التكمله
التراب فوجدا رجلا قادما من ديار ليلى فسأله قيس عن حال ليلى فنظر إليه الرجل وقال: قيس؟ فقال : نعم فذهب مسرعا ولكن قيس أمسكه واستحلفه أن يخبره عن ليلى فأخبره أنها مريضة جدا فقال قيس: ليتك يا قيس أنت المريض وليلى المعافاه.
ثم ذهب قيس إلى الخباء ولما جلس أخذته سنة من النوم لألم الصداع الذي في رأسه وكان يرى في نومه ليلى وهي تحدثه وتعاتبه على ما فعله بنفسه فانتبه من نومه ووجد زياد أمامه فتذكر ليلى وصار ينشد ويصرخ بإسمها:
يقولون ليلى بتيماء مريضة
فمالك لا تضنى وأنت صديق
قال : لما سمع اهل الحي صراخه أتوا إليه وسقوه لبنا وواعدوه بليلى وفجأة قام من بينهم ومرق كالسهم متبطنا الصحراء وهو ينادي بأعلى صوته.. ليلى ليلى لبيك ها انا واقف بخبائك ولحقوه وأمسكوا به ولاطفوه حتى رجعوا به فقال له زياد: أننا غدا سنرحل إلى وادي تيماء فقال قيس: أحقا ما تقول؟ قال زياد: لقد أخذت على نفسي عهدا بذلك! وبات قيس ليلته قلقا ينتظر الصباح .
أما ماكان من أمر ليلى فإنها وصلت لوادي تيماء وقد أعياها المرض وعجز الكل عن مداواتها ولم يكن بها مرض سوى فراق قيس فأفضت إلى جاريتها مرجانه : إن مرضي ودوائي هو الهوى وأن طبيبي الوحيد هو قيس . فوصل قوم من الشام وسألتهم عن المجنون فقالوا أنه في حالة بؤس وقد رأوا ما به من نكبات الغرام والهيام ! وأخبرها رجل منهم انه ذاهب لبني عامر فتنهدت وطلبت منه ان يذهب إلى وادي الصخرة وأقرأه السلام وقل له : ليلى أضناها السقام .
وعندما علم قيس صرخ صرخة قويه وكان زياد يلاطفه فرحلوا إلى الوادي ووصلوا بعد أيام يقول زياد: فنصبنا خيامنا قريب من منازل ليلى وكان الليل قد دخل ويتنهد قيس ويطلق أشعاره في هذا الليل ويسأله زياد السكوت لئلا يفضحه.
وترى ليلى الخيام فتطلب من مرجانة ان تذهب لتعرف من هؤلاء علهم يعرفون قيس وتسرع الجارية ليلا وتسمع شعر قيس وصراخه وتدخل عليه وهولا يعي وتحادثه ولا يسمع حتى ذكرت له ليلى فأفاق وعرفها : فقال اعذريني فإني مشغول اللب:
وشغلت عن فهم الحديث سوى ماكان فيك وأنتم شغلي
وأديم نحو محدثي ليرى أن قد فهمت وعندكم عقلي
وكان والد ليلى وزوجها في مكة لقضاء بعض الأعمال.. فرأى قيس ليلى وكان كل ليلة يراها حتى قدم القوم فارتحل هو وزياد وكان قيس يلعلع في الصحراء بصوته بكاء وغناء ورجع لقومه فاستقبلته امه باكية وقدمت له الطعام فامتنع عنه وخرج هائما في الصباح وأبوه يرثي لحاله ويبكي لما آل إليه قيس , فخرج إلى البراري عله يعرف خبرا عنها وبعد وقت طويل سمع انها وصلت لديارها فعاد لأهله ووجد والده مريضا فدخل عليه وقد زال نشاط والده وانقطع صوته فانكب عليه قيس باكيا وضمه لصدره حتى فاضت روحه وقيل ان قيسا نحر ناقته على جانب قبر أبيه وجاء القوم معزين ومعهم والد ليلى فعز القوم ولم يعزي قيسا فجن جنونه واعتراه الهزال وعلمت ليلى ما فعله والدها احتقارا لقيس فازداد مرضها وقد أصبح دمع عينيها سيال . مكث قيس ثلاثة أيام ورحل وهو باكيا حزينا تأخذه رعشة قويه وطال غيابه وكان يسرح مع الغزلان وتغير شكله وقد توحش وانسدل شعره على جسده وأصبح في صورة مريعة وإذا بإمرأة عجوز توقد النيران فجاء قيس
