رد : خواتي الغاليات ممكن شوي من وقتج لوسمحتي.
:hearting:
أولاً: الحج
التعريف:
الحج في اللغة القصد، وفي عرف الشرع قصد النسك، أو هو: (الطواف والوقوف في مكان مخصوص، في زمن مخصوص، بفعل مخصوص). وسوف يأتي تفصيل ذلك.
حكمه، وشروط وجوبه:
الحج فرض عين في العمر مرة، على كل إنسان توافرت فيه الشروط التالية:
1 - الإسلام، فلا يجب الحج على غير المسلم، فإذا أسلم الكافر فرض عليه الحج، ولا يفرض عليه قبل ذلك، ومثله سائر العبادات الأخرى.
2 - العقل، فلا يجب الحج على المجنون، لأن العقل أساس التكليف في سائر العبادات، ومنها الحج.
3 - البلوغ، فلا يجب الحج على الصغير مميزا كان أو غير مميز، لأن البلوغ شرط التكليف شرعا كالعقل.
4 - الحرية، فلا يجب الحج على الرقيق، لأن الحرية شرط التكليف في العبادات المالية، والحج واحد منها.
5 - الاستطاعة المالية، فلا يجب الحج على الفقير الذي لا يستطيعه، والاستطاعة المالية هنا أن يملك المسلم نفقات الحج؛ من أجرة الذهاب والإياب، بالوسائل المتاحة المعتادة، من السيارة أو الطائرة أو الباخرة أو غير ذلك، بحسب بلده الذي هو فيه، وكذلك نفقات الإقامة؛ من السكن، والطعام، والرسوم الحكومية المفروضة ، ونفقات أهله الذين يعولهم في بلده مدة غيبته عنهم. فإذا لم يملك المسلم مثل هذه النفقة في أشهر الحج، سواء كان فقيرا من الأصل أو كان غنيا وأنفق ماله قبل أشهر الحج، كأن تزوج به أو زوج به ابنه، أو تصدق به على محتاج إليه ولما جاءت أشهر الحج لم يكن مالكا لنفقات الحج،... لم يجب عليه الحج، لأنه لم يعد مستطيعا، فإن كان قد أنفق ماله في غير مصلحة بغرض إسقاط الحج عنه بذلك، كان محتالا، وكان آثما.
6 - الاستطاعة البدنية: وذلك بالقدرة صحيا على السفر بنفسه، فإن كان عاجزا صحيا نهائيا عن السفر إلى الحج، كالمشلول، والشيخ الفاني... لم يجب عليه الحج في
قول الإمام أبي حنيفة، لعدم الاستطاعة، وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد يجب عليه أن يُحِجَّ عنه غيره من ماله ومن بلده، أو يوصي بالحج عنه بعد موته من ماله ومن بلده أيضا، وقول الإمام هنا هو الأقوى في المذهب، إلا أن قول الصاحبين هو الأحوط.
كل هذه الشروط السابقة تعم الرجال والنساء، وهناك شروط خاصة بالنساء وهي؛ شرطان، هما:
الأول:
توفر الزوج أو المحرم المأمون، كالابن والأخ والصهر، ولو على نفقتها، إذا طلب ذلك وتوفر لها المبلغ اللازم، فإذا لم تكن ذات زوج ولا ذات محرم مأمون، أو كان لها زوج أو محرم وأبا مرافقتها في الحج، لم يجب عليها الحج أصلا في رواية عن أبي حنيفة، لعدم الاستطاعة، وفي رواية أخرى وهي قول الصاحبين يجب عليها أن تُحِجَّ عنها غيرها من مالها ومن بلدها، إذا لم تجد الزوج أو المحرم المأمون الذي يرافقها في حجها طوال حياتها، لأن المحرم عندهم شرط لوجوب الأداء، وليس شرطا للوجوب، وهذا هو القول الأرجح في المذهب، وهو الأحوط، ولا يحل محل المحرم عند الحنفية الرفقة من النساء أو الرجال ولو كانت مأمونة.
الثاني:
عدم العدة، فإذا كانت المرأة معتدة عند سفر الناس إلى الحج، لم يجب عليها الحج، تقديما للالتزام بالعدة على القيام بالحج، وسواء في ذلك أن تكون العدة من طلاق أو من وفاة أو غير ذلك، فا ذا انتهت العدة قبل سفر الناس للحج وتوافرت لها شروطه الأخرى وجب عليها الحج، وإلا فلا.
فإذا توفرت هذه الشروط كلها في الإنسان يوما فلم يحج، ثم تخلف بعضها، كما لو كان قادراً ثم عجز، أو غنيا ثم افتقر، وجب عليه أن يوصي بالحج عنه بعد وفاته من ثلث تركته، وإلا كان آثماً.
الحكمة:
الحج ذروة في التذلل إلى الله تعالى، والخروج عن زينة الدنيا، وملذاتها، وتدريب للنفس على المسالمة مع الغير ولو كان حيواناً أو نباتا، وتذكير بما عليه الإنسان من عجز وضعف، وهو درس في المساواة بين الناس، وصلة بين أطراف العالم الإسلامي، تمتيناً لوحدته، وتوفيراً لقوته.
وهذه المعاني - وغيرها أيضاً مما هو موجود في هذه العبادة العظيمة ولا مجال لاستعراضه هنا - أمور يحتاج الإنسان إليها في حياته التي قد يغرق في ملذاتها ونعيمها، أو في متاعبها ومآسيها على سواء، فتنسيه أهله، وربه، فإذا بالحج يعيد إليه توازنه وتواضعه، ويجعله يقف الوقفة الصحيحة المعتدلة بعد طول اعوجاج، ولهذه المعاني الجليلة عَدَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أركان الإسلام الخمسة، حيث قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً).
