- إنضم
- 19 ديسمبر 2008
- المشاركات
- 3,418
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
- الإقامة
- ❤ KSA - RIYATH
- الموقع الالكتروني
- www.q8yat.com
؛؛
عادت عليكم ياهلا ، ياهلا فيكم ياهلا ، مابين ايديكم "سهره جميله سهرتنا"
سهره لطيفه ،، حلوه وخفيفه ،، نسهر معاكم "في كل ليله سهرتنا"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبارك لكم شهر رمضان الكريم أعاده الله علينا و عليكم بالحب والخير وبالصحه والعافيه
إنّ المتأمل للفلكلور الرمضاني يدرك تماماً كيف تستعد المجتمعات الشعبيه لهذا الشهر كاشفة عن مدى ما للشهر الفضيل من سلطان جليل على النفوس دينياً و إجتماعياً .
كانت المجتمعات الشعبيه ومنها المجتمع الشعبي الخليجي تتهيأ لإستقبال هذا الشهر المبارك قبل حلوله بعشرة أيام على الأقل وربما أكثر وعلى نحو يؤكد الأهميه الخاصه لهذه المناسبة
الخاصة ، فتنشط الحركة الاقتصادية في الأسواق الشعبيه ويهرع الناس إلى تخزين المواد الغذائيه اللازمه لإعداد "الأكلات الشعبيه الرمضانيه" التي ينبغي لها أن تحتل موقع الصداره على موائد الإفطار معظم أيام هذا الشهر الكريم ومن الجدير بالذكر أن تجهيز بعض هذه المواد كان يحتاج إلى إعداد خاص (مثل إعداد الهريس في المجتمع الخليجي القديم بكل طقوسه الاجتماعيه وأهازيجه الشعبيه التي كانت تترنم بها النساء أثناء العمل في إعداد الهريس) ويصل الإستعداد الشعبي لهذا الشهر ذروته في اليوم الأخير من شعبان التي تتجلى عندئذ في أمرين :
أحدهما : يعرف في المجتمع الشعبي الخليجي الذي نتحدث عن أهازيج أطفاله في هذه المقاله الوصفيه بإسم "يوم القريش" ،، الذي كان يودع فيه الخليجيون آخر يوم من أيام الفطر ويستعدون لأداء فريضة الصيام ، وقد اختفت هذه العادة الشعبيه الآن التي كانت أكثر ما تسعد الأطفال من بنات وصبيان الأحياء الذين كانوا يصحبون أمهاتهم الذاهبات إلى شواطئ البحر للغسيل والاغتسال حيث كان الأطفال يحسبون لهذا اليوم حسابه ويحتفون بمقدمه ليس لما يتيحه لهم هذا التجمع من فرص اللعب والإستحمام في البحر فحسب بل لما ينطوي عليه أساسا من دلاله خاصه تعني حلول شهر الصيام في اليوم التالي .
والأمر الآخر يبتدئ في "رؤية هلال رمضان" حيث يتهيأ الناس آخر اليوم لرؤية الهلال التي كانت تأخذ في الماضي شكلاً كرنفالياً أثيراً في المجتمعات الشعبيه وخاصة الحواضر الكبرى على المستويين الرسمي والشعبي وتعرف باسم "مواكب الرؤيه" التي حفلت كتب الرحاله قديما بوصفها بإعتبارها ذروة الطقوس الدينيه والاجتماعيه أو الطقوس الفولكلوريه التي تسبق الصوم مباشرة مؤذنة - في حالة ثبوت الرؤيا بالطبع - بالشروع في الصوم ، وعلامتها عندئذ إطلاق المدافع عدة طلقات يعقبها مباشرة بدء الإحتفال الكرنفالي إيذاناً ببدء شهر الصيام فيتبادل الناس التهاني التقليديه في مثل هذه المناسبه وتدب الحياة في ليل المدينه وتنشط الحركه في المكان وتزهو الحوانيت بأضوائها وتعمر المقاهي بالرواد حتى موعد السحور ، وكان يطلق على المدفع "طوب أو وارده" وفي هذه الليلة ينشط المسحراتي أو ( أبوطبيله ) كما يسمى في الكويت في ممارسة دوره التقليدي الأثير في المجتمعات الشعبيه العربيه باعتباره
مظهراً آخر من مظاهر الطقوس أو الاحتفالات الفولكلوريه الرمضانيه ، ويؤكد الرواة من كبار السن والمعمرين الخليجيين أن الأطفال قديما - بنين وبنات - ما كانوا يتركون مناسبة تمر عليهم إلا وكانت لهم فيها بعض الأهازيج أو الأغنيات الشعبيه الموروثه (لذلك فهم لا يعرفون مؤلفها أو ملحنها وتقوم على التكرار اللفظي واللحني وتتسم ببساطة الكلمه وحيوية اللحن وجماعية الأداء) ، يرددونها في هذه المناسبه أو تلك تعبيراً عن فرحهم أو غضبهم أو ما شابه ذلك ، وتحفل الذاكرة الشعبيه في الخليج بالكثير من مظاهر الفولكلور الرمضاني التي تتعلق بالأطفال .
