أسى الهجران #انفاس قطر #

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
.
.

أسى الهجران/ الجزء الثالث والثلاثون


بيت مشعل بن محمد
الساعة 6 وثلث صباحا

مشاعل وصلت
و دخلت من ناحية باب المطبخ الداخلي لأنه الأقرب للباب النافذ بين بيتهم وبيت لطيفة
وقتها كان ناصر يصل مع باب الصالة الرئيسي
ويتوجه للمطبخ الداخلي ليضغط جرس مناداة الخادمات من غرفتهن بجوار المطبخ الخارجي

تلاقيا
كان ناصر يدخل المطبخ
في الوقت الذي كانت مشاعل ترفع الجلال عن وجهها وشعرها
صُدمت صدمة حياتها برؤيته أمامها
وشعرت بارتعاشة خجل وخوف حادة تجتاحها
كانت تريد العودة وراءها
ولكنه لم يمهلها لتنفيذ مخططها
كان أسرع منها وهو يمسك ذراعها بقوة وحنان.. ويثبتها في مكانه

لم يكن ناصر يقصد سوءا مطلقا
حين رآها أمامه
شعر أن هذا اليوم فعلا هو يوم رضى والدته عليه وبركة دعائها له
أراد فقط أن يراها عن قرب
فهو شعر بارتعاشة ناعمة ومختلفة في ذات وقت رفعها للجلال عن وجهها
ورؤيته لشعرها القصير الناعم ينزل ليداعب عنقها بعذوبة مصفاة
فأراد أن يرى كيف هي ملامح هذا الملاك من قريب!!


ولكن ما فجعه هو نظرة الرعب التي ارتسمت على وجه ملاكه
لم يكن خوفا!!
لم يكن خجلا!!
كان رعبا صِرْفا!!

أفلتها وهو يقول لها بحرج: أنا آسف.. والله ماقصدت أضرش بشيء.. آسف

لم ترد عليه وهي تعود أدراجها راكضة

شعر ناصر بالألم.. بالكثير من الألم
يعلم أنه أخطأ في تصرفه..
ولكن ردة فعلها بدت له غير طبيعية أبداً

لم يعرف كيف يتصرف.. كيف يبرر
لم يجد أمامه غير سيدة المهمات الصعبة
أخته مريم

اتصل بها وأخبرها بكل شيء
مريم عاتبته مطولا
ناصر بضيق: والله العظيم إني داري إني غلطان
بس والله العظيم ماكان قصدي أضايقها
كنت أبي أشوفها بس..

مريم بضيق: مشاعل خجولة بزيادة.. بس خلاص لا تحاتي
أنا بأتصرف..

ناصر أغلق منها وصعد ليرى أبناء شقيقه ويأخذ جود..

ومريم أغلقت منه واتصلت فورا بمشاعل التي كانت وقتها في غرفتها
لم تكن تبكي
كانت مذهولة
مرعوبة
مصدومة


رن هاتفها.. كانت مريم
ردت عليها بجملة واحدة فقط:

خليه يطلقني.. ما أبيه..


********************


الساعة 8 صباحا

حمد ووالده يقفان أمام المحكمة الشرعية
حمد جسده مغطى بالضمادات
عانى والده في إقناع الطبيب حتى لا يتصل بالشرطة
وسكت في النهاية على مضض احتراما لسن أبي حمد ورجاءاته

حمد طوال الطريق يحاول إقناع والده بالتراجع عن فكرة الطلاق
ولكن أبا حمد كان مصرا
لأنه يعلم أنه لا أمل أن يوافق أحد على عودة موضي له
إن كان هو بنفسه لا يوافق على عودة ابنة شقيقته لإبنه.. فكيف بأهلها؟؟

يقفان أمام القاضي
بعد أن طلب أبو حمد من أحد الموظفين أن يأتي ليشهد معه على الطلاق
القاضي حاول أن يثني حمد عن فكرة الطلاق
وكان يريد تحويل قضيتهم لمركز الاستشارات العائلية على أمل الإصلاح كالعادة
ولكن أبا حمد همس في أذن القاضي بعدة عبارات جعلته ينظر لحمد شزرا بغضب

وبدأ بكتابة العقد..
أبو حمد بثقة وقوة قال للقاضي: طلاق بائن يا شيخ ثلاث طلقات محرمات

حمد فُجع.. كيف قرأ والده أفكاره..
فهو كان يفكر أن يطلقها طلقة واحدة ليسكتهم.. ثم يعيدها قبل نهاية فترة العدة
وستكون حينها قد شُفيت وأهلها خف غضبهم..

حمد همس لوالده بألم عميق: تكفى يبه تكفى طالبك.. طلقة وحدة..
عطني فرصة
والله بأعالج وأتغير..

أبو حمد همس له بغضب: أوص ولا كلمة..
تطلقها وأنت كلب ثلاث طلقات ذا الساعة..
والله ماعاد تعرفها ..دامك ما عرفت قيمة الجوهرة عندك
خلاص ما تستاهلها..


********************


ليل واشنطن
الليلة الأولى التي تقضيها هيا في بيت مشعل
الساعة 10 مساء


بعد غدائهما الصامت مع بعضهما
الذي تبادلا فيه النظرات فقط
نظرات دون كلام
نظرات لا معنى لها
ولها كل المعاني

رتبت هيا المطبخ وعادت لغرفتها
ترتب أغراضها فيها
ومشعل لم يخرج من غرفته حتى صلاة المغرب سمعت بابه يفتح
ولم يعد إلا بعد صلاة العشاء حوالي الساعة 9 وربع

الآن تقرر هيا الخروج من غرفتها
تريد أن ترى إن كان يريد عشاءً رغم أن هيا ذاتها غير متحمسة
للقيام بدور الزوجة المتفانية في خدمة زوجها
فهذا الدور لا يليق بها
وخصوصا مع مشعل بالذات
ولكن هيا يحضرها شيء واحد
أن مشعل كان الشيء الوحيد الذي وصتها به والدتها وهي تموت

وجدته في الصالة
يشاهد أخبار الجزيرة
الساعة في الدوحة الآن الثامنة صباحا
عشر ساعات تفصل بينهما

(وليتك تعلم يا مشعل أين إحدى أميراتك الأثيرات الآن
وكيف ظُلمت أختك وضُربت وأنت لا تعلم؟!
أنت الذي أردت أن تحميهن من هبوب النسيم
فإذا ضلوعهن تسحق
ليتك تعلم أن الثلاث كلهن يعانين هذه اللحظة
لطيفة
وموضي
ومشاعل
قلوبهن مجروحة .. مجروحة حتى النخاع
رحمك الله بالبعد يا مشعل!!)

هيا اقتربت منه بهدوء: مشعل تبي عشاء؟؟

مشعل نظر لها بتمعن (أشلون صغيرة ورقيقة.. لكن ليش لمت شعرها؟؟)
أجابها بهدوء: لا.. أنا وسعيد مرينا كوفي عقب صلاة العشاء وتقهوينا
ماني بمشتهي..

هيا هزت كتفيها وتوجهت عائدة لغرفتها
استوقفها مشعل: هيا

هيا التفتت عليه: نعم

مشعل بهدوء: اقعدي معي شوي..

هيا عادت وجلست بعيدا عنه، مشعل ابتسم: أنتي خايفة مني؟؟

هيا بحرج: لا.. ليش تقول كذا..

مشعل بنفس الابتسامة: شوفي وين قعدتي..

هيا قامت وجلست في كرسي أقرب..

مشعل بهدوء: سولفي لي عن دراستج بريطانيا..أي جامعة دخلتي؟؟ أنا أعرف بريطانيا عدل ولو أني ممنوع الحين من دخولها..

مشعل كان يريد فتح حوار معها.. وحاول أن يختار موضوع البدء بذكاء
لم يرد أي موضوع قد يفتح أيا من جروحها
وموضوع دراستها في بريطانيا قد يكون موضوعا مناسبا..
ولديه من الحكايات حولها الكثير..


******************


ناصر في مقر عمله في وكالة الأنباء القطرية..(العلاقات العامة)

كان في غاية التوتر من بعد موقفه مع مشاعل صباحا
وخصوصا أنه علم أن مريم توجهت لبيت عمها قبل ذهابها لعملها
لم يتوقع أن الموقف سيكون له كل هذه التبعات
نادم على تصرفه الأهوج
ولكن نيته كانت صافية
لم يرد مطلقا أن يؤذيها
أراد رؤيتها فقط

يتصل بمريم ولكن مريم لا ترد

بالتأكيد ناصر ليس عاشقا مثل فارس مثلا
ولكنه يحمل مشاعر رقيقة لمشاعل
مشاعر طبيعية بما أنها زوجته التي ارتبط اسمها باسمه
مشاعر شاب طبيعي يميل نحو نصفه الآخر ويتمنى قربه

أعاد الإتصال بمريم
وأخيرا ردت

ناصر بلهفة: مريم الله يهداش وهذا وأنا موصيش

مريم ابتسمت رغم أن داخلها غير مطمئن: خلاص يا ابن الحلال
حط في بطنك بطيخة وكبر مخدتك

ناصر ابتسم: يعني خلاص أتطمن إنها مهيب زعلانة

ابتسمت مريم رغم قلقها: إن شاء الله

وهي تستعيد ماحدث بينها وبين مشاعل قبل أكثر من ساعتين
الأمر الذي أثار قلقها على حياة ناصر ومشاعل معا..



**********************


غرفة موضي الساعة 11 صباحا

مشعل مر بهم صباحا ليرى إن كانت لطيفة تريد شيئا
وأحضر لهم بعض الاحتياجات الضرورية
ثم توجه لعمله حوالي الساعة الثامنة بعد أن اتصل بالسائق وأوصاه أن يعيد أولاده لبيت أهله


زائر يصل
صوته المتأثر يصل لطيفة من خلف الباب: لطيفة لطيفة

لطيفة قفزت وهي تقول باحترام: ادخل يبه

دخل.. قابلته لطيفة عند الباب.. وقبلت رأسه

دخل للداخل .. فُجع بمنظر موضي
بل الفجيعة كانت شعورا أقل بكثير مما شعر به
لم يتخيل أن وحشية ابنه وصلت لهذا الحد
شعر أن داخله يتمزق لمئات الشظايا
لطالما كان أبناء شقيقته مقربين منه
وخصوصا موضي بعد أن أصبحت زوجة ابنه
كانت دائما أشبه بنسمة رقيقة
فماذا فعل ابنه بهذه النسمة؟!!

أبو حمد بتأثر بالغ: ماتشوف شر
ثم استدرك بتأثر أشد: أم مشعل وخالتي أم محمد دروا؟؟ (هيا الكبيرة:خالته)

لطيفة بنفي: لا ماحد يدري إلا انا ومشعل
خايفة على أمي وإبي إذا دروا

أبو حمد بحزن: والله يا أبيش ما أدري وش أقول لش
الحكي مافيه فود.. والله مالي وجه.. قطع وجهي حميّد

لطيفة بتأثر: تكرم يبه ويكرم وجهك

أبو حمد أعطاها ظرفا بيده: هذا طلاق موضي قعدت فوق رأسي القاضي لين خلصه ووثقه..
وهذا شيك مني لبنتي موضي أدري فلوس الدنيا كلها ما تعوضها
بس خلها تعتبره هدية من إبيها الشيبه
وتعتبره بشارة مخلاصها من ولده

موضي تناولتهما وهي تقبل رأس خالها مرة أخرى وتقول بتأثر:
الطلاق وكثر الله خيرك.. جميلك ما ننساه جعل عمرك طويل
لكن الشيك جعلك سالم..(قالتها وهي تمزقه) ما نقبل العوض يا خالي
وعوضها في مخلاصها من حمد.. وأنت تكرم عنه وعن أفعاله..

خالها تأثر كثيرا وهو يحضنها ويقول:
أنا أشهد إنش بنت مشعل العود جعل عظامه الجنة

ثم التفت لموضي الغائبة عن الوعي وقبل رأسها فوق الضمادات

ثم ألتفت على لطيفة وقال لها بحزن: حمد حجزت له غصبا عنه
وهو قال بيسافر لمصر يعالج.. بس لا حد يدري بسالفة العلاج يا أبيش
وخلاص الحين هو رايح المطار بيسافر

ثم غادر أبو حمد

حينها قررت لطيفة أن تتصل بأمها ووالدها وفارس وتبلغهم
فحمد سافر بعد أن طلق موضي
وماعاد هناك شيء تخاف منه..
ولكن لنقل هناك شخصان تخشى مواجهتما في الدوحة عدا ساكن واشنطن
والدها
وفارس


#أنفاس_قطر
#
.
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
.

أسى الهجران/ الجزء الرابع والثلاثون


غرفة مشاعل
حوالي الساعة 7 إلا ربع


مريم وصلت.. شعرت بحرج شديد وسائقتها تدخلها
وهي تبرر سبب زيارتها المبكرة لجدتها وأم مشعل اللاتي كن عند قهوتهن في الصالة السفلية
لو كانت قالت أريد السلام على جدتي كان سيكون أمرا اعتياديا
ولكن ما يثير الريبة أنها أرادت رؤية مشاعل
الجدة أخذت الأمر على ظاهره
ولكن أم مشعل بنظرتها البعيدة علمت أن هناك شيئا ما..
لكنها سكتت وتركت سائقة مريم توصلها للأعلى

كانت مشاعل تجلس صامتة مذهولة
في قلبها رعب هائل من ناصر
فأفكار مرعبة جدا خطرت لها
أفكار عمقت خوفها من الزواج بشكل عام ومن ناصر بشكل خاص


مريم تدخل..
تتلقاها مشاعل بخجل..
والسائقة وقفت تنتظر عند الباب المغلق من الخارج

مريم بعتب: وش الكلام اللي قلتيه لي في التلفون؟؟
عرسش بعد شهرين وتجيبين طاري الطلاق

مشاعل بحزن: طبايع ناصر مهيب عاجبتني خلينا نتطلق وإحنا على البر..

مريم باستفسار ثم شرح: أي طبايع؟؟ ناصر ماكان يبي يضرش بشيء..
كان يبي يشوفش من قريب
وهو ما سوى شيء عيب وإلا حرام في الشرع
يمكن هو تصرف طايش شوي منه.. بس ناصر رجّال ما تطلع منه العيبة..

مشاعل بحزن: أمس يطالعني ويبحلق فيني وفارس قاعد جنبه
قلت ما عليه.. النظرة ماينلام عليها
بس اليوم يمسكني في بيت مشعل وماحد منهم موجود
وشو يعني أنتظر صدفة ثالثة يسوي فيني شيء يعني؟!!

مريم باستغراب: بصراحة أفكارش غريبة..
ناصر رجّالش.. وقبلها ولد عمش.. مستحيل يضرش بشيء

مشاعل لم تعد تحتمل وطأة أفكارها رمت نفسها على صدر مريم
وبدأت في الانخراط في كل البكاء المكتوم في صدرها
مريم انفجعت من ردة فعلها.. لكنها احتضنتها بحنان وهي تقول لها:
مشاعل الله يهداش.. ترا ردات الفعل عندش مبالغ فيها شويتين

مشاعل بهمس: خايفة يا مريم خايفة..

مريم باستغراب عميق: من ويش خايفة؟؟

مشاعل بعمق باكي: من ناصر ومن الزواج.. ومن الحياة الجاية كلها

مريم بحنان: والله العظيم مهوب عشان ناصر أخي.. بس ناصر مافيه مثله
طيب وحنون ومرن.. وقبل أي شيء رجّال صدق
وهذا هو حالته حالة.. خايف تكونين زعلانة منه.. وش تبين أرد عليه يعني؟؟

مشاعل بتردد: ما أدري.. ما أدري


**********************



واشنطن/ شقة مشعل بن عبدالله
قبل صلاة الفجر

البارحة بقي مشعل وهيا يتحدثان حتى حدود الساعة 11
لاحظ مشعل أنها غير راغبة بالحديث
شاردة حينا..ومتباعدة أحيانا كثيرة
لذا تركها تعود لغرفتها
وهو عاد لغرفته

والآن صحا من نومه منذ وقت
صلى تهجده.. وينتظر آذان الفجر
توجه للمطبخ يريد شرب ماء

سمع صوتا خافتا
كان صادرا من غرفة هيا
توجه للحجرة وأرهف السمع
كانت تبكي
بدا له أنها تنتحب وتحاول كتم شهقاتها
شعر بألم عميق
ولكنه احترم حقها في التعبير عن حزنها
توجه للمطبخ وشرب الماء.. وعاد
مازال الصوت مستمرا

لم يحتمل أن يتركها وهي على هذا الحال
أن يتركها تغرق في عوالم حزنها لوحدها دون مواساة

اقترب
لم يطرق الباب
شعر إن حدة الطرقات جارحة في مقاطعة حزنها
فتح الباب بخفة

كانت منكبة على سريرها تبكي وبجوارها صورة لها ولوالدتها
في حفل تخرجها من كوينز قبل عام

اقترب جلس إلى جوارها
فور شعورها بحركة جوارها رفعت رأسها
وهو يضع يده على ظهرها ويقول بحنان:
اطلبي لها الرحمة..

مشعل صُدم من ردة فعلها
فهي نهضت واستوت جالسة
ورمت بنفسها فوق صدره
وهي تنخرط في بكاء حاد

هيا حين وصلها مشعل
كان لها ساعات وهي تبكي
تعبت من البكاء والوحدة والوحشة
لو كانت رأت أيا كان في هذه اللحظة
لارتمت في حضنه
تحتاج أن تشعر بلمسة إنسانية حانية
وهاهو مشعل يقدمها لها

مشعل احتضنها بحنان
وهو مستغرب من اقترابها منها
فهي تبدو متباعدة وشحيحة جدا بأي مشاعر طيبة تجاهه

لطالما كان صدره ملاذا لشقيقاته الأربع
ويبدو أنه أُضيف لهن شقيقة خامسة!!!

ولكن لَمَ إحساسه برأسها المدفون في عرض صدره مختلف عن إحساسه بشقيقاته؟!!
لَمَ إحساسه بأنفاسها الدافئة التي تلفح عضلات صدره مختلف؟!!
لِمَ إحساسه بملمس شعرها الناعم تحت ذقنه مختلف؟!!!

هيا ابتعدت قليلا
وعيناها في الأرض وتقول بصوت مبحوح: أنا آسفة

مشعل تنحنح: ليش تعتذرين.. أنا اللي المفروض اعتذر أني دخلت بدون استئذان
بس ما قدرت اسمع صوتش تبكين وأخليش..

هيا تنهض وتقوم عن سريرها وتبتعد: أنا بأروح أتوضأ


************************



بعد صلاة الظهر
غرفة موضي/ مستشفى حمد

لطيفة اتصلت بوالدها وطلبت منه أن يحضر معه والدتها وأن يحضر فارس أيضا
ففارس لا يستطيع أن يقود السيارة حاليا مع إصابة كتفه

كان والدها وفارس أكثر شخصين تخشى مواجهتهما
ولو كان شقيقها مشعل هنا كان سيكون صاحب النصيب الأوفر من خوف المواجهة

لذا يكفيها الآن القلق من مواجهة الاثنين!!

وفعلا كانت على حق في قلقها

فوالدها وفارس ثارا ثورة هائلة وهما يريان وضع موضي
التي لم يكف الممرضات عن حقنها بالمهدئات حتى لا تشعر بالألم قبل أن تتحسن قليلا

كانت ثورة الاثنين أشبه بثورة بركان مرعب
ألقى كل حممه النارية خارجا
وكان على لطيفة تحمل كل هذه الثورة
وخصوصا وهي أخبرتهما بكل صراحة أن حمد يضرب موضي منذ سنوات
ولكنها أخبرتهما أنها ومشعل أصرا أنها سقطت عن الدرج
وهذا ما سيخبرونه لكل الناس


فارس لم يتوقف عن إجراء الاتصالات أراد التأكد أن حمداً سافر حقا
وليست مجرد محاولة من لطيفة لتهدئته وحماية ابن خالها
شعر بخيبة أمل مرة حادة وهو يتأكد من إقلاع طائرة حمد قبل نصف ساعة
كان يشعر بغضب كاسح وهو يرى أخته الأثيرة على هذا الوضع
بينما من فعل بها هذا هرب وهو لم يروي غليله منه
كان يريده أمامه ليمزقه تمزيقا ألف مرة
على كل دمعة ذرفتها موضي
على كل صفعة صفعها إياه
على كل قطرة دم أراقها من جسدها

لطيفة بهدوء: يبه أنت وفارس الله يهداكم
حمد طلق موضي خلاص
وراكان ماقصر فيه
ضربه لين الله شاف له
وهذا هو راح في طريقه
وأنا طالبتكم ما حد يوجع خالي بالحكي
خالي ماله ذنب.. ولا قصر
من الصبح جاب لي ورقة طلاق موضي موثقة..
والمسكين متفشل من ولده وغصبه على الطلاق
واللي فيه يكفيه..

كانت أم مشعل تسمع وتتمزق
ماتراه في ابنتها نحرها
كانت تشعر بعذاب موضي منذ زمن
هي أيضا مسؤولة.. مسؤولة
لطالما اكتفت أن تقوم بدور الام الحنون فقط
وتركت التصرف كله لعبدالله بقوة شخصيته وحضوره المسيطر
كان إتخاذ المواقف الحاسمة يوترها
وترى أنها زرعت جزءا من هذه الصفة في بناتها
لطالما شعرت أن بناتها الثلاث الكبريات ينقصهن القدرة على اتخاذ الموقف الحاسم في الوقت الصحيح
لأنها ربتهن أن يفضلن الجميع على أنفسهن
كانت أم مشعل تعلم بمشاكل بناتها الثلاث وهي صامتة

لطيفة تعلم أن مشعل متباعد عنها
ولكنها عجزت عن مواجهته لنسف البرود المتجذر بينهما

وموضي كانت تعلم أن حمد يؤذيها بطريقة ما
وإن كانت لم تتصور أنها وصلت للضرب
ولكنها تعلم أنها صبرت عليه حفاظا على مشاعر كل الناس إلا هي..

ومشاعل.. ماذا تخبئ الأيام لها؟؟..
تعلم أنها خجولة جدا ومرعوبة من فكرة الزواج..
فهل ستستطيع مواجهة خوفها قبل فوات الأوان؟؟


هذه هي الأفكار التي كانت تغرق أم مشعل في دواماتها
وهي تنفصل عن الحوار الحاد الذي يدور بين لطيفة وعبدالله وفارس
دون أن تنتبه إن كبرى بناتها بدأت بالتخلي عن إرثها لها (إرث المهادنة)
فلطيفة حضرت روحها المقاتلة
وهي غير مستعدة للتفريط بها مهما حدث!!!
ولكنها روح غلفتها بكل تهذيبها الرفيع
واحترامها الكبير لوالدها وأخيها


******************


الصباح الباكر/ واشنطن

مشعل ارتدى ملابسه
وأعد لنفسه كوبا من القهوة
هاهو يشربه في غرفته وهو يجهز أوراقه وحاسوبه
ليتوجه للمكتبة كعادته

قطع إنهماكه في عمله صوتها
كانت تقف أمام الباب المفتوح من الخارج
سألته بتوتر غامض: بتروح الجامعة الحين؟؟ بدري

ابتسم: تعودت.. عشان أستغل النهار من أوله.. وخير النهار البكور

هيا بنبرة اعتيادية: أنا عندي محاضرة الساعة 10
باص أي ساعة أخذ؟؟

مشعل بهدوء: أنا بأرجع بأوديش..

هيا برفض: لا أنا بأروح بروحي.. مافيه داعي ترجع

مشعل بثقة وعند: خلاص يا بنت الحلال أنا قلت بأرجع أوديش..
أنتي قبل كنتي تروحين مشي..
بس الحين أنا مسؤول عنش وماراح أخليش تلتهين في الباصات

هيا بنبرة غضب خفيفة: مشعل أنت ناسي إني لي كم سنة أنا أصرف أموري

مشعل ينهي كوبه ويضعه على الطاولة ويقول بهدوء: هذاك أول..
الحين أنتي مرتي ومسؤولة مني..

كانت هيا مرهقة وتريد أن تعود لتنام قليلا قبل محاضرتها
فهي لم تنم منذ دخلت هذا البيت.. لذا صمتت ليس لأنها مقتنعة
ولكن لأنها لا رغبة لها في الحديث الآن.. وقررت تأجيله لوقت لاحق


**************************


الساعة 8 مساء
غرفة موضي في المستشفى
مازالت موضي لم تفق بعد
وهي تُحقن بالمهدئات بشكل مستمر

عندها لطيفة ومشاعل وأم مشعل

يصل عامل التسليم ويطرق الباب الخارجي
تلبس لطيفة نقابها وتخرج

كانت باقة ورد ضخمة كُتب عليها:

"ألف حمدا لله على سلامتكِ
خطاكِ الشر

أخوكِ الأكبر
مشعل بن محمد"

توترت لطيفة نوعا ما

أمها تسأل: من؟؟

لطيفة بهدوء: مشعل مرسل ورد..

أمها بذات الهدوء: إذا جاء رجالش روحي معه..

لطيفة برفض: لا يمه بأقعد عند موضي

أمها باستنكار: وعيالش منهم في ضوه؟؟ (جملة تعني من سيهتم بهم)
من البارحة ما تدرين عنهم
وأنا ومشاعل ما عندنا شغل
وحدة منا بتقعد عندها والثانية بترجع البيت مع عبدالله إذا جاء عقب شوي

بعد دقائق طرقات واثقة على الباب

تلاه صوت مشعل عند الباب دون أن يدخل:
الحمدلله على سلامة موضي يمه..

أم مشعل بهدوء: الله يسلمك يا أبو محمد.. جعلك ما تزار
وكثر الله خيرك.. وجعل شيبانك الجنة
أنت ولطيفة وماقصرتوا.. إخذ مرتك وروحوا لبيتكم
لطيفة على قعدتها من البارحة

مشعل بهدوء وهو واقف عند الباب ولا يرى أحدا منهم لأن الستارة ممتدة بينهم:
هاه لطيفة تروحين؟؟

أمها تأشر لها أن تذهب، فردت على مضض: إن شاء الله جايتك



#أنفاس_قطر#

.
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء الخامس والثلاثون


الممر أمام غرفة موضي
الساعة 8 وربع

لطيفة تخرج لمشعل الذي ينتظرها خارجا
مازال يوجه لها الحديث دون أن ينظر لها:
تحبين تنتظرين عند موضي لين أجيب السيارة عند الباب وتنزلين علي
أو بتروحين معي للمواقف؟؟

لطيفة بهدوء: بأروح معك..

مشعل ببرود: يالله امشي..

خرجا متوجهين للمواقف دون أن يتبادلا أي حوار حتى وصلا السيارة
وركبا..

تحركت السيارة..
مشعل بهدوء وعيناه مثبتتان على الطريق كيديه المتمسكتين بقوة بالمقود:
أظني إنش عارفة إني مابعد حاسبتش على إنش دسيتي علي إن حمد يضرب موضي..

لطيفة بذات هدوءه: ما يهمني حسابك ولا أي شيء بتسويه

مشعل ألتفت عليها بقوة لدرجة إنه توازن السيارة اهتز وهو يقول بنبرة غضب: نعم؟؟

لطيفة دون أن يهتز منها شعرة: اللي سمعته.. أنا موجوعة يا مشعل موجوعة
موجوعة من قبل.. واللي شفته في موضي نحرني
وش بتسوي فيني زود؟؟
أنا ما أحتاج حد يحاسبني..لأني حاسبت روحي..
لو حتى تجيب سكين وتقطعني ماراح أحس بألم..
لأن خلاياي كلها غرقانة ألم وندم..

صمت مشعل.. كان مبهوتا.. مصعوقا
لم يتخيل يوما أن لطيفة لديها هذا الاسلوب القوي في التعبير عن مشاعرها وأفكارها..
استطاعت سحب كل مشاعره السلبية بعدة جمل
كان غاضبا جدا عليها
فإذا مشاعره تنقلب

ولكنه مع ذلك رد عليها: كان ممكن إنش توفرين ذا الألم على نفسش
وعلى أختش..لو إنش بلغتي حد فينا..
أنتي أختها الكبيرة.. شفتيها صبرت عليه شهر شهرين سنة سنتين
خلاص كفاية كذا..
وبعدين أنتي عارفة إن الضرب عمره ماكان أسلوب حد منا
أشلون رضيتي أختش تعيش في ذل ضرب حمد..

لطيفة بحزن: حمد كان يموت في التراب اللي تمشي عليه موضي..
كان عندي أمل أنه حاله بينصلح يوم دامه يحبها ذا الحب كله..

مشعل بدأ يغضب: يعني أنتي مستعدة تعيشين معي وتتحملين وأنا اضربش
عشاني أحبش وبس..

لطيفة بهدوء مدروس بارد: إذا موضي استحملت ضرب حمد وهو يحبها
فأنا استحملت برودك وأنت ما تحبني..
يعني لا تقلل من قيمة تحملي لك لأنه فوق ما تتخيل!!

وقتها كان مشعل يفتح الباب الخارجي بجهاز التحكم
ويُدخل سيارته ويقف في موقفه الداخلي ويلتفت عليها ويقول بنبرة غامضة:
يعني أنتي الحين متحملتني؟؟

لطيفة وهي تفتح بابها وتنزل: مستحملتك لحد ما تتزوج..
وعقبها خلاص
ماعاد لك أي حق عندي وأكون كفيت ووفيت..

شعر مشعل برغبة عارمة أن يوقفها.. يجذبها لصدره المشتاق لها ..يحتضنها ويقول لها:
تحمليني العمر كله
لأني ماني بمتزوج أبد
لأني..
لأني.....
لأني..........


"كم هو صعبٌ على كبرياءه اعترافه بمشاعره حتى لنفسه!!!"



************************


المقهى بالقرب من جورج تاون
الساعة 12 ظهرا

هيا وباكينام تصلان المقهى
هيا يبدو عليها الإرهاق عكس إشراق باكينام

باكينام بقلق وهما تجلسان: هيا حبيبتي .. مالك؟؟

هيا بتعب: مافيني شيء مرهقة شوي بس.. ما نمت نهائي..

باكينام بذات القلق: كده مش كويس عليكي
لازم تهتمي بنفسك شوية
ثم أردفت باهتمام: ومشعل مش مهتم فيكي وإلا إيه؟؟

هيا بنبرة محايدة: مشعل ما يقصر..

باكينام بنبرة خاصة: وهو عامل معاكي ايه؟؟

هيا بذات النبرة المحايدة: مثل ما قلت لج مايقصر..

باكينام تبتسم: إيه حكاية قصر طول دي.. إذا ما كنتيش واخدة بالك يعني
مشعل ده يهوس بره وجوه.. ستايله وشخصيته تجنن..
يمكن أنتي اتجوزتيه غصبا عنك
بس الغصب ده من بركة دعاء ماما حصة ليكي
اعرفي ئيمة الراقل وما تطفشيهوش..

هيا ابتسمت بالغصب: تدرين إنج متفرغة..

باكينام تضحك: يارب ابعت لي بس.

وهم تتحاوران اقتربت منهما النادلة وابتسمت باحترام: ماذا تشربن آنساتي؟؟

باكينام نظرت إليها وابتسمت: أين النادل الآخر؟؟

الفتاة بابتسامة: أيهم؟؟

باكينام وهي تضحك: الأسمر الوسيم..

الفتاة تنهدت بعمق: أوووه جو الوسيم.. إنه في المدرسة اليوم؟؟

ضحكت باكينام وهي تهمس لهيا: البت هتسيح في مكانها
وأكيد المستر جو في مدرسة محو الأمية زي كل المكسيكان اللي هنا
(جو اختصار جوزيف.. واختصار اسم آخر آخر رديف!!!!)

كثير من اللاتينين المهاجرين لأمريكا يدرسون في مدارس مسائية حكومية لتعليمهم المناهج الأمريكية


*************************


غرفة موضي
الساعة 10 مساء

مشاعل من أصرت أن تبقى مع شقيقتها
ووالدتها غادرت مع عبدالله من أجل أم محمد وولديها الصغيرين: سلطان وريم

كانت مشاعل تنظر لموضي بجسدها المغطى بالضمادات
وتشعر أنها تختنق
وأن روحها تنزف وجعا لا نهائيا
تشعر بألم مرٍّ يتسلق روحها
ويغرس رماحه.. ليتجذر في أعمق أعماق روحها الشفافة

أخبروها أن موضي سقطت عن الدرج وهي تحمل حقيبتها بعد أن طلقها حمد
(هل يعتقدون أني غبية أو طفلة؟؟!!)

مشاعل علمت أن مافي موضي هو من ضرب حمد لها

شعرت بحقد عميق على حمد
وخوف متزايد من ناصر

(هل يعقل أن يفعل ناصر بي يوما مافعله حمد بموضي؟!
يضربني ويمتهن إنسانيتي؟!!
أو حتى يتعامل معي كجسد لتلبية رغباته دون أي حب كمشعل ولطيفة؟؟!!
أي أن أعاني القهر في كلا الحالتين!!
لا أريد الزواج.. لا أريد
لا أريد أن أكون لرجل يهينني جسدا أو روحا
لمن أشكو؟؟ لمن أتوجه؟!
من سيفهمني؟!!
الكل يمدح ناصر.. لن يتفهم أحد مخاوفي!!
يا آلهي.. يا آلهي
خائفة.. خائفة
ماذا تخبئ لي الأيام؟!!)


*************************

مابعد منتصف الليل
غرفة فارس

مازال فارس ساهرا
ويبدو أن سهرته ستطول
شعور مر يجتاحه
شعور بالخديعة والقهر والغبن

عاجز عن إغلاق عينيه
فكلما حاول إغلاقهما تعلقت صورة موضي بأهدابه
صورتها والضمادات البيضاء تغطيها
كأنها حمامة بيضاء مهيضة الجناح

عاجز عن تخيل كيف تجرأ حمد على ضربها طوال هذه السنوات
تحت أنظارهم وأنوفهم وهي تعاني وتتعذب وهم لا يعلمون

كيف تجرأ ذلك الحقير المسمى حمد على خدش جوهرته
وإهانتها والتطاول على كرامتها وجسدها

كلما استعاد هذه الأفكار وجد نفسه يغلي من الغضب
يكاد يكسر يديه من عصرهما غضبا

(أشلون يجي له قلب يمد يده عليها؟!
أشلون وصلت حقارته يهين بنت عمته وبنت خاله في نفس الوقت!!)

" وأنت يافارس ماذا تسمي ما تنوي عمله
بالعنود ابنة عمك؟؟!!"

(لا لا
أنا مستحيل أهين مره أو أمد يدي عليها
لكني بأعرف أشلون أنتقم منها على طريقتي أنا!!)



****************************



الساحة المقابلة لكلية الإدارة
جامعة جورج تاون
الساعة 4 عصرا

هيا تتوجه للساحة حيث اتفقت مع مشعل على الإلتقاء هناك
ليعودا للبيت
هيا وهي تقترب رأت شخصا يقف مع مشعل
ويوجه الحديث له باهتمام
بل كانت ملامح الشخص الآخر تكاد تذوب ولهاً
وهي تلتقط كل حرف ينطق به مشعل باهتمام

شعور غريب اكتسح هيا
فالشخص الآخر كان قنبلة ذرية بكل المقاييس
سمراء لاتينية بشعر أشقر وعينين عسليتين
فتنة متجسدة في كل تفصيل من تفاصيل وجهها وجسدها

شعرت هيا بشعور أشبه بغضبٍ غريب
اقتربت وسلمت ببرود
مشعل ابتسم لهيا وهو يعرفها على محدثته: دكتورة باتريشيا من كولومبيا
أستاذة زائرة هذا الفصل..ولديها اهتمام شاسع بالقضايا العربية

هيا حاولت أن تدفن أحاسيسها التي هي استغربتها
وهي تبتسم وتقول: تشرفنا دكتورة باتريشيا

ولكن الكولومبية الحسناء لم تستطع الابتسام وهي تقول:
تشرفنا.. لم نتعرف بكِ؟؟

مشعل بهدوء: هذه زوجتي هيا..

لم يفت هيا مطلقا انقلاب ملامح الدكتورة التي تجاهلتها وهي توجه خطابها لمشعل:
لم تخبرني سابقا أنك متزوج.. كما أنك لا ترتدي خاتما في يدك

مشعل بدأ يشعر بالغضب من الدكتورة التي شعر أن في أسئلتها رائحة فضول غير مريحة:
أنا تزوجت منذ أيام.. ونحن في ديننا وعاداتنا لا نرتدي الخواتم

الدكتورة بنبرة سخرية: وهي أيضا لن ترتدي خاتما؟؟

مشعل بنبرة غضب: هي اسمها هيا ونحن متوجهان الآن لشراء خاتم لها إذا سمحتي لنا..

