العاشره مساءًا

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة السادسة عشر..

( عربدة الطغيان وبداية الغليان )

اليوم رجعت إلى الكلية وأخذت في تسجيل مواد الفصل القادم .

كنت أنكر بقلبي كل شيئ أراه ! رجع إلي شعوري كما لو كنت أول مرة أطأ فيها هذه الأرض .

كنت أمقت الكثير من الأشياء هنا ، العري والاختلاط ،المصالح المقدسة ، النفاق السياسي في التعامل مع قضايا المسلمين .

كنت أرتدي شماغا فلسطينيا أهدانيه أخي نزار قبل مجيئي إلى هنا وكنت ألفه على رقبتي فقط .

رآني أحد الطلاب فطلب مني أن أنزعه سألته لماذا فقال :

إنه شعار عنصري !! علمت فيما بعد بأصوله اليهودية وتيقنت أن هذا الشماغ كان يمثل رعبا حقيقيا له ، آآه ما أجبن اليهود لو كان فينا رجال.

في كل يوم كانت كراهيتي لهذا المكان تزداد يوما بعد يوم ،كنت أتابع الأخبار والأحداث فلا أرى إلا القتل والظلم والطغيان .

حتى جاءت الفاجعة التي هزت العالم !! إنه مقتل الشيخ أحمد ياسين .

سمعت سيلين بعض الطلاب وهم يتحدثون عنه فسألت شاهد :

- من هذا الشيخ ؟

- إنه مؤسس المقاومة الاسلامية في فلسطين ضد الاحتلال .

سجين لأكثر من خمسة عشر عاما !! مقعد على الكرسي مشلول الأطراف لا يتحرك منه سوى رأسه .

لكنه كان الزعيم الروحي والوقود الإيماني لهذه المقاومة.

إنه شيخ وقور يشع النور من وجهه ،يرتاح إليه كل من يراه ، لكنه صلب عنيد أمام الأعداء ، لقد أحيا الأمل في المسلمين بعد سنوات من الذل والمهانة، كنا نعلم أنه سيموت شهيدا لكننا فجعنا بطريقة الاغتيال .


- يعرفه فارس ؟

- يعرفه كل مسلم ولا أبالغ !! كل من مات في سبيل مبادئه سيحيا ذكره بين الناس .

- أشعر بالرغبة في معرفة المزيد عن هذا الرجل .

- ابحثي عنه في مواقع الشبكة العنكبوتية وستجدين الكثير .

- حقا شكرا لك .


كدت أن ألملم جراحي لولا أن مقتل الشيخ بعثرها من جديد .

ألقيت خطبة الجمعة عن ذلك الرجل !، كنت أحكي عن معاناتنا بحرقه ، فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة .

كانت سيلين مع النساء وقد حضر الخطبة جمع من الطلاب غير المسلمين ،
بعد الصلاة تجمعنا في مسيرة سلمية للتنديد بالحادث ، خمسة وعشرون يوما هي زمن الجرح النازف والذي تفجر من جديد باغتيال المجاهد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي .قبل أن تهدأ النفوس ويرقأ دمع العيون.

أحسست أن الأرض غير الأرض !، والناس غير الناس .

كنت أتصل بوالدتي باستمرار علمت منها أنهم اعتقلوا الكثير من الناس منهم أصحاب لي وجيران ، لم يكن سلاحهم الوحيد سوى الحجارة !!

وفاء لم تعد تخرج مع أمي لقطف الزيتون .. وحينما سألتها عن ذلك في الهاتف قالت :

- إنهم يستفزون الفتيات عند الحواجز،
إنهم يفتشوننا بطريقة غير مهذبة !! ويلقون علينا الشتائم الفاضحة ، لقد طفح كيلي يا فارس !!

أشعر أن باطن الأرض خير من ظهرها .

رحماك يارب !! ماذا تقولين يا وفاء ؟ إنني رجل !! وشهامة الرجال تأبى علي أن أتحمل مثل هذا .