للبنات لحن وللصبيان آخر ..
إذا ما مضت بضع عشرة ليلة من ليالي رمضان وانتصف الشهر أو يكاد يشرع أطفال الكويت على مدى ثلاث ليال متتاليات (هي ليلة اليوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من
رمضان) في التجمع عقب الإفطار مباشرة على شكل جماعات وأفواج لكل منها "قائد" أو "كبير" للطواف على البيوت طالبين القرقيعان أو المخلط (المكسرات) وفي يد كل منهم بعض الأدوات البسيطه من طبول وطويسات للقرع أو القرقعة عليها ، وفي رقبة كل منهم أيضاً كيس خاص يعرف باسم كيس القرقيعان ، سبق أن أعدته الأمهات لهذه المناسبة خاصة ، ويبدو أن كلمة "قرقيعان" اسم صوت مستمد من قرقعة الصوت الذي كان يحدثه الأطفال عند النداء على أصحاب البيوت أو القرع على أبواب المنازل طلباً لهذا القرقيعان أو المخلط الذي يتكون عادة من النقل والسبال المحموس والنخي والبذور أو الحب والتين والقناطي والجوز والبيذان (اللوز) والبندق والملبس وبعض الحلوى الأخرى المتاحة (والنقود أحيانا) ، وتعد هذه الصورة الفولكلورية أشهر صوره فولكلوريه مأثوره عند أطفال الخليج في رمضان وأحبها جميعاً إلى نفوسهم وقلوبهم ، شأنهم في ذلك شأن سائر الأطفال العرب في سائر الشعوب العربيه . وتتجلى شهرتها بل روعتها كما يقول كبار السن من الخليج أنهم يوم كانوا صغارا كانوا ينتظرون هذه المناسبة بفارغ الصبر وأنهم كانوا يتجمعون في السكيك عقب الافطار للمرور على البيوت يطلبون القرقيعان وأنهم لم يكونوا يتصورون مطلقا أن ثمة رمضان بغير قرقيعان .
لهذا لا غرو أن تظل هذه الصوره الفولكلوريه حيه حتى اليوم دون غيرها من كثير من الصور الفولكلوريه الرمضانيه التي توشك أن تتلاشى بفعل الواقع الجديد الذي فرض نفسه بعد النفط .
وكان طبيعياً أن ترتبط بأشهر صوره فولكلوريه رمضانيه أشهر أغنيه رمضانيه أيضاً هي أغنية القرقيعان ، وهي أهزوجه يختلف أداؤها عند البنات عنه عند البنين ، وربما كان لهذا السبب أن جاءت أهزوجة البنات الأفضل لحناً والأحسن ايقاعاً والأطول نصاً قياسا إلى أداء الصبية المتعلجين دائماً ، إذ تغنيها البنات أمام كل بيت من بيوت الحي أو الفريج على النحو التالي :-
قرقيعان وقرقيعان
بين قصيّر و رميضان
عادت عليكم صيام
كل سنه وكل عام
يالله سلّم ولدهم
يالله خلّه لأمه
عسى البقعه ما تخمّه
ولا توازي على أمه
عطونا الله يعطيكم
بيت مكه يوديكم
يا المكه يا المعموره
يا أم السلاسل والذهب والنوره
أما الصبيه أو الأولاد فتقتصر أهزوجتهم على مقطع أو بالاحرى نصف مقطع يرددونه إيذانا بطلب نصيبهم من "المخلط" أو القرقيعان ، و هو :-
سلم ولدهم .. يا الله
خله لأمه .. يا الله
وهم حين يدعون الله قائلين (سلم ولدهم) فإنهم يذكرون إسم الولد أو البنت إذا كانوا يعرفونه أو يسميه لهم أصحاب البيت فإذا ما تباطأ أهل الدار قليلا صاح الأطفال مرددين بعض العبارات
الشعبيه المحفوظه الدالة على تعجلهم و حث أهل الدار على سرعة الخروج إليهم على نحو ما كان يفعل أشقاؤهم من أطفال مصر في أغنيتهم الشهيره "وحوي يا وحوي" أي الوحا الوحا التي تعني في اللغة العربية الفصيحة الحث على السرعه والعجله ، وأشهر عباره شعبيه كان يرددها أطفال الكويت حين كان يتباطأ أصحاب البيت عليهم هي "يسوق الحمار (أو الحمير) لو ما يسوق" وكان يصيح بها كبير المجموعه أو قائدها .