شروط صحة الحج:
شروط صحة الحج، هي الأمور التي يجب على الحاج توفيرها مسبقا لصحة عبادة الحج التي يؤديها، بحيث إذا نقص واحد من هذه الشروط أو أكثر فسد الحج،
وهذه الشروط على نوعين:
شروط مطلقة، وشروط متعلقة بالأركان والواجبات.
فأما الشروط المطلقة فهي:
ا - الإسلام والعقل: فكما أن الإسلام والعقل شرطان لوجوب الحج، فهما شرطان لصحته أيضاً، فالكافر والمجنون لا يجب الحج عليهما، كما لا يصح منهما أيضاً، ما داما كذلك، فإذا أسلم الكافر، وعقل المجنون، وجب الحج عليهما، وصح منهما لزوال المانع.
ب - الإحرام: وهو عبارة عن نية الحج مع التلبية من الميقات، وليس خلع الثياب كما يظن العامة، ذلك أن خلع الثياب إنما هو حكم من أحكام الإحرام وليس هو الإحرام ذاته،
وللإحرام شرط واحد هو اقتران النية فيه بذكر يقصد به تعظيم الله تعالى، ويسن أن يكون الذكر بالتلبية، وهي قول الحاج، عندما يريد الإحرام: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
أما النية فهي عزم المؤمن في قلبه العبادة التي يقصد إليها، وذلك يكون في القلب ولا يحتاج إلى ذكر باللسان، فإذا ردد ذلك بلسانه مع قلبه كان حسنا، إلا إنه ليس شرطا لصحة النية، ولو نوى بلسانه وكان قلبه غافلا عما يتلفظ به لم تصح نيته.
وأما الميقات؛ فهو زماني ومكاني.
أما الميقات الزماني: فهو أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة، فإذا أحرم فيها بالحج كان حاجّاً، وإن أحرم قبلها بالحج جاز أيضاً ولكن مع الكراهة، فإن أخره عنها لم يجز عن السنة الماضية.
وأما الميقات المكاني: فهو مختلف باختلاف الجهة التي يأتي منها الحاج إلى الحرم.
فان كان قادماً من بلاد الشام « سوريا - لبنان - الأردن - فلسطين -... » أو عن طريقها من أي قطر كان، فإن ميقاته الجحفة أو رابغ، وهي قرية على بعد (220 كم) من مكة المكرمة، أو ذو الحليفة، وهي قرية قرب المدينة المنورة على بعد (7 كم) منها، وذلك بحسب الطريق التي يسلكها الحاج. فإن سلك الطريق الساحلي فالجحفة أو رابغ، وإن قصد طريق المدينة المنورة فذو الحليفة واسمها الآن (آبار علي).
وإن كان الحاج قادم من العراق أو عن طريقها، فميقاته ذات عرق، على بعد (94 كم) من مكة المكرمة، وإن كان قادماً من نجد، أو عن طريقها، فميقاته قرن المنازل، على بعد (94 كم) من مكة المكرمة، وتسمى اليوم السَّيل، وإن كان قادماً من اليمن، أو عن طريقها، فميقاته يلملم، على بعد (94 كم) من مكة المكرمة.
وهذا كله بالنسبة للحاج الساكن خارج دائرة الحل، وهو الآفاقي، وأما الساكن داخل دائرة الحل التي تقع المواقيت المذكورة حولها، وكذلك المقيم فيها، فإنه يُحرم من داره، في الحج والعمرة.
وأما سكان مكة المكرمة، وكذلك من هم في منطقة الحرم، فإن عليهم إذا أرادوا العمرة، أن يخرجوا من مكة إلى دائرة الحل من أية جهة أرادوا - والتنعيم أقرب الجهات إليهم - ثم يحرموا منها، ويدخلوا إلى الحرم محرمين، كما يفعل أهل الحل تماماً، فإذا أرادوا الحج، فإنهم يحرمون به من دارهم في مكة أو الحرم.
فإذا أحرم الحاج قبل الوصول إلى الميقات جاز، وإن أَخَّرَ الإحرام عنه حتى تجاوزه أَثِمَ، ولزمه العودة إلى الميقات للإحرام منه ثانيةً، أو ذبح شاة فدية لمخالفته.
وأما الشروط المتعلقة بالأركان والواجبات، فسوف نوردها في محلها عند دراسة هذه الأركان والواجبات المتعلقة بها.
***
أركان الحج
للحج ركنان، إذا تركهما الحاج، أو ترك واحداً منهما بطل حجه، وهما:
ا - الوقوف بعرفة:
والوقوف معناه الوجود، وليس الوقوف
على الأرجل، وبهذا يعد وجود الحاج في عرفة، وقوفاً معتبراً، سواء أكان قاعداً أم ماشياً أم نائماً.
وشرط الوقوف أن يكون بعرفة، وهي معروفة الحدود اليوم بإشارات خاصة حولها، وأن يكون في يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، من زوال الشمس - بُعَيْد الظهر - إلى طلوع فجر يوم النحر، ولو كان الوقوف دقيقة واحدة.
ب - الطواف بالكعبة:
وهو طواف الزيارة، ويسمى طواف الركن، أو طواف الحج، أو طواف الإفاضة. وله شروط هي: الإسلام، والنية. وتقديم الإحرام عليه، وتقديم الوقوف بعرفة عليه، وفعل أكثره وهو أربعة أشواط، وأن يكون في يوم النحر وما بعده، وأن يكون حول البيت الحرام من داخل المسجد لا خارجه، وأن يطوف الحاج بنفسه ولو محمولا عند العجز عن المشي، ولا تصح نيابة غيره عنه إلا أن يكون مغمى عليه.