بكيت يومها كثيرا وأنا أتصفح الأخبار وأرى الجثث ولأشلاء في مخيم جنين لم تهنأ حتى بالقبور ..

قتلوا الطفل في مهده ! والشيخ وعصاه بيده ! والعجوز التي اختبأت خلف جدار بيتها .

لقد بدأت يومها أفكر بأفكار غريبة ، لم أعد أرغب في إكمال دراستي .. أتمنى العودة إلى بلادي لأنتقم من القتلة بأية طريقة كانت .

كنت أتحدث إلى طاهر وأشكو إليه حالي ، قلت له بصراحة :

- إنني مللت من الحياة .. بل فقدت طعمها الحقيقي .

حاول طاهر أن يخفف من حدة توتري ، وقرر أن يزيد من مكافأتي لكن ذلك لم يغير من أفكاري شيئا .

بعد تسعة أشهر من عودتي قررت أن أعود ثانية .. لكن كيف أقنع أهلي بذلك ؟

حدثت خالتي عن رغبتي في الزواج والتي طارت فرحا وقالت لوالدتي التي بدأت بالبحث عن فتاة ربما من ذلك اليوم .

أرادوها هم أن تكون جامعية وأن تعود معي لإكمال دراستي .
اقتنع الجميع بهذه الفكرة ..

أخبرت زملائي بعزمي ففرحوا جميعا وشجعوني على ذلك .
الحلقة السابعة عشر.


( بل سأعود .)

اليوم كنت في مطعم الجامعة لم أشعر إلا بسيلين تقف بجواري ..

- كيف الحال؟ ما الأخبار السعيدة التي سمعناها !؟

- ماذا سمعت؟

- سمعت أنك ستعود لبلادك لتتزوج .

- هذا صحيح .

قلتها وأنا أحمل فنجان قهوتي وأجلس على إحدى الطاولات بينما تبعتني وجلست ..

- وهل أكملت الترتيبات لذلك ؟

- ربما أكملها هناك .

- أتمنى لك السعادة وأن تعود إلى هنا بخير ..

- ربما لا أعود .!

- ماذا ؟؟

- لدي مشروع خاص أستطيع إنجازه هناك !! يغنيني عن العمل والدراسة معا .

- ودراستك ؟؟

- لم يعد لها قيمة !! إن لم أحصل على الجنسية وأعمل بها عندكم فلن أعمل بها في أي مكان آخر ،لكي أكون إنسانا علي أن أستظل بظلكم وإلا فلن أكون .

نظرت إلي سيلين بتعجب وقالت :

- تبدو ثائرا اليوم !!

- بل كل يوم !!

- ولماذا لم تفكر في مشروعك هذا قبل أن تأتي إلى هنا ؟!!

- الأحداث تغيرت وثلاث سنوات كفيلة بأن تقلب المشاريع الخاصة بكل إنسان رأسا على عقب .

- بالنسبة لي، يكفي أنني عرفتك !! فهل ستتركنا بعد أن أحببناك ؟

- ربما نلتقي يوما ما !! عاجلا أم آجلا ..

- أنت جاد فيما تقول ؟

- بكل تأكيد !!

بدا الحزن عليها وأطرقت قليلا ثم قالت :

- أيمكنني أن أبوح لك بشيء ؟

- تفضلي !
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
- ربما لا تعلم أني أحببتك وأن حياتي قد تغيرت بسببك ، وربما تعلم ذلك لكنك تتعمد تجاهله ..

أقدّر أنك عربي مسلم لا ترغب في مثلي .. لكني أتمنى إن كان الإسلام خيرا أن ينشرح قلبي له ، كنت أحاول إقناع نفسي بالبعد عنك خصوصا أنك ستسعد بذلك ، لكني لم أستطع !!