والطريف أنها عبارة مأثور كان يصيح بها في الأصل (أبو طبيله) أي المسحراتي الكويتي حين كان يقوم أيضاً بجمع نصيبه هو الآخر من القرقيعان وإن كان يختلف عما يعطي للأطفال فإذا ما تباطأ عليه أصحاب البيت ردد عبارته السابقة ، وكان قرقيعانهم الذي يقدمونه له في هذه المناسبه صحونا مليئه بالهريس أو المحليه والتشريب وغير ذلك من أطعمة شعبيه كويتيه .
(وبالمناسبه فهو شخصيه فولكلوريه رائعه وأثيره خاصة عند الكويتيين القدماء ، بحماره الضعيف وخرجه الشهير وطبله الصغير أو الكبير وصوته الشجي ، حيث لا يمكن للأيام أن تمحوها من الذاكرة الشعبيه) ، فإذا كان جواب أهل البيت إيجابياً يقولون "ما يسوق" وعندئذ يضطر الأطفال إلى إعادة أغنية القرقيعان مرة أخرى وربما ثالثه حتى تطل عليهم الأم -مثلا- وهي تحمل طفلا أو طفلة صغيره وتقول لهم "قولوا الله يسلم فلان أو فلانه" وتسميه لهم ، فيفعلون ويغنون من جديد :-
سلم (.........) يا الله
خله لأمه يا الله
غير أن العرف أو العادات والتقاليد قد فرضت على صاحب كل بيت أن يكون مستعدا لمثل هذه المناسبه أيا ما كانت ظروفه الماديه بوقت كاف وبكميات كافيه وحتى لا يغادر الأطفال باب
بيته مكسوري الخاطر"على حد تعبير أحد الرواة فإذا ما انتهى أطفال القرقيعان بعد ساعات - تقصر أو تطول - من التطواف على جميع بيوت الحي أو الفريج عادوا فرحين بما غنموا متباهين بما جمعوا بعد أن يقوم قائد المجموعه أو كبيرها بتوزيعها عليهم بالتساوي وربما عمد بعضهم بعد أن يعود إلى بيته إلى تصنيف حصيلته القرقيعانيه إلى مكوناتها بحسب النوع أو الصنف أو الكميه في لذة بالغه وربما حرص بعض الأطفال على (التقرقع) نهارا طلبا للمزيد حتى يتسنى لهم التباهي بين أقرانهم بما جمعوا .
بإنتهاء أيام القرقيعان يعود الأطفال إلى ممارسة ألعابهم الليليه في الحارات والسكيك أو البراحات أو الساحات القريبه من منازلهم على نحو ما كانوا يفعلون قبل ليالي القرقيعان ، وتؤكد كثيرات من كبيرات السن الخليجيات أن الأغنيه الأثيره لديهن ولدى أترابهن في رمضان أنذاك كانت أغنية "يا من باس العريس" على الرغم من كونها كانت شائعه على مدار العام إلا أنها كانت أكثر ما تذيع في رمضان وكان أكثر ما يحلو للبنات أداؤها في الأيام الأخيره من رمضان أثناء اللعب في إيقاع شعبي جميل يجمع بين بساطة اللحن وعفوية التعبير ، ويزيدها الأداء الجماعي
جمالاً أثناء اللعب ، إذ تقف البنات على شكل مجموعة وتمسك كل واحدة منهن بخصر زميلتها ويأخذن في الغناء ، حيث تقم واحدة منهن بإنشاد بيت أو بالأحرى شطر وترد عليها المجموعه بآخر كلمتين أو آخر جمله وذلك على النحو التالي :-
يا من باس العريس يا من باسها .. يا من باسها
يا من سطر اللولو على راسها .. على راسها
جابوا لها القبقب وقالوا إلبسيه .. وقالوا إلبسيه
قالت والله ما ألبسه ولا يهمني .. ولا يهمني
ولا يهمني إلا أخوي زين الشباب. . زين الشباب
عنده قلم فضه ويكتب كتاب .. ويكتب كتاب
عنده عروسه على ركيته .. على ركيته
يمسح بسايلها حباب حباب .. حباب حباب
على حين يذكر بعض كبار السن من الرجال أنهم في العشر الأواخر من رمضان - وهم صغار- كانوا يهرعون فورا للسير وراء (أبو طبليه) أو المسحراتي بمجرد سماع صوته ويصبحونه
خلال هذه الفترة في تطوافه ليلا أو تجواله نهارا على المنازل التي كان يقوم بتسجير أهلها لجمع ما تجود به نفوسهم من أجر يقدم له نظير عمله كالقمح أو الدقيق أو التمر أو الأرز وأحيانا النقود وما شابه ذلك ، وكان هذا الأجر يطلق عليه آنذاك "فطر" في موكب احتفاليا طريف حيث الأطفال من خلفه يسيرون ويصفقون قد يشاكسونه أحيانا وقد يحملون عنه "الفطره" إذا فاض عنها خرج حماره وهم يرددون معه أو خلفه بعض نداءاته التي كان يخاطب بها - عادة- أصحاب البيوت بعبارته الشهيره "عادت عليكم" (أي عادت السنة ثانية عليكم بالخير) فيردد الأولاد خلفه بقية عبارته التقليديه "والشر ما يجيكم" بإيقاعها اللحني البسيط .