مشعل قال جملته وأمسك يد هيا التي بقيت صامتة وهي تشعر بغضب يتصاعد في روحها ليغادر بها

في الوقت الذي هتفت به الدكتورة وهي تمنحه ابتسامة رائعة:
تهاني لكما معا...ولا تنسَ احضار ماطلبته منك أرجوك..

ما أن ابتعدا قليلا حتى انتزعت هيا يدها من يده
مشعل لم يستغرب موقفها..
بل استغرب أصلا أنها سمحت له بمسك يدها طوال هذه الفترة ولم تنتزعها قبلا

مشعل لم يعرف بعد مشاعر الأنثى العصية التفسير..
مشاعر التملك
فهيا شعرت بالخطر من هذه الحسناء
وأرادت أن تثبت لها أن مشعل ملكها.. لها هي فقط
لذا تركت يدها له..
فالأنثى تفهم الأنثى..
وعرفت أن حجة الدكتورة واهتمامها بالقضايا العربية ليس أكثر من اهتمام بمشعل شخصيا
هذا الشيء قرأته بوضوح في نظرة عيني باتريشيا
النظرة التي توجه دعوة مفتوحة فاضحة ربما لم يلحظها مشعل بتدينه وتهذيبه
ولكنها لم تفت أنثى مثلها!!

فور ركوبهم السيارة.. هيا سألت مشعل بلهجة حاولت أن تكون اعتيادية جدا:
من متى تعرف الدكتورة؟؟

مشعل بلهجة اعتيادية فعلا وليس اصطناعا: شفتها عند مشرفي قبل حوالي شهر
ولما عرفت إني عربي.. قالت إنها مهتمة بالقضايا العربية واللغة العربية
خذت رقم تلفوني..وطلبت مني أجيب لها كتب عربية..
والحين بعد طالبة مني كتب بعد..

هيا بذات اللهجة الاعتيادية المصنوعة: أمممممم بس مهيب صغيرة على أنها دكتورة؟!!

مشعل بلهجته الاعتيادية الفعلية: ما اهتميت ولا سألت..

سكتت هيا لأنها لا تستطيع قول المزيد
ولا تستطيع تفسير شعور الغضب الغريب الذي اكتسحها
ما تعرفه أن مشعل زوجها
ولا يرضيها مطلقا أن يكون محط أنظار أي امرأة أخرى

هيا كانت غارقة في هذه الأفكار فلم تنتبه إلى أين أخذها مشعل
الذي لم يبتعد عن منطقة جورج تاون بل دخل في عمقها
حتى توقف عند محل معين يحتل قلب جورج تاون..

هيا انتبهت أن السيارة توقفت.. استغربت مكان توقفها: ليش وقفنا هنا؟

مشعل ابتسم: انزلي وأقول لش داخل

هيا دخلت ومشعل يقول لها بعذوبة: هذا أتيليه كارنيس..
أحسن ناس يسوون دبل ألماس في واشنطن.. اختاري على ذوقش اللي تبينه

هيا بحرج: مشعل أرجوك لا تحرجني..

مشعل ابتسم: أنا واحد غشيم في ذا السوالف..
أختي موضي هي اللي سألتني أمس لو كنت شريت لش دبلة على الأقل
وعلى فكرة ترا من يوم عقد زواجنا في السفارة خذت رقم حسابش منهم
وحطيت مهرش فيه قبل أمس..بس ماصارت فرصة أقول لش..

هيا تشعر بحرج شديد: مشعل ليش تسوي كذا؟؟

مشعل بابتسامة: وش سويت؟؟ ليه تبين تتزوجين بدون مهر..
أنتي بنت سلطان بن مشعل.. منتي بأي وحدة...

هيا بخجل: بس أنت ماخذتني برضاك عشان تسوي ذا كله..

مشعل بغضب: والله العظيم لو سمعتش تعيدين ذا الكلام مرة ثانية
بيكون لي تصرف ثاني معش..



#أنفاس_قطر#
.
..
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء السادس والثلاثون


مضى شهر على الأحداث الأخيرة
وأصبحنا في أواخر شهر نوفمبر
تبقى حوالي 20 يوم على عودة مشعل للدوحة
وحوالي شهر على زواج ناصر وفارس


موضي خرجت من المستشفى بعد حوالي أسبوع من حادثتها
طابت الكثير من رضوضها بقي فقط الجبس في يدها اليسار المكسورة كسرين
أخبروا الجميع أنها سقطت من الدرج بعد طلاق حمد لها
وهي تحمل حقيبتها عائدة لبيت أهلها
لا أحد يعلم بالحقيقة عدا لطيفة ومشعل وراكان وعبدالله وفارس وأم مشعل
ومشاعل التي عرفت لوحدها
حتى مشعل أخبروه فقط أنها طُلقت
وأخبروه أنها مصابة برضوض بسيطة
وكانت موضي هي من اتصلت فيه بنفسها وأبلغته
حتى يطمئن حين يسمع صوتها

موضي تحاول أن تبين للجميع أنها بخير
وتبدي الكثير من المرح لكل من حولها
ولكن كسرها الداخلي العميق لم يخفَ على ثلاثة أشخاص
لطيفة ومشاعل وفارس
موضي كانت مجروحة بعمق..
فحمد حطم روحها وثقتها بنفسها وأنوثتها وإنسانيتها

مشعل ولطيفة
مازال الحال كما هو عليه
يلعبان لعبة الفأر والقط
بين كر وفر
لا وجود لأي تلامس جسدي بينهما ولا حتى في أدنى حدوده
فلطيفة تحاول جاهدة ألا تقترب منه حتى
ومشعل يستحيل أن يتنازل ويكون هو من يقترب لا روحيا ولا جسديا
معاناتهما تتعمق واشتياق كل منهما للآخر يتجذر
ولكن لطيفة مجروحة منه
ومشعل يمنعه كبرياءه من الإعتذار
ومازالا عاجزين عن التوصل لمنطقة الوسط
وخصوصا إن لطيفة مقتنعة أنه سيتزوج
ومشعل لا يبذل أي جهد لإلغاء هذه الفكرة من رأسها


مشعل وهيا
الزوجان الجديدان
أو لنقل رفيقا السكن بمصطلح أفضل
فهما هكذا
رفيقا سكن لطيفان!!
مازالا في طور تعرف كل منهما على الآخر
فكل منهما يبدو للآخر كلغز عصي على الحل والتفسير
فردات فعلهما غير متوقعة
وبينهما تدور مشاعر كثيفة غير مفهومة
خليط من الاستلطاف والإعجاب والغيرة

هيا اكتشفت أنها تغار عليه بجنون من كل النساء
وخصوصا من المدعوة باتريشيا
في أحيان كثيرة حين يرن هاتفه ويكون غير موجود
وتكون باتريشيا هي المتصلة
تقوم بمسح الاتصال من القائمة حتى لا يعيد الاتصال بها
حين تفعل ذلك تحس بالغرابة
(لِمَ أفعل ذلك؟!)
ولكنها تعجز عن الإجابة على تساؤلها!!

مشعل معجب بها وبعمق..
ولكن يضايقه عنادها غير المفهوم.. ولكنه لا يستطيع أن يقسى عليها
اكتشف أنها تعرف الكثير عن عائلته من حكايات والدها
ولكن معلوماتها تحتاج فقط لتحديث قام به مشعل
وهي الآن في غاية التوتر من لقاء بقية أسرتها بعد أسابيع معدودة
رغم أنه انكسر حاجز خوف كبير لأنهم يقومون بمهاتفتها بشكل دائم


فارس العاشق المتجبر
مازال عاشقا ومتجبرا!!
لم يرَ العنود أو يسمع صوتها منذ المرة الأخيرة قبل أكثر من شهر
يشعر بشوق قاتل لها
رنين صوتها لا يفارق أذنه
وملامحها سكنت خياله
وحقده لم يتغير عليها!!!


العنود
تتجهز لعرسها القريب
لطيفة غالبا هي المرافقة التي تأخذ العروسين معا
العنود ومشاعل
وشتان بين حماسة العنود وفتور مشاعل الذي كان يحز في أعماق لطيفة بوحشية
فمشاعل مع اقتراب موعد زفافها يزداد توترها وهواجسها
وخوفها!!!


ناصر
الحال كما الحال
بين عمله وأهله و تدريبات الفروسية
تبلورت فكرة اعتزال السباقات الرسمية في باله
ولكن رئيس الفريق يطلب منه تأجيلها قليلا


راكان
بين عمله والرماية والشطرنج
والبطولات والميداليات
والحزن المقيم في قلبه دون تفسير!!!


مريم
الحال كما الحال
القلب الحنون الذي يحتضن الجميع
النور المطفئ الذي ينير للجميع
اهتمامها الأكثر حاليا هو بمشاعل
تحاول إزالة الإفكار السلبية من رأسها عن الزواج بشكل عام
وعن ناصر بشكل خاص


حمد لم يعد من مصر
والدته لم تعرف بضربه لموضي
تألمت كثيرا للطلاق وتتألم أكثر لغياب حمد


والتوأم الثلاثي لاهيات في عوالمهن الخاصة ومدرستهن


باكينام
بين دراستها وهيا
ومقهى جو الوسيم
الذي ألمح لها أكثر من مرة أنه يريد مقابلتها بعد عمله
لكنها كانت تقطع تلميحه بذكاء
فآخر ماتريده هي علاقة من أي نوع
مع شخص ليس من مستواها المادي أو الفكري



*************************



واشنطن
الساعة 9 صباحا
يوم الأحد
يوم سكون واشنطن الأسبوعي

مشعل لم ينم بعد صلاة الفجر
وهو يعمل على أطروحته

الجو بارد جدا خارجا
ولا يفكر أن يخرج من البيت رغم أن سعيد هاتفه الآن
و يصر أن يقابله لموضوع مهم كما يقول
لذا عرض على سعيد أن يزوره في البيت
ويريد أن يخبر هيا حتى لا تخرج من غرفتها
ولكنها لم تخرج منها بعد
لذا قرر أن يطل عليها
رغم أنه محرج من دخوله لغرفتها
فهي مطلقا لا توحي له بأي نوع من الترحيب
وهو لا يستطيع أن يغامر بإبداء أي محاولة تقرب قد ترد عليها برفض له
والرفض سيكون مهينا لكبرياءه لأبعد حد

مشعل يطرق باب غرفتها بهدوء
لا رد
يفتح مشعل الباب بهدوء

صدمه بعمق عذوبة منظرها ورقتها وهي نائمة
وشعرها الطويل متناثر حولها
اقترب قليلا
تمنى لو يستطيع لمس خدها.. احتضان شعرها بين أنامله
استنشاق عطرها الرقيق

تنهد بعمق وهو يبعد أفكاره التي جرحته بعمقها وعنفوانها
وهو يتذكر أن سعيد على وصول

همس وهو يبتعد قليلا: هيا.. هيا

هيا فتحت عينيها ببطء وهي تقول باستغراب: نعم مشعل


مشعل بهدوء: سعيد بيجيني الحين.. يقول يبيني ضروري
خليش في الغرفة لين يروح

هيا وهي تجلس وتلم شعرها وتقول بحرج: إن شاء الله
(أكيد شكلي يفشل!!)


مشعل خرج ومع خروجه رن جرس الباب
ابتسم مشعل (نعنبو هذا شكله كان يكلمني وهو تحت)

فتح الباب ورحب بسعيد الذي بدا متوترا على غير العادة

جلسا.. شعر مشعل بتغير سعيد قال له بقلق: وش فيك سعيد؟؟
محتاج فلوس يا أخيك ترا الجيب واحد جعلني ماخلا منك

سعيد ابتسم رغم توتره: لا جعلني ماخلا منك.. الخير واجد
أنا أبي منك شيء أغلى من الفلوس إلا لو أنا ما أستاهل

مشعل ابتسم: أفا عليك.. العين ترخص لك

سعيد تشجع: أنا كنت أكلم هلي قبل ساعة..
والوالدة قالت لي إن أختك تطلقت.. لا تستعجل وتعصب علي
خلني أكمل
أنا ما أبي حد يسبقني لأنه واجد يبون آل مشعل يكونون خوال عيالهم..
أنت عارف أن ذا الفصل آخر فصل لي
وراجع عقب شهرين للدوحة نهائي
بتكون هي خلصت عدتها....
تزوجوني؟؟؟



************************



ذات اليوم يوم الأحد
الساعة 12 ليلا
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة موضي

مشاعل وموضي ساهرتان
موضي تسند ظهرها لرأس السرير ويدها المجبرة جوارها
بعد أن وضع لها الطبيب مؤخرا جبيرة خفيفة

ومشاعل تضع رأسها على على فخذ موضي
وموضي تداعب شعرها بيدها السليمة
وتقول وهي تبتسم: ياحظه ناصر بذا الشعر
بس بيقول خليني ألعب فيه.. ملمسه يونس ماشاء الله

توترت مشاعل من مجرد تفكيرها بلمس ناصر لشعرها
ولكنها لم ترد أن تشغل موضي بتوترها ومخاوفها
فما في موضي يكفيها.. لذا حاولت أن ترد بمرح:
والله شعرش هو اللي ماعليه زود
بس طايل واجد ويبي ترتيب.. منتي بناوية تعدلين قصته؟؟

موضي ابتسمت ابتسامة باهتة: مالي نفس أقصه.. خليه.. لويش أقصه؟؟

مشاعل بنعومة: تقصينه عشان نفسش ونفسيتش..
شوفي لطيفة ماشاء الله عليها مع إنشغالها بعيالها ودراستها إلا أنها مهتمة بنفسها
وأنتي أصلا كنتي أكثر وحدة تحب تكشخ فينا..

موضي بنفس الابتسامة الباهتة: لطيفة حلوة يحق لها تتعدل..
بس وحدة مثلي ليش تتعدل..
ثم أكملت بغصة كأنها تحادث روحها: تدرين إن حمد كان دايما يعايرني بلطيفة
يقول ماحد حظيظ غير مشعل.. خذ المزيونة اللي تجيب عيال

مشاعل قامت عن فخذ موضي وهي تهتف بانفعال: أنتي ماعليش قاصر
لا تخلين حمد الحيوان يهز ثقتش بنفسش
ماشاء عليش موضي أنتي الواحد مايشبع من شوفة وجهش
مابعد شفت حد فيه ملح وجاذبية مثلش..

موضي تقرص خد مشاعل وتقول بحنان:
شكرا على المجاملة ماي ليتل سيستر



************************



المقهى بالقرب من جورج تاون
اليوم الأحد
فلايوجد طلاب
وعدد الرواد قليل

باكينام تجلس وهي تضع دفترها على الطاولة
كانت تريد أن تتناول إفطارها
ثم تتوجه لزيارة هيا

جاءها جو .. فكل العاملين أصبحوا يعرفون أنها لا تريد أن يخدمها سواه
وجو يريد أن يكون الوحيد الذي يكلمها

اقترب جو بابتسامته المعتادة: صباح الخير آنسة باكي..
وهو يصب لها بعض الماء في الكأس الخالي أمامها

باكي ترد ابتسامته بابتسامة شديدة العذوبة: صباح الخير جو..
كيف أخبار مدرستك.. إذا كنت تحتاج مساعدة أنا مستعدة؟؟

ابتسم جو : أي مساعدة؟؟

باكينام بمرح: في المدرسة..

ضحك جو ضحكة قصيرة: قد أسألك أنا إن كنتي أنتي تحتاجين للمساعدة في المدرسة..

ضحكت باكينام: ولكني ماجستير ولست في مدرسة وأنت تعلم..

ابتسم لها جو ابتسامة لم تخلُ من سخرية:
آنسة باكي هنا في اللهجة الأمريكية حتى الجامعة تُسمى مدرسة
وبما أنك طالبة ماجستير.. وأنا طالب دكتوراة..
فربما كنتِ أنتِ من تحتاجين مساعدة؟؟

وقتها كانت باكينام تشرب من كأس الماء الذي صبه جو لها
شرقت وكحت وكلماتها تخرج متناثرة من الحرج
وهي تشعر أنها خُدعت واُستهين بذكائها وأنها بدت بمنظر الغبية
الأمر الذي أغضبها كثيراً : دكـ ـتـ و ر اة؟؟

جو ارتعب وهو يميل عليها ويحاول أن يمسح وجهها بالمناديل الورقية
ويقول بقلق: سلامتك..سلامتك.. خدي نفس.. خدي نفس

(كان يقولها باللهجة المصرية القاهرية الصميمة!!!)



***************************



ذات الليلة
بيت مشعل بن محمد
الساعة 10 مساء

لطيفة تدرس بعد أن نام أطفالها
وفي ذات الوقت تترقب عودة مشعل
الذي لم يعد يتأخر مطلقا في العودة عدا نهاية الأسبوع لأنه يسهر في المجلس
ما أن تسمع صوت فتحه لباب الغرفة الرئيسي
حتى تمثل الاستغراق الكامل في الدراسة
رغم التوتر غير المفهوم الذي يجتاحها
فهي تشعر أن الوضع الساكن بينهما أصبح هشا جدا
وعلى وشك الإنفجار.. وهي تكاد تموت رعبا من هذا الانفجار!!
الذي تخشى أن يكون إعلانه لقرب موعد زواجه
فهي الآن مكتفية بمجرد قربه حتى لو كان متباعدا ويستنزفها شوقها إليه
يكفيها أنها بقربها ولها وحدها وينام قريبا منها كل ليلة

أصبحت الساعة 11 ولم يعد
الـ12 ولم يعد
شعرت أن أعصابها تذوب توترا وقلقا
لم تعد تستطيع الجلوس على مكتبها
أخذت تدور في غرفتها كالاعصار
(إش فيه تأخر؟؟ يالله سترك.. يالله سترك)

حوالي الساعة 12 ونصف رن هاتفها الذي لم يفارق يدها من قلقها
ردت فورا بلهفة رغم أنها حاولت تغليفها بالبرود لكنها فشلت:
مشعل عسى ماشر.. وش فيك تأخرت؟؟

مشعل بتعب: لطيفة وسعي درب لراكان بيجيبني لغرفتي الحين



#أنفاس_قطر
#
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء السابع والثلاثون


واشنطن
الساعة 9 وربع صباحا
شقة مشعل

سعيد يقول لمشعل بتوتر: أنا كنت أكلم هلي قبل ساعة..
والوالدة قالت لي إن أختك تطلقت.. لا تستعجل وتعصب علي
خلني أكمل
أنا ما أبي حد يسبقني لأنه واجد يبون آل مشعل يكونون خوال عيالهم..
أنت عارف أن ذا الفصل آخر فصل لي
وراجع عقب شهرين للدوحة نهائي
بتكون هي خلصت عدتها....
تزوجوني؟؟؟

مشعل تنهد بعمق ثم قال بهدوء: بس أختي اللي تقصد أكبر منك بشهور

(سعيد طالب ماجستير في آواخر ال25)

سعيد تشجع أكثر: لو هي أكبر مني بسنين بعد أبيها
وأشلون والفرق شهور بس
أنا أشتري نسبكم

مشعل بهدوء: ماتشوف إنك مستعجل
أختي توها تطلقت من شهر وباقي لها شهرين
إذا رجعت الدوحة يصير خير

سعيد برجاء حاد: أنا دريت إنها تطلقت نهائي
يعني دام رجّالها مهوب مرجعها
أتمنى إني أكون المقدم على أي حد

مشعل بحرج: أنا ما أقدر أوعدك.. لأنه إحنا مانقدر نجبرها على شيء

سعيد برجاء عميق: تكفى مشعل أنا شاري نسبكم وأبيك أنت تصير خال عيالي
والله العظيم أن أحطها في عيوني وفوق رأسي
ما أبي منك وعد.. أبي بس أحط عندك خبر أني أبيها قبل ماحد يتكلم عليها
أنا أبي نسبكم من زمان
بس كنت عارف إن خواتك كلهم اللي متزوجة واللي متملكة
ويمكن الله كاتب أختك ذي من نصيبي


***********************


غرفة لطيفة


حوالي الساعة 12 ونصف رن هاتف لطيفة
الذي لم يفارق يدها من قلقها
ردت فورا بلهفة رغم أنها حاولت تغليفها بالبرود لكنها فشلت:
مشعل عسى ماشر.. وش فيك تأخرت؟؟

مشعل بتعب: لطيفة وسعي درب لراكان بيجيبني لغرفتي الحين

لطيفة برعب: مشعل اشفيك؟؟

كان راكان هو من رد عليها وهو يقول بمرح:
يا أم محمد وسعوا لي درب.. رجالش الدب كسر كتفي

لطيفة ارتعبت وهي تلبس بسرعة عباءة مغلقة فوق بيجامتها
وترتدي شيلتها ونقابها بسرعة
وقتها كان راكان وصل لباب غرفتهما وهي تفتح الباب
ويدخل وهو يسند مشعل
شعرت لطيفة بريقها يجف وقلبها ينزل في قدميها
ولكنها اعتصمت بقوتها الظاهرية وهي تفسح لراكان الطريق
حتى أوصله راكان للسرير

حينها رأت ظهر مشعل

وكادت تنهار.. وهي ترى ثوبه ممزقا من الخلف وملطخ بالدم
وخلف تمزيقات الثوب يظهر الكثير من طيات الشاش الأبيض

لطيفة حاولت أن تسأل راكان بهدوء مصطنع: وش فيه أبو محمد..؟؟

راكان وهو يمدد مشعل على بطنه: الحمدلله على سلامته يا أم محمد
رجالش قطوة بسبع أرواح.. الليلة كان يعاين مشروع وطاح خشب من فوق عليه
بس الحمدلله مالمس إلا طرف ظهره وهو نازل
تسلخ شوي.. بس الحمدلله إنها جات على كذا

راكان مد كيس كان في يده: هذي غياراته والمطهر
لأنه احتمال يحتاج تغيير الشاش في الليل لو نزفت جروحه
لو ما أحتاج.. بكرة الصبح أنا بأجيه أوديه يغيرون عليه

لطيفة كانت تسمع كلمة .. وكلمة تعجز عن استيعابها
فبالها كله كان مع مشعل الذي لا ترى سوى ظهره
ولم ينطق بكلمة منذ وصوله

استاذن راكان وغادر
لطيفة بقيت لدقيقة واقفة عاجزة عن احتمال انفعالها

ثم ابتلعت ريقها: الحمد لله على سلامتك يا مشعل
ما تشوف شر..

صوته الهادئ جاءها مكتوما قليلا لأن وجهه ناحية المخدة: الشر مايجيش.. بسيطة يا أم محمد
أصلا حتى روحة المستشفى مالها داعي بس راكان لزم..

لطيفة خلعت عباءتها ثم اقتربت منه وهمست: مشعل خلني أبدل لك ملابسك

مشعل بهدوءه المعتاد: لا..تعبان أبي أنام.. عادي أنام هنا الليلة؟؟ أو أقوم لفراشي؟؟

(تدري إنك سخيف وبارد وماعندك مشاعر!!) ولكنها ردت عليه:
أكيد تقدر تنام.. وأنا قريبة منك إذا بغيت شيء نادني..

مشعل نام بعد دقائق من شدة تعبه
ولكن لطيفة لم تستطع النوم وهي تتمدد على الأريكة وتطل عليه كل 5 دقائق

حينما أصبحت الساعة الثانية والنصف بدأ مشعل يئن بشكل مؤلم
لطيفة انتفضت بعنف وهي تقفز وتتوجه له



***********************



واشنطن
المقهى
الساعة 9 ونصف صباحا


ابتسم جو لبكينام ابتسامة لم تخلُ من سخرية: آنسة باكي هنا في اللهجة الأمريكية حتى الجامعة تُسمى مدرسة
وبما أنك طالبة ماجستير.. وأنا طالب دكتوراة.. فربما كنتِ أنتِ من تحتاجين مساعدة؟؟

وقتها كانت باكينام تشرب من كأس الماء الذي صبه جو لها
شرقت وكحت وكلماتها تخرج متناثرة من الحرج
وهي تشعر أنها خُدعت واُستهين بذكائها وأنها بدت بمنظر الغبية
الأمر الذي أغضبها كثيراً : دكـ ـتـ و ر اة؟؟

جو ارتعب وهو يميل عليها ويحاول أن يمسح وجهها بالمناديل الورقية
ويقول بقلق: سلامتك..سلامتك.. خدي نفس.. خدي نفس

(كان يقولها باللهجة المصرية القاهرية الصميمة)


حينها قفزت باكينام وهي تقول بغضب كاسح باللهجة المصرية:
ومصري كمان؟!!
لكده وكفايه.. يعني كل ده بتستغفلني.. بتستغفلني..
واسمك جو كمان والا دي استغفلتني فيها كمان

جو بحرج حاول تغليفه بالثقة: اسمي يوسف..
وانتي عارفة انه يوسف بنقول له جوزيف جو..
وبعدين أنا لا استغفلتك ولا حاجة.. أنتي اللي كدبتي الكدبه وصدقتيها
وكل مائلت لك نتئابل اشرح لك.. انتي بتتهربي..

باكينام لم ترد عليه ووجهها يحمر من الحرج والغضب وتغادر بسرعة
وتنسى دفترها على الطاولة
الدفتر الذي تناوله يوسف وهو يشعر بالألم من الموقف غير المتوقع


*************************


شقة مشعل بن عبدالله
الساعة 9 ونصف بعد مغادرة سعيد
وخطبته الغريبة التي أثارت حرج مشعل واستغرابه

عاد ليطل على هيا التي كانت نهضت من نومها واغتسلت وبدلت ملابسها
وهاهي تمشط شعرها أمام المرآة
كانت تمشطه وهي واقفة حتى تستطيع التحكم فيه

مشعل بهدوء: خلاص سعيد راح

هيا بنفس هدوءه: غريبة جاي هالحزة؟؟

مشعل ابتسم: جاي يخطب موضي

ابتسمت هيا: ماشاء الله عليها موضي.. مابعد خلصت العدة ويجيها خطّاب
لهالدرجة مزيونة؟؟

ضحك مشعل: موضي أملح خواتي.. ولطيفة أحلاهم.. ومشاعل أرقهم

ضحكت هيا: يعني لكل وحدة ميزة

ابتسم مشعل: تقدرين تقولين كذا!! ولا تنسين ريم فديتها أشطنهم..

وقتها هيا كانت أنهت تمشيط شعرها وتريد رفعه..
فوجئت بمشعل يقترب منها يمسك بيدها اللي كانت تلف شعرها
ويقول بنبرة خاصة: خليه

ارتعشت هيا بعنف.. وهي تشعر بملمس يده على معصمها كسعير نار لاهبة

كان بود هيا أن تسأله (وليش أخليه؟) لكنها شعرت أن ريقها جاف جدا
والكلمات تقف في بلعومها

أعاد مشعل كلمته وهو يفلت يدها ويقول بذات النبرة الخاصة: خليه
ليش دايما رافعته؟؟

أنهى جملته وخرج لأنه شعر أن طاقة تحمله على وشك الانهيار النهائي
فهو مهما يكن رجل.. وهي زوجته وأمامه
وهذا الشعر وهذه الرقة يفتنانه حتى الثمالة

خرج
ليترك هيا مبعثرة المشاعر خلفه!!



**********************



عودة لغرفة لطيفة
الساعة 2 ونصف قبل الفجر

لطيفة قفزت وهي تسمع مشعل يئن بألم
اقتربت منه وهي تشعل الأباجورة جواره
لترتعب من مظهر ظهره
فالشاش غارق بالدم

لطيفة جلست جواره وهي تهزه بلطف وتهمس بحنان: مشعل مشعل

مشعل رد عليها بهدوء وهو يحاول أن يكتم إحساسه بالألم ويلتفت ناحيتها: نعم لطيفة

لطيفة برعب: لا تتحرك خلك على بطنك..
ثم أكملت بانفعال: الشاش غرقان دم.. خلني أغيره..

مشعل برفض: لا لطيفة لا..

لطيفة باستغراب عميق وألم أعمق: ليش مشعل؟ لهالدرجة ما تبيني أقرب منك؟؟

مشعل بهدوء: لطيفة الله يهداش أنتي وين راحت أفكارش
أنا حانّش بس.. (حانش = رأفة بكِ)

لطيفة باستغراب: تحني من ويش؟؟ كله شوي شاش بأغيره عقب ما انظف الجرح

مشعل بذات هدوءه وهو متمدد على بطنه: وبتستحملين منظره.. ترى ظهري كله منسلخ!!

لطيفة لم ترد عليه وهي تقرب المقص وتقص ثوبه أولا
ثم تقص الشاش بخفة
وتبدأ بفكه
لتنفجع من شكل التسلخات العميقة النازفة
شعرت أن عبراتها تقفز لبلعومها وعيناها تمتلئان بالدموع غصبا عنها

بدأت بالتنظيف
شعرت بألم عميق يمزق روحها
لأول مرة تلمس جسده منذ شهرين
ويكون بهذه الحال
يغتالها انفعالها بآلمه.. تكاد تشعر أن جروحه تنزف في جسدها هي

أنهت التنظيف وهي تعرف أنه يكتم إحساسه بالألم
شعرت أن شهقاته التي يكتمها كسكاكين حامية تنغرز في روحها وجسدها
كانت تعرف أنه يتألم كثيرا
كلما مسحت الجروح بالمطهر ارتعش جسده دون أن يبدي أي صوت
ومع كل ارتعاشة كانت هي تشهق في داخلها وتبدأ دموعها بالإنهمار
وكأنها تتألم نيابة عنه

ثم بدأت تغطي جروحه بالشاش بعناية
حين أنهت مهتمها كانت قد وصلت قمة انهيارها العاطفي
لم تعد تحتمل
فمالت على أذنه
وارتعش مشعل وهو يحس بأنفاسها قريبة منه هذا القرب

همست في أذنه بصوتها الباكي المرتعش: ليته فيني ولا فيك

ثم نقلت شفتيها لكتفه العاري وهي تقبله بحنان

ارتعش مشعل في داخله
شعر أن انفعاله أكبر من أي كلمات
همساتها الناعمة في أذنه
ثم ملمس شفتيها العذبتين على كتفه
كان أعذب من كل أحلامه

كان مشعل أشبه كما يكون بصحراء قاحلة
فوجئت بانفتاح السماء عليها بأمطار غزيرة
فتحتاج هذه الصحراء بعض وقت
لامتصاص المياه ولتزهر بعد جدب..


ولكن لطيفة المحرجة كانت تنتظر منه ردة فعل ما
ردة فعل على مشاعرها ناحيته
مجرد كلمة ما كانت ستكفيها
لكن مشعل مازال انفعاله العميق يهزه..

شعرت لطيفة بألم كبير وهي تشعر بإهانة حادة قاسية
(للمرة الثانية أكون غبية.. غبية
المفروض أني حفظت درسي من أول مرة
أبعثر مشاعري قدامه
وأنا عارفة إنه مشاعره مع وحدة غيري)

قفزت لطيفة للحمام لتغلق على نفسها
وتنخرط في بكاء حاد
في الوقت الذي التفت فيه مشعل لها ليقول لها:
لطيفة حبيبتي


ليجد مكانها خاليا..!!



*************************



شقة مشعل بن عبدالله
الساعة 10 إلا ربع صباحا


بعد الموقف بين مشعل وهيا
مشعل خرج للصالة ليشاهد الأخبار في محاولة للسيطرة على انفعاله

في الوقت الذي كانت فيه هيا تعاني انفعالا أكبر مازالت في غرفتها

رن جرس الباب
فوجئ مشعل بباكينام عند الباب
ووجهها غارق في الدموع
وهي تقول بحرج وعيناها في الأرض:

دكتور مشعل ممكن أدخل عند هيا..


#أنفاس_قطر#
.
.
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء الثامن والثلاثون


غرفة مشعل ولطيفة
الساعة 3 إلا ربع

مشعل تحامل على نفسه ونهض ليقترب من باب الحمام
نحره صوت شهقاتها المكتومة القادمة من داخل الحمام
شعر بألم عميق حاد
وكم هو قاسٍ هذا الألم على رجلٍ متخمٍ بالكبرياء مثله!!

لم يعرف كيف يتصرف
ممزق بين مشاعره العميقة وكبرياءه الثمين

عاد ليجلس على السرير ووجهه لباب الحمام
استغرقت لطيفة عشر دقائق لتخرج
وهي تحاول التجلد

فألمها كان عميقا متوحشا غائرا في أعماقها
هذه المرة ألمها كان أقوى وأحد وأقسى
فكل ما تبقى لديها من الأمل تبخر
فمشعل في ظنها عاجز عن مبادلتها أدنى شعور
كان إحساسها مرا جارحا ومهينا
شعور مؤلم لا حدود لألمه الممتد في كل شريان من شرايينها
كانت تنزف ألما ويأسا ومرارة!!

فور خروجها.. همس مشعل بهدوء: لطيفة

لطيفة قاطعته ببرود وثقة: أرجوك مشعل لا تقول شيء
أي شيء بتقوله بيحرجني زيادة
اعتبرني ما قلت شيء وانت ماسمعت شيء

مشعل بذات هدوءه العميق: بس لطيفة....

قاطعته لطيفة (لا تريد أن تسمع.. لا تريد أن تسمع
كانت تظن أنه سيخبرها عن سبب عدم قدرته على مبادلتها مشاعرها
وشعرت أن مصارحة كهذه ستكون قاسية جدا على مشاعرها وكرامتها):
خلاص مشعل أرجوك
لو لي أي احترام عندك.. ما أبي اسمع شيء

صمت مشعل.. فكبرياءه لا يحتمل أكثر من هذا!!
فهو حاول أن يفسر .. يشرح.. يعترف

يعترف الاعتراف الذي انتظرته لطيفة 13 عاما
ولكنها لم تمنحه الفرصة
وهو يستحيل أن يستجدي الفرصة منها!!

تركها تتوجه لأريكتها وهو تمدد على السرير


ولم ينم أي منهما!!



**********************



غرفة هيا
الساعة 10 وربع صباحا

مازالت باكينام تبكي وهي تهتف بانفعال: أنا غبية غبية
أنا ينضحك عليا كده وبالطريئة دي
أكيد هو كان طول الوئت بيضحك عليا وأنا عاملة زي مراهقات المدارس

هيا بمساندة وهي تحتضن يد باكينام: باكي حبيبتي تراج مزودتها
مافيه شيء يستاهل
الولد ما غلط بشيء.. وحتى لو أنتي شايفته غلطان
خلاص السالفة كلها إنه أنتي خلاص ماتروحين هناك وبس

باكينام مازالت تبكي: يعني أنتي شايفة أنه ماخلانيش مسخرة
دا أنا كنت بأتغزل فيه بالمصري وهو ساكت

ابتسمت هيا: وحد قال لج تغازلينه؟!!

باكينام ابتسمت وهي تدعك أنفها المحمر:
أهو عبط وخلاص..
وهو يخرب بيته كان شكله وزوئه ينطء الحجر

هيا ضحكت: زين ابتسمتي.. فكيها
يمكن ربي بعث لج هالمصري عشان ينتقم لكل المصريين اللي لوعتي قلوبهم

باكينام بعمق: بس هو جرحني بجد يا هيا..
يعني أنا كنت باقول له أنت مكسيكي.. وكان بيسكت..
ليه ما ئاليش إنو مصري.. ليه يجرحني كده؟!!

هيا بنبرة خاصة: ما نحس بالجرح إلا من الناس اللي نحمل لهم مشاعر خاصة

باكينام وقفت وهي ترتعش: إيه مشاعر خاصة دي
أنا أخرتها هأبص لجرسون لا راح ولا جا
بعد ولاد الوزراء والسفراء اللي ماحدش منهم ملا عيني

ابتسمت هيا: جرسون بس طالب دكتوراه..

باكينام باستنكار: حتى ولو.. جرسون حافي مش لائي ياكل..