أحتاجك كأخ !! أنا أقدس المشاعر وأحترمها كثيرا ، لذا فإني أتمنى لك السعادة مع من يهواها قلبك .

أتمنى أن لا تنقطع أخبارك !! وأن تجد الوقت الكافي لقراءة البريد والرد عليه !..

كانت تتحدث بحزن وعيناها تترقرق بالدموع .

كلماتها أوجعت قلبي ..ماذا تقول هذه الفتاة؟

أتظن أني بلا مشاعر !! أقسم بربي لولا مخافة الله لأحرق ما بي من الشوق ما تحت قدميها .. لكني لست من يرضي هواه على حساب آخرته ..كيف سأجاهد اليهود إن لم أجاهد هواي ؟

ساد الصمت بيننا قليلا ثم قلت :

- سيلين ! أنا لست ساذجا كي لا أفهم مشاعرك ، أو أقرأ رسائل عينيك التي كنت أراها من بعيد !!

لكني لم أشأ أن امضي في طريق أعلم أنه لن يطول !..

إن اقتراني بك هو ظلم لك وإساءة ليس لها مثيل !! ولهذا فإني أعرض عنك رحمة بك .

أطرقت رأسها بخجل وقالت :

- ولماذا ؟

- كيف ستتركين هذه البلاد الرائعة وتعودين معي إلى الحرب والجحيم !!

هل ستتحملين الحياة هناك في ظل الجوع والحصار والحرمان من أبسط حقوق الأحياء !!

أنت فتاة حالمه رقيقة ، لا يمكن أن تتخيلي ما يحدث هناك .

سكتنا قليلا ثم قلت :

- أعترف بإعجابي بك وبأخلاقك العاليه .

لكني أمنع نفسي من التعبير عن ذلك بالطريقة التي تعودتم عليها لاعتبارات دينية ألتزم بها ..

على كل حال الأيام كفيلة بأن توجد لك البديل المناسب ،لكني أتمنى أن تجتهدي في معرفة الإسلام ،الذي أجزم أنك لو اهتديت إليه فستجدين السعادة الكاملة ..

المركز الإسلامي مفتوح طوال العام وسيقدم الإخوة والأخوات لك هناك كل ما تريدبن معرفته .

لم تعلق سيلين على كلامي !! بل حاولت تغيير الموضوع فقالت وهي تبتسم :

- ومن سعيدة الحظ هذه هل هي من قرابتك !؟

- لا ليس تماما !!

- اختارتها والدتك ؟

- تقريبا !!

- ما اسمها ؟!

- اسم لا تعرفين معناه ( حورية ) تعني نساء الجنة ..

سكتت قليلا وهي تبدو ساهمة وكأنها تفكر في أمر ما !! ثم قالت وهي تنزع معطفها :

- اسم جميل .


لا أدري لم فعلت ذلك فالجو بارد وحينما خلعت معطفها لم تكن ترتدي تحته سوى قطعة صغيرة بلا أكمام ويبدو منها بعض صدرها وجسدها .!

أنزلت رأسي وقلت بهدوء :

- سيلين !!

- ماذا ..؟

- البسي معطفك من فضلك !!

- الجو هنا حار ولا أحتمل هذا المعطف الثقيل ما دمنا في الداخل !!

لا أدري من أين جاءتها هذه الحرارة إلا أن تكون حرارة الغيرة أو الغضب ..

أم أنها أرادت أن تجرب معي أسلوبا آخر بعد أن رأت مني بعض اللطف !!

أعتقد انني أمام امتحان للثبات وسأثبت جدارتي بإذن الله .
قلت بعصبية :

- إذا أستأذن !!

- ما بك ؟ أنت تحدث المعطف أم تحدثني ؟

- أنا لا أجلس مع فتاة لا تلبس إلا هذا !!

- لكن الجميع هنا يلبس مثلي .. أنظر من حولك !!

- قلت لك أنك مختلفة !! كما وأني لا أتحدث إليهن ، لو لم يكن أمرك يعنيني ما طلبت منك ذلك .