كذلك كان الأطفال قديما يحرصون أيضا على مصاحبة (أبو طبيله) في الأيام الثلاثه الأخيره من رمضان وهو يطوف في الأحياء ليلا أو نهارا ليودع شهر رمضان مترنما ببعض الأهازيج الدينيه الحزينه التي كان يحرص الأطفال على ترديدها معه من مثل :-
الوداع الوداع .. يا شهر رمضان
وعليك السلام. . يا شهر الصيام
والغفران من الله .. يا الله تعوده
و يذكر بعض كبار السن من الخليجيين أن اليوم الأخير من رمضان كان يسمى قديما في البحرين والكويت والسعوديه "يوم النشر" (والصحيح أنه يطلق على يوم الوقفه على عرفات قبيل عيد الأضحى) وأيا ما كانت التسميه فإن اليوم الأخير من رمضان كان يحمل كثيرا من البشرى للأطفال خاصة الصائمين منهم فهو اليوم الذي يسبق عيد الفطر (أو عيد رمضان كما يسمى في الكويت والبحرين) حيث تتحقق فرحة الأطفال القصوى آنذاك واللهفه الكبرى والمرتقبه بفارغ الصبر للحصول على العيديه" وارتداء ملابس العيد الجديده (التي كان يحرص الأطفال على أن تكون معهم في غرفة نومهم ليلة العيد) ، وكانت طقوس هذا اليوم الأخير أو بالأحرى أهازيجه تحمل معاني البهجة والفرحة والسعاده بمقدم العيد :-
باكر العيد ونذبح ابقره
جيبوا مسعود كبير الخنفره
فإذا ما تناول الأطفال طعام الأفطار أخذوا يترقبون رؤية هلال العيد وفي أيديهم أعلام دولهم فإذا ما ثبتت الرؤيه أخذوا في الغناء وتبادل التهاني والمرور على المنازل طالبين "العيدية" :-
كاسيروه دله
أربع بيزات دله
نهنيكم بالعيد السعيد يا الله
وعلى الرغم من أن هذه الأغنيه في الأصل من أغاني عيد الأضحى إلا أن الأولاد أحيانا كانوا يترنموا بها في عيد رمضان طلبا للنقود ، فإذا ما جمعوا أكبر قدر منها هرعوا يوم العيد إلى
الأمكنة التي تتجمع فيها المراجيح والدوارف التي يتفنن أصحابها في تزيينها لإغراء الأطفال بركوبها ولجذبهم إليها عن طريق الأهازيج التي تدفعهم إلى الركوب مثل :-
ما عيدوه إمسيجين
عطاه الله إسجيجين
وغير ذلك مما يدفع الأطفال دفعا إلى ركوب هذه المراجيح أو الدواليب (وأم الحصن دارت) ، ويذكر كبار السن أنه كان ثمه أهازيج يترنمون بها عند الركوب غير أنهم لم يعودوا يذكرونها
اليوم فضاعت نصوصها من ذاكرة الزمن وذاكرة الرواة ، وكان بعض الأطفال والفتيان يذهبون إلى السوق مع أهليهم لركوب الحمير التي كان أصحابها يقومون بتزيينها بالحنا في هذه المناسبه لجذب الفتيان إليها ، أو يقومون بركوب السيارات اللوري التي نأخذهم إلى مناطق مثل حولي وهم يغنون "حولي خله يولي" أو يركبون العربات التي تجرها الأحصنه وهم يرددون :-
عربانه أم حصان
تمشي و تلقط رمان
إلى غير ذلك من الأهازيج الشعبية التي يرفه بها الأطفال عن أنفسهم في هذه المناسبة السعيده ، فتملأ عالمهم البسيط والعفوي آنذاك بجو من السعادة والبهجة والمرح البريء .
