلة لما طلعت للمداهمة.. تقدر تفهمني اللي تبي بدون ما تمد يدك علي
مد اليد للبهايم وأنا ماني ببهيمة.. وعمري ماخالفتك
شعرت العنود بعضلات صدره تتصلب بقوة تحت خدها وهو يهتف باستنكار:
أنا مديت يدي عليش؟؟
العنود رفعت رأسها وهي تهمس بألم: أجل وش تسمي إنك تدزني وتطيحني على الأرض
فارس بذات نبرة الاستنكار: أنا؟؟
العنود تحكي له الموقف باختصار
وفارس يتنهد ويهمس بهدوء: حتى لو كان صار.. فأعتقد إنش عارفة إني مستحيل أقصد أمد يدي عليش
وأنتي المفروض ما تصغرين عقلش وتحملين الموضوع أكثر من احتماله
العنود بعتب: الحين أنا الغلطانة.. بدل ما تطيب خاطري.. تطلعني الغلطانة
فارس بحزم رقيق: اسميني العنود.. أنا يوم غلطت في حقش اعتذرت وما تشاينتها
بس أنتي مهوب تطالبيني أعتذر حتى لو ما غلطت..لأنه مستحيل يصير
أصلا الاعتذار صعب علي يوم أكون أنا الغلطان
فاشلون وأنا ما غلطت
العنود وقفت وهي تقول بغضب حزين: خلاص لا تعتذر ولا تراضيني
بس هذا أنت صار عندك خبر.. ومرة ثانية تمد يدك علي انسى إن لك مره أساسا
فارس وقف وهو يقول بغضب حقيقي: العنود لا تهدديني.. واتقي شري
العنود صمتت.. فهي تعلم أنها استفزته بما فيه الكفاية.. وتعلم أنها ليست ندا لغضبه
هي توجهت لسريرها وتمددت
وهو توجه للحمام ليستحم ويهدئ غضبه
حين خرج من الحمام ..صلى قيامه.. ثم تمدد جوارها
كلاهما يشعر بالألم
الكثير منه
فبرغم كثرة ماكان يثور عليها ويتخاصمان إلا أن خصامهما لا يطول مطلقا
ولم تمر عليهما ليلة باتا فيها وهما متخاصمان
فكيف سينامان الليلة؟!!!
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
الساعة 12 إلا ربع
مشعل يدخل ليجد لطيفة تدرس على مكتبها
يسلم وترد عليه السلام
لتقف وتتجه ناحيته وتأخذ غترته منه
تحتضنها وهي تشمها وتهمس برقة: مغير عطرك؟؟
مشعل يجلس وهو يبتسم: مغيره أبي أقص على مريم السكنية.. بس صادتني
لطيفة تضع غترته في سلة الغسيل وتعود وتجلس جواره وهي تهمس بمودة:
ياحليلها مريم.. تعرف كل واحد فينا مهوب بس بالريحة.. حتى بالخطوة والمشية
مشعل يهمس بهدوء: وعلى طاري مريم ترا عرسها الخميس اللي عقب 3 أسابيع
مجرد عشاء بسيط لكم يا النسوان.. مثل ما مريم تبي
بس الرياجيل سعد بيسوي عشاء كبير في مجلسه
لطيفة باستغراب: وليش قدموه كذا؟؟
مشعل حكى لها عن رغبة سعد باختصار.. ولطيفة ردت: ليش لا.. عنده حق
على كذا بانشغل الأيام الجاية أتشرا لمريم
مشعل يقبل رأسها وهو يقول بتقدير عميق: طول عمرش أم الجميع يأم محمد
لطيفة بحنان: مريم بالذات غلاها غير..
مشعل يبتسم: وأبو محمد وش علومه من الغلا؟؟ ماله نصيب؟؟
لطيفة تحتضن ذراعه وتقبل كتفه: الغلا كله للعيار أبو محمد وهو داري
مشعل بجدية رقيقة: ويوم أبو محمد غالي.. بأطلب منش شيء ولا تقولين لأ
لطيقة بعذوبة: عيوني لك
مشعل بحنان: تسلم العيون وراعيتها.. أشرايش نروح أنا وأنتي عمرة.. وعقب نقعد كم يوم في جدة..
أنا صار لي فترة مضغوط في الشغل.. وابي أغير جو
وأنتي العطلة خلصت مارحتي مكان..
خلصي سوق مريم ذا الأسبوع.. ونروح الأسبوع الجاي
لطيفة بهدوء: ومن اللي يعيي من العمرة.. بس عيالي عندهم مدارس وش أسوي فيهم.. وجودي خبرك متعلقة فيني واجد
مشعل يقاطعها: ومتعلقة في موضي بعد
لطيفة بذوق: ما أقدر أخليها عند موضي وموضي عروس مالها عشرة أيام
وش تبي راكان يقول علينا؟؟
مشعل بهدوء: أصلا أنا اخترت ذا الموعد بالذات لأنه راكان بيروح الأسبوع الجاي بطولة في سنغافورة
وبيغيب أسبوع.. أكيد موضي بتروح بيت هلش.. نخلي العيال عندهم
هاه وشتقولين؟؟ خليني أخلص من عيالش لو مرة..وأسافر أنا وأنتي بروحنا
بيت محمد بن مشعل
صالة البيت الرئيسية
الساعة 9 مساء
أم مشعل وبناتها مريم والعنود كن في الانتظار
ومعهن مشاعل ولطيفة
في ذلك الوقت كانت سيارة راكان تتوقف في باحة البيت
راكان يلتفت لموضي المتوترة جواره
يتناول كفها ويحتضنه بحنو وتملك ويهمس لها: ترا مافيه حد داخل غير الناس اللي أنتي خابره
ماحد منهم تغير.. ليش التوتر؟؟
موضي بقلق: بس يمكن أنا تغيرت
شد كفها بقوة أكبر وحنان أعظم: وش اتفقنا عليه؟؟
للمرة الأولى تبادر موضي وتشد هي كفه التي تحتضن كفها
شعر راكان بألم غير مفهوم في عمق فؤاده مع ضغط أناملها الرقيقة
همست برجاء: ادخل معي
هز أعماقه بعنف امتدادها القوة منه ورغبتها في الاحتماء به
تمنى لو يستطيع أن يخبئها بين رموش عينيه لو استطاع
همس لها بهدوء حانٍ: كان ودي ادخل معش.. بس شوفي جودي واقفة عند الباب
معناته لطيفة داخل
مهوب أمي وخواتي بس
أنا بأروح المجلس.. الرياجيل ينتظروني على العشاء
وباجيكم عقب
موضي تنهدت وهي تسمي بسم الله وتنزل بخطوات مترددة
عكس خطوات راكان الواثقة الواسعة وهو يتجه لجود ويحملها ويغمرها بالكثير من قبلاته
ثم ينزلها ويتوجه للمجلس
وجود تركض لناحية خالتها وترمي نفسها عليها
لتحتضنها موضي بحنان وهي تحملها وتقبلها بعمق ثم تدخلها معها لداخل البيت
بعد حوالي ساعة
انتهى العشاء عند كلا الطرفين
النساء والرجال
مجلس الحريم في بيت محمد بن مشعل
لطيفة وموضي متجاورتان
مريم والعنود ومشاعل يشتبكن في الحديث معا
وأم مشعل استأذنت لتناول أدويتها
لطيفة بنبرة مقصودة: المشكلة أنش ما تمثلين يا موضي.. مستحية صدق
صمتت موضي
ولطيفة أكملت حديثها: شالسالفة موضي؟؟ ما عمرش دسيتي علي شيء
لا تكونين منتي بمبسوطة مع راكان؟؟
موضي بجزع عفوي: لا والله.. ياحظها اللي يصير راكان لها.. مامثله في الرياجيل اثنين
لطيفة باستغراب: ياحظها؟!!
ليه هو صار حق حد غيرش؟؟!!
موضي بحرج: ما أقصد.. لا تصيدين علي كل كلمة
لطيفة تتنهد: براحتش موضي.. أظني إنش تعرفيني.. اذا صار في خاطرش شيء تقولينه تراني حاضرة
عاودت موضي الصمت
في حياتها مع حمد.. كانت تخبر لطيفة بكل شيء
ولكنها الآن غير مستعدة لإدخال أحد في عالمها هي وراكان.. العالم الغريب والعميق والمجهول والمثير
همست موضي بعد دقيقة بهدوء: قومي معي أروح أسلم على أمي وجدتي..
ألحق أرجع قبل يجي راكان
على الجانب الآخر
مشاعل تهمس برقة: عنودة وش فيش؟؟ ليش مكتمة كذا؟؟
العنود بنبرة مصطنعة: مافيني شيء
مريم بهدوء عميق: من حيث فيش.. فأكيد فيش..
مشاعل ابتسمت: يا الله وهذي مريم ساندتني بعد
العنود تحاول أن تبتسم: ياشينكم.. ما أسرع اتفقتو.. الله يكفي شركم
أصلا كل وحدة منكم حاستها السادسة رادار.. اتفقتو يعني مافيكم حيلة
مريم تبتسم: والمعنى أنه فيه شيء فيش..
العنود ببساطة: مافيه شيء.. فارس عصب علي شوي قبل أجي.. عشان كذا متضايقة
(جزء من الحقيقة ولكنها ليست الحقيقة)
مشاعل بحنان: ياقلبي يا العنود.. عشرين ألف مرة قايلة لش.. فارس يعصب بس والله قلبه طيب
العنود بضيق: أدري.. بس ما أقدر أمنع نفسي ما أتضايق
مريم بعمق: وأنا قلت لش لا عاد تسوين شيء يخليه يعصب
العنود تتنهد: خلاص خير.. الموضوع كله بسيط.. أنا وهو نعرف نتفاهم
ذات الوقت.. مجلس آل مشعل
راكان وناصر
ناصر بمرح: هاه وشرايك في الحياة الزوجية يالعريس؟؟
راكان يبتسم: مالك شغل.. ما نعطي كورسات للبزارين
ناصر يضحك بصوت خافت: عشتو.. أظني إني معرس قبلك يا أخ أنت
راكان بابتسامة: وأظني أكبر منك يا أخ أنت..
ناصر بمودة ومرح: حتى لو ما قلت.. باين عليك متشقق..
من يوم دخلت علينا وابتسامتك شاقة.. بالعادة تبتسم في المناسبات الرسمية والعيدين..
راكان مازال مبتسما: ياملغك بس
(أحقا ماعدت قادرا على السيطرة حتى على ابتسامتي؟!!
ولكني بالفعل سعيد
لا أعلم سببا لهذه السعادة
ولكنها سعادة جديدة بدأت تتسلل لروحي المثقلة
هناك ما ينغصها.. نعم
ولكنها تبقى سعادة عميقة
لأول مرة ..سعادة بهذا العمق ترفرف في كل أنحاء روحي)
رن هاتف ناصر.. رد بصوت خافت..ثم أنهى المكالمة
وألتفت لراكان ليقول باستغراب: أختك دلوعتنا مهيب صاحية متصلة فيني تسألني عن رجالها
أقول لها ليه ما تتصلين فيه
تقول جواله مقفل
شكلها تتدلع عليه
ابتسم راكان وهمس بحنان:خلها تدلع الغالية.. الدلع أصلا ماخلق إلا لها
ثم أردف باهتمام: بس فارس كنه تأخر
أنا تعبان من السواقة وأبي أنام
بس أبي أشوفه الأول
ناصر (بعيارة): عدال.. تعبان من السواقة وإلا مستعجل على شوفت بنت عبدالله؟؟
راكان بغضب شفاف: نويصر تحشم
ناصر يضحك: ياشين دور الأخ الكبير عليك.. لازم تكعمني يعني (تكعمني/تجعمني/ تأنبني وتسكتني)
فارس توه اتصل فيني من دقايق.. يقول خلص شغله وجاي في الطريق
ومع انهاءه لجملته كان فارس يدخل المجلس
وناصر يكمل بمرح: ليتنا طرينا مليون ريال بدال وجه رجال أختك الودر ذا
قبل ذلك بقليل
زاوية أخرى
سعد ومشعل
مشعل أخبر سعد بما طلبته منه مريم
سعد يرد غاضبا: مشعل أنت شايفني بزر أسوي شيء ماني بمقتنع فيه
مشعل بهدوء: هدي أعصابك.. أنا قلت لمريم كذا
بس هي تقول هذا زواج.. وعشرة عمر
وهي وحدة ضريرة وتخاف إنها تكون حمل عليك مع مسؤوليات عيالك
وتقول إنها حاسة أنه....
والله ما أدري أشلون أقولها لك...
إنه... يمكن يكون ذا الزواج مشروع فاشل
ووحدة في عمرها ووضعها ماتستحمل مشاريع فاشلة
سعد بصدمة: زواجها مني مشروع فاشل؟!!!
مشعل يتنهد: يا ابن الحلال لا تفهمها بذا الطريقة
الفشل من ناحيتها مهوب من ناحيتك
أنت رجال كامل.. والكامل وجه الله
لكن هي متحسسة من ناحية إنها ماتشوف.. وتخاف تكون حمل عليك
سحب سعد نفسا عميقا ثم همس لمشعل: مريم عمرها كانت حمل عليكم؟؟
مشعل يبتسم: لا والله حن اللي حمل عليها.. وإلا هي ماعمرها ثقلت على حد
سعد يبتسم: خلاص عشانا عقب رجعة راكان من سنغافورة.. الخميس اللي عقب 3 أسابيع
***************************
قسم ناصر الذي أصبح لراكان
الساعة 11 مساء
لطيفة تدخل مع موضي للبيت
موضي تخطو للداخل بتردد
ولطيفة تحمل جود التي تشعر بالنعاس وتهمس بخفوت:
شوفي أنا رتبت كل أغراضش وأغراض راكان
أنا رتبت مثل ما أعرف إنش تحبين ترتبين أغراضش
لو ما عجبش شيء خلاص بكيفش رتبي مثل ما تبين
موضي بعذوبة: مشكورة يأم محمد.. ومن اللي ما يعجبه ترتيبش
ثم أردفت: ايه لطيفة.. كنت أبي أسألش الكنبة اللي تنفتح اللي في صالة غرفتش من وين اشتريتيها؟؟ عاجبتني
لطيفة باستغراب: ليه وش تبين فيها؟؟
موضي بحرج: أبي أرتب الغرفة الثانية بأحط فيها مكتب لي ولراكان وأبي أحطها فيها
لطيفة نظرت لها بنصف عين: لا تكونين ناوية تطردين راكان
موضي بحرج أشد: الشرهة علي اللي سألتش
لطيفة باستعجال: خلاص لا تطنقرين (تزعلين) علينا.. إذا بغيتي تشترين وديتش
والحين لازم أروح.. تأخرت على بيتي
أنا ساحبة فاطمة من بيت هلي عشان تقعد عند عيالي اللي رقدتهم قبل أجي
الحين فاطمة بتسطرني.. كل مرة تلاغيني تقول أنا أشتغل عند أنتي وإلا عند ماما؟؟
ثم أردفت وهي تخرج: بكرة بأجي لش مع الكوافيرة عقب صلاة المغرب
موضي دخلت للداخل بخطوات مترددة.. تعرف المكان جيدا فهي جاءت مع لطيفة عدة مرات لترتيب أغراض مشاعل هنا
علقت عباءتها التي كانت بيدها
وقررت أن تستحم أولا لتهدئة أعصابها المستنزفة
ثم خرجت ملتفة برداء الحمام
فتحت الدولايب لتختار لها ما تلبسه
شعرت بالتوتر يتزايد
تريد أن تلبس شيئا أقل تزمتا مما كانت ترتديه أمام راكان طيلة الأيام الماضية
ليس لأنها تريد
فلو كان الأمر برغبتها لبقيت ربما بعباءتها وشيلتها
ولكن لأنها لابد أن تفعل ذلك.. حتى تقنع راكان أنها تحاول تجاوز مافعله حمد بها
فراكان كالبقية لا يعلم أن حمد يعاني من مرض نفسي يتعالج منه في مصر
ومن يعلم هن لطيفة ووالدتها وموضي وهيا ووالد حمد فقط
وموضي لا تريد أن تخبر أحدا بسر علاجه
ومن ناحية أخرى لا تريد أن يظن راكان أنه بقي لحمد أي تفكير في مخيلتها
استقرت على اختيار معين لملابسها
ارتدت ملابسها ثم ارتدت ثوب الصلاة فوقها وصلت قيامها
بعدها توجهت للتسريحة
شعرت برغبة ملحة غير مفهومة أن تتعطر.. تتزين.. بعضا من أحمر شفاه فاتح ربما
تعطرت بكثافة وعطرت شعرها
ولكنها قررت أن تتوقف عن فكرة التزين التي بدت لها لا داع لها بل ومبتذلة
وتركت وجهها صافيا خاليا من المساحيق
ثم توجهت للصالة لتجلس فيها انتظارا لراكان
لم يطل انتظارها
فبعد دقائق كان يدخل بخطواته الثقيلة الثابتة قادما من بيت والده بعد أن سلم على والدته وشقيقاته..
توقف للحظات وكأن الزمن توقف معه وهو ينظر للبهاء المكتمل الجالس أمامه
ارتعش شيء ما في داخله.. شيء ما!!
ولكن هذه الرعشة لم تتجاوز داخله مطلقا
كانت تجلس أمامه ببيجامة أنيقة
قميصها (التوب) القطني بدون أكمام (هاي نك) باللون الفستقي الكامل
وبنطلونها الحريري (برمودا) لتحت الركبة بقليل حرير مشجر باللونين الفستقي والابيض..
وشعرها المستحيل متناثر على كتفيها ويلتف حول رأسها عصابة حريرية من نفس لون وقماش بنطلون البيجامة
وترتدي خفين فستقيين برباطين يعقدان عند الكاحل
كانت طلتها مثيرة ورقيقة.. وموجعة.. وصادمة..
فهو لم يراها طيلة الأيام الماضية سوى بلباس غاية في الرسمية والاحتشام
حتى البيجامات كانت ترتدي فقط البيجامات الكلاسيكية الحريرية موحدة اللون
بعد أن اشترت منها عدة قطع من أحد مجمعات دبي..
بقي مذهولا للحظات لم تشعر بها موضي ولكنه هو من شعر بها
ولكنه تماسك بسرعة وهو يبتسم ويسلم ثم يجلس قريبا منها
لتخترقه رائحة عطرها المختلط برائحتها العذبة
تنهد وهو يقول لنفسه (أنا اللي جبته لنفسي )
راكان يشعر بألم غير مفهوم
فهي توقظ فيه الرجل
ولكن أين العاشق؟؟
يستحيل أن ينظر إليها كما ينظر أي رجل لأي أنثى
فليس هو بأي رجل
وليست هي بأي أنثى
بل هما راكان وموضي!!
ابتسم وهو يسألها: زال توتر المقابلة الأولى؟؟
ابتسمت وهي ترفع عينيها له: زال.. وترى جدتي تسأل عنك
راكان يضرب على جبينه: يوه.. والله حسبتها نايمة.. الحين وش بيرضي هويه علي .. بتقص رقبتي
موضي بمرح رقيق: خلك من المهايط.. ومن اللي يقدر عليك
أنت بالذات جدتي عمرها مازعلت عليك
زعلت من كل عيال عيالها إلا أنت.. ما أدري وش مسوي لها؟!!
راكان بابتسامة: وهم ليه يزعلونها؟؟
موضي بعذوبة: ولو أن هذا مهوب جواب على قولتك
بس تدري أمي هيا تحب تجرب غلاها
راكان بمودة: وهي تدري إنها عندي غالية..ومافيه داعي تجرب
وقفت موضي وهي تهمس بمرح: ماشاء الله.. ماحد يقدر عليك في الحكي
كانت موضي تريد التحرك.. لولا أن يد راكان الجالس أطبقت على أناملها بقوة لتوقفها مكانها
ارتعشت موضي بعنف..
لاحظ ارتعاشها وأناملها الساكنة بين أناملة تنتفض كعصفور بلله القطر
ولكنه تجاوز ارتعاشها رغم تأثره به وهو يهمس لها بحنان: وين بتروحين؟؟
موضي بصوت مرتعش: بأروح أجيب لي ماي.. تبي أجيب لك شيء.. أو أسوي لك شيء
راكان بهدوء حانٍ: لا.. مشكورة.. أنا بأقوم أصلي.. ثم بأرجع
ثم أردف بشفافية: مشتهي أسولف معش
(فأنا لم أرتوي بعد من النظر إلى محياكِ
ولا من سماع همسكِ
ولكن
هل سأرتوي يوما؟!!
هل؟؟
لا أريد أن أرتوي.. لا أريد
أريد أن أعيش مابقي من أيامي ضارعا إلى عينيكِ
غارقا بين همساتكِ
.
.
.
راكان ما الذي يحدث لك؟؟
أي جنون أصابك؟!!
يبدو أنني فقدت السيطرة المنطقية على تفكيري!!
لا أريد أن أخسر موضي كإنسان وصديق نادر
وأنا وعدتها بالحماية والاحتواء
.
.
ولكني لم أمارس أي تجاوز لعلاقتنا كأصدقاء
فهل هناك أحب إلى الإنسان من النظر إلى وجه صديقه والاستماع إلى حديثه؟!!)
**************************
بيت فارس بن سعود
الساعة 12 مساء
غرفة فارس والعنود
العنود بعد أن اطمأنت إلى عودة فارس سالما من شقيقها ناصر
استعادت شعور غضبها منه
قد تكون تحملت منه الكثير
ولكنه أيضا تغير كثيرا من أجلها.. وهي تعلم ذلك
من رغبة بالزواج حتى يأدبها على تطويلها لسانها عليه إلى عاشق متيم
ولكن هل حقا كان يرغب في تأديبها أو في تأديب نفسه المتجبرة القاسية؟!!
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" النساء يغلبن الكريم ويغلبهن اللئيم"
وفارس ليس لئيما أبدا
بل هو رجل كريم النفس واليد ومن نسل كريم
وهكذا حين تحكم العروق الطيبة..يحضر الطيب وتفوح روائحه العطرة
ولكن هذه العروق الطيبة بها كبرياء متأصل عتيد أيضا!!
فكيف التلاقي بين الطيب.. والطيب؟!!
و من ناحيتهاالعنود لا تريد أن تكون من مكفرات العشير..
اللاتي ما أن يبدر من أزواجهن أي إساءة لهن.. حتى ينكرن عشرتهم وينفين كل طيبهم معهن
ولكنها على الجانب الآخر تعلم أنها لن تحتمل مرة قادمة قد يمد يده عليها فيها
دخل فارس بهدوء.. كان خالي الذهن تماما
فهو لم يظن للحظة أن العنود قد تكون غاضبة منه
دخل وهو يتلفت بحثا عن طيف فاتنته
كانت تجلس على مكتبها مقابلة لحاسوبها تعد ورقة عمل مطلوبة منها
اقترب منها
وهي اضطربت وبدأت طباعتها تتحول إلى سلسلة من الأخطاء
لم يكن اضطرابها خوفا.. ولكن تبعثرا
فحضوره يبعثرها غصبا عنها
وقف خلفها وهو يسلم وهي ردت السلام بخفوت
انحنى عليها وهو يرفع شعرها عن عنقها ويميل أكثر ليطبع قبلته عليه
ولكنها وقفت قبل أن تصل شفتيه إليها وشعرها يفلت من بين أنامله
فارس نظر لها باستغراب وتقطيب وهو يراها تبتعد لتجلس على الأريكة
اقترب وجلس قريبا منها وليس جوارها
وهمس بهدوء: وش فيش؟؟
العنود تهمس بحزن دون أن تنظر له: إسأل روحك
فارس بهدوء حازم: وش الجريمة اللي سويتها حتى تكلميني بدون ماتطالعيني؟!!