لبست معطفها على مضض وهي تقول :

- شكرا!! لكني لست صغيرة أو مراهقة أحتاج إلى تعليمات .

أجبتها على الفور :

- أنت حرة !! افعلي ما تشائين !! لكني لن أجلس معك وأنت بملابس فاضحه .

ضحكت وقالت :

- أتسمي هذه فاضحه ؟ كم أنت غيور !!

شعرت بالدم يثور في عروقي وقلت :

- أوه !! هذا يكفي !! لابد أن أنصرف .

قمت بسرعة وتركتها تنظر إلي بتعجب !!

رجعت إلى البيت فصليت ركعتين ثم استلقيت على فراشي .

لا أدري ما بي هذه الليلة ؟ كل شيء عاد يمر بمخيلتي ببطء .

تذكرت منظر وداد وهي تصارع الموت !! لم أستطع أن أنزع خمارها إلا بمقص !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
أخذت أقارن بينها وبين هذه التي
كانت معي اليوم !! كيف ألقت معطفها بكل سهولة أمام ناظري ،حقا إن الإسلام نعمة عظيمة .

يا إلهي أحداث كثيرة تتصارع في مخيلتي، نسيت معها نفسي،

إنني هنا في المكان الخاطئ !! لا بد أن أصحح مساري ، فالحياة لا تحتمل إضاعة الوقت .

أخذت أفكر وأفكر حتى أجهدني التعب واستسلمت للنوم.

(رأيت نفسي هناك .. أتسلق شجرة من أشجار الزيتون المعمرة ، لكني كنت أسقط في كل مرة !!
كررت المحاولة حتى نجحت ، وفجأة أحسست أن شيئا ما يعلق بحذائي وأسفل ثيابي !!
يا إلهي !! إنها حشرات صغيرة .. هززت رجلي لأتخلص منها لكنها تشبثت بي أكثر وأكثر !ّ

ضربت رجلي بجذع الشجرة بقوة فتساقطت الحشرات من حولي..نظرت إلى الفضاء الواسع فرأيت السماء تلمع في وسط النهار !! رأيت طيورا جميلة تحط على الأغصان قريبا مني ..لكن أحد الأغصان انكسر فتفرقت الطيور من حولي .)


استيقظت من نومي فزعا لكنني لشدة التعب عاودت النوم مرة أخرى !!
الحلقة الثامنة عشر

( وداعا سيلين )

في الصباح اتصلت بوالدتي وعلمت منها أن محمود الابن الأكبر لخالي قد طلب يد وفاء .

وأنها ستغادر لتعيش معهم هناك،خصوصا أنها لم تعد تخرج من البيت ولم تعد تحتمل البقاء .

فرحت كثيرا لمحمود وفرحت أيضا لوفاء.

بدأت أرتب لسفري الأخير .. وفي يوم الجمعة ودعت الزملاء في الكلية،وأعطيت لطاهر ورقة فيها كل ما يخص عملي عنده ،قال لي :

- مابك يارجل ؟ ستعود إن شاء الله بزوجك !،

وربما نجد لها عملا أيضا .

- أخشى أن اصاب بمكروه فيبقى في ذمتي شيء.

- لا مكروه إن شاء الله بل كل خير .

اتفقت معهم أن أراهم قبل سفري بيومين ..

عندما عدت إلى البيت وجدت رسالة من سيلين تطلب فيها الاتصال للضرورة !!

اتصلت بها فطلبت أن تراني ، اعتذرت منها ولكنها أصرت !!

قالت :

- عندي لك شيء مهم للغاية ،إختر أي مكان تريده .

اتفقنا أن نلتقي وسط المدينة في مكان قريب من الجامعة وهو مقهى يرتاده الكثير هناك .

قلت في نفسي :

سأكون صريحا في دعوتها إلى الإسلام .. لعلها تكون من حسناتي وتنجو من النار .