اللهم اغفر لمن شهدوا كل رمضان مضى ، و الآن هم تحت الثرى
؛؛
عادت عليكم ياهلا ، ياهلا فيكم ياهلا ، مابين ايديكم "سهره جميله سهرتنا"
سهره لطيفه ،، حلوه وخفيفه ،، نسهر معاكم "في كل ليله سهرتنا"

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبارك لكم شهر رمضان الكريم أعاده الله علينا و عليكم بالحب والخير وبالصحه والعافيه

إنّ المتأمل للفلكلور الرمضاني يدرك تماماً كيف تستعد المجتمعات الشعبيه لهذا الشهر كاشفة عن مدى ما للشهر الفضيل من سلطان جليل على النفوس دينياً و إجتماعياً .
كانت المجتمعات الشعبيه ومنها المجتمع الشعبي الخليجي تتهيأ لإستقبال هذا الشهر المبارك قبل حلوله بعشرة أيام على الأقل وربما أكثر وعلى نحو يؤكد الأهميه الخاصه لهذه المناسبة
الخاصة ، فتنشط الحركة الاقتصادية في الأسواق الشعبيه ويهرع الناس إلى تخزين المواد الغذائيه اللازمه لإعداد "الأكلات الشعبيه الرمضانيه" التي ينبغي لها أن تحتل موقع الصداره على موائد الإفطار معظم أيام هذا الشهر الكريم ومن الجدير بالذكر أن تجهيز بعض هذه المواد كان يحتاج إلى إعداد خاص (مثل إعداد الهريس في المجتمع الخليجي القديم بكل طقوسه الاجتماعيه وأهازيجه الشعبيه التي كانت تترنم بها النساء أثناء العمل في إعداد الهريس) ويصل الإستعداد الشعبي لهذا الشهر ذروته في اليوم الأخير من شعبان التي تتجلى عندئذ في أمرين :
أحدهما : يعرف في المجتمع الشعبي الخليجي الذي نتحدث عن أهازيج أطفاله في هذه المقاله الوصفيه بإسم "يوم القريش" ،، الذي كان يودع فيه الخليجيون آخر يوم من أيام الفطر ويستعدون لأداء فريضة الصيام ، وقد اختفت هذه العادة الشعبيه الآن التي كانت أكثر ما تسعد الأطفال من بنات وصبيان الأحياء الذين كانوا يصحبون أمهاتهم الذاهبات إلى شواطئ البحر للغسيل والاغتسال حيث كان الأطفال يحسبون لهذا اليوم حسابه ويحتفون بمقدمه ليس لما يتيحه لهم هذا التجمع من فرص اللعب والإستحمام في البحر فحسب بل لما ينطوي عليه أساسا من دلاله خاصه تعني حلول شهر الصيام في اليوم التالي .
والأمر الآخر يبتدئ في "رؤية هلال رمضان" حيث يتهيأ الناس آخر اليوم لرؤية الهلال التي كانت تأخذ في الماضي شكلاً كرنفالياً أثيراً في المجتمعات الشعبيه وخاصة الحواضر الكبرى على المستويين الرسمي والشعبي وتعرف باسم "مواكب الرؤيه" التي حفلت كتب الرحاله قديما بوصفها بإعتبارها ذروة الطقوس الدينيه والاجتماعيه أو الطقوس الفولكلوريه التي تسبق الصوم مباشرة مؤذنة - في حالة ثبوت الرؤيا بالطبع - بالشروع في الصوم ، وعلامتها عندئذ إطلاق المدافع عدة طلقات يعقبها مباشرة بدء الإحتفال الكرنفالي إيذاناً ببدء شهر الصيام فيتبادل الناس التهاني التقليديه في مثل هذه المناسبه وتدب الحياة في ليل المدينه وتنشط الحركه في المكان وتزهو الحوانيت بأضوائها وتعمر المقاهي بالرواد حتى موعد السحور ، وكان يطلق على المدفع "طوب أو وارده" وفي هذه الليلة ينشط المسحراتي أو ( أبوطبيله ) كما يسمى في الكويت في ممارسة دوره التقليدي الأثير في المجتمعات الشعبيه العربيه باعتباره
مظهراً آخر من مظاهر الطقوس أو الاحتفالات الفولكلوريه الرمضانيه ، ويؤكد الرواة من كبار السن والمعمرين الخليجيين أن الأطفال قديما - بنين وبنات - ما كانوا يتركون مناسبة تمر عليهم إلا وكانت لهم فيها بعض الأهازيج أو الأغنيات الشعبيه الموروثه (لذلك فهم لا يعرفون مؤلفها أو ملحنها وتقوم على التكرار اللفظي واللحني وتتسم ببساطة الكلمه وحيوية اللحن وجماعية الأداء) ، يرددونها في هذه المناسبه أو تلك تعبيراً عن فرحهم أو غضبهم أو ما شابه ذلك ، وتحفل الذاكرة الشعبيه في الخليج بالكثير من مظاهر الفولكلور الرمضاني التي تتعلق بالأطفال .