هذا، ولكل من الوقوف والطواف شروط، وواجبات، وسنن، سوف يأتي بيانها.
واجبات الحج
واجبات الحج كثيرة، وهي أمور إذا تركها الحاج أَثِم، ووجب عليه الفدية، تكفيراً لذلك الترك، ولا يفسد حجه، بخلاف الأركان والشروط كما تقدم. وسواء في ذلك أن يتركها عمداً أو سهواً، إلا أن يتركها للعجز عنها، فانه لا فداء عليه، كمن ترك المشي في الطواف لمرض، أو ترك الوقوف في مزدلفة لشدة الزحام...
وهذه الواجبات على قسمين: واجبات مستقلة بنفسها، وواجبات تبع لغيرها من الأركان والشروط.
فأما الواجبات المستقلة بنفسها، فهي:
أ - السعي بين الصفا والمروة:
والصفا والمروة هضبتان صغيرتان، شرقي المسجد الحرام، والسعي معناه المشي. وللسعي شروط لا يصح إلا بتوافرها، وهي:
1 - أن يكون مسبوقاً بالإحرام، فلو سعى من غير إحرام سابق عليه لم يصح سعيه.
2 - أن يكون مسبوقاً بطواف مفروض أو مسنون، لأنه تبع للطواف فلا يصح بدونه.
3 - أن يبدأ فيه بالصفا، فلو بدأ بالمروة لم يحسب ذلك له شوطاً.
4 - أن لا تقل أشواطه عن أربعة، فإن قلَّت عن ذلك لم يتأد الواجب بها، هذا والسعي من الصفا إلى المروة شوط، ثم العودة من المروة إلى الصفا شوط آخر، وهكذا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
ب - الوقوف بالمزدلفة:
وهي مكان على الطريق بين عرفة ومنى، والوقوف هنا أيضاً معناه الوجود، على النحو الذي ذكرناه في الوقوف بعرفة، وسواء أكان قاعداً أم ماشياً أم نائماً...، ويشترط لصحة الوقوف هذا أن يكون ما بين طلوع الفجر إلى قرب طلوع الشمس من يوم النحر، ولو لحظة واحدة.
ج - رمي الجمار:
ومواضع الجمار ثلاثة، تقع على الطريق بين منى ومكة، والجمار أحجار صغيرة
ويشترط لصحة الرمي هذا شروط هي:
1 - أن ترمى الأحجار بقذف ولو خفيفاً، فإذا وضعت بدون قذف أصلاً لم يصح الرمي.
2 - أن يكون المرمي حجراً، أو شيئاً من جنس الأرض، كالطين، فإذا كانت غير ذلك، لم يصح الرمي بها.
3 - أن لا يقل الرمي عن سبع حصيات في سبع رميات، في كل موضع. فإذا رمى الحصيات السبع مرة واحدة، كفاه عن واحدة فقط، ولزمه أن يرمي ستاً بعدها.
4 - أن يقصد الرمي في مكان الرمي، فلو طارت الحجرة من يده إلى مكانها من غير قصد منه، كما إذا دفعه غيره فطارت الجمرة من يده فسقطت في مكانها، لم يصح.
ه - أن تقع الجمرة التي يرميها في مكانها المقصود، داخل دائرة الرمي، فإن وقعت خارجها، لم يصح، إلا أن يكون قريباً منها فيصح، وقد قُدِّرَ ذلك بذراع.
د - الحلق أو التقصير:
فالحلق إزالة الشعر من الرأس بالموسى وما في معناه، والتقصير قطع جزء من شعر الرأس بالمقص وما إليه، وهو أدنى من الحلق، والحلق أفضل من التقصير للرجال، كما أن التقصير أفضل من الحلق للنساء.
ويشترط في الحلق والتقصير أن لا يقل عن الحد الذي يجب في مسح الرأس للوضوء، وهو ربع الرأس، يحلقه بالموسى، أو يقصر منه بمقدار أنملة، فإن كان لا شعر على رأسه، كالأصلع، أَمَرّ الموسى علي رأسه وكفاه.
هـ - طواف الوداع:
ويسمى طواف الصَّدَر، وهو واجب على أهل الآفاق لا غير، وهم المقيمون خارج دائرة الحل، أما المقيمون في مكة المكرمة، أو داخل دائرة الحل، فلا يجب عليهم هذا الطواف، كما لا يجب على غير الحاج أصلاَ، فالمعتمرون، لا يلزمهم طواف الوداع مطلقاً. هذا ويشترط لصحة طواف الوداع ما يشترط لصحة طواف الزيارة « طواف الإفاضة » الذي هو ركن الحج، باستثناء شرط الزمان، إذ يشترط في طواف الوداع أن يكون بعد طواف الزيارة، وكل طواف يؤديه الحاج بعد طواف الزيارة، يكون للوداع ولو لم يتصل به السفر مباشرة.
أما الواجبات التابعة لغيرها من الأركان والشروط، فهي:
أ - واجبات الإحرام، وهي:
1 - أن يكون من الميقات،
وقد تقدم بيان ذلك مع بيان المواقيت، فإذا أحرم قبله جاز، وان تجاوزه بغير إحرام، وجب عليه الرجوع إليه للإحرام منه، أو الفدية.
2 - اجتناب محظورات الإحرام،
وهي كثيرة، بعضها خاص بالرجال، وبعضها يعم الرجال والنساء.
فأما المحظورات الخاصة منها بالرجال، فهي:
- لبس المخيط، كالقميص، وما يشبهه مما هو محيط بالجسم، أو بعضو من الأعضاء، على طريقة اللباس المعتاد، كالجوارب، والقميص، والقفازين.
- تغطية الرأس بما يلامسه، كالعمامة، أما المظلة فلا بأس بها.