عند الموعد كانت تنظرني هناك .

دخلت المقهى فأشارت إلي من مكانها عند إحدى الطاولات .

جلسنا فجاء النادل :

- ماذا تشرب ؟

- أي شيء غير الكحول .

- قهوة مثلا ؟

- لا بأس

- والآنسه ؟؟

- عصير برتقال .

كنت ساهيا مشغول البال.. فبادرت سيلين بقولها :

- فيم تفكر ؟!

- لا شيئ هموم الدنيا لا تنتهي.

- هل أستطيع مساعدتك ؟

- نعم وبكل جدارة .

- أنا جاهزة !! ماذا تريد ؟

- أريد أن تدخلي السرور على قلبي !.

اعتدلت في جلستها وقالت :

- وكيف ؟

قلت بصراحه :

- أن تفكري بجد بحالك مع الله !!

نظرت إلي ياستغراب وقالت :

- لم أفهم ؟

- سيلين أنت فتاة مثالية .. لم أستطع أن أجد فيك شيئا يجعلني أكرهك مع كل هذا الجو المنفتح الذي تعيشين فيه،

إنك بحق مختلفة !! رأيتك مرة تعتذرين من أحدهم حينما دعاك لحفلة راقصة، ورأيت نادل المطعم البغيض يهديك سيجارة فترفضينها .

كنت تكبرين في عيني يوما بعد يوم ، لكنك بعيدة عن الله !!

- أنا أؤمن بالله وأحبه !!

- هل تعرفت عليه بحق ؟هل سألت أي الأديان أحب إليه وأقرب إلى كماله وتنزيهه عن النقائص.؟

- إذا أنت تدعوني إلى دينك؟
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
- إنه ليس ديني !! إنه دين الإله الحق الذي يدعو إلى إفراده بالعبادة والطاعة في سائر شئون الحياة !!

إنني مشفق عليك يا سيلين .. أتمنى لك السعادة من كل قلبي ..

لأنني باختصار : أحبك !!!!!!!!!!!!


أطرقت رأسها بخجل وقالت :


- هل أسجل هذا اعترافا متأخرا منك !!

- سميه ما شئت ..

- لكن دينكم يحرم الحب ؟

- من قال ذلك ؟؟ بل إن ديننا يقدس الحب ويحترمه ولهذا فقد حرم العبث باسمه !!

الحب في الإسلام يرتبط بالمسئولية والإخلاص في رباط مقدس هو رباط الزوجية.

وما سوى ذلك فهو نوع من العبث لا يصلح .

- لكني أكره العنف الذي في الإسلام !!
- أي عنف ؟؟

- الجهاد مثلا !!

- هل تعرفين ماهو الجهاد ؟؟

- قرأت شيئا عن ذلك لكنه لم يعجبني .

- دعيني أسألك وأجيبي .

من قتل الأبرياء في اليابان؟ أليس أمريكا !!

من قتل الأبرياء في العراق وأفغانستان بجريرة غيرهم إن ثبت ذلك أيضا ؟؟ أليس أمريكا ؟؟

من اعتقل الآلاف حول العالم وعاملهم بوحشية تفوق وحشية النازية أليس هي كذلك !!

من اخترع القنابل الذكية والغبية والفراغية والعنقودية والنووية وقائمة الموت الطويلة ؟؟ أليس هي أيضا ؟؟


من الذي يحاصر الشعوب اقتصاديا ثم يلفق لها التهم ليغزو أرضها ويسرق نفطها ويحرمها أمنها وعافيتها !! ماذا تسمين هذا أليس عنفا ؟؟

- أنت محق !! لكني لا أؤيد هذا ولا ذاك !!

- لكنك لا تنسبين هذا العنف للنصرانية !! فلماذا ننسب العنف للإسلام إذا قاومنا العدوان !!

