القصة الأولى
كــــــلـــب المــــــــــــــوت
سمعت القصة لأول مرة من وليام ب.ريان المراسل الصحفى الأمريكي , كنا نتناول العشاء في لندن غداة عودته من نيويورك , وتصادف أن قلت له إنى ذاهب في الغد إلى قرية فولبريدج , وتساؤل وليام قائلا بدهشة:_ فولبريدج في كورنوول؟؟
كانت قرية مغمورة , وقد أثار دهشتي أن وليام يعرفها!!
وأجبته قائلا:_ أجل هل تعرفها؟؟
رد بالإيجاب ثم سألني عما إذا كنت أعرف منزل نويرن؟؟
وتزايدت دهشتي!!! , وقلت له :_ أعرفه حق المعرفه وأنا ذاهب إليه في الواقع إنه منزل أختى.
وقال وليام :_ هذا أمر مثير للغاية !!
وعندما سألته إيضاحا قال لي:_ هذا يقتضي أن أروي لك تجربة مررت بها في بداية فترة الحرب.
تنهدت بعمق , دارت الواقعه التي أشير إليها سنة 1931 ولم يكن أحد يسعده أن يتذكر أحداث الحرب العالمية الأولى .
ولكن وليام إسترسل قائلا: كنت في بداية الحرب مراسلا لصحيفتي في بلجيكا , وكنت دائب الحركة , توجد قرية سوف أسميها ((س)) , ورغم أنها قرية صغيرة , إلا أن بها ديرا كبيرا للراهبات , وكانت تلك القرية تقع على الطريق الذي يتقدم نحوه الألمان , ووصلت حشود الألمان ...
سرت في بدني رجفه..
ورفع وليم يده ليطمئنني بقوله : ليست قصص إحدى الفظائع التي إرتكبها الألمان , إتجه جنود العدو نحو الدير , وما كادوا يبلغون الدير حتى إنفجر كل شيء .
وسمعت قائلا بفزع : أوه !!
عملية غريبة أليس كذلك , ظننت أن الألمان يقيمون إحتفالا وأنهم يلهون بمتفجراتهم , ولكن الأمر لم يكن كذلك , وإنى أسألك : ما الذي تعرفه الراهبات عن القنابل قوية الإنفجار؟؟
وقلت له وأنا أهز رأسي : إنه أمر غريب حقا !!
-قال وليام- كنت مهتما بالإستماع إلى رأي الفلاحين في الحادث , وكان رأيهم بالغجماع ان ماحدث كان معجزة عصرية !! وتحدث بعضهم عن راهبة قديسة يعتقدون أنها رأت ما حدث.
ووفقا لروايتهم قد إستعانت الراهبة بالصواعق لتفجير الألمان غير الأتقياء , وقد انفجر المكان ليقضي على كل من كان قريبا من مكان الإنفجار.
معجزة ضخمة !!
لم يكن لدي وقت لإستقصاء أسباب الحادث , ونشرت الرواية كما سمعتها وأرسلتها لصحيفتي .
واستقبلها القراء في الولايات المتحده بترحيب شديد لأنهم كانوا على استعداد لتصديق الكرامات الدينية والقدرات الخارقة التي تتمتع بها بعض الراهبات , ولكنني شعرت برغبة قوية في تقصي الحقيقة !! فلم يكن في الموقع مايستحق الإهتمام سوى جدارين كانا لايزالان قائمين وعلى أحدهما الآثار السوداء التي خلفها البارود , وهي تتمثل في شكل كلب ضخم !! وكان الفلاحون يرتعدون عند التطلع إلى ذلك الشكل ويطلقون عليه اسم ( كلب الموت) وكانو يتجنبون المرور من تلك البقعه بعد هبوط الظلام .
سكت وليام برهه ثم أردف يقول : الخرافات مسلية دائما , ومن ثم داخلتي الرغبة في مقابلة الراهبة التي تمت على يديها المعجزة عندما سمعت انها نجت من الحادث !! وانها سافرت مع حفنه من اللاجئين الى بريطانيا , وفكرت في تحمل مشقة السفر لأقتفاء أثرها عندما علمت أن المقام استقر بها في قرية فولبريدج في كورنوول .
كنت أريد أن أسمع القصة من فمها , ولكن مشاغلي حالت دون تحقيق رغبتي ونسيت الأمر , حتى سمعتك تشير إلى فولبريدج .
وقلت له:_ سوف أسأل اختى فلعلها سمعت عن الحادث , ولعلك تعلم أن البلجيكيين قد عادو الى وطنهم منذ وقت طويل .
_ إذا عرفت شيئا من أختك يسعدني أن أعرفه.
فأجبته بحرارة:_ سأخبرك بالطبع .