- لبس حذاء يستر وجهه الكعبين اللذين في وجه القدم من الأعلى (معقد الشراك)، وليس الكعبين اللذين يجب إيصال ماء الوضوء إليهما بجانبي القدم.
وأما ما يعم الرجال والنساء، فهو:
- تغطية الوجه بما يلامسه، أما الغطاء غير الملامس للوجه فلا بأس به للمرأة.
- إزالة الشعر من أي موضع من البدن.
- تقليم الأظافر من اليد أو الرجل.
- دهن شعر الرأس أو غيره من شعر البدن بأية مادة دهنية، كالزيت، مطيباً كان أو غير مطيب، لما فيه من الرفاه المنافي للإحرام.
- التطيب بأي نوع من الطيب، سواء في الثوب، أو البدن، أو الفراش، أو غيره، لما فيه من الرفاه، وكذلك أكل الطيب، فانه ممنوع أيضاً كالتطيب سواء بسواء، أما شم الطيب من الغير فمكروه فقط، إذا أمكن التحرز عنه، وإلا فلا شيء فيه.
- الصيد، وهو اقتناص الحيوان المتوحش، أما المستأنس فلا بأس بذبحه، كالشاة والدجاجة، فإذا اقتنص صيداً كان ميتةً يحرم أكلها.
- الدلالة على الصيد، وتنفير الصيد، وأكل لحم الصيد الذي صاده غير المحرم للمحرم، فإنه حرام. ويستثنى من ذلك خمسة حيوانات يحل قتلها للمحرم وغيره وهي: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور، وذلك لحديث البخاري ومسلم: (عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْحَيَّةُ وَالْغُرَابُ الأبْقَعُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْحُدَيَّا).
- الجماع ودواعيه، فإنه من موانع الإحرام للرجال والنساء، فإن جامع الحاج قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، وعليه إتمامه، ثم قضاؤه في سنة قادمة، وذبح شاة فداء، وإن كان الجماع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق، لم يفسد حجه، وعليه بدنة، فإن جامع بعد الحلق والتحلل الأول، لم يفسد حجه ويلزمه الفداء بشاة، فإن جامع بعد طواف الزيارة، فلاشيء عليه، لأنه بالطواف يحل له النساء.
هذا، وكما يحرم الجماع، تحرم دواعيه، كاللمس بشهوة، والتقبيل...، كما يحرم ذكر النساء بكلام فاضح مثير للشهوة.
- الجدال والنزاع مع الرفقة والجيران... وهو وان كان ممنوعا منه في كل الأوقات، إلا أن المنع منه في حال الإحرام أشد.
ب - واجبات الطواف، وهي:
1 - التيامن، وذلك بالسير حول الكعبة جاعلاً إياها عن شماله أثناء الطواف.
2 - إتمام أشواط الطواف سبعاً، لأن الأربعة الأولى ركن، والثلاثة الأخرى واجب.
3 - الطهارة من الحدثين أثناء الطواف، الأصغر والأكبر.
4 - ستر العورة للرجل والمرأة كل بحسب عورته.
ه - الابتداء بالحجر الأسود في كل شوط من أشواط الطواف، فإن بدأ بعده لم يحسب هذا الشوط له.
6 - الطواف من خارج حِجر إسماعيل، حتى يكون الحِجر داخلاً في طوافه.
7 - المشي في الطواف للقادر عليه، أما العاجز فيكفيه الركوب أو الحمل ولا شيء عليه.
8 - صلاة ركعتين إثر كل سبعة أشواط من الطواف.
9 - أن يكون الطواف في أيام النحر، إن كان طواف الزيارة (أي الإفاضة) هذا عند أبي حنيفة، وذهب الصاحبان إلى أن طواف الزيارة زمانه العمر كله.
ح - واجبات الوقوف بعرفة، وهي:
1 - استمرار الوقوف بعرفة في يوم عرفة إلى ما بعد الغروب، لمن وقف قبل ذلك، فإن غادر الواقفُ عَرفة قبل الغروب لزمه فدية دم، أما من لم يدخل عرفة إلا بعد غروب الشمس، فلا شيء عليه.
2 - تأخير صلاة المغرب، وجمعها مع العشاء في المزدلفة، جمع تأخير.
د - واجبات أيام منى، وهي:
أيام منى، هي أيام النحر الثلاثة، مع يوم التشريق الذي يليها، أوهي أيام العاشر من ذي الحجة والثلاثة التي تليه، وأعمال الحاج الواجبة في هذه الأيام ثلاثة، هي: الرمي، والذبح، والحلق، وهي من واجبات الحج كما تقدم. ويجب في هذه الواجبات ما يلي:
1 - أن يكون الحلق في أيام النحر الثلاثة، وهي: العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر من ذي الحجة، ولا يؤخر عن ذلك.
2 - أن يكون الحلق في منطقة الحرم، وهي مكة وما حولها، مما هو دون منطقة الحل.
3 - الترتيب بين هذه الأمور الثلاثة: الرمي، والذبح، والحلق، وذلك بالبدء بالرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، هذا في حق المتمتع والقارن، أما المفرد الذي لا يلزمه الذبح، فيكفيه تقديم الرمي على الحلق.
4 - عدم تأخير الرمي في اليوم الأول إلى ما بعد فجر اليوم الثاني من أيام النحر، وعدم تأخير الرمي في اليوم الثاني إلى ما بعد فجر اليوم الثالث، وعدم تأخير الرمي في اليوم الثالث إلى ما بعد فجر اليوم الرابع، وعدم تأخير الرمي في اليوم الرابع إلى ما بعد غياب شمس ذلك اليوم نفسه
ه - ذبح هدي، وهو شاة، أو سُبُع بدنة، أو سُبُع بقرة، للمتمتع والقارن فقط، ولا هدي على المفرد، وإذا ذَبح هديا كان أفضل.