إننا في فلسطين مثلا إرهابيون لأننا نرمي دبابة بحجر !! أو نضع الإطارات المحروقة لنعرقل سير العربات المصفحة !!

أما إسرائيل فتملك مفاعلا نوويا تغض أمريكا عنه الطرف بدعوى حماية النفس !! وكأننا بلا أنفس !!

إنهم يروننا كالحشرات لا تستحق أن تعيش إلا في العفن !!

أو أن تسحق تحت الأقدام !!


ولكننا نحن الذين سنقرر كيف نموت وليس هم .

سكت وأنا مضطرب وتنهدت بعمق ثم قالت :

- ولهذا تفجرون أنفسكم وتنتحرون !!

قلت بعصبية :

- إنه فداء وليس انتحار !! إننا نحب الحياة !!

لكننا نحب الكرامة مع الحياة .. وبدونها فليس للحياة طعم يستحق أن نتذوقه ونبقى لأجله .

أتظنين أننا لو قدر لنا العيش بكرامة سنختار الموت ؟

أتظنين أنا بلا طموح وأمل وتفاؤل !!

ماذا يمكن أن ننتظر من شاب أو فتاة أهينت كرامته ونكل العدو به وحرم من أبسط حقوق الإنسان؟

يرى القتل بدم بارد أمام عينيه صبح مساء !!

يقهر ويحاصر ويجوع !! ويهدم بيته على رأسه !!

وإن نجا عاش في المخيمات كالقطط شريدا ..

تصادر مزرعته التي يقتات منها وقد أفنى عمره في إصلاحها ليبنى فيها بعد تجريفها مستوطنات لليهود !!


كنت متأثرا وأنا أتحدث معها .. أحسست أني سأبكي من القهر !! تماما كما رأيت الكثيرين يبكون قهرا في بلادي.


قلت لها بحزن :

- أرأيت شيخا غزت التجاعيد وجهه ودمعه يتحدر من عينيه ثم يقف شاهدا في ثنايا تجاعيده لا لشئ!! إلا لأن الزمن والذل والقهر لم يبق شيئا في يده سوى هذه الدمعات ؟


أتعرفين معنى أن تري دموع الرجال وهي تفيض !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
نظرت إلي بذهول وقالت :


- أكل هذا يحدث في بلادك ؟

- هذا بعض الحقيقة لا كلها .

سكتنا قليلا فحاولت أن تغير الموضوع فقالت :

- لم تشرب فنجانك ؟

- لا أريده !!

- أزعجتك بحديثي ؟

- لا أبدا !!

- سمعت أنك تحب فتاة هناك وأنها قتلت أهذا صحيح ؟

- نظرت إليها بتعجب وقلت :


- نعم !! إنها أطهر فتاة عرفتها في حياتي !!

لقد عدت إلى هناك لأراها تقتل أمام ناظري !!

حملتها إلى سيارة الإسعاف ودفنتها بيدي هناك .

- آسفة لما حصل لك !!


- لقد اغتالوا حلما جميلا كنت أحلم به ،لكنهم لن يغتالوا حلمي الأجمل إن شاء الله .

- وما هو ؟

- تنفيذ مشروعي بنجاح .

- تعتقد أنهم قد يفسدوه ؟

- ربما نعم وربما لا !!سأبذل جهدي ليتحقق حلمي بنجاحه .

- أرجو أن تخبرني لأبارك لك !!

- حتما ستعلمين !!

- وما طبيعة هذا المشروع المفاجئ ؟

- لو شرحت لك لن تستطيعي أن تفهمي.. نحن نملك ظروفا خيالية لا يمكن وصفها .

- أنا لا املك مساعدتك أيضا ؟

- ربما نعم !! أحتاج من يدعم قضيتي على مستوى بلادكم هنا.. إنكم تملكون مقومات التغيير .

- إذا مشروعك سياسي ؟

- مشروعي لن ينفصل عن ذاتي وقضيتي هي ذاتي !!