أثيرت القصة للمرة الثانية في اليوم التالي لوصولي إلى بيت تويرن , كنت أتناول الشاي مع أختى في الشرفه حين سألتها :_
- كيتي ... هل تذكرين راهبة بين مجموعة اللاجئين البلجيكيين الذين يقيمون في بيتك؟؟
- لعلك تقصد الأخت ماري انجيليك.
وسألتها في حذر:
- ربما تكون هي المقصودة , حدثيني عنها؟
- أوه إنها أشد المخلوقات غرابة .., هل تعلم أنها لاتزال موجودة هنا؟؟
-ماذا تقولين؟؟....تقيم في هذا المنزل؟؟
- كلا. ولكنها موجودة في القرية , هل تذكر الدكتور روز؟؟
-هززت رأسي نفيا وأنا أقول
-أذكر طبيبا عجوزا فيحوالي الثالثة والثمانين من العمر.
- تعني الدكتور ليرد ...لقد مات....أما الدكتور روز فقد وفد إلى القرية منذ بضع سنوات , وهو شاب مفرط الذكاء , متشبع بالأفكار الحديثة , وقد أولى الأخت ماري انجيليك بالغ إهتمامه , لأنها تعاني في بعض الاحيان من الهلوسة والغيبوبة , وهي من ثم حالة جديرة بالدراسة الطبية , وحيث ان الأخت المسكينه لم تكن تعرف مكانا تتجه إليه , فقد تفضل الدكتور مشكورا بتدبير مكان لإقامتها في القرية , وأعتقد أنه يعد بحثا طبيا عن حالتها.
سكتت برهه ثم أردفت تقول :_
- ولكن ماذا تعرفه عنها؟؟
- سمعت عنها قصة غريبة .
ورويت لها القصة التي سمعتها من ريان , وأبدت كيتي إهتماما كبيرا ثم قالت :_
إنها تبدو كذلك الطراز من الناس الذي يستطيع أن ينسفك , لا أدري إذا كنت تفهم ما أقصده ...
وقلت لها وقد تزايد إهتمامي بالراهبة :_
- أعتقد أنني في شوق لمقابلة هذه الراهبة .
- إفعل فأنا أحب أن أسمع رأيك فيها , قابل الدكتور روز أولا , لماذا لا تذهب إلية بعد تناول الشاي ؟؟
وافقت على الإقتراح ..
ووجدت الدكتور روز في منزله ..
قدمت له نفسي , ووجدته شابا لطيفا , إلا أن شعورا داخليا جعلنى أنفر منه , ولاحظت أنه بوغت عندما ذكرت أسم الأخت انجيليك , ولكن إهتمامه تزايد بعد أن قلت له قصة ريان .
وقال مفكرا:
- آه !! هذا الشي الكثير.
رفع بصرة إلى وجهي أسترسل قائلا :
- هذه حالة جديرة بالدراسة , من الواضح أن هذه الراهبة تعرضت إلى صدمة شديدة قبل مجيئها إلى هنا , فقد كانت في حالة من التوتر الشديد , وهي شخصية بالغة الغرابة , وربما أحببت أن تراها بنفسك .
رحبت بذلك , وصحبني الطبيب إلى كوخ يقع في أطراف القرية , وتقع معظم مساكن فولبريدج على الجانب الشرقي من نهر فول , أما الشاطئ الغربي فلا يصلح للبناء لكثرة التلال الصخرية , رغم وجود بضعة أكواخ في ذلك الجانب ..
وكان كوخ الطبيب يقع حافة صخرة في أقصى طرف من ذلك الجانب , وكان الكوخ الذي نقصده يطل على البحر..
وقال الدكتور روز :_ هنا تقييم الممرضة المحلية , وقد إتخذت الترتيبات اللازمة لكي تقيم الأخت ماري أنجليك معها حتى تكون تحت الإشراف الطبي المستمر.
وسألته قائلا بفضول:_
هل هي في حالة طبيعية؟
وأجابنى الطبيب باسما بقولة:- تستطيع بعد دقيقة أن تحكم بنفسك .
كانت الممرضة تستعد لركوب دراجتها لحظة وصولنا , وبادرها الدكتور روز قائلا :_ مساء الخير كيف حال مريضتك اليوم؟
- جالسة كعاتها في هدوء مشبكة الذراعين , شاردة اللب , لا تجيبني عندما أخاطبها , وربما كان السبب أنها لا تفهم قدرا كافيا من اللغه الانجليزية رغم طول الوقت الذي مضته معنا .
أومأ الطبيب برأسة حين ركبت الممرضة دراجتها , وفتح الطبيب باب الكوخ لنرى الأخت ماري راقدة على الأريكة بالقرب من النافذة ..
أدارت الراهبة رأسها تجاهنا , وكان وجهها بالغ الشحوب , وعينيها واسعتين بشكل ملفت للنظر , تشعان بنظرات تعكس المأساة التي تعيشها الراهبة .