**********************



اليوم التالي

غرفة لطيفة

لطيفة نائمة
نامت بعد ذهاب أولادها للمدرسة
وبعد مجيء راكان وأخذه لمشعل
فهي لم تنم مطلقا من البارحة

تركت لطيفة هاتفها بجوارها ونبهت تلفونها على صلاة الظهر
رن جرسها
صلت الظهر ومشعل لم يعد بعد

بعد الصلاة
عاد مشعل وشكله متعب أكثر
كان راكان من أدخله

ثم همس لطيفة بصوت منخفض: جروحه ملتهبة
الدكتور كان يبي ينومه في المستشفى بس هو مارضى
انتبهي له.. تلفوني جنبي.. لو تعب عليش أي وقت دقي علي
وهذي أدويته.. أهم شيء المضاد الحيوي الحين

تحاول لطيفة تنحية شعورها العميق بالألم
ولكنها عاجزة
فكل مافيها ينطق بالألم
شرايينها تصرخ ألما له ومن أجله


(هذا مشعل
مهما كابرت.. مشعل
مهما دسيت مشاعري.. مشعل
حتى لو هو ماعرف.. يظل مشعل
مشعل اللي أتنفسه
مشعل اللي يمشي في عروقي بدل الدم
ليش ماقدرت تحبني يا مشعل ليش؟!!
يعني كل ذا الحب اللي أحبك ماحرك شيء في مشاعرك!!)

لطيفة هزت رأسها لتنفض أفكارها
خلعت عباءتها
واقتربت من مشعل الذي كان ينام على بطنه
همست: مشعل أجيب لك شيء؟؟

مشعل على الجبهة الأخرى اجتمعت عليه كل الآلام الروحية والجسدية
همس بهدوء: لا شكرا

لطيفة بذات الهمس: أشلون يعني؟؟ منت بمتغدي؟؟

مشعل بذات هدوءه: والله ماني بمشتهي

كثيرٌ عليهما كل هذا الألم
يتمدد هو السرير
وتجلس هي إلى جواره
قريبان
بعيدان
متألمان
يدور حولهما إعصار من المشاعر الكثيفة العميقة ينتظر لحظة الإطلاق
لحظة الإطلاق التي يبدو أنها أضاعت الطريق في ضبابية الكبرياء


**********************


خبر إصابة مشعل انتشر
والكل بدأ بزيارته أولهم والده وعمه وجدته


بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر

موضي تتصل بفارس

فارس يبتسم: من وين الشمس شارقة؟؟
الشيخة موضي متصلة
تدرين كان من المفروض مخلين حمد يطلقش من زمان
عشان تكلميني كل يوم

موضي تألمت من ذكر حمد الذي أعاد لها الذكريات المرة
لكنها ضحكت وهي تقول:
يا ملغك بس
هم المزايين كلهم مليغين وإلا أنت بس؟؟

فارس ينهرها: مويضي..

موضي تبتسم: قول مويضي على كيفك
المهم منت بعندي تزنطني

فارس ضحك: لو أني مني برايح لمشعل الحين
كان مريتش وزنطنش

موضي قفزت في بالها فكرة شيطانية: لا تروح لمشعل الحين
روح له عقب المغرب

فارس باستغراب: وليش بعد المغرب؟؟

موضي بخبث: حبيبة القلب بتكون هناك عقب المغرب
لأنها عندها محاضرات بترجع منها لبيت مشعل
هي قالت لي قبل شوي في التلفون

فارس شعر أن قلبه يغوص بين قدميه
ومجرد ذكرها بعث قشعريرة انفعال هزت جسده
ولكنه رد ببرود: وخير يا طير

موضي وهي تصطنع لهجة عدم اهتمام: صح خير ياطير
كنت بأخليك تشوفها بس

هذه المرة شعر فارس أن قلبه انتزع من مكانه بقوة قاهرة
ولكنه رد بذات بروده: أنتي نصابة
أشلون أشوفها وبيت مشعل الحين مليان ناس
أمه وأخته مريم.. حتى أمي راحت لهم واكيد أمش بعد

موضي تضحك: اعترف أول أنك أنت اللي تبي تشوفها
وعقب خلها على قدرات أختك الذهبية

فارس لا يريد أن يراها فقط
بل سيجن ليراها.. ولكنه ليس هو من يتنازل
لذا رد بكل بروده وثقته الشهيرة: والله بتخليني أشوفها بدون ما تحرجيني بخبالش
زين على زين
بتكثرين علي البربرة اقلبي وجهش المغبر

موضي تضحك: يمه منك
أدري أنك مستحيل تقول لي لو سمحتي يا أختي خليني أشوف عنودتي
لأني من يوم شفتها المرة اللي فاتت وأنا ما أمسي الليل
بس أختك قلبها طيب.. يا الله موب لازم أني أنا أنبسط يوم تترجاني شوي
المهم أنت تنبسط والله يعطيني على قد نيتي

خلاص أنت تعال بعد المغرب.. وخل الباقي علي..


**************************


شقة مشعل بن عبدالله
بعد العشاء

كانت هيا ترفع صحون العشاء عن الطاولة
ومشعل يشرب شايا أمام التلفاز

رن هاتفه
ألتقطه بهدوء ورد بهدوء: أهلا دكتورة باتريشيا

هيا ارتعشت يدها
وسقط الصحن من يدها على الطاولة
ليحدث دويا بسيطا ولكن دون أن ينكسر
لأن المسافة كانت قريبة..

لكن الصوت كان كافيا لجلب انتباه مشعل
الذي هتف بهدوء: لا بأس دكتورة باتريشيا
سأحاول الحضور إن استطعت

ثم أغلق الهاتف
وتوجه لهيا وقال لها بهدوء: سلامات.. فيش شيء؟؟

هيا لم ترد على سؤاله ولكنها قالت بغضب مكتوم: وش تبي باتريشيا هانم؟

مشعل بهدوء: عندها بكرة ندوة.. تعزمني عليها

هيا بذات الغضب المكتوم: وبتروح؟؟

مشعل بهدوء: ما أدري ما بعد قررت..

هيا وهي تصر على أسنانها: لا تروح

مشعل بحدة: نعم؟؟

هيا بحدة مشابهة: أقول لا تروح..

مشعل بغضب: أنتي تامريني أنا..

هيا بغضب أكبر: اعتبره مثل ما تبي

مشعل بغضب ناري: يظهر إنش فهمتي حلمي عليش ومراعاتي لش غلط
وخلتش تبين تحطين رأسش برأسي
أعتقد إني الرجّال هنا.. فاحفظي حدودش
وإعرفي أشلون تحشمين رجالش

هيا لم ترد عليه
وهي تتوجه لغرفتها وتغلق بابها عليها بصوت مدوٍ

كان بود مشعل أن يتوجه خلفها
لأنه لم ينهِ كلامه معها بعد

فهذه ليست المرة الألى التي تحتد فيها حين تكلمه باتريشيا بالذات
ولكن حدتها وقلة أدبها –كما يرى- تجاوزت الحد هذه المرة
لذا تحتاج لمن يوقفها عند حدها

عاجز عن تفهمها وتفهم تصرفاتها الغريبة
وأتعبته محاولة الفهم
لذا قرر أن يتصل بإحدى شقيقاته ويسألها
فالأنثى أكثر فهما للأنثى
مبدئيا كان يريد الاتصال بلطيفة
فهو يثق في بعد نظرها كثيرا
ولكنه يعلم أن مشعل مريض –كما أخبروه- لذا لابد أنها مشغولة معه
لذا قرر الاتصال بموضي

موضي التقطت الهاتف بلهفة: هلا والله بقلب أخته
هلا برجّال هيونه

مشعل ابتسم: هلا والله بالغالية.. ورجال هيونه يبي استشارة نسوية
عشان هيونه حيرته

موضي تبتسم: حاضرين.. وبدون ما تقول: الاستشارة بيني وبينك
بس مهوب تنسى أتعابي..

مشعل ابتسم: فديت اللي فاهمني يا ناس

مشعل حكى لموضي كل شيء
وكان رد موضي عليه إنها استغرقت في ضحك عميق
ثم حاولت التماسك وهي تقول: وحضرة الدكتورة باتريشيا مزيونة؟؟

مشعل يضحك من ضحكها: بصراحة ما اهتميت.. بس إيه مزيونة

موضي مازالت تضحك: مزيونة شوي وإلا واجد؟؟

مشعل يبتسم: فوق الواجد بواجد..

موضي لا تستطيع مسك نفسها من الضحك: قول كذا يا ابن الحلال!!

مشعل مبتسم: خلصيني يا بنت الحلال..
والله إني عجزت أفهم ليه تركبها العفاريت عند طاري ذا الدكتورة

موضي بحنان: ولو أنك أنت اخي الكبير وبتصير دكتور بعد كم شهر..
بس بريء الله يرج عدوينك
مرتك غيرانة عليك.. زين إنها مافقعت من الغيرة لحد الحين
وأنت ولا مهتم ولا داري

مشعل باستغراب: هيا غيرانة علي أنا؟!!

موضي برقة: لا غيرانة على ولد الجيران..
حرام عليك مشعل.. راعي مشاعرها شوي
إذا هي ما تكلمت.. المفروض أنت تفهم من تلميحاتها لك
المسكينة ترا فاض بها
زين ما ثارت عليك من زمان..
وإذا تبي نصيحتي
بلاها سالفة ذا الدكتورة.. مافيه داعي تجرح زوجتك من أولها


مشعل أغلق من موضي وهو يشعر أن غشاوة أُزيلت عن ناظريه
شعر أن كثيرا من تصرفات هيا غير المبررة
بدت له الآن مفهومة
ولكنه يعرف أن الغيرة دليل حب

فهل يعقل أنها .......؟؟

مشعل تنهد وتوجه لغرفة هيا
فتح الباب ليجدها منكبة على سريرها وتبكي
فُجع
لم يتوقع أن تكون ردة فعلها هكذا!!

اقترب منها بهدوء


#أنفاس_قطر#
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
.
.


أسى الهجران/ الجزء التاسع والثلاثون


شقة مشعل بن عبدالله

مشعل أغلق من موضي وهو يشعر أن غشاوة أُزيلت عن ناظريه
شعر أن كثيرا من تصرفات هيا غير المبررة
بدت له الآن مفهومة
ولكنه يعرف أن الغيرة دليل حب

فهل يعقل أنها .......؟؟

مشعل تنهد وتوجه لغرفة هيا
فتح الباب ليجدها منكبة على سريرها وتبكي
فُجع
لم يتوقع أن تكون ردة فعلها هكذا!!

اقترب منها بهدوء

همس: هيا.. هيا

شعرت هيا بحرج شديد.. وهي تراه أمامه
وتشعر أنها عارية أمامه بدموعها وضعفها
لذا كانت ردة فعلها أنها صرخت به وهي تحاول إخفاء دموعها والتسلح بالقوة:
اطلع من غرفتي
أظني احنا متفقين إنه لكل واحد غرفته
ومالك حق تدخل غرفتي بدون استئذان..

مشعل شعر بالغضب فعلا من أسلوبها المستفز، وهو من كان قادم لاسترضائها:
وأنا أظني إن هذا مهوب أسلوب تكلمين فيه رجّالش
إذا أنا مستحملش واحترمش
مهوب تستغلين ذا الشيء وتستغلين صبري عليش

هيا قفزت وهي تقول بغضب مر: إيه قول كذا
قول إنك مستحملني لأنه أمي فرضتني عليك
وإلا لو عليك كان رميتيني من زمان
مثل ما جدك رمى أبي

مشعل بغضب: أنتي ما تنسين الحقد اللي قي قلبش؟؟

هيا بغضب أكبر: أنا غلطانة يوم حاولت أنساه

غضب هيا وغيرتها جعلتها تدخل القضايا في بعضها
وهي تكيل العبارات القاسية لمشعل
تراكمات حقدها ومشاعرها الكثيفة وحزنها وحبها الوليد لمشعل
الحب الذي تحاول إنكاره
والذي اكتشفت أنه بدأ يتعمق في روحها
وأن مشعل لابد اكتشف ذلك من غيرتها غير المبررة

مشعل يتنهد بعمق وهو يحاول ألا ينفجر فيها
فهي مهما كان أنثى ضعيفة لا ملجأ تلجأ له في هذه الغربة سواه
ولا يمكن أن يكون مصدر الحماية لها هو ذاته من يجرحها
لذا قال بغضب مكتوم: تدرين الحكي معش ضايع
أنا ماراح أرادش في الحكي
وباشتري رأسي لأنه أنا مهوب ناقص حنة..

قال جملته وخرج
وفي الوقت الذي كانت هيا تصرخ خلفه:
إيه كلامي ثقيل على قلبك
بس كلام غيري عسل..



**************************



بيت مشعل بن محمد
بعد صلاة المغرب

مشعل مازال في المسجد
فهو رغم تعبه إلا أنه كان يصر على الصلاة في المسجد

في مجلس الحريم
كانت نساء عائلة ال مشعل
أم محمد وأمهات مشعل وأم فارس ولطيفة وموضي ومريم
مشاعل في البيت رفضت المجيء
والعنود في طريق العودة من الجامعة بعد أن ذهبت سائقة مريم لإحضارها

بعد دقائق اتصل مشعل بلطيفة يخبرها أنه وصل هو وراكان
ويريدان السلام على جدتهما

جميع من في المجلس أضفين عباءاتهن ونقاباتهن عليهن عدا مريم
دخل مشعل وراكان يسنده
سلموا على جدتهما وأمهما ومريم
وألقوا التحية على الباقين
وجلسا في الزاوية..

مشعل وجه خطابه بهدوء لموضي: بنت عبدالله.. أشلون يدش الحين؟؟

موضي بهدوء وهي تضفي عباءتها على يديها رغم أنه لا يظهر منها شيء بتاتا:
الحمدلله طال عمرك.. أنت اللي أشلونك؟؟ ومعافى من الشر

مشعل بهدوء: طيب طاب حالش..
ثم أشار لراكان أن يأخذه للأعلى

راكان وقتها كان مستغربا كيف تحولت مشاعره فعلا
قبل زواج موضي كان مجرد ذكر موضي يحرك زلازل مشاعره وفيضاناتها
الآن هي متواجدة معه في ذات المكان
ولا يشعر بأي شيء مطلقا
وجودها كعدمه..

سخر بمرارة من نفسه (الله يرحمه قلبي
كان قلب حنون ومتدفق
عظم الله أجرك يا راكان في قلبك!!)

راكان خرج بمشعل لغرفته
في الوقت الذي لطيفة همست لموضي أن تتولى مهمة صب القهوة
حتى ترى مشعل وتعود

موضي بمرح: أشلون أصب؟؟ بيد وحدة؟!!

لطيفة غير قابلة للمرح قالت بهدوء: صرفي روحش أو ادعي حد من الخدامات

وقتها رن هاتف موضي كان فارس المتصل..
موضي همست له: شوي لا تجي الحين

راكان أوصل مشعل وغادر
في الوقت الذي صعدت فيه لطيفة لمشعل الممدد على سريره

لطيفة همست له: مشعل تبي شيء؟؟

مشعل بهدوء: جيبي لي جود.. وأنتي روحي لضيوفش
لا تهتمين مني..

(كيف لا أهتم؟؟
كيف؟؟
قد أكون معهم.. ولكن تفكيري كله معك
ليتك تعلم كم يمزقني قلقي عليك!!
أي قلبٍ جليدي تحمل يا هذا!!
أيجري بعروق قلبك دم ساخن كدماءنا
أم أن مايجري بقلبك هو محض ماء بارد؟!!
ألا تشعر بشيء مطلقا؟!!)



*************************



مجلس الحريم في بيت مشعل بن محمد

العنود وصلت سلمت على الجميع
ثم صعدت ركضا لأخيها

دخلت عليه بهدوء كان يتمدد على جنبه
وجود تتمدد على ذراعه وتلعب بلعبة في يدها
وهي تثرثر على والدها
وهو يبتسم لكل شيء تقوله رغم إحساسه بألم عميق يمزق خلايا ظهره
كان جزؤه العلوي عاريا وظهره كاملا مغطى بالضمادات

ما أن رأت العنود منظره حتى انخرطت في بكاء حاد

مشعل جلس وهو يفتح ذراعيه لها ليحتضنها ويقول بحنان:
انتي تفاولين علي يعني
مافيني شيء وتبكين ذا البكاء كله
أجل لو أنا...

العنود وضعت يدها على شفتيه وهي تقول برقة باكية: تف من ثمك
جعل يومي قبل يومك

جود تسأل والدها: بابي ئميمية ليش تكي؟؟

مشعل ابتسم: تبكي عشانها غبية ودلوعة..

جود توجه حديثها للعنود: ئميمة أنت كبيه ودلوئة؟؟

العنود تمسح أنفها المحمر وتبتسم: وأنتم عيلة ماعندها مشاعر من الأبو العود
للبنت المفعوصة..

مشعل يحتضن جود بحنان مصفى: فديتها ذا المفعوصة حبيبة إبيها

العنود تجلس بجوار مشعل دموعها مازالت مستمرة بالانهمار:
انت طمني عليك.. أمانة أنت طيب؟؟

مشعل يحتضنها من كتفها ويقول بحنان: والله إني طيب
تبين أشلش على ظهري مثل يومش صغيرة عشان تتأكدين

العنود تطبع قبلة على خده: لا فديتك بلاها الشلة ذي

حينها رن هاتف العنود كانت موضي المتصلة:
العنود بسرعة روحي لغرفة مريوم لأنه فارس طالع يسلم على مشعل

العنود حينما سمعت اسم فارس وأنه قادم
شعرت كما لو كان سُكب فوق دماغها ماءً مثلجا جمد خلايا مخها
وقلبها يرتعش كأجنحة عصفور مبلل

قفزت
سألها مشعل باستغراب: وش فيش؟؟

العنود بخجل: بيجيك رجّال ويبوني أطلع

مشعل باستغراب: ومن اللي بيطلع لي غرفتي.. خله وأنا بانزل له..

العنود بخجل أكبر: فارس

مشعل بتفهم: فارس ماعليه.. أنتي روحي وبخلي لطيفة تجيبه


وقتها كان عقل موضي يعمل بسرعة حتى تحكم مخططها

كانت لطيفة تريد أن تصعد مع فارس
لكن موضي قالت لها: خليش أنتي مع النسوان
مساكين ما تقهوا وانا قاعدة أقهويهم بيد وحدة
أنا بأوصله فوق وباروح للعنود في غرفة مريوم


مريم بنت لطيفة كانت عند خالتها ريم في بيت جديها
مثل عبدالله ومحمد اللذين كانا عند خالهما سلطان

لطيفة أخذت الأمر على ظاهره وتركتها تصعد مع فارس
بعد ما أتصلت على مشعل وأخبرته
وتأكدت أن العنود خرجت من عنده

فارس وموضي يصعدان الدرج
فارس يهمس لها بهدوء: أنتي وش أنتي مهببة؟؟
قلبي ناغزني منش

موضي تضحك: أنت مهوب تبي تشوفها
بتشوفها
بس ترا دقيقة وحدة لك

فارس رغم أن قلبه يذوب شوقا لها
ولكنه غير مطمئن لمخطط موضي الذي لا يعلم عنه شيء

حين وصلوا للأعلى
موضي همست له روح افتح الغرفة اللي هناك

فارس باستغراب: بس هذي مهيب غرفة مشعل

موضي بنفاذ صبر: لا تصير مسبه.. روح على أساس أنك غلطان في الغرفة
والغلطان ماعليه حرج

فارس تنهد وهو يأخذ نفسا عميقا
ثم يفتح الباب



*************************
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
بعد ذلك بوقت
ولكن بتوقيت آخر
الساعة 2 بعد منتصف الليل


غرفة باكينام في السكن
باكينام مازالت ساهرة
فموقف اليوم لا يغيب عن بالها
وهي تستعيده مرارا وتكرارا
كأنه شريط سينمائي يمر أمام عينيها
تشعر بالكثير من الألم
تشعر أنها أهينت
لو كان طالب دكتوراة فقط ولكنه مكسيكي كما تظنه
كان سيكون أمرا اعتياديا

ولكن ماجرحها بعمق
أنه ابن بلدها ومع ذلك استمتع بالعبث بها والسخرية منها

رن هاتفها
رقم غريب.. لم ترد
لكن الرقم عاود الاتصال
ردت..

صوته العميق اقتحم سكونها: باكينام آسف إني باتصل دلوئتي
بس مش ئادر أنام ..سبيني اتكلم لو سمحتي









أسى الهجران/ الجزء الأربعون


بيت محمد بن مشعل

فارس يقف أمام غرفة مريم الصغيرة
تنهد وأخذ نفسا عميقا
ثم فتح الباب

وقتها كانت العنود تجلس على سرير مريم المواجه للباب
وظهرها مسند لرأس السرير وساقاها مطويتان للخلف تحتها بشكل مائل
و تتأرجحان على طرف السرير ليظهر طرف (البوت العالي) الذي ترتديه

كانت مازالت ترتدي عباءة الجامعة المغلقة
ولكن شيلتها على كتفيها
وشعرها كانت فكته للتو لتريحه من الربط تحت الشيلة
وهاهو يتناثر على كتفيها
مازالت آثار البكاء واضحة عليها
ووجهها الخالي تماما من أي زينة كان محمرا

كانت متوترة نوعا ما
لأنها تعلم أن فارس قريب منها
متوترة من مجرد إحساسها بقربه
فإذا بها ترى الباب يُفتح
وسبب توترها يقف أمامها


لم تره يوما من هذا القرب وبهذا الوضوح
خطوات فقط بينهما
شعرت أن حضوره ألتهم مساحة الحجرة لتضيق عليها
حتى باتت عاجزة عن مجرد التنفس
وعيناها ضارعتان للوجه البالغ الوسامة والحضور المبهر الرجولة

حاولت أن تقفز للحمام
أن تختفي من أمامه
ولكن قدميها عاجزتين عن حملها
وهي تنظر له بجزع
ودقات قلبها طبول مجنونة
(كم يبدو وسيما
ومهابا
ورجوليا لحد الوجع!!!)


فارس حلق في عالم آخر
رؤيتها هزته بعنف عميق
أعنف وأعمق من المرة الماضية بكثير
فهذه المرة هي قريبة.. قريبة..
العين في العين ودقات القلوب تتناغم

منظرها الباكي ووجهها الطفولي المحمر
كان ممزقا لشرايينه بعنف
بدت له أصغر من المرة الماضية وأكثر عذوبة وبراءة وسحرا
بدت مخلوق ملائكي لا ينتمي إلى البشر
فالبشر ليس لهم مثل هذه الطلة التي تنغرز في الروح وتهزها بعنف

( يا آلهي ماذا فعلت بنفسي؟!!
لماذا وافقت أن أراها
لماذا؟؟
رؤيتها تشطرني نصفين
تمزقني
تبعثرني
أي مخلوق هي؟؟ أي مخلوق؟؟
ليتني لم أرها.. أشعر أني ضائع.. ضائع
عاجز عن إيجاد روحي)

صوت موضي من الخارج قاطع المشهد:
فارس تعال
غرفة مشعل من هنا

فارس أغلق الباب بهدوء وملامح وجهه لم تتغير مطلقا
رغم الزلزال الذي يضربه بعنف
أغلق الباب وهو يشعر أنه ترك قلبه خلف هذا الباب
تركه حقيقة لا مجازا
يشعر أن يسار قفصه الصدري خال من قلبه
الذي حلق ليحط بين بيدي أميرته الصغيرة

يشعر أن خطواته ثقيلة وهو يتوجه لغرفة مشعل
وموضي تمسك به وتهمس في أذنه: وش الأخبار؟؟

لم يرد عليها فارس بغير كلمات معدودة أثارت أقصى استغرابها:
ماسويتي فيني خير.. ليتني ماشفتها
نحرتيني يا أخيش وأنتي ما تدرين



*********************



غرفة مريم الصغيرة
العنود بدأت بالبكاء من حرجها من الموقف

موضي فتحت الباب ودخلت

العنود قفزت وهي ترتمي على صدر موضي التي حضنتها بيد واحدة
وهي ترتعش وتهتف بصوتها الباكي: تكفين موضي لا حد يدري إن فارس شافني هنا

موضي ابتسمت وهي تمسح دموع العنود: أنتي غبية
أكيد ماحد بداري .. لا تحاتين

ثم ابتسمت العنود وهي تقول بعذوبة بين دموعها:
ويعني مالقى يشوفني إلا وأنا حالتي حالة
أكيد الحين بيهون.. ويقول ما أبيها.. جيكرة ..أنا أحلى منها

ضحكت موضي: لا تحاتين من هالناحية.. ياحظه اللي بيضويش بس (يعني محظوظ من ينالك)
ثم أكملت وهي تغمز لها: وش رأيش في فويرس من قريب كذا؟؟
عشان ما تنصدمين ليلة العرس

تنهدت العنود بعمق وهي تقول بخجل وحالمية:
ما تخيلته يجنن لذا الدرجة يا موضي
جذاب فوق الحد والوصف.. وإلا عبق رجولته.. ياويلي.. ياويلي
تحسين المكان حوالينه غرق رجولة..

ابتسمت موضي: يا سلام على وصف العشاق..

أحمر وجه العنود وهي تكح من الحرج: عيب ياموضي..
الشرهة على اللي يعطيش رأيه بس



***********************



غرفة باكينام

رن هاتفها
رقم غريب.. لم ترد
لكن الرقم عاود الاتصال
ردت..

صوته العميق اقتحم سكونها: باكينام آسف إني باتصل دلوئتي
بس مش ئادر أنام ..سيبيني اتكلم لو سمحتي

باكينام قفزت عن سريرها وهي تهتف بغضب:
أنت جبت نمرتي ازاي؟؟

يوسف بهدوء: من النوت بتاعك اللي سبتيه في الكوفي النهاردة

باكينام تحاول التحكم بأعصابها: خلاص صاحبتي هتيجي تاخده من عندكم

يوسف بعتب: للدرجة دي مش عايزة تشوفيني.. تبعتي حد ياخده

باكينام بلهجة استعلاء مصطنعة تحاول بها تغطية جرحها العميق:
وأنت تكون مين عشان أجي أشوفك

يوسف يتنهد ويقول بنبرة عميقة هزتها بعنف:
إزا كنتي انتي مش شايفاني حاجة أنا شايفك كل حاجة
بليز باكي اديني فرصة اشرح لك
خلينا نتعرف على بعضينا وبصراحة المرة دي

شعرت باكينام أن قلبها يغوص في قدميها غصبا عنها
ونبرته العميقة الدافئة تذيب خلاياها
ولكنها مجروحة منه لذا قررت أن تجرحه:
العب على ئدك ياشاطر
شوف لك جرسونة زيك
وما تبصش فوق أوي عشان رئبتك ما تنكسرش..

الإهانة وصلت يوسف حادة جارحة مؤلمة ولئيمة:
دا أخر كلام عندك؟؟

باكينام تتمزق ولكنها أجابته ببرود مصطنع: وماعنديش غيره

كبرياءها اللعين حضر بقوة
خليط من كبرياء عربي وتركي وإيرلندي صنع مخلوقاً مختلفا
متخما بالكبرياء
مستعدة هي أن تدوس قلبها ومشاعرها في سبيل كبرياءها

وتكبرها أيضا !!
التكبر الذي ورثته من عرق اللوردات الإنجليزي الفخم


*********************



الساعة 9 ونصف مساء
غرفة مشعل بن محمد

بعد أن عاد مشعل من صلاة العشاء
وتأكدت لطيفة من تناوله لعشائه
توجهت لابنائها درستهم قليلا
ثم بقيت عندهم حتى ناموا

ثم عادت لمشعل
قد يكون مشعل في ظنها لا يحبها ويريد الزواج بأخرى
ولكنه مهما يكن زوجها ووالد ابنائها وابن عمها
وهي كامرأة أصيلة مسؤولة عنه حتى تصح جروحه وتشفى

"هل هو هذا فقط يالطيفة؟!!"

كان مشعل ينام على جنبه
كان متعبا ويشعر ببوادر حرارة من آثار الإلتهاب
ولكن لطيفة حين سألته: شأخبارك الحين مشعل؟؟

أجابها: بخير تمام
ثم أردف بهدوء: اليوم مادرستي كلش
أشغلتش معي.. روحي ادرسي.. انا بأنام أصلا

لم تكن لطيفة تريد أن تدرس
كانت تريد أن تبقى لجواره
ولكنها لا تستطيع أن تقول ذلك له

(الرجّال بروحه زهقان مني
ومهوب طايق يشوفني
يبيني أروح أدرس يفتك مني)

تشعر بألم عميق من مرارة أفكارها المهينة
ولكنها قالت له بهدوء: خلاص أنا بأروح أدرس
وهذا أنا قريبة منك
إذا بغيت شيء نادني

لطيفة توجهت لمكتبها
وبدأت بالدراسة التي لم يكن تركيزها معها
بل تركيزها في شيء آخر
أجبرت نفسها على الدراسة قليلا
ثم أطلت عليه ووجدته نائما
أطمئنت وعادت للدراسة
حوالي الساعة 11 عادت لتطل عليه

صدمها منظر العرق على وجهه
فالجو كان باردا
اقتربت منه وجلست جواره
وضعت كفها على جبينه
كان ملتهبا
ارتعبت

أحضرت له كمادات ماء بارد
وأحضرت دواء الحرارة
ثم همست قريبا منه: مشعل مشعل

مشعل بتعب: نعم لطيفة

لطيفة بحنان: قوم مشعل اكل الحبوب هذي

مشعل بإرهاق: ما أبي حبوب.. أبي أنام

لطيفة وضعت يدها خلف عنقه وهي تحاول أن تقعده
ولكنها عجزت
فجسده الضخم المتخم بالعضلات كان كجبل مثبت بأوتاد

لطيفة همست له: مشعل تكفى قوم..

مشعل حاول أن يجلس وهو يشعر بدوار حاد
فسقط على ظهره فأن بعمق من ألم جروحه التي ارتطمت بالفراش
شعرت لطيفة أنها تتمزق: تكفى مشعل بس ارفع رقبتك شوي

بعد عدة محاولات نجحت في جعله يبتلع الأقراص
ثم بدأت تضع الكمادات على جبينه وهو متمدد على جنبه
وهي تجلس بجواره

كان يرتعش
ولطيفة ترتعش لارتعاشه

بقيت لطيفة لحوالي 40 دقيقة وهي تغير الكمادات
حتى انخفضت حرارته من تاثير العلاج والكمادات

حينها كانت لطيفة أنهت مهمتها
وعلى وشك القيام

لولا أنها فوجئت بيد تطبق على معصمها
وصوت عميق يقول لها: خليش جنبي

انتفض قلب لطيفة بعنف
كان بودها أن ترفض
فهي ليست مجرد محطة انتظار يرتاح هو بها
حتى موعد ذهابه لمحطته الرئيسية

ولكنها عجزت أن ترفض طلبه
تمددت جواره وهي تترك مساحة فاصلة بينهما

مشعل بهدوء وعيناه مغلقتان: ترا احنا مهوب مراهقين عشان تخافين تقربين مني
إلا لو كنتي أنتي ماتقدرين تتحكمين في انفعالاتش وخايفة إنها تخونش

(وقح
ومغرور
وقليل أدب
وشايف روحه..)

هذا مادار بخلد لطيفة التي أجابته بهدوء مستعر وهي تلتصق به :
خل نشوف من اللي انفعالاته شكلها بتخونه

مشعل بذات هدوءها البارد المستعر: نشوف

والاثنان ينخرطان في لعبة جديدة أكثر خطورة
مستوى جديد أخطر في لعبتهما
لعبة الكر والفر

"مستوى احترق بالقرب وادعي البرود"



******************



منتصف الليل
غرفة فارس

يبدو أن السهر والشجن أصبح رفيق هذا الشاب المتيم

ممزق تماما هذه الليلة.. ممزق
يشعر أن مايحدث له ظلم سافر له
فهي لا تستحق أن يحبها كل هذا الحب
فلِمَ يحبها حباً هو فوق الحب ذاته؟!!
يشعر أن هذه المشاعر الرقيقة العذبة لا تنتمي لشخصيته الصلبة القوية
مشاعر لا تشبهه.. ولكنها تشبهها!!

(يا الله
ما أعذبها وأرقها!!
عذوبتها ورقتها فوق الخيال
ليش يارب؟؟ ليش؟؟
اللهم أني أستغفرك وأتوب إليك
مهوب اعتراض على حكمك
بس هي ما تستاهل كل ذا الحب
يا الله..
ماعاد اللي أحسه ناحيتها حب وبس..
أنا مذبوح من حبها
قلبي ذاب.. والله العظيم ذاب
أنا واحد شخصيتي ما تنفع تحب بذا الطريقة
لا ومع العنود بالذات
اللي قلبي مليان حقد عليها
وفي نفس الوقت مليان عشق لها!!)

ينقلب على جنبه
وصورتها تقتحمه
تقتحمه بعنف
لتنسف خلاياه وتنثره شظايا في فضاءها
فضاءها هي فقط..
هي فقط..



************************



اليوم التالي

واشنطن دي سي

شقة مشعل

بعد مواجهة البارحة العاصفة
هيا ومشعل لم يتقابلا ولم يتكلما
هيا بقيت معتصمة بغرفتها
ومشعل اعتكف على أطروحته حتى نام
ثم نهض لصلاة الفجر
وبقي يعمل بعد الصلاة حتى موعد ذهابه المعتاد للجامعة

وهاهو يعود في موعد ذهاب هيا ليأخذها للجامعة
ولكنه فوجئ أنها غير موجودة

اتصل فيها: هيا وينش؟؟

هيا ببرود: رحت للجامعة

مشعل بغضب: أشلون تروحين بدون ما تقولين لي
أنتي عارفة إنه أنا بأرجع أوديش
ممكن تفسرين لي سبب روحتش كن رجّالش طوفة مهوب رجّال

هيا بذات البرود: ماحبيت أتعبك..

مشعل غاضب فعلا: ما تبين تعبيني.. تعصيني..
زين هيا.. حسابش إذا رجعتي البيت
لأنه خلاص أنتي تجاوزتي كل حد

هيا بهدوء: ماني براجعة.. بأقعد عند باكينام
وأبيك تطلقني



#أنفاس_قطر#
.
..
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء الحادي والأربعون


الحوار مستمر بين مشعل وهيا


مشعل غاضب فعلا: ما تبين تعبيني.. تعصيني..
زين هيا.. حسابش إذا رجعتي البيت
لأنه خلاص أنتي تجاوزتي كل حد

هيا بهدوء: ماني براجعة.. بأقعد عند باكينام
وأبيك تطلقني

مشعل كان مصعوقا.. لا يتخيل حتى أنها تجرأت لتفكر بالفكرة
فكيف تقذفها هكذا على مسمعه
حاول مشعل أن يتمسك بالتفكير المنطقي وهو يتنهد ويكتم غيظه منها:
عمري ما تخيلت أنه ممكن أهون عليش لدرجة إنش تقولين ذا الكلمة
بدون أدنى احترام لي أو لمشاعري

اسمعيني وماراح أعيد كلامي
متضايقة مني وما تبين تشوفيني؟؟
خلاص ارجعي أنتي وباكينام
واقعدوا في الشقة
أنا اللي بأطلع وبأروح أقعد عند سعيد
وأنتي فكري عدل في الكلام اللي قلتيه لي
وشيلي فكرة الطلاق من رأسش لأنها مستحيل تصير


على الخط الآخر كانت هيا تحاول مغالبة دموعها التي بدأت بالانهمار بغزارة
ففكرة الطلاق كانت عليها أكثر قسوة
ولكنها بدأت تسيطر عليها فكرة أنها مفروضة على مشعل
وأن مشعل متضايق منها
ومايصبره عليها هو أن والدتها وصته عليها
وهذا الإحساس كان جارحا لها ولكبرياءها
بينما مشاعرها ناحيته تأخذ منحى آخر أعمق.. أعمق بكثير!!!