- بدأنا بالفلسفة !! لا أدري متى ستهتم بنفسك وتدع هذا الغليان ؟

- قريبا إن شاء الله !! سأذهب إلى بلادي وربما يسكن قلبي هناك !! وتتغير الأحوال .

- أنت مصمم على ذلك ؟

- دون أدنى شك !!

- حسنا أتمنى لك التوفيق ، وأشكرك على إجابة دعوتي ..

أعدك أيضا أن أفكر بجد فيما قلته عن الاسلام ، لكن بشرط

- ماذا ؟

- أن تقبل هديتي !! طقم من العطور لك ولزوجك

قالت ذلك وهي تضع علبة جميلة على الطاولة ..

- شكرا لك !! لكن هل تسمحي لي أن أبادلك الهدية ؟


- بكل سرور !!

- هذه ترجمة للقرآن الكريم احتفظي بها ..

تذكرك بشخص مشاكس إسمه فارس !!

مددت الترجمة لها واخذت الكيس منها وحينما رفعت عيني إليها رأيتها قد
أخذت تنظر إلي بحزن ولأول مرة أراها تتأملني بهذا الشكل !!

أشعر بالحرج من هذا !! تعمدت نداء النادل ليأخذ الأكواب فقالت :


- الجو هنا حار !! ما رأيك لنخرج في الهواء !!

قلت وأنا أبتسم "

- حسنا لئلا تنزعي معطفك أيضا !!

وقفت وقالت بعصبيه :

- ألهذه الدرجة تسوؤك رؤيتي ؟

- أنا لا أحب أن أرى أي فتاة ليست محرما لي !! وليس أنت فقط !! نحن في ديننا نعتقد أن هذا محرم لا يجوز فعله .. أرجو المعذره.

- تبدو ملتزما جدا بدينك !!

- الحمد لله ، هكذا أجد راحتي !..

خرجنا من المقهى وعندما مشينا قليلا قالت :

- ربما ستعود لبلادك بعد يومين وتفرح بزواجك هناك .. وتنسى هذه الديار خصوصا أنك لم تحبها ! لكني سأبقى هنا وسأفتقدك كثيرا !!


لا أدري لم أشعرتني كلماتها بالحزن !! يا لهذه الفتاة المسكينة !!

ما ذا وجدت في حتى تتعلق بي إلى هذه الدرجة ؟

ولم يهمها شأني ؟ حقا إن الحب أعمى !! بل مفقوء العينين أيضا !!

منذ عرفتها وأنا أحرص ان لا أسترسل معها بحديث أو لقاء ولا حتى بنظرات !!

لم يزدها ذلك إلا تعلقا !! ماذا أقول لها الآن؟


قلت بهدوء :

- أنا واثق بأن حياتك ستكون أفضل !! ولست قلقا على فتاة عاقلة مثلك .. فكري في العمل ، وفي الأسرة أيضا. فأنت تحتاجين إلى من يؤنس وحدتك ..

سكتت قليلا ثم قالت :


- إنها نصائح جيدة !!


قلت وأنا ألتفت إليها :

- أتسمحين لي أن أنصرف ؟

- لماذا أنت مستعجل !!

- الساعة متأخرة..وأنا متعب قليلا ،وغدا لدي عمل كثير .


- أعتذر لإزعاجك .. أتمنى أن أراك بخير دائما !!

- وداعا سيلين ..


قلتها وأنا أحمل الهدية التي أعطتني إياها ..


- إعتني بنفسكِ جيدا !!

مشيت خطوات باتجاه سيارتي بينما بقيت في مكانها تنظر إلي ولم تنطق حتى بكلمة ( وداعا )


كانت تؤشر بيدها لي لما ركبت سيارتي..

وحينما التفت رأيتها تنزل بيديها فتمسح بهما دمع عينيها ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة التاسعة عشر..

( وداعا إخواني )


في يوم السبت كان الجميع في إجازة ..