وخاطبها الطبيب بالفرنسية قائلا:_ مساء الخير أيتها الأخت .
- مساء الخير يا سيدي الطبيب .
- هل تسمحين لي أن أقدم لك صديقي المستر انستروثر..
انحنت الراهبة التي افتر ثغرها عن ابتسامة واهنه وقال الطبيب وهو يجلس بجوارها :_ وكيف حالك اليوم؟
- إني أقرب ما أكون إلى حالتي المعتادة.
ترددت الراهبة برهة قبل أن تسترسل في الحديث قائلة:- لا شيء يبدو لي حقيقيا , أهي أيام تلك التي تمر بي أم شهور أم أعوام ...لا أكاد أدري , ولكن أحلامي هي التي تبدو لي حقيقية .
_ أما زلت تحلمين كثيرا؟
- دائما..دائما ..وأنت تعرف , تبدو الاحلام حقيقية أكثر من الحياة .
- هل تحلمين بوطنك بلجيكا؟
هزت الراهبة الشابة رأسها قائلة :_ كلا ...إنني أحلم ببلاد لم يكن لها وجود قط , ولكنك تعرف هذه القصة جيدا يا سيدي الطبيب. فقد رويتها لك مرات عديدة ...
ثم توقفت عن الحديث برهه ثم أردفت تقول :- ربما كان هذا السيد طبيبا هو الآخر...لعلة أحد أطباء المخ؟؟
قال الدكتور روز بلهجة التاكيد :_ كلا .....كلا.
لاحظت أثناء إبتسامة الطبيب أسنانه المدببة وخطر ببالي أنه أقرب شبها بالذئب.
وأسترسل الطبيب في حديثة قائلا:_ فكرت في أن الإلتقاء بالمستر انستروثر يهمك لأنه يعرف بلجيكا , ولقد سمع مؤخرا بعض الاخبار التي تتعلق بالدير الذي كنتى تقيمين فيه.
إلتفت الطبيب نحوي ...
وقلت تعليقا على حديثة :_ كل ما في الأمر اني كنت اتناول العشاء منذ يومين مع أحد الاصدقاء , وقد وصف لي ذلك الصديق أطلال جدران الدير.
- إذا فقد لحق الدمار بالدير؟؟
تفوهت بتلك الكلمات وكانها تخاطب نفسها , ثم حدجتنى بنظراتها وهي تقول :_ أخبرني يا سيدي...هل أخبرك صديقك عن الكيفية التي دمر بها الدير؟
- لقد نسف ...ويخشى الفلاحون المرور أمامة خلال ساعات الليل .
- مم يخافون؟
- توجد علامة سوداء فوق الحائط المدمر.
مالت الراهبة بجسمها قليلا إلى الامام وهي تقول :_ خبرني يا سيدي .. خبرني بسرعه , ماذا تشبة هذه العلامة؟؟
- إنها تتخذ شكل كلب ضخم أسود , يطلق عليه الفلاحون اسم ( كلب الموت) .
- آه !! ...إذا فالامر صحيح ...إنه حقيقي , كل ماأتذكره صحيح. ليس مجرد كابوس.. لقد حدث بالفعل لقد حدث حقا!!
وقال لها الطبيب بلهفة وبصوت خافت:_ ما اللذي حدث أيتها الاخت ؟؟
- لقد تذكرت , هناك على الدرج , لقد تذكرت , تذكرت الوسيلة إلى ذالك , استخدمت الطاقة على النحو اللذي اعتدناه....وقفت على درج المذبح وامرتهم ألا يتقدمو خطوة واحده , وطلبت منهم ان يعودوا في سلام , ولكنهم لم يستمعو إلي , استمرو في تقدمهم رغم تحذيري ...لهذا.
ومالت الراهبة بجسمها إلى الأمام بحركة غريبة قائلة :_ لهذا أطلقت عليهم كلب الموت.
ارتدت إلى الوراء لترقد على الأريكة وهي ترتجف , وعيناها مغلقتان , ووقف الطبيب وقدم لها كوبا من الماء سكب فيه قطرتين من زجاجة صغيرة كان يضمها في جيبه , وقد لها الكوب قائلا في لهجة الامر:_ إشربي هذا ..
أطاعت الراهبة بطريقة آليه , بينما تتطلع عيناها إلى شيء غير مرئي , وقالت :_ ولكن الأمر كان حقيقيا ... كل شيء , مدينة الدوائر , شعب البللورة , كل شيء...كل شيء حقيقي.
وقال الطبيب :_ قد يبدو لكي الامر كذلك .
كان الطبيب يتحدث بصوت هامس ليشجعها على المضي في حديثها ثم أردف يقول :_ حدثيني عن مدينه الدوائر .....أليس هذا الأسم اللذي أطلقته عليها؟؟
((( يـــــــــــــــــتــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع ))