دار (هيا)
New member
- إنضم
- 31 يوليو 2007
- المشاركات
- 1,870
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 0
في إحدى المدن بالمملكة كانت هناك امرأة تسكن مع زوجها وأولادها و بناتها في إحد الأحياء ، وكان المسجد ملاصقاً لبيتها تماماً إلا أنَّ الله ابتلاها بزوج سكير .
لا يمر يوم أو يومين إلا ويضربها هى وبناتها وأولادها و يخرجهم إلى الشارع ، كان أغلب من في الحي يشفقون عليها و على أبنائها و بناتها إذا مروا بها ، ويدخلون إلى المسجد لأداء الصلاة ثم ينصرفون إلى بيوتهم و لا يساعدونها بشئ و لو بكلمة عزاء ، وكم كانوا يشاهدون تلك المرأة المسكينة و بناتها وأولادها الصغار بجوار باب بيتها تنتظر زوجها المخمور أن يفتح لها الباب ويدخلها بعد أن طردها هي وأولادها و لكن لا حياة لمن تنادي ، فإذا تأكدت من أنه نام جعلت أحد أبنائها يقفز إلى الداخل و يفتح لها ، و تدخل بيتها و تقفل باب الغرفة على زوجها المخمور إلى أن يستيقظ من سكره ، و تبدأ بالصلاة و البكاء بين يد الله عز وجل تدعو لزوجها بالهداية و المغفرة .
لم يستطع أحد من جماعة المسجد بما فيهم إمام المسجد و المؤذن أن يتحدث مع هذا الزوج السكير وينصحه ، ولو من أجل تلك المرأة المعذبة وأبنائها لمعرفتهم أنه رجل سكير ، لا يخاف الله ، باطش ، له مشاكل كثيرة مع جيرانه في الحي ، فظ غليظ القلب ، لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً ، وكما نقول بالعامية ( خريج سجون ) ، فلا يكاد يخرج من السجن حتى يعود إليه .
الزوجة المسكينة كانت تدعو لزوجها السكير في الثلث الأخير من الليل و تتضرع إلى الله بأسمائه العلى ، وبأحب أعمالها لديه أن يهدي قلب زوجها إلى الايمان ، وأكثر أيامها كانت تدعو له بينما هي وأبناءها تعاني الأمرين فلا أحد يرحمها من هذا العناء غير الله ، فلا أخوة ؛ ولا أب ؛ و لا أم ؛ يعطف عليها ؛ الكل قد تخلى عنها ، و الكل لا يحس بها و بمعاناتها فقد أصبحت منبوذة من الجيران و الأهل بسبب تصرفات زوجها .
في إحدى المرات وبينما هى تزور إحدى صديقاتها في حي آخر مجاور لهم تكلمت و فتحت صدرها لصديقتها و شرحت لها معاناتها و ما يفعله بها زوجها و ببناتها وأبناءها إذا غاب تحت مفعول المسكر ، تعاطفت معها قلباً وقالباً و قالت لها : اطمئني ، سوف أكلم زوجي لكي يزوره وينصحه ، وكان زوجها شاباً صالحاً حكيماً ، ويحب الخير للناس ، ويحفظ كتاب الله ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . فوافقت بشرط أن لا يقول له بأنها هي التي طلبت هذا حتى لا يغضب منها زوجها السكير و يضربها و يطردها من البيت إلى الشارع مرة أخرى لو علم بذلك ، فوافقت على أن يكون هذا الأمر سراً بينهما فقط .
ذهب زوج صديقتها إلى زوجها بعد صلاة العشاء مباشرة لزيارة زوج تلك المرأة و طرق الباب عليه فخرج له يترنح من السكر ، ففتح له الباب فوجده إنسان جميل المنظر ، له لحية سوداء طويلة ، ووجه يشع من النور و الجمال ، ولم يبلغ الخامسة و العشرين من عمره . و الزوج السكير كان في الأربعين من عمره ، على وجهه علامات الغضب و البعد عن الله عز وجل ، فنظر إليه و قال له : من أنت و ماذا تريد ؟
فقال له : أنا فلان بن فلان ، وأحبك في الله ، و جئتك زائراً .