للبنات لحن وللصبيان آخر ..
إذا ما مضت بضع عشرة ليلة من ليالي رمضان وانتصف الشهر أو يكاد يشرع أطفال الكويت على مدى ثلاث ليال متتاليات (هي ليلة اليوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من
رمضان) في التجمع عقب الإفطار مباشرة على شكل جماعات وأفواج لكل منها "قائد" أو "كبير" للطواف على البيوت طالبين القرقيعان أو المخلط (المكسرات) وفي يد كل منهم بعض الأدوات البسيطه من طبول وطويسات للقرع أو القرقعة عليها ، وفي رقبة كل منهم أيضاً كيس خاص يعرف باسم كيس القرقيعان ، سبق أن أعدته الأمهات لهذه المناسبة خاصة ، ويبدو أن كلمة "قرقيعان" اسم صوت مستمد من قرقعة الصوت الذي كان يحدثه الأطفال عند النداء على أصحاب البيوت أو القرع على أبواب المنازل طلباً لهذا القرقيعان أو المخلط الذي يتكون عادة من النقل والسبال المحموس والنخي والبذور أو الحب والتين والقناطي والجوز والبيذان (اللوز) والبندق والملبس وبعض الحلوى الأخرى المتاحة (والنقود أحيانا) ، وتعد هذه الصورة الفولكلورية أشهر صوره فولكلوريه مأثوره عند أطفال الخليج في رمضان وأحبها جميعاً إلى نفوسهم وقلوبهم ، شأنهم في ذلك شأن سائر الأطفال العرب في سائر الشعوب العربيه . وتتجلى شهرتها بل روعتها كما يقول كبار السن من الخليج أنهم يوم كانوا صغارا كانوا ينتظرون هذه المناسبة بفارغ الصبر وأنهم كانوا يتجمعون في السكيك عقب الافطار للمرور على البيوت يطلبون القرقيعان وأنهم لم يكونوا يتصورون مطلقا أن ثمة رمضان بغير قرقيعان .
لهذا لا غرو أن تظل هذه الصوره الفولكلوريه حيه حتى اليوم دون غيرها من كثير من الصور الفولكلوريه الرمضانيه التي توشك أن تتلاشى بفعل الواقع الجديد الذي فرض نفسه بعد النفط .
وكان طبيعياً أن ترتبط بأشهر صوره فولكلوريه رمضانيه أشهر أغنيه رمضانيه أيضاً هي أغنية القرقيعان ، وهي أهزوجه يختلف أداؤها عند البنات عنه عند البنين ، وربما كان لهذا السبب أن جاءت أهزوجة البنات الأفضل لحناً والأحسن ايقاعاً والأطول نصاً قياسا إلى أداء الصبية المتعلجين دائماً ، إذ تغنيها البنات أمام كل بيت من بيوت الحي أو الفريج على النحو التالي :-
قرقيعان وقرقيعان
بين قصيّر و رميضان
عادت عليكم صيام
كل سنه وكل عام
يالله سلّم ولدهم
يالله خلّه لأمه
عسى البقعه ما تخمّه
ولا توازي على أمه
عطونا الله يعطيكم
بيت مكه يوديكم
يا المكه يا المعموره
يا أم السلاسل والذهب والنوره
أما الصبيه أو الأولاد فتقتصر أهزوجتهم على مقطع أو بالاحرى نصف مقطع يرددونه إيذانا بطلب نصيبهم من "المخلط" أو القرقيعان ، و هو :-
سلم ولدهم .. يا الله
خله لأمه .. يا الله
وهم حين يدعون الله قائلين (سلم ولدهم) فإنهم يذكرون إسم الولد أو البنت إذا كانوا يعرفونه أو يسميه لهم أصحاب البيت فإذا ما تباطأ أهل الدار قليلا صاح الأطفال مرددين بعض العبارات
الشعبيه المحفوظه الدالة على تعجلهم و حث أهل الدار على سرعة الخروج إليهم على نحو ما كان يفعل أشقاؤهم من أطفال مصر في أغنيتهم الشهيره "وحوي يا وحوي" أي الوحا الوحا التي تعني في اللغة العربية الفصيحة الحث على السرعه والعجله ، وأشهر عباره شعبيه كان يرددها أطفال الكويت حين كان يتباطأ أصحاب البيت عليهم هي "يسوق الحمار (أو الحمير) لو ما يسوق" وكان يصيح بها كبير المجموعه أو قائدها .