إذا صار عندش شيء تقولينه حطي عينش في عيني وكلميني
أو احتفظي بكلامش كله لنفسش
العنود رفعت عينيها له وهي تهمس بحزن أكبر: ليه أنت منت بداري حتى وش سويت؟؟
فارس بنبرة حادة نوعا ما: العنود بلاها حركات الدلع.. أنا ما سويت شيء
إذا أنتي عندش شيء قوليه
حينها بدأت عيناها تغيمان بالدموع.. وهو شعر بالجزع.. قد يحتمل كل شيء إلا دموعها
حينها وقف وجلس جوارها واحتضن كفها وهمس بحنان: ودموع بعد
حبيبتي تكفين قولي اللي تبينه بس من غير دموع.. تدرين ما أستحمل دموعش
حينها أسندت العنود رأسها لكتفه وهو احتضنها بحنو وهو يهمس: يالله قولي لي
وش مزعلش على فارس ثقيل الدم؟؟
العنود تحاول السيطرة على سيول دموعها وحتى لا تبدأ بالشهقات
فإن كان لا يحتمل دموعها.. فهي لا تحتمل نبرة الحنان الدافئة المختلفة في صوته
همست بخفوت: الليلة لما طلعت للمداهمة.. تقدر تفهمني اللي تبي بدون ما تمد يدك علي
مد اليد للبهايم وأنا ماني ببهيمة.. وعمري ماخالفتك
شعرت العنود بعضلات صدره تتصلب بقوة تحت خدها وهو يهتف باستنكار:
أنا مديت يدي عليش؟؟
العنود رفعت رأسها وهي تهمس بألم: أجل وش تسمي إنك تدزني وتطيحني على الأرض
فارس بذات نبرة الاستنكار: أنا؟؟
العنود تحكي له الموقف باختصار
وفارس يتنهد ويهمس بهدوء: حتى لو كان صار.. فأعتقد إنش عارفة إني مستحيل أقصد أمد يدي عليش
وأنتي المفروض ما تصغرين عقلش وتحملين الموضوع أكثر من احتماله
العنود بعتب: الحين أنا الغلطانة.. بدل ما تطيب خاطري.. تطلعني الغلطانة
فارس بحزم رقيق: اسميني العنود.. أنا يوم غلطت في حقش اعتذرت وما تشاينتها
بس أنتي مهوب تطالبيني أعتذر حتى لو ما غلطت..لأنه مستحيل يصير
أصلا الاعتذار صعب علي يوم أكون أنا الغلطان
فاشلون وأنا ما غلطت
العنود وقفت وهي تقول بغضب حزين: خلاص لا تعتذر ولا تراضيني
بس هذا أنت صار عندك خبر.. ومرة ثانية تمد يدك علي انسى إن لك مره أساسا
فارس وقف وهو يقول بغضب حقيقي: العنود لا تهدديني.. واتقي شري
العنود صمتت.. فهي تعلم أنها استفزته بما فيه الكفاية.. وتعلم أنها ليست ندا لغضبه
هي توجهت لسريرها وتمددت
وهو توجه للحمام ليستحم ويهدئ غضبه
حين خرج من الحمام ..صلى قيامه.. ثم تمدد جوارها
كلاهما يشعر بالألم
الكثير منه
فبرغم كثرة ماكان يثور عليها ويتخاصمان إلا أن خصامهما لا يطول مطلقا
ولم تمر عليهما ليلة باتا فيها وهما متخاصمان
فكيف سينامان الليلة؟!!!
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
الساعة 12 إلا ربع
مشعل يدخل ليجد لطيفة تدرس على مكتبها
يسلم وترد عليه السلام
لتقف وتتجه ناحيته وتأخذ غترته منه
تحتضنها وهي تشمها وتهمس برقة: مغير عطرك؟؟
مشعل يجلس وهو يبتسم: مغيره أبي أقص على مريم السكنية.. بس صادتني
لطيفة تضع غترته في سلة الغسيل وتعود وتجلس جواره وهي تهمس بمودة:
ياحليلها مريم.. تعرف كل واحد فينا مهوب بس بالريحة.. حتى بالخطوة والمشية
مشعل يهمس بهدوء: وعلى طاري مريم ترا عرسها الخميس اللي عقب 3 أسابيع
مجرد عشاء بسيط لكم يا النسوان.. مثل ما مريم تبي
بس الرياجيل سعد بيسوي عشاء كبير في مجلسه
لطيفة باستغراب: وليش قدموه كذا؟؟
مشعل حكى لها عن رغبة سعد باختصار.. ولطيفة ردت: ليش لا.. عنده حق
على كذا بانشغل الأيام الجاية أتشرا لمريم
مشعل يقبل رأسها وهو يقول بتقدير عميق: طول عمرش أم الجميع يأم محمد
لطيفة بحنان: مريم بالذات غلاها غير..
مشعل يبتسم: وأبو محمد وش علومه من الغلا؟؟ ماله نصيب؟؟
لطيفة تحتضن ذراعه وتقبل كتفه: الغلا كله للعيار أبو محمد وهو داري
مشعل بجدية رقيقة: ويوم أبو محمد غالي.. بأطلب منش شيء ولا تقولين لأ
لطيقة بعذوبة: عيوني لك
مشعل بحنان: تسلم العيون وراعيتها.. أشرايش نروح أنا وأنتي عمرة.. وعقب نقعد كم يوم في جدة..
أنا صار لي فترة مضغوط في الشغل.. وابي أغير جو
وأنتي العطلة خلصت مارحتي مكان..
خلصي سوق مريم ذا الأسبوع.. ونروح الأسبوع الجاي
لطيفة بهدوء: ومن اللي يعيي من العمرة.. بس عيالي عندهم مدارس وش أسوي فيهم.. وجودي خبرك متعلقة فيني واجد
مشعل يقاطعها: ومتعلقة في موضي بعد
لطيفة بذوق: ما أقدر أخليها عند موضي وموضي عروس مالها عشرة أيام
وش تبي راكان يقول علينا؟؟
مشعل بهدوء: أصلا أنا اخترت ذا الموعد بالذات لأنه راكان بيروح الأسبوع الجاي بطولة في سنغافورة
وبيغيب أسبوع.. أكيد موضي بتروح بيت هلش.. نخلي العيال عندهم
هاه وشتقولين؟؟ خليني أخلص من عيالش لو مرة..وأسافر أنا وأنتي بروحنا
لطيفة تبتسم: خلاص شورك وهداية الله...
***********************
أسى الهجران/ الجزء التسعون
بيت محمد بن مشعل
صالة البيت الرئيسية
الساعة 9 مساء
أم مشعل وبناتها مريم والعنود كن في الانتظار
ومعهن مشاعل ولطيفة
في ذلك الوقت كانت سيارة راكان تتوقف في باحة البيت
راكان يلتفت لموضي المتوترة جواره
يتناول كفها ويحتضنه بحنو وتملك ويهمس لها: ترا مافيه حد داخل غير الناس اللي أنتي خابره
ماحد منهم تغير.. ليش التوتر؟؟
موضي بقلق: بس يمكن أنا تغيرت
شد كفها بقوة أكبر وحنان أعظم: وش اتفقنا عليه؟؟
للمرة الأولى تبادر موضي وتشد هي كفه التي تحتضن كفها
شعر راكان بألم غير مفهوم في عمق فؤاده مع ضغط أناملها الرقيقة
همست برجاء: ادخل معي
هز أعماقه بعنف امتدادها القوة منه ورغبتها في الاحتماء به
تمنى لو يستطيع أن يخبئها بين رموش عينيه لو استطاع
همس لها بهدوء حانٍ: كان ودي ادخل معش.. بس شوفي جودي واقفة عند الباب
معناته لطيفة داخل
مهوب أمي وخواتي بس
أنا بأروح المجلس.. الرياجيل ينتظروني على العشاء
وباجيكم عقب
موضي تنهدت وهي تسمي بسم الله وتنزل بخطوات مترددة
عكس خطوات راكان الواثقة الواسعة وهو يتجه لجود ويحملها ويغمرها بالكثير من قبلاته
ثم ينزلها ويتوجه للمجلس
وجود تركض لناحية خالتها وترمي نفسها عليها
لتحتضنها موضي بحنان وهي تحملها وتقبلها بعمق ثم تدخلها معها لداخل البيت
بعد حوالي ساعة
انتهى العشاء عند كلا الطرفين
النساء والرجال
مجلس الحريم في بيت محمد بن مشعل
لطيفة وموضي متجاورتان
مريم والعنود ومشاعل يشتبكن في الحديث معا
وأم مشعل استأذنت لتناول أدويتها
لطيفة بنبرة مقصودة: المشكلة أنش ما تمثلين يا موضي.. مستحية صدق
صمتت موضي
ولطيفة أكملت حديثها: شالسالفة موضي؟؟ ما عمرش دسيتي علي شيء
لا تكونين منتي بمبسوطة مع راكان؟؟
موضي بجزع عفوي: لا والله.. ياحظها اللي يصير راكان لها.. مامثله في الرياجيل اثنين
لطيفة باستغراب: ياحظها؟!!
ليه هو صار حق حد غيرش؟؟!!
موضي بحرج: ما أقصد.. لا تصيدين علي كل كلمة
لطيفة تتنهد: براحتش موضي.. أظني إنش تعرفيني.. اذا صار في خاطرش شيء تقولينه تراني حاضرة
عاودت موضي الصمت
في حياتها مع حمد.. كانت تخبر لطيفة بكل شيء
ولكنها الآن غير مستعدة لإدخال أحد في عالمها هي وراكان.. العالم الغريب والعميق والمجهول والمثير
همست موضي بعد دقيقة بهدوء: قومي معي أروح أسلم على أمي وجدتي..
ألحق أرجع قبل يجي راكان
على الجانب الآخر
مشاعل تهمس برقة: عنودة وش فيش؟؟ ليش مكتمة كذا؟؟
العنود بنبرة مصطنعة: مافيني شيء
مريم بهدوء عميق: من حيث فيش.. فأكيد فيش..
مشاعل ابتسمت: يا الله وهذي مريم ساندتني بعد
العنود تحاول أن تبتسم: ياشينكم.. ما أسرع اتفقتو.. الله يكفي شركم
أصلا كل وحدة منكم حاستها السادسة رادار.. اتفقتو يعني مافيكم حيلة
مريم تبتسم: والمعنى أنه فيه شيء فيش..
العنود ببساطة: مافيه شيء.. فارس عصب علي شوي قبل أجي.. عشان كذا متضايقة
(جزء من الحقيقة ولكنها ليست الحقيقة)
مشاعل بحنان: ياقلبي يا العنود.. عشرين ألف مرة قايلة لش.. فارس يعصب بس والله قلبه طيب
العنود بضيق: أدري.. بس ما أقدر أمنع نفسي ما أتضايق
مريم بعمق: وأنا قلت لش لا عاد تسوين شيء يخليه يعصب
العنود تتنهد: خلاص خير.. الموضوع كله بسيط.. أنا وهو نعرف نتفاهم
ذات الوقت.. مجلس آل مشعل
راكان وناصر
ناصر بمرح: هاه وشرايك في الحياة الزوجية يالعريس؟؟
راكان يبتسم: مالك شغل.. ما نعطي كورسات للبزارين
ناصر يضحك بصوت خافت: عشتو.. أظني إني معرس قبلك يا أخ أنت
راكان بابتسامة: وأظني أكبر منك يا أخ أنت..
ناصر بمودة ومرح: حتى لو ما قلت.. باين عليك متشقق..
من يوم دخلت علينا وابتسامتك شاقة.. بالعادة تبتسم في المناسبات الرسمية والعيدين..
راكان مازال مبتسما: ياملغك بس
(أحقا ماعدت قادرا على السيطرة حتى على ابتسامتي؟!!
ولكني بالفعل سعيد
لا أعلم سببا لهذه السعادة
ولكنها سعادة جديدة بدأت تتسلل لروحي المثقلة
هناك ما ينغصها.. نعم
ولكنها تبقى سعادة عميقة
لأول مرة ..سعادة بهذا العمق ترفرف في كل أنحاء روحي)
رن هاتف ناصر.. رد بصوت خافت..ثم أنهى المكالمة
وألتفت لراكان ليقول باستغراب: أختك دلوعتنا مهيب صاحية متصلة فيني تسألني عن رجالها
أقول لها ليه ما تتصلين فيه
تقول جواله مقفل
شكلها تتدلع عليه
ابتسم راكان وهمس بحنان:خلها تدلع الغالية.. الدلع أصلا ماخلق إلا لها
ثم أردف باهتمام: بس فارس كنه تأخر
أنا تعبان من السواقة وأبي أنام
بس أبي أشوفه الأول
ناصر (بعيارة): عدال.. تعبان من السواقة وإلا مستعجل على شوفت بنت عبدالله؟؟
راكان بغضب شفاف: نويصر تحشم
ناصر يضحك: ياشين دور الأخ الكبير عليك.. لازم تكعمني يعني (تكعمني/تجعمني/ تأنبني وتسكتني)
فارس توه اتصل فيني من دقايق.. يقول خلص شغله وجاي في الطريق
ومع انهاءه لجملته كان فارس يدخل المجلس
وناصر يكمل بمرح: ليتنا طرينا مليون ريال بدال وجه رجال أختك الودر ذا
قبل ذلك بقليل
زاوية أخرى
سعد ومشعل
مشعل أخبر سعد بما طلبته منه مريم
سعد يرد غاضبا: مشعل أنت شايفني بزر أسوي شيء ماني بمقتنع فيه
مشعل بهدوء: هدي أعصابك.. أنا قلت لمريم كذا
بس هي تقول هذا زواج.. وعشرة عمر
وهي وحدة ضريرة وتخاف إنها تكون حمل عليك مع مسؤوليات عيالك
وتقول إنها حاسة أنه....
والله ما أدري أشلون أقولها لك...
إنه... يمكن يكون ذا الزواج مشروع فاشل
ووحدة في عمرها ووضعها ماتستحمل مشاريع فاشلة
سعد بصدمة: زواجها مني مشروع فاشل؟!!!
مشعل يتنهد: يا ابن الحلال لا تفهمها بذا الطريقة
الفشل من ناحيتها مهوب من ناحيتك
أنت رجال كامل.. والكامل وجه الله
لكن هي متحسسة من ناحية إنها ماتشوف.. وتخاف تكون حمل عليك
سحب سعد نفسا عميقا ثم همس لمشعل: مريم عمرها كانت حمل عليكم؟؟
مشعل يبتسم: لا والله حن اللي حمل عليها.. وإلا هي ماعمرها ثقلت على حد
سعد يبتسم: خلاص عشانا عقب رجعة راكان من سنغافورة.. الخميس اللي عقب 3 أسابيع
***************************
قسم ناصر الذي أصبح لراكان
الساعة 11 مساء
لطيفة تدخل مع موضي للبيت
موضي تخطو للداخل بتردد
ولطيفة تحمل جود التي تشعر بالنعاس وتهمس بخفوت:
شوفي أنا رتبت كل أغراضش وأغراض راكان
أنا رتبت مثل ما أعرف إنش تحبين ترتبين أغراضش
لو ما عجبش شيء خلاص بكيفش رتبي مثل ما تبين
موضي بعذوبة: مشكورة يأم محمد.. ومن اللي ما يعجبه ترتيبش
ثم أردفت: ايه لطيفة.. كنت أبي أسألش الكنبة اللي تنفتح اللي في صالة غرفتش من وين اشتريتيها؟؟ عاجبتني
لطيفة باستغراب: ليه وش تبين فيها؟؟
موضي بحرج: أبي أرتب الغرفة الثانية بأحط فيها مكتب لي ولراكان وأبي أحطها فيها
لطيفة نظرت لها بنصف عين: لا تكونين ناوية تطردين راكان
موضي بحرج أشد: الشرهة علي اللي سألتش
لطيفة باستعجال: خلاص لا تطنقرين (تزعلين) علينا.. إذا بغيتي تشترين وديتش
والحين لازم أروح.. تأخرت على بيتي
أنا ساحبة فاطمة من بيت هلي عشان تقعد عند عيالي اللي رقدتهم قبل أجي
الحين فاطمة بتسطرني.. كل مرة تلاغيني تقول أنا أشتغل عند أنتي وإلا عند ماما؟؟
ثم أردفت وهي تخرج: بكرة بأجي لش مع الكوافيرة عقب صلاة المغرب
موضي دخلت للداخل بخطوات مترددة.. تعرف المكان جيدا فهي جاءت مع لطيفة عدة مرات لترتيب أغراض مشاعل هنا
علقت عباءتها التي كانت بيدها
وقررت أن تستحم أولا لتهدئة أعصابها المستنزفة
ثم خرجت ملتفة برداء الحمام
فتحت الدولايب لتختار لها ما تلبسه
شعرت بالتوتر يتزايد
تريد أن تلبس شيئا أقل تزمتا مما كانت ترتديه أمام راكان طيلة الأيام الماضية
ليس لأنها تريد
فلو كان الأمر برغبتها لبقيت ربما بعباءتها وشيلتها
ولكن لأنها لابد أن تفعل ذلك.. حتى تقنع راكان أنها تحاول تجاوز مافعله حمد بها
فراكان كالبقية لا يعلم أن حمد يعاني من مرض نفسي يتعالج منه في مصر
ومن يعلم هن لطيفة ووالدتها وموضي وهيا ووالد حمد فقط
وموضي لا تريد أن تخبر أحدا بسر علاجه
ومن ناحية أخرى لا تريد أن يظن راكان أنه بقي لحمد أي تفكير في مخيلتها
استقرت على اختيار معين لملابسها
ارتدت ملابسها ثم ارتدت ثوب الصلاة فوقها وصلت قيامها
بعدها توجهت للتسريحة
شعرت برغبة ملحة غير مفهومة أن تتعطر.. تتزين.. بعضا من أحمر شفاه فاتح ربما
تعطرت بكثافة وعطرت شعرها
ولكنها قررت أن تتوقف عن فكرة التزين التي بدت لها لا داع لها بل ومبتذلة
وتركت وجهها صافيا خاليا من المساحيق
ثم توجهت للصالة لتجلس فيها انتظارا لراكان
لم يطل انتظارها
فبعد دقائق كان يدخل بخطواته الثقيلة الثابتة قادما من بيت والده بعد أن سلم على والدته وشقيقاته..
توقف للحظات وكأن الزمن توقف معه وهو ينظر للبهاء المكتمل الجالس أمامه
ارتعش شيء ما في داخله.. شيء ما!!
ولكن هذه الرعشة لم تتجاوز داخله مطلقا
كانت تجلس أمامه ببيجامة أنيقة
قميصها (التوب) القطني بدون أكمام (هاي نك) باللون الفستقي الكامل
وبنطلونها الحريري (برمودا) لتحت الركبة بقليل حرير مشجر باللونين الفستقي والابيض..
وشعرها المستحيل متناثر على كتفيها ويلتف حول رأسها عصابة حريرية من نفس لون وقماش بنطلون البيجامة
وترتدي خفين فستقيين برباطين يعقدان عند الكاحل
كانت طلتها مثيرة ورقيقة.. وموجعة.. وصادمة..
فهو لم يراها طيلة الأيام الماضية سوى بلباس غاية في الرسمية والاحتشام
حتى البيجامات كانت ترتدي فقط البيجامات الكلاسيكية الحريرية موحدة اللون
بعد أن اشترت منها عدة قطع من أحد مجمعات دبي..
بقي مذهولا للحظات لم تشعر بها موضي ولكنه هو من شعر بها
ولكنه تماسك بسرعة وهو يبتسم ويسلم ثم يجلس قريبا منها
لتخترقه رائحة عطرها المختلط برائحتها العذبة
تنهد وهو يقول لنفسه (أنا اللي جبته لنفسي )
راكان يشعر بألم غير مفهوم
فهي توقظ فيه الرجل
ولكن أين العاشق؟؟
يستحيل أن ينظر إليها كما ينظر أي رجل لأي أنثى
فليس هو بأي رجل
وليست هي بأي أنثى
بل هما راكان وموضي!!
ابتسم وهو يسألها: زال توتر المقابلة الأولى؟؟
ابتسمت وهي ترفع عينيها له: زال.. وترى جدتي تسأل عنك
راكان يضرب على جبينه: يوه.. والله حسبتها نايمة.. الحين وش بيرضي هويه علي .. بتقص رقبتي
موضي بمرح رقيق: خلك من المهايط.. ومن اللي يقدر عليك
أنت بالذات جدتي عمرها مازعلت عليك
زعلت من كل عيال عيالها إلا أنت.. ما أدري وش مسوي لها؟!!
راكان بابتسامة: وهم ليه يزعلونها؟؟
موضي بعذوبة: ولو أن هذا مهوب جواب على قولتك
بس تدري أمي هيا تحب تجرب غلاها
راكان بمودة: وهي تدري إنها عندي غالية..ومافيه داعي تجرب
وقفت موضي وهي تهمس بمرح: ماشاء الله.. ماحد يقدر عليك في الحكي
كانت موضي تريد التحرك.. لولا أن يد راكان الجالس أطبقت على أناملها بقوة لتوقفها مكانها
ارتعشت موضي بعنف..
لاحظ ارتعاشها وأناملها الساكنة بين أناملة تنتفض كعصفور بلله القطر
ولكنه تجاوز ارتعاشها رغم تأثره به وهو يهمس لها بحنان: وين بتروحين؟؟
موضي بصوت مرتعش: بأروح أجيب لي ماي.. تبي أجيب لك شيء.. أو أسوي لك شيء
راكان بهدوء حانٍ: لا.. مشكورة.. أنا بأقوم أصلي.. ثم بأرجع
ثم أردف بشفافية: مشتهي أسولف معش
(فأنا لم أرتوي بعد من النظر إلى محياكِ
ولا من سماع همسكِ
ولكن
هل سأرتوي يوما؟!!
هل؟؟
لا أريد أن أرتوي.. لا أريد
أريد أن أعيش مابقي من أيامي ضارعا إلى عينيكِ
غارقا بين همساتكِ
.
.
.
راكان ما الذي يحدث لك؟؟
أي جنون أصابك؟!!
يبدو أنني فقدت السيطرة المنطقية على تفكيري!!
لا أريد أن أخسر موضي كإنسان وصديق نادر
وأنا وعدتها بالحماية والاحتواء
.
.
ولكني لم أمارس أي تجاوز لعلاقتنا كأصدقاء
فهل هناك أحب إلى الإنسان من النظر إلى وجه صديقه والاستماع إلى حديثه؟!!)
**************************
بيت فارس بن سعود
الساعة 12 مساء
غرفة فارس والعنود
العنود بعد أن اطمأنت إلى عودة فارس سالما من شقيقها ناصر
استعادت شعور غضبها منه
قد تكون تحملت منه الكثير
ولكنه أيضا تغير كثيرا من أجلها.. وهي تعلم ذلك
من رغبة بالزواج حتى يأدبها على تطويلها لسانها عليه إلى عاشق متيم
ولكن هل حقا كان يرغب في تأديبها أو في تأديب نفسه المتجبرة القاسية؟!!
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" النساء يغلبن الكريم ويغلبهن اللئيم"
وفارس ليس لئيما أبدا
بل هو رجل كريم النفس واليد ومن نسل كريم
وهكذا حين تحكم العروق الطيبة..يحضر الطيب وتفوح روائحه العطرة
ولكن هذه العروق الطيبة بها كبرياء متأصل عتيد أيضا!!
فكيف التلاقي بين الطيب.. والطيب؟!!
و من ناحيتهاالعنود لا تريد أن تكون من مكفرات العشير..
اللاتي ما أن يبدر من أزواجهن أي إساءة لهن.. حتى ينكرن عشرتهم وينفين كل طيبهم معهن
ولكنها على الجانب الآخر تعلم أنها لن تحتمل مرة قادمة قد يمد يده عليها فيها
دخل فارس بهدوء.. كان خالي الذهن تماما
فهو لم يظن للحظة أن العنود قد تكون غاضبة منه
دخل وهو يتلفت بحثا عن طيف فاتنته
كانت تجلس على مكتبها مقابلة لحاسوبها تعد ورقة عمل مطلوبة منها
اقترب منها
وهي اضطربت وبدأت طباعتها تتحول إلى سلسلة من الأخطاء
لم يكن اضطرابها خوفا.. ولكن تبعثرا
فحضوره يبعثرها غصبا عنها
وقف خلفها وهو يسلم وهي ردت السلام بخفوت
انحنى عليها وهو يرفع شعرها عن عنقها ويميل أكثر ليطبع قبلته عليه
ولكنها وقفت قبل أن تصل شفتيه إليها وشعرها يفلت من بين أنامله
فارس نظر لها باستغراب وتقطيب وهو يراها تبتعد لتجلس على الأريكة
اقترب وجلس قريبا منها وليس جوارها
وهمس بهدوء: وش فيش؟؟
العنود تهمس بحزن دون أن تنظر له: إسأل روحك
فارس بهدوء حازم: وش الجريمة اللي سويتها حتى تكلميني بدون ماتطالعيني؟!!