6 - أن يكون ذبح الهدي في أيام النحر.
7 - أن يكون ذبح الهدي في منطقة الحرم، وهي مكة المكرمة وما حولها، مما هو محدود بدائرة الحل، والأصح أن هذا شرط وليس واجباً.
سنن الحج
وسنن الحج كثرة، وهي أمور إذا فعلها الإنسان أجر، وأثيب عليها، وإن تركها، لم يفسد حجه، ولم يجب عليه فدية، وإن كان قد أساء إن تركها بغير عذر.
وهي على نوعين، كالواجبات والشروط، بعضها مستقل بنفسه، وبعضها تابع لغيره، من الشروط والأركان والواجبات.
السنن المستقلة بنفسها، وهي:
ا - طواف القدوم:
وهو طواف سبعة أشواط حول الكعبة، عند دخول الحاج مكة، وذلك في حق الآفاقي المفرد والقارن فقط، أما المتمتع فليس عليه طواف قدوم، بل طواف العمرة فقط، وكذلك سكان مكة ومنطقة الحل، فإنهم لا يطوفون للقدوم.
ب - حضور خطب الإمام الثلاث: الأولى يوم السابع من ذي الحجة، بعد صلاة الظهر بمكة، والثانية يوم عرفة قبل صلاة الظهر بعرفة، والثالثة يوم الحادي عشر من ذي الحجة بعد صلاة الظهر بمنى، وذلك للاستماع إلى أحكام الحج ومناسكه.
ج - المبيت بمنى ليلة عرفة: وهي مساء اليوم الثامن من ذي الحجة - يوم التروية - بحيث يخرج الحاج من مكة بعد صلاة الفجر من يوم التروية إلى منى، فيصلي فيها الأوقات الخمسة (الظهر - العصر - المغرب - العشاء - الفجر) ثم يخرج منها إلى عرفة بعد أن يصلي الفجر في منى.
د - المبيت بمزدلفة ليلة يوم النحر: وذلك بالنزول إليها من عرفة والمبيت فيها إلى ما بعد صلاة الفجر، وحتى الإسفار، وهو قرب شروق الشمس، وأما الوقوف بمزدلفة بعد الفجر إلى قرب طلوع الشمس من هذا اليوم فهو واجب لا سنة كما تقدم، ويعفى من المبيت بمزدلفة، ومن الوقوف فيه إلى ما بعد الفجر، من كان معه نساء يشق عليهن المبيت فيها، فإن له أن ينزل بهن إلى الرمي، ثم إلى مكة بعد منتصف الليل، وكذلك المريض.
هـ - المبيت بمنى ليالي أيام التشريق: وهي الليلة التي تلي يوم النحر، والليلتان اللتان تليها.
و - التحصيب: وهو النزول بوادي المحصب عند الدفع من منى إلى مكة في نهاية أيام التشريق، ولو ساعة، وهو وادٍ في مدخل مكة من جهة منى.
- أما السنن التابعة لغيرها من أركان وشروط وواجبات، فهي كثيرة يصعب حصرها في باب مجمل كهذا، وربما تقدمت الإشارة إلى الكثير منها عند بيان أفعال الحج بحسب الترتيب الزماني.
أنواع الحج
أجمع الفقهاء على أن الحج على ثلاثة أنواع: إفراد، وقران، وتمتع.
أما الإفراد:
فهو نية الحج وحده عند الإحرام، ولا يغيّر من وصفه هذا الإحرام بالعمرة بعد انقضاء أفعال الحج.
والقران:
هو نية الحج والعمرة معاً عند الإحرام.
وأما التمتع:
فهو نية العمرة فقط عند الإحرام، وبعد الإتيان بأفعال العمرة في أشهر الحج، يتحلل المحرم، ويبقى في مكة، ويحل له ما حرم عليه بالإحرام، ثم يُحرم بالحج من مكانه دون أن يلزمه الخروج إلى الميقات، وربما كان ذلك يوم التروية.
هذا، والقران هو أفضل أنواع الحج عند الحنفية، ويليه في الفضل التمتع، ثم الإفراد،
والمفرد لا يلزمه من أفعال العمرة شيء، وإنما أفعال الحج فقط وقد تقدمت كلها، وسوف يأتي ترتيب زماني لها فيما يلي.
وأما القارن، فإن عليه أن يقوم بأفعال الحج والعمرة معاً قبل تحلله.
وأما المتمتع، فإن عليه أن يقوم بأفعال العمرة في أشهر الحج أولا، ثم التحلل من الإحرام بالكلية، ثم نيَّة الحج والقيام بأفعاله بعد ذلك في العام نفسه.
ولا بد من الإشارة في هذا المقام، إلى أن بعض المؤلفين في الحج وأحكامه وقع في خطأ شنيع عندما ذكر أن علماء أهل السنة والجماعة متفقون على عدم القول بحج التمتع، فقد وقع في يدي كتاب باسم (الحج: مناسكه وواجباته وفقاً لآراء الإمام الخميني). ودون ذكر اسم مؤلفه، جاء فيه ما يلي: « ولا بأس من الإشارة هنا إلى حج التمتع الذي يجمع عليه فقهاء مدرسة أهل البيت، ولا يقول به علماء أهل السنة والجماعة » والحقيقة أن أهل السنة والجماعة مجمعون بمذاهبهم كلها على القول بحج التمتع، بل إن بعضا منهم قالوا بأنه أفضل من القران والإفراد، وقد كتبت في ذلك مقالاً مسهباً أوسعت فيه القول في هذا الموضوع مع الأدلة والنصوص الفقهية القاطعة فلينتبه إليه.