ولم يكد يكمل حديثه حتى بصق في وجهه و سبه و شتمه ، و قال له بلهجة عامية شديدة الوقاحة : لعنة الله عليك يا كلب ، هذا وقت يجىء فيه للناس للزيارة ، انقلع عسى الله لا يحفظك أنت وأخوتك اللي تقول عليها .
كانت تفوح من الزوج السكير رائحة الخمرة حتى يخيل له أن الحي كله تفوح منه هذه الرائحة الكريهة ، فمسح ما لصق بوجهه من بصاق و قال له : جزاك الله خيراً قد أكون أخطأت وجئتك في وقت غير مناسب ، و لكن سوف أعود لزيارتك في وقت آخر إن شاء الله .
فرد عليه الزوج السكير : أنا لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى وإن عدت كسّرت رأسك ، وأغلق الباب في وجه الشاب الصالح ، وعاد إلى بيته و هو يقول الحمد لله الذى جعلني أجد في سبيل الله وفي سبيل ديني هذا البصاق وهذا الشتم وهذه الإهانة ، وكان في داخله إصرار على أن ينقذ هذه المرأة و بناتها من معاناتها . أحسَّ بأن الدنيا كلها سوف تفتح أبوابها له إذا أنقذ تلك الأسرة من الضياع . فأخذ يدعو الله لهذا السكير في مواطن الاستجابة و يطلب من الله أن يعينه على إنقاذ تلك الأسرة من معاناتها إلى الأبد ،كان الحزن يعتصر في قلبه و كان شغله الشاغل أن يرى ذلك السكير من المهتدين .
فحاول زيارته عدة مرات وفي أوقات مختلفة فلم يجد إلا ما وجد سابقاً ، حتى أنه قرر في إحدى المرات أن لا يبرح من أمام بيته إلا ويتكلم معه ، فطرق عليه الباب في يوم من الأيام فخرج إليه سكران يترنح كعادته ، وقال له : ألم أطردك من هنا عدة مرات لماذا تصر على الحضور و قد طردتك ؟!!
فقال له : هذا صحيح ، ولكنى أحبك في الله وأريد الجلوس معك لبضع دقائق و الله عز وجل يقول على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم : من عاد أخاً له في الله ناداه مناد من السماء أن طبت و طاب ممشاك و تبؤت من الجنة منزلاً .
فخجل السكير من نفسه أمام الالحاح هذه الشاب المستمر رغم ما يلقاه منه ، وقال له : و لكن أنا الآن أشرب المسكر ، وأنت يبدو في وجهك الصلاح و التقوى ولا يمكننى أن أسمح لك لكي ترى ما في مجلسي من خمور احتراماً لك.
فقال له : أدخلنى في مكانك الذى تشرب فيه الخمر ودعنا نتحدث وأنت و تشرب خمرك فأنا لم آتي إليك لكي أمنعك من الشرب بل جئت لزيارتك فقط .
فقال السكير : إذا كان الأمر كذلك فتفضل بالدخول ، فدخل لأول مرة بيته بعد أن وجد الأمرين في عدم استقباله وطرده ، و أيقن أن الله يريد شئياً بهذا الرجل .
أدخله إلى غرفته التى يتناول فيها المسكر ، وتكلم معه عن عظمة الله ، وعن ما أعد الله للمؤمنين في الجنة ، وما أعد للكافرين في النار وفي اليوم الآخر ، وفي التوبة ، وأن الله يحب العبد التائب إذا سأله الهداية ، ثم تكلم في أجر الزيارة وما إلى ذلك ، وأن الله يفرح بتوبة العبد التائب ، فإذا سأله العبد الصالح قال الله له لبيك عبدي ( مرة واحدة ) ، وإذا سأله العبد المذنب العاصي لربه قال الله له لبيك لبيك لبيك عبدي ( ثلاث مرات ) .
وكان يرى أسارير الرجل السكير تتهلل بالبشر ، وهو ينصت إليه بجوارحه كلها ، ولم يحدثه عن الخمرة وحرمتها أبداً و هو يعلم أنها أم الكبائر ، وخرج من عنده بعد ذلك دون كلمة واحدة في الخمر ، فأذن له بالخروج على أن يسمح له بين الحين و الحين بزيارته فوافق وانصرف .
يتبع