مشعل يتنهد: هاه هيا..؟؟

هيا لم ترد

مشعل يتنهد للمرة الألف لكتمان غضبه: عطيني باكينام أدري إنها معش

جاءه صوت باكينام الهادئ: نعم دكتور مشعل

مشعل باحترام: باكينام لو سمحتي جيبي هيا وارجعي معها البيت
وارجوش اقعدي معها ذا اليومين
ثم أكمل بهمس: وبليز حاولي تعقلينها شوي
أنا عجزت وأنا أسايرها

باكينام باحترام: ما تشيلش هم
وأديني باقول لك ئدامها
أنا معاك مش معاها


***************************



غرفة مشعل ولطيفة
قبل آذان الفجر

مشعل يفتح عينيه
ورائحة عطر خفيف مثير تداعب أنفه
عطر طال اشتياقه لصاحبته

كان يظن أنه يحلم
(الظاهر من قد ما أنا مشتاق لها
ومع السخونة البارحة بديت أخرف واتخيل
وأشم عطرها بعد)

حاول أن يركز بصره مع الإنارة الضعيفة
وهو يمد يده بعفوية لتصتدم بالمخلوق النائم إلى جواره

انتفض مشعل وهو يرفع رأسه قليلا ليراها تنام بهدوء
ووجهها ناحيته

ثم تذكر ليلة البارحة القاسية عليه وعلى رجولته
وجسدها اللين ملاصق لجسده المشتعل
لو لم يكن مرهقا من أثر الحمى وألم الجروح
وإلا لكانت سيطرته على نفسه انهارت لينهار معها كبرياءه الثمين

كم مضى عليها لم تنم جواره .. شهرين.. بل أكثر من شهرين
آلمه العميق ليس لمجرد حاجة جسدية..
لكنه محتاج نفسياً لقربها.. قربها الذي كان يسكن روحه
كم هو مشتاق أن ينام على ذراعها..
يسمع دقات قلبها
يتنفس عطرها حتى يملأ كل خلاياه
كم كان مكابرا وغبيا حين أبعدها عنه.. بعد أن كان ينعم بجنة قربها

تمعن في ملامح وجهها الساكنة بوداعة وسحر وفتنة
كان يتمنى لو يمد أنامله ليلمس خدها.. شفتيها.. حاجبيها
يمزقه شوقه لها لأشلاء متناثرة

ولكنه أكتفى أن همس في داخله:
(وربي اشتقت لش!!
والله العظيم وحشتيني!!
ما تحسين بالنار اللي تشعل جوفي كل ما أشوفش
ما تشوفين رعشة يدي لأنها عاجزة توصل لش
ما تسمعين دقات قلبي اللي تناديش؟!!
متى بتحنين علي ياقلبي؟؟
متى؟!!
تعرفيني طول عمري مغرور وغبي
لا تكسريني على آخرها
لا تكسريني)



**************************



شقة مشعل

هيا تعود للشقة هي وباكينام
بعد أن اتصل مشعل بباكينام وقال لها أنه جمع أغراضه وسيقيم مع سعيد
مشعل عاتب بالفعل على هيا
لذا لم يهاتفها هي
فهو يشعر أنها تختبر صبره وكرامته

توجه لسعيد بعد أن قال له أنه سيقيم عنده لعدة أيام
لأن صديقة زوجته لم تجد مسكنا بعد
لذا قرر ترك الشقة لهما

هيا فور دخولها للشقة.. وإحساسها برائحة مشعل تعبق في أرجائها
انخرطت في البكاء
وهي ترمي بنفسها على الأريكة

باكينام اقتربت منها جلست جوارها واحتضنتها بحنان:
ممكن أعرف بتعيطي له؟؟

هيا من بين دموعها: ما أدري.. ما أدري

باكينام بثقة: لا عارفة.. وإزا كنتي عاوزة تخبي علي
ما تخبيش على نفسك كمان
أنا عاوزة أعرف : جوزك وبتحبيه
بتعزبي نفسك وتعزبيه ليه؟!!

هيا لم ترد عليها وهي مازالت مستمرة في البكاء



*********************

بيت محمد بن مشعل

بعد صلاة الفجر
راكان وناصر يعودان من الصلاة

مريم تجلس في الصالة السفلية مع والدها الذي عاد قبلهما بدقيقة

ناصر بمرح: وش ذا؟؟ اجتماع قمة مبكر
يالله سترك وش عندكم؟؟

أبومشعل يبتسم: ماتعرف تقول السلام عليكم بالع رادو

ناصر يبتسم: لو أن بنت عبدالله قاعدة معكم كان سلمت

أبو مشعل بغضب: ليه حن صلب ما تسلم علينا

ناصر يميل على أذن راكان ويهمس: مشكلتهم الشيبان مايفهمون المزح

راكان يلطف الجو: سامحه يبه خلاص ماعلى باله إلا بنت عبدالله
عرسه قرب واستخف

أبو مشعل بنبرة خاصة: إن شاء الله الفال لك تستخف بعد

راكان كح.. وناصر يضحك ويهمس له: استلم الموال الصباحي

ثم قال ناصر بصوت عالي: اسمحوا لي ياجماعة الخير بأروح أرقد شوي قبل الدوام

وترك راكان بين يدي موال والده المعتاد
وهو يعرض عليه ابنة أحد معارفه التي اقترحتها عليه مريم للتو..



**********************



الساعة السابعة والنصف صباحا
لطيفة تعود لغرفتها بعد ذهاب أولادها لمدرستهم

كان مشعل مازال نائما
ولطيفة كانت تريد أن تعود للنوم حتى موعد قيام جود من نومها
ولكنها لا تريد أن تنام بجوار مشعل
تريد أن تنام على الأريكة

ولكنها مجبرة أن تتمدد جواره بل وقريبا منه
فهي يستحيل أن تشعره بضعفها أمامه
وأنها عاجزة عن السيطرة على مشاعرها أمام لوح الثلج

اقتربت وهي تتمدد بهدوء حتى لا تزعجه
الامر فوق طاقة احتمالها

(إذا هو ما يحبني وعادي عنده أكون قريبة أو بعيدة
أنا مهوب عادي
إذا كنت بالكاد محتملة قربه أول
أشلون الحين وهو قريب كذا
بس ماعليه يا مشعل.. ماعليه
ماراح أفرحك فيني
بتكون عندي أنت والطوفة واحد
مثل ما أنت تعاملني بأعاملك)

لطيفة تقلبت قليلا ثم نامت

حوالي الساعة العاشرة صحت جود من نومها
وتوجهت لغرفة والديها كعادتها
فتحت الباب ودخلت

بالعادة لا تجد إلا أمها
لكنها اليوم وجدت والدها لذا توجهت له أولا
لتطبع قبلة على خده وهو نائم

صحا مشعل وابتسم بعمق وهو يرى وجه جود العذب أمامه
احتضنها بحنان وهو يهمس في أذنها:وجهش أحلى صباح

جود همست في أذنه: دوم مامي أبي همام (قوم مامي.. أبي الحمام)

مشعل مد يده ليهز كتف لطيفة لكن جود أمسكت يده: كلط.. أنا هبيتك أنت هبها ( غلط أنا حبيتك أنت حبها.. تقصد أن يوقظها كما أيقظته)

مشعل ابتسم بخبث (والله إنش تونسين يا أبيش.. وينش من زمان
صدق بنت أبيش.. تعرفين وش اللي في خاطره)

مشعل اقترب من لطيفة المستغرقة في نومها
ورغم أن نوم لطيفة خفيف لكنها لم تشعر بجود لأنها كانت تتهامس مع والدها

اقترب أكثر وطبع قبلته السريعة الدافئة على خد لطيفة
كان بوده أن يطيل ويتعمق ويروي بعضا من شوقه العنيف
ولكنه لا يريد أن يكون مفضوح المشاعر لهذه الدرجة

(يا الله كم أشتقت إليكِ
لقربكِ
لهمساتكِ في أذني
لحنانكِ واحتواءكِ
أيتها العذبة البهية!!)


لطيفة فور شعورها بملمس شفتيه.. فتحت عيناها بجزع
كان وجهه مايزال قريبا جدا
شعيرات عارضيه المحددة باستقامة
عيناه الواسعتان الغامضتان
حاجباه الغليظان
كل التفاصيل التي تفتنها حتى النخاع

انتفض قلبها بعنف
كان ريقها جافا جدا وهي تقول بخفوت: فيه شيء؟؟

مشعل ابتسم وهو يبتعد ويقول بهدوء:
جود شرطت علي أذهنش مثل ماذهنتي هي

شعرت لطيفة بريقها أكثر جفافا..
(كان هذا ملمس شفتيه على خدي!!)

كان بود لطيفة أن ترفع يدها لمكان قبلته على خدها لتلمسها
ولكن يستحيل أن تفعلها
أو تظهر له تأثرها

لذا قالت بهدوء بارد وهي تنهض عن السرير:
جود مامي.. تعالي أوديش الحمام وأبدل ملابسش..




***********************



شقة سعيد
الساعة 11 مساء

سعيد يدرس امتحان وفي غرفته

ومشعل يجلس في الصالة
يشعر بضيق يكتم على روحه
لم يتخيل أن هيا قاسية لهذه الدرجة
بالكاد أكملا شهرا منذ زواجهما
وتفاجئه بطلب الطلاق

فاجأه رنين هاتفه.. انتفض قلبه ( أيعقل أن تكون هي؟!!)

نظر للاسم وابتسم ابتسامة حنونة فيها كثير من الشجن:
هلا موضي..

موضي برقة: صباح الخير

مشعل بلطف: عندنا مساء..

موضي بمرح: وعندنا الساعة 9 الصبح.. وأنا أسلم بتوقيت الدوحة

مشعل بحنان: وش مقومش بدري؟؟

موضي تضحك: اي بدري الله يهداك..
أنا وحدة نشيطة وما أحب نومة الضحى ذي
خليناها لأختك ميشو الدلوعة

مشعل باهتمام: زين يوم أنتي وحدة نشيطة.. ليه ما ترجعين للشغل
حرام موضي أنتي عبقرية حواسيب.. حرام تدفنين موهبتش

موضي بتوتر: ما أدري مشعل أفكر أرجع.. أنا أصلا متصلة استشيرك
فيه صديقة لي من أيام الجامعة.. تقول محتاجين مبرمجين لمشروع الحكومة الالكترونية
تقول بيكون فيه قسم خاص للنساء.. بس محتاجين ناس كفاءة على أعلى مستوى

مشعل بهدوء: دام حريم بروحهم.. عادي توكلي على الله

موضي بتوتر حزين: أخاف أني ما أكون قد الشغل..

مشعل يبتسم: لا لا.. مهوب موضي اللي تقول ذا الكلام..
إذا أنتي منتي بقدها.. يبقى ماحد قدها..

موضي بهدوء متأمل حزين: بأستشير إبي وبأفكر زيادة

مشعل بنبرة خاصة: ويمكن يكون فيه بعدين حد ثالث تستشيرينه

موضي باستغراب: عقبك وعقب ابي ما لحد حكم علي..

مشعل يضحك: ولا حتى رجّالش..

موضي برعب: أي رجّال..

مشعل يضحك: شوي شوي لا يطير قلبش..
فيه واحد من ربعي كلمني عليش.. يعني عقب ما تخلصين العدة
رجّال والنعم.. شهادة حق..

موضي اطمأنت وضحكت: أنا أعرف إن المطلقة ماعاد تلاقي حد يبيها
وش فيهم الناس علي؟؟.. مابعد خلصت العدة ونازلين الخطاطيب علي

مشعل باستفسار: ليه فيه حد تكلم عليش بعد؟؟

موضي تبتسم: فيه ثنتين عجايز كلموا أمي.. وواحد كلم ابي..
ووحدة كلمت لطيفة
والله يوم أنا بنت ماجاني خطّاب ذا الكثر..
شكلي بأوزعهم على عوانس الحارة..

مشعل بحنان: وأنتي وش رأيش؟؟ ترا ماحد بغاصبش على شيء

موضي بهدوء: لا فديتك.. لا..
أنا خلاص زواج ما أبي

مشعل بحنان مصفى: بس أنتي توش صغيرة..

موضي بحزن: وين صغيرة؟؟ خلاص يا أختك أنا جربت نصيبي
وخلصت من سالفة العرس كلها نهائي..



**********************



واشنطن دي سي
الساعة 1 بعد منتصف الليل
قلبان سهران

هيا تنظر لبكينام النائمة جوارها
ومشعل ينظر لسعيد النائم في السرير المجاور

وكلاهما يفكر في شخص غير من ينام لجواره

لِمَ صعب على كلاهما أن يفهم الآخر؟؟
أين مشكلة التواصل بينهما؟؟
هل هي قوة شخصية كل منهما؟؟
هل هي تراكمات العداء؟!!
هل هي المشاعر التي بدأت تتجذر بينهما؟؟

مشعل بدأ يفكر أن الهروب من مواجهة المشكلة هو مشكلة بحد ذاته
وتأجيل التفاهم سيأزم الوضع بينهما
كان يريدها أن يمنحها فرصة للتفكير
ولكنه الآن لا يريد منحها فرصة
يريد اقتحامها
إرباكها.. إثارة الفوضى في صفوفها
وقلب أوراق اللعبة عليها

لذا تناول هاتفه وخرج من غرفة النوم للصالة ليرن عليها بثقة
حينها هيا كانت جالسة تفكر.. كانت مليئة بالهم والحزن
والــــــــشــــوق

اقتحم هدوء الجو رنين هاتفها
التقطه بسرعة حتى لا توقظ باكي
رأت اسمه
شعرت زلازل أرضية عنيفة تضرب أرض قلبها
وهي ترد بصوت مرتعش غصبا عنها:

هلا مشعل



#أنفاس_قطر#
.
 

story

New member
إنضم
18 أغسطس 2008
المشاركات
323
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
يالله وين التكمله
 
إنضم
12 سبتمبر 2007
المشاركات
6,713
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
الكويـت منـي و فيـني..
هذي القصه من احلى واروووووع القصص اللي قريتها

وان شاءالله بعد العيد بتكملها الكاتبه

والله يسهل ع انفاس قطر ولادتها ياربي..

مشكووووورة يالحلووووووة ع النقل

ويعطيج الف عاااااااااافيه..:)..
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء الثالث والأربعون


الصباح في واشنطن
شقة مشعل بن عبدالله

دخل مشعل إلى شقته وهو ينزل حقيبة صغيرة فيها أغراضه
صُدم وهو يسمع صوت هيا القادم من المطبخ
وصدمته كانت في القصيدة التي تجرها بلحن شديد العذوبة
مشعل لم يتحرك حتى أنهت جر القصيدة الطويلة
وبدأت تجرها من جديد

هذه القصيدة لها ذكرى خاصة وقلة هم من يعرفونها
يشك إن كانت واحدة من شقيقاته أو بنات عمه تحفظها

هذه القصيدة قالها جده مشعل في جدته هيا
إثر خلاف حصل بينهما وارتحلت على إثره إلى أهلها

القصيدة الرائعة والطويلة التي كان فيها مشعل يناجي هيا
لم يقلها مشعل لأحد لأن كبريائه لا يسمح له أن يستجدي عودتها
رغم الشوق الذي أضناه
ولكنه في ذات مرة كان يجرها على رأس (حزم)
وسمعه أحدهم وبقي مختبئا تحت الحزم حتى سمع القصيدة عدة مرات
وكأنه اكتسب كنزا بسماعه لها
ثم توجه مباشرة وألقاها في مجلس والد هيا وعلى مسمع من هيا
التي حين سمعت القصيدة
عادت بنفسها
وفوجئ مشعل بوجودها في البيت حين عاد
وهي تقول له: وصلني مرسولك.. وهذا جوابه


وهاهو مشعل الحفيد اليوم يسمعها من هيا الحفيدة
بعذوبة وألق غير مسبوقين
لم يتخيل مطلقا أنها تحفظ هذه القصيدة القديمة الصعبة المتمكنة من قلبه
لابد أنها حفظتها من والدها
هزه هذا الامر بعنف
وسماعها بصوتها الرخيم وطريقتها المميزة هزه أكثر
وهز مشاعره بعمق موجع حاد
وكأنهما يتلبسان علاقة جديهما المختلفة العميقة..
مشاعر مشعل كانت على شفير انهيار الاعتراف
وهاهي على وشك الانفجار وكل ماحوله يحفز هذا الانفجار العاطفي!!


دخل مشعل للمطبخ
وهاهو يقف خلف هيا التي كانت مشغولة بأفكارها
وغسل صحونها النظيفة وجر قصيدة الشوق المضني

همس خلفها بخفوت وعمق: هيا
هيا ارتعشت وصوته يخترقها كسهم ناري أشعل كل مشاعرها
والصحن يسقط من يدها في المغسلة
وهي تقف كتمثال جامد ويديها تحت الماء الجاري
مشعل اقترب أكثر
ليلتصق صدره الصلب بكتفيها
ويمد يده من فوقها ليقفل صنبور المياه
ثم يحتضن يديها المبللتين بين يديه بحنان وقوة

ارتعشت أكثر
مازال مشعل يمسك يديها
التي أعادها لصدرها ليحتضنها من الخلف
وينحني ليهمس في عمق أذنها من قرب بصوته العميق بخفوت موجع:
أنا آسف حبيبتي

هيا عاجزة عن الرد بأي شيء
الإنفعال يهزها كورقة شجر يابسة تنسفها ريح عاتية
وكل الكلمات تموت على شفتيها
كما أن مشعل لم يمهلها أي فرصة
وهو ينتقل من الكلام للفعل
وينقل شفتيه من أذنها لعنقها ليطبع عليه قبلة عميقة دافئة

حينها انتفضت هيا بعنف
وهي تخلص نفسها من بين يديه بحدة
وتركض لغرفتها وتغلق بابها عليها بالمفتاح بصوت مسموع
وتترك مشعل خلفها
مصعوقا
مجروحا
مطعونا في عمق مشاعره وكبرياءه
فهيا وجهت له إهانة قاسية
وهي ترفضه وترفض مشاعره بهذه الطريقة الجارحة



الجبهة الأخرى
غرفة هيا

هيا تقف وظهرها مسند للباب
قلبها يكاد يخرج من مكانه من تسارع دقاته

وهي تضع كفها على عنقها مكان قبلته
تشعر أن عنقها يشتعل بل جسدها يشتعل
وعروقها تشتعل
تشعر أنه اكتسحها بركان مدمر

لم تتوقع مطلقا أن يكون هذا تصرفه
باغتها تماما
كانت تتوقع أنه حين يعود سيمثل الغضب قليلا مع بعضا من كبريائه المعتاد
وبروده هذا سيتيح لها أن تقف أمامه دون توتر

ولكن كل هذا الكم من المشاعر الملتهبة كان أكثر بكثير من احتمالها
لا تستطيع الآن الخروج أو مواجهته
وهي تشعر بخجل قاتل يكتسحها


كلاهما اعتصم بجبهته
هو مجروح حتى النخاع
وفسر تصرفها أنه رفض له ولمشاعره

وهي مصدومة وخجلة من جرأته
ولم تعلم مطلقا تبعات تصرفها العفوي عليه



***********************



ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر
ليل الدوحة

غرفة مشعل بن محمد

لطيفة أنهت مهامها وكانت تريد التوجه للدراسة

لولا أنه قاطع قرارها صوته العميق الهادئ وهو يقول:
لطيفة تعالي أبي أقول لش شيء

لطيفة عادت له
كان يجلس على السرير
جلست بالقرب منه وهي تقول بهدوء: خير إن شاء الله

مشعل بهدوء: خير.. أنا بسافر خلال ذا اليومين

لطيفة شعرت أن قلبها انتزع بوحشية.. (تعبان لهالدرجة عشان يسافر؟!)

ولكن ماصدمها أنه أكمل: عندي صفقة كبيرة في بون
ولازم أروح بنفسي، أبي أشتري معدات ثقيلة

لطيفة مصدومة مفجوعة كأنها تكلم نفسها: تروح في شغل وأنت على ذا الحال؟؟

مشعل بهدوءه البارد: أي حال؟؟

لطيفة شعرت بصداع مؤلم حقيقي يمزق خلايا دماغها
كانت تود أن تثور وتنفجر فيه
ولكنها تمالكت أعصابها وتناست صداعها وهي ترد بنفس بروده:
مشعل جروحك مالها يومين وبعدها تنزف
أشلون بتستحمل سفرة لألمانيا مدتها ساعات ولا وصلب الشغل بعد

مشعل بهدوء: مافيني إلا العافية

لطيفة كانت تريد أن تبكي فعلا.. تريد أن تصرخ وتصرخ وتصرخ
كم هي متعبة منه
ومن كبريائه
ومن عناده
ومن استمتاعه بألمها!!
هل يريد الهرب منها؟!!
هل يريد أن يجرحها أكثر؟!!

لكنها نحت كل مشاعرها جانبا وردت عليه وهي تعود لمكتبها
وداخلها ينزف بغزارة وهي تقول له بهدوء:
براحتك يابو محمد.. براحتك


الرد اللي كان مؤلما لمشعل مؤلما لأبعد حد
فمشعل اتخذ السفر حجة
كان يتمنى أن ترفض سفره.. تصرخ به.. تقول له أبقَ
كان يريد إشارة منها.. مجرد إشارة
لكنها أبعدته
فهو مطلقا لم يعد يحتمل هذا القرب البعيد/ البعد القريب منها
قربها ينحره
ينحر رغباته
ينحر مشاعره
ينحر رجولته

لذا قرر السفر رغم أن أحد موظفيه كان هو من سيسافر سابقا
لكنه ماعاد يحتمل مطلقا
فأما أن يسافر وأما أن ينهار
وأما أن ينهي مهزلة الخلاف بينهما

وبما أن الخلاف قائم
وكلاهما يرفض التنازل
هاهو يجد نفسه مضطرا للسفر مع وضعه الصحي المزري



*************************



المقهى بالقرب من جورج تاون
الساعة 11 صباحا

باكينام تصل وهي متوترة
تشعر بذنب عميق
مكالمتها ليوسف كانت جارحة وخالية من التهذيب
تشعر أنها آلمته لذا تشعر هي بألم عميق
كانت تشعر كأنها آلمت روحها وجرحتها

الاعتذار صعب جدا عليها
ولكنها أخطئت وهي ما اعتادت على الهروب من المواجهة
وهاهي الآن تصل وقد تسلحت بكل القوة الممكنة

جلست
جاءتها النادلة وهي تبتسم: أهلا آنستي

باكينام بتوتر: أين جو؟؟

النادلة كأنها تتذكر: أوه لا تقلقي لقد ترك دفتر محاضراتك في صندوق الأمانات
سأحضره لك حالا

باكينام أمسكت بيد النادلة : لا أسأل عن دفتر محاضراتي
أسأل عن جو شخصيا..

النادلة بحزن: جو عاد لمصر اليوم طائرته أقلعت قبل ساعتين ربما

شعرت باكينام أن الخبر وقع على رأسها مثل صاعقة اخترقت جمجتها وقسمتها نصفين..
شعرت بصداع حقيقي وهي تسأل النادلة:
هل من الممكن أن تعطيني رقم هاتفه بمصر أو عنوانه؟؟

النادلة هزت كتفيها: لا لم يترك شيئا
على العموم هو سيعود لواشنطن بعد حوالي شهرين
بعد أن يقضي فترة الأعياد ورأس السنة في بلده
ولكن لن يعود للمقهى لأنه قدم استقالته

باكينام وقفت وخرجت وهي تترنح
قدماها لا تحملانها وروحها مثقلة بالأسى

كانت النادلة تناديها لتعطيها دفترها
ولكنها لم تكن تسمع وهي تخرج من المقهى
وكأنها تهرب من جريمتها التي ارتكبتها

(لماذا؟؟
لمــــــــــاذا
هل تعاقبني يارب على جريمتي في حقه؟؟؟
أقسم أني أردت الاعتذار منه
لماذا رحل؟؟
لماذا رحل؟؟

كم هو معتم وجه واشنطن هذا الصباح!!
لِـمَ السماء مكفهرة؟!!
كم هي صغيرة واشنطن وخانقة دون رحابة وجهه!!
وكم هي مصر سعيدة باحتضانه هذه الليلة!!
لابد أنها تمطر في مصر أهازيجا وفرحا باستقباله!!
كما تمطر هنا حزنا وسوادا وألما لفراقه!!
ما بال الدنيا تعتم.. وتعتم
وتـــعــتــــم؟؟؟)



***************************



الدوحة
الساعة 11 مساء
فارس يدخل غرفته

يخلع ملابسه ليستحم
رن هاتفه.. التقطه
رد باحترامه وثقته المعتادة: هلا لطيفة

لطيفة بتوتر: تكفى فارس طالبتك

فارس انتفض من الحمية وهو يقول برجولة: اطلبي عزش
الغالي يرخص لش.. لو على قطع رقبتي

لطيفة بحنان: جعل عمرك طويل... مشعل يبي يسافر وأبيك تسافر معه

فارس ضحك غصبا عنه: غيرة ذي؟؟

لطيفة بغضب: صدق إنك متفرغ.. أقول لك بيسافر.. تقول غيرانه
تخيل يبغي يسافر خلال ذا اليومين

فارس برعب: أشلون يسافر بوضعه وجروحه تنزف..

لطيفة عبراتها وقفت بحلقها: شفت.. بس هو رأسه يابس..
عشان كذا أبيك تسافر معه

فارس ابتسم: حاضرين.. ولو إن عرسي قريب..
بس منتي اللي يرد لش طلب يا أم محمد

لطيفة برقة: جعلني ما أذوق حزنك..
ثم أكملت بتحذير: بس تراك أنت اللي بتقول لمشعل إنك بتسافر معه
أنا ماقلت لك شيء

فارس باستغراب: ليش يعني؟؟

لطيفة تكذب: تدري بيزعل علي لو درى إني تعبتك
(لم تكن تريد أن يعلم مشعل أنها قلقة عليها بل تتمزق قلقا وخوفا)



*************************



شقة مشعل بن عبدالله
حوالي الساعة 11 ونصف صباحا

هيا مازالت تغلق على نفسها باب غرفتها
مشعل يجلس في الصالة
مخنوق.. مجروح.. ومشبع بالألم

فوجئ بهيا تخرج عليه وهي ترتدي عباءتها
وتقول برعب: مشعل تكفى باكينام في المستشفى
لقوها طايحة في الشارع ودقوا علي لأني أخر رقم هي دقت عليه


مشعل وقف بشهامة وهو يخرج بها لسيارته بسرعة
ولكن دون أن ينظر لها مطلقا
مـــطـــلـــقـــا
ويبدو أنها عادة أبناء مشعل العريقة!!









أسى الهجران/الجزء الرابع والأربعون


مستشفى جورج تاون
المستشفى الأقرب للمقهى

هيا تخرج لمشعل الذي ينتظرها خارج غرفة باكينام
هيا تهمس له وهي عاجزة عن رفع عينيها به:
معها انهيار عصبي
غريبة.. باكينام طول عمرها قوية
إذا سمحت لي مشعل أنا بقعد معها

مشعل ببرود ثلجي: براحتش.. إذا بغيتو أي شيء دقي على على طول

هيا شعرت بألم عميق من طريقته في الرد
ردت بخفوت: إن شاء الله

عادت لبكينام التي كانت منطوية على نفسها كوضع الجنين
وتبكي بطريقة تمزق الروح بألمها وهي تشهق بألم موجع
هيا جذبت الكرسي عند رأسها
وهي تمسح على شعرها المنثور على المخدة وتسألها بألم:
باكينام وش فيج؟؟ شاللي صار؟؟

باكينام تشهق: يوسف سافر.. سافر.. أنا كنت عاوزة أعتزر له
والله كنت عاوزة اعتزر عشان كنت لئيمة معاه
بس هو سافر سافر

هيا ارتعبت.. لم تتوقع أن مشاعر باكينام ناحية يوسف
وصلت لهذه الدرجة من القوة والعمق لدرجة أن تنهار بهذه الطريقة الموجعة
بينما هي استمرت تنكر هذه المشاعر
بكبريائها وعنادها وقلة بصيرتها حتى خسرته

هيا فكرت برعب (ياترى ممكن يصير معاي نفس الشيء)

باكينام كانت منهارة تماما
باكينام حين تعرفت بجو كانت تشعر أن مشاعرها تتحرك بعنف ناحيته
لكن مامنعها من تحرير مشاعرها معرفته أنه من عرق آخر
ولكن حين علمت أنه مصري
ورغم رفضها لعرقه الذي هو عرقها..
لكن مشاعرها المكتومة انسكبت غصبا عنها لتصب في شخصه ومن أجله
شعرت أن يوسف احتل كل خلاياها غصبا عنها
كل مشاعرها المكتومة طيلة سنوات أصبحت له
وتنبض من أجله
حين اكتشفت ذلك.. قررت أن تتنازل من أجل قلبها
توجهت إليه
ولكنها كانت تأخرت..
تأخرت كثيرا..
كثيرا..



**********************




بعد مضي أسبوعين

مشعل وهيا على وشك العودة للدوحة

هيا بقيت عند باكينام لمدة يومين
حتى تحسنت باكينام
حينها قررت باكينام أن تتوجه لأهلها في بريطانيا
وأن تقضي معهم فترة الكريسمس
فنفسيتها كانت متعبة جدا
وكانت بحاجة لوجود أهلها لجوارها

بعدها عادت هيا لشقتها
لكن صدمها برود مشعل معها
يتعامل معها كأنها غير موجودة
هيا عرفت سبب تغيره.. لا تستطيع لومه
ولكنها كانت تتمنى أن يتفهم خجلها
تشتاق كثيرا لحنان مشعل واهتمامه بها
لا تريده عاشقا
ستكتفي أن يكون مثلما كان في بداية زواجهما
ولكن حتى مشعل ذاك اختفى تحت أطنان تجاهله الدائم لها
هيا تتمزق فعلا ولكنها عاجزة أن تشتكي
مشعل مجروح منها لأقصى أعماق مشاعره ورجولته
رفضها له كان جارحا ومؤلما ومهينا
جاءها يمد يديه ويفتح صدره وقلبه
فرفضت كل شي
يستحيل أن يبادر بأي شيء ناحيتها..
يستحيل أن يسمح لها باهانته مرة أخرى

كلاهما معتصمان بالصمت في الوقت الحالي
وهاهما على وشك العودة للدوحة
وهما مثقلان بالشجن والألم


مشعل الآخر سافر لألمانيا
وسافر معه فارس
كانت رحلة مريعة
فهو لم ينزل من الطائرة إلا وملابسه غارقة بالدم
وبقي في المستشفى لعدة أيام

أنهى صفقته
وهاهما عائدان
فارس ممتن للطيفة التي عرضت عليه مرافقة مشعل
فالرحلة قصرت عليه وقت الانتظار لموعد زواجه


لطيفة متألمة لسفر مشعل وقلقة
ومنذ سفره وهي تعاني صداعا أليما لا تعرف له سببا
أجرت عدة فحوصات وهاهي تنتظر النتائج


موضي تعافت تماما من جروحها الجسدية
ولكنها مازالت تعاني مع جروحها الروحية
قررت أن تعود للعمل وتنخرط فيه
لتتناسى آلامها في العمل



**********************




منزل سعد بن فيصل
بعد وجبة الغداء

سعد يغسل يديه ويتوجه إلى الصالة حيث تجلس شقيقته وضحى (أم فارس)
يجلس وأم فارس تصب له (بيالة) شاي..
يبتسم: جعل فارس سالم ليته يطول في سفرته
كسبناش ذا الأسبوعين.. والله بيتنا من غيرش بيفقد حلاه..

أم فارس تشرب بعضا من شايها وتنزله وهي تبتسم:
جيب لك حلا يا ابن الحلال.. حلا دايم على حسابك

ابتسم سعد وهو يفهم قصدها: عقب ماشاب ودوه الكتّاب..
أي حلا طال عمرش
واجد علي شاهي بدون سكر..

أم فارس تضحك: خلك من البربرة.. ألف بنية تمناك..
ثم أكملت بجدية: حرام عليك سعد دافن عمرك وشبابك من يوم توفت مرتك..
اول عيالك صغار تقول ما أبي أجيب وحدة تعذبهم
بس الحين ماشاء الله صاروا كبار.. والواحد منهم لسانه وش طوله
يعني لو قالت لهم مرتك شيء.. لا تخاف بيقولون لها عشر..

صوت ضحكات يقاطعهم وصوت شاب صغير يتدخل في الحديث:
كاني سامع ريحة تحريض علينا من عمتنا المبجلة..

وضحى تشير للمكان الخالي جنبها.. ويجلس كل واحد من ابناء سعد في ناحية
تحتضن فهد الصغير وترد على فيصل: وش تحريضه الله يخلف علي
هو حد يقدر عليكم أنتوا وأبيكم..

فيصل ذو الخمسة عشر عاما يلتفت على والده ويقول بجدية:
ترا يبه مثل ما تقول عمتي لو بغيت تزوج ترا الموضوع من حقك
وأنت ماقصرت معنا.. غيرك ما يسويها
صبرت ذا السنين كلها بدون مرة..

فهد (12سنة) من ناحيته يقفز ويعلق: بس يبه بتزوج جيب لنا وحدة مزيونة
ما نبي قردة تلوع كبودنا..

أم فارس تضحك وهي تحتضن فهد أكثر: صدق رفيق سليطين.. نفس الأفكار
جيل ما يعلم به إلا الله

سعد يبتسم: العمة وعيال أخيها سوو حزب على سعد الضعيّف
إذا بغيت أتزوج يوم أنتو اول من بيدري.. لا تصدعون راسي
الواحد يبي يقيل.. وانتوا فتحتو له ذا السيرة

فيصل وفهد استأذنوا وتوجهوا لغرفهم
والحقيقة أنهما متراهنان على دور بلايستيشن يريدان إكماله

وسعد التفت لأم فارس وسألها بهدوء: عرس فارس قرب..
فارس محتاج شيء.. قاصره شيء؟؟
تعرفين ولدش لو بيموت ما يطلب من حد شيء

أم فارس بحنين وشوق: لا فديتك.. الخير واجد..
والشباب عيال ولد عمك محمد مايقصرون هم اللي رتبوا كل شيء

سعد نبرة خاصة: على طاري ولد عمي محمد.. بنت محمد اللي ما تشوف وش أخبارها؟؟

أم فارس أخذت السؤال على ظاهره: مريم الله يعوضها الجنة..
والله ذا البنت مافيه مثلها حد.. وأخبارها زينة.. شايلة العرب كلهم على رأسها

سعد بدأ يدخل في المحضور في أسئلته: أنا أتذكر إنها كانت زينة وهي صغيرة

أم فارس مازالت تجاوب على سجيتها دون انتباه لنبرة الخصوصية في أسئلته:
ولحد الحين زينة ..حتى عيونها.. ماكنها بعيون عمياء..
الله يعوضها عن عيونها بالجنة..

سعد باستفسار: إلا هي وش سبة عماها؟؟

أم فارس تجاوبه: حمى جاتها وهي عمرها 3 أو4 سنين..
ماخلتها لين خذت نظرها.. الله يحمي جميع المسلمين ويعوضها عن صبرها

سعد يقف ليذهب لغرفته وهو يقول بنبرة خاصة:
ما تدرين يمكن الله يعوضها
أو تكون هي تعويض لغيرها..



************************
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0

************************



لندن/ منطقة مايفير أحد أرقى مناطق لندن
الظهر
منزل طه الرشيدي والد باكينام


سوزان والدة باكينام تقترب من باكينام التي تجلس في الشرفة تلتفع بدثار ثقيل
وتحتضن كوبا كبيرا من القهوة لم تشرب منه شيئا

سوزان تضع يدها على كتف باكينام وتهمس لها بحنان
بعربية مكسرة تحب أن تتحدث بها: باكي حبيبي.. جو كتير برد

باكينام تفكيرها ليس معها: It's OK mom

سوزان بقلق: صغيرتي مابكِ؟؟ منذ عودتكِ من واشنطن وأنتِ مكتئبة

باكينام بهدوء: لا شيء ماما.. اشتقت لكم فقط
ثم أكملت بألم: ماما أريد الذهاب لزيارة أنّا صفيه في القاهرة
اشتقت لها كثيرا.. أريد رؤيتها قبل عودتي لواشنطن

سوزان مسحت على شعرها وهي تقول لها بحنان: كلنا ذاهبون للقاهرة
أنا أساسا كنت أريد إخبارك.. فوالدك جاءه اليوم استدعاء من القاهرة
وهو يقول أنها فرصة لرؤية والدته وأشقائه

أكملت باكينام بألم ماعادت تعرف له سببا، ألم يمزق روحها:
ولكن لابد أن أرى جدتي فيكتوريا قبل سفرنا
سأذهب لها في ايرلندا إن كانت لن تعود قريبا

سوزان بذات الحنان: أمي ستعود من ايرلندا غدا
وسنذهب كلنا لمانشستر لزيارتها وتستطيعين البقاء عندها حتى موعد ذهابنا للقاهرة لو أردتي..


**********************



العصر
الدوحة
المستشفى الأهلي


لطيفة متوترة جدا
مشعل سيعود الليلة وهي أساسا متوترة بسبب عودته
وزاد التوتر عليها
أن الطبيب اتصل وطلب منها أن تحضر فورا
وأن تحضر معه أحد تثق به من عائلتها
الأمر الذي أثار قلقها لأقصى حد

واتصلت بمريم وطلبت منها مرافقتها
وهاهما الاثنتان تجلسان أمام الطبيب الذي بدا متوترا نوعا ما

لطيفة بهدوء وهي تحاول التسلح بالثقة: دكتور وش فيه؟؟
أنا عارفة إنه فيه شيء مهوب زين ومبين في وجهك
دكتور أنا إنسانة مؤمنة بالله عز وجل.. قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا

مريم برعب: الله يهداش لطيفة بتفاولين على روحش

الطبيب تنحنح: الحمدلله أخت لطيفة أنك متقبلة الوضع ومستعدة نفسيا

لطيفة تنهدت بعمق: الوضع اللي هو؟؟

تنهد الطبيب وكأنه يريد إلقاء قنبلته والتخلص منها: ورم خبيث بالمخ

لطيفة شعرت أن روحها نُسفت نسفا
وأربعة وجوه صغيرة تحتل كل تفكيرها

مريم صُعقت.. عاجزة عن مجرد التخيل

لطيفة ابتلعت عبراتها وهي تحاول التماسك لتسأل بهدوء: وأشلون وضع الورم؟؟

الطبيب بحرج: متأخر جدا جدا..
أنا مستغرب كيف تو تحسين بالألم من أيام
مفترض ورم بهذا الحجم والوضع المتدهور له سنين يعذبك..

لطيفة وقفت وهي تشعر أنها على وشك الانهيار: يعني مافيه أي إمكانية للعلاج؟

الدكتور بحزن عميق: الله قادر على كل شيء
لكن الفحوص تقول ولا وحتى واحد في الألف

الطبيب شرح لها وضعها بعبارات موجزة لكنها كانت قاتلة تماما
وهو يلمح إلى أنها من الأفضل أن تستعجل بكتابة وصية إن كانت تريد ذلك

الوجوه الأربعة الصغيرة تتكاثر في ذهن لطيفة
وجوه صغيرة أثيرة ألتهمت تفكيرها وألمها وحزنها
هم من يهمها
هم من ينحرها
هم من تنزف روحها خوفا عليهم من الحياة بعدها

(مازالوا صغارا.. صغارا
أربعتهم يحتاجونني
لم أعودهم حتى الاعتماد على أنفسهم
حتى ملابسهم لا يعرفون تناولها بأنفسهم من الدولاب
إذا لم أخرج لهم ملابسهم بنفسي لن يعرفوا ماذا يرتدون
إذا لم أدرسهم لن يدرسوا
إذا لم أطعمهم سيلتهون في اللعب عن الطعام
إذا لم أحضنهم لا ينامون
من كبيرهم محمد
حتى صغيرتهم جود
من سيحتضنهم بعدي
من يمسح دمعتهم
من يتحسس أجسادهم الصغيرة ليرى إن كان أي شيء يؤلمهم
من سيعالج جروح محمد وعبدالله اليومية من لعب الكرة؟؟
من يمشط شعر مريم الطويل؟؟!!
من سيعلم جود الصلاة ويحفظها القرآن؟!!

هل سيحسنون تربيتهم
تعبت كثيرا في تربيتهم.. فمن يكمل بعدي؟؟ من؟؟)


مريم عاجزة عن النطق وهي تشعر بروحها تُنسف شظايا
وحزن مر يلتهم روحها كالتهام النار للهشيم
(إنا لله وإنا إليه راجعون
من وين جات ذا المصيبة)


لطيفة تناولت يد مريم لتقودها وتتوجه بها للسيارة
دون أن تنطق أي منهما بحرف
ما أن وصلتا السيارة
حتى انهارت لطيفة تماما
تماما
تـــمــــامــا
ورمت بنفسها على صدر مريم وهي تنخرط في بكاء حاد مؤلم موجع
تبكي نفسها.. وما أقسى بكاء الإنسان على نفسه!!
أن يعلم أن الحياة ستسحب من جسده الممتلئ بالحياة
وأنه سيترك أحبائه خلفه
ليصبح عاريا من كل مافي الحياة.. فقط هو ذنوبه أمام الله عز وجل

(يقولون لا تبعد وهم يدفونني**وأين مكان البعد إلاَّ مكانيا)


كانت لطيفة تهتف بجملة واحدة فقط وتكررها بوجع لا نهائي يمزق الروح
لم تكن تقولها فقط .. ولكنها كانت تنزفها دما وألما وخوفا
جملة تمثل أقسى مخاوفها وأبشع آلامها:

عيالي يا مريم.. عيالي أمانتكم



في ذات الوقت
طائرة مشعل تقترب من الأجواء القطرية
مثقل تفكيره
وبداخله تختلط الأفكار
ففترة سفره أتاحت له التفكير الطويل
رأى أنه أضاع حياته في محض عبث
كان أعمى طوال عمره
أعماه غروره وكبرياءه ووجود النعمة أمامه
ولكن الغشاوة انزاحت عن عينيه
فلطيفة تستحق من يحتويها ليخبرها أنها المرأة الأروع التي لا مثيل لها
بل هي شيء يتجاوز الروعة والإنسانية والحنان والجمال
هي أميرته.. ونبض فؤاده
ونصفه الآخر

(اشتقت يا لطيفة
والله اشتقت
أنا من غيرش ولا شيء ولا شي
سامحيني يالغالية
سامحيني
لا أبوه لا أبو الكبرياء اللي بيوقف بيني وبينش
أنا راجع يا لطيفة
راجع
بكل معنى الكلمة راجع)


اعترف يا مشعل
اعترف!!!

ولكن ألا ترى أن الوقت فاتك
وأنك تأخرت
تأخرت كثيرا
كـــــثـــــــــــــيـــــرا

اعترفت بعد أن أخذك إعصار كبريائك بعيدا بعيدا!!
أخذك إلى حيث نقطة اللا رجوع




#أنفاس_ قطر
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء الخامس والأربعون



الدوحة
بعد صلاة العشاء
منزل محمد بن مشعل


مشعل وصل للتو من المطار
قادم للسلام على والديه أولا
يشعر بسعير نار محرقة
ولهفة كاسحة عميقة لرؤية لطيفة بالذات
مثقل بمشاعره التي يريد سكبها بين جنبيها
متعب من الكبت ومستنزف من الشوق


بعد أن سلم على والدته والعنود سأل عن مريم


أم مشعل بهدوء: في غرفتها.. العصر راحت مع لطيفة
ومن يوم رجعت وهي مسكرة على نفسها الباب


مشعل صعد لغرفة مريم
طرق الباب سمع صوت مريم الخافت: ادخل يابو محمد


مشعل حين دخل فُجع بمنظر مريم
كان واضحا تماما أن لها ساعات وهي تبكي


مشعل شعر أن قلبه انتزع من مكانه، فمريم لا يبكيها إلا أمر جلل
سألها برعب: مريم وش فيش؟؟


مريم وقفت وألقت بنفسها على صدره وهي تبكي بمرارة:
لطيفة يا مشعل لطيفة


مشعل شعر كما لو أوردة قلبه وشرايينه قطعت جميعها.. وريدا وريدا وشريانا شريانا
وهو يهتف برعب صرف: وش فيها لطيفة؟؟


لطيفة كانت طلبت من مريم ألا تخبر أحدا
ولكن مريم رأت أن مشعل بالذات لابد أن يعرف
فلطيفة تحتاج إلى من يقف إلى جوارها


مريم أخبرت مشعل بكل شيء وهي تشهق بمرارة بين عباراتها


كل كلمة كانت مريم تقولها كانت سكينا مسنونة
تنغرز في جسد مشعل بوحشية لتمزق أشلائه وتنثر دمائه أمام عينيه
شعر بألم متوحش يخترق صدره ليمزق كل خلية نابضة في جسده
ويحيلها رمادا


(لا لا ياربي لا..
كله ولا لطيفة.. كله ولا لطيفة
اخذني أنا..
خذ عمري كله وعطه لطيفة
ليه أعيش في الدنيا ولطيفة مهيب فيها
لا تخليني يا لطيفة
لا تخليني..
إذا أنا أهون عليش
عيالش يهونون عليش؟!!
لمن تخلينهم؟؟
عيالش صغار.. محتاجينش
لا يا لطيفة.. لا
لااااااااااااااااااا)




**************************





بعد ذلك بقليل


غرفة لطيفة


لطيفة تجلس على السرير
تحتضن هاتفها بيدها بعد أن أنهت مكالمة هامة
عاجزة عن احتمال انفعالها
الانفعال يهزها كالزلزال
وعيناها ممتلئتان بالدموع



وهي على هذه الحال
دخل مشعل


لم تنتبه لدخوله حتى شعرت بكفيه قويتان حانيتان على عضديها
وهو يقف أمامها ويرفعها بخفة
ليحتضنها بعنف كأنه يريد أن يخفيها بين ضلوعه
يريد أن يحمل عنها الألم والوجع
ويخفيها عن المرض عله ينساها ويتركها له
الألم يلتهم روحه.. والندم يأكله على كل لحظة أضاعها عليه وعليها
كان يشدد احتضانها أكثر وأكثر وأكثر..
وهو يستنشق عبير شعرها بعمق
كأنه يستنشق عبير روحها التي ستفارقه
يحتضنها بعمق.. ويستنشق رائحتها بعمق
كأنه يريد أن يطبع تفاصيل جسدها على جسده
ويخزن عبق رائحتها في ذاكرته



لطيفة كانت متفاجئة تماما من تصرف مشعل
بل شعورها تجاوز المفاجأة إلى الصدمة العصية على التصديق


شعرت أن روحها المعذبة تسكن ورأسها مدفون في صدر مشعل العريض
كانت تتنفس بعمق رائحته التي عذبها اشتياقها لها
كانت تشعر كالغريب الذي آب إلى أحضان وطنه أخيرا
فلكم اشتاقت إليه واستنزفها وجع الشوق إلى كل شيء فيه!!
رائحته
صلابة ذراعيه
عضلات صدره
دقات قلبه..



لطيفة شعرت بعد لحظات أنها عاجزة عن التنفس من شدة احتضانه لها
وأن عظام صدرها بدأت تؤلمها
هتفت بصوت خافت: مشعل خنقتني


مشعل لم يكن يريد إفلاتها
يريدها أن تسكن أضلاعه للأبد
أن يخفيها في قلبه وبين حناياه
لا يريدها أن تبتعد
يريدها أن تستوطن خلاياه لآخر لحظة في عمريهما


ولكنه أفلتها بخفة ليحتضن وجهها بحنان بين كفيه
وينظر لعينيها بوله ويهتف بعمق:
أنا أحبش يا لطيفة أحبش..
مهوب بس أحبش
أنا أعشقش..وأعشق الأرض اللي تمشين عليها
أنا كنت غبي
وطول عمري غبي
سامحيني حبيبتي سامحيني



لطيفة كانت مصعوقة
لم تتخيل أنها قد تسمع هذه الكلمات من مشعل
ولا حتى في أجمل أحلامها
شعرت ببركان يتفجر في روحها
وحرارتها ترتفع
ودقات قلبها تتزايد وتتزايد وتتزايد
وهي على وشك الارتماء في حضنه مرة أخرى
وغمر وجهه بقبلاتها المشتاقة
(وأخيرا يا مشعل.. وأخيرا)


لكنها خطر لها خاطر مرعب جارح مميت
سألته بحذر موجع خائف مرتجف
وهي تشعر برعب من الإجابة التي تمنت أن تخالف ظنونها
ودعت الله بعمق أن تخالف ظنونها
وضرعت لله ألف مرة أن تخالف ظنونها:


أنت شفت مريم؟؟


مشعل بألم صرف: توني جاي من عندها..


حينها لطيفة شعرت أن قلبها مات تماما
ومشاعرها تنطفئ كأنما انسكب عليها طوفان من الجليد
وهي تخلص نفسها من بين يدي مشعل وتقول ببرود.. برود مختلف
برود حقيقي .. ليس مصطنعا مثل كل مرة:
إيه قول كذا يا ابن الحلال!!
يا حرام..
تدري كلفت على روحك بذا الكلمتين
أكيد تعبت وأنت تقولهم
بس قلت ياحرام.. المرة بتموت
خلني أكذب عليها وأفرحها الأيام اللي باقية لها في الدنيا
خل شفقتك لنفسك
والفيلم الهندي البايخ اللي سويته وفره على حالك
لأنه أنا مافيني شيء
الدكتور توه كلمني الحين..يعتذر عن الخطأ الغير مقصود على قولته
يقول الفحص مهوب فحصي..
الفحص حق وحدة ثانية توفت الليلة الله يرحمها برحمته..ويعيضها الجنة
والله إني حزنت عليها
وأنا اللي معي مجرد ارتفاع في الضغط جاب لي صداع..
إذا تبي تتأكد هاك خذ كلمه..


وفعلا رنت لطيفة على الدكتور وأعطته لمشعل الذي تحادث معه قليلا
والدكتور يكيل الاعتذارات بحرج بالغ


لطيفة مجروحة بعمق..
ممزقة تماما
روحها مدمرة..
شعورها كان كمن يحلق فوق السحاب
ليجد نفسه بعدها يرتطم في الأرض بعنف
لتتحطم كل ضلوعه
وتنسحق سحقا


(أخرتها شفقة يا مشعل
أخرتها كذا
عمرك ماحبيتني ولا بتحبني
خلصت من ذا الفيلم كله خلصت
فقدت كل رغبة في حبك
أنا قرفانة من حبك أصلا)


مشعل أغلق الهاتف
وتوجه إلى حيث جلست على الأريكة
جلس جوارها وهو يحتضن يدها
لطيفة انتزعت يدها بقسوة
ومشعل يتنهد ويقول بعمق موجع صادق:
اللهم لك الحمد والشكر
ألف شكر وحمد
ما تتخيلين أشلون كنت حاسس
كنت بأموت من مجرد تخيلي الحياة من دونش
حسيت إن حياتي كلها مالها معنى
لطيفة أنت نور حياتي
أنا من غيرش ولا شيء.. والله العظيم لا شيء
لا تقسين علي حبيبتي
كفاية اللي راح علينا
والله العظيم أحبش أنتي وبس
وحتى فكرة الزواج كانت فكرة غبية أنا ألغيتها من زمان من تفكيري
حد ممكن يبعد عن روحه وأنفاسه
أنتي روحي وأنفاسي


لطيفة وقفت وابتعدت عنه وهي تقول ببرود:
والله وصرت تعرف تمثل وتصفصف حكي
وفر على نفسك حكي أنت ماتقصده
ولا راح يأثر فيني
لأن قلبي أنت نحرته
والميت خلاص مات مافيه شيء يرجعه للحياة



لطيفة أنهت جملتها
وتركت مشعل جالسا مصدوما مشبعا بالألم غارقا في وجع سرمدي
وهي خرجت لتفرغ انفعالاتها بعيدا عنه
ولتتصل بمريم وتطمنها




*************************




فارس عاد لبيته أولا وسلم على والدته
وهاهو يتوجه لبيت جدته بعد أن صلى العشاء


دخل بعد الاستئذان
وجد موضي ومشاعل في الصالة السفلية
وجدته مازالت لم تخرج من غرفتها


مشاعل سلمت عليه وركضت لغرفتها خجلا
فزواجها بعد أقل من أسبوعين وبدأت تخجل من مقابلة أكثر الناس
حتى والدها بدأت تتحاشى رؤيته من شدة خجلها


فارس يبتسم وهو يراها تتمتم بأعذار واهية وعيناها في الأرض
ثم تركض للأعلى
يغمز لموضي: مستحية الأخت؟؟


موضي تضحك: أكيييييييد.. هذي علامة الجودة حقت ميشو


فارس باهتمام: أنتي ما تحسين إنها خجولة بزيادة؟؟


موضي بقلق: بصراحة زيادة عن الزيادة
ثم أكملت بخبث: بس لا تخاف ترى العنود مهيب مثلها


فارس ينهرها: موضي عيب عليش ياقليلة الحيا


موضي (بعيارة) : عشتو.. علي يا فويرس..


فارس تنهد: تدرين مالي خلق أعصب عليش.. أنا في مشاعل
واجد شاغلتني.. أشلون بتتعامل مع ناصر إذا أنا إخيها تستحي مني كذا


موضي بقلق: والله يافارس أنا ولطيفة ومعنا مريم نحاول فيها، بس حالتها مستعصية
ياليت يافارس تقول لناصر يصبر عليها.. ومايزعل من سحاها الزايد


فارس بثقة: أنا بأقول له.. بس هو أشلون بيستحمل.. ناصر واحد مزوحي
ومايحب الصكة والنكد.. وأختش على وضعها هذا أم النكد وأبوه


وهما يتحاوران خرجت جدتهما تتهادى على عصاها
الاثنان قفزا وهما يتلقيانها باحترام
فارس يقبل رأسها ويقول بحب عميق ممزوج بالاحترام: هلا بالغالية


جدته بحنان: هلا والله.. والله إني صادقة


فارس أسند جدته حتى أجلسها
ثم جلس إلى جوارها وهو يحتضن كفها
بعد انهاء السلامات المعتادة، جدته سألت بانفعال غاضب: الخريش وينه؟؟


فارس باستغراب: أي خريش؟؟


جدته بغضب على مشعل: اللي سافر ودميانه تقوطر


فارس ضحك: كان يقول إنه بيجيش على طول عقب أمه


جدته بانفعال: ما أبيه يجيني خله يروح يرتاح..
هو حد يسوي سواته الخبل
لو أنه مات وخلا بزارينه يتمان كان سره ذا الشغل وإلا نفعه..


موضي تهمس في أذن فارس:
جدتي مفولة على مشعل من يوم درت إنه راح وهو تعبان
الله يعينه عليها إذا جاء يسلم




**********************




واشنطن دي سي
ذات اليوم بالليل


غدا موعد سفرهم
سيتوقفون في فرنسا ومنها إلى الدوحة
كان من المفترض أن تكون نقطة التوقف المعتادة هي لندن
ولكن مشعل دائما يتلافى التوقف في لندن تلافيا لأي تعقيدات تخصه
وسيكونون في الدوحة مساء بعد الغد إن شاء الله


هيا أنهت ترتيب جميع أغراضها
وكانت تتمنى أن تساعد مشعل في ترتيب أغراضه
أو تقوم هي بترتيبها
لكنه كعادته طيلة الأيام الماضية يتجاهلها تماما
وكأنها غير موجودة
لا يطلب منها أي شيء
ويوجه لها الخطاب بصيغة عامة ودون أن ينظر إليه
كم هو مؤلم إحساسها بتجاهله لها
لا تنكر أنه لم يقلل من احترامها مطلقا
ولكنه يحترمها احترام رسمي موجع
عاجزة عن التفسير والالم


هي الآن متوترة جدا من مقابلة أهلها
كانت تتمنى أن يخفف مشعل عنها
كما كان يفعل قبل غضبه الأخير منها
كان كلما شعر أنها متوترة من قرب لقاءها بأهلها
كان يحكي لها عشرات الحكايات عن كل واحد منهم
ليسحب كل مشاعرها السلبية بطريقة سحرية
ولكنه الآن صامت دائما
ويتركها للهواجس والتوتر والقلق


تطل عليه وهو في غرفته يرتب حقيبته غير منتبه لها
أو ربما غير مهتم!!


(اشتقت لك مشعل..اشتقت لك
ألا تريد أن تسامحني
ألا تكفيك الأيام الماضية
احتاجك مشعل أحتاجك
لا تتركني هكذا معلقة بين الألم والهواجس
أنا لا أعرف هناك أحدا سواك
لك وحدك انتمي
أشعر بعيدا عن دفء مشاعرك كأني غريبة تفتقد دفء وطنها
أنت وطني
فكيف يعيش الإنسان دون وطن؟!!)


تهمس وهي واقفة عند الباب: مشعل تبي مساعدة؟؟


مشعل بهدوء دون أن ينظر إليها: لا شكرا..


(هل تستمتع بإيلامي وإشعاري بالذنب حبيبي؟!)


(هل تستمتعين بتعذيبي بقربك بينما أنتِ أبعد مايكون حبيبتي؟!!)


(أنا آسفة جدا.. ألا تستطيع تفهم خجلي؟!!
ألا تسامحني وتحتضني لتشعرني بالأمان في أحضانك؟!)


(لا تشعري بالشفقة علي
فأنا من آل مشعل
مخلوقٌ غير قابل للتحلل أو الاهتزاز
وأبعد ما أريده منك هو شعور بالشفقة أو حتى الامتنان)


حوار صامت يدور بينهما
هي تنظر له
وهو ينظر لكل شيء عداها




#أنفاس_قطر#
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/ الجزء السادس والأربعون


طائرة مشعل في الجو أقلعت من مطارل شارل ديغول في باريس
وتبقى ساعات قليلة على وصولها للدوحة


اليومين الماضيين مرا قاسيين جدا على البعض
وأكثر هذا البعض كان مشعل بن محمد
آلمه خانق لروحه
قاسٍ على مشاعره المتدفقة الملتهبة
وموجع لكبرياءه الثمين

فلطيفة أصبحت تتجاهله تماما
سابقا كان يعرف حتى وإن كانت تتجاهله إلا أن تحت جلدها لهيبا
وفي عيناها ألق مختلف كلما رأته
ولكن هذا اللهيب انطفى
والألق اختفى
أصبح يشعر أنها ليست أكثر من قالب ثلج

تبادلا الأدوار بجدارة
المتجمد والملتهبة
أصبحا الملتهب والمتجمدة

(أ هكذا كانت تشعر وهي معي
أنا لم أحتمل هذين اليومين
فكيف تحملتني هي ل13 عاما
كيف؟؟
كيف؟؟
أي مخلوق جبار أنتِ؟؟)

هاهو ينظر لها وهي تنام جواره وتعطيه ظهرها
يعلم أنها لم تنم ولكنها تتجاهله كعادتها مؤخرا

يعلم أن الذنب كله ذنبه
وهو من لابد أن يبادر للاصلاح
ولكن هل مازال هناك فرصة للاصلاح؟؟

اقترب منها
ألصق جسده بظهرها
وهو يهمس في أذنها بعمق حنون: لطيفة حبيبتي

لم ترد مطلقا عليه
ولم تتحرك مطلقا

انحنى أكثر على أذنها ويده تسكن على عضدها بحنان
ليهمس بخفوت مُعذِب:
حبيبتي ردي علي
لمتى بتعذبيني يعني؟؟
والله العظيم أحبش
أنتي وبس

كان الرد عليه صمت مطبق بلا حراك

شعر أن هذا كثير عليه.. كثير جدا
لا يستطيع أن يتقدم أكثر من هذا ولا أن يقول أكثر من هذا
فتلك الكرامة اللعينة لا تسمح له بأكثر من هذا في الوقت الحالي

تراجع لمكانه
وهو يعطيها ظهره
وأفكاره المنثالة تقتحمها هواجسه
ومشاعره المصلوبة على مشانق الرغبة والألم والاحتياج

(وش هالحياة اللي عايشينها؟؟
باقي نجيب ثلاجة ونعيش فيها!!
لكن مهوب أنا اللي أخسر!!
مهوب أنا!!)




*********************



مدينة مانشستر شمال غرب لندن
قصر اللورد وليام تشارلستون جد باكينام

كان قصر جد باكينام الانجليزي عبارة عن قلعة عريقة في ضواحي مانشستر
يرجع تاريخها للقرن السابع عشر الميلادي
أجري عليها العديد من التجديدات ولكنها مازالت تحتفظ بطرازها المعماري القديم
ولا يسكن فيها حاليا سوى جدتها فيكتوريا
التي أصرت أن تبقى مع ذكرياتها التي تحمل رائحة وليام..

وتكون الصدفة المريرة والمفارقة المرعبة
أن تعيش فيكتوريا الإيرلندية في مانشستر بالذات
المدينة الانجليزية التي تعرضت لأشهر وأعنف هجمات الجيش الإيرلندي الجمهوري
(مسمى الثوار الايرلنديين الذين كان منهم والد فيكتوريا)
ومن هذه الهجمات مذبحة شهداء مانشستر الشهيرة في القرن التاسع عشر
ومن آخرها الهجوم الشهير جدا سنة 1996
الانفجار الذي هز وسط مانشستر وخلف مئات القتلى

وهاهي فيكتوريا تقيم في مانشستر التي تلعن الايرلنديين صبح مساء


كانت باكينام ترتدي حجابا ثقيلا من الصوف
وجاكيتا واسعا طويلا من الكشمير الثقيل
فالجو كان يثلج بغزارة في الخارج

فيكتوريا ترتدي طقما ثقيلا من التويد الرمادي يمثل الطراز الانجليزي الارستقراطي في اللبس
حتى وإن كانت تكره الانجليز ولكنها أصبحت تمثلهم في تصرفاتها ولبسها
شعرها أصبح أبيض تماما وهي ترفعه في شنيون كلاسيكي هادئ
يناسب هدوء ملامحها الدقيقة المشبعة بالتجاعيد

اقتربت من باكينام التي تجلس على أريكة بالقرب من المدفأة
و جلست جوارها وهي تفك حجاب باكينام بحنان
باكينام أمسكت حجابها وهي تقول بهدوء:
أخشى أن يدخل أحد خدمك وأنا بدون حجاب

فيكتوريا بحنان: لقد نبهت عليهم ألا يدخل علينا أحدا منهم
أريد أن أرى شعرك

باكينام فكت حجابها بنفسها ثم وضعت رأسها على فخذ جدتها
جدتها تمسح على شعرها و تهمس لها بحنان:
لِـمَ لم تغادري مع والديكِ؟؟

باكينام رفعت عيناها الغائمتان لها وابتسمت ابتسامة باهتة:
ألا تريدينني؟؟

فيكتوريا بذكاء: تعرفين أن هذا ليس قصدي
لا تتغابي أو تتذاكي علي
مابكِ؟؟

لطالما كانت علاقة باكينام بجدتيها استثنائية، وارتباطها كبير جدا بهما
ولطالما كان الحوار مفتوحا وذكيا بينها وبين العجوزين الذكيتين

باكينام بذكاء كذكاء جدتها:
لا شيء سوى أن واشنطن كانت قاسية علي
وكادت أن تكسرني أو ربما فعلت

انتفضت فكتوريا: لن تكوني حفيدتي إن تركتي أي شيء يكسرك

باكينام تناولت يد جدتها من فوق رأسها واحتضنتها بالقرب من صدرها:
متعبة كثيرا ماما.. متعبة..

جدتها همست بحنان وذكاء وهي تحتضن يدي باكينام:
أتمنى ألا يكون انجليزيا باردا متوحشا

باكينام جلست وهي تهتف باستغراب: من هو؟؟

فيكتوريا برقة: سبب تعبكِ

ابتسمت باكينام: ولِـمَ تفترضين إن هناك رجلا ما؟؟؟

فيكتوريا بحكمة: لا تستخفي بي ياطفلتي
قد أكون عجوزا ولكني أعرف الحب جيدا
أنا عرفته ثم عرفته في أمك
ويبدو أننا أجيال حُكم عليها بالغرام
أتمنى فقط ألا يكون انجليزيا..
الانجليز كان فيهم رجل رائع واحد كان من نصيبي
أما البقية فهم حثالة شعوب الأرض وأكثرهم وحشية

باكينام ضحكت لأول مرة منذ إصابتها بالانهيار في واشنطن:
عديني ألا تخبري أحدا

فيكتوريا تقرص أذنها: أ لي يُقال هذا الكلام؟؟ هيا أخبريني

باكينام تبتسم: مصري

تضحك الجدة : أنا أحببت المصريين بعد والدك..
والدك رجل رائع ويحب أمك كثيرا
وأخيرا قرر الجيل الثالث العودة لقواعده وعروقه سالما

باكينام بألم: لم يعد ماما لم يعد.. فحكايتي معه انتهت قبل أن تبدأ
وأرجوكِ لا تسأليني عن التفاصيل
فالتذكر مؤلم.. مؤلم كثيرا

جدتها تحتضنها: لا بأس صغيرتي لا بأس.. الحياة تجارب
وربما كان هذا الشاب مجرد محطة قبل الوصول لمحطتك الرئيسية

باكينام تحاول كبت دموعها حتى لا تثير قلق جدتها عليها:
هو كل المحطات ماما كل المحطات

وقبل أن ترد عليها جدتها هتفت باكينام لتغيير الموضوع:
سنذهب لمصر بعد أيام ما رأيكِ أن ترافقينا؟؟

فيكتوريا باستغراب: وماذا أفعل في مصر؟؟

باكينام بحماس: وماذا تفعلين هنا في هذا الثلج والصقيع
الجو الآن في مصر رائع
وأنتي لم تزوري مصر منذ زمن بعيد

فيكتوريا بحنين: زرتها مع وليام قبل وفاته بسنوات

ضحكت باكينام: وبالتأكيد أقمتم في المينا هاوس قرب الاهرامات

جدتها باستغراب: هل أخبرتكِ سابقا؟؟

باكينام تبتسم: لا.. ولكن كل اللوردات الانجليز لابد أن ينزلوا هناك
ويصوروا أيضا وتوضع صورهم في بهو الفندق أو دفتر الزوار.

فيكتوريا تتذكر: مكان رائع بالفعل..

مينا هاوس كان قصرا من قصور الخديوي اسماعيل يطل على الاهرامات مباشرة
أُعد ليكون استراحة له ولأسرته ولضيوفه زائري الأهرامات
وأشهر الزوار كانت أوجيني ملكة فرنسا التي يقال أن الخديوي كان معجبا بها جدا.
اشتراه في أواخر القرن التاسع سير انجليزي يدعى (فريدريك هيد) لأنه أعجب زوجته
ثم اشترته عائلة (لوكيه كينغ) الانجليزية العريقة المعروفة بولعها بالآثار
وكانت هذه العائلة هي من حولته لفندق شديد الفخامة
وفي سبعينيات القرن الماضي اشترته سلسلة فنادق أوبروي العالمية
والفندق تحفة معمارية مذهلة ولكنه معروف للأجانب أكثر من العرب
والزائر له سيرى في انحائه صور عدد كبير من المشاهير الذين أقاموا فيه.


باكينام بحماس وهي تحاول أن تتناسى حزنها: جربي الحياة المصرية الحقيقية
بعيدا عن الفنادق.. سأكون لك دليلا سياحيا بالمجان
بيتنا هناك رائع جدا ويطل على النيل مباشرة
كما أن لنا بيتا آخر في قرية والدي وسط مزارع شاسعة
صدقيني ستستمعين معنا

فيكتوريا بتفكير: لا بأس سأفكر.. ولكن لن أذهب معكم
سألحق بكم بعد أسبوع
فلابد أن أرتب أوضاع القصر والخدم قبل ذهابي..


*************************


منزل عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر

أم مشعل لها عدة أيام وهي تستعد لاستقبال ابنها مشعل وزوجته
عبدالله منذ علم بزواج مشعل بدأ باستخراج ترخيص بناء قسم خاص له
في طرف أرض البيت الشاسعة.. حتى يعود مشعل ويستقر ويني بيته الخاص على أرضه الخاصة
وبدأ البناء فعلا ولكنه سيستغرق أشهرا

لذا مبدئيا أعاد صبغ وديكور وترتيب غرفة مشعل القديمة
ليقيما فيها فترة إقامتهما القصيرة في الدوحة التي لن تتجاوز شهرا
الترتيب قام بأكثره لطيفة وموضي
فغرفة شاب عازب تختلف بالتأكيد عن غرفة متزوجين
اشتروا الغرفة واختاروا الصبغ والستائر
حتى الحمام غيروه.. وهم يريدان إشعار الزوجان الجديدان أنهما عريسان فعلا

وهاهما الاثنتان في الغرفة

موضي ترمي بنفسها على السرير وهي تهتف بتعب:
يووووه تعبت.. انقطع قلبي من الترتيب

لطيفة بغضب: قومي من السرير لا تكرمشين المفرش

موضي مازالت تتمدد: يعني أنا اللي بأكرمشه
وأخيش الزرافة لا

لطيفة تقرصها: قومي رتبي العطور على التسريحة.. خلي لش فايدة

موضي تدعك مكان القرصة: مشكلة إذا صار فيه حد أكبر منك
تنقرص وتنضرب وأنت متلايط غصبا عنك

لطيفة بتعب: ياكثر هذرتش بس..
اتصلتي على الكل وعزمتيهم على الحفلة بكرة؟؟؟

موضي تبتسم: صار.. ماخليت حد..
بس حرام عليكم البنية توها جاية ماتعرفكم
تسوون حفلة كبيرة وتجمعون أمة لا إلة إلا الله على رأسها

لطيفة ترتب بعض الأغراض في الدواليب وتقول بجدية:
أشلون يعني تبين بنت عمش وعروس أخيش تجي ماحد درى فيها
وخصوصا إنه عرس مشاعل والعنود بعد 10 أيام
يعني لازم نحتفل فيها قبلهم..
إيه اتصلي في العنود وشوفي إذا هي أكدت حجز الكوافيرة لهيا بكرة.

موضي بتأفف مازح: يمه منش.. أنتي ما تهجدين ماشاء الله
تشتغلين على كم جبهة أنتي؟؟!!



**********************



الدوحة
العصر

ناصر وفارس يجلسان في مقهى لونوتر في فيلاجيو

فارس بتأفف: ممكن أعرف ليش داق علي وجايبني

ناصر يرتشف قهوته ويبتسم: زهقان.. وبعدين مرتك اللي جايبتني هنا
لازم تعاني معي.. مايصير أعاني بروحي

قلب فارس انتفض بعنف وهو يعرف أنها معه في نفس المكان
حتى ولو كان مكانا شاسعا فيه المئات غيرهم

ثم هتف بغضب: أنت مخليها في المجمع بروحها؟؟

ناصر ينظر له بنصف نظرة كسولة: غيران الأخ؟؟

فارس بغضب: أنت من جدك وإلا تمزح..
قوم روح لأختك لا بارك الله فيك من رجّال..

ناصر يبتسم وهو ينظر لأظافره بطريقة مصطنعة ليغيظ فارس:
والله مرتك.. غيران عليها روح دورها بروحك

فارس قفز بغضب: مادريت إنك رخمة.. اتصل فيها خلها تطلع الحين

ناصر يمسك يده ويشده وهو يضحك:
اقعد لا ينقطع عرقك بس
أمي معها.. مهيب بنت محمد بن مشعل اللي تهيت طال عمرك

فارس شعر بالحرج وأن ناصر حشره في الزاوية

وناصر يكمل وهو يضحك:
والله مهيب هينة العنود النتفة..جابت رأس الشيخ فارس

فارس ببرود يحاول به تغطية حرجه:
والله الرجّال اللي مايغار على محارمه مهوب رجّال

ناصر مازال يضحك: كثر من ذا الهياط طال عمرك

فارس يقرر أن يرد له الصفعة وهو يقول له بخبث:
دواك اللي بتسويه فيك مشاعل

هذه المرة كان ناصر هو من شعر بالرعشة وهو يهتف بمرح:
آه فديت الطاري
الله يخلص ذا الأيام العشرة على خير
قل لي وش هي ناوية تسوي فيني.. أنا كلي حلالها

فارس بهدوء: أنت ماتعرف شيء اسمه سحا.. عيب عليك

ناصر يضحك: وش عيبه؟؟ مرتي ذي.. خلينا العقد لك

فارس بجدية: ناصر ترا مشاعل خجولة بزيادة

ناصر يبتسم: حلالها خلها تخجل وتتدلع

فارس بنفس الجدية: يعني مستعد تصبر عليها؟؟

ناصر بجدية هذه المرة: يعني أنت ما تعرفني فارس
مشاعل قبل ماتصير مرتي بنت عمي.. لها القدر والحشيمة.. لا تحاتيها

الحوار مستمر بين ناصر وفارس
ولم ينتبها للعيون التي كانت تلتهمهما

بعد دقيقة اقتربتا صاحبتا العيون..
وقبل اقترابهما وصلت رائحة عطريهما القوية
اقتربتا حتى وقفتا عند طاولة ناصر وفارس
وهمست إحداهما: ناصر بن مشعل

ناصر رفع عينيه وهو يرد بعفوية: نعم

ولكنه سرعان ما أشاح بنظره وهو يصدم بمنظرهما
كأنهما ذاهبتان إلى حفل زواج
الوجوه المكشوفة المصبوغة والعباءات الضيقة والشعر البادي

أكملت بميوعة: ممكن توقع لي الشيخ
أنا والله العظيم أجمع كل صورك في كل سباق.. ياي تينن

ثم هتفت الثانية بميوعة أكثر: وخل المزيون اللي معاك يوقع لي أنا

فارس لم يرفع عينيه أصلا وهو على وشك الانفجار

ناصر بثقة وقوة: توكلوا.. الله يستر عليكم

مازالت مصرة: بس توقيع.. اشفيك ناشف جذيه مع معجبينك

فارس بقسوة: أقول توكلي توكلي

همست بغضب بارد: ياي يخرع

ثم انسحبتا ولكن الأخرى قبل أن تنسحب مالت على فارس
لتهمس له من قريب: شلعت قلبي.. وش هالرجولة والجمال اليوسفي..

وناصر انفجر ضاحكا وهو يرى احمرار وجه فارس من الغضب
فارس بغضب: أنت أشلون تستحمل ذا الاشكال
تدري.. أخر مرة أقعد معك وإلا مع راكان في مكان عام
تجيبون للواحد شبهة بذا الاشكال اللي تحذف عليكم..
هذولا وين أهلهم عنهم؟؟؟


الجزء الأخير من الموقف حدث أمام عينين دامعتين كانتا تشاهدان من بعيد



**********************



بعد ذلك بساعتين
طائرة مشعل وهيا تقترب

مشعل يهمس لهيا ببرود: أنا ما أدري وش كنتي تلبسين في الدوحة قبل
لكن الحين اسمش مرتي وأنا لولا خوفي إنه حد يضايقش في أمريكا
أو كان قلت لش تغطين وجهش هناك
لكن في الدوحة أعتقد أنه مافيه داعي انبهش

هيا لم ترد عليه لأنها كانت تغلي من الغضب عليه
(هذا وش مفكرني؟؟)

وبعد أن تمالكت نفسها ردت عليه ببرود مشابه لبروده:
والله يا ولد عمي أعرف السنع قدام تأخذني
ولمعلوماتك أنا كنت أغطي وجهي حتى في لندن عدا الجامعة بس
بس في أمريكا حذروني أغطي وجهي
ومنت باللي تجي الحين تعلمني أشلون أتستر

مشعل بتأفف عميق: أنتي كل شيء عندش معركة لازم تربحين فيها

كان هذا أول حوار حقيقي بينهما منذ أيام
وإذا به يتحول إلى مأساة وحرب باردة مستعرة

هيا أخرجت نقابها وارتدته
وهي تحاول نسيان غضبها من مشعل
فما فيها يكفيها
ألم
توتر
توجس
رعب
حزن
وقلبها ترتفع دقاته
ووجيب هذه الدقات يكاد يمزق أضلاعها
خرجت من الدوحة مع أمها
وعادت لها مع مشعل
وشتان بين الذهاب والعودة

تشعر برعب كاسح من الحياة التي تنتظرها
كيف سيكون استقبال أهلها لها
هل سيحبونها؟؟
هل ستحبهم؟؟
كيف هي أشكالهم؟؟
هل فيهم شبه من والدها مثل مشعل؟؟
كيف سيتعامل معها مشعل هناك أمام أهله؟؟

عشرات التساؤلات التهمت تفكير هيا بمرارة
وقائد الطائرة يعلن عن قرب نزول الطائرة في مطار الدوحة الدولي


#أنفاس_قطر#
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران
/الجزء الخامس والستون


الدوحة
فندق الانتركونتنتال
جناح ناصر ومشاعل

وصلا منذ دقائق
اطمئن مشعل عليهما ثم غادرهما

مازالت مشاعل غير مستوعبة كيف وصلت هنا دون أن تنهار
ومازالت تقف وعيناها في الأرض
وقلبها يكاد يتمزق من ضغط دقاته
تشعر بوجل وخوف وخجل غير طبيعي
تتمنى أن تنشق الأرض تبتلعها
وأن يتوقف هذا الموجود معها عن مراقبتها بهذه الصورة المتفحصة
مازالت حتى الآن لم تر ناصر.. فهي لم ترفع عينيها له مطلقا

انتزعها من أفكارها
صوت عميق هامس قريب:
تدرين إنش أحلى من كل أحلامي..مبروك ياقلبي

(متى صرت قلبك يا النصاب؟)

أكمل همسه: حبيبتي.. توضي خلينا نصلي ركعتين

(وحبيبتي بعد؟! وش عنده ذا)
تريد أن تتكلم ولكنها عاجزة.. فكل الكلمات تحجرت في بلعومها
ولكنها تحتاج فعلا أن تصلي وتصلي طويلا أيضا
لتطمئن الصلاة روحها الجازعة

تركته وتوجهت للدولاب.. تعلم أن موضي أعدت لها كل شيء
تناولت روبها ومنشفتها وبيجامتها
فشقيقاتها كن يعلمن أنها يستحيل أن تلبس قميصا في ليلتها الأولى
لذا أعدت لها موضي بيجامة حريرية بيضاء مطرزة
علقتها مشاعل في الحمام وهي تحشر نفسها وثوبها في الحمام

طوال حركتها في الغرفة
وناصر يراقبها باستمتاع وهو ينظر لها بإعجاب عميق
يشعر أن حرارته ترتفع وكل ما تفعله يبدو رقيقا وعذبا ومثيرا
وخطرا.. خطرا جدا.. وخصوصا أنها تتحرك بتلقائية متوترة بدت أكثر خطرا
(الله يعيني على خجلها بس!!)

مشاعل أطالت في الحمام وهو لم يسمع صوت الماء يُفتح
كان يريد أن يصلي قيامه
لكنه يريد قبلا أن يصليا سويا ركعتين ليبارك الله لهما في حياتهما معا

ناصر طرق عليها الباب
وهو يهمس لها برقة: مشاعل حبيبتي تأخرتي نبي نصلي

مشاعل كانت تبكي في الداخل
فهي مرتبكة وتكاد تذوب خوفا وخجلا
وهذا الثوب اللعين لم تعرف كيف تخلعه فهو لم ينفتح لها

تكررت الطرقات على الباب
أخيرا استطاعت أن تهمس له: شوي لو سمحت

كان وجهها قد أصبح خريطة ألوان من تمازج دموعها وزينتها
أخذت مناديل مسح الزينة التي تركتها لها موضي في الحمام
ومسحت وجهها كاملا بعناية

وختاما وجدت نفسها مضطرة لطلب مساعدته
فهي تريد أن تصلي
ولولا الصلاة لكانت بقيت في الحمام حتى الصباح

فتحت الباب
قفز ناصر الذي كان جالسا على الأريكة فور سماعه لفتح الباب
مشاعل بخجل مر ودموعها مازالت تسيل:
ممكن تساعدني لو سمحت



************************


الدوحة
فندق الريتز
جناح فارس والعنود


راكان أوصل فارس والعنود لجناحهما
ثم انسحب

مازال الاثنان واقفان
يلفهما توتر عميق

في حالة ناصر ومشاعل
نجد مشاعر عريس طبيعي عند ناصر
وخجل غير طبيعي عند مشاعل

في حالة فارس والعنود
نجد مشاعر عروس طبيعية عند العنود
ومشاعر عشق متجاوز للحدود لكنها مغلفة بكبرياء غير طبيعي عند فارس


العنود خلعت عباءتها كمحاولة لتبديد توترها
وهاهي مازالت تقف بخجل وعباءتها بيدها
وعيناها في الأرض

فارس ينظر لها
ومضى وقت طويل وهو ينظر لها
ويشعر أنه لو ظل ينظر إليها طوال عمره فلن يشبع أو يرتوي أو يمل
يتأملها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها
(يا آلهي.. يا ألهي
أي مخلوقة أنتي؟؟
أي روعة أنتِ؟؟
أي معجزة أنتِ؟؟
ماذا فعلتِ وتفعلين بي
كفى
كفى
ارحمي قلبي الذي تطعنينه بأهداب عينيك الذائبتين خجلا
وتعصرينه بين ملتقى شفتيكِ المرتعشتين توترا)

العنود تعبت وهي تنتظر منه رد فعل بينما هو واقف كتمثال حجري
وخجلها يمنعها من الحركة
(هذا شفيه كذا
يبي يحرجني يعني
يضطرني أنا أتكلم أول
لمتى وحنا واقفين
أنا أبي أصلي)

العنود همست بخفوت معذب: أبي أصلي.. ممكن؟

انتفض فارس بعنف ولكن انتفاضته لم تظهر مطلقا على محياه
فلطالما اعتاد على التحكم في انفعالاته

فارس بهدوء وثقة: بنصلي كلنا الحين ركعتين
وعقب صلي



************************



جناح ناصر ومشاعل

ناصر اقترب منها بدت له كطفلة خائفة مذعورة بوجهها المحمر الصافي الخالي من المساحيق
ودموعها التي تسيل بغزارة
شعر بحنان غامر ناحيتها
سألها بحنان: وش فيش؟؟

مشاعل بخجل عميق من بين دموعها المنهمرة بصمت:
ماعرفت افتح الفستان.. ممكن تساعدني

ناصر ابتسم
(والله ربي يحبني)
أجابها بابتسامة: لفي

مشاعل أعطته ظهرها
ناصر بدأ يفتح السحاب ببطء شديد وكأنه يريد إطالة المهمة قدر يستطيع
وهو يفتح كان يمرر أصبعه بطريقة مقصودة على سلسلة ظهرها
مشاعل كادت تجن وهي تشعر أن إعصارا صاعقا ضرب سلسلة ظهرها
همست بخجل واختناق: ناصر بسرعة لو سمحت

ناصر يبتسم: خلاص خلصت

مشاعل لم تصدق أنه انتهى
قفزت للحمام وهي تبكي بشكل أشد
وتناشد الله في أعماقها
(يا ربي الطف فيني ياربي الطف فيني
شكله مهوب عاتقني الليلة
وش ذا الوقاحة اللي عنده
ياربي ارحمني
ارحمني
يارب الطف فيني .. الطف فيني
ليتني قعدت في الحمام ولا قلت له يساعدني)



********************



جناح فارس والعنود

العنود دخلت الحمام لتستحم وتستعد للصلاة
ووجدت أن لطيفة كانت قد أعدت لها كل شيء في الحمام وفي دواليب الجناح بتنظيم شديد

بينما فارس خرج خارج الجناح
شعر أنه بالفعل عاجز عن احتمال ضغط وجودها بهذا القرب
العنود خرجت لم تجده
ارتدت ثوب الصلاة فوق قميصها
انتظرته
تأخر
بدأت تصلي قيامها
دخل وهي تصلي
انتظرها حتى انتهت ثم همس لها بهدوء دون أن ينظر ناحيتها: يالله نصلي

صليا سويا
حين انتهوا من صلاة الركعتين
فارس بدأ يصلي قيامه

والعنود انسحبت وخلعت ثوب الصلاة
وعادت للحمام للتأكد من شكلها
نشفت شعرها جيدا
ثم فردته
لم تعرف هل تترك وجهها خاليا من المساحيق
أو تضع شيئا خفيفا

لكنها قررت ختاما أن تتركه بدون مساحيق
فوجهها اكتفى اليوم من أطنان المساحيق
تعطرت بكثافة وعطرت شعرها

ثم نظرت لشكلها النهائي في المرآة
وأن شكلها يبدو فعلا أنيقا ومحتشما
في رداء نوم أبيض ملكي عليه روبه السميك المطرز بفخامة
يتناثر عليه شعرها المدرج المسدل بعذوبة على كتفيها

حين خرجت
كان فارس يجلس على الأريكة وقد أرتدى بيجامة سوداء
شعرت العنود بالخجل بالكثير من الخجل
(هل أبدو بشعة أمامه؟!)
ففارس بدا لها وسيما حد الوجع
ومذهلا في بيجامته التي انسابت على عضلات جسده البارزة من تحتها بتناسق رائع

بدأ خجلها يتحول لتوتر
(عشان كذا ما عبرني
أكيد ماشاف فيني شيء يعجبه)

لم يرَ شيء يعجبه؟؟
عن ماذا تتحدثين؟؟
هذا الشاب متيم حتى أقصى عروقه وخلاياه
لو كنتي بشعة حتى، فهو يراكِ المخلوق الأروع في كل الكون؟!!
فكيف وأنتي تقفين أمامه بحسنكِ الموجع؟!!


ظلت واقفة
وفارس يتأملها بعمق
يتأمل وجهها الصافي العذب المشبع أنوثة كاسحة وبراءة عذبة
لباسها الذي أصفى عليها مزيدا من الأنوثة والبراءة معا
كل مافيها موجع.. موجع
ويحز في روحه حتى أقصى أعماقه

طالت وقفة العنود.. وانتبه فارس
وأخيرا تكلم وهو يقول بهدوء: ليش واقفة؟؟
اقعدي

(تعّب روحه صراحة
أخيرا تذكرني)

جلست العنود بعيدا عنه ومقابلا له
حرب من النظرات استعرت بينهما
العنود تنظر له بخجل نظرات متوترة منقطعة تتراوح بينه وبين حضنها حيث كفيها المتشابكتين
وفارس ينظر لها بشكل مباشر وعيناه تلتهمها التهاما وتلتهم كل تفاصيلها

(أوف اشفيه يطالعني كذا
لا يكون فيني شيء غلط)
العنود توقفت تماما عن رفع عينيها ونظراتها تثبت على يديها وتطريزات روبها

(لا تصدين
تكفين ارفعي عينش ولدي صوبي

لاتصد هناك ياعمري دقيقه .......... العمر محسوب بحساب الدقايق
في بحر عينك تبينت الحقيقه........... كل موجه تنقل لعيني حقايق
الهوى دلتني عيونك طريقه ...........ثم سوت وسط قلبي لك طرايق
إلتفت يمي ترى عمري دقيقة..........ليتني احيا في سما عينك دقايق

لا تصدين
حتى نظرة عينش تبين تحرميني منها
حرام عليش اللي سويتيه وتسوينه فيني)



********************



غرفة ناصر ومشاعل

بعد حوالي نصف ساعة خرجت مشاعل من الحمام
بعد أن نشفت شعرها بالمجفف
ولبست بيجامتها

بدت لناصر أشبه بدمية حقيقية
أشبه ما تكون بلعبة قد يكسرها أقل شيء
شعر برغبة عارمة أن يحتضنها.. يستنشق عطر هذا الشعر الطفولي الناعم

لكنه تنهد وهو يقول لنفسه
(كل شيء في وقته حلو)

همس لها: يالله نصلي

مشاعل رفعت عينيها له لأول مرة
بدا لها وسيما ومهابا حتى في نحافته التي لم تخفِ عضلاته
النحافة التي ميزته عن عرض أجساد آل مشعل

أنزلت عينيها بسرعة وهي تقول: بس أجيب سجادتي

أحضرت سجادتها ووقفت خلفه وصليا معا ركعتين
ثم صلى كل منهما قيامه

ناصر أنهى صلاته قبلها
وهي أطالت كثيرا في الصلاة
ناصر كان يبتسم وهو يجلس للكرسي الأقرب لها
انتهز الفرصة أنها سلمت بين ركعتين فهمس بمرح شفاف عميق:
ترى أكثر القيام 8 ركعات ..والشفع والوتر صاروا 11
شكلش صليتي 30 أو 40 ركعة
وترى عادي.. صلي 70، 80 قاعد انتظرش للصبح ماوراي شي ترا
لا جمعة شباب ولا تدريب ولا شغل
أنتي وبس

مشاعل بخجل: بأوتر بس

صلت مشاعل ركعتها المتبقية
ثم قامت لتعيد سجادتها للدولاب
لا تعرف لماذا تعيدها كان من الممكن أن تتركها على الكرسي
ولكنها تريد أن تبتعد عن مدى وجوده
أطالت وهي تقف أمام الدولاب المفتوح وأفكارها تسرح
لم ينتزعها من أفكارها سوى أنفاس دافئة تلفح عنقها
وناصر يميل عليها ويهمس بالقرب من أذنها: مطولة؟؟



************************


جناح فارس والعنود

الجلسة طالت كثيرا
العنود زاد خجلها كثيرا وهي تراه يراقبها بهذه الطريقة

وفارس العاشق لم يكن أصلا في وعيه فهو كان يحلق في عوالمه الخاصة
فهو مازال غير مستوعب أن معشوقته تجلس أمامه
بدون حواجز
وأنها أصبحت له يتمتع بالنظر إليها كيف يشاء
ويستمتع بهمساتها كيف شاء
تذكر أنه لم يسمع صوتها تقريبا منذ وصلا
وكم هو مشتاق لانسكابه في أذنه

همس بطريقته الواثقة الاعتيادية: العنود تعالي اجلسي جنبي

العنود لم تتحرك
(صدق ماعنده ذوق
يامرني أجي عنده)

فارس طلب ذلك بعفوية لأنه هو من يجلس على الأريكة
بينما هي تجلس على كرسي منفرد

فارس بذات الهدوء: العنود تعودي من أولها إني ما أعيد الطلب مرتين
إذا طلبت منش شيء تنفذينه من أول مرة
قلت لش تعالي جنبي
تقومين تجين جنبي
وهذي بتكون أخر مرة أكرر طلب مرتين

العنود شعرت بضيق عميق
أسلوبه مستفز وقاس وخالٍ تماما من الذوق
ولكنها وجدت نفسها مجبرة للقيام والجلوس جواره
فنصائح مريم الكثيرة ترن في رأسها
وعصيانه عصيان لربها

العنود جلست على الطرف الآخر من الأريكة وهي تترك مسافة فاصلة بينهما

ولكن قربها كان كافيا لتخترقه رائحتها العذبة
لم يكن عطرها فقط
بل رائحتها هي.. اختلاط عطرها برائحتها الطبيعية كان ناتجه فتاكا على مشاعره
مازال يتجلد.. فتنكيس الرايات السريع ليس من شيم كبرياءه
وخصوصا أنه يحاول جاهدا أن يستعيد إهانتها الوقحة لها حتى يقسو عليها قليلا
فيجد أن هذه الاهانة تتضاءل ذكراها أمام ذكرى أعظم وأجمل
هي العنود ذاتها
ولكن كبرياءه .. كبرياءه أين يفرمنه؟؟؟

سألها بهدوء: ناصر قال لي إنش أنتي رفضتي نسافر.. ليش؟؟

العنود تتذكر أنها قالت لناصر السبب.. أيعقل أنه لم يقله لفارس
وفارس كان يعلم السبب
لكنه يريد فتح حوار ما

العنود بخفوت وعذوبة: امتحاناتي بعد أسبوع وماعندي وقت

أن يسمعها توجه الحوار له مباشرة بصوتها الساحر وطريقتها الآسرة في الكلام
كان إحساسا فوق كل خيال روعة وآلما ومتعة

سألها بهدوء: كم ساعة مسجلة؟؟

العنود بذات النبرة الخافتة: 16

فارس : مهوب واجد عليش؟؟

العنود ترفع عينها.. وتكمل بخجل: لا بالعكس أصلا كنت أبي 18 بس ماحصلت
إن شاء الله الفصل الجاي أسجل 18 ساعة

فارس بهدوء: أكثر من 14 لا تسجلين.. أنتي الحين مرة متزوجة
لبيتش حق

العنود صمتت لا تريد أن تثير معركة منذ ليلتهما الأولى همست برقة: يصير خير

فارس ماعاد يحتمل
(ماكل هذه العذوبة!!
تبدو الكلمات كما لو كانت تختلط بالعسل والسكر
وهي تتدفق من بين شفتيها)
يريد أن يلمس وجهها فقط
يريد أن يلمس تفاصيل ملامحها
يلمس شفتيها النديتين النابضتين بالهمس المعذب
هل هما فعلا حقيقة أم خيال؟؟

هذه المرة لم يأمرها أن تقترب
بل هو من اقترب منها

العنود توترت وهي تتراجع أكثر للطرف الذي حجزها
وهو يقترب أكثر
حتى أصبح شديد القرب منها

همس لها بحنان تلقائي: ارفعي وجهش
وطالعيني

نبرة الحنان اللذيذة غير المعتادة في صوته أجبرتها على التنفيذ بدون وعي

مد سبابته لوجهها
انتفضت بعنف
وهو يمرر سبابته على حاجبها
خدها
شفتيها
ذقنها
عنقها
ثم يضع كفه على خدها بحنان ووله مصفى
وهو يقرب وجهه أكثر منها

العنود رأت كيف تلمع عيناه ويزفر أنفاسه بعمق
والجو يُشحن بشرارات كهربائية بينهما
همست بخجل شفاف وهي تحاول الابتعاد: تكفى فارس خلني لين أتعود عليك

رغم صعوبة الابتعاد على فارس بعد أن أصبح على هذا القرب منها
ورائحتها التي أسكرته تماما وهي تخترق أقصى حويصلاته الهوائية
لكنه ليس من يفرض نفسه
أو يتعامل بهمجية مع نصفه الآخر
فعلاقته بها يريدها أن تكون برضاها وتجاوبها

ابتعد وهو يتنحنح وكأن هذه النحنحنة صادرة من أعمق أعماقه:
بس إن شاء الله مرحلة التعود ذي ما تطول

صمتت العنود بخجل

استمر الصمت وفارس يعود لتأملها بوله
(أي سحرٌ تتسربلين به؟!
أي روعة يضمها جنبيكِ؟!
متى ترحمين قلبي المتيم؟؟
أو متى أرحم نفسي من جنوني المتكبر
آه يا صغيرتي
وألف آه)

بقيا على جلستهما المشحونة بالمشاعر العصية على التفسير
حتى أذن الفجر
وصليا فرضهما

حين أنهيا الصلاة قال فارس بطريقته الواثقة المعتادة في الكلام:
زين نبي ننام وإلا ذي بعد تبي لها تعود

(صدق ماعنده أسلوب!!)
لكنها ردت بخجل: نام.. تصبح على خير

فارس يتنهد وهو يعرف أنه لم يكن لطيفا رغم أنه يتمنى لو يذوب لها لطفا
ويقول بهدوء: العنود مافيه داعي لسوالف الأفلام وواحد منا ينام على الكنبة والثاني على السرير
تعالي نامي جنبي.. تراني مخلوق متحضر لو عندش شك في هذا..وأعرف أتحكم بنفسي


العنود نهضت معه
لم ترد أن تبدو قليلة التهذيب معه
فهي ثتق به وبكلامه
ومادام قال لها شيئا فلن يخلف بكلامه لها
تمدد فارس على طرف
وتمددت هي الآخر دون أن تخلع روبها

فارس يتنهد بعمق
(لو أنها بس تسولف لي
ما أبي شيء ثاني
صوتها بيصبرني
بس الحين شوف وحر جوف)



*************************



جناح ناصر ومشاعل

مشاعل أطالت وهي تقف أمام الدولاب المفتوح وأفكارها تسرح
لم ينتزعها من أفكارها سوى أنفاس دافئة تلفح عنقها
وناصر يميل عليها ويهمس بالقرب من أذنها: مطولة؟؟

شعرت مشاعل أنه سيغمى عليها
صمتت
ناصر فسر صمتها وأنها لم تتحرك أنه نوع من التجاوب معه
وتوقع أنهم بالغوا في تصوير خجلها له
لذا تجرأ أكثر وهو يقترب من ظهرها ويضع يديه على عضديها
ويطبع قبلة على شعرها
وناصر بالفعل كان لديه استعداد للتوقف فورا لو أنها طلبت منه ذلك
فهو وعدها أن يصبر عليها
وليس هو من يخلف وعدا
ولكنها لم تطلب
بل تصرفت
وهي تنخرط في بكاء هستيري
ابتعد ناصر عنها وهو يقول بتأثر: مشاعل أنا آسف
خلاص ماني مقرب منش والله العظيم
لا تخافين حبيبتي

لكنها لم تستمع له وهي تركض للحمام وتغلق على نفسها فيه

ناصر قرر تركها حتى تهدأ
مضت أكثر من ساعة وهي لم تخرج
طرق عليها الباب
لم ترد عليها
همس لها بحنان: مشاعل حبيبتي والله العظيم آسف
خلاص والله ما أعيدها ولا أقرب منش إلا برضاش
هذا أنا حلفت
اطلعي مايصير.. بتقضين الليل في الحمام؟؟

لكنها لم ترد عليه

ناصر أصبحت حالته مزرية من القلق والندم
عاد لها بعد نصف ساعة
وهو يقول بنبرة فيها بعض حدة: لو مارديتي علي بأكسر الباب

مشاعل بصوت باكي ضعيف: تكفى ناصر خلني

(لا حول ولاقوة إلا بالله
وش ذا البلشة
بأخليها شوي)

وبقيت مشاعل في الحمام
وناصر بين باب الحمام يحايلها ويطمئنها ويحلف لها ألا يقترب منها
وبين الأريكة التي يجلس عليها
حتى أذن الفجر

حينها بدأ ناصر يغضب فعلا
وتتحول مشاعره من الشفقة عليها للغضب منها
(هذي وش شايفتني؟؟
تحسبني بأغتصبها ذا الخبلة مسكرة على روحها 5 ساعات)

اقترب من الباب وهو يهمس بغضب مكتوم:
مشاعل اطلعي أبي أتوضأ وأصلي

مشاعل بخوف: ماني بفاتحة
أكيد تبي تضربني الحين

ناصر بغضب شفاف: يابنت الحلال
أنا ماأستاهل منش اللي انتي تسوينه فيني
حلفت لش ألف مرة ما أسوي لش شيء
يعني بأكذب على ربي عشانش
اتقي الله
مايصير اللي تسوينه
اقعدي وين ما تبين.. في الغرفة.. في الصالة
لو تبين أخلي لش الجناح كله خليته
بس اطلعي

مشاعل بذات الخوف: قلت لك ماني بفاتحة

ناصر خرج من الجناح وتوضأ في حمامات البهو الرئيسي (اللوبي) وصلى الفجر
ثم عاد لها يعتقد أنها قد تكون فكرت في كلامه وخرجت
لكنه وجدها مازالت تغلق عى نفسها

عاد لها يحايلها بدون فائدة
حتى أشرقت الشمس وناصر منهك ويريد النوم
اقترب من الباب وهو يقال برجاء عميق:
مشاعل الله يهداش الشمس شرقت
والله العظيم أنا ما أستاهل منش كذا
أنا شاريش ومحترمش وعازش
تسوين فيني كذاّّ

مشاعل بخوف صميمي: ماني بفاتحة لين يجي أخي مشعل
أبي مشعل

طلبها لمشعل ذبح ناصر
ذبحه تماما
يفترض أن يكون هو من يحميها
فكيف تريد أن تحتمي بغيره ومنه

ناصر بغضب مر: أنتي صاحية؟؟
تبين تفضحين روحش
وش يقولون الناس وانتي مقضية ليلة عرسش في الحمام
مستحيل اتصل في مشعل
خلش في الحمام لين تشبعين

ثم أردف بمرارة:
وترا النفس طابت منش
هذا مهوب سحا يا بنت عمي
هذا عياف
ومن عافنا عفناه لو كان غالي



#أنفاس_قطر#
.
.
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
[
أسى الهجران/ الجزء السادس والستون


بيت عبدالله بن مشعل
الصالة السفلية
الساعة التاسعة والنصف صباحا


موضي تجلس في الأسفل
جدتها تتمدد في غرفتها
وأمها في المطبخ
والجو يعبق به روح تأثر عميقة لغياب مشاعل
موضي تعرف أن الاثنتين مفتقدتان لمشاعل بوجع مستشري
لذا جدتها ادعت التعب وتمددت
وأمها تتلهى في المطبخ عن التفكير


بعد دقائق نزلت هيا
سلمت وسألت عن الجميع

موضي بابتسامة: غريبة وش فيش مصبحة بدري عقب سهرة البارحة

هيا تبتسم: مصبحة مثلش هذا أولا
ثانيا مشعل جاه اتصال مهم على قولته وطلع
وأنا عقب ماطلع ماقدرت أنام

موضي تبتسم: عيني يا عيني على أهل الغرام

هيا ترد بخبث: نشوفش عقب كم يوم أنتي والشيخ راكان

رغم الضيق الذي سببه الموضوع لموضي إلا أنها ضحكت:
حووو.. رويترز ما يدس شيء عليش

هيا تبتسم: خله يدس علي عشان أقص رقبته
ثم أردفت باهتمام: إلا شبر القاع وينه؟؟ اليوم ماعنده مدرسة وينه

موضي بضيق حقيقي لأنها هي ذاتها متضايقة من اشتياقها لأختها
همست بصوت منخفض:
سلطان متضايق ومكتئب

هيا بقلق: من جدش أنتي... سليطين متضايق ومكتئب؟؟

موضي بحزن: مشتاق لمشاعل وما يبي يقول.. وكاتم في نفسه

هيا بشفافية: لحق يشتاق.. توها عرسها البارحة

موضي بتأثر: مشاعل أكثر حد فينا ريم وسلطان متعلقين فيه
ريم عادي عبرت عن مشاعرها وهذي هي تنحط فوق
وأنا ماني بشايلة همها
لأني أدري إنها بتبكي وتفضي اللي في رأسها وترتاح
بس سلطان وذا العرق الأمحق اللي في رياجيل آل مشعل
كاتم في روحه.. شكله يكسر الخاطر جد
ودي إنه يبكي عشان يرتاح

هيا بتأثر: وينه ؟؟

موضي: في الصالة الداخلية يلعب بلاي ستيشن وهو في صوب واللعبة في صوب

هيا نهضت وهي تحكم لف جلالها على وجهها وتدخل على سلطان في الصالة الداخلية المفتوحة على الصالة الرئيسية

هيا بمرح مصطنع: هلا والله بشيخهم.. هلا بالشيخ سلطان بن عبدالله

سلطان رد بهدوء وعينه مثبتة على شاشة التلفاز: حياش الله

هيا بذات المرح: أفا وش ذا الحفوة الباردة يا ولد عمي
كنها طردة.. أبي ألعب معك.. ممكن؟؟

سلطان بعفوية: مشاعل كانت تلعب معي

أجاب بالشيء الذي يشغل باله

هيا تبتسم: وأنا أعرف ألعب بعد

سلطان صمت

هيا جلست قريبا منه وهي تتمنى لو كان بإمكانها احتضان هذا السلطان الغالي
(كم من الكبرياء الكريه في عروقكم
حتى الاطفال لم ترحموهم منه)

هيا بعمق: سلطان ترا مهوب معنى إن مشاعل تزوجت
إنها خلاص صارت بعيدة عنك
البيت جنب البيت
بتلاقيها كل شوي ناطة لنا
ثم أكملت بمرح: أو أنت كل شوي نط عندها
خلاص بنات عمك وحدة تزوجت ووحدة تملكت
ماعاد ينخاف عليهم يفتتنون فيك

مازال صامتا

هيا تتمزق بالفعل من أجله..
فهي خير من يشتم رائحة الحزن العميق
وتعلم أن قلب هذا الفتى مشبع بحزن شفاف

صمت متوتر حزين يشبع الأجواء

أخيرا تكلم
همس بخفوت موجع: البيت ماكن فيه حد
حاس كنه قبر من غيرها

جملته مزقت قلب هيا تماما.. تعرف هذا الإحساس .. تعرفه تماما
هي من صمتت الآن وهي تحاول مغالبة دمعات تتوق للانهمار
لم تعرف ماذا تقول له
صمتت
حزين هو..حزين بالفعل.. ويبدو أنها فاشلة في المواساة!!!

أكمل بذات الهمس الحزين فهو محتاج للبوح:
كانت تعرف لي بدون ما أتكلم
وإذا حضنتني شميت فيها ريحة أمي
كل يوم كانت تعصب علي: إذا مادرست..إذا ماكلت.. إذا تأخرت...
وانا أحب أشوفها وهي معصبة..لأنها ماتعرف تعصب...
عمري ماقلت لها آسف..أبي أقول لها آسف..
عمري ماقلت لها إني أحبها...أبي أقول لها إني أحبها
اني أحبها واجد واجد.. وإن بيتنا ماله حلا من غيرها


ماعاد يحتمل المزيد.. أكتفى من البوح
ويريد أن يبكي.. ويستحيل أن يسمح لأحد برؤيته
وقف وترك هيا التي تمزقت حزنا من أجله
تركها وصعد لغرفته



*************************


جبهة حزن فراق أخرى

صالة بيت محمد بن مشعل
أم مشعل تجلس مع مريم أمام قهوتهما التي لم تمس
والجو ثقيل ثقيل حولهما

أم مشعل بلهفة مكسورة: مريم يأمش دقي على العنود نتطمن عليها

مريم بهدوء: يمه تو الناس.. وهذولاء معاريس مايصير نزعجهم

أم مشعل صمتت
بعد دقائق صمت
همست أم مشعل بحزن: الله يعيني إذا رحتي أنتي بعد

مريم تمزقت من جملة والدتها الموغلة في الحزن
ثم همست بتأثر: يمه هذولاء مشاعل وموضي بيجون عندش

أم مشعل بتأثر: شكلي بأقول لراكان يستعجل في العرس
أبي لي وحدة تكون معي داخل البيت
بأستخف لو أقعد في البيت بروحي

مريم مدت يدها تتحسس حتى وصلت يد والدتها احتضنتها وقبلتها:
أنا يمه قاعدة عندش لين عقب عرس راكان.. لا تستعجلينهم
موضي توها بتخلص عدة
مايصير تغصبونها على طول عرس


***************************


قبل ذلك بحوالي ساعة

حدود الساعة 9 إلا ربع صباحا
جناح ناصر ومشاعل

ناصر لم ينم إلا حدود الساعة السابعة
ليلة زواجه كانت الليلة الأسوأ في حياته
وهاهو هاتفه يرتفع بالرنين ويصحيه من نومه الذي يحتاجه بشدة
التقط الهاتف يريد أن يضعه على الصامت ولكنه رأى أن المتصل هو رئيس فريقهم
استغرب وذهنه يتحفز.. فالفريق كاملا يتواجد في الأردن حاليا
والوقت مبكر للاتصال قالساعة عندهم الآن الثامنة إلا الربع
والفريق كلهم ورئيسه اتصلوا به البارحة وهنأووه
فما سبب الاتصال يا ترى؟؟!!

التقط الهاتف وهو يرد باحترام: هلا والله

الطرف الآخر بحرج: هلا بك يابو محمد آسفين على الأزعاج

ناصر بذوق: لا إزعاج ولا شي حياك الله أي وقت

رئيس الفريق بحرج أكبر: والله ياناصر ما أدري وش أقول لك مالي وجه

ناصر يقف ومشاعره تتحفز: عسى ماشر؟؟

رئيس الفريق بإرتباك عميق: أدري أنه عرسك البارحة وأنك كنت بتسافر الليلة
بس حن محتاجينك

ناصر باستغراب: محتاجيني؟!!

رئيس الفريق: البارحة حسن عقب ماحضر عرسك وهو طالع المطار زلق وانكسرت يده وماقدر يجي.. وأكيد مايقدر يشارك
فاحنا نبيك تجي تشارك مكانه في السباق الليلة
وبكرة على الليل ترجع
تدري ناصر أنت وحسن أحسن فرسان في الفريق
أنت أساسا ماكنت مشارك وهذا حسن انكسر.. يعني ماعاد لنا أمل بأي من المراكز الأولى كذا
أدري مالي وجه أطلب منك كذا وأنت عريس
بس اعتبرها خدمة أخيرة لفريق بلدك.. وهذا تمثيل وطني
وأنت كنت تبي تعتزل السباقات.. خل السباق ذا سباقك الأخير


ناصر كان يستمع لرئيس الفريق وعشرات الأفكار تصطخب في ذهنه
زواجه...
رفض مشاعل له..
حاجة فريقه له الذين هم أصدقاء عمر وليسوا مجرد فريق رياضي..

رد على رئيس الفريق بثقة: خلاص أنا مستعد

رئيس الفريق بسعادة: كنت عارف إنك منت بخاذلني
خلاص الطيارة بعد 3 ساعات
بيجيك مندوب لين مكانك يأخذ شنطتك وجوازك وبيخلص كل شيء
أنت بس تعال قبل الإقلاع بنص ساعة

مشعل باهتمام: والجليلة؟؟

رئيس الفريق: وش دخلها الجليلة؟؟

ناصر باستغراب: أشلون أسابق بدون فرسي؟!!