وهربت ظنا منها انه جان وجاء ابنائها وسألوه : أجني أم انسي؟ وانشد لهم شعره وآخر ما قاله:
ولو أنني أشكوا الذي قد أصابني إلى ميت في قبره لرثى ليا
وعلموا انه قيسا وخرجت العجوز لرؤية ليلى فقالت لها مرجانة: لا تتعبي نفسك فمنذ ثلاثة أيام لم يدخل عليها أحد ولا تكلم احدا! فرجعت ولم تجد قيس , فكان يرافق الغزلان وأتت الغربان على ذلك الوادي وسمع نعيقها فأنّ وبكى:
ألا يا غراب البين مالك ناعيـــا أفارقت ألفا أو دهتك الدواهيا
ألا يا غراب البين عذبت مهجتي ولازلت بالانشاد تكوي فؤاديا
أما ليلى بعد فراقها لقيس كانت لا تلذ بطعام ولا شراب وتخاطب نفسها وتعض على يديها حسرة وندامة فضاق وردا بها ولطمها وطلقها وعادت لاهلها ولما علموا أنها لفظت المال والجاه لأجل قيس أخذوا يضربونها ليلا ونهارا حتى أخذها الخبل والبكاء ومكثت ثلاثين يوما لا تأكل ولا تشرب حتى محى المرض والبكاء جسمها وانقفلت عيناها الكحيلتين وسلمت الروح إلى باريها وأقامواعليها العزاء,
وانتشر الخبر وعلم قيس بذلك .........
وصار النور في عينيه ظلاما وصاح : وداعا ياليلى هل من رجوع لأرى وجهك الجميل؟ ورجع إلى الديار وكان قيس كلما سمع تغريد العصافير صاح : ليلى تركتيني وحيدا في هذه الحياة البائسه ياليتني مت قبل أن أفقدك لقد مات كل أمل بعدك يا ليلى وسألحق بك عما قريب ثم ابتهل إلى الله إنني عبدك المعترف هدني الحب أسألك أن تجمع بيننا وإن كانت يد الأقدار قد انتشلت روحها وكتب ان لا أراها بعد اليوم فخذ روحي إليك كما أخذت روحها لأستريح مما انا فيه, ووصل إلى حي ليلى فلما أقبل ازداد نحيب الناس وبكائهم وقام والد ليلى وحضنه وبكى وسأل قيس عن قبرها فدلوه عليه فلما رآه انقلب عليه جاثيا واحتضنه : أيها القبرلقد ضممت رفات من أحبها وفيك دفنوا كل امل لي في الحياه إن روحي ترفرف حول رفات ليلى , وكان يضم القبر ويحضنه ويسأل: ليلى أين فمك الضحوك؟ اين رقة ابتساماتك؟ وأين دلالك؟ ابكي أيتها العينين على
رحيل ليلى الأبدي. وظل هذا حال حتى أقبل الليل وقيل انه كان يأوي إلى القبر ليلا ونهارا وكان يرثيها بالأشعار حتى جف جلده وضعفت قوته وجاء إليه رجلا ليواسيه ففر منه ثم اندفع إلى قبرها فاصطدم به وانهارت عظام جسده من حجارة القبر ثم يغمر رأسه في الرمل متوهما رؤية ليلى وتقبل هند اخته فتحضنه وتبكي وتهون عليه حتى غشي عليه. فلما أفاق قالت له: إن ليلى ماتت فدعنا نخطب لك غيرها فارحم نفسك وارحمني! فنظر إليها وقال: وانت يا هند تعاذليني في ليلى أحب الناس إليّ وقد احترق قلبي عليها وتغيرت أحوالي وأصبحت شريدا من أجل حبها .. لقد ذهبت ليلى وذهبت معها أيام الصفاء ليلى في كل يوم أشعر بإنتهاء الحياة وانني على حافة القبر ليلى لقد تركتِ لي ذكرى تمزق قلبي وتقطعه إربا ثم بكى وبكت معه ليلى وقد ظهرت له ظبية فلحق بها وقال : السلام عليك يا هند فما أراك تريني بعد اليوم وانطلق جاريا خلف الظبية.