هذا، والمفرد - كما ذكرنا آنفاً - لا يلزمه دم الهدي يوم النحر، فإن أهدى أجر على ذلك، بخلاف القارن والمتمتع، فإن عليهما الهدي أيام
العيد، وهو ذبح شاة، أو بدنة، أو بقرة، ويكفيه في الجمل والبقرة السُّبُعُ، حيث يكفي كل منهما عن سبعة حجاج، بخلاف الشاة، فإنها لا تكفي عن أكثر من واحد.
***
أفعال الحج بحسب الترتيب الزماني
سأبين في هذا المسرد أفعال الحج: « أركانه، وشروطه، وواجباته، وأهم سننه » مرتبة حسب زمانها، وفقاً لما يقوم به الحاج المفرد، وسوف أشير إلى الفروق التي يجب أن يلاحظها القارن بالنظر لنيته العمرة مع الحج، أما المتمتع فانه كالمفرد تماماً من حين نيته الحج، وعليه ما عليه تماماً، بالإضافة إلى أفعال العمرة السابقة على نية الحج، والتي سأخصها بباب مستقل إن شاء الله تعالى.
1 - الإحرام من الميقات، وهو نية الحج فقط إن كان الحاج مفرداً، نيةً مقرونة بالتلبية ولو مرة واحدة بصوت مسموع، ورفع الصوت بالتلبية هنا مطلوب، ويؤجر عليه الحاج إذا كان رجلاً، أما المرأة فلا ترفع صوتها، والنية تكون في القلب مع ذكر التلبية باللسان، فلو صرَّح بالنية بلسانه أيضاً، كان حسنا، ويقول: (اللهم إني أريد الحج فيسِّره لي، وتقبَّله مني، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
فإن كان قارناً قال: (اللهم إني أريد الحج والعمرة...) وإن كان متمتعاً قال: (اللهم إني أريد العمرة...). كل ذلك بعد التهيؤ للإحرام؛ بخلع الثياب المخيطة، ولبس الإزار والرداء للرجال، وكشف الوجه فقط للنساء، والاغتسال إن أمكن وإلا فالوضوء، وتقليم الأظفار، والحائض والنفساء تغتسلان أو تتوضآن أيضاً، لأن الغسل هنا للنظافة لا للطهارة، كما يسن إزالة العانة، وشعر الإبط، وحلق الرأس أو تنظيفه وتنظيمه، ثم صلاة ركعتين في غير وقت مكروه، ينوىِ بعدهما النسك ويلبي، سوى الحائض والنفساء فلا صلاة عليهما، وبذلك يكون قد بدأ أعمال الحج، وحَرُمَ عليه كل ما يَحْرُم على المُحْرِم مما تقدم، من جماع، وحلق، وصيد، ولبس مخيط، وما إليه... ويُكثر التلبية بصوت عال، كلما علا جبلاً، أو هبط وادياً، أو لقي صديقاً... فإنها سنة، ويستمر كذلك حتى يرمي جمرة العقبة في اليوم الأول من عيد الأضحى، وبعد ذلك يقطع التلبية.
2 - الاغتسال عند دخول مكة، إن أمكن، وذلك للنظافة فقط.
3 - التوجه فور دخول مكة إلى الكعبة للطواف بها، وهو طواف القدوم، إن كان آفاقياً - كما تقدم -، ومن السنة أن يقدمه على استئجار البيت إن أمكن، وعلى الصلاة كذلك، إلا أن يخاف فوات الصلاة المكتوبة، أو الوتر، فإن خاف ذلك، يبدأ بالصلاة، هذا وتحية البيت الحرام الطوافُ بدلاً من الصلاة.
ويبدأ طوافه من الحجر الأسود مكبراً مهللاً، رافعاً يديه لاستلامه وتقبيله إن أمكن، وإلا أشار إليه بباطن كفيه ثم قبلهما، ويفعل ذلك في كل شوط، ويسن في هذا الطواف الاضطباع، وهو كشف الكتف اليمنى، ويفعل ذلك في كل طواف بعده سعي فقط.
ويسن للطائف أن يذكر الله تعالى في طوافه، فإن قرأ القرآن أو غيره جاز. كما يسن الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وهو المشي السريع مع هز الأكتاف، ويسن استلام الركن اليماني بيده في كل شوط دون تقبيل إن أمكنه ذلك، وهو الزاوية الجنوبية الغربية من البيت، ثم صلاة ركعتين إثر انتهاء الأشواط السبعة، ومن السنة أن تكون في مقام إبراهيم إن أمكن، وإلا ففي أي مكان من الحرم.
ثم يلتزم الملتَزَم، وهو أدنى باب الكعبة بينه وبين الحجر الأسود، ويدعو عنده، ويشرب من ماء زمزم إن أمكن ذلك، وهذه كلها سنة.
وكل هذا الذي مَرَ إنما هو للمفرد بالحج،
فإن كان متمتعاً، طاف للعمرة بدل طواف القدوم، وهو - أي طواف العمرة - في الأحكام والكيفية مثل طواف القدوم تماماً في أحكامه، ثم سعى للعمرة، ثم حلق أو قصر، وتحلل ولبس ثيابه، وانتظر حتى الإحرام بالحج بعد ذلك، وليس عليه طواف قدوم.
وإن كان قارناً طاف للعمرة ثم سعى لها، ولم يحلق ولم يتحلل، ثم طاف للقدوم ندباً، ثم سعى للحج إن شاء كما يفعل المفرد، ثم لم يتحلل من إحرامه حتى نهاية أفعال الحج كالمفرد، سواء بسواء.