رئيس الفريق بهدوء واهتمام: ناصر أنت عارف إنه إجراءات شحن الجليلة بتأخذ وقت
عدا إنها تبي لها وقت لين تتعود على لجو.. والجو هنا ذا الأيام بارد جدا وصقيع

ناصر باستفسار: زين والحل؟؟

رئيس الفريق: تركب ثيندر.. ثيندر صار له هنا أكثر من أسبوعين وهو كل يوم يتدرب وتعود على الجو

ناصر بهدوء: بس ثيندر حصان عنيف.. وما يتقبل حد إلا حسن

رئيس الفريق: وأنت جوكي محترف.. والسيطرة على ثيندر موب صعبة عليك

ناصر بثقة: خلاص تم... شنطتي وجوازي أصلا جاهزين لسفري الليلة
خل المندوب يجيني الحين في الأنتر
عشان أسوي شيك آوت.. وأروح أسلم على هلي

ناصر أنهى اتصاله
وتفكيره مشغول بمن قضت ليلها في الحمام
ولكنه لا يريد رؤيتها
يشعر أن رؤيتها جارحة له وبعمق
جارحة لكرامته ولرجولته وقرابتها له

اتصل بمشعل بن عبدالله وطلب منه الحضور فورا

بعد نصف ساعة كان مشعل يصل هو والمندوب سويا في ذات الوقت
ناصر أعطى المندوب حقيبته وجواز سفره ومشعل في غاية الاستغراب
كانوا مازالوا في الممر
بعد ذهاب المندوب.. ناصر همس لمشعل القلق من اتصاله: تعال

مشعل دخل وهو يشعر بالحرج
ناصر قال لمشعل بهدوء: اجلس مشعل

مشعل جلس وعيناه تجوبان بالجناح بحثا عن شقيقته

ناصر بذات الهدوء: مشعل باسالك سؤال وجاوبني بصراحة

مشعل بقلق: وش ذا المقدمة.. إسال.. أظني إنك عارفني

ناصر بهدوء عميق: مشعل أنتو غاصبين مشاعل علي؟؟

مشعل قفز وهو يقول بحدة: من يقوله؟؟ مهوب بناتنا اللي يغصبون

ناصر: اقعد مشعل

مشعل جلس وناصر يكمل كلامه: اللي باقوله لك أبيه بيننا
لأنه ما أدري وش أقول لك.. ماينقال

مشعل تصاعد قلقه وعشرات الأفكار المجنونة تعصف به

وناصر يكمل: مشاعل من البارحة مسكرة على روحها في الحمام

مشعل قفز: وشو؟؟
كان يريد التوجه للحمام.. لكن ناصر أشار له لا

ناصر أخبر مشعل بإضطراره للسفر للاشتراك في سباق التحمل الصحراوي في الأردن
ثم قال له: أنا أبيك تأخذ مشاعل.. شوف وشهي تبي.. وش اللي يريحها؟؟
وأنا بأسويه لها إذا رجعت

مشعل بتأثر عميق: أنتظر لازم أخليها تطلع وتعتذر لك..

ناثر برجاء: لا تكفى مشعل.. ماعليه أدري إنها أختك
بس أنا متضايق منها وما أبي أشوفها الحين
خلني أروح الحين... وإذا رجعت من سفري تفاهمنا

مشعل احتضنه وهو يقول له بأخوية عميقة:
تروح وترجع بالسلامة.. وترجع لنا بالكأس
والسموحة يا أخيك امسحها في لحيتي
مشاعل والله إنها ذهب بس هي تستحي بزيادة

ناصر حمل حقيبته وخرج يريد الذهاب لأهله للسلام عليهم وإخبارهم
ثم للتوجه للمطار


مشعل تنهد وهو يتوجه للحمام
الوضع حساس
ويحتاج لمعالجة متوزانة

طرق الباب عليها
لم ترد
أعاد الطرق
لم ترد
همس بقلق: مشاعل افتحي الباب

فُتح الباب فورا.. لتظهر من خلفه مشاعل بوجهها المتورم من كثرة البكاء
رمت بنفسها على صدره وهي تنتحب
مشعل احتضنها بحنان وهي يربت على ظهرها ويهمس:
ليه سويتي كذا مشاعل الله يهداش
ناصر ضايقش بشيء؟؟

مشاعل بين شهقاتها: ماضايقني بس أنا ما أبيه
أنا ماني بوجه عرس يا مشعل
وما استحمل حد يقرب مني
والله استحي.. استحي

مشعل ارتاح قليلا بعدما تاكد أن القضية لا تتجاوز خجل مشاعل المعتاد
وإن كان خجلها هذه المرة تجاوز الحد

مشعل جذبها وأجلسها على ألاريكة وجلس جوارها واحتضنها
وتركها تبكي حتى ارتاحت تماما وصمتت
ثم همس لها: مشاعل اسمعيني
اللي سويتيه عيب في حقش وحق ناصر وحقنا
أنتي ماحد جبرش على ناصر
أنتي خذتيه برضاش
ولو كنتي فهمتيه بالهداوة إنش ما تبينه يقرب منش
ماراح يجبرش على شيء
لو أنتي حتى مسكرة على روحش في الغرفة كان عادي
بس تسكرين على روحش طول الليل في الحمام
كنش تقولين له قعدة الحمام ولا مقابلك
تراها قوية عليه.. قوية يا أخيش
وناصر مايستاهل تجرحينه بذا الشكل
عمري ماشفت ناصر زعلان كذا
ناصر أوسع خاطر فينا ومايضيقه إلا شي كايد
والله مايستاهل منش كذا ياقلبي
وهذا هو سافر وهو زعلان عليش

مشاعل برعب: سافر.. وين؟؟ وليه؟؟

مشعل أخبرها بسفر ناصر
توترت وشعرت غصبا عنها بإحساس كاسح بالذنب

مشعل أكمل لها: اسمعيني
أنتي قومي الحين تسبحي
وأبيش تعدلين وتلبسين مثل أي عروس
وبأوديش لبيت ناصر

مشاعل بجزع: لا مشعل تكفى.. أبي أرجع لبيتنا

مشعل بحنان: مايصير ياقلب أخيش
تبين الناس ياكلون وجيهنا
وبعدين ناصر اللي أنتي مستحية منه مسافر
عشان خاطري لو لي خاطر عندش

مشاعل ابتسمت أخيرا وهي تقول بحزن:
عشانك أقط روحي في النار
خلاص يابو عبدالله عطني نص ساعة أتسبح وأصلي وأجهز على السريع وألم أغراضي


*************************


بيت محمد بن مشعل
مشاعل وصلت بيت عمها

مشعل أوصاها أن يبقى الموضوع بينهما فقط
وأن تحاول التأقلم مع محيطها الجديد قبل عودة ناصر
وأكد لها أنها غير مجبرة على إكمال حياتها مع ناصر إذا كانت رافضة له
ولكنها يجب أن تمنحه فرصة أولا فمن هو مثل ناصر يستحق عشرات الفرص
فلا تستكثر عليه أن تعطيه فرصة وحيدة
وثانيا أن تتمهل قليلا قبل اتخاذ أي قرار

كلام مشعل طمئن روحها القلقة المرتاعة
وهاهي مستعدة مبدئيا للمحاولة

نزلت لبيت عمها بخطوات مترددة
مريم وأم مشعل استقبلاها بابهتاج كبير
قبل قليل مر بهم وناصر وأخبرهما باضطراره للسفر
لكنه لم يقل شيئا عن مشاعل
لذا سعدا كثيرا برؤيتها

أم مشعل أخذتها لقسمها
وأغراض مشاعل رتبتها لطيفة هناك قبل عدة أيام
دخلت وهي مرتبكة وتتنهد بعمق
تركتها أم مشعل لترتاح وانسحبت
غرفتان كل منهما بحمام
وصالة شاسعة ملحقة أيضا بحمام
ومطبخ متوسط الحجم
شعرت بحضور كاسح لناصر في كل مكان
فالصالة كان يتوزع بها بطريقة منسقة الكثير من الكؤوس
والكثير من الصور لناصر مع فريقه ومع الجليلة

أما ما أرعبها تماما فقميص أبيض مثبت داخل إطار كبير كأطار الصور
كان ممزقا وعليه بقع دم وطين وكُتب تحته
دورة الألعاب الأسيوية الخامسة عشرة /الدوحة/ 2006
ومعه ميداليته البرونزية التي حصل عليها في تلك الدورة

انتفض قلب مشاعل وهي تشعر بضيق يكتم على روحها
(الله يهداك ناصر.. هذا قميص حد يحتفظ به)

تتذكر جيدا هذه الدورة
فاز بسباق التحمل الفردي في تلك الدورة الفارس راشد بن محمد راشد آل مكتوم على فرسه (ماجيك غلين)
وبسباقات الفرق فاز الفريق الإماراتي بالذهبية
والقطري بالبرونزية
وكانت الأجواء أيامها مطيرة
والسباق كان يتكون من 120 كيلو على خمس مراحل وانطلق من منطقة سيلين البحرية
اجتاز ناصر 3 مراحل وفي المرحلة الرابعة زلقت الجليلة وتعرضت للاصابة
وسقط ناصر وأصيب إصابة بالغة في كتفه

لا تعلم لم تتذكر كل هذا
ولكنها دعت بعمق أن يحفظه الله في هذا السباق
وهي تحاول أن تبعد شعور الضيق غير المفهوم الذي اجتاحها مع رؤيتها للقميص الممزق الملطخ بالدم


*******************


جناح فارس والعنود
حدود الساعة 11 صباحا

فارس صحا من النوم أولا
كان نور الشمس القوي يغمر الغرفة تماما

التفت جواره حيث تنام هي بسكينة
كان وجهها ناحيته
(هل أرى شمسا أخرى تشرق جواري
صباحكِ سكر يا طعم السكر
صباحكِ إشراق يا شمسي
كم يبدو هذا الصباح مختلفا
إنه الصباح الأجمل في حياتي
لأنه ابتدأ برؤية محياكِ
أرجوكِ كوني صباحي ومسائي وكل أوقاتي
هائم أنا ياصغيرتي.. هائم.. هائم
أحبكِ
أحبكِ
أحبكِ
ليتني أستطيع الصراخ بها لأسمع العالم ..كل العالم)

"اسمعها إياها يافارس أولا"

كان فارس ينظر لها بوله عميق
كم بدت له صغيرة وناعمة وفاتنة
ورؤيتها تمزق الروح بلذة موجعة
مضت عدة دقائق وهو يراقبها بتمعن واستمتاع
ودقات قلبه تتصاعد بوجيب مزعج

رأى جفنيها يضطربان كأنها على وشك فتحهما
فأغلق هو عينيه
لا يريدها أن تعلم أنه كان يراقبها كالأبله

العنود فتحت عينيها
تلفتت حولها بخجل وهي ترى المكان الجديد عليها
ضمت أطراف روبها على جسدها رغم أنه لم ينفتح
ثم التفتت للنائم جوارها
وحان دور تبادل أدوار المراقبة
وإن كان هو تأملها بحب
فهاهي تتأمله بإعجاب.. في تضاد عارضه الشديد السواد مع بياض بشرته
"والضد يظهر حسنه الضد"
العنود أسندت رأسها لكفها وهي تنظر ناحيته
تمنت لو تستطيع أن تفعل كما فعل هو بالأمس
أن تتحسس وجهه الفاره الوسامة.. المبهر في تفاصيله الرجولية

بل شعرت برغبة عارمة أن تتحسس مكانين بالذات
مكاني القطع المثيرين في حاجبه وفي شفته
(بيحس فيني لو سويتها؟!!
موضي تقول نومه ثقيل)



#أنفاس_قطر#
.[/center]
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0

أسى الهجران/ الجزء السابع والستون


جناح فارس والعنود

العنود تتشجع وتمد يدها لتلمس وجه فارس الذي كانت تظنه نائما
لمست أولا القطع في طرف حاجبه اليمين بطرف سبابتها
كان غائرا نوعا ما
ولكنه منحه طله رجولية موجعة بعمق
فارس شعر بثوران مشاعر كاسح منذ أحس بملمس أصبعها الناعم على وجهه
لكنه قرر أن يستمر في تمثيل النوم
حتى لا يحرجها.. وحتى يرى ما تود فعله
انتقالها التالي مباشرة كان للطرف الأيسر من شفته السفلية
حيث القطع الثاني
حينها

ثار غضبه فعلا

فأكثر شيء يكرهه في حياته
والشيء الذي لم يستطع تجاوزه أبدا
أن يكون اهتمام الآخرين هو بشكله
هي لم تلمس وجهه تعبيرا عن مشاعر كما فعل
ولكنها تريد أن تتأكد من مواصفات شكلية لذا اقتصرت على لمس موقعين محددين فقط
وهذا الشيء أثار غضبه لأبعد حد

فتح عينيه وهو يصرخ بها: شتسوين؟؟

العنود انتفضت وهي تتراجع للخلف وتهمس بوجل: آسفة .. آسفة

فارس صرخ فيها: إياني وإياش تعيدينها

العنود صمتت وهي تبتلع عبراتها ومرارتها وإحراجها

فارس قصد بجملته والذي يجب إلا تعيده أن يكون اهتمامها هو بشكله
بينما العنود فهمت أن الذي يجب إلا تعيده هو الاقتراب منه أو لمسه
وهذا الأمر جرحها
جرحها بعمق
كما لو أنه هو فقط من يحق له لمسها في الوقت الذي يشاء
بينما هي لا يحق لها ذلك.. وكأن علاقتهما يجب أن تكون من طرف واحد
يكون هو المرسل وتكون هي المستقبلة
المستقبلة لكل شيء لمساته.. قسوته.. حدته.. كلامه الجارح
أ يريدها أن تتحول لمخلوق بلا مشاعر مهمته فقط أن يكون حاوية لاستقبال جنونه؟!!!


*************************



قبل صلاة الظهر بقليل
مشعل يعود للبيت ليتوضأ ويذهب للصلاة

وجد هيا تجلس على جهازها المحمول

سلم وهو يميل عليها ليقبلها ويسألها بحنان: شتسوين؟؟

هيا تحتضن وجهه بكفها وتهمس: أشوف إيميلي صار لي كم يوم ماشفته
ثم أردفت: وين رحت من صبح؟؟

ابتسم مشعل وهو يبتعد ليخلع ثوبه ليدخل الحمام:
شغل تحريات وإلا غيرة نسوان وإلا مجرد فضول؟؟

هيا تبتسم: اللي هو

مشعل وهو على باب الحمام: رحت أجيب مشاعل
استدعوا ناصر يشارك بسباق ضروري في الأردن

مشعل دخل الحمام وهيا مستغربة
(يروح يشارك في سباق صباحية عرسه!!!!)

هيا تقلب بريدها الإلكتروني.. تجد رسالة مهمة.. تقرأها باهتمام
حين خرج مشعل تقول له باهتمام:
حبيبي البعثات طالبيني يقولون فيه أوراق ناقصة يبونها

مشعل بهدوء: خلاص حبيبتي الأسبوع الجاي بأروح لهم وأشوف وش يبون

هيا بهدوء: عادي حبيبي أنا باروح

مشعل باستنكار غاضب لطيف: لا يا قلبي هذاك أول
الحين عندش رجّال يتعب لش
وأنتي اقعدي مرتاحة


***************************



الدوحة
طريق المطار

راكان يقود بناصر المتوجه للمطار

راكان بهدوء: ناصر الله يهداك ماقدرت تعتذر من السباق
عرسك البارحة وش تبي الناس يقولون

ناصر بغموض: مهوب قايلين شيء.. السباق لازم أشارك فيه
لو مالقوا فارس يكمل الفريق بتلغى مشاركة فريق قطر بالكامل

راكان باستفسار شفاف: ومرتك؟؟

ناصر بذات الغموض: تنتظرني لين أرجع
هي مقدرة ظرفي وسامحة لي بنفسها

(أصلا هي ما تبي إلا الفكة مني
يا الله يا مشاعل
ليه كل ذا؟!
تقضين الليل كله في الحمام قرفانة مني
وش سويت عشان استحق منش ذا الجفا والكراهية؟!)

راكان يسأله: السباق متى؟؟

ناصر بهدوء: الليلة الساعة 8

راكان بقلق: بذا السرعة أنت مالحقت تتدرب مع الحصان اللي بتركبه
وخصوصا أنك أول مرة تركبه

ناصر بتطمين: عادي.. ثندر يعرفني عدل

راكان: ومتى بترجع؟؟

ناصر: السباق بيخلص بكرة على الظهر
بأرجع بكرة في الليل إن شاء الله

راكان بهدوء: خلاص بكرة الليل بأنتظرك في المطار

ناصر برجاء أخوي: زين راكان تكفى لازم تزورون حسن
حسن في المستشفى يده منكسرة

راكان بنبرة رجولية: أفا عليك بدون ما تقول.. هذا واجب

ناصر يتذكرشيئا: راكان هاك التذاكر وحجز الأوتيل.. أبيك تروح للسفريات تلغيها

راكان باستغراب: وليه ألغيها؟؟ باجله يومين ثلاثة..

ناصر بسكون: أنا ما أدري متى بنقدر نروح.. ألغ الحجز..
وإذا جينا بنسافر مرة ثانية.. سويت حجز ثاني إن شاء الله..
ثم ابتسم ناصر ابتسامة باهتة: أو أخذ الحجز لك أنت وموضي على خير

راكان بهدوء غامض: أنا وموضي إذا رحنا.. رحنا مكان ماحد راح له قبلنا

ناصر بتفكير وهو يتذكر حواره مع راكان عن موضي قبل فترة وجيزة:
إلا تعال قل لي يا أبو قلب ميت.. وش غير رأيك ونططك تبيها؟؟
وإلا عشان شفت خلاص إنها بتخلص العدة.. صحصح القلب الميت

راكان بذات الهدوء الغامض: على قولتك



************************



بعد صلاة الظهر
جناح فارس والعنود

فارس ذهب للصلاة ولم يعد بعد
العنود صلت وهاتفت أمها وشقيقتها
وهاهي أمام المرآة تتأنق
لا تريده أن يظن أنها تأنقت من أجله بعد صراخه اليوم عليها
ولكنها فعليا تفعل
جزء من أجل نفسها وإحساسها أنها عروس لابد أن تتأنق
من ناحية أخرى تتمنى أن تذهب لأهلها ..وإذا وافق تريد أن تكون جاهزة
ومن ناحية ثالثة: لِـمَ لا؟؟ فليراها جميلة ومتأنقة

وهاهي متألقة بل ومتألقة جدا
وهي ترتدي تنورة حرير طويلة مشجرة ضيقة وتتسع من أعلى الركبتين
مع كعب عالي وتوب (هاي نك) أسود سادة ملتصق بكم طويل
مع عدد من السلاسل الفضية النحيفة المختلفة الأطوال
وشعرها رفعته بشكل عشوائي وثبتت بعض خصلها الأمامية بمشابك فضية
ووضعت القليل من الزينة بشكل محترف

كانت تضع لمساتها الأخيرة على أحمر شفاهها حين دخل
اهتزت يدها
وكادت تلون ذقنها مع شفتيها

سلّم
ردت السلام بهدوء

جلس قريب منها
وهاهي انتهت وتريد القيام
ولكنها عاجزة عن القيام وهي تعلم أنه يراقبها بتفحص
(نفسي بس أفهمه
ليش يطالعني كذا؟؟
ليش غامض كذا؟!)

(ولِـمَ أنتِ جميلة هكذا؟!
وتتسلقين الروح بهذه الطريقة
لتنغرسي في أعمق أعماقها
لِـمَ يبدو كل شيء بجواركِ باهتا وكأنكِ احتكرتِ كل ألق العالم؟
ولماذا يؤلمني النظر إليك إلى هذا الحد؟!
لم أعلم مطلقا أن مجرد النظر قد يمزق الروح حتى عرفتكِ
ها أنتِ تجلسين كملكة متباعدة
تحكم ولا تعلم كم هو جائر حكمها
وكم هي ظالمة
وأنا أحد رعاياكِ ينتظر منك أن تنظري له بعين الرأفة والرحمة
انظري إلى
انظري إلي)

العنود مازالت تجلس في مكانها
وهو في مكانه
قرر أخيرا النهوض
اقترب منها

ينظر لوجهها في المرآة يعرف أنها ارتبكت من اقترابه
أنزلت عينيها وهو يقترب أكثر
وضع يديه على كتفيها
ارتعشت
همس لها: خايفة وإلا بردانة؟؟

العنود بخجل: لا هذي ولا هذي

فارس بعمق: زين ليش ترتعشين؟؟

العنود لم تجبه لكنها سألته بذكاء، بخجل ممزوج بالحزن:
وأنت ليش تعطي لنفسك حق حرمتني منه؟؟

فارس باستفسار: أي حق؟؟

العنود بذات النبرة الحجولة الحزينة: ليش حاط يدك على كتوفي؟؟
ليش تلمسني وأنت اليوم مصرخ علي عشان لمست وجهك

فارس صمت وهو يبتعد عنها ويعود للجلوس مكانه
ممزق هذا الشاب بين ضغط مشاعره العنيف
وعجزه عن التعبير عنه
واحتواء هذه الصبية التي فتنته حتى الثمالة

تنهدت العنود
(أبو الهول شكله ممكن يصير مشاعر وهذا ولا عمره بيحس)

وقفت العنود وهي تقول له بأدب رقيق: فارس ممكن أروح أشوف أهلي؟؟

فارس بهدوء واثق: خلاص العصر باسوي شيك آوت ونرجع للبيت
وأنا قلت لراكان يفتح خلاص الباب اللي بيننا وبين بيت عمي
روحي وتعالي على كيفش



***********************



الأردن
مدينة البتراء الأثرية التي أصبحت مؤخرا أحد عجائب الدنيا السبع
حيث سينطلق سباق التحمل الذي سيكون 120 كيلومترا على أربع مراحل
30 كيلو بين كل مرحلة ومرحلة
ينطلق من البتراء ليعود لها

الساعة السابعة مساء
تبقى ساعة على السباق
وهاهو ناصر يتفحص ثيندر بدقة فارس محترف
وهو يلبس جاكيتا ثقيلا فوق لبس الفرسان المعتاد
فالجو كان شديد البرودة
ولكنه مع بدء السباق لابد أن يخلع الجاكيت

كان المدرب يقف مع ناصر ويجاوب على أسئلته السريعة المحترفة بلغتهما المشتركة

ناصر: أشلون وزنه؟؟
المدرب: ممتاز
ناصر: وأكله؟؟
المدرب: المعتاد
ناصر باهتمام: ونبضات قلبه؟؟
المدرب: ماتعدت 58
ناصر بارتياح: ممتاز.. والتشغيل؟؟
المدرب: كالعادة.. وكان تمام
ناصر: والتفحيم؟؟
المدرب: 10، 30، 60، والأسبوع اللي فات 90
ناصر بذات نبرة الارتياح: ممتاز.. ممتاز جدا...وحوافره؟؟
المدرب: شحمناها خلاص


في سباقات التحمل.. قوة التحمل هي قوة تحمل الجواد لا الفارس
لذا في كل مرحلة تقاس نبضات قلب الجواد ويجب ألا تتجاوز 64 نبضة
وإلا أُخرج من السباق إلا في مراحل معينة وحسب نتائج المراحل السابقة
وقبل السباق لابد من تشحيم حوافره بزيت محترق حتى تحتمل حوافره الركض طوال هذه المسافة
وجواد سباقات التحمل يجب أن يكون وزنه متوسطا
أي لا يكون هزيلا ولا سمينا
ويجب أن يتم فحصه بدقة وأن يتناول طعاما صحيا ممتلئا بالأملاح التي تعوضه عن ما يفقده في السباقات الطويلة
وتدريبات سباق التحمل طويلة جدا وتستغرق أشهرا
أولها ما يسمى التشغيل وهو عادة 2 كيلومتر متنوعة ركض وحواجز وغيرها
ثم تليها التفحيم وهي إزدياد مسافات الركض قبل السباق المقرر

ناصر يربت على عنق ثيندر: ثيندر لا تخذلني أنا وحسن
نبي نرجع للدوحة بمركز متقدم

لكن ثيندر تراجع بعنقه وهو يصهل
ناصر عاد واحتضن عنقه وهو يقول: أدري إنك مشتاق لحسن
وكلها يومين ويرجعونك للدوحة وتشوف حسن

ثيندر اطمئن قليلا وكأن اسم حسن يطمئنه



************************



بيت محمد بن مشعل

بعد صلاة العشاء

عشاء نسائي أسري بمناسبة اجتماع العرائس

العروسان كانتا متألقتين ورائعتين
كل واحدة منهما بطريقتها الخاصة

وكل واحدة منهما كان لها أسبابها للتأنق
التي ليس من ضمنها إحساسها بالسعادة
مشاعل جعلت الزينة قناعا يغطي إحساسها بالحزن العميق
وإحساس آخر أعمق بدأ يكتم على روحها
القلق على ناصر
ولا تعرف لِـمَ هي قلقة هكذا!!
(لو كنت عارفة أنه بيسافر
كان سمّحت خاطره عشان مايروح وهو زعلان علي
ياويلي من عقوبة ربي.. ليه سويت كذا؟؟
لو كنت فهمته بالكلام إني خجولة واستحي
أكيد ما كان جبرني على شيء)

العنود أكثر تألقا لأنها ليست حزينة كمشاعل
ولكنها بالتأكيد ليست سعيدة
فهذا الفارس يبدو لها عصيا على الفهم
لا تعرف ماذا يريد أو كيف تتعامل معه
جاف جدا في التعامل
والأكثر غرابة هو كيف ينظر إليها
تشعر بحرج فعلي من نظراته المتفحصة غير المفهومة
التي تشعرها بقشعريرة باردة


العروسان كانتا تجلسان متجاورتين
كل منهما سارحة في أفكارها
فوجئتا بمن يفرقهما ويجلس بينهما:
البقية في حياتكم..ويجعلها آخر الآحزان
عسى ماشر ليش محزنين؟؟
صدق ماعندكم سالفة...لو أنا اللي ماخذه عيال خالي
فويرس المزيون الموت الحمر..وإلا نويصر فارس آل مشعل
كان ابتسامتي شاقة من هنا لين ماله مدى..بس صدق يدي الحلق للي بلا ودان

غصبا عنهما ارتسمت ابتسامة على شفتي كل منهما
ومعالي تهتف بمرح: وأخيرا ابتسامة.. أحمدك يارب
يالله مع أني قطعت ركبكم تقبيص البارحة بس أبي أقبص بعد مرة
بس بدون ما تشوفني عمتكم المعقدة تغسل شراعي


ولكن عمتهما كانت في وادٍ آخر
فنورة كانت على غير عادتها بها حزن ظاهر تحاول إخفاءه وهي تجلس في زاوية بعيدة لوحدها

هيا قامت وجلست جوارها: يمه وش فيش فديتش؟؟

نورة احتضنت كفها وردت بحنان: مافيني شيء يأمش؟؟

هيا بتفهم: يمه أنتي متضايقة عشان موضي خلاص بتخلص عدتها وتاخذ راكان؟؟

نورة بحزن: يمكن يكون سبب.. بس مهوب هو الأساس

هيا بحنان: قولي لي جعلني الأولة

نورة بحنان: إلا أنا الأولة جعل عمرش أنتي ومشعل طويل
ثم أكملت بحزن عميق وبهمس لا يسمعه سوى هيا فهي محتاجة للبوح:
موضي وراكان عيالي
وغلاهم كبير والله الشاهد
صحيح ما أقدر إني ما أحزن.. لكن موضي تستاهل اللي يعوضها في سوايا حمد فيها
الناس يشوفوني ساكتة.. يحسبون ما أدري بشيء
أنا دارية إن موضي صبرت على حمد واجد.. وغيرها مايصبر عليه حتى شهر وهي صبرت سنين
كل ماشفت أهلها يسألون عنها إذا تاخرت عليهم
دريت إنه مسوي فيها شوي
أروح لها ألاقيها تدسس وجهها مني عشان ما أشوف فعايله الشينة فيها
وياكثر مالاغيته وربي شاهد
وياكثر مازعلت عليه
لكنه كان يبكي عندي مثل بزر.. كان يموت فيها وروحه معلقة فيها
ويترجاني ما أقول لأحد شيء عشان مايجبرونه يطلقها
أدري إني غلطت.. بس هو كان يوعدني إن كل مرة هي أخر مرة
والأم ما تكذب عيالها ودايم كنت متاملة ينصلح حاله
لين طلقها.. حتى جابر دس علي السبب
بس أنا ماني بغبية.. وش طيحة الدرج اللي جات مع طلاقهم وسفره
الله يواجر موضي على صبرها
خلها تأخذ راكان يغسل كبدها من حمد وسواياه فيها


هيا كانت مصدومة تماما من سيل الأسرار الذي سكبته عمتها المكلومة أمامها
(معقولة هذا كله كان يضربها؟!
وش ذا الحيوان المتوحش؟!
يا قلبي يا موضي
يا كثر صبرش!!)

عمتها بهمس مؤلم: الحين أنا أحاتي حمد أحاتيه واجد
قلبي ماكلني عليه
ما كان يكلمني إلا مرة كل أسبوعين.. والحين صار له ثلاثة أسابيع ما كلم
والتلفون اللي هو يكلم منه بناتي طلعوه من الكاشف وندق عليه بدون فايدة
وش ذا الدورة اللي حتى جوال ماعنده؟؟

هيا بحنان: يمه عطيني الرقم... صديقتي مصرية وأبوها رجال واصل
بأخليها تطلع الرقم من وين طالع؟؟؟



**************************



بيت فارس بن سعود
جناح فارس الذي أعاد تجديده بالكامل

الساعة 11 ونصف مساء

العنود عادت مع أم فارس للبيت.. عبر الباب الواصل

صعدت لغرفتها
كانت تظن أن فارس لم يعد بعد..
خلعت عباءتها وعلقتها

(أنتي أشلون تلبسين كذا قدام الناس؟؟)
صوت غاضب اقتحم هدوءها

العنود بخجل وارتباك وهي تنظر لنفسها:
ليه وش فيه؟؟

كانت العنود ترتدي بنطلونا بنيا واسعا بقصة مستقيمة
مع بلوزة شيفون مشجرة باللونين الذهبي والبني مزمومة عند الخصر والكمين
وتحتها بروتيل باللون البني
مع حزام عبارة عن سلاسل ذهبية تنزل على الردفين بشكل مائل

فارس يقترب منها ويهمس بغضب مكتوم:
إلا وش اللي مهوب فيه
شفاف وبنطلون بعد

العنود ابتلعت ريقها وهي ترى وجهه الوسيم الغاضب من هذا القرب:
مافيه حد غريب بس هلي
ووالله لبسي مافيه شيء.. عادي
لا هو عاري ولا ضيق

فارس يتنهد ويقول بحزم: اسمعيني العنود
لبس مثل هذا ما تلبسينه عند ناس
لا هلش ولا غيرهم
وبنطلون نهائي ما تلبسين

العنود باستفسار ناعم بريء خبيث: ولا حتى عندك؟؟

صمت فارس
كيف أصبحت تحاصره ثم تنقض بشكل خاطف شفاف
(تمهلي يا صغيرة
تمهلي)

فارس لم يرد عليها وهو يعود أدراجه ليجلس في الصالة الملحقة بغرفتهما
العنود هزت كتفيها وهي تفهم رده من صمته
(يعني مايهون عليه يبرد خاطري بكلمة)

العنود تجاوزته لتذهب لغرفة النوم
ثم للحمام استحمت وصلت قيامها
وهو مازال معتصما بجلسته في الخارج

كانت العنود لبست ثوب الصلاة فوق روبها
الآن تريد أن تلبس
وقفت أمام دولابها
لم تعرف ماذا تختار
في الختام استقرت على ارتداء بيجامة ناعمة
فهذا الفارس العصي التفسير لاشيء يعجبه
لذا قررت أن ترتدي ما ترتاح له هي
بيجامة زهرية حريرية بتطريزات فضية ناعمة

بعدها أصابتها حيرة جديدة
تبقى في الغرفة أو تخرج لتجلس معه
ولكن حيرتها لم تطل
لأن صوت فارس ناداها من الخارج: العنود إذا خلصتي تعالي
فارس الذي كان يترقب حركاتها بدقة.. وكان يعلم أنها صلت وارتدت ملابسها

خرجت له بخطوات مترددة
ألقها يسبقها
وإحساسه العميق بها يغلف خطواتها التي تخطوها
(لِـمَ أنا معقد هكذا؟؟
وعاجز عن التعبير عن مشاعري بهذه الصورة)

وقفت
همس لها بهدوء: تعالي إجلسي
وهو يشير للمكان الخالي جواره

اقتربت بتردد وجلست

لم يعرف ماذا يقول..
( كل الكلمات باهتة بحضرتها
أ أقول لها أنتِ جميلة وهي فوق الجمال؟!!
أ أقول لها رائعة وهي فوق الروعة؟!!
أ أقول لها أحبها وما بقلبي لها هو شيء فوق الحب وأبجديات الغرام؟!
أ أقول لها اطلقي إساري وأنا أريد أن أبقى سجينها عمري كله؟!!
أ أقول لها لا تنظري لي لأن نظرة عينيك تذيبني؟!!
وفي ذات الوقت أ أقول لا تحرميني نعمة النظر إلى عينيكِ فعينيكِ مرسى روحي الهائمة؟!!
أي جنون يكتنفك يا فارس؟؟ أي جنون؟؟)

العنود بخجل: فيه شيء مضايقك؟؟

فارس باستغراب: لا

العنود بخجل أكبر وخداها يتوردان: أنا مضايقتك؟؟

انتفض قلبه بعنف وسؤالها الخجول يلسع قلبه وخداها المتوردان ينحرانه
لكنه رد بهدوء: لا.. ليش تقولين كذا؟؟

العنود تفرك أناملها وعيناها في حضنها.. تهمس بخجل رقيق:
من البارحة وأنت تطالعني وتسرح.. قلت يمكن شوفتي تذكرك بشيء يضايقك

فارس مد يده لذقنها
ارتعش فكها
وشعر هو بارتعاشتها وهو يرفع وجهها لأعلى
وعيناه تغرق في بحر عينيها

همس لها بعمق: ليه أنتي حلوة كذا؟؟

العنود بارتباك: نعم؟؟

لم يرد عليها لكنه اقترب منها أكثر
وهو يدخل كفه في شعرها من الخلف
ويقرب وجهها منه
حتى أصبح يتنفس أنفاسها العذبة من قرب
شفتاها ترتعشان
وهو عيناه تطوف بتفاصيلها
يقترب أكثر

رنين هاتف يقطع اللحظة الأخيرة
والعنود تنتفض وترجع للوراء
وفارس يسب ويلعن في داخله
(الله يأخذه من اللي بيتصل الساعة وحدة في الليل)

ألتقط الهاتف
شعر بالقلق وهو يرى اسم راكان يلمع على الشاشة
لو كان ناصر المتصل.. لما قلق.. فناصر اعتاد على مقالبه
لكن راكان لن يتصل في هذا الوقت إلا لأمر جلل
نهض وابتعد خطوتين..ورد بقلق: هلا
دون أن يقول الاسم حتى لا يقلق العنود

رد بقلق أكبر: الحين جايك جايك

العنود برعب: وش فيه فارس؟؟

فارس ربت على خدها وهو يقول بتطمين: مافيه شيء
الشغل طالبيني نص ساعة وبأرجع
لو بغيتي تنامين نامي

العنود بقلق: وش أنام؟؟ بأنتظرك لين ترجع



**************************


مجلس آل مشعل

حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل

ذات الاتصال الذي تلقاه فارس
تلقاه كلا المشعلين
وهاهم الثلاثة يقفون أمام راكان
وأنفاسهم تصعد وتهبط
كان مشعل بن محمد أول من تكلم: راكان وش اللي صاير؟؟

ثلاثتهم يعلمون أن جمع راكان لهم بهذه الطريقة وفي هذا الوقت
ليس إلا لأمر كبير
أو مصيبة بمعنى أصح

راكان ابتلع ريقه وداخله يذوي وينهار بكل معنى الكلمة
ولكنه يتمسك ببقايا قوته التي تكاد تخونه.. فالألم بداخله أكبر من كل احتمال:

رئيس فريق ناصر توه كلمني من الأردن



#أنفاس_قطر#
.
.
.
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى الهجران/الجزء الثامن والستون

مجلس آل مشعل

حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل

ذات الاتصال الذي تلقاه فارس
تلقاه كلا المشعلين
وهاهم الثلاثة يقفون أمام راكان
وأنفاسهم تصعد وتهبط
كان مشعل بن محمد أول من تكلم: راكان وش اللي صاير؟؟

ثلاثتهم يعلمون أن جمع راكان لهم بهذه الطريقة وفي هذا الوقت
ليس إلا لأمر كبير
أو مصيبة بمعنى أصح

راكان ابتلع ريقه وداخله يذوي وينهار بكل معنى الكلمة
ولكنه يتمسك ببقايا قوته التي تكاد تخونه.. فالألم بداخله أكبر من كل احتمال:

رئيس فريق ناصر توه كلمني من الأردن

مشعل بن محمد جلس.. يشعر أن قدميه تميدان تحته
لا يريد أن يسمع شيئا.. لا يريد أن يسمع
(ناصر..
لا يا ناصر.. لا)

كان هو أول من حمل ناصر بعد ولادته
حمله قبل أن تحمله أمه
كان هو ابن العشر سنوات من أخذه من يد الممرضة طبع قبلته على جبينه
ثم أعطاه لأمه
لم ينسَ يوما أن ذراعيه كانتا أول ذراعين احتضنتا ناصر
ابنا قبل أن يكون أخا
يريد أن يصم أذنيه.. لا يريد أن يسمع خبرا عن ناصر قد يمزق روحه


فارس شعر بيد هائلة تعتصر قلبه وهو يمسك بكتفي راكان ويهزه بعنف :
ناصر وش فيه؟؟

راكان بهدوء ساكن أشبه بسكون الموت: لحد الحين مايدرون

مشعل بن عبدالله باختناق: راكان الله يهداك قل لنا الرجّال وش قال لك عن ناصر

راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر



*************************



قسم ناصر

مشاعل عادت من وقت من بيت عمها
استحمت وصلت
لكنها عاجزة عن النوم

قلق كاسح يلتهم روحها ويفتفتها
تشعر بضيق غير طبيعي
تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. لا تستطيع سحب أنفاسها وزفرها إلا بجهد
تفتح نوافذ غرفتها
يدخل هواء شديد البرودة.. برودة يناير الصقيعية
يبدو كما لو أن كل نسمات الدنيا لا تكفيها
وكأن الأكسجين سُحب من كل العالم وتركوها تختنق

تضع يدها على قلبها وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم

تدور في الغرفة دون أن تستطيع التوقف
ترى نفسها في مرآة الدولاب الضخمة
تقف لتأمل نفسها
تهمس:
(قال أني أحلى من كل أحلامه
ليش أنا ما أقدر أشوف قدامي إلا الكوابيس؟!!)