خرج اهله يبحثون عنه فلم يجدوه ولم يلتمسوا له اثرا وفي اليوم الرابع قالوا : فلما آيسنا منه عدنا طالبين الديار فبينما نسير إذ مررنا بواد كثير الحجارة فوجدناه ميتا بين الحجارة وكان قد خط بإصبعه عند رأسه :
توسد أحجار المهامة والقفر ومات جريح القلب مندمل الصدر
فياليت هذا الحب يعشق مرة فيعلم ما يلقى المحب من الهجر
قال زياد: فحملناه ونحن نبكي وجاء كل من سمع بوفاته وقمنا بتكفينه ودفنه ولم تبقى فتاة من بني جعدة ولا بني الحريش إلا خرجت حاسرةصارخة عليه بالندب والنواح واجتمع فتيان الحي يبكون عليه أحر بكاء وينشجون عليه وحضر حي ليلى معزين وكان أبوها أشد القوم جزعا وجعل يقول ماعلمت أن الامر يبلغ كل ذلك ولكني كنت امرىء عربيا أخاف من العار وقبح الأحدوثة ما يخاف مثلي فزوجتها ولو علمت ان الامر يجري على هذا لما أخرجتها عن يدك يا قيس .
ودفن قيس بجانب قبر ليلى نام قيس نومته الاخيرة إلى جانب حبيبته ليلى , وتحلل جسمه إلى تراب غمر تراب حبيبته , ولم يرى يوما كان أكثر باكيا وباكية على ميت سوى قيس عام 490 من الهجره ولم يكن بينه وبين ليلى إلا خمس وعشرون ليلة.
رحم الله العاشقين الذين سمعت بأخبارهم جميع الأقطار فسبحان من له البقاء!!!
وظلت قصيدة قيس المؤنسه التي كانت تؤنسه في وحشته من أجمل قصائد الغزل ولقيس شعر مبثوث في كتب الأدب , ومن هذا الشعر نرى ان مجنون بني عامر قلب هائم, وعقل شارد , وضلوع خفاقه وروح أرق من النسيم وجسم ذائب, وعين ذاهلة وفيه رقة وسذاجة مريض الغرام, لا يملك شعوره ولا يقوى على تسيير القلب على طريق السواء , ويغمى عليه ولا يفيق إلا لذكر ليلى وأخيرا قضى عليه الألم والوجد , فوجد طريحا على الرمال صريع حبه وهيامه.
( الملحمة العامرية)
تذكـرت ليلـى والسنيـن الخواليـا وأيـام لا نخشـى عـلـى اللهو ناهـيـا
ويـوم كظـل الرمح,قصـرت ظلـه بليـلـى , فلهّـانـي, وماكـنـت ناسـيـا
فيـا ليـل كـم مـن حاجـة لـي مهمـة إذا جئتكـم بالليـل لـم أدرٍِ مـا هـيـا
خليـلـيّ إن لا تبكيـانـي ألتـمـس خلـيـلا إذا أنـزفـت دمـعـي بـكـى لـيـا
وقــد يجـمـع الله الشتيتـيـن بعـدمـا يظـنّـان كــل الـظـن أن لا تـلاقـيـا
لحـى الله أقوامـا يقولـون أنـنـا وجـدنـا طــوال الـدهـر للـحـب شافـيـا
خليلـيّ, لاوالله, لا أملـك الـذي قضـى الله فــي ليـلـى ولاماقـضـى لـيـا
قضاهـا لغيـري وابتلانـي بحبـهـا فـهـلا بـشـيء غـيـر ليـلـى ابتلانـيـا
وخبّرتمانـي أن تيمـاء منـزل لليلـى إذا مــا الصـيـف ألـقـى المراسـيـا
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت فما للنوى ترمي بليلـى المراميـا
فـيـا رب ســو الـحـب بيـنـي وبينـهـا يـكـون كفـافـا لا عـلـيّ ولا لـيـا
فمـا طلـع النجـم الـذي يهتـدى بـه ولا الصبـح إلا هيـجـا ذكـرهـا لـيـا
ولا سمّيـت عنـدي لهـا مـن سميـة مـن النـاس إلا بـلّ دمـعـي ردائـيـا
ولا هبـت الريـح الجنـوب لأرضهـا مـن اللـيـل إلا بــت للـريـح حانـيـا
فإن تمنعـوا ليلـى وتحمـوا بلادهـا علـيّ , فلـن تحمـوا علـيّ القوافيـا
فأشـهـد عـنـد الله أنــي أحبـهـا فـهـذا لـهـا عـنـدي فـمـا عنـدهـا لـيــا
قضى الله بالمعروف منها لغيرنـا وبالشـوق منـي والغـرام قضـى ليـا
أعــد الليـالـي ليـلـة بـعـد ليـلـة وقــد عـشـت دهــرا لا أعــد الليـالـيـا
وأخـرج مـن بيـن البيـوت لعلنـي أحـدث عنـك النفـس باللـيـل خالـيـا
أرانـي إذا صليـت يممـت نحوهـا بوجهـي, وإن كـان المصلـى ورائيـا
ومابـي إشـراك ولكـن حبهـا وعظـم الجـوى أعـيـا الطبـيـب المـداويـا
أحب من الأسمـاء مـا وافـق اسمهـا أو أشبهـه , أو كـان منـه مدانيـا
خليلي ليلى أكبـر الحـاج والمنـى فمـن لـي بليلـى أو فمـن ذا لهـا بيـا
خليلي ما أرجو من العيش بعدما أرى حاجتي تشرى ولا تشتـرى ليـا
وتجرم ليلـى ثـم تزعـم أننـي سلـوت , ولا يخفـى علـى النـاس مابيـا
فلـم أرى مثلينـا خليلـي صبابـة أشــد عـلـي رغــم الأعــادي تصافـيـا
خلـيـلان لا نـرجـو اللـقـاء ولا نــرى خليلـيـن إلا يـرجــوان التـلاقـيـا
يقـول انـاس عـلّ مجنـون عامـر يريـد سـلـوا , قـلـت أنــى لـمـا بـيـا
إذا مـا استطـال الدهـر يـا أم مالـك فشـأن المنايـا القاضيـات وشانـيـا
إذا اكتحلـت عينـي بعينـك لـن تـزل بخيـر وجـلأّت غمـرة عـن فؤاديـا
فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي وأنت التي إن شئت أشقيـت باليـا
وأنت التي ما من صديق ولا عـدا يـرى نِضـوَ مـا أبقيـتِ إلا رثـى ليـا
إذا سـرت فـي الليـل الفضـاء رأيتنـي أصانـع رحلـي أن يميـل حياليـا
يمينا إذا كانت يمينـا وإن تكـن شمـالا ينازعنـي الهـوى عـن شماليـا
وإنـي لأستغشـي ومــا بــي نعـسـة لـعـل خـيـالا مـنـك يلـقـى خيالـيـا
هـي السحـر إلا أن للسحـر رقـيـة وإنــي لا ألـفـي لـهـا الـدهـر راقـيـا
معذبتـي لــولاك ماكـنـت هائـمـا أبـيـت سخـيـن الـدمـع حــران باكـيـا
أناجي الـذي فـوق السمـاوات عرشـه ليكشـف حبـا بيـن جنبـي ثاويـا
معذبتـي قـد طـال وجـدي وشفنـي هــواك , فـيـا للـنـاس قــل عزائـيـا
و قـائـلـة وارحـمـتـا لشـبـابـه فـقـلـت : أجــــل وارحـمـتــا لشـبـابـيـا
ألا يـا حمامـات العـراق أعنيـي علـى شجنـي , وابكـيـن مـثـل بكائـيـا
يقولـون ليلـى بالعـراق مريضـة فيـا ليتـنـي كـنـت الطبـيـب المـداويـا
تـمـر الليـالـي والشـهـور ولا أرى غـرامــي لـهــا يـــزداد إلا تـمـاديـا
فيـارب إذ صيـرت ليلـى هـي المنـى فزنـي بعينيـهـا كـمـا زنتـهـا لـيـا
وإلا فبغـضـهـا إلـــي وأهـلـهـا فـإنــي بلـيـلـى قـــد لـقـيـت الـدواهـيــا
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا
خليلـي إن ضنـوا بليلـى فقربـا لـي النعـش والأكـفـان واستغـفـرا لـيـا
ووووووووبس تراني تعبت والنت صاير بطيء عندي لكم الاشعار بكمل بكره