والطريف أنها عبارة مأثور كان يصيح بها في الأصل (أبو طبيله) أي المسحراتي الكويتي حين كان يقوم أيضاً بجمع نصيبه هو الآخر من القرقيعان وإن كان يختلف عما يعطي للأطفال فإذا ما تباطأ عليه أصحاب البيت ردد عبارته السابقة ، وكان قرقيعانهم الذي يقدمونه له في هذه المناسبه صحونا مليئه بالهريس أو المحليه والتشريب وغير ذلك من أطعمة شعبيه كويتيه .
(وبالمناسبه فهو شخصيه فولكلوريه رائعه وأثيره خاصة عند الكويتيين القدماء ، بحماره الضعيف وخرجه الشهير وطبله الصغير أو الكبير وصوته الشجي ، حيث لا يمكن للأيام أن تمحوها من الذاكرة الشعبيه) ، فإذا كان جواب أهل البيت إيجابياً يقولون "ما يسوق" وعندئذ يضطر الأطفال إلى إعادة أغنية القرقيعان مرة أخرى وربما ثالثه حتى تطل عليهم الأم -مثلا- وهي تحمل طفلا أو طفلة صغيره وتقول لهم "قولوا الله يسلم فلان أو فلانه" وتسميه لهم ، فيفعلون ويغنون من جديد :-
سلم (.........) يا الله
خله لأمه يا الله
غير أن العرف أو العادات والتقاليد قد فرضت على صاحب كل بيت أن يكون مستعدا لمثل هذه المناسبه أيا ما كانت ظروفه الماديه بوقت كاف وبكميات كافيه وحتى لا يغادر الأطفال باب
بيته مكسوري الخاطر"على حد تعبير أحد الرواة فإذا ما انتهى أطفال القرقيعان بعد ساعات - تقصر أو تطول - من التطواف على جميع بيوت الحي أو الفريج عادوا فرحين بما غنموا متباهين بما جمعوا بعد أن يقوم قائد المجموعه أو كبيرها بتوزيعها عليهم بالتساوي وربما عمد بعضهم بعد أن يعود إلى بيته إلى تصنيف حصيلته القرقيعانيه إلى مكوناتها بحسب النوع أو الصنف أو الكميه في لذة بالغه وربما حرص بعض الأطفال على (التقرقع) نهارا طلبا للمزيد حتى يتسنى لهم التباهي بين أقرانهم بما جمعوا .
بإنتهاء أيام القرقيعان يعود الأطفال إلى ممارسة ألعابهم الليليه في الحارات والسكيك أو البراحات أو الساحات القريبه من منازلهم على نحو ما كانوا يفعلون قبل ليالي القرقيعان ، وتؤكد كثيرات من كبيرات السن الخليجيات أن الأغنيه الأثيره لديهن ولدى أترابهن في رمضان أنذاك كانت أغنية "يا من باس العريس" على الرغم من كونها كانت شائعه على مدار العام إلا أنها كانت أكثر ما تذيع في رمضان وكان أكثر ما يحلو للبنات أداؤها في الأيام الأخيره من رمضان أثناء اللعب في إيقاع شعبي جميل يجمع بين بساطة اللحن وعفوية التعبير ، ويزيدها الأداء الجماعي
جمالاً أثناء اللعب ، إذ تقف البنات على شكل مجموعة وتمسك كل واحدة منهن بخصر زميلتها ويأخذن في الغناء ، حيث تقم واحدة منهن بإنشاد بيت أو بالأحرى شطر وترد عليها المجموعه بآخر كلمتين أو آخر جمله وذلك على النحو التالي :-
يا من باس العريس يا من باسها .. يا من باسها
يا من سطر اللولو على راسها .. على راسها
جابوا لها القبقب وقالوا إلبسيه .. وقالوا إلبسيه
قالت والله ما ألبسه ولا يهمني .. ولا يهمني
ولا يهمني إلا أخوي زين الشباب. . زين الشباب
عنده قلم فضه ويكتب كتاب .. ويكتب كتاب
عنده عروسه على ركيته .. على ركيته
يمسح بسايلها حباب حباب .. حباب حباب
على حين يذكر بعض كبار السن من الرجال أنهم في العشر الأواخر من رمضان - وهم صغار- كانوا يهرعون فورا للسير وراء (أبو طبليه) أو المسحراتي بمجرد سماع صوته ويصبحونه
خلال هذه الفترة في تطوافه ليلا أو تجواله نهارا على المنازل التي كان يقوم بتسجير أهلها لجمع ما تجود به نفوسهم من أجر يقدم له نظير عمله كالقمح أو الدقيق أو التمر أو الأرز وأحيانا النقود وما شابه ذلك ، وكان هذا الأجر يطلق عليه آنذاك "فطر" في موكب احتفاليا طريف حيث الأطفال من خلفه يسيرون ويصفقون قد يشاكسونه أحيانا وقد يحملون عنه "الفطره" إذا فاض عنها خرج حماره وهم يرددون معه أو خلفه بعض نداءاته التي كان يخاطب بها - عادة- أصحاب البيوت بعبارته الشهيره "عادت عليكم" (أي عادت السنة ثانية عليكم بالخير) فيردد الأولاد خلفه بقية عبارته التقليديه "والشر ما يجيكم" بإيقاعها اللحني البسيط .