4 - السعي بين الصفا والمروة: فإذا أراد الحاج أن يسعى سعي الحج إثر طواف القدوم، جاز، وإن أخره إلى ما بعد طواف الزيارة (أي طواف الإفاضة) جاز أيضاً، هذا في حق المفرد والقارن، أما المتمتع، فإنه يسعى للعمرة فقط، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ويتحلل، كما ذكرنا آنفاً.
فإن أراد المفرد، أو القارن، تقديم السعي هنا، استلم الحجر الأسود، وكبر وهلل، وخرج من باب الصفا ندباً، فصعد إلى الصفا، واتجه نحو الكعبة، وكبَّر وهلَّل، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، بصوت مرتفع، ودعا بما شاء، ثم مشى نحو المروة، وصعد عليها، وفعل مثلما فعل على الصفا، ثم عاد إلى الصفا، وهكذا سبع مرات، الذهاب مرة، والعودة مرة ثانية. وعليه أن يهرول بين الميلين الأخضرين، وهما ميلان في الطريق بين الصفا والمروة، والهرولة هي المشية السريعة، وهي فوق الرمل ودون العدو (الركض)، وهذا للرجال فقط دون النساء.
ثم يسكن مكة ويبقى فيها محرماً حتى يخرج إلى منى يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة، فإذا أراد الطواف بالبيت تطوعاً، طاف ما شاء الله له ذلك، وصلى في الحرم وخارجه ما شاء الله له ذلك أيضاً، والطواف بالكعبة في حق الحاج أفضل من الصلاة في الحرم، مع أن الصلاة في الحرم تعادل ألف صلاة في غيره، وربما أكثر من ذلك كما ثبت في الأحاديث النبوية الشريفة، فليحرص على الطواف من أحب التزود من الطاعة والثواب.
ه - فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة، حضر خطبة الإمام بعد صلاة الطهر بمكة، للتعليم والتذكير بأفعال الحج القادمة.
6 - فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية، صلى صلاة الفجر في مكة، ثمِ غادرها إلى منى، وصلى فيها خمس صلوات، هذا إذا كان مفرِداً أو قارناَ، فإن كان متمتعاً، أحرم بالحج من مكة بعد خلع ثيابه، وفعل ما يلزم للإحرام مما تقدم بيانه، ثم غادر مكة إلى منى مع الناس لإتمام أفعال الحج كالمفرد.
7 - فإن كان اليوم التاسع من ذي الحجة، غادر منى بعد أداء صلاة الفجر فيها إلى عرفات، وبقي فيها حتى الزوال (قبيل الظهر).
8 - فإذا زالت الشمس، دخل مسجد نمرة، إن أمكنه ذلك، وهو مسجد على طرف عرفات وليس منها في الأصل، إلا انه الآن بعد توسيعه أصبح جزء منه في عرفات، فاستمع إلى خطبة الإمام، ثم صلى معه الظهر والعصر جمعاً جمع تقديم، ثم خرج من المسجد إلى عرفة ثانية، وبقي فيها داعياً وذاكراً حتى غروب الشمس، فإذا غربت انتظر قليلاً، ثم دفع مع الناس إلى مزدلفة دون أن يشتغل بصلاة المغرب، فإن محلها مزدلفة مع صلاة العشاء جمع تأخير وجوباً، فإذا وصل مزدلفة، صلى فيها صلاة المغرب والعشاء جمعا، جماعة أو منفرداً، ثم أقام ليلته فيها ذاكراً وداعياً ومصلياً... فإذا طلع الفجر، صلى صلاة الفجر غلساً، ثم قدم إلى المشعر الحرام في مزدلفة، ودعا عنده بما شاء الله حتى الإسفار « قرب طلوع الشمس »، ثم دفع مع الناس إلى منى، ورمى جمرة العقبة بسبع حصيات، وهي الجمرة التي تلي مكة (الجمرة الكبرى)، ووقت هذا الرمي من طلوع الفجر من يوم النحر إلى طلوع فجر اليوم الثاني من أيام النحر، والأفضل أن يكون الرمي قبل غروب شمس يوم النحر، إن أمكن، وإلا فلا كراهة، ولهذا فإنه لا داعي للاستعجال بالرمي إذا كان المكان مزدحماً.
9 - فإذا عاد من رمي جمرة العقبة، ذبح هديه إن كان قارناً أو متمتعاً، فإن كان
مفرداً لم يذبح شيئاً على سبيل الوجوب، فإن ذبح هدياً تطوعاً أَجر على ذلك إن شاء الله
تعالى، فإن عجز القارن أو المتمتع عن الهدي صام ثلاثة أيام في الحج (آخرها يوم عرفة)، وسبعة أيام بعد أيام التشريق في أي مكان كان، بدلاً من الهدي.
10 - حلق شعر الرأس أو تقصيره، فإذا فعل ذلك تحلل من إحرامه كله، وحل له ما يحل لغير المحرم، ولم يَحرم عليه سوى إتيان النساء، فإنه لا يحل له حتى يطوف طواف الزيارة (طواف الإفاضة).
11 - طواف الزيارة، وهو طواف الركن، ويسمى طواف الحج، وطواف الإفاضة أيضاً، وهو سبعة أشواط بعدها ركعتان، ولهذا كان على الحاج بعد رمي جمرة العقبة النزول إلى مكة لأداء طواف الزيارة، وهو سبعة أشواط كما ذكرنا، فإن أخَّره إلى اليوم الثاني أو الثالث جاز، على أن لا يتأخر عن غروب شمس اليوم الثالث من أيام النحر، فإن تأخر عنه لغير عذر لزمه دَمٌ فديةً، وان تأخر عنه لعذر، فلا شيء عليه، كالحائض، والنفساء، والمريض.