إذا صار عندش شيء تقولينه حطي عينش في عيني وكلميني
أو احتفظي بكلامش كله لنفسش
العنود رفعت عينيها له وهي تهمس بحزن أكبر: ليه أنت منت بداري حتى وش سويت؟؟
فارس بنبرة حادة نوعا ما: العنود بلاها حركات الدلع.. أنا ما سويت شيء
إذا أنتي عندش شيء قوليه
حينها بدأت عيناها تغيمان بالدموع.. وهو شعر بالجزع.. قد يحتمل كل شيء إلا دموعها
حينها وقف وجلس جوارها واحتضن كفها وهمس بحنان: ودموع بعد
حبيبتي تكفين قولي اللي تبينه بس من غير دموع.. تدرين ما أستحمل دموعش
حينها أسندت العنود رأسها لكتفه وهو احتضنها بحنو وهو يهمس: يالله قولي لي
وش مزعلش على فارس ثقيل الدم؟؟
العنود تحاول السيطرة على سيول دموعها وحتى لا تبدأ بالشهقات
فإن كان لا يحتمل دموعها.. فهي لا تحتمل نبرة الحنان الدافئة المختلفة في صوته
همست بخفوت: الليلة لما طلعت للمداهمة.. تقدر تفهمني اللي تبي بدون ما تمد يدك علي
مد اليد للبهايم وأنا ماني ببهيمة.. وعمري ماخالفتك
شعرت العنود بعضلات صدره تتصلب بقوة تحت خدها وهو يهتف باستنكار:
أنا مديت يدي عليش؟؟
العنود رفعت رأسها وهي تهمس بألم: أجل وش تسمي إنك تدزني وتطيحني على الأرض
فارس بذات نبرة الاستنكار: أنا؟؟
العنود تحكي له الموقف باختصار
وفارس يتنهد ويهمس بهدوء: حتى لو كان صار.. فأعتقد إنش عارفة إني مستحيل أقصد أمد يدي عليش
وأنتي المفروض ما تصغرين عقلش وتحملين الموضوع أكثر من احتماله
العنود بعتب: الحين أنا الغلطانة.. بدل ما تطيب خاطري.. تطلعني الغلطانة
فارس بحزم رقيق: اسميني العنود.. أنا يوم غلطت في حقش اعتذرت وما تشاينتها
بس أنتي مهوب تطالبيني أعتذر حتى لو ما غلطت..لأنه مستحيل يصير
أصلا الاعتذار صعب علي يوم أكون أنا الغلطان
فاشلون وأنا ما غلطت
العنود وقفت وهي تقول بغضب حزين: خلاص لا تعتذر ولا تراضيني
بس هذا أنت صار عندك خبر.. ومرة ثانية تمد يدك علي انسى إن لك مره أساسا
فارس وقف وهو يقول بغضب حقيقي: العنود لا تهدديني.. واتقي شري
العنود صمتت.. فهي تعلم أنها استفزته بما فيه الكفاية.. وتعلم أنها ليست ندا لغضبه
هي توجهت لسريرها وتمددت
وهو توجه للحمام ليستحم ويهدئ غضبه
حين خرج من الحمام ..صلى قيامه.. ثم تمدد جوارها
كلاهما يشعر بالألم
الكثير منه
فبرغم كثرة ماكان يثور عليها ويتخاصمان إلا أن خصامهما لا يطول مطلقا
ولم تمر عليهما ليلة باتا فيها وهما متخاصمان
فكيف سينامان الليلة؟!!!
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة مشعل ولطيفة
الساعة 12 إلا ربع
مشعل يدخل ليجد لطيفة تدرس على مكتبها
يسلم وترد عليه السلام
لتقف وتتجه ناحيته وتأخذ غترته منه
تحتضنها وهي تشمها وتهمس برقة: مغير عطرك؟؟
مشعل يجلس وهو يبتسم: مغيره أبي أقص على مريم السكنية.. بس صادتني
لطيفة تضع غترته في سلة الغسيل وتعود وتجلس جواره وهي تهمس بمودة:
ياحليلها مريم.. تعرف كل واحد فينا مهوب بس بالريحة.. حتى بالخطوة والمشية
مشعل يهمس بهدوء: وعلى طاري مريم ترا عرسها الخميس اللي عقب 3 أسابيع
مجرد عشاء بسيط لكم يا النسوان.. مثل ما مريم تبي
بس الرياجيل سعد بيسوي عشاء كبير في مجلسه
لطيفة باستغراب: وليش قدموه كذا؟؟
مشعل حكى لها عن رغبة سعد باختصار.. ولطيفة ردت: ليش لا.. عنده حق
على كذا بانشغل الأيام الجاية أتشرا لمريم
مشعل يقبل رأسها وهو يقول بتقدير عميق: طول عمرش أم الجميع يأم محمد
لطيفة بحنان: مريم بالذات غلاها غير..
مشعل يبتسم: وأبو محمد وش علومه من الغلا؟؟ ماله نصيب؟؟
لطيفة تحتضن ذراعه وتقبل كتفه: الغلا كله للعيار أبو محمد وهو داري
مشعل بجدية رقيقة: ويوم أبو محمد غالي.. بأطلب منش شيء ولا تقولين لأ
لطيقة بعذوبة: عيوني لك
مشعل بحنان: تسلم العيون وراعيتها.. أشرايش نروح أنا وأنتي عمرة.. وعقب نقعد كم يوم في جدة..
أنا صار لي فترة مضغوط في الشغل.. وابي أغير جو
وأنتي العطلة خلصت مارحتي مكان..
خلصي سوق مريم ذا الأسبوع.. ونروح الأسبوع الجاي
لطيفة بهدوء: ومن اللي يعيي من العمرة.. بس عيالي عندهم مدارس وش أسوي فيهم.. وجودي خبرك متعلقة فيني واجد
مشعل يقاطعها: ومتعلقة في موضي بعد
لطيفة بذوق: ما أقدر أخليها عند موضي وموضي عروس مالها عشرة أيام
وش تبي راكان يقول علينا؟؟
مشعل بهدوء: أصلا أنا اخترت ذا الموعد بالذات لأنه راكان بيروح الأسبوع الجاي بطولة في سنغافورة
وبيغيب أسبوع.. أكيد موضي بتروح بيت هلش.. نخلي العيال عندهم
هاه وشتقولين؟؟ خليني أخلص من عيالش لو مرة..وأسافر أنا وأنتي بروحنا
لطيفة تبتسم: خلاص شورك وهداية الله...
***********************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
الساعة 11 ونصف
ناصر كان قد جاء مع راكان الذي جاء للسلام على أمه وشقيقتيه
دخل أولا..
ونبه مشاعل أن راكان سيدخل
لذا صعدت للأعلى
كان هذا قبل أكثر من نصف ساعة
وخلال هذه النصف ساعة أبدلت مشاعل ملابسها وصلت قيامها
وجلست تنتظر ناصر وهي تقلب في دليل مهامها الموكلة إليها من المدرسة
التي ستبدأ العمل فيها خلال الأسبوع القادم
حين دخل ناصر ارتبكت كعادتها
ابتسم ناصر وهو يسلم ويهمس لها بمرح: طالبش بلاها ذا النظرة
أحس أني كني طالع عليش من فيلم رعب عشان أخوفش
صمتت مشاعل بخجل
وناصر جلس بالقرب منها وهو يسألها بمودة: أشلونها موضي؟؟ عساها مبسوطة؟؟
مشاعل برقة: الحمدلله
ناصر بشفافية: تدرين يا قلبي.. أنا الليلة مستانس فوق ما تتخيلين
مشاعل ابتسمت بتلقائية وهي تشعر بسعادة لسعادته: الله يونسك بالعافية
ودوم يارب
ناصر بابتسامة واسعة: أول مرة أحس راكان مبسوط كذا.. طول عمره شايل هم خلق الله وما يفكر بروحه
الليلة حسيت فعلا وجهه منور وعيونه تلمع.. شيء متغير فيه فعلا
والله أختش هذي جبارة.. ودي أحب رأسها والله العظيم
مشاعل شهقت وهي ترفع عينيها له: نعم.. تحب رأسها؟؟
ناصر خطر بباله الخبث.. لذا رد بانكسار مصطنع: إيه أحب رأسها
وش أسوي؟؟ ما عندي حد أحب رأسه
مشاعل أُخرست وهي تنظر لأناملها وتدعكها بخجل
وناصر تنهد وهو يقول في داخله
(ماعليه.. أقله ما هربت
تطور ملحوظ
عقبال ما تجي تهرب تطيح في حظني يارب)
************************
قسم راكان وموضي
الصالة
الساعة الواحدة والنصف ليلا
أخذهما الحديث وتشعب.. تحدثا كعادتهما مؤخرا في كل شيء.. واللاشيء
المهم أن يتحدثا
وكل واحد منهما مأخوذ بطريقة الآخر في الحديث.. نبرة صوته.. صياغته لعباراته وأفكاره
إعجاب متبادل وعميق.. عميق لأبعد حد
موضي تنظر للساعة وراكان ينظر لها ويهمس: تمللتي مني؟؟
موضي تبتسم: ياحلات ثقل الدم عليك
راكان يبتسم: تدرين في شغلنا في الديوان البروتوكول والاتيكيت مهم عندنا
ويعطونا دورات خاصة فيه
النظر للساعة دليل تملل.. أو إشارة للرغبة في إنهاء الحديث والطرف الثاني لابد يراعي هالشيء ويخفف استعدادا لإنهاء الحوار
موضي بابتسامة: بس أنا لما كنت أشوف الساعة عشان أحس إني أنا نسيت نفسي في السوالف وطولت عليك
لأنه أنت اللي كنت تسوق وتونا واصلين الليلة وما بعد ارتحت
راكان يضحك: حلوة الترقيعة.. بس ما مشى حالها
موضي تضحك برقة: والله ما أرقع..
تدري.. بكيفك.. خلنا قاعدين لين صلاة الصبح.. بس لا تشتكي لي بكرة إنك تعبان
راكان بعمق شفاف: لو أقعد مقابلش عمري كله.. وأنتي بس تسولفين علي
عمري ما اشتكي
موضي همست بحرج: مهوب كنك تجاوزت المجاملة للنفاق الاجتماعي يا نصير البرتوكول
راكان ابتسم: أنا قلت لش هم يعلمونا البروتوكول كأسس.. بس حن غير ملزمين نجامل.. وأنا قلت لش قبل إني ما أجامل
ثم أكمل بعمق شفاف:
خصوصا معش.. أحس فعلا إني على سجيتي.. واللي في خاطري أقوله
موضي بشجن مؤلم: تكفى راكان ما تكون رقيق ورائع وشفاف لذا الدرجة..
والله وقتها جد أحس بالوجيعة عشانك.. وإني أنا جنيت عليك بفكرة زواجنا
راكان وقف بحدة وهو يتنهد بعمق وكأنه يعد من الواحد إلى العشرة
ثم يقول من بين أسنانه ويرص على كل حرف:
أكثر من مرة طلبت منش تنسين ذا الكلام السخيف
وأنتي تدرين إنه يضايقني.. أفهم يعني إنش تعمدين تضايقيني؟!!
تدرين الأحسن نوقف الليلة كلام.. ومافيه داعي تقولين أي شيء.. عشان أنا لحد الحين مسيطر على أعصابي
وأنا حذرتش قبل إني لو عصبت بتمنين عمرش ماشفتي عصبيتي
راكان أنهى كلامه وتوجه للداخل
وموضي شعرت أن كلماته سهام مسنونة انغرزت في جسدها
ليس من أجل نفسها
ولكن من أجله..
كيف تتسبب له بالألم وهي تتمنى لو تحمل كل الألم عنه؟!!
كيف تضايقه وهي تتمنى لو تتلقى كل أذى العالم نيابة عنه؟!!
قد تكون تألمت كثيرا في حياتها
ولكنها الآن مستعدة وبصدق غريب غير مفسر أن تتألم أضعافا مضاعفة
مقابل فقط أن تزيل نظرة الضيق التي شوهت عمق نظراته الحانية
************************
واشنطن
مساء
بيت يوسف
يوسف وباكينام والجدتان يصلون جميعا للبيت
بعد إنهائهم لجولتهم السياحية
كانت جولة طويلة وممتعة للغاية
هدنة رقيقة ربطت جميع الأطراف
ويوسف كان دليلا رائعا ومضيافا ومتحدثا لبقا شاسع الثقافة
العجوزان استمتعتا كثيرا بزيارة المتاحف ووجدتاها فرصة لهوايتهما الأثيرة:
تمجيد مآثر شعبيهما العريقين.. أفضل شعوب الأرض قاطبة.. كما هما يرونهما!!!
أما باكينام فكانت أكثر الأطراف سعادة بهذه الهدنة وإن كانت لم تظهر هذه السعادة
لطف يوسف ورقته وأريحيتيه بعثت سعادة عميقة في روحها
وخصوصا أنه طوال الجولة وهو يحتضن كفها
وكلاهما يدعي أنه يمثل أمام العجوزين
ولكن ما أن يفلت أحدهما يد الآخر حتى يبدأ في بحثه المحموم عن دفء أنامل الآخر حتى تعاود أصابعهما الالتقاء وأرواحهما السكون
عادوا جميعا للمنزل بعد أن تغدوا وتعشوا خارجا
العجوزان مستنزفتان من الإرهاق
فاستأذنتا الذهاب لغرفتهما
باكينام صعدت لغرفتها.. ويوسف توجه للمسجد ليصلي العشاء
وعاد بعد أن صلت باكينام واستبدلت ملابسها
كانت أمام المرآة تمشط شعرها حين دخل يوسف
ابتسمت بتلقائية
فابتسم لها وهو يقول بحنان تلقائي: ضحكتك حلوة أوي
مش حرام عليكي حرماني منها
حينها قطبت بتلقائية أيضا
فهمس بشجن: خلاص سحبت كلامي
المهم تضحكي
حينها التفتت له وهي تبتسم وتهمي برقة: ميرسي عالنهار الحلو ده
ستاتي انبسطوا خالص.. مش عارفة أشكرك أزاي
حينها همس يوسف بتساءل: ستاتك هم اللي انبسطوا بس؟؟
صمتت باكينام وهي تتوجه للأريكة وتجلس عليها
تحرك يوسف باتجاهها وجلس جوارها
تناول كفها واحتضنها: أنا عارف إن الهدنة عندك ما بتطولش
بس حاولي تطوليها ئد ما تئدري
باكينام شددت احتضانها لكفه وهمست بشجن: أعتقد أنو أنا اللي مفروض أئول لك كده
يوسف ترك كفها ليحتضن كتفيها وهي أرحت رأسها على صدره
ومضى زمن ما.. غير محدد بدقائق أو لحظات
والاثنان يغوصان في بحر عاصف من المشاعر التي اتعبها الكتمان وتغيير الاتجاهات ولي أعناقها
قطع جوهما الغريب والمشحون رنين هاتف يوسف.. ونهوضه للرد عليه
************************
قبل ذلك بقليل
شقة مشعل
مشعل يدخل إلى شقته قادما من صلاة العشاء في المسجد
وجد هيا تتمدد على الأريكة في الصالة
توجه ناحيتها ورفع رأسها ليضعه على فخذه ويجلس.. ليهمس لها بحنان: عادش قرفانة من غرفتنا؟؟
هيا تقطب جبينها: ايه والله قرفانة منها.. زين ما انقرفت من غرفتي القديمة وإلا من البيت كله
مشعل يبتسم وهو يمرر أنامله عبر خصلات شعرها: يا خوفي بكرة تنقرفين مني
مثل أمي في وحامها الأخير بريم.. أكثر وقتها كانت قاعدة في بيت خالي جابر
صحيح هي كانت تستحي تقول قرفانة من شيبتها.. بس حن كنا دارين
هيا تضحك برقة: أكيد من حبها لعمي عبدالله فديته..
أصلا يقولون العجايز.. المرة اللي تحب رجّالها يجي وحامها فيه
وأنا بعد أحبك وأموت فيك
مشعل يضحك: ما أبيش تحبيني.. دخيل الله اكرهيني.. المهم ما تنقرفين مني
موضوع الحب والكراهية أعاد لهيا ذكرى الاثنين الراقصين على حبال الحب والكراهية: باكينام ويوسف فهمست بعذوبة:
مشعل حبيبي متى بتشوف يوسف
مشعل بتذكر: زين ذكرتيني..
خلاص بأقوم أتصل فيه.. وأتواعد أنا وهو نتقابل بكرة
**************************
اليوم التالي على كل الجبهات
الدوحة
قسم راكان وموضي
الساعة العاشرة والنصف صباحا
موضي أعدت الفطور لراكان ثم أبدلت ملابسها وتأنقت لأقصى حد
وهاهي تجلس في انتظار أن يصحو من نومه
فهي تريد أن تقدم اعتذارا بطريقة غير مباشرة.. رغم أنها قدمت البارحة اعتذار مباشرا.. وتصافيا
البارحة حين غضب منها راكان ودخل للداخل
لم تجرؤ مطلقا على اللحاق به أو فتح أي باب للحوار
وهو عاد بعد دقائق وهو يحمل مخدة وغطاء وتمدد على الأريكة وتغطى دون أن يوجه لها الحديث
تعلم أنه لا يريد أن يتكلم وهو غاضب منها
ولكنها لا تستطيع النوم وهو غاضب
وهما اتفقا على المصارحة وألا يضعا أي حواجز بينهما
لذا اقتربت منه بخطوات مترددة
جلست على الأرض وهي تقف على ركبتيها بجواره
نقرت كتفه بحنان وهي تهمس برقة: راكان.. راكان
راكان أزال الغطاء عن وجهه وهو يلف لناحيتها.. كان يتوقع أنها واقفة
لذا صُدم وهو يرى وجهها على هذا القرب ولكنه اعتصم بالصمت وهو مازال متمددا ويتأمل عينيها من هذا القرب القريب
همست موضي بشفافية: راكان حن اتفقنا على الصراحة
وأنا مستحيل أقدر أنام وأنا عارفة أنك ماخذ على خاطرك مني
خلاص راكان والله العظيم ما عاد اجيب سيرة ذا الموضوع اللي يضايقك
وينقص لساني لو فتحته مرة ثانية
لم يرد عليها..
ولكنه مد ظهر سبابته ليلمس شفتيها ثم يمررها على وجنتها
وموضي شعرت كما لو كانت قنبلة موقوتة ما على وشك تمزيق وجهها لشدة توترها وهي تشعر بدفء سبابته على بشرتها
ثم لتشعر بما يشبه الطعنة العذبة وهي ترى راكان يعيد سبابته لشفتيه ويقبلها ثم يبتسم لها ويغطي رأسه
لم يحتاجا للحديث بعد
كل منهما فهم ما أراد وفق ما يريد
وكلاهما نام مرتاحا مطمئنا
حتى صلاة الفجر
بعد عودة راكان من الصلاة أستأذنها أن يفرش فراشا في الغرفة لينام لسبيين
السبب الأول وبكل صراحة: أنه اعتاد على وجودها معه في ذات المكان
والسبب الثاني أنه يخشى أن يأتيهما أحد ويجده نائما في الصالة
وهاهي موضي تجلس في الصالة انتظارا لنهوضه وهي تفكر
قوله الرقيق أنه اعتاد وجودها معه جعلها تعيد التفكير في طريقة تأثيث الغرفة الأخرى
شتان بين فكرتها عن زواجها براكان قبل أن يتزوجا فعليا
وما يحدث الآن
فهي لم تتوقع حتى للحظات أن علاقتها براكان ستتعمق لهذه الدرجة وبهذه السرعة
الوضع بات ملبسا وغريبا
وماعادت حتى تعرف ماهي حدودها في هذه العلاقة التي تحمل اسم زواج وهي لصداقة غريبة عميقة أقرب
(السلام عليكم)
صوته العميق المختلط ببقايا نعاس انتزعها من أفكارها
همست بابتسامة: وعليكم السلام
كان ينظر لها إليها بتمعن ثم همس بعمق رقيق: الدوحة تخلي الناس حلوين كذا؟؟
موضي ابتسمت بخجل: عيونك هي اللي تشوف الناس حلوين
راكان بابتسامة: والله قبل دقايق كنت أشوف لي وجه في المرايه
حاولت عيوني تخليه حلو بس بدون فايدة
كان مازال واقفا.. توجه ناحيتها وجلس جوارها
ارتعشت موضي وهي تشعر بثقل جسده جوارها ثم احتكاك كتفه بكتفها
راكان تساءل بهدوء: تضايقش جلستي جنبش؟؟
موضي بشفافية: تضايقني لا.. استحي يمكن
راكان يلف بجسده قليلا ناحيتها لينظر لها بأكبر درجة من الوضوح وهو يقول: دامها ما تضايقش باقعد.. تستحين مني لأ
موضي ابتسمت له برقة: زين منت بمتريق؟؟.. قاعدة انتظرك
راكان بهدوء: نتريق ليش لأ.. ولو أن شوفة وجهش تكفي عن كل شيء
وياويلش لو قلتي لي إني أجامل
كانت تنتظر أن يقف ليتوجها لطاولة الطعام حيث رتبت الفطور
ولكنه فاجأها بتناوله لكفها
وفاجأها أكثر بتقريب يدها من شفتيه
ليطبع على كل إصبع من أصابعها قبلة رقيقة دافئة وطويلة
موضي شعرت بدقات قلبها تتسارع وتتسارع حتى أصبحت عاجزة عن سحب أنفاسها وهي تدعو الله بعمق أن يتوقف قبل أن يبدر منها تصرف يضايقه
كأن تنتزع يدها بعنف منه
فهي تتوتر من لمساته وهو يعلم هذا..
بينما هو عاجز عن التوقف.. عاجز عن المضي
عاجز عن الفهم.. عاجز عن التفسير
ولكنه أجبر نفسه على التوقف... وهو يعيد احتضان كفها ويصمت
التفسير لا معنى له.. وسيحيل تيار المشاعر المهول هذا إلى الابتذال والتسطيح
لذا احتضن كفها وهو يقف ويشدها لتقف معه.. ثم أفلت يدها
وهمس بهدوء يخفي خلفه توتر عارم وقلق عظيم لهذه المشاعر المجهولة التي بات عاجزا عن السيطرة عليها: يالله نتريق
***************************
اليوم التالي في واشنطن
مشعل ويوسف تواعدا على الإلتقاء في المقهى حيث كان يوسف يعمل
طاقم الخدمة رحب بهما ترحيبا عميقا من أجل زميلهما القديم جو
ويوسف أخبر مشعلا أنه كان يعمل هنا كنادل
مشعل ابتسم: زين وليه اشتغلت هنا؟؟ يعني ما اعتقد أنك كنت محتاج الراتب
يوسف يضحك: وليه لأ.. الفلوس حلوة
ثم همس بنبرة جدية: بس أنا اشتغلت هنا عشان أعمل دراسة ميدانية لرسالة الدكتوراة بتاعتي
زي منت عارف أنا علم اجتماع.. ورسالتي عن التغير الاجتماعي عند العرب سكان أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر
يعني ازاي اتغيروا.. واتغيرت أفكارهم.. حتى طريقتهم الاجتماعية في التواصل اتغيرت
وشغلي هنا في الكوفي اداني فرصة أراقب الطلاب العرب هنا.. بدون ما يتحسسوا إني عربي زيهم.. لأنه الغالبية كانوا فاكرين إني مكسيكان
وأنا كل اللي اشتغلته هنا تلات شهور تقريبا
من نص شهر 9 لنص شهر 12
مشعل بابتسامة: تدري إنك غريب بس بالصورة الإيجابية مهيب السلبية
يعني شغل مثل هذا بصراحة مايقدر عليه أي حد وخصوصا لو كان واحد عنده خير
يوسف يبتسم: بس كان له نواحي ايجابية كتير أهمها إني تعرفت على مراتي هنا
مشعل تنهد .. فالحديث وصل وبسرعة لمربط الفرس كما يقال.. مشعل بدأ بترتيب أفكاره وتركيز عباراته واختيار ألفاظه
لذا همس بنبرة تقدير مقصودة: والنعم بمرتك مثل ما يقولون عندنا
أنا أشهد أنه أمثالها قليل... تدري قبل كم شهر توفت أم زوجتي هنا
والله وقفت معنا وقفة حتى الرجال ما يوقفونها
ابتسم يوسف بشجن مؤلم.. كم هي عظيمة!! وكم أذاها وآلمها!!
وكم آذته وآلمته أيضا!!
ومشعل يكمل كلامه بذات النبرة المقصودة: حتى في مصر ما خليناها في حالها
وهي ما ترد أحد.. ولا ترفض طلب أحد
كانت تزور ولد عمتي حمد في المصحة........