كذلك كان الأطفال قديما يحرصون أيضا على مصاحبة (أبو طبيله) في الأيام الثلاثه الأخيره من رمضان وهو يطوف في الأحياء ليلا أو نهارا ليودع شهر رمضان مترنما ببعض الأهازيج الدينيه الحزينه التي كان يحرص الأطفال على ترديدها معه من مثل :-
الوداع الوداع .. يا شهر رمضان
وعليك السلام. . يا شهر الصيام
والغفران من الله .. يا الله تعوده
و يذكر بعض كبار السن من الخليجيين أن اليوم الأخير من رمضان كان يسمى قديما في البحرين والكويت والسعوديه "يوم النشر" (والصحيح أنه يطلق على يوم الوقفه على عرفات قبيل عيد الأضحى) وأيا ما كانت التسميه فإن اليوم الأخير من رمضان كان يحمل كثيرا من البشرى للأطفال خاصة الصائمين منهم فهو اليوم الذي يسبق عيد الفطر (أو عيد رمضان كما يسمى في الكويت والبحرين) حيث تتحقق فرحة الأطفال القصوى آنذاك واللهفه الكبرى والمرتقبه بفارغ الصبر للحصول على العيديه" وارتداء ملابس العيد الجديده (التي كان يحرص الأطفال على أن تكون معهم في غرفة نومهم ليلة العيد) ، وكانت طقوس هذا اليوم الأخير أو بالأحرى أهازيجه تحمل معاني البهجة والفرحة والسعاده بمقدم العيد :-
باكر العيد ونذبح ابقره
جيبوا مسعود كبير الخنفره
فإذا ما تناول الأطفال طعام الأفطار أخذوا يترقبون رؤية هلال العيد وفي أيديهم أعلام دولهم فإذا ما ثبتت الرؤيه أخذوا في الغناء وتبادل التهاني والمرور على المنازل طالبين "العيدية" :-
كاسيروه دله
أربع بيزات دله
نهنيكم بالعيد السعيد يا الله
وعلى الرغم من أن هذه الأغنيه في الأصل من أغاني عيد الأضحى إلا أن الأولاد أحيانا كانوا يترنموا بها في عيد رمضان طلبا للنقود ، فإذا ما جمعوا أكبر قدر منها هرعوا يوم العيد إلى
الأمكنة التي تتجمع فيها المراجيح والدوارف التي يتفنن أصحابها في تزيينها لإغراء الأطفال بركوبها ولجذبهم إليها عن طريق الأهازيج التي تدفعهم إلى الركوب مثل :-
ما عيدوه إمسيجين
عطاه الله إسجيجين
وغير ذلك مما يدفع الأطفال دفعا إلى ركوب هذه المراجيح أو الدواليب (وأم الحصن دارت) ، ويذكر كبار السن أنه كان ثمه أهازيج يترنمون بها عند الركوب غير أنهم لم يعودوا يذكرونها
اليوم فضاعت نصوصها من ذاكرة الزمن وذاكرة الرواة ، وكان بعض الأطفال والفتيان يذهبون إلى السوق مع أهليهم لركوب الحمير التي كان أصحابها يقومون بتزيينها بالحنا في هذه المناسبه لجذب الفتيان إليها ، أو يقومون بركوب السيارات اللوري التي نأخذهم إلى مناطق مثل حولي وهم يغنون "حولي خله يولي" أو يركبون العربات التي تجرها الأحصنه وهم يرددون :-
عربانه أم حصان
تمشي و تلقط رمان
إلى غير ذلك من الأهازيج الشعبية التي يرفه بها الأطفال عن أنفسهم في هذه المناسبة السعيده ، فتملأ عالمهم البسيط والعفوي آنذاك بجو من السعادة والبهجة والمرح البريء .

اللهم اغفر لمن شهدوا كل رمضان مضى ، و الآن هم تحت الثرى


؛؛