وبعد الطواف هذا يسعى الحاج سعي الحج إن لم يكن قد سعى له بعد طواف القدوم، فإن كان قد سعى له بعد طواف القدوم فقد كفاه، فإن انتهى من طواف الزيارة والسعي للحج على ما ذكرناه، حل من إحرامه تماماً، وحل له كل شيء كان مُحَرَّماً عليه بالإحرام حتى النساء، ثم يعود إلى منى للمبيت فيها.
12 - وفي اليوم الثاني من أيام النحر، يَحْضُر خطبة الإمام بمنى بعد صلاة الظهر، ثم يذهب لرمي الجمار، وهي ثلاث في هذا اليوم، يبدأ بها بعد الزوال، ووقتها مستمر إلى طلوع فجر اليوم الذي يليه، فيبدأ بالأولى مما يلي منى ثم الثانية، ثم الثالثة، ويرمي في كل منها سبع حصيات، ويقف بعدها عند الجمرة برهة للدعاء، إلا جمرة العقبة وهي الثالثة والأخيرة، فإنه لا يقف بعدها.
13 - وفي اليوم الثالث من أيام النحر، ينطلق بعد الزوال إلى الجمرات الثلاث، كما في اليوم الثاني، فيرمي في كلٍ منها سبعاً، ووقتها مستمر أيضاً إلى طلوع فجر اليوم الذي يليه، ثم ينزل إلى مكة، ويطوف طواف الزيارة (طواف الإفاضة) إن لم يكن قد طافه من قبل، وبهذا تكون أعمال حجه قد انتهت، وإن شاء بقي في منى إلى اليوم الرابع، أو عاد إليها إن كان قد غادرها للطواف، ورمى الجمرات الثلاث كما فعل في اليوم السابق عليه بعد الزوال، (وإن شاء أن يرميها في هذا اليوم قبل الزوال جاز)، والأول أفضل، ثم ينزل إلى مكة، قال تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فَلا إثمَ عليه وَمَن تأخر فَلا إِثمَ عليهِ لِمَنِ اَتَّقى} (1).
فإذا مكث في اليوم الثالث في منى حتى غروب شمسه، فقد لزمه البقاء والرمي في اليوم الرابع قبل غروب شمسه.
14 - طواف الصَّدَر (الوداع): وهو سبعة أشواط بالكعبة الشريفة، بعدها ركعتان، وذلك عندما يريد السفر والعودة إلى بلده، هذا إذا كان آفاقياً، فإن كان مكياً أو من سكان الحل لم يلزمه هذا الطواف، وكذلك الحائض والنفساء، فإنه لا يجب عليهما هذا الطواف للعذر تخفيفاً من الله تعالى، إلا أن يطهرا قبل مغادرة مكة، فعليهما الطواف حينئذ لزوال العذر.
حكم ترك الحاج أمرا من أمور الحج أو العمرة، ركنا كان المتروك أو شرطا أو واجبا أو سنة
إذا ترك الحاج أمرا من أمور الحج؛ فإن الحكم يختلف باختلاف الأمر المتروك على، التفصيل التالي:
أولا) إذا ترك الحاج فرضا من فروض الحج، شرطا كان أو ركنا، فهو كما يلي:
آ - إذا ترك الحاج الإحرام (نية الحج) لم يصح حجه، لأن الحج عبادة، فلا تصح إلا بالنية، كالصلاة، وسواء في ذلك أن يتركها عمدا أو نسيانا، هذا ما لم يمكن تداركه، أما إن أمكن تداركه، كأن جاوز الميقات بغير إحرام ولم يقف بعد بعرفة، فانه يعود إلى الميقات للإحرام من جديد، أو يحرم من مكانه ويفدي بشاة.
ب - إذا ترك الوقوف بعرفة، فإن حجه يبطل أيضا، ما لم يمكن تداركه قبل خروج وقته، وهو طلوع فجر يوم النحر، فإن تداركه، بأن دخل عرفة في الوقت المشار إليه، صح حجه.
ج - فإذا ترك طواف الزيارة (طواف الركن)، لم يصح حجه، ويبقى على إحرامه حتى يؤديه، فإن أداه في أي وقت صح حجه، ولا يصح إلا بذلك، سواء كان تركه لعذر أو غير عذر، ولا شيء عليه من الفداء.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه إذا أجله إلى ما بعد الأيام الثلاثة للنحر بغير عذر لزمه أداؤه والفداء بدم، فإن أجله لعذر، كالحيض، يطوف بعد انقضاء العذر، ولاشيء عليه من الفداء.
إلا إن المرأة إذا حاضت قبل طواف الزيارة، واضطرت للرحيل عن مكة مع رفقتها، فإن لها أن تطوف للزيارة مع حيضها بعد أن تتلجم، ثم تفدي ذلك بذبح بدنة في منطقة الحرم (ناقة أو جمل).
ثانيا) فإذا ترك الحاج واجبا من واجبات الحج، فإن الأصل أنه إن تركه لعذر كالمرض والحيض، لم يلزمه شيء، وحجه صحيح، كما إذا ترك المشي في الطواف للعذر، أو ترك الوقوف في المزدلفة لعذر...، إلا أن في الأمر بعض تفصيل، وليس على إطلاقه، ويجب الرجوع فيه إلى الكتب المطولة.
ثالثا) فإذا ترك الحاج واحدة أو أكثر من سنن الحج، كالمبيت بمنى في ليالي التشريق مثلا، فإن كان تركها لعذر، فلا شيء عليه، وحجه صحيح، وإن
تركها لغير عذر، فانه لا شيء عليه، وحجه صحيح أيضا، ولكنه ارتكب إساءة، وحُرِم من كثير من الثواب الذي وعد الله تعالى به أهل الحج المبرور.