يوسف حين سمع اسم حمد توتر وغضب عارم تصاعد في روحه
ومشعل يستكمل كلامه: يعني المسكينة كانت تقول لزوجتي إنها مشغولة في تجهيز عرسها
ومع كذا ظلت تزوره وتطمننا عليه لأنه زوجتي وعمتي جننوها من كثر ما يطلبون منها تزوره
وهي والله ما قصرت ولا تقصر
عينا يوسف كانتا ترمشان بسرعة وهو يغلقهما ويفتح ثم همس لمشعل بتساءل مفجوع: نعم؟؟ ممكن تعيد الحكاية دي لو سمحت
أنا لسه ما استوعبتش...
حديقة بيت محمد بن مشعل
الجو منعش لأبعد حد ويميل لبرودة خفيفة غاية في اللطف
أجواء أواخر شهر فبراير المثالية
الكشافات مسلطة على الحديقة التي امتلئت حتى أخرها بالحاضرات
وأميرات آل مشعل غاية في التألق
ولكن أكثرهن تألقا الليلة اثنتين
موضي...... ومشاعل
بينما أكثرهن انطفاء وعلى غير العادة... العنود
العنود كانت تشعر بتوجس كاتم
لم يسبق لها مطلقا أن خالفت والدها أو أشقائها
حتى فارس منذ بداية زواجهما لم تخالفه في شيء مطلقا
فماذا استفادت من مخالفته؟؟
قلبها مقبوض.. وعاجزة عن التنفس
عاجزة عن تخيل ردة فعله لو علم بما فعلته..
فهو لم يعاود الاتصال بها بعد مكالمته الأخيرة
ولكنها حاولت التبرير أنه مازال يعاند بعد موقفهما البارحة
فمن أين سيعلم أنها ذهبت؟؟!!!!!!
زاوية في الحديقة
لطيفة وشيخة
لطيفة بمودة: يعني شيوخ ما أشوفش إلا في مناسبة أو عزيمة
يأختي سيري علي.. خلي عيالش يلعبون عيالي
شيخة بمرح: يأختي خبرش طلال داخل صف أول ابتدائي.. جنني على الواجبات
الواجب كله صفحة نقعد عليه من الظهر لين ننام
وسميتش ليتني ما سميتها عليش.. أبيها تطلع ذكية مثلش.. طلعت بقرة بعيد عن السامعين.. مهما أدرس فيها ما تفهم
لطيفة تضحك بخفوت: عاد حدش كله ولا لطوف.. حبيبتي هذي
ثم أردفت لطيفة بنبرة جدية: تدرين شيخة اللي يشوف خفة دمش ما يصدق صكتش على ذا البزران
حرام يأختي هلكتيهم بالدراسة.. وهم ماشاء الله مستواهم زين.. والله يخليهم لش ماشفت مثل أدبهم وشطارتهم.. لا تعقدينهم
شيخة برنة حزن غير معتادة: أخاف عليهم يا لطيفة من كل شيء.. وأبي لهم الأحسن.. أنا ما طلعت من الدنيا إلا بذا البزرين
أخاف ربي يحاسبني إذا قصرت في حق ذا الأيتام..
لطيفة تبتسم: ليت كل الأمهات مثلش.. ما يلحقش قصور يأم طلال..
شيخة تبتسم: قلت لي أم طلال ذكرتيني بمسؤولياتي.. خليني أبقق عويناتي
أشوف البنات المزايين.. يمكن ألاقي وحدة ترضى في القرد اللي عندي في البيت
لطيفة تضحك: الله يعين راشد عليش
زاوية أخرى
معالي ومشاعل
معالي (بعيارة): ميشو لا يكون حد قص عليش وقال إنش العروس
وش ذا الزين يا بنية؟؟ ما خليتي للآنسات طالبات النصيب مثلي شي
النسوان يسألون عنش أنتي وأنا ماحد طل في وجهي
مشاعل بحرج: ياحبش للمبالغة بس
معالي تغمز بعينها: أنا أبالغ.. ليه ماطالعتي المرايه.. أو..
أكملت بخبث:
أو.. ما سألتي الخيّال راعي الجليلة؟؟
زاوية ثالثة
موضي ومريم
موضي تجلس بجوار مريم التي كانت مستغرقة في أفكارها العميقة
تهمس بمودة مرحة: وش فيها عروستنا مكتمة؟؟
مريم تنتبه وترد بعذوبة: العروس أنتي
موضي تبتسم: لا خلاص راحت علي.. خربتي علي.. كلتي الجو علينا
صمتت مريم وهي تتنهد بعمق
موضي احتضنت كف مريم واقتربت منها هامسة: ترا سعد رجّال كلن يمدحه
أكيد التوتر شر لا بد منه
بس المهم ما تخلين التوتر يخرب عليش ويضايقش
مريم ربتت على كف موضي وهي تهمس بهدوء عميق: أنا ماني بمتوترة أنا قلقة يا موضي
أنا مرة كبيرة وضريرة..يعني التغيير شيء مرعب بالنسبة لي
أنا كنت عايشة طول عمري على نظام معين تعودت عليه
وتناسيت جانبي الأنثوي أو أني أنثى حتى
والضغط والخوف اللي أنا حاسة فيه ذابحني..
حياة جديدة تلزمها أنثى جديدة بمسؤوليات جديدة
وأنا خايفة أكون حمل ثقيل على سعد
موضي بمودة وعمق: عمرنا مااعتبرناش ضريرة يامريم.. بالعكس كلنا نحس إنش تشوفين أحسن منا كلنا
وأنتي تستحقين كل الخير والسعادة في حياتش مع سعد..
لا تحسسين سعد إنه أنتي حمل
لأنه أنتي عمرش ماكنتي حمل على حد.. ماشاء الله عليش مريم
مريم تتنهد: الكلام مافيه أسهل منه ياموضي.. وأنا اكثر من مارس مهارات الكلام..
بس وقت الفعل.. كل الكلام يتبخر إذا ماكان تحته استعداد للفعل
سكتت موضي وجملة مريم ترن في رأسها
(وقت الفعل.. كل الكلام يتبخر إذا ما كان تحته استعداد للفعل)
لا تعلم لِـمَ بدت لها هذه الجملة موجعة حادة عميقة...... وغريبة..
ربما كانت تحتاج هذه الجملة في حياتها
ولكن من يحتاجها الليلة فعلا هي مشاعل
فهي حشت رأس مشاعل بالكلام والنصائح
ولكن حين يحين أوان الفعل.. تخشى أن تخذلها مشاعل وتهرب
جبهة قريبة
مجلس آل مشعل
مشعل يهمس لراكان الجالس جواره: وش فيهم فارس وناصر مكتمين الليلة؟؟
راكان بهدوء: والله ما أدري.. سألتهم.. وكل واحد منهم يقول مافيه شيء
مشعل باستغراب: يعني فارس بنعديها... أحيانا يكتم بدون سبب معروف ومستحيل حد يعرف وش اللي وراه.. تربيتي وعارفه
بس ناصر مهوب عوايده أبد
راكان بمودة: يا ابن الحلال لا تشغل بالك.. إذا حد منهم عنده مشكلة أو متضايق يعرف يتصرف
ولو حبوا يتكلمون احنا حاضرين..
خلنا فيك.. الوالد يقول أنك تبتي تعتمر على خير الأسبوع الجاي
مشعل يبتسم: إيه طال عمرك.. أتناك توكل على الله وتروح بطولتك
عشان نقط عيالنا على مرتك.. ونروح أنا وأم محمد شهر عسل جديد
راكان يبتسم: يا سلام عليكم.. أنت وأم محمد تروحون شهر عسل جديد
وتقطون شواذيكم على مرتي.. أرجع ألاقيها مستخفة من عيالك
مشعل يضحك: ياويلك من ربي.. عيالي ملايكة مثل ابيهم
راكان بابتسامة: أمّا ملايكة ومثل ابيهم فكثر منها طال عمرك
عودة لحفل النساء
مازالت لطيفة تجلس بجوار شيخة.. رن هاتفها برقم غريب ومميز
ردت بحذر: ألو
جاءها الصوت الأنثوي الواثق الذي عرفته جيدا: هلا أم محمد
لطيفة بذوق رغم استغرابها: هلا أم علي
فاتن بشكل مباشر: عندج 5 دقايق نتكلم؟؟
لطيفة بحذر: دقيقة واتصل لش
لطيفة استاذنت من شيخة وتوجهت للداخل وأغلقت على نفسها في غرفة فارغة واتصلت بفاتن: هلا أم علي.. أخدمش بشيء؟؟
فاتن بثقة: أتمنى إنج تقدرين تخدميني
لطيفة بحذر وتحفز: تفضلي
فاتن بمهنية: اسمعيني يأم محمد.. أنا بيزنس ومن.. وكل شيء في حياتي واحد زائد واحد يساوي اثنين إلا ولدي علي.. هو عندي كل شيء
وعشانه مستعدة أسوي كل شيء.. واعترف إني فاشلة في تربيته لأني دللته زيادة عن اللزوم
علي محتاي ريال شديد يحكمه..
لطيفة باستغراب رغم انها بدئت تشتم رائحة غير مريحة: طيب أم علي.. وأنا بويش أقدر أخدمش؟؟
أم علي بثقة: أنا في كل رجال الأعمال اللي عرفتهم.. ماشفت حد مثل أبو محمد
وشفت بنفسي أشلون يتعامل مع عياله.. وعياله سابقين سنهم
خليني أكمل ولا تعصبين.. أنا أتكلم في بيزنس از بيزنس.. لأنه بيني وبين مشعل شغل وايد
أدري أبو محمد يحبج وايد.. وأنا بعد التفكير شفت إنه هالشي أريح لي
أنا أصلا موب حمل زوج ولا اتحمل تحكم ريل فيني... أنا أبي أبو لولدي وبس..حد ولدي يخاف منه ويعمل حسابه....
كانت فاتن مازالت ستكمل شرح وجهة نظرها الغريبة لولا أن لطيفة قاطعتها وهي تقول ببرود:
بصراحة عمري ماشفت قلة حيا كذا.. متصلة تبيني أوافق أنش تزوجين رجّالي
وأكيد إنش ما اتصلتي لي إلا عقب ما فشلت محاولاتش مع مشعل وماعطاش وجه.. فتبين تدخلين له عن طريقي
اسمعيني يام علي..دام انش منتي بعارفة تربين ولدش.. ولاهية في مشاريعش ومطاردة الرياجيل..و تبين حد يربي ولدش..
هذا أنتي عندش فلوس وخير... دخلي ولدش أكاديمية القادة وأنا متأكدة أنهم بيحكونه لش ويطلعونه رجّال
ومشعل مالش شغل فيه.. واحترمي نفسش وولدش
ثم أنهت لطيفة الاتصال وهي تغلي من الغضب.. فمجرد تفكيرها أن فاتن عرضت نفسها على مشعل أشعل غيرتها لاقصى حد
وهاهي لطيفة تشتعل.. وتشتعل.. وعلى وشك الانفجار
نعم هي كانت تظن أن فاتن قد تكون تخطط على مشعل.. لذا كانت تستعيذ بالله من سوء الظن..
ولكن أن تتيقن أن الظن أصبح حقيقة فهذا شيء لا يمكن أن تحتمله.. لا يمكن
(أكاديمية القادة.. لمن هم خارج قطر.. هي مدرسة أولاد داخلية بنظام عسكري صارم..
تستقبل الطلاب من الصف السابع حتى ينهون الصف الثاني عشر بنظام البكلوريا الدولية)
*******************************
انتهى الحفل
وعاد الجميع كلٌ إلى بيته
وهناك أربع جبهات
اثنتين منها على وشك الاشتعال
واثنتين على أبواب التحفز
راكان وناصر
كلاهما يدخلان باحة البيت قادمان من المجلس
ناصر لو كان الأمر بيده
لم يكن ليرجع للبيت.. فهو يشعر بضيق عميق
كلما اعتاد على وجودها العذب جواره
استكثرت عليه حتى هذا الوجود
استكثرت عليه متعته بمجرد وجودها جواره
أي حياة هذه؟؟!!
أي حياة؟!!
وإلى متى ستكتب عليه هذه الحياة الجافة؟!!
تكاد عروق قلبه تجدب من الجفاف والقحط
تكاد مشاعره تذوي وتضمحل يأسا واشتياقا
راكان يدخل إلى بيته وهو يشير لناصر بالتحية
بينما ناصر توجه لداخل البيت بخطوات ثقيلة مثقلة
وهو يصعد الدرج متوجها لغرفته
**********************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
العنود وصلت أولا.. فهي لم تستطع البقاء حتى انتهاء العشاء حتى
فشعورها بالضيق والندم خنقاها
لذا قررت القدوم مبكرة لانتظار فارس والاعتذار له عن خروجها اليوم دون أذنه
فالخطأ يُبنى عليه أخطاء
وهي غير مستعدة لبناء حياتها مع فارس على سلسلة من الأخطاء
ولطالما كانت قادرة على امتصاص غضبه بلباقتها ورقتها
فلتحاول هذه المرة.. وبجدية
دخلت بخطوات متوترة مترددة
وجدت كيسا فخما على السرير
شعرت بتوتر أكبر
اقتربت وفتحت البطاقة المعلقة على الكيس
كان خطه الأنيق يتلوى بفخامة على الفضاء الأبيض
لينغرز في عمق قلبها الموجوع والنادم والمتوتر
"لحبيبتي اللي مايهون علي زعلها
الله لا يحرمني منها
فارس"
لم تستطع فتح الهدية
فهي تمددت على سريرها وانخرطت في بكاء حاد
فالألم كان أكبر من احتمال قلبها الغض
بكت كثيرا ومطولا..
لم تعلم كم مضى عليها وهي تبكي
نص ساعة!! ساعة ربما
حتى تعبت من البكاء.. وحان أوان الفعل
نهضت من سريرها وقررت أن تستحم
فوجهها اختلطت ألوانه
وشعرها أصبحت تكره تسريحته التي كانت سبب خروجها بدون إذن فارس
وهاهي تريد أن تعيد شعرها لطبيعته
استحمت
ثم صلت
ارتدت قميص نوم أنيقا وتأنقت كما لم تتأنق قبلا
ثم عادت بخطوات مترددة لفتح الهدية
فهي قررت أن تلبسها حتى يراها فارس عليها عندما يعود
فتحت العلبة بأنامل ترتجف
كانت سلسلة ناعمة من الذهب الأبيض
يتدلى منها قلب ماسي يحتضن كلمة ألماسية مرصعة بالألماس
(أحـــبــــك)
(وأنا أيضا أحبك فارس
أحبك أكثر مما يمكنك أن تتخيل
أعلم أنك قاسٍ وأنا مدللة
ونختلف كثيرا
ولكني أحبك حتى آخر نبض وشريان
أقسم أني أحبك)
كانت تريد العودة للبكاء وتأثرها العميق يغلبها ويهز مشاعرها
ولكنها حاولت مغالبة دموعها وهي تتناول السلسلة بارتعاش وترتديها
كان منظر السلسة على نحرها الرائع أكثر من مبهر
ولكنها شعرت كما لو أن ملامسة المعدن لبشرتها كملمس النار
وهي تنظر لانعكاس صورتها في المرآة
حينها دخل عليها فارس
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة لطيفة ومشعل
لطيفة عادت أيضا أولا من أجل أولادها
تأكدت أنهم ناموا جميعا
ثم بدأت تدور في البيت كالأسد الحبيس
قررت أن تستحم لتهدئ أعصابها ثم صلت
ولكن أعصابها مازالت تشتعل
فهي تعلم تماما أن فاتن لم تكن لتتوجه إليها لو لم تكن يأست من استجابة مشعل
لطيفة لا تشك مطلقا في مشعل
ربما لو كان هذا الموقف حدث قبل عدة أشهر لكانت لطيفة شعرت بالجزع
ولكنها تعلم الآن أنها تحكم سيطرتها على قلب مشعل
ولكن كل هذا لا يمنعها من الاحتراق غيرة.. الاحتراق حتى الترمد
فلطيفة مغرمة حتى أقصى خلاياها وشرايينها بمشعل
وفاتن قررت أن تلعب بورق مكشوف.. ولطيفة لا تحتمل مطلقا فكرة وجودها قريبا من مشعل بعد أن أعلنت نواياها.. حتى وإن كان لمجرد العمل
فالمثل الشعبي يقول (كثر الدق يفك اللِحام)
ولطيفة تخشى أن يكون قرب فاتن من مشعل "هو الدق اللي يفك اللِحام"
لطيفة كانت جالسة على الأريكة.. غارقة في أفكارها
دخل عليها مشعل لم تنتبه لدخوله ولا حتى للسلام الذي ألقاه
لم تنتبه حتى شعرت باحتكاك شعيرات عارضه بخدها وهو يلصق خده بخدها ويهمس: اللي ماخذ عقلش
تنهدت لطيفة: أنت اللي ماخذ عقلي..
ابتسم مشعل: ياحظي اللي خذت عقل شيخة الحريم
عاودت لطيفة التنهد: اقعد حبيبي أبيك في موضوع مهم
مشعل جلس جوارها واحتضن كفها: آمريني ياقلبي
لطيفة تحاول التمسك بالهدوء: مشعل أنا عمري ما تدخلت في شغلك.. صح؟؟
مشعل بهدوء: صح
لطيفة بذات الهدوء: بس لما شغلك يتدخل في بيتي وحياتي.. ما أقدر أسكت
مشعل بحذر: والمعنى؟؟
لطيفة تتنهد بعمق ثم تلقي جملتها كالقنبلة: أبيك تفسخ كل شغل بينك وبين فاتن الفرج
مشعل بهدوء: لطيفة أنا ماني بمستعد أخلي غيرة النسوان تخرب شغلي
يعني قال لش إني ماني بمنبه لحركات فاتن من سنين
ولو أنا بعطيها وجه كان عطيتها من زمان.. يعني أنا ما التفتت لها قبل ما نتصافى
ألتفت لها الحين
لطيفة بمناشدة: تكفى مشعل عشان خاطري.. أدري إنك أنت منت بمتفكر فيها
بس أنا باجن من الغيرة وانا عارفة إنها طامعة فيك وجنبك
مشعل بهدوء وهو يقف كاعلان لإنهاء الحوار: أنا آسف لطيفة
أنا ما أشوف في ففاتن إلا شريك شغل مثلها مثل أي رجّال
وبيني وبينها شغل بالملايين.. هذي عقود وسلفيات بنك وشروط جزائية.. مهوب لعب
والمجمع الأخير اللي نسويه لها بيقفز بشركتي قدام.. ماني بمستعد أخاطر بذا كله عشان أفكار في رأسش أنتي
أنتي تاكدي إن القلب مافيه غيرش.. بس شغلي مالش دخل فيه
حينها لطيفة تنهدت بحزم: مشعل أنا ماني بغبية
أدري إنك تقدر تحول شغل مجمعها لأي شركة
وأي شركة تتمنى تسوي مجمع مثل ذا
حينها رد مشعل عليها بحزم أكبر: وأنا بعد ماني بغبي
وهذا أنتي قلتيها ..أي شركة تتمنى تسوي مجمع مثل مجمعها..
فليش أعطيه لأي شركة على طبق من ذهب عقب ما مهندسيني أنا خلصوا تصاميمه
وخلصنا تعقيدات تراخيصه.. وبدينا الأساسات..
وش استفدت أنا؟؟
عدا أنه تحويله لشركة ثانية لازم فاتن توافق عليه عشان ما تقاضيني.. مهوب قراري بروحي
لطيفة بغضب: يعني ويش؟؟ خايف منها؟؟ وإلا خايف على مشاعرها؟؟
مشعل يتناول غترته ويقول بحزم غاضب: أنتي اللي ما أدري أشلون تسمعيني
أقول لش خساير مالها حد لشركتي.. وأنتي راسش مافيه إلا فاتن
أنا بأروح للمجلس ساعة وأرجع.. تكونين فكرتي وهديتي
قبل ما أعصب أنا.. وأقول شيء يزعلش مني
مشعل خرج من الغرفة ولكن لطيفة المرأة المطعونة بوهم الغيرة كانت مازالت تشتعل
فكل ما خرجت به من الحوار العقيم من وجهة نظرها هو أن عمل مشعل مستمر مع فاتن.. وهذا الشيء يستحيل أن تحتمله
كان مشعل قد وصل لأسفل الدرج وتبقى سلمتين اثنتين حين وصلته
وأمسكت بعضده وهو تهمس من بين أسنانها بخفوت
والغضب والغيرة يحولان تفكيرها في اتجاه كلمات لا تقصدها بحذافيرها: وقف كلمني مثل الرياجيل
مهوب تطق وتخليني احترق
حينها التفت لها مشعل بحدة وعيناه تطلقان شررا مرعبا وصوته يشتعل وهو يصر على أسنانه..
فرغم الغضب الذي التهم الاثنين إلا أن ابنائهما كان حاضرين في تفكيريهما كلاهما ..وهما يخفضان أصواتهما حتى لايسمعونهما:
هذي اخرتها لطيفة.. أنا ماني برجّال عشان أوقف أكلمش مثل الرياجيل
لطيفة بغضب عارم حمله صوتها المكتوم: لا منت برجال.. لو أنك رجّال ماكان خفت من مرة
كان رد مشعل عليها
ولأول مرة
وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاما من العشرة
صفعة قوية
جعلتها تتعثر عبر السلمتين الباقيتين لتسقطها على الأرض بحدة
*****************************
عودة لغرفة فارس والعنود
كان منظر السلسة على نحرها الرائع أكثر من مبهر
ولكنها شعرت كما لو أن ملامسة المعدن لبشرتها كملمس النار
وهي تنظر لانعكاس صورتها في المرآة
حينها دخل عليها فارس
انتفضت بعنف حين دخل
وانتفضت بعنف أكبر وهي ترى وجهه المتغير
وقبضته التي كان يعتصرها ويبدو كما لو كان يحاول مغالبة غضب لا حدود له
توجه ناحيتها وهو يقترب منها بخطوات ثابتة
والعنود تتراجع للخلف وهي تشعر برعب حقيقي مؤلم
كانت تتراجع وهو يتقدم حتى حجزها السرير فوقعت جالسة عليه
حينها أنحنى وهو يغرز أصابع كفيه في عضديها العاريين ليوقفها بحدة
تقافزت دموعها من عينيها وهي تشعر بألم اعتصاره لعضديها وترى عن قرب عينيه الناعستين وهما تشتعلان غضبا متوحشا
همس بصوت بارد حاد غاضب: وين رحتي اليوم بدون حتى ما تعطيني خبر؟؟
حينها انفجرت في البكاء : آسفة فارس.. آسفة
والله ما أعيدها.. والله ما أعيدها
كان رده عليها كرد من رباه.. رغم اختلاف موقف المرأتين
فإن كانت الأولى تحدت وأهانت بدون خوف
فإن الثانية كانت تذوب خوفا ووجلا وهي تناشد وتترجى وتعتذر
وإن كان من رباه حاول بالفعل أن يتفادى هذا الرد
فإن فارس كان يتقدم إليها وهذا الرد هو كل ما يلتهم تفكيره وهو بظنه ما سيطفئ نار غضبه عليها
كان صوتها الباكي.. صوتها الساحرالذي لطالما أذاب قلبه عامرا بالرجاءات الموجعة:
آسفة حبيبي.. والله إني ندمانة..
تكفى لا تزعل علي.. أمنتك الله تسامحني
والله ما أعيدها.. تنقص رجلي لو خطيت برا البيت من غير أذنك
أو رحت مكان أنت ما ترضاه
آسفة.. والله إني آسفة
.................