******************


مجلس آل مشعل
الاجتماع المآساوي


راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر

حينها قفز مشعل بن محمد وهو يقول بألم صارخ عميق:
أشلون الحصان وصل بدون ناصر؟؟ أشلون؟؟
وناصر وينه؟؟ وش صار عليه؟؟

راكان يحاول أن يكون أكثر الثلاثة تماسكا.. والثلاثة يمطرونه بأسئلتهم الغاضبة المشبعة قلقا وحزنا:

رئيس فريقه يقول إن المنطقة اللي ناصر انفقد فيها دائرة قطرها 30 كيلو
وعلى الفجر بالكثير بيلاقونه وخصوصا أنه وزير داخليتنا صار عنده خبر
واتصل بوزير الداخلية الأردني وطوافات الجيش الأردني بدت بمسح المنطقة
يعني كلها كم ساعة إن شاء الله ويلاقونه.. بس فيه شيء أخطر..
ولازم أحطكم في الصورة

صمت راكان لحظات مؤلمة أشبه بشفرات حادة تمزق جسده وروحه:
يسار الحصان من ناحية الرِكاب غرقان الدم

ثم تنهد وهو يزفر حسرته وينظر للوجوه الثلاثة المرتاعة المفجوعة من الخبر:
الظاهر إن ناصر طاح ورجله اليسار متعلقة في الركاب.. والحصان سحبه لمسافة قبل يطيح

فارس بفجيعة: أشلون أشلون.. ناصر طول عمره فارس

راكان بحزن موجع: الحصان مهوب حصانه.. ومابعد يدرون شالي صار
أنا طلبت من مندوب السفريات في الديوان يحاولون يدورون لي حجز مستعجل.. وبأطلع لعمّان الفجر
وعشان كذا دعيتكم أبي أحط عندكم خبر قبل أروح..

(وأنا معك)
الجملة ذاتها صدرت من الثلاثة المستمعين بوجع في ذات الوقت
وجع مشترك وقلق مشترك
وكلاهما لا امتداد لهما ولا نهاية

راكان بهدوء مر: مايصير نروح كلنا..خلاص يروح معي واحد منكم
واثنين يقعدون في الدوحة

الثلاثة بدأوا في الجدال من منهم سيذهب
ولم يستطع أحدا منهم مجاراة إصرار فارس وتصميمه:
شوفوا أنا ماعلي منكم ..اثنين يروحون.. اثنين يقعدون.. بكيفكم
لأني رايح رايح... مستحيل أقدر أقعد وأنا ما أدري ناصر وش فيه



***********************



بعد نصف ساعة
غرفة لطيفة

لطيفة منذ خروج مشعل بعد الاتصال المفاجئ
وهي تدور في الغرفة قلقا وارتياعا حتى عاد

لطيفة بقلق مر: مشعل عسى ماشر؟؟

مشعل ألقى بنفسه على الأريكة وهو يرمي غترته جواره ويقول بحزن عميق:
لطيفة تكفين لا تسأليني عن شيء

لطيفة جلست جواره وهي تقول بقلق أكبر:
مشعل أنت اللي تكفى.. عمري ما شفتك كذا
إلا .. إلا...
صمتت بمرارة وهي تكمل في داخلها
(عقب وفاة جدي)

مشعل لم يرد عليها وهو يدفن رأسه في صدرها ويهمس بألم حاد:
الله لا يجيب إلا كل خير
الله لا يفجعنا
يا الله لا تفجعنا
لا تفجعنا



************************


غرفة مشعل وهيا

ذات الاستقبال القلق من هيا
ذات الوجع المستشري في وجه وقلب مشعل

هيا بقلق: حبيبي شاللي صار؟؟

مشعل يلف غترته على وجهه (يتلطم) ويتمدد على سريره
آخذا بمقولة عجائزنا الأثيرة :" إذا كثرت همومك يا عبدي فانسدح"
وهو يهمس لهيا بمرارة: الله يستر من اللي بيصير



*******************



غرفة فارس والعنود

فارس دخل وهو مستعجل
العنود قفزت وهي تقول برعب: فارس وش فيه؟؟

فارس باستعجال: مافيه شيء حبيبتي

قال (حبيبتي) بعفوية
لم ينتبه لها
ولكنها انتبهت لها تماما وكلمة حبيبتي تخترق روحها كسهم ناري
كانت تقف مصدومة مبهوتة
حتى رأته يمد قامته الطويلة وينزل حقيبة صغيرة من أعلى الدولاب
حينها انتفضت: وش تسوي؟؟

وضع الحقيبة على السرير.. فتحها.. وبدأ يضع فيها بعض الملابس بسرعة

العنود برعب: بتسافر؟؟

فارس باستعجال: جات لي سفرة مفاجئة من الشغل ولازم أسافر

العنود بتأثر كبير: وش سفرته؟؟ من جدك؟؟

فارس أكمل وضع ثيابه في الحقيبة.. وأغلقها
ثم ألتفت لها وهو يقول بهدوء واثق: خلي بالج من نفسش ومن أمي
وأنا ماني بمبطي عليكم
شغلة يومين وراجع

العنود شعرت بإهانة مرة:
لذا الدرجة فارس.. شغلك أهم مني
تسافر ثاني يوم لعرسنا

فارس نظر لها بعمق
لم يرد عليها
وهو يفتح أحد الأدراج ويستخرج جواز سفره ويضعه في جيبه
ويحمل حقيبته ويغادر




***********************



غرفة مريم
بعد صلاة الفجر

لم يعلموا بعد بسفر راكان الذي لم يخبر أحدا به

صلت وجلست تقرأ وردها
كانت قد نهضت من نومها قبل الفجر بكثير
أنهضها من نومها هواجيس ضيق غير طبيعي
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم
وحاولت العودة للنوم لكنها لم تستطع
فالهواجس تزداد.. هواجس لا تستطيع توجيهها لجهة محددة
ولكنها تزداد وتتكاثف وهي تخنق روحها بالقلق

(يا الله سترك
ليه قلبي ناغزني كذا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)


ثم وضعت يدها على قلبها الذي بدأ يؤلمها بالفعل وهي تهتف بعمق:
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر



*************************



مطار الدوحة الدولي
بعد صلاة الفجر

الطائرة تقلع براكان وفارس الصامتين
لأن قلقهما أكبر من كل كلام.. أي فائدة للكلام؟!
بل أي كلام يُقال وهما لم يعرفا بعد ماهو وضع ناصر
ناصر الأخ
السند
الروح الشفافة
الرجولة العميقة
القلب الذي لم عرف التلون أو الحقد

عريس جديد مازال لم يتهنأ بزواجه
شاب متدفق الشباب مازالت كل الحياة أمامه
ابن لأم ولأبين اثنين ينتظرونه.. وشقيق لأختين تعشقانه
وأخ لأربعة شباب ماعرفوا اكتمال البهجة من غيره

حطت الطائرة في مطار الملكة علياء الدولي في عمّان مع شروق الشمس
وفور نزول راكان وفارس وفتحهما لتلفوناتهما المغلقة
انهالت عشرات الرسائل من مشعل ومشعل المستنزفين قلقا
يطلبان منهما اطمئنانهما فور وصولهما

بعد انهائهما لإجرائاتهما وخروجهما للخارج
صدمهما برودة الجو اللاسعة غير الطبيعية
وتواجد زخات خفيفة من الثلج
بالتأكيد لم يهمهما مطلقا إحساسهما بالبرد ولكن ماكان يشغل بالهما ويثقل أرواحهما ويمزقهما
هو التفكير بمن قضى ليله كله مرميا في مكان ما مصابا ينزف في هذا الجو الجليدي

أشارا لسيارة أجرة وطلبا منه التوجه للسفارة القطرية
واتصل راكان برئيس فريق ناصر ليطمئن

راكان يصرخ بانفعال: أشلون مالقوه للحين
أنت قايل لي قبل الفجر إن شاء بيلاقونه
خلاص خلاص أنا جايكم الحين

فارس بغضب مشابه: ما لقوه؟؟

راكان بمراره: لا
ثم توجه للسائق بالكلام: ممكن تاخذنا للبتراء لو سمحت..
خلاص غيرنا رأينا مانبي السفارة

سائق التكسي بتهذيب مهني: آسف يا أخوان
أنا بقدرش أطلع برات عمان
لكن ممكن أخدكم لمكان تاخدوا منه سيارة للبترا

راكان كأنه يحادث نفسه: توكل على الله



**************************



الدوحة
الساعة 8 صباحا

لطيفة تعود لغرفتها بعد أن ذهب أولادها لمدارسهم
ولامتحاناتهم
لتطمئن على مشعل الذي تعلم أن وراءه مصيبة
فهو لم ينم مطلقا منذ البارحة
ذهب لصلاة الفجر وعاد.. ولم يذهب لشركته
ولا يتكلم إلا في أضيق الحدود
يحتضن هاتفه الذي يتصل منه كل خمس دقائق وليس على لسانه سوى كلمة واحدة:
ليتني رحت معهم

لطيفة أعصابها شبه منهارة
تعلم أن هناك مصيبة ما وأن أحد ما حصل له أمر مرعب
لكنها لا تجرؤ على السؤال
الذي تخاف حتى الموت من جوابه



**********************



الساعة الثامنة والنصف صباحا

مشاعل تتلقى اتصالا من مشعل الذي لم ينم أيضا مطلقا
شعر مشعل أن من واجبه أن يبلغ أخته مبدئيا
حتى لا تُصدم بحدوث أي شيء
أو قبل أن يبلغها غيره ويفجعها بطريقة مفاجئة

اتصل بها.. كانت هي أيضا تعاني أرقا مريعا
نامت على أثره نوما متقطعا مليئا بالكوابيس
وقامت مرعوبة على صوت هاتفها
وطلب مشعل أثار قلقها لأبعد حد

قامت ولبست وصلت ركعتي الضحى وهاهي تنتظره
وهاهو يطرق باب بيتها عليها
مشاعل فتحت بقلق: عسى ماشر يا مشعل؟؟

مشعل بابتسامة باهتة لا معنى لها: الواحد مايصير يسير على أخته يتقهوى معها الصبح

مشاعل نظرت لوجهه الذي يبدو عليه الارهاق والألم
ليس وجه من جاء للتسامر والقهوة ولكنها ابتلعت ريقها وهي تقول:
دقايق والقهوة جاهزة

مشعل أوقفها وأمسك بيدها: اقعدي مشاعل أبي أقول لك شيء

مشاعل شعرت أن دقات قلبها تصم أذنيها.. وعروق رأسها بدأت تألمها من شدة النبض وهي تهمس بألم: ناصر وش فيه يا مشعل؟؟

مشعل باستغراب وألم: وش دراش إني أبي أكلمش عن ناصر؟؟

مشاعل بألم أكبر: من يوم سافر وقلبي ناغزني عليه

مشعل بذات النبرة المستغربة المتألمة: غريبة إحساسش فيه وأنتي رافضته!!

مشاعل بألم: أرجوك مشعل لا تذر ملح على جروحي أنا ماني بناقصة

مشعل يتنهد: اسمعيني مشاعل.. إن شاء الله إنه ناصر مافيه شيء

مشاعل بدأت أعصابها تخونها: مشعل أنت جايني ذا الحزة ووجهك باين عليه إن النوم ماطب عينك.. عشان تقول لي إنه مافيه شيء؟؟
أرجوك مشعل بلاه ذا التعذيب البطيء.. كنك تقطعني بسكين مصدية

مشعل تنهد بعمق أكبر: يمكن إنه متعور عوار بسيط

مشاعل قفزت وهي تقول برعب: متعور؟؟
ثم أكملت وهي تحاول التجلد ودموعها بدأت تسيل بصمت وهي تقول بمرارة:
كله مني.. كله مني.. أنا عارفة إنه السالفة كايدة
كله مني.. ومن وجهي النحس عليه
ليته ماخذني.. ليته ماخذني

مشعل شدها وأجلسها وهو يقول لها بحنان:
الله يهداش مشاعل
قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا
وناصر لو صار له شيء مكتوب له من قبل يولد

مشاعل ماعادت تحتمل انهارت على الأرض جوار مشعل انكبت على فخذه تخفي وجهها فيه و تنتحب:
بس الله سبحانه يسبب الأسباب.. وأنا السبب
أنا السبب


**********************



القاهرة
الساعة 10 صباحا

باكينام تصحو من نومها.. تتذكر مكالمة هيا المتأخرة البارحة وطلبها منه
تلتقط هاتفها وتتصل برقم: صباح الخير أنكل أحمد
................
كويسين.. أنته أزيك؟؟
................
بابا في نيويورك وهيرجع بكرة بالليل إن شاء الله
................
ممكن أطلب من حضرتك خدمة
................
فيه نمرة أرضي.. هاديها لك.. عاوزة أعرف النمرة دي من فين بالزبط
................
نص ساعة وتطلع لي صاحب النمرة... متشكرة أوي يا أنكل
خذ النمرة ..............
....................
مستنياك

باكينام نهضت واستحمت ولبست ملابسها لتخرج مع جدتيها كما اعتدن كل يوم..
وهي تدعو أن يكون يوسف مصابا بأنفولونزا حادة أو أن ينشغل بشيء يمنعه من مرافقتهن..
مع إنتهاءها.. كان هاتفها يرن..

التقطته: أهلا انكل
..................
مصحة نفسية ؟؟؟ (باستغراب)
..................
نمرة تتصل بس ما تستئبلش؟؟ (استغراب أكبر)
.....................
طيب ممكن تديني اسم المصحة؟؟
......................
متشكرة أوي يا أنكل.. مش عارفة أشكرك إزاي..

باكينام أغلقت الاتصال لتتصل بهيا
وقتها هيا كانت تعاني قلقا مرعبا من خروج مشعل المبكر
دون أن يخبرها إلى أين سيذهب مع حالته الغريبة المتوترة منذ البارحة

ردت بصوت متعب: أهلا باكي..

باكينام بمرح: مالك يا بنت..

هيا بنبرة متعبة: مافيه شيء تعبانة شوية

باكينام بهدوء: يبئى خلاص مش هاطول عليكي
النمرة اللي اديتيها لي امبارح.. نمرة مصحة نفسية اسمها......

هيا باستغراب كبير: مصحة؟؟؟
لكنها فكرت للحظات.. مؤكد أن ضربه لموضي لم يكن طبيعيبا
ربما كان مريضا.. وكان ذهابة لمصر للعلاج
لم تعرف كيف تتصرف لا تريد إبلاغ عمتها أنه يعالج
ولكنها تريد أن تطمئنها عليه

هتفت لباكي: باكي حبيبتي ممكن تروحين هناك وتسألين عن واحد قطري
اسمه حمد جابر... وتطمنيني عنه..
هذا ولد عمتي... وعمتي كثير قلقانه عليه..

رغم إحساس باكينام بالحرج وخصوصا مع وضعها المفروض عليها غصبا عنها كسيدة متزوجة
ويوسف يطالبها بتقرير مبطن مهذب عن كل تحركاتها
لكنها أجابت: ومالو...هاروح أول ما لائي فرصة..

وأكملت في نفسها (وخلي يوسف يتفلئ)





*************************



البتراء الأردنية
الساعة العاشرة صباحا

راكان وفارس يصلان إلى فندق الموفنبيك حيث ينزل الفريق القطري
الذي رفض بكامل أفراده إكمال السباق
أو التحرك حتى يجدوا ناصر

كان الفريق بكامله يجلس في اللوبي يعانون قلقا مرا ينتظرون أي خبر
ومع دخول راكان وفارس كان الفريق كاملا يركض للخارج

رئيس الفريق الذي يعرف راكان وفارس جيدا
أمسك بيد راكان بدون سلام وهو يسحبه معهم للخارج ركضا:

يالله...لقوا ناصر.. بنروح الحين مع هيلكوبتر للجيش بتتبع الطوافة الطبية



#أنفاس_قطر#
.
 

a7la_qomar

New member
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أسى
الهجران/الجزء الثامن والستون

مجلس آل مشعل

حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل

ذات الاتصال الذي تلقاه فارس
تلقاه كلا المشعلين
وهاهم الثلاثة يقفون أمام راكان
وأنفاسهم تصعد وتهبط
كان مشعل بن محمد أول من تكلم: راكان وش اللي صاير؟؟

ثلاثتهم يعلمون أن جمع راكان لهم بهذه الطريقة وفي هذا الوقت
ليس إلا لأمر كبير
أو مصيبة بمعنى أصح

راكان ابتلع ريقه وداخله يذوي وينهار بكل معنى الكلمة
ولكنه يتمسك ببقايا قوته التي تكاد تخونه.. فالألم بداخله أكبر من كل احتمال:

رئيس فريق ناصر توه كلمني من الأردن

مشعل بن محمد جلس.. يشعر أن قدميه تميدان تحته
لا يريد أن يسمع شيئا.. لا يريد أن يسمع
(ناصر..
لا يا ناصر.. لا)

كان هو أول من حمل ناصر بعد ولادته
حمله قبل أن تحمله أمه
كان هو ابن العشر سنوات من أخذه من يد الممرضة طبع قبلته على جبينه
ثم أعطاه لأمه
لم ينسَ يوما أن ذراعيه كانتا أول ذراعين احتضنتا ناصر
ابنا قبل أن يكون أخا
يريد أن يصم أذنيه.. لا يريد أن يسمع خبرا عن ناصر قد يمزق روحه


فارس شعر بيد هائلة تعتصر قلبه وهو يمسك بكتفي راكان ويهزه بعنف :
ناصر وش فيه؟؟

راكان بهدوء ساكن أشبه بسكون الموت: لحد الحين مايدرون

مشعل بن عبدالله باختناق: راكان الله يهداك قل لنا الرجّال وش قال لك عن ناصر

راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر



*************************



قسم ناصر

مشاعل عادت من وقت من بيت عمها
استحمت وصلت
لكنها عاجزة عن النوم

قلق كاسح يلتهم روحها ويفتفتها
تشعر بضيق غير طبيعي
تشعر أنها عاجزة عن التنفس.. لا تستطيع سحب أنفاسها وزفرها إلا بجهد
تفتح نوافذ غرفتها
يدخل هواء شديد البرودة.. برودة يناير الصقيعية
يبدو كما لو أن كل نسمات الدنيا لا تكفيها
وكأن الأكسجين سُحب من كل العالم وتركوها تختنق

تضع يدها على قلبها وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم

تدور في الغرفة دون أن تستطيع التوقف
ترى نفسها في مرآة الدولاب الضخمة
تقف لتأمل نفسها
تهمس:
(قال أني أحلى من كل أحلامه
ليش أنا ما أقدر أشوف قدامي إلا الكوابيس؟!!)



******************


مجلس آل مشعل
الاجتماع المآساوي


راكان جلس يشعر أنه عاجز عن الكلام.. عاجز عن التعبير.. عاجز عن الألم:
يقول إن ناصر تجاوز المرحلة الأولى في السباق
بس على نهاية المرحلة الثانية الحصان وصل بدون ناصر

حينها قفز مشعل بن محمد وهو يقول بألم صارخ عميق:
أشلون الحصان وصل بدون ناصر؟؟ أشلون؟؟
وناصر وينه؟؟ وش صار عليه؟؟

راكان يحاول أن يكون أكثر الثلاثة تماسكا.. والثلاثة يمطرونه بأسئلتهم الغاضبة المشبعة قلقا وحزنا:

رئيس فريقه يقول إن المنطقة اللي ناصر انفقد فيها دائرة قطرها 30 كيلو
وعلى الفجر بالكثير بيلاقونه وخصوصا أنه وزير داخليتنا صار عنده خبر
واتصل بوزير الداخلية الأردني وطوافات الجيش الأردني بدت بمسح المنطقة
يعني كلها كم ساعة إن شاء الله ويلاقونه.. بس فيه شيء أخطر..
ولازم أحطكم في الصورة

صمت راكان لحظات مؤلمة أشبه بشفرات حادة تمزق جسده وروحه:
يسار الحصان من ناحية الرِكاب غرقان الدم

ثم تنهد وهو يزفر حسرته وينظر للوجوه الثلاثة المرتاعة المفجوعة من الخبر:
الظاهر إن ناصر طاح ورجله اليسار متعلقة في الركاب.. والحصان سحبه لمسافة قبل يطيح

فارس بفجيعة: أشلون أشلون.. ناصر طول عمره فارس

راكان بحزن موجع: الحصان مهوب حصانه.. ومابعد يدرون شالي صار
أنا طلبت من مندوب السفريات في الديوان يحاولون يدورون لي حجز مستعجل.. وبأطلع لعمّان الفجر
وعشان كذا دعيتكم أبي أحط عندكم خبر قبل أروح..

(وأنا معك)
الجملة ذاتها صدرت من الثلاثة المستمعين بوجع في ذات الوقت
وجع مشترك وقلق مشترك
وكلاهما لا امتداد لهما ولا نهاية

راكان بهدوء مر: مايصير نروح كلنا..خلاص يروح معي واحد منكم
واثنين يقعدون في الدوحة

الثلاثة بدأوا في الجدال من منهم سيذهب
ولم يستطع أحدا منهم مجاراة إصرار فارس وتصميمه:
شوفوا أنا ماعلي منكم ..اثنين يروحون.. اثنين يقعدون.. بكيفكم
لأني رايح رايح... مستحيل أقدر أقعد وأنا ما أدري ناصر وش فيه



***********************



بعد نصف ساعة
غرفة لطيفة

لطيفة منذ خروج مشعل بعد الاتصال المفاجئ
وهي تدور في الغرفة قلقا وارتياعا حتى عاد

لطيفة بقلق مر: مشعل عسى ماشر؟؟

مشعل ألقى بنفسه على الأريكة وهو يرمي غترته جواره ويقول بحزن عميق:
لطيفة تكفين لا تسأليني عن شيء

لطيفة جلست جواره وهي تقول بقلق أكبر:
مشعل أنت اللي تكفى.. عمري ما شفتك كذا
إلا .. إلا...
صمتت بمرارة وهي تكمل في داخلها
(عقب وفاة جدي)

مشعل لم يرد عليها وهو يدفن رأسه في صدرها ويهمس بألم حاد:
الله لا يجيب إلا كل خير
الله لا يفجعنا
يا الله لا تفجعنا
لا تفجعنا



************************


غرفة مشعل وهيا

ذات الاستقبال القلق من هيا
ذات الوجع المستشري في وجه وقلب مشعل

هيا بقلق: حبيبي شاللي صار؟؟

مشعل يلف غترته على وجهه (يتلطم) ويتمدد على سريره
آخذا بمقولة عجائزنا الأثيرة :" إذا كثرت همومك يا عبدي فانسدح"
وهو يهمس لهيا بمرارة: الله يستر من اللي بيصير



*******************



غرفة فارس والعنود

فارس دخل وهو مستعجل
العنود قفزت وهي تقول برعب: فارس وش فيه؟؟

فارس باستعجال: مافيه شيء حبيبتي

قال (حبيبتي) بعفوية
لم ينتبه لها
ولكنها انتبهت لها تماما وكلمة حبيبتي تخترق روحها كسهم ناري
كانت تقف مصدومة مبهوتة
حتى رأته يمد قامته الطويلة وينزل حقيبة صغيرة من أعلى الدولاب
حينها انتفضت: وش تسوي؟؟

وضع الحقيبة على السرير.. فتحها.. وبدأ يضع فيها بعض الملابس بسرعة

العنود برعب: بتسافر؟؟

فارس باستعجال: جات لي سفرة مفاجئة من الشغل ولازم أسافر

العنود بتأثر كبير: وش سفرته؟؟ من جدك؟؟

فارس أكمل وضع ثيابه في الحقيبة.. وأغلقها
ثم ألتفت لها وهو يقول بهدوء واثق: خلي بالج من نفسش ومن أمي
وأنا ماني بمبطي عليكم
شغلة يومين وراجع

العنود شعرت بإهانة مرة:
لذا الدرجة فارس.. شغلك أهم مني
تسافر ثاني يوم لعرسنا

فارس نظر لها بعمق
لم يرد عليها
وهو يفتح أحد الأدراج ويستخرج جواز سفره ويضعه في جيبه
ويحمل حقيبته ويغادر




***********************



غرفة مريم
بعد صلاة الفجر

لم يعلموا بعد بسفر راكان الذي لم يخبر أحدا به

صلت وجلست تقرأ وردها
كانت قد نهضت من نومها قبل الفجر بكثير
أنهضها من نومها هواجيس ضيق غير طبيعي
استعاذت بالله من الشيطان الرجيم
وحاولت العودة للنوم لكنها لم تستطع
فالهواجس تزداد.. هواجس لا تستطيع توجيهها لجهة محددة
ولكنها تزداد وتتكاثف وهي تخنق روحها بالقلق

(يا الله سترك
ليه قلبي ناغزني كذا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)


ثم وضعت يدها على قلبها الذي بدأ يؤلمها بالفعل وهي تهتف بعمق:
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر



*************************



مطار الدوحة الدولي
بعد صلاة الفجر

الطائرة تقلع براكان وفارس الصامتين
لأن قلقهما أكبر من كل كلام.. أي فائدة للكلام؟!
بل أي كلام يُقال وهما لم يعرفا بعد ماهو وضع ناصر
ناصر الأخ
السند
الروح الشفافة
الرجولة العميقة
القلب الذي لم عرف التلون أو الحقد

عريس جديد مازال لم يتهنأ بزواجه
شاب متدفق الشباب مازالت كل الحياة أمامه
ابن لأم ولأبين اثنين ينتظرونه.. وشقيق لأختين تعشقانه
وأخ لأربعة شباب ماعرفوا اكتمال البهجة من غيره

حطت الطائرة في مطار الملكة علياء الدولي في عمّان مع شروق الشمس
وفور نزول راكان وفارس وفتحهما لتلفوناتهما المغلقة
انهالت عشرات الرسائل من مشعل ومشعل المستنزفين قلقا
يطلبان منهما اطمئنانهما فور وصولهما

بعد انهائهما لإجرائاتهما وخروجهما للخارج
صدمهما برودة الجو اللاسعة غير الطبيعية
وتواجد زخات خفيفة من الثلج
بالتأكيد لم يهمهما مطلقا إحساسهما بالبرد ولكن ماكان يشغل بالهما ويثقل أرواحهما ويمزقهما
هو التفكير بمن قضى ليله كله مرميا في مكان ما مصابا ينزف في هذا الجو الجليدي

أشارا لسيارة أجرة وطلبا منه التوجه للسفارة القطرية
واتصل راكان برئيس فريق ناصر ليطمئن

راكان يصرخ بانفعال: أشلون مالقوه للحين
أنت قايل لي قبل الفجر إن شاء بيلاقونه
خلاص خلاص أنا جايكم الحين

فارس بغضب مشابه: ما لقوه؟؟

راكان بمراره: لا
ثم توجه للسائق بالكلام: ممكن تاخذنا للبتراء لو سمحت..
خلاص غيرنا رأينا مانبي السفارة

سائق التكسي بتهذيب مهني: آسف يا أخوان
أنا بقدرش أطلع برات عمان
لكن ممكن أخدكم لمكان تاخدوا منه سيارة للبترا

راكان كأنه يحادث نفسه: توكل على الله



**************************



الدوحة
الساعة 8 صباحا

لطيفة تعود لغرفتها بعد أن ذهب أولادها لمدارسهم
ولامتحاناتهم
لتطمئن على مشعل الذي تعلم أن وراءه مصيبة
فهو لم ينم مطلقا منذ البارحة
ذهب لصلاة الفجر وعاد.. ولم يذهب لشركته
ولا يتكلم إلا في أضيق الحدود
يحتضن هاتفه الذي يتصل منه كل خمس دقائق وليس على لسانه سوى كلمة واحدة:
ليتني رحت معهم

لطيفة أعصابها شبه منهارة
تعلم أن هناك مصيبة ما وأن أحد ما حصل له أمر مرعب
لكنها لا تجرؤ على السؤال
الذي تخاف حتى الموت من جوابه



**********************



الساعة الثامنة والنصف صباحا

مشاعل تتلقى اتصالا من مشعل الذي لم ينم أيضا مطلقا
شعر مشعل أن من واجبه أن يبلغ أخته مبدئيا
حتى لا تُصدم بحدوث أي شيء
أو قبل أن يبلغها غيره ويفجعها بطريقة مفاجئة

اتصل بها.. كانت هي أيضا تعاني أرقا مريعا
نامت على أثره نوما متقطعا مليئا بالكوابيس
وقامت مرعوبة على صوت هاتفها
وطلب مشعل أثار قلقها لأبعد حد

قامت ولبست وصلت ركعتي الضحى وهاهي تنتظره
وهاهو يطرق باب بيتها عليها
مشاعل فتحت بقلق: عسى ماشر يا مشعل؟؟

مشعل بابتسامة باهتة لا معنى لها: الواحد مايصير يسير على أخته يتقهوى معها الصبح

مشاعل نظرت لوجهه الذي يبدو عليه الارهاق والألم
ليس وجه من جاء للتسامر والقهوة ولكنها ابتلعت ريقها وهي تقول:
دقايق والقهوة جاهزة

مشعل أوقفها وأمسك بيدها: اقعدي مشاعل أبي أقول لك شيء

مشاعل شعرت أن دقات قلبها تصم أذنيها.. وعروق رأسها بدأت تألمها من شدة النبض وهي تهمس بألم: ناصر وش فيه يا مشعل؟؟

مشعل باستغراب وألم: وش دراش إني أبي أكلمش عن ناصر؟؟

مشاعل بألم أكبر: من يوم سافر وقلبي ناغزني عليه

مشعل بذات النبرة المستغربة المتألمة: غريبة إحساسش فيه وأنتي رافضته!!

مشاعل بألم: أرجوك مشعل لا تذر ملح على جروحي أنا ماني بناقصة

مشعل يتنهد: اسمعيني مشاعل.. إن شاء الله إنه ناصر مافيه شيء

مشاعل بدأت أعصابها تخونها: مشعل أنت جايني ذا الحزة ووجهك باين عليه إن النوم ماطب عينك.. عشان تقول لي إنه مافيه شيء؟؟
أرجوك مشعل بلاه ذا التعذيب البطيء.. كنك تقطعني بسكين مصدية

مشعل تنهد بعمق أكبر: يمكن إنه متعور عوار بسيط

مشاعل قفزت وهي تقول برعب: متعور؟؟
ثم أكملت وهي تحاول التجلد ودموعها بدأت تسيل بصمت وهي تقول بمرارة:
كله مني.. كله مني.. أنا عارفة إنه السالفة كايدة
كله مني.. ومن وجهي النحس عليه
ليته ماخذني.. ليته ماخذني

مشعل شدها وأجلسها وهو يقول لها بحنان:
الله يهداش مشاعل
قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا
وناصر لو صار له شيء مكتوب له من قبل يولد

مشاعل ماعادت تحتمل انهارت على الأرض جوار مشعل انكبت على فخذه تخفي وجهها فيه و تنتحب:
بس الله سبحانه يسبب الأسباب.. وأنا السبب
أنا السبب


**********************



القاهرة
الساعة 10 صباحا

باكينام تصحو من نومها.. تتذكر مكالمة هيا المتأخرة البارحة وطلبها منه
تلتقط هاتفها وتتصل برقم: صباح الخير أنكل أحمد
................
كويسين.. أنته أزيك؟؟
................
بابا في نيويورك وهيرجع بكرة بالليل إن شاء الله
................
ممكن أطلب من حضرتك خدمة
................
فيه نمرة أرضي.. هاديها لك.. عاوزة أعرف النمرة دي من فين بالزبط
................
نص ساعة وتطلع لي صاحب النمرة... متشكرة أوي يا أنكل
خذ النمرة ..............
....................
مستنياك

باكينام نهضت واستحمت ولبست ملابسها لتخرج مع جدتيها كما اعتدن كل يوم..
وهي تدعو أن يكون يوسف مصابا بأنفولونزا حادة أو أن ينشغل بشيء يمنعه من مرافقتهن..
مع إنتهاءها.. كان هاتفها يرن..

التقطته: أهلا انكل
..................
مصحة نفسية ؟؟؟ (باستغراب)
..................
نمرة تتصل بس ما تستئبلش؟؟ (استغراب أكبر)
.....................
طيب ممكن تديني اسم المصحة؟؟
......................
متشكرة أوي يا أنكل.. مش عارفة أشكرك إزاي..

باكينام أغلقت الاتصال لتتصل بهيا
وقتها هيا كانت تعاني قلقا مرعبا من خروج مشعل المبكر
دون أن يخبرها إلى أين سيذهب مع حالته الغريبة المتوترة منذ البارحة

ردت بصوت متعب: أهلا باكي..

باكينام بمرح: مالك يا بنت..

هيا بنبرة متعبة: مافيه شيء تعبانة شوية

باكينام بهدوء: يبئى خلاص مش هاطول عليكي
النمرة اللي اديتيها لي امبارح.. نمرة مصحة نفسية اسمها......

هيا باستغراب كبير: مصحة؟؟؟
لكنها فكرت للحظات.. مؤكد أن ضربه لموضي لم يكن طبيعيبا
ربما كان مريضا.. وكان ذهابة لمصر للعلاج
لم تعرف كيف تتصرف لا تريد إبلاغ عمتها أنه يعالج
ولكنها تريد أن تطمئنها عليه

هتفت لباكي: باكي حبيبتي ممكن تروحين هناك وتسألين عن واحد قطري
اسمه حمد جابر... وتطمنيني عنه..
هذا ولد عمتي... وعمتي كثير قلقانه عليه..

رغم إحساس باكينام بالحرج وخصوصا مع وضعها المفروض عليها غصبا عنها كسيدة متزوجة
ويوسف يطالبها بتقرير مبطن مهذب عن كل تحركاتها
لكنها أجابت: ومالو...هاروح أول ما لائي فرصة..

وأكملت في نفسها (وخلي يوسف يتفلئ)





*************************



البتراء الأردنية
الساعة العاشرة صباحا

راكان وفارس يصلان إلى فندق الموفنبيك حيث ينزل الفريق القطري
الذي رفض بكامل أفراده إكمال السباق
أو التحرك حتى يجدوا ناصر

كان الفريق بكامله يجلس في اللوبي يعانون قلقا مرا ينتظرون أي خبر
ومع دخول راكان وفارس كان الفريق كاملا يركض للخارج

رئيس الفريق الذي يعرف راكان وفارس جيدا
أمسك بيد راكان بدون سلام وهو يسحبه معهم للخارج ركضا:

يالله...لقوا ناصر.. بنروح الحين مع هيلكوبتر للجيش بتتبع الطوافة الطبية



#أنفاس_قطر#
.