مازال الاثنان يجلسان على الأرض
باكينام تسند ظهرها للحائط.. تحتضن ساقيها المثنيتين وتدفن وجهها بين ركبتيها وتبكي
بكت كما لم تبكِ طوال عمرها
ويوسف كان يجلس جوارها وهو يمدد ساقيه الطويلتين
وينظر أمامه إلى اللاشيء وصوت بكاءها يمزق أوردته وينثر دماءها
لم يعلما كم مضى عليهما من الوقت وهما على هذا الوضع البائس المحزن
وكلاهما غارق في أساه وبحر مشاعره المتلاطم الأمواج
كان يوسف أول من تحرك وهو يحرك جسده ليجلس جوار بكينام بشكل معاكس وهو يثني ركبتيه ويلصق قدميه بالحائط
ثم يمد يديه ليرفع رأسها
حاولت أن تقاومه بشدة ولكنها لم تستطع منعه وهو يرفع وجهها إجباريا
وتغرق عيناه في بحر عينيها الخضراوين التي أصبح بياضهما إحمرارا موجعا
وخطان لا يتوقفان يسيلان على خديها
وأثر كفه بدا شديد الوضوح والاحمرار على صفحة خدها الثلجي
ثبت وجهها بكفيه ثم همس لها من قرب بنبرة شديدة العمق ومغرقة في الوجع:
أنا بحبك يا باكينام
انتفضت باكينام بعنف وشرايين قلبها تتهاوى وهي تسمع اعترافا لم تتوقع أنها قد تسمعه يوما
الاعتراف المستحيل وجعا وألما وشجنا
الاعتراف الذي حلمت به وتمنته.. وظنته حلما بعيدا المنال
هاهي تسمعه من رجل حياتها وبنبرته الموجعة
ولكنها سمعته في وقت متأخر... متأخر جدا
ربما لو كان اعترف لها بمشاعره من قبل.. لكانت اعترفت بعشقها له وأنه الرجل الأول والأخير في حياتها
ولكن الآن.. لا.. لا
لا..
لا..
اقترب أكثر وهو يهمس بعمق أكبر ويشدد احتضانه لوجهها حتى لا يسمح لها بإبعاد عينيها عن مدى عينيه:
أنا مش بحبك بس
أنا بعشئك.. باتنفسك..
كل نبض في ئلبي ليكي
وكل نئطة دم اسمك مكتوب عليها
حاولت باكينام أن تهرب من كلماته التي لا تريد سماعها.. تتأخر للخلف
لولا أن الحائط احتجزها
ووجهها الساكن بين كفيه مثبت بين أنامله
قرب وجهه من وجهها ليمنعها من محاولة الهرب وليغمره بقبلاته
لكنها حينها بدأت بالصراخ: لأ.. لأ
الوش اللي ضربته ما تحلمش ترجع تبوسه
يوسف وضع يده على فمها وهو يهتف بحزم: باكي ما تفضحيناش في ستاتك
باكينام أزالت يده بغضب: هو أنته هامك فضيحة وإلا غيرها
لحد هنا وكفاية يا يوسف
ليلة جوازنا واحنا لسه في مصر لما شديت شعري..
ئلت لك لو مديت إيدك عليا تاني
هاخربها وائعد على تلها.. ولا يهمني بنت دبلوماسي ولا ابن عمدة
واديك الليلة مش مديت ايدك بس
اديتني بالألم على وشي ومن غير سبب
خلاص خلي ستاتي يعرفوا كل حاجة.. لأنك الليلة هتطلئني هتطلئني
يوسف يتجاهل كل ماقالته ويهمس بعمق موجوع:
ليه ما ئلتيليش إن الراجل اللي كنت بتزوريه يبئى ابن عمة صاحبتك؟؟
هان عليكي تعزبيني بالشك كل ده؟!!
باكينام انتفضت بغضب: كده يا هيا.. طيب حسابك معايا
ده وأنا منبهه عليها ما تئولش ليك
يوسف بصدمة: وكمان منبهة عليها ما تئولش.. للدرجة دي بتكرهيني؟؟!!
وكنتي مبسوطة وأنا بتعزب؟!!
باكينام بحدة: وئتها ماكنتش باكرهك.. وكان عندي استعداد أعيش معاك
لكن أنته سمحت لنفسك تشك فيا
وأنا كان مستحيل أسمح لك تحطني في موضع شك
لأنو عمري ما كنتش موضع شك.. واخلائي فوء مستوى أي شك
ومفترض إنه البنت اللي انته حفيت عشان تتجوزها وغصبت عليها تتجوزك
وسلمتها اسمك وشرفك يكون عندك ثقة فيها
يوسف من بين أسنانه: ومفترض إنه الست المتجوزة لما جوزها يسألها تجاوبه
وتكون ئد ثقته فيها
يعني كان هينئص منك رجل والا إيد لو كنتي ئلتي لي إنه مافيش حاجة بينك وبينه
باكينام ببرود ساخر: وأديك عرفت.. كان مكافئتي على محافظتي على شرفك الغالي إيه؟؟
ضربتني زي كلبة
يوسف بغضب موجع: أنا مجروح أوي من اللي عملتيه فيا.. وفي النهاية يكون كل عزابي من غير سبب
حرام عليكي اللي عملتيه فيا.. انا اتعزبت عزاب مستحيل يخطر ببالك
باكينام بغضب موجع مشابه: وأنا تعزبت أكثر
ومش مستعدة أكمل حياتي في العزاب ده
طلئني يا يوسف.. طلئني
*****************************
بيت مشعل بن محمد
الصالة السفلية
فور وقوع لطيفة الموجع على الأرض
انتفض مشعل بجزع وهو يركض لينحني عليها
ويهمس لها بجزع حقيقي: لطيفة حبيبتي أنتي بخير؟؟
لطيفة اعتدلت ومشعل يساعدها وهي تجلس بشكل مائل على وركها وتستند على كفها دون أن تنظر ناحيته
مشعل بألم: الله يهداش لطيفة أنتي شايفتني معصب
وأبي أخلي البيت
وأنتي إلا تلحقيني وتستفزيني..
السموحة يأم محمد.. تنقص يدي لو مديتها عليش مرة ثانية
السموحة يالغالية
لطيفة مازالت عاجزة عن النظر ناحيته
تجلس على ذات الوضعية وهي تشعر بألم حاد في أسفل بطنها وأسفل ظهرها
ولكن كل الآلام الجسدية تهون أمام ألم الروح الذي لا حدود له ولا مساحات
ألم الروح الذي تشعر به يخنقها.... يبعثرها..... ينهيها
لم يخطر ببالها ولا حتى في أسوأ كوابيسها أن مشعلا قد يضربها يوما
وبعد مرور كل هذه السنوات
وبعد هذه العشرة الطويلة
يمد يده عليها
تعلم أنها أخطأت باستفزازه.. ولكنها لم تظن أنه مهما غضب قد يضربها يوما
شيء ما انكسر في روحها
شيء عظيم وثمين وشديد السمو
مشعل مازال هو من يتكلم: تكفين يا قلبي ردي علي..
لطيفة تكلمت أخيرا.. بصوت خال من الحياة: مشعل روح الحين
خلني لين أهدأ
مشعل بتردد موجوع: بس لطيفة...
قاطعته بنفس النبرة الميتة وهي تستند على الأرض بكف وتضع الكف الأخرى على أسفل بطنها:
خلاص مشعل.. إذا لي خاطر عندك.. روح
************************
بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
الغرفة التي ستصبح لفارس وحده الليلة
مرت لحظات ساكنة مثقلة
العنود ترتمي على السرير وأثر كف فارس واضح جزئيا على صفحة خدها الناعم
بينما فارس واقف كتمثال حجري دون أن ينظر ناحيتها
كان يعتصر كفه وندم عميق عميق يتسلل لروحه
يتذكر الآن رجاءاتها الموجعة وبكاءها المؤلم
يشعر بالألم والندم يمزقان روحه
فهي لم تكن مطلقا بالعنيدة أو المكابرة على الخطأ
اعترفت فورا بخطئها..وبكت بكاءها الذي ينحره
كان يستطيع تأنيبها بالكلام.. ويعلم أنها حتى الكلام بالكاد تحتمله لشدة رقتها
فلماذا يجرحها ويهينها بصفعها على وجهها؟؟!!
ألم يجد له حلا آخر؟؟ أو وسيلة أخرى؟؟
العنود نهضت دون أن تنظر إليه.. دون أن تعاتب.. دون أن تبكي.. دون أن تتكلم
توجهت لدولاب عباءاتها وارتدت عباءة مغلقة كالثوب فوق قميص نومها
فارس فُجع وهو يراها ترتدي العباءة.. ولكنه لم يتحرك من مكانه..
ولم ينطق بحرف وعزة نفسه تمنعه من التنازل أو التصرف وهو يراقبها بطرف عينه
ارتدت شيلتها كيفما اتفق على رأسها
مشعل يعود للشقة بعد مقابلته مع يوسف ثم توجهه للجامعة
يدخل بهدوء وهو يبحث عن هيا.. وجدها في المطبخ.. تضع الملح في قدر الغداء
سلم بمودة وردت عليه وهي تبتسم.. اقترب منها واحتضنها من الخلف
ثم همس في أذنها: يا قلبي يا هيا ألف مرة قايل لش لا عاد تعبين نفسش
وضعت كفها على خده وهي تهمس برقة: والله العظيم انطونيا توها طالعة الحين
استأذنت تبي تجيب ولدها من المدرسة توديه للبيت وبترجع.. يعني هي قطعت كل شيء وغسلت كل شيء.. وهي اللي حمست
أنا بس بهرت وملحت
مشعل بابتسامة دافئة: البشارة الأولى.. خلصنا من موضوع يوسف
والرجّال بان عليه التأثر واجد ولو أنه حاول عقب يبين أنه الموضوع عادي
هيا بسعادة: الحمدلله.. والله العظيم انبسطت بذا الخبر
مشعل بمودة وسعادة حقيقية: انتظري الخبر الثاني وانبسطي أكثر
هيا بفضول أكبر: يالله حبيبي بلاها حرقة الأعصاب ذي
مشعل بابتسامة شاسعة: موعد مناقشتي قدموه من شهر 7 لشهر 5 يعني بأخلص معش
وبنرجع للدوحة قبل موعدنا بشهرين
هيا قفزت لترتمي في حضنه وتحتضن عنقه وهي تهتف بسعادة: جد مشعل؟؟ جد؟؟
مشعل يحتضنها بحنو ويهمس: وهذا موضوع فيه مزح
*****************************
بيت محمد بن مشعل
قسم راكان
راكان دخل بخطوات هادئة رزينة وهو ينادي: موضي موضي
ولكنه لم يحضَ بجواب
دخل للداخل وهو ينادي ويبحث عنها
ولكنه لم يجدها
استغرب.. أين ستذهب في هذا الوقت المتأخر من الليل؟؟
توتر نوعا ما.. وقلق ما يتسلل لروحه
كان على وشك الاتصال بهاتفها لولا أنه سمع صوت باب البيت يُفتح
توجه للصالة
كانت تعطيه ظهرها وهي تخلع جلالها بخفة وتطويه
التفتت لتجده أمامها
انتفضت بخفة.. ثم ابتسمت: خوفتني.. تنحنح.. قل شيء
بقي صامتا للحظة وعيناه تطوفان بكل تفاصيلها
لا يعلم لِـمَ منظرها الفاتن أشعره بالألم.. الكثير من الألم
ألم عميق في قرارة قلبه.. في أعمق نقطة في قلبه..
يراها تحفة فنية نادرة غاية في البهاء.. يشتهي فقط أن يتحسس وجهها
حاجبيها.. أهدابها.. حد أنفها .. خديها.. شفتيها.. ذقنها
أن تعانق أنامله تفاصيلها الباذخة روعة الموغلة حسنا
أن يفكك خُصل شعرها الملتفة في حلقات لولبية خصلة خصلة
ولكنها كأي تحفة ثمينة كُتب عليها "ممنوع اللمس"
لذا فلابد أن يكتفي مجبرا بمجرد النظر
ابتسم لها وهو يرد بعمق ودود: بصراحة أنتي اللي خوفتيني
موضي باستغراب: أنا؟؟
راكان بابتسامة: ايه أنتي.. ولسببين
أول شيء خفت عليش لما لقيتش
موضي تبتسم: كان عندي مهمة في البيت العود.. خلصتها وجيت
وش ثاني شيء؟؟
راكان بنبرة عمق مقصودة: ثاني شيء خفت منش لما لقيتش
موضي بحرج حزين وهي تلف إحدى خصلاتها على أصبعها بتوتر:
شكلي يخرع يعني؟؟ ما عجبتك؟؟
راكان اقترب منها حتى وقف خلفها ثم همس في أذنها بعمق موجع:
ماعجبتيني؟!! صاحية أنتي؟!!
أنتي الليلة جمالش خطير ويخوف
موضي تبتعد عنه وعن دفء أنفاسه على أذنها الذي بعث قشعريرة حادة في كل جسدها
وتهمس بخجل: دايما تحب ترفع معنوياتي
راكان يبتسم وهو يجلس: رفع المعنويات للي يحتاجونه.. لكن أنتي ما تحتاجين
موضي جلست وهي تبتسم لتسأله بمودة: شأخبار التدريب اليوم؟؟
راكان بهدوء: تمام.. دعواتش بالذهبية
موضي تبتسم: إذا على الدعاء أنا بأدعي لك واجد اللهم استجب
المهم تكون مستعد
راكان بثبات: وأنا مستعد إن شاء الله
ثم أردف: أقولش سر؟؟
موضي بحذر: قول
راكان بجدية: هذي البطولة بتكون آخر بطولة أشارك فيها
عقبها باعتزل البطولات.. عشان كذا أقول يا الله ذهبية.. عشان يكون اعتزال مشرف
موضي باستغراب: توك راكان على الاعتزال
يعني الرماية مهيب رياضة مرتبطة بالعمر مثل الكورة وإلا السباحة
دام يدك ثابتة تقدر تشارك.. يعني ممكن توصل 45 سنة وأنت تشارك في البطولات
راكان هز كتفيه وابتسم: خلاص كفاية علي شغلي.. وانا توني استلمت رئاسة قسم
وكفاية علي من ناحية ثانية الشطرنج.. ولو أني ناوي بعد أقلل مبارياتي فيها
موضي بعفوية: أحسن.. خلك جنبي
موضي شعرت بحرج بعد خروج جملتها العفوية وراكان ينظر لها بعمق
تحججت بتبديل ملابسها لتهرب من أسر نظراته
وراكان تنهد وهي يرى خيالها الهارب
(ليتكِ تعلمين أن هذا هو السبب الوحيد
أريد البقاء إلى جانبكِ
أريد التخلص من كل ماقد يبعدني عنكِ
سابقا كنت أريد ما يشغلني ليملأ خواء حياتي ويشغلني عن برودة أيامي
ولكني أشعر الآن أن حياتي ممتلئة.. ممتلئة تماما
ممتلئة بكِ ومن أجلكِ
لم أعد أعرف سر هذه الغرابة
أو ماذا فعلتي بي
وماعاد يهمني
المهم أن نبقى معا.. وتبقين لي وحدي
لي وحدي فقط)
*****************************
قبل ذلك بوقت
بيت محمد بن مشعل
ناصر يصعد بخطوات مثقلة
كانت موضي تغادر غرفته للتو
حين سمعت صوت الخطوات على الدرج.. اختبئت حتى تأكدت من دخول ناصر لغرفته
وهي تحمدالله على خروجها قبل وصول ناصر وإلا كانت كل مخططاتها باءت بالفشل
التفت بجلالها وهي تنزل الدرج بسرعة لتتوجه لبيتها
بعد أن وصت مشاعل أن تقول لناصر أن المخطط كاملا هو من تخطيطها هي وألا تذكر اسم موضي
حتى يتأكد أنه هو من يشغل تفكيرها فقط
قبل ذلك بلحظات
ناصر يقف أمام باب غرفته
يتنهد بعمق
يشعر بضيق عميق.. ويتمنى لو يعود أدراجه
ولكنه وصل إلى باب الغرفة.. وليس لديه رغبة بالذهاب إلى أي مكان
ويبدو أنه مجبر الليلة على البقاء مع ذكرى أطيافها الموجعة
فتح الباب وأغلقه دون أن ينتبه للغرفة
أولا صدمته الرائحة العطرة العذبة والكثيفة
ثم حين تلفت حوله شعر بالغرابة وهو يظن أنه ربما أخطأ بالغرفة
فالغرفة كانت مطفأة الأنوار..وتغرق في أضواء عشرات الشموع بمختلف الأحجام والأشكال
عدا عن صفين من شموع صغيرة كانت تصنع مسارا محددا بدءا من باب الغرفة
والباب يفتح أولا على الصالة ثم غرفة النوم وكلاهما شاسعتان
لأنهما كانتا أساسا غرفته وغرفة راكان
ناصر شعر بالغرابة تتزايد وهو يتتبع مسار الشموع
من وضع كل هذه الشموع؟؟ ولماذا؟؟
مشى ناصر في المسار حتى وصل غرفة النوم
ليجد المفاجأة الصادمة أمامه
المفاجأة العصية على التصديق والتخيل
فتح عينيه وأغلقهما عشرات المرات.. كان عاجزا عن تصديق مايراه أمامه
بل كان عاجزا عن مجرد التخيل
كانت مشاعل تقف أمامه يلتهمها خجلها وتوترها
ولم يكن هذا هو سبب عجزه عن التخيل
بل ما كانت ترتديه
فمشاعل كانت تقف أمامه بفستان عروس أبيض حقيقي غاية في الرقي والنعومة
وبطرحتها الطويلة الناعمة
بل وحتى مسكة الورد بين يديها
ناصر يقف أمام باب غرفته
يتنهد بعمق
يشعر بضيق عميق.. ويتمنى لو يعود أدراجه
ولكنه وصل إلى باب الغرفة.. وليس لديه رغبة بالذهاب إلى أي مكان
ويبدو أنه مجبر الليلة على البقاء مع ذكرى أطيافها الموجعة
فتح الباب وأغلقه دون أن ينتبه للغرفة
أولا صدمته الرائحة العطرة العذبة والكثيفة
ثم حين تلفت حوله شعر بالغرابة وهو يظن أنه ربما أخطأ بالغرفة
فالغرفة كانت مطفأة الأنوار..وتغرق في أضواء عشرات الشموع بمختلف الأحجام والأشكال
عدا عن صفين من شموع صغيرة كانت تصنع مسارا محددا بدءا من باب الغرفة
والباب يفتح أولا على الصالة ثم غرفة النوم وكلاهما شاسعتان
لأنهما كانتا أساسا غرفته وغرفة راكان
ناصر شعر بالغرابة تتزايد وهو يتتبع مسار الشموع
من وضع كل هذه الشموع؟؟ ولماذا؟؟
مشى ناصر في المسار حتى وصل غرفة النوم
ليجد المفاجأة الصادمة أمامه
المفاجأة العصية على التصديق والتخيل
فتح عينيه وأغلقهما عشرات المرات.. كان عاجزا عن تصديق مايراه أمامه
بل كان عاجزا عن مجرد التخيل
كانت مشاعل تقف أمامه يلتهمها خجلها وتوترها
ولم يكن هذا هو سبب عجزه عن التخيل
بل ما كانت ترتديه
فمشاعل كانت تقف أمامه بفستان عروس أبيض حقيقي غاية في الرقي والنعومة
وبطرحتها الطويلة الناعمة
بل وحتى مسكة الورد بين يديها
ناصر تقدم أكثر
حتى وقف أمامها
فهو خطر بباله أنه من المؤكد أنه يهلوس
وأن اشتياقه لمشاعل صور له وجودها أمامه وبهذه الصورة الموغلة في العذوبة والتعذيب
كان ينظر لها بتمعن وهو مازال يظن أنه يحلم
كانت عروسا حقيقية بكل معنى الكلمة
بل أجمل وأبهى من ليلة زواجهما قبل شهرين
كانت رقيقة إلى حد الوجع
وفاتنة إلى حد الهلوسة
كانت مشاعل هي من تكلمت وهي تهمس بصوت مرتعش:
ناصر ترا بيغمى علي من الحرج لا تقعد تخزني كذا كررت سالفة الحمام وخربت الدنيا
ناصر انتفض بخفة وهو يهمس بعمق ويمد يده ليتحسس خدها ليتأكد أنها أمامه فعلا:
أنتي قدامي صدق وإلا أنا أحلم
إن كنت أحلم تكفين لا تصحيني
وإن كنت صاحي يا ويلش تجيبين لي طاري الحمام
مشاعل بخجل: ما أدري تحلم حلم حلو وإلا كابوس؟؟
ناصر اقترب أكثر ليتناول الورد من يدها ويضعه على السرير ويمسك بكفها ويحتضنها ويهمس بعمق دافئ:
أخاف من كثر ماهو حلو أشرق بحلاه
مشاعل صمتت وخجلها يحتويها ودقات قلبها تتصاعد وهي تدعو الله بعمق ألا تخذل ناصر وتفسد فرحته
ناصر رفع كفها لشفتيه وهو يطبع في باطن كفها ومعصمها قبلات دافئة رقيقة مشتاقة
ثم
أفلت يدها فجأة
وهو يهمس بمرح مقصود: دقيقة باروح أقفل باب الغرفة ثم أسحب كل المفاتيح
وخصوصا مفاتيح الحمامات
لا وعندنا حمامين هنا.. على أي حمام بألحق لو قررتي تستخدمينها كلها
مشاعل بصدمة رقيقة: ناصر أنت من جدك؟؟
ناصر تحرك وهو ينفذ ماقاله: إيه والله من جدي
وبالفعل أغلق ناصر باب الغرفة ثم سحب المفتاح وتوجه للحمامات وسحب مفاتيحها
وهو في هذا يقصد إلى إثارة مرح يمتص به توتر مشاعل وخجلها لأنه لاحظ شدة ارتعاش يدها بين يديه
ثم تذكر شيئا هاما بالفعل وهمس لها بمرح: شكلش وأنتي عروس صدق.. ذكرني بشيء كان المفروض عطيتش إياه قبل شهرين
بس تيك الليلة الله لا يعيدها مخي اختبص.. وعقب نسيت أو يمكن ماجات فرصة
وبالفعل بدأت مشاعل تتخلص من توترها وهي ترى أن ناصر يفسح ويترك لها مجالا للتنفس ويثير فضولها
ناصر وضع المفاتيح على التسريحة ثم توجه لحقيبة رسمية كانت تقبع فوق الدولاب
مد قامته الرفيعة ثم أنزلها بخفة
أدار أرقامها ثم فتحها.. استخرج علبة مغلفة بتغليف شديد الفخامة والأناقة
ثم اقترب من مشاعل وشدها بلطف وأجلسها على السرير وجلس جوارها
ثم وضع العلبة بين يديها
وهمس بعمق لطيف: هذي هدية عرسش متأخرة شوي
ثم أردف بنبرة مقصودة: أو يمكن في وقتها
ابتسمت مشاعل وهي تفتح الغلاف: تدري إني كنت أقول اللي ماعنده ذوق ماجاب لي شيء
ناصر ضحك: بعد تبين أجيب لش هدية وأنتي مخليتني أنام على باب الحمام
مشاعل ضحكت برقة مصفاة وهي تكاد تفتح الهدية: مهوب شغلي.. الهدية حقي لو وين ما نمت
ناصر وضع يده على قلبه: يا ويل قلبي.. اضحكي بعد مرة.. بعد مرة تكفين
ولكنها لم تكن تضحك ولا حتى تبتسم...بل تغرغرت عيناها بالدموع وهي ترى الهدية
ناصر بشجن: ياحبيبتي.. وشو له الدموع بعد؟؟ حرام عليش.. أقول سمعيني ضحكتش اللي تذبح.. تبكين
مشاعل ارتمت على صدره وهي تبكي: أنا أسفة يا ناصر.. آسفة على كل شيء
والله أنا ما أستاهلك.. ما أستاهلك
ناصر احتضنها بحنو وهو يطبع قبلاته على شعرها: بس يا قلبي.. وش ذا الكلام؟؟
رفعت رأسها عن صدره وهي تمسح وجهها وتهمس بتأثر: وهذا أنا خربت المكياج ووصخت ثوبك بعد
ناصر بعمق حنون: أنتي عندي أحلى من شافت عيني.. ويفداش الثوب وراعيه
والحين عطيني يدش ألبسش الساعة
ناصر مد يده للعلبة واستخرج الساعة البلاتينية الأنيقة التي حُفر على ميناها الداخلي حرفان مرصعان بالألماس
n&m
ليغلف بها معصمها الرقيق
*******************************
ذات الوقت
وذات المكان
بيت محمد بن مشعل
العنود وصلت ولكنها قررت ألا تدخل من الباب الأمامي
بل توجهت إلى غرف الخادمات بجوار المطبخ الخارجي
فالعنود رغم الحزن الموجع الذي يثقل روحها
إلا أنها لا تريد إثارة فضيحة في هذا الليل
ولا تريد أن يتعارك أشقائها مع ابن عمهم وتكون هي سببا لشرخ في العلاقة بين شباب آل مشعل التي كانت دائما مضربا للمثل في القوة والمتانة
فهي تعلم يقينا أن والدها وأشقائها لن يرضوا مطلقا بضرب فارس لها
لو لم يضربها لبقي الحق معه.. ولكنه بضربها منحها كل الحق.. وجعلها في موقع القوة
طرقت الباب على الخادمات حتى فتحن الباب.. نادت سونيا سائقة مريم وطلبت من البقية العودة للنوم
ثم توجهت للمطبخ دون أن تلتفت للسائقة حتى لا ترى وجهها
ثم طلبت منها أن تتوجه لغرفتها لتحضر لها بجامة
فدخول سائقة مريم للبيت في وقت متأخر ليس مستغربا
والعنود لا تريد إثارة ريبة أحد
فسونيا تبقى أحيانا مع مريم لوقت متأخر.. ترتب معها أغراضها أو حتى تحادثها
سونيا توجهت للداخل وهي تعرف أن هناك خطب ما
ولكنها وبعد سنوات من العمل مع مريم
تعودت أن تصمت أكثر مما تتكلم
بينما العنود غسلت ما تبقى من زينتها عن وجهها
ثم تناولت ثلجا من الثلاجة وبدأت بتدليك خدها به
فأثر كف فارس على وجهها لم يكن قويا.. وهي تتمنى أن يزول قبل صباح الغد
سونيا أحضرت البيجامة وعادت وهي تتسحب حتى لا يراها أحد
العنود همست لها بخفوت: حد شافش؟؟
سونيا بنبرة محايدة: نو
ثم عادت لغرفتها
بينما العنود أغلقت عليها باب المطبخ وأبدلت ملابسها
ثم طوت قميصها وعباءتها ووضعتهما في كيس قمامة وربطته ثم ألقته في القمامة
فهي ماعادت تريد شيئا يذكرها بهذه الليلة المرعبة
ثم عادت لتدليك وجهها بالثلج لفترة من الزمن وهي غارقة في أفكارها.. حزنها.. ومرارتها
تعلم يقينا أنها أخطأت خطئا كبيرا.. وتعلم يقينا كذلك أن فارس قاسٍ
ولكنها اعترفت بخطئها وندمت عليه واعتذرت
فلماذا يهينها بهذه الطريقة؟؟
لماذا يجرحها بهذه الطريقة؟؟
كيف هانت عليه حبيبته العنود؟!!
هل تغلبت القسوة في قلبه على حبها؟!!
هذه ليست القشة التي قصمت ظهر البعير
ولكنها الجبل الذي طحن البعير طحنا
تعلم أنه يحبها وهي أيضا تحبه
ولكنها لا تستطيع أن تكمل حياتها معه.. لا تستطيع
فالحب في قلبها سيموت ويجف مع قسوته
مع خوفها منه
الخوف ينحر الحب.. ولا يمكن أن يتعايشا معا
الحب نبتة تحتاج للشعور بالأمان حتى تعيش وتترعرع وتقوى وتزهر
ومع فارس بدأ شعورها بالأمان يهتز
لذا لن تعود..
لن تعود..
كانت أفكارها تذهب بها للبعيد في دوامات سريعة وعميقة
حتى سمعت أذان الفجر
حينها تنهدت بعمق وهي تنزل شعرها على وجهها
ثم تتوجه للداخل بثقة زائفة
وهي تستعد لاخبار من سيراها أنها باتت هنا أساسا بعد سهرة البارحة
***************************
قبل ذلك
بيت مشعل بن محمد
مشعل يعود للبيت بعد نصف ساعة من مغادرته له
فهو لم يستطع ترك لطيفة أكثر من هذا
وهو يعلم أنه جرحها وأهانها
وكأنه جرح نفسه وأهانها
يشعر بألم عميق متجذر.. يتمنى بالفعل لو استطاع قطع يده التي امتدت على لطيفة
فلطيفة ليست مجرد زوجة أو حتى حبيبة
هي أمه وأم أطفاله ورفيقة دربه.. كانت معه في كل شيء.. في فشله ونجاحاته
في كل مامر به في حياته كانت معه
لا يستطيع الآن أن يتذكر شيئا في حياته لم تكن معه فيه
حتى أيام بروده معها.. لم يكن يستطيع الاستغناء عنها أو عن وجودها جواره
دخل للبيت على عجل
فوجئ بأضواء الصالة السفلية جميعها منارة
ثم فُجع بمنظر أحد الخادمات وهي تمسح الرخام مكان سقوط لطيفة
سألها بحدة: وش تسوين؟؟
الخادمة بخوف: أنظف دم
مشعل برعب حقيقي موجوع: نعم؟؟ دم؟؟
ثم فُجع أكثر بل تمزق وهو يرى نقاط دم متباعدة بين مكان سقوط لطيفة والمطبخ الداخلي
حيث تسندت لطيفة حتى وصلت للمطبخ ونقرت على جرس الاستدعاء
مشعل شعر قلبه يهوي ويهوي من علو وهو يتوجه للخادمة بالسؤال بنبرة مرعبة: وين مدام؟؟
ثم شعر قلبه يصل الأرض ليتحطم شظايا متناثرة والخادمة تجيبه:
روح مع درايفر ونور تو ومن هوسبيتال
مشعل توجه بسرعة جنونية لسيارته ليقود بسرعة أكثر جنونا متوجها لمستشفى النساء
وهو يشعر بالاستغراب المشبع بالألم
لماذا مستشفى النساء وليس مستشفى حمد؟؟؟
كان يتصل بهاتف لطيفة ولكن لا مجيب
ثم اتصل بهاتف السائق الذي أخبره أنه أنزل لطيفة ومعها الخادمة في طوارئ مستشفى النساء
استغرق وصوله للمستشفى أقل من ربع ساعة مع سرعته الجنونية
توجه من فوره لسؤال الاستقبال عن لطيفة
أجابته الموظفة بنبرة مهنية رتيبة: توها دخلت الحين
تسقيط عادي..
بس يسوون لها تنظيف ونطلعها فوق
مشعل جلس بتثاقل على أقرب مقعد
الموظفة وصفته بـ "تسقيط عادي"
لكنه بدا له "جريمة قتل غير عادية"
هل قتل طفله حقا؟؟
هل قتله؟!!
هذا الجنين رغم أنه لم يعلم به.. ولكنه تمناه.. تمناه بكل القوة والوجع
فهذا الجنين بالذات هو ثمرة حب مصفى وولع وغرام لا متناهي
فلماذا ذهب؟؟
لماذا؟؟
ولماذا يذهب بسببه.. بسببه هو؟!!
خطرت له فكرة مرعبة.. موجعة..متوحشة في ألمها.. ولا يعلم لها سببا
"هل موت ثمرة الحب يعني موت الحب نفسه؟!!"
*******************************
بيت فارس بن سعود
قبل أذان الفجر بقليل
غرفة فارس
جالس في الصالة.. يسند رأسه إلى كفيه وأنامله تتخلل خصلات شعره
مشبع بالأسى
بل هو مشبع فوق الإشباع
يرفع رأسه للمرة الألف ليجول بنظره في المكان
ليس سوى صحراء قاحلة دون عطر أنفاسها ورقة خطواتها
أي جناية جناها على نفسها؟!!
أي جناية؟!!
يعلم أنها تحبه كثيرا
ولكنه يعلم أيضا أنه يحبها أكثر مما تحبه.. أكثر بكثير
ستصبر هي على بعده
ولكن هو كيف سيصبر؟؟ كيف؟؟
سيموت بعيدا عنها.. سيموت
وعلى الطرف الآخر يعلم يقينا أن كبرياءه الأحمق لن يسمح له أن يقف أمام عمه وأبناء عمه في موقف المذنب لطلب السماح
لوكان لم يمد يده عليها لكان الحق معه ولكان عمه وأبناء عمه وقفوا معه
فهي أخطأت بخروجها دون أذنه ولمكان نهاها عنه
ولكنه بمد يده لم يترك له حقا عليها... ففي عرفهم لم يكن الضرب يوما هو وسيلة للتفاهم أو العقاب
يستطيع تماما معرفة مشاعر أبناء عمه
فهو رغم محبته لهم جميعا على استعداد تام أن يمزق من سيمد منهم يده على لطيفة أو موضي أو مشاعل
بل هو يكاد يجن من مجرد فكرة أن واحدا منهم قد يمد يده على زوجته العنود لأي سبب وبأي طريقة
فكيف وهو من فعلها؟؟
هو من فعلها!!
مثقل بالتفكير والحزن واليأس
يريدها أن تعود اليوم قبل الغد
قبل أن ينحره غيابها
سينحره غيابها
فهو مجنون بها.. عاشق متيم.. مدله في الغرام حتى أقصى عروقه وخلاياه وأنفاسه
ولكن
كيف يعيدها؟؟
كيف؟؟
مستشفى النساء والولادة
غرفة في الطابق الخامس
بعد صلاة الفجر وقبل شروق الشمس
يجلس جوارها ويحتضن كفها بين كفيه ويرفعه بين الفينة والفينة ليطبع عليه قبلة عميقة مثقلة بالندم والوجع:
تكفين لطيفة سامحيني
أنا ماني بقادر أسامح روحي
بس أنتي طول عمرش قلبش كبير
أنا ما أقدر أتخيل حياتي وأنتي زعلانة علي
الدكتورة طمنتي على صحتش.. والله يعوضنا عن اللي راح
العوض بسلامتش يأم محمد
لم ترد عليه.. ولكنه يعلم أنها واعية وتسمعه..
غاضبة؟؟.. عاتبة؟؟؟
مستعد لإرضاءها حتى آخر يوم في عمره
المهم ألا تجفوه.. أو تبعده عن دفء حنانها
استمر مشعل يتحدث مطولا
يسترضيها حينا.. ويناجيها حينا آخر
حتى همست بنبرة رتيبة وعيناها مغلقتان: عيالي حد عندهم؟؟
ابتسم مشعل: أمي عندهم
كلهم نايمين.. مابعد حد منهم صحا من نومه
حينها لفت جسدها قليلا لتعطيه ظهرها وهي تهمس بذات النبرة الرتيبة:
شوف إذا الدكتورة ممكن تكتب لي خروج
مافيني شيء يستلزم التنويم
*************************
واشنطن
بيت يوسف
مازال يوسف يغلق عليه وعلى باكينام باب غرفتهما
يحاول امتصاص غضبها من غير جدوى
هو يراها مخطئة وتبالغ في الخطأ
ولكنه لا يستطيع تركها بل يستحيل
إذا كان أساسا كان رافضا لتركها وهو يشك بها
فكيف بعد أن تأكد من براءتها؟!!
إطلاق إسارها هو رابع المستحيلات
يوسف يعاود التنهد ثم يرد عليها ببرود: وأنا مستحيل أطلئك
باكينام بغضب: ما تخلينيش أدخل بابا وعمو طاهر
يوسف يهز كتفيه ثم يتوجه للجلوس على السرير ويقول بهدوء متمكن:
دخليهم
لعلمك ولو كنتي ناسية أنا راجل في التلاتين.. مش عيل
ومافيش حد هيجبرني أطلئ مراتي
باكينام بتحدي ولثاني مرة تقولها بعد زواجها من يوسف: هأخلعك
يوسف بابتسامة: ومالو.. وأنا هأعين محامي شاطر.. وكل ما يحكمو لك هأستأنف
لا وهاديله وكالة عن الموضوع ومش هاحضر الجلسات وهاريح دماغي
والمحاكم حبالها طويلة
عدا أنه عشان ترفعي قضية الخلع لازم نكون في مصر
فاصبري لحد ما نرجع مصر.. هدنة يا باكينام هدنة ربنا يخليكي
باكينام بصدمة: وأعيش معاك لحد ما نرجع مصر.. مستحيل.. مستحيل
ثم أردفت بألم: والهدنة مش أنا اللي خربتها
قالتها وهي تلمس خدها المشتعل احمرار
يوسف يتنهد: اسمعيني باكي.. أنا وأنتي كلها 3 شهور ونخلص دراسة
حرام عليكي تشغليني وتشغلي نفسك
خلينا نخلص بالطول أو بالعرض
باكينام برفض: وأعيش معاك في نفس المكان.. مستحيل مستحيل
يوسف بهدوء: خلاص أنا اللي هامشي.. بس أنتي ما تسيبيش البيت
اديني بس ربع ساعة
هأخذ لي كم غيار.. واخذ أوراقي واللابتوب بتاعي من المكتب وأمشي
بس ما تنزليش لحد ما أمشي
أنا مش حمل ستاتك وزعلهم
يوسف تناول حقيبة صغيرة ووضع فيها بعض الملابس
ثم توجه للباب ولكنه مر بباكينام أولا
وقف أمامها يتأملها للحظات
وهي تنظر له بتحدٍ مشبع بالألم
حينها مد يده وهي انتفضت برعب أن يكون سيودعها بصفعة
ولكنه ربت على خدها المحمر وهمس بعمق وهي تبتعد عن مدى يده:
أنا آسف يا باكي
وبحبك.. بحبك بجد
وعلى ئد ما بحبك وأغير عليكي كان تصرفي متطرف وغير متوقع
حاولي تحطي نفسك مكاني
مازلنا في بيت يوسف
العجوزان تجلسان في الأسفل
تتبادلان النظرات المستغربة
فباكينام أطالت غيابها في الأعلى
نزل يوسف
لم يتحادث معهما
توجه لمكتبه وغاب قليلا ثم عاد لهما
وقف أمامهما ثم همس باحترام:
هناك مشكلة صغيرة بيني وبين باكينام
وأنا سأغادر المنزل
وأنتما اعتبرا نفسيكما في بيتكما
وماريا وسانتياغو في خدمتكما في أي شيء
ثم حمل حقيبته وغادر
بعد دقائق نزلت باكينام
كانت تنزل بثقة وهي ترفع رأسها
ما أن رأتها العجوزان حتى قفزتا
وكل واحدة منهما تفتح عيناها للحد الأقصى
ثم بدأت العبارات الحادة بالانهيال.. خليط قديم وجديد من كلمات عربية وتركية وانجليزية وايرلندية
بين لغة الأصل ولغة الممارسة:
الحقير.. يقول مشكلة صغيرة
كل هذا ومشكلة صغيرة؟؟
ثم يهرب كالجبان.. إلى أين ذهب الحقير؟؟
العربي الهمجي
اتصلي به ليعود.. إذا كان ضربك ونحن هنا
فماذا فعل بكِ وأنتِ وحدكِ؟!!
باكينام أوقفت سيل الشتائم والغضب المتدفق وهي تقول بحزم:
بس
تعرفي يأنّا أنتي وفيكتوريا.. أنتو أخر حد يتكلم
الرجاله الاتراك في المركز الاول بين شعوب العالم في ضرب ستاتهم
.
والرجال الإيرلنديون النساء عندهم كالأحذية التي يرتدونها في أقدامهم
.
يوسف أول مرة يمد ايده عليا
وأنا اللي غلطت عليه
وماحدش يتدخل بيني وبين جوزي
.
العجوزان انقلب حالهما للنقيض فجأة
وهما تبتسمان
ثم تربتان على كتف باكينام:
هذه ابنتنا فعلا
باكينام تنهدت وجلست
لم تكن تريد الدفاع عن يوسف
ولكنها تعرف جدتيها تماما.. لو سمحت لهما بالتدخل
سيحيلان حياتها جحيما حربيا
لذا فلابد أن تحرص من البداية على تنحيتهما عن مشاكلها حتى تريح رأسها
أن تفعل كما فعلتا هما
فكلتاهما لم تسمحا لأهلهما بالتدخل في حياتهما أو مشاكلهما مع زوجيهما
*****************************
اليوم التالي على كل الجبهات
انجلاء غبار المعارك
*******************************
قسم راكان
موضي لم تنم إلا قليلا
فهي من بعد صلاة الفجر لم تنم
أعدت فطور راكان
ثم التهت على جهازها المحمول لتعد بعض البرامج المطلوبة منها لعملها
لأنها تريد الذهاب للعمل لتسليمها ثم تطالب بتمديد إجازتها لأسبوعين آخرين
رغم أنها كانت تريد العودة للعمل لتلتهي عن غياب راكان من ناحية وحتى تثبت أقدامها في عملها الجديد من ناحية أخرى
ولكنها الآن ستلتهي مع أولاد لطيفة بعد سفرها للعمرة ولابد أن تتفرغ لهم
أنهت عملها حوالي الساعة التاسعة
ثم توجهت لراكان النائم على فراشه الأرضي
جلست جواره وهمست بخفوت رقيق: راكان.. راكان
فتح عينيه ببطء ثم ابتسم وهمس بنعاس: تدرين أحلى صباح عندي لما أفتح عيني
ويكون أول شيء أشوفه وجهش
موضي ابتسمت: الكلام هذا تقوله وأنت بكامل قواك العقلية؟؟!!
أو مازلت تحت تأثير النعاس وكوابيس خرعة البارحة علي ومني؟؟
راكان اعتدل جالسا وهو يبتسم: منش أحلى خرعة.. خوفيني كل يوم
مازال كلاهما جالسين على الأرض.. همست برقة: زين ياالخواف.. توديني للدوام مثل ماقلت لي البارحة؟؟
راكان بحنان عذب: أودي مندوبش لو جاني
أنزلت موضي برأسها بخجل.. دائما يخجلها بلباقته ولطفه وكلامه
مع انخفاض رأسها للأسفل تساقطت بعض خصلها الناعمة على وجهها
مد راكان يده ورفع الخصل ودفعها لما خلف أذنها وهو يلمس خدها بطريقة عفوية لم تكن عفوية
كلاهما التمس والتبس وشررات كهربائية تندلع بين الخد واليد
موضي نهضت بارتباك وهي تهمس: يالله غسل عشان نتريق.. انتظرك برا
راكان تنهد بعمق
مازال عاجزا عن تفهم مايحدث له
ولكنه يعلم أن السيطرة على نفسه باتت مرهقة ومؤلمة
لا يريد إحراجها أو إيذاءها
ولكنه بات يتحرق إلى ملامستها بأي طريقة
سيكتفي بمجرد معانقة أناملها أوحتى لمس أطراف أهدابها
شيء من عبقها يعطر أنامله ويبرد بعضا من النار التي باتت تستعر في جوفه
ولكنه لا يستطيع أن يتناسى أنها قالت: أنها لا تحتمل لمسات أي رجل
لذا لجأت له ليكون هو من يحتوي ضعفها ويأسها.. لن يخذلها مرة أخرى
ويكفي رسوبه وبجدارة في الاختبار لمرة.. رغم روعة ذلك الرسوب في مخيلته المثقلة
ابتسم لمجرد الذكرى وهو يقف ليتوجه للحمام
بعد حوالي 40 دقيقة
الاثنان في سيارة راكان متوجهان لمكان عمل موضي
ويدور بينهما كالعادة حديث ممتع كلاهما مستمتع به لأبعد حد
رن هاتف راكان
التقطه وهمس بمودة واحترام: هلا والله بأبو محمد
....................
ليش؟؟ (تغير وجه راكان)
....................
الحين جايينكم (قالها بحزم مخلوط بالقلق)
.....................
راكان بهدوء حازم: بسيطة إن شاء الله
أم محمد سقطت البارحة.. بس هي طيبة وبخير وفي بيتها الحين
وبأوديش تشوفينها
موضي بنبرة موجوعة متناثرة: لطيفة سقطت.. ليه هي كانت حامل؟!!
**************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
الساعة 11 إلا ربع صباحا
ناصر يفتح عينيه على صوت حفيف خافت
ابتسم بعمق وهو ينظر لها منهمكة في عملها
بدت له كالملاك العذب مع طلتها الصباحية الأنيقة.. وشعرها الحريري القصير يتحرك مع حركتها الدؤوبة
كانت تسحب صندوقا بخفة حتى لا توقظ ناصر
وتضع فيه الشموع المتناثرة في زوايا الغرفة
ابتسم ناصر وهو يرفع رأسه ويسنده على كفه ويهمس بصوت عميق مثقل ببقايا النعاس:
صباح الخير يا قلبي
التفتت مشاعل وابتسمت برقة: صباح النور
ناصر بعمق ودود: كنها الشمس شرقت عندنا اليوم في الغرفة
وصباح النور حاف ما يمشي حالها
مشاعل بخجل عذب: صباح النور.. حبيبي
ابتسم ناصر: شاطرة
وبعدين وش ذا الأشغال الشاقة اللي بادية فيها نهارش؟؟
مشاعل برقة: وش أسوي؟؟ مايصير أخليها منثرة في الغرفة كذا
ناصر باستغراب: إذا أنا هلكت البارحة وأنا أطفيهم
أشلون أنتي شلتيهم وفرقتيهم وولعتيهم بروحش
مشاعل تتذكر نصيحة موضي تبتسم وترد بعذوبة: عشان رضاك أسوي أي شيء
ناصر بشجن: راضي يا قلب ناصر.. والله العظيم راضي.. ولو فيه شيء فوق الرضا راضي..
مشاعل أنهت مهمتها وتريد حمل الصندوق ولم تستطع لثقله
ناصر هتف لها بهدوء: خليه حبيبتي .. بأركب ساقي وأشيله أنا
قالها وهو يمد يده تحت السرير ليسحب ساقه
حينها توجهت مشاعل ناحيته وجلست على الأرض وهي تتناول الساق من يده
وهمست بحنان: أنا بأركبها.. وكل يوم أنا اللي باركبها وأفكها إذا الله أحيانا وعطانا العمر
ناصر ضغط على يديها الممسكتين بالساق وهمس بحنان موجوع: مهيب سهلة يامشاعل.. خلي منش أنا تعودت خلاص
مشاعل وضعت الساق في حضنها ومدت يديها لساقه المبتورة لتجذبها ناحيتها:
خلاص حبيبي تكفى.. لا تحط بيننا حواجز
لم تكن المهمة سهلة مطلقا على مشاعل الرقيقة وعلى قلبها الرقيق.. أن ترى مكان البتر من هذا القرب وبهذا الوضوح
ثم تركب هي الساق... ولكنها ماعادت تريد شيئا يبعد ناصر عنها أو يبعدها عنه
تريد أن يتمازجا ويتماهيا للحد الأقصى.. ومادام سيحتفظ بتركيب الساق وفكها لنفسه ستبقى حاجزا بينهما.. وهذا ما لن ترضى فيه
تريده أن يعلم انها تتقبله بل وفخورة به على كل حالاته.. بساقه أو بدونها
حاولت أن تقوم بالمهمة على الوجه الأكمل تحت بصر ناصر الذي كان ينظر لها بتأثر وشجن كبيرين
أنهت مهمتها بإتقان وسرعة رغم أنها محاولتها الأولى
ولكن مالم يعلمه ناصر ولن يعلمه أنها حفظت دليل تركيب الساق عن ظهر قلب وكان قد بقي لها أن تجرب.. لذا كانت تجربتها ناجحة تماما
ابتسم ناصر وهو يمد يديه ليمسك بعضديها ويرفعها بخفة ليجلسها جواره ويهمس: ماشاء الله عليش.. كنش متعودة على تركيبها
أنزلت رأسها بخجل.. مد ناصر يده لوجهها ووضع سبابته أسفل ذقنها ورفعه بحنان ثم همس بخفوت: إشرايش نسافر حبيبتي؟؟
مشاعل باستغراب: نسافر؟؟
ناصر ابتسم: إيه نسافر شهر عسل مثل كل الناس.. هذا فارس والعنود سافروا عقب عرسهم بأسبوعين
إحنا نسافر عقب عرسنا بشهرين.. ليش لأ
مشاعل بتردد: وشغلي اللي المفروض أبداه ذا الأسبوع؟؟
ناصر بابتسامة: زحلقيه أسبوعين.. أو تدرين؟؟ خليش ذا الفصل عندي ما أبي شيء يشغلش عني
ووعد علي أجيب لش الوظيفة اللي تبينها في المدرسة اللي تبينها مع بداية السنة الجايه
ناصر بمرح حنون: حاضرين.. ويا الله تدللي وين تبين تسافرين.. بس أشري
مشاعل بخجل: بكيفك
ناصر يبتسم: كيفي لا.. أنا أصلا كنت مرتب لش خوش برنامج وحاجز قبل شهرين بس تفركش كل شيء.. ذا المرة ذوقش واختيارش
مشاعل ابتسمت: خلاص خلني أفكر
ناصر وقف وتحرك بناحية الصندوق: فكري ياقلبي بس لا تطولين
انحنى على الصندوق وحمله بخفة وهمس بهدوء: وين أحطه؟؟
مشاعل برقة: تحت السرير
ناصر بمرح: ومتي بيطلع من تحت السرير؟؟
مشاعل ابتسمت: السنة الجاية نفس تاريخ البارحة إن شاء الله
ناصر يضحك: وعد؟؟
مشاعل ضحكت بخفوت وعذوبة: وعد
***********************
جبهة فارس والعنود
أم مشعل تفاجأت بوجود العنود عندها في البيت
ولكن العنود بررت وجودها مبدئيا أنها تأخرت في سهرة البارحة مع بنات عمها فاستأذنت فارس في المبيت
استغربت أم فارس قليلا.. ففارس مطلقا لم يسمح لها أن تبيت من قبل
حتى عندما كانت تتأخر في السهرة عندهم كان يحضر بنفسه لإحضارها
لأنه يخشى أن يخيفها شيء وهي تعبر الباب الواصل في وقت متأخر
العنود كانت متوترة بشدة وتريد تأجيل لحظة المواجهة قليلا
عندما عادت مريم من عملها.. سألتها والدتها : تدرين إن العنود أمست هنا البارحة؟؟
مريم باستغراب وهي تخلع عباءتها وشيلتها وتعطيها لسونيا: لا.. ليه هي أمست هنا؟؟
أم مشعل تتنهد: إيه.. مريم يأمش روحي شوفي وش فيها.. أصلا شكلها متغير
وما ترفع عينها فيني
أنا خايفة إنه صاير شيء بينها وبين رجّالها..
لو كان صاير شيء صحيح.. عقليها وخليها ترجع قدام يدري أبيش وأخوانش
مريم تنهدت بعمق.. كانت تعلم أن هذه اللحظة قادمة لا محالة
ولكنها جاءت مبكرة كثيرا.. لم يمضِ على زواجهما إلا شهرين فقط
تعلم أنها أحسنت تربية العنود ولكنها تعلم أيضا أنها مدللة ورقيقة
وأنها احتملت من قسوة فارس الكثير ولكن ليس لها جَلد احتمال طويل
لذا ربما حانت لحظة انهيارها
مريم وقفت على باب العنود.. طرقته برقة.. ثم دخلت
وقتها كانت العنود تتمدد على سريرها
ما أن رأت مريم حتى قفزت عن سريرها وارتمت في حضنها باكية
فهي منذ البارحة لم تبكِ مطلقا وهي تشعر بالصدمة والقهر والجمود وتحاول إدعاء القوة
لذا ما أن رأت مريم حتى انهارت كل مقاومتها
وانخرطت في بكاء حاد
مريم جلست هي وإياها على السرير وتركتها تبكي حتى أفرغت كل ثورتها الحزينة
ثم همست لها بحنان: شاللي صار يا قلبي؟؟
العنود بين شهقاتها الموجوعة: ضربني... ضربني
مريم شهقت بجزع: ويش؟؟ ضربش
مريم رغم صدمتها الحقيقية وجزعها من مجرد الفكرة.. أن يكون فارس ضرب العنود لأس سبب كان
ولكنها في ذات الوقت لا تريد تكبير رأسها حتى تعرف ماهو أساس المشكلة
لذا تنهدت وهمست بهدوء: ضربش بدون سبب؟؟
العنود بخجل: لا.. أنا غلطانة.. بس والله العظيم اعتذرت له وقلت له والله ما أعيدها.. ومع كذا ضربني
مريم برزانة: زين قولي لي السالفة كلها
العنود حكت الحكاية كاملة وبكل صدق لمريم
تنهدت مريم بعمق وتفكيرها يتشتت لأول مرة.. أختها أخطأت ولكنها ترى ردة فارس مبالغ فيها كثيرا
فالعنود اعتذرت له وطلبت منه السماح ومع ذلك تناسى ذلك وقرر تأديبها بأسوأ طريقة وأبشعها.. الضرب
لو كان تجاهل العنود وتعامل معها ببرود وأشعرها أنها أخطأت وهجرها وهجر حتى التحدث معها
كان لهذا العقاب أن يكون بالغ الأثر على العنود
ولكن أن يلجأ فورا للضرب وهو يعلم يقينا أن هذا الأسلوب مرفوض
وأن أحدا لن يقبله منه أو يبحث له عن عذر
فهذا الأمر كان خطأ كبيرا منه
تنهدت مريم وهي تربت على كتف العنود: أنتي الحين خلش عندنا.. ريحي يومين
وعقبها محلولة إن شاء الله
فارس بيعرف إنه غلط يوم مد يده عليش
وأنتي بعد عرفتي إنه المرة المفروض ما تعصى رجّالها
والمرة مالها إلا بيت رجّالها
العنود بحزم غريب عليها: لا مريم.. أنا ماني براجعة لفارس..
والشيء الثاني ما أبي حد يعرف إنه ضربني
ما أبي مشاكل بينه وبين أخواني
*************************
بيت فارس بن سعود
الصالة السفلية
بعد الغداء
فارس يعود من الغداء في المجلس
الوضع كان طبيعيا هناك ويبدو أن عمه وأبناء عمه لم يعرفوا بما حدث
فقط مشعل كان يبدو عليه الضيق الشديد
وعلم فارس أن السبب هو إجهاض لطيفة لذا قرر أن يزورها بعد صلاة المغرب
حين دخل وجد والدته جالسة في الصالة
ألقى السلام ثم انحنى يقبل رأسها
وجلس جوارها
همست أم فارس بهدوء: فارس وين مرتك؟؟
فارس بهدوء: في بيت أهلها
أم فارس بذات النبرة الساكنة: متى راحت لبيت أهلها؟؟
إذا هي البارحة رجعت البيت قدام أرجع أنا
وأنا اليوم من صبح قاعدة وماحد مر علي غيرك وأنت رايح دوامك
فارس يتنهد: أحيانا يمه تسألين أسئلة وأنتي مبين إنش عارفة أجوبتها
أم فارس بحزم: زين خلنا من الأسئلة والأجوبة وندخل في المفيد
متى بترجع العنود؟؟
فارس ينهض وهو يقول بهدوء: ما أدري.. خلها لين تشبع من الزعل ثم بترجع
أم فارس أمسكت بكف فارس وهمست بهدوء: اقعد يأمك
عاود فارس الجلوس رغم أنه لا يريد الجلوس.. فما يشعر به من الضيق أكثر من كافٍ.. أكثر بكثير
همس باحترام: لبيه يمه
أم فارس احتضنت كفه بحنان: يأمك يافارس.. مافيه حد يزعل بدون زعل
ولا يرضى بدون ماحد يرضيه
إذا أنت غلطت على بنت عمك لازم إنك ترضيها
فارس تنهد: يمه تكفين ريحي رأسش من ذا الموضوع.. مشاكلي أنا ومرتي أنا باحلها لا تشغلين بالش جعلني فداش
أم فارس بحزن: أشلون ما أشغل بالي يأمك.. عقب ما الله رزقني بنية ترادني الصوت ومالية البيت علي ..تبي البيت يرجع خالي علي؟؟
اليوم ما اشتهيت لا ريوق ولا غداء عشانها مهيب عندي وعشاني دريت إنه غيبتها مهيب طبيعية
تنهد فارس بألم لم يظهر في صوته وهو يهمس بهدوء ثابت ويقف: يصير خير يمه يصير خير
(ياه يمه.. ياااااه
إذا أنتي فاقدتها.. أنا وش أقول؟؟
من البارحة وأنا حتى النفس أحسه صعب علي
والوسيعة ضايقة علي
وقلبي مهوب في مكانه
راح معها وخلاني
وش يبي فيني وهو ملكها وطوع أمرها؟!!
ياه يا العنود
تدرين إني عصبي وقاسي ومتكبر.. لا تكسريني
سامحيني وارجعي
يهون عليش فارس وأنتي متأكدة إنش الهوا اللي يتنفسه
أهون عليش ياقلبي؟؟ أهون عليش؟!!)
*******************************
بعد المغرب
بيت مشعل بن محمد
مجلس الحريم
نساء عائلة آل مشعل جميعن عند لطيفة بعد معرفتهن بخبر إجهاضها ومعهن بعض جارات لطيفة
وضع لطيفة الصحي مستقر تماما
فالحمل كان شهرا بالكاد وحتى هي لم تكن تعلم بوجوده
ولا تعلم هل كانت فوضى الهرمونات هي من تسببت بجنونها البارحة؟!!أو ماذا؟!!
ولكن ما تعلمه أن وضعها النفسي كان شديد السوء
ليس من أجل الإجهاض فقط فهذه ليست المرة الأولى التي تجهض فيها
فهي أجهضت مرة بين مريم وعبدالله
وليس من أجل أن مشعلا هو من تسبب في الإجهاض
فهي مؤمنة بقضاء الله وقدره.. وتعلم أنه لم يكتب هذا الحمل لها
سواء كان السبب مشعلا أو غيره
ولكن أن يحدث هذا الإجهاض مع صفعة مشعل لها وبسببه كان شيئا فوق احتمالها وجعا وألما
فهي مازالت عاجزة عن استيعاب صفعة مشعل لها
كيف هانت عليه عشرة السنين؟؟!!
كيف يمد يده على أم أطفاله وابنة عمه؟؟!!
كيف يمد يده على... حبيبته؟!!
( أ لستُ حبيبته؟!!
ألم يسكرني بهذه الكلمة طوال الأشهر الماضية
وفي كل مرة أرتعش كأني أسمعها للمرة الأولى
"حبيبتي"
ولكنها الآن ماعاد لها سحر أو أهمية!!
كان يعلم أنه يتسلق روحي ويتغلغل فيها
يتغلغل في عروقي وخلاياي
فلماذا قطع عروقي ونسف خلاياي؟!!)
الجدة هيا تهمس بحنان: مجارة من الشر يأمش
والعوض برأسش ورأس مشعل
أنا يأمش راح علي وسقطت أكثر من اللي جبتهم
سقطت 6 مرات وماعاش علي إلا خمسة
لطيفة تبتسم وهي تربت على فخذ جدتها التي تجلس جوارها:
الحمدلله على كل حال يمه
ماني بجازعة من عطاء ربي وقسمته
عندي 4 الله يخليهم لي ويصلحهم
الجدة هيا باستنكار: ليه تبين تقعدين على ذا الأربعة وأنتي عادش بنية؟؟
لطيفة تتنهد هذا آخر من ينقصها.. الإدعاء والتمثيل مع وضعها الحالي
ابتسمت لجدتها باصطناع: ماحد يعترض على رزق ربي
واللي الله يكتبه خير وبركة
مريم ابتسمت وهي تقول برقة: خلاص يمه خلي لطيفة ترتاح
الدور على عرايسنا الجداد موضي ومشاعل .... والعنود
(قالت العنود بتقصد وتأني)
موضي ومشاعل تبادلتا النظرات بخجل أو ربما بعض وجل
بينما العنود انتفضت بارتباك وبعض غضب (ماذا تقصد مريم بهذا التعريض؟!!)
بينما أم فارس ارتعشت بأمل عميق
فارس أوصاها بعدم التدخل.. وهي لن تتدخل.. ولكنها لا تستطيع منع نفسها من الأمل
ومعالي هتفت بمرح: إيه يمه نبي انتاج جديد.. عيال لطيفة لوعو كبودنا ماعندنا بزران غيرهم وهلكناهم دلع وهم قرود ما يستاهلون
لطيفة تحاول أن تبتسم وتبدو طبيعية: كذا ياعلوي..
ربي رحمش إنش قاعدة بعيد مني وأنا مافيني حيل أقوم لش وإلا كان وريتش أم الغزلان وش بتسوي فيش
رن هاتف أم فارس.. كان فارس هو المتصل كان عند باب الصالة الخارجية الذي يفتح على باحة البيت الداخلية..
كان يريد السلام على لطيفة
أم فارس همست للطيفة: لطيفة فارس عند باب الصالة يبي يسلم عليش
لطيفة التفتت على العنود بأمر رقيق: العنود فديتش دخلي رجّالش المقلط الداخلي.. شوى وأجي له
لطيفة كانت تريد الذهاب للحمام أولا.. تريد التغيير وتغيير ملابسها قبل الخروج لأخيها
العنود انتفضت بعنف.. وشبح ابتسامة يرتسم على وجهي مريم وأم فارس
العنود كانت تفضل أن تُقاد لقبرها ولا تخرج لرؤية فارس
ولكنها لا تستطيع الاعتذار أمام هذا الجمع الكبير من النساء
وخصوصا أنه لا أحد يعلم بخلافها معه بعد إلا مريم
العنود وقفت وهي تتوجه للخارج وهي تتمنى أن يحدث شيئ ما ينقذها من مقابلة فارس.. معجزة ما
وصلت للباب ومازال لم يحدث شيء ينقذها.. فتحت الباب بأنامل مرتعشة
كان يقف وظهره للباب.. بقيت للحظات تتأمل جسده الفارع الطول
عرض كتفيه.. وحتى عضلات ظهره
شعرت بالألم يجتاحها الكثير من الألم وذكرى الأمس تعاود مهاجمتها بوحشية
همست بخفوت حتى تنتهي من هذه المهمة: فارس
فارس انتفض.. هل يحلم؟؟
هل سمع صوتها؟؟
يبدو أنه بدأ بالهلوسة
همست للمرة الثانية بصوتها الساحر الذي يحي عروقه وينفض خلاياه: فارس تفضل ادخل
أدار وجهه لها.. لحظات مرت
والعين بالعين
نظرات عتب وألم وندم واشتياق
كانت العنود من كسرت خيط النظرات وهي تهمس بهدوء: تعال للمقلط الداخلي
كانت العنود ترتعش والمسافة تبدو لها طويلة لا تنتهي وقلبها المثقل بالوجع والحيرة يتمنى انهاء هذه المهمة بسرعة.. فماعاد بها احتمال
وتكاد تنهار باكية وهي تشعر برغبة موجعة في دعك خدها
فارس كان ينظر لظهرها وهي تتقدمه بخطوات قليلة لتقوده للداخل
كان يحفظ بيت مشعل وغرفه.. ولكنه اليوم تائه وبوصلته هو هذا الجسد الندي الذي يعبر أمامه والذي مافتئ يعبر أحلامه
العنود وقفت على باب المقلط وهمست بهدوء دون أن تنظر له: تفضل بتجيك لطيفة بعد شوي
كانت تريد العودة لمجلس النساء ولكنها فوجئت بيد قوية تشدها وباب يغلق عليها وعليه
همست بغضب: فارس وش ذا؟؟ خلني أروح
فارس ثبتها على الباب ليمنعها من التحرك وفي ذات الوقت ليتأكد من إغلاق الباب
كان قريبا منها.. قريبا جدا وهو يثبت كتفيها بيديه
وينظر لها عن قرب وبتمعن
هي كل ما يفتنه ويثيره ويؤلمه بكل تفاصيلها
رائحتها المشبعة بعطرها الرقيق الموجع
أهدابها الطويلة الجارحة كسهام تنغرز في قلبه
استدارة شفتيها ونعومة خديها
حضورها المختلف العامر بالمتناقضات.. الأشبه بإعصار يكتسح قلبه والأشبه بنسمة رقيقة تغلف روحه
استرقت عينه صفحة خدها حيث زلزلت كفه هدوء حياتهما
مازال هناك أثر طفيف لجريمته لا يكاد يُلحظ.. ولكنه لحظه وجرحه وأذاه
وهو يتذكر موقف البارحة المؤلم.. الموقف الذي كان من الممكن أن يتفاداه.. وليته تفاداه!!!
مازال صامتا وعيناه تطوفان بها وكأنه يريد أن يشبع نظرا إليها
وكلما نظر كلما إزداد عطشا
العنود ازداد ارتباكها والكلمات تجف على لسانها وكفاه الساكنتان على كتفيها تلسعانها كجمرتين متوقدتين
لطالما كانت عاجزة عن مقاومة حضوره الذي يبعثرها ويبعثر مشاعرها ويسلبها الإرادة
تكره هذا الإحساس وتكره استسلامها الخانع له الآن.. كانت تعلم أن هذا ما سيحدث.. لذا لم تكن تريد رؤيته
لم تكن تريد أن تسمح له بهزيمتها وهزيمة احترامها لذاتها
وهذا ما يجب أن تفعله
العنود أشاحت بنظرها حتى تبتعد عن أسر نظراته وتستطيع الإجابة:
ماني براجعة
تكاد أن تقسم أنها شعرت بارتعاش لايكاد يُلحظ ليديه الممسكتين لكتفيها
ولكنه أجاب بهدوء: وممكن أعرف السبب
العنود بألم: أظني إنك عارف السبب
فارس تنهد: العنود حن لا حن أول ولا آخر زوجين يصير بينهم مشاكل
هل كل مايصير بيننا شيء بتخلين بيتش وتروحين لهلش؟!!
العنود باستنكار رقيق: فارس لا تبسط السالفة كذا ولا تسخفها وتحاول تبين إني رحت لبيت هلي عشان شيء سخيف
لأنك عارف إنه مهوب شيء بسيط
لو أني على قولتك بأروح لبيت هلي كل ما يصير بيننا شيء
كنت رحت لأهلي من أول يوم في زواجنا.. وكل يوم عقبها ثلاث وإلا أربع مرات
فارس بصدمة: لذا الدرجة شايفة نفسش مستحملة الحياة معي؟!!
العنود بمصارحة أليمة: ليه فارس أنت تجرح ولا حتى تنتبه؟!!
فارس إنت على أبسط الأشياء تقسى علي وتحتد وتعصب
ما أقدر أنكر إنك مغرقني في حبك.. لكنك في نفس الوقت غرقتني في قسوتك
خلاص فارس أنا صرت أخاف منك.. وشي حلو انكسر بيننا
شئ اسمه الإحساس بالإمان في حضنك
فارس بألم عميق: تخافين مني؟؟ مني يا العنود؟؟
أنا لو علي ودي أخبيش في عيوني عن كل شيء ممكن يأذيش
ودي أخبيش داخل قلبي عن كل شيء ممكن يجرحش
العنود بألم مشابه: وإذا كنت أنت اللي بتأذيني وتجرحني.. أشلون تحميني من نفسك؟؟
ارتخت يدا فارس عن كتفيها وابتعد خطوة للخلف وحزن عميق يخترم روحه
تنهد ثم همس: أنتي الحين ارجعي بيتش وعقب يصير خير
العنود بألم جارح ومجروح وهي تبتعد عن الباب للداخل قليلا: آسفة فارس.. أنت حتى لاحظ طريقتك في الكلام
أنت ماحاولت ترضيني أو تسمح خاطري.. أو حتى ذكرت مجرد ذكر إن مدك ليدك علي كان شيء خطأ وماراح يتكرر
كان فارس على وشك الكلام لولا أن الباب فُتح ولطيفة دخلت
لتغادر العنود وعينا فارس تشيعانها بألم
كان سلطان الصغير يعبر الصالة بعد أن توضأ للصلاة ويريد الآن التوجه للمجلس ليذهب مع والده للصلاة
يرن هاتف البيت.. يلتقطه بسرعة بعد أن رأى الرقم في الكاشف وهو يرد بحماس مرحب:
ارحبي يأم سلطان
هيا تضحك: على كيفك سميته سلطان
سلطان بطريقة المغايظة: أصلا أبي يقوله.. يقول بيسمي ولد مشعل سلطان
وأنتي تلايطي وعلى بيض.. ماعندنا نسوان يطولون ألسنتهم
هيا تكاد أن تموت من الضحك وهذا دائما مايحدث لها كلما هاتفت سلطان
الذي لو لم تجده في البيت تتصل على هاتفه:
زين يا سليطين دواك عندي
أشرطة الأكس بوكس اللي شريتها كلها بأروح الحين وأقطها في الزبالة
سلطان بنبرة خنوع مصطنع: جعلني فدا خشم أم سلطان وإلا أم طوني وإلا أم اوباما وإلا أم حسنين
سميه اللي تبغين إن شاء الله هريدي.. المهم أشرطتي ماحد يجيها
هيا تبتسم: ناس ما تجي الا بالعين الحمراء
زين يالموذي وين جدتي؟؟
سلطان (بعيارة): ياكثر ما تهذرين على رأس جدتي.. أنتي كم مرة تدقين في اليوم عليها
تراش في أمريكا منتي في سوق واقف.. كل ساعة فاتحة خط وداقة
هيا تضحك: شيء من حلالك.. جعل عمر مشعل طويل
وأنت تراك اللي هذرتك واجدة خلصني أبي جدتي
سلطان يبتسم: جدتي طاقة لبيت لطيفة.. طالبة اللجوء السياسي من إزعاجش
(لم يخبرها ولا ينوي أن يخبرها بتسقيط لطيفة
فهو تعّلم من أهله أن مشعلا لابد ألا يعلم بأي خبر يضايقه وطبعا أصبحت هيا معه الآن في هذا القرار)
هيا بغيظ: ياالمزعج هذا هو رصيدي خلص.. شوف قول لجدتي إنه إن شاء الله بنرجع شهر 5 يعني حوالي شهرين ونكون عندكم
مشعل قدموا مناقشته.. وأنا حلفت عليه مايقول الخبر لأحد.. كنت أبي أخذ البشارة
بس يالله حلال عليك
سلطان بفرح بدأ بالصراخ: صدق؟؟ صدق بتجون عقب شهرين؟؟
ولكن لا مجيب لأن الخط انقطع
سلطان قرر أن يتوجه للمجلس ويخبر المتواجدين هناك حتى يأخذ البشارة منهم جميعا وبالأخص والده وراكان يعلم أن بشارتهما له ستكون كبيرة
فهذه هي عودة مشعل النهائية بعد الحصول على الدكتوراة.. ولابد أن تكون البشارة توازيها
ثم بعد الصلاة سيذهب لبيت لطيفة ينتظره هناك خمس بشارات أمه وجدته وشقيقاته الثلاث
***************************
بما أن الوقت كان مساء في الدوحة
فالوقت كان الصباح المبكر في واشنطن
إنه اليوم التالي لمعركة يوسف وباكينام
باكينام قضت البارحة ليلة سيئة
حينا تبكي.. وحينا تفكر
تشعر أن حياتها مشوشة تماما وهي تعقد تحالفا مع المجهول
كانت تريد الذهاب للجامعة فلديها محاضرات اليوم
ولكنها لا تستطيع الذهاب مع هذا الأثر الواضح على وجهها
اتصلت بهيا وكانت هيا وقتها أنهت اتصالها مع سلطان وتتجهز تريد الذهاب للجامعة
هيا بترحيب: هلا بالهاربة.. وينش؟؟ البارحة كلها أتصل لش ما تردين
باكينام بنبرة غامضة: ممكن تمري عليا ئبل الجامعة
وجيبي لي معاكي كريم قوي للكدمات
هيا بقلق: ليه سلامات؟؟
باكينام بذات النبرة الغامضة: لما تيجي هتعرفي؟؟
باكينام أعدت عتابا كبيرا لهيا وتريدها أن تحضر حتى تصدمها به
وهي من ناحية أخرى تحتاج فعلا لكريم الكدمات
مشعل يدخل على هيا التي أنهت لباسها قادما من غرفته بعد أنهى لباسه
وهاهو ينهي اللمسة الأخيرة بعقد حزامه الجلدي على خصره
ويهمس لها بحنان: يا الله حبيبتي أوديش عشان أروح المكتبة
هيا برجاء: ماعليه يا قلبي نمر الصيدلية ثم أنزل عند باكينام شوي؟؟؟
وعقب بأروح للجامعة مشي أنت عارف بيت باكينام قريب واجد من الجامعة
مشعل بهدوء: ماشي يا قلبي
بس ماني بمخليش تروحين مشي.. باقعد عند يوسف لين تخلصين وعقب أروح أنا وياش
***************************
بعد صلاة العشاء
باحة بيت مشعل بن محمد
كانت سيارة ناصر تتوقف في البارحة
قادما لاصطحاب مشاعل ليتعشيا خارجا
مع خروجها كان سلطان يصل ويتوقف عند السيارة ليسلم على مشاعل
مشاعل تحتضنه بحنان وتبدأ بسؤاله باهتمام عن دراسته وعن أحواله
سلطان يبتسم: توش سألتيني أمس في التلفون
مشاعل بحنان: بس فيس تو فيس تختلف
سلطان بمودة: فديت الفيس ياناس
واسمعيني تراني أبي بشارتي
مشاعل بفضول رقيق: عيوني لك..وش البشارة؟؟
سلطان بسعادة: مشعل وهله جايين عقب شهرين مهوب أربع شهور
ناصر يطل من سيارته ويهمس بمرح: مطولين يا جماعة؟؟.. تأخرنا
ثم أردف بجدية وأريحية: سلطان أمش أراحك معنا..
سلطان همس لأخته بخفوت: يا شين التميلاح.. ما يبي إلا الفكة مني
ثم ألتفت لناصر وهتف باحترام: تسلم يابو محمد.. توكلو على الله
قالها وهو يتأخر ويفتح الباب لشقيقته.. حتى ركبت ثم أغلق الباب
ثم توجه للداخل
ما أن تحركت السيارة حتى تناول ناصر يد مشاعل واحتضنها ثم همس بمرح:
ما أدري ليه أحس سليطين ما يهضمني
مشاعل تضحك بعذوبة: لأنه فعلا ما يهضمك
ناصر باستغراب مرح: ليه يعني؟؟
مشاعل برقة: يغار منك.. فأنت لا تزودها عليه
ناصر يضحك: يغار مني ليه.. بيني وبينه فرق 16 سنة مهوب شوي
قد إبيه يعني
مشاعل بعذوبة: سلطان متعلق فيني واجد.. وقبل أنا اللي مسؤولة عن كل شيء يخصه
وبعدين جيت أنت وخذيتني منه.. فلازم إنه يغار منك
ناصر بنبرة مقصودة وهو يشدد احتضانه لكفها: والله المفروض إنا اللي أغار منه
جاه في ذا الوقفة النتفة من الأحضان والبوسات اللي واحد مسكين محروم مثلي ما يحلم فيها
مشاعل شدت يدها بخجل: بس ناصر لا تحرجني
ناصر ضحك: فديت المستحيين ياناس.. خفي علي يا قلبي
تراني ما استحمل
***********************
بيت مشعل بن محمد
بعد العشاء الذي جمع من بقي من نساء آل مشعل
يرن هاتف موضي
تنظر موضي للشاشة ثم تخرج بهاتفها لناحية المغاسل
ترد باحترام رقيق: هلا راكان
راكان بهدوء فخم: هلا والله باللي طول اليوم مخليتني
موضي بخجل وهي تعتقد في قرارة نفسها أنه يجاملها: وأبي أترخصك أبيت عند لطيفة
راكان شعر بضيق حقيقي لكنه ابتسم وهمس: زين كلها كم يوم وأروح سنغافورة وباتي عندهم على كيفش
راكان بصدق شفاف: إذا اليوم عشاني ماشفتش حاس مثل طفل مضيع أمه
أشلون بقدر أنام وأنتي منتي بعندي
بس خلاص ولا يهمش
مثلش مايرد.. ومثل أم محمد تمون
وأنا بصراحة بأنام في المجلس.. ما أقدر أرجع للبيت وانتي منتي بفيه
شعرت موضي بألم شفاف.. دائما يخجلها برجولته المغلفة بحنانه المختلف
ولكن يبقى دائما إحساسها إنه يجاملها يتجذر كجرح مؤلم في قلبها
أم مشعل قاطعت الحديث بحنانها المعتاد: لا يأمش مالش حتى أسبوعين من عرستي
تبين تخلين راكان
أنا اللي بأنام عند لطيفة.. أصلا قلبي مهوب مرتاح دامني ماأنا بعندها
لطيفة وجهت الخطاب لأمها بحنان مغلف بالاحترام: لا يمه فديتش
أبي وجدتي وسلطان وريم كلهم ماعندهم غيرش
وأنا أصلا ماني بمحتاجة حد جعل يومي قبل يومش
خداماتي عندي مالهم حاجة..بأبيت في غرفة الضيوف اللي تحت.. وبأخلي نور تبات معي لين أشد حيلي
أم مشعل بمناشدة: زين امشي عندي لبيتي
لطيفة برفض: لا يمه ما أقدر عيالي عندهم مدارس.. وما أبي أشتتهم
وخصوصا انه حن على أبواب امتحانات نص الفصل
لو كان الأمر بيد لطيفة ورغباتها لرغبت بترك البيت لمشعل
فهي عاجزة عن مجرد النظر إليه
ولكن أبنائها يكسرون ظهرها
ماعادوا صغارا.. وأصبحت لهم خصوصياتهم في غرفهم
والأسوأ أنهم باتوا يلاحظون كل شيء
ليست مستعدة للتضحية براحتهم لمجرد عقاب مشعل
فهي لا تشعر حتى برغبة لمعاقبته .. تشعر أنها تقف على الحياد
على الــــحـــــيـــــــاد
الــــحـــــيـــــــاد تماما!!!!
************************
بعد صلاة العشاء
بيت سعد بن فيصل
سعد يدخل للبيت عائدا من المسجد مع ابناءه فيصل وفهد اللذين صعدا للأعلى لينهيا حل دروسهما للغد
سعد ينادي أبا صبري الذي عاد قبلهما بدقيقة من المسجد
- جاي ياواد ياسعد
- اسمعنى بو صبري تراني خلصت كل أوراق أم صبري.. أبيها تجي في أسرع وقت.. زواجي عقب أسبوعين ونص
- إن شاء الله
- الشيء الثاني.. بكرة بيجون عمال بيسوون شوي تجديدات في غرفتي وغرف العيال بعد
- ماعلش يابني على دي الكلمة.. بس الست حرمكم هتشوف التجديدات يعني.. مالوش داعي ئلبة الدماغ دي
سعد بغضب: أبو صبري لا تزعلني منك
أبو صبري بلهجة أبوية: عارف إنك مش هتزعل مني
أنا راجل كبير وبأخطرف أحيانا.. خدني على ئد عئلي
راجل زيك.. شب وزينة الشباب.. صحة وفلوس ومركز يتجوز وحدة ما بتشوفش ليه؟؟
أنا ماسألتش ئبل كده لأني كنت فاكرك بتهزر.. بس دلوئتي اتأكدت
سعد بعتب: أنت غالي يابو صبري.. بس ما اسمح لك تقلل من مرتي
وتسمع يابو صبري قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الأرواح جنود مجندة.. فماتعارف منها ائتلف وماتناكر منها اختلف)
هذا أنا ومريم.. روحها جذبت روحي.. ومافكرت في أي شيء ثاني
ثم أكمل في نفسه: وأتمنى ما أندم في يوم
******************************
واشنطن
بيت يوسف
مشعل اتصل في يوسف ويوسف أخبره أنه ليس في البيت ولكن في مكتبة الجامعة
فمشعل أخبر هيا أن تنهي زيارتها بسرعة وهو سيعود عليها بعد نصف ساعة فقط
هيا طرقت الباب
فتحت لها ماريا وأدخلتها إلى مكتب يوسف كما أخبرتها باكينام
حين دخلت باكينام للمكتب
فُجعت هيا بمنظر الكدمة التي تحولت للون بنفسجي
لم تستطع باكينام أن تعاتبها وهي ترى نظرة الرعب في عينيها
ابتسمت وهمست بألم: مش ئلت لك ماتئوليش ليوسف
أدي النتيجة
هيا بفجيعة: جعل يده الكسر قولي آمين
باكينام همست بجزع عفوي: ما تدعيش عليه
هيا تقترب وهي تلمس خد باكينام بألم: وماتبيني أدعي عليه بعد
يعني وش يبي بعد
خيانة ودرا إنش ما خنتيه.. يقوم يكافئش كذا الجاحد
هيا بصدمة: وأنتي الطلاق علكة في ثمش.. يعني إذا تطلقتي بتكونين مبسوطة؟؟
باكينام بحزم حزين: أئله هاكون راضية عن نفسي ومحافظة على كرامتي
ازاي أعيش مع راجل وراني كل ألوان الإهانة
غصبني عليه وسلبني حئي في اختيار شريك حياتي
شك فيا وهزئني بكلام جارح
اتسلى بيا وهاني في أخص حاجة بين جوزين
وختمها بالضرب
**************************
الليل المتأخر في الدوحة
ليل وجع للبعض
وليل سعادة لآخرين
الليلة الثانية التي يقضيها فارس وحيدا
تبدو له كما لو كانت السنة الثانية
يلمس يديه بحنان
مازال يشعر بنعومة ملمس جلدها تحت قميصها الحريري الذي كان ينزلق تحت أصابعه وهو يثبت كتفيها الليلة في بيت مشعل
لِـم لم يشدها بالقوة ويأخذها لبيتها؟!!
لِـمَ يعطيها فرصة التفكير لهجره؟!!
لِـم يمنحها فرصة التنفس بعيدا عنه؟!!
هو عاجز عن التنفس بعيدا عن نسيمها وأعاصيرها
فحتى متى سيصبر؟؟ حتى متى؟؟
يريد إنهاء هذه المشكلة بأسرع شكل
ولكنه حتى الآن لا يعلم ماذا قالت لأهلها
إن لم تخبرهم عن الضرب فحل المشكلة سيكون سهلا
ولكن إن أخبرتهم عن الضرب سيطول حل المشكلة
يعلم أنها ستحل وأن عمه في النهاية سيجعلها تعود ولكنه لابد ان يأدبه على ضربه لها
وهو ماعاد به جلد احتمال على غيابها
وليس به طاقة للاعتذار.. فهو يفضل أن يموت ولا أن يقف كتلميذ مذنب أمام أعمامه وابناء عمه
فكيف يوفق بين رغباته الموجعة ووسائل التنفيذ المؤلمة؟؟!!
الطرف الآخر
العنود
هاهي تنام في حضن مريم وتبكي
بكت مطولا
وهي تتذكر موقف البارحة وموقف اليوم
يا الله كم تحبه!!
اليوم بالذات علمت أنه تغلغل في روحها أكثر مما كانت تعلم.. أكثر بكثير
ارتعشت بين يديه كعصفور مبلل
وكادت أن تضرب بكرامتها عرض الحائط وترتمي بين ذراعيه
ووجوده قربها يشتت تفكيرها ويضعفها ويضعف مقاومتها
يجب أن تحرص على ألا تراه مرة أخرى
فالمرة القادمة التي ستراه فيها ستنهار لا محالة
وهي لا تريد أن تنهار
ويجب ألا تنسى شيئين أساسيين
أنها أصبحت تخاف منه فعلا
والشيء الآخر أنه لم يعترف مطلقا بخطئه في حقها
ومادام لم يعترف بخطئه فهو سيكرره
مريم تمسح شعر العنود المتمددة في حضنها وتهمس بحنان مصفى: بس ياقلبي
خلاص.. هلكتي روحش بكا.. وشو له تبكين الحين
العنود بين شهقاتها: أحبه وأبيه
مريم تبتسم: ارجعي له.. ليه تسوينها قضية
العنود بحزن لاسع: ما أقدر.. صرت أخاف منه.. وهو نهائي مايشوف نفسه غلط علي
مريم برزانة رقيقة: صدقيني إنه عارف إنه غلطان بس يكابر شوي
العنود بيأس: تعبت مريم ما أقدر أعيش حياتي بين قسوته وغيرته وتكبره
مافيني أتحمل حتى لو أنا أحبه
خليني أطلع من ذا الزواج بأقل الخساير
أقلها مابيننا أطفال.. لو كنت حملت.. كان مستحيل أقدر أخليه
ويمكن هذي إشارة من ربي إني أخليه قبل ما يربطون بيننا الأطفال للأبد
***************************
بيت جابر بن حمد
الساعة 11 مساء
الصالة السفلية
الفتيات مازلن ساهرات
ونورة تصرخ بهن: أنتو بتقومون تنخمدون وإلا والله لأجيب عقال أبيكم وأكوفنكم فيه شوي
نورة بغضب: نعنبو دار عدوكم.. رحت لحجرتي أول ماجينا من بيت لطيفة
وقلت لكم كل وحدة لغرفتها.. عندكم مدارس
أجي ألاقيكم قاعدين ساهرين
عالية بخجل: وش سهرته يمه؟؟ تو الناس
نورة بغيظ: عالية ووجع.. مدارس مدارس ما تفتهمون.. قدامي فوق يالله
كن الفتيات على وشك الركض لفوق هربا من تهديدات والدتهن التي يعلمن أنها لا تقصدها بحذافيرها
رن هاتف المنزل.. علياء كانت الأقرب نظرت للرقم ثم صرخت بوالدتها: يمه مصر.. مصر
نورة كادت تتعثر وهي تركض باتجاه الهاتف بشوقها ووجعها:
هلا والله
صوته الهادئ العميق والمحمل باشتياق عميق: هلا والله بش.. ومن جدي
نورة بوجع: قدام أي شيء.. متى بتأتي؟؟
حمد بابتسامة عميقة: بأجي الأسبوع ذا اللي بياتي
خلصت دورتي
بس أبي أتشرى لش وللبنات وبأجي
نورة بلهفة مؤلمة: مانبي شيء.. تكفى.. بس تعال
حمد بمودة راسخة: مايصير يالغالية تبين بناتش يأكلون وجهي
خلاص فديتش والله العظيم.. الأسبوع الجاي بأشوف حجز وجايكم خلاص
***************************
قسم راكان
وقت متأخر من الليل
موضي عادت منذ بعض الوقت
ولكنها تعلم أن راكان سيبات في المجلس
تشعر بضيق غريب لغيابه.. وشعور أشبه باشتياق موجع
ولكنها تخجل أن تتصل وتخبره أنها عادت
ماذا سيقول؟؟ تتعمد إزعاجه.. وقد يكون نام أصلا
ولكنها في ذات الوقت لا تشعر بأي رغبة للنوم
لذا قررت أن تقلب البيت وتقوم بتنظيفه
وتتلهى عن غياب راكان وفي ذات الوقت تستغل غيابه في التنظيف مادام لن يحضر الليلة
ارتدت بيجامة من القطن.. خليط أنيق من اللونين الأحمر والأسود ببنطلون قصير و(بروتيل) (توب) بحمالتين بعد أن أغلقت باب البيت وسحبت المفتاح
حتى لو أراد راكان المجي صباحا لتغيير ملابسه يفتح بمفتاحه
ولولا أنها كانت تعلم يقينا أن راكان لن يأتي الآن
أو كان من المستحيل أن تلبس مثل هذا اللبس الذي يكشف عن إصابة كتفها كاملة
فهي رغم تبسطها في اللبس أمام راكان نوعا ما.. ولكنها أقصى ما لبست بلوزة بدون أكمام
وكانت حريصة تماما ألا تكشف أي جزء من نحرها أو كتفها
كانت تعتقد أن راكان لم يلاحظ ولكنه كان قد لاحظ..
لاحظ تماما أنها تتجنب أن يرى إصابة كتفها
كانت موضي مستغرقة تماما في التنظيف وشعرها مرفوع بفوضى للأعلى
لم تنتبه مطلقا أن هناك عينين تلتهمان مفاتنها بوجع منذ بعض الوقت
كان يقف مبهورا تماما
بل الانبهار وصف أقل بكثير من حالة الذهول اللذيذ التي صابته
(كيف من لمن كان لها كل هذا الحسن أن تخجل به؟؟ وترى في ذاتها نقصا؟
أين هذا النقص؟؟
هل هناك مخلوقة مكتملة كهذه؟؟
وموجعة كهذه؟؟
وفاتنة كهذه؟!!)
راكان يشعر بضيق ما من نفسه
فهو يرى أنها تحرك فيه الرجل بكل الوجع والعنفوان
ولكن أين العاشق؟؟
ولكن أ حقا لم يتحرك العاشق النائم في أبراجه العاجية؟!!
إن كانت لم تحرك فيه إلا الرجل.. مجرد رجل!!.. فلماذا لم يتحرك هذا الرجل أمام مئات النساء بل الآلاف اللاتي عبرن أمام عينيه؟!!
لِـمَ هي فقط من تحركه وتثيره وتذيبه؟!!
راكان شعر بالحرج وهو يتأملها.. شعر كمن يسرق شيئا هو له
لا يعلم كيف يستوي هذا الشعور
ولكن هذا هو ما شعر به
هي حق له.. ولكنه يعلم أنها لا ترضى أن يراها بهذه الصورة
فكأنه يسترق شيئا هو له!!
تنحنح راكان.. وأخيرا
موضي فُجعت وهي تسمع صوت نحنحته الفخمة
كانت تنحني على الرخام تدعكه
ألقت بالاسفنجة من يدها وهي تجذب طرف (التوب) الأمامي لتغطي به صدرها وكتفها المصابة
ولكنها كانت محاولة فاشلة وموجعة لأنها كشفت أكثر ما سترت
لذا قفزت وهي تعود أدراجها للغرفة
كان بود راكان أن يوقفها.. أن يرى إصابتها عن قرب
فمازال حتى الآن لم يستطع رؤيتها بوضوح
يشعر أنه هذه الإصابة تقف بينهما كوحش خبيث مرعب
ولكنه لم يتقدم ولم يوقفها.. خشي أن تعتقد أنه يحاول إعادة ماحدث في دبي
لذا تركها تعود للغرفة
وهو بقي جالسا في الصالة
موضي أغلقت على نفسها باب الغرفة
وبكت بكاء موجعا.. لم يكن عويلا ولا نشيجا
لكنه بكاء روح.. ويا لا قسوة بكاء الروح!!
كان بكاء موغلا في الشفافية والوجع
لأنها اكتشفت أنها كلما حاولت خداع نفسها والتناسي
صفعتها ألامها المتجذرة بصفعة جديدة وكأنها تستكثر عليها هذا الأمان والسعادة بجوار راكان
ستبقى تشعر بالنقص جواره.. ليس تشويه الجسد فقط
ولكنه تشويه أقسى للروح
لم تعلم كم مضى عليها وهي تبكي
حتى سمعت طرقات راكان على الباب وصوته الحازم يصلها: موضي بطلي الباب
همست بصوت حاولت جعله طبيعيا: الحين راكان.. دقيقة بس
استبدلت ملابسها على عجل
وهي تغسل وجهها بماء بارد في محاولة لإخفاء أثار البكاء
ثم فتحت الباب وهي تحاول ألا تنظر ناحيته وتبتسم باصطناع:
آسفة.. طولت عليك
راكان همس بحزم: تعالي موضي أنا انتظرش في الصالة
راكان حين أطالت عليه الغياب علم يقينا أنها تبكي.. ولم يحتمل مطلقا أن تبقى تعاني وحدها.. ولم يحتمل فكرة أنها تبكي
آلمته الفكرة لأبعد حد.. أبعد أبعد حد
يريدها سعيدة كما جعلته سعيدا.. حتى لوكانت سعادته مبتورة وغامضة
فهو الآن سعيد كما لم يكن طوال حياته
قربها بعث فيه روح جديدة مرفرفة.. فلماذا يعود هذا الأثر اللعين ليطل برأسه عليهما ليفسد هشاشة سعادتهما؟!!
موضي تقدمت بخطوات متوترة وجلست قريبا منه
همس بحزم: لا .. جنبي
نهضت بتوتر أكبر وهي تجلس بجواره
همس بحزم حنون: ممكن أعرف ليش البكاء؟؟
موضي تحاول أن تبتسم: من قال لك بكيت؟؟ وليش أبكي أساسا؟؟
راكان مد يده إلى وجهها ليرفعه برقة وهو ينظر لخديها المحمرين كخدي طفلة لفحتها حرارة الصيف وعينيها المحمرتين بوجع
همس بألم مثقل بالرجولة: كل هذا وما بكيتي؟!!
حرام عليش موضي تسوين كذا في نفسش
موضي بشجن: تكفى راكان لا تشغل بالك فيني
راكان بعبق رجولته الخاص: إذا ماشغلت بالي فيش.. من اللي يستحق يشغل بالي؟؟
موضي بحزن: حد يستحق يشغل بالك
ثم أردفت بحزن أشد: راكان أنا ما خدعتك.. قلت لك إن تجربة زواجي الأولى خلتني بقايا امرأة.. ماعاد فيني ثقة في نفسي
راكان باستنكار حقيقي: أنتي بقايا مرة.. موضي أنتي ما تشوفين روحش في المراية
أنتي أكثر من مرة بكثير.. وفيش من الأنوثة والجاذبية والجمال اللي لو قسموه على كل نسوان العالم كفاهم وزاد
موضي بألم: راكان بس تنفخ فيني على الفاضي
راكان بحزم صارم: أنتي وعدتيني تحاولين تنسين كل اللي سواه اللي ما ينذكر
موضي بحزن: هذا أنا أحاول
راكان بذات النبرة الحازمة: والله ماشفتش تحاولين
شايفش مستسلمة لسلبيتش
موضي صمتت.. وراكان بدأ يحس بالغضب لذا تنهد ووقف ليذهب للحمام ليستحم لأنه كان قادما أساسا ليستحم
وهاهو يحتاج للاستحمام فعلا ليبرد أعصابه الثائرة على موضي ومن أجلها
*************************
بيت مشعل بن محمد
غرفة الضيوف في الطابق السفلي التي أعدتها موضي قبل مغادرتها لاستخدام لطيفة
وأحضرت بعض أغراض لطيفة وملابسها من غرفتها.. ورتبتها في الغرفة والحمام
وموضي لم تغادر البيت حتى تأكدت من نوم أبناء شقيقتها في غرفهم
ألمها كثيرا إحساس محمد ومريم المبكر بالقلق
فالاثنان بالذات لم يكونا يريدان مغادرة والدتهما
وهما لا يفتأن يسألانها: يمه أنتي بخير؟؟ أنتي طيبة؟؟ (طيبة= بخير وليست الطيبة المقابلة للشر)
ولا تعلم موضي لِـمَ بدت لها لطيفة مثقلة بالوجع وهي تحتضنهما وتهمس: دامكم طيبين أنا طيبة
والأطفال الأربعة لم يغادروا لطيفة إلا بعد محايلة طويلة من موضي ومعها العنود لأخذهم لغرفهم لتذهب موضي مع البنات والعنود مع الأولاد
بدت المهمة للاثنتان متعبة نوعا ما.. واستغربتا
كيف تستطيع لطيفة أن تحكم سيطرتها على الأربعة في وقت واحد وفي غرفتين مختلفتين؟؟!!
وهاهي لطيفة تتمدد على السرير وتستعد للنوم ولإرخاء جسدها المنهك
وكانت الخادمة التي ستبيت معها تفرش فراشها على الأرض لتنام بقرب لطيفة
لولا أن مشعلا طرق الباب ودخل عليهما
فطوت الخادمة الفراش وخرجت حتى تعود لاحقا حين يخرج سيدها
مشعل اقترب.. ولطيفة اعتدلت جالسة حين رأته دخل
همس مشعل: لا والله ما تقومين خلش مرتاحة
مشعل يشعر بقلق عميق وتوجس متوحش
فمنذ البارحة وهو مع لطيفة في المستشفى وحتى اليوم صباحا
وهي مطلقا لم تعاتبه على ضربه لها الذي أدى إلى فقدانها جنينها
مطلقا لم تذكر الموضوع حتى
كان يتمنى أن تصرخ به تعاتبه.. حتى يتصارحان ويتصافيان.. ولكن هذا لم يحدث
وهذا الشيء بعث توترا موجعا في روحه
همس وهو يجلس جوارها وهي تتمدد نصف تمدد: أشلونش اليوم؟؟
همست بنبرة باردة.. مشبعة ببرودة طبيعية: الحمدلله على كل حال.. ودوام الحال من المحال
همس لها بحنان: مرتاحة؟؟ تبين أجيب لش شي؟؟
ذات النبرة الباردة وهي لا تنظر له مطلقا: سلامتك
همس مشعل بمصارحة أليمة: أدري صعب تسامحيني.. بس حاولي يا قلبي حاولي
لو مهوب عشاني.. عشان عيالنا
لطيفة بنبرة مشبعة بجليد متوحش: مازعلت عشان أرضى.. ولافيه شيء أسامحك عليه
تنهد مشعل بعمق وجرح ما.. جرح جديد يتعمق في قلبه
يستحيل أن تكون هذه لطيفة.. يستحيل
لطيفة شعلة متدفقة من دفء وحنان
هذه ليست أكثر من شبح جليدي
ولكنه يحاول وسيحاول
مد يده يمسح بها على ذراعها العاري الساكن جوارها
لم تكف ذراعها أو تجذبها.. ولكنه شعر كما لو كان يلمس جثة هامدة
برودة لاسعة أرعبته.. ويدها ساكنة تحت كفه بلا ارتعاش بلا اضطراب
حتى في أيام غضبها الأول منه.. وهي تدعي البرود ببراعة هائلة
كان ما أن يقترب منها حتى تبدأ بالارتعاش غصبا عنها
صدّق تمثليتها لفترة.. لكنه اكتشف ثغراتها بعد عدة أيام
وهاهو الآن يحاول إيجاد ثغرة دفء ينفذ منها لروحها
ليعاود العزف على مشاعرها كما اعتاد وبرع
ولكن.. لا ثغرة..
لا ثــــغــــرة!!
لا ثــــــغـــــــــرة!!