خالتي تعد معي حقائب السفر !،كانت دائما تمازحني حول عروسي المرتقبه !!

- يبدو أن والدتك لم تترك فتاة إلا نظرت إليها ، أتمنى أن يفرح قلبها قريبا إن شاء الله .

- إن شاء الله ( قلتها بتثاقل )

- سأجهز غرفتك بغرفة جديدة مزدوجة تليق بعروسين جميلين .

- لا يا خالة !! ربما أسكن في مكان آخر ،شكرا لك .

- ماذا ؟؟ مستحيل !! لقد جعلتك ابنا لي !! وسأجعلها كذلك بنتا !! ولعل الأمر لا يطول بكما فتنجبان صغيرا يملأ علي حياتي !!

- أحلامك عريضة يا خاله !! قلتها وأنا أبتسم ..

- وهل أمامي غيرها !! إنني أعوض فيك يابني سنوات عمري التي مضت.

- لكني يا خالة ربما أتأخر في العودة ، لا أدري كيف تكون الظروف !؟ وهل سأستطيع أن أجد لها قبولا هنا أم لا .

- الأمور ستسير بخير إن شاء الله .. قل خيرا يا بني تجده .

- إذا عديني أن لا تفعلي شيئا حتى أخبرك بقرب وصولي .

- لك ذلك إن شاء الله !.


خرجت في المساء للقاء طاهر في بيت شاهد وكانت تلك الليلة الأخيرة لي معهما .

منذ أن رآني شاهد قال:

- تبدو مسرورا اليوم ؟

- الحمد لله ..

- متى نذهب ونجيء مثلك !!

قال طاهر :

- لماذا لا تبقى معنا هنا شاهد ؟والداك متوفيان وإخوتك متفرقون ..

قال شاهد :

- وباكستان اليوم غير مستقرة !!

قلت معلقا على كلامهما :

- إذا الخيار ألأفضل هو البقاء..

رد شاهد :
- لكني مللت البقاء لوحدي ..

قال طاهر :
- لم لا تتزوج ؟


- ظروفي المادية بسيطه !! ثم من هي التي تناسبني هنا !!

- المال لا تحمل له هما .. أوظفك عندي .. أما الزوجة فنبحث لك عنها .

قلت وأنا أبتسم لشاهد :

- هي موجودة !! لكنها تحتاج إلى بعض الإصلاحات !!

قال شاهد بتعجب :

- أنت اليوم من يمزح يا فارس !!

- أبدا أنا جاد !! إنها سيلين !!

نظر إلي باستغراب وقال :

- من ؟؟

- ما بك ؟؟ إنها سيلين !!فتاة جميلة ورائعة وأخلاقها عاليه ..

لكنها نصرانية ، حدثتني عن رغبتها في الاسلام .. لعلك تكون سببا في إقناعها بذلك ..

قال شاهد بانفعال :

- سيلين تحبك أنت يا فارس ولن ترضى بي عوضا منك !!

تبسمت محاولا تخفيف توتره وقلت :

- هي لا تحبني بمعنى الحب يا رجل !!

إنها بحاجة إلى شخص ترتاح إليه وتضمن أنه لا يؤذيها !!

حدثتني عن ماضي والدتها ومعاقرتها للخمر وقالت أنها تكره الخمر والأصدقاء !.. إنها قريبة من الإسلام جدا ،

أعطيتها ترجمة للقرآن الكريم ولعلها تتغير قريبا .

نظر إلي شاهد وهو ما زال منفعلا وقال :

- وأنا الذي أعرض نفسي ثمنا لإسلامها ؟

- ليس هكذا !! أنا أريدك أن تفكر في الموضوع وتستخير فإن هي أسلمت لم يبق أمامك عائق وإن لم يكن ذلك فالبديل إن شاء الله موجود .

نظر إلي شاهد وقال :

- انت تهتم بي يا فارس أم بها ؟

- بكما معا !! أنت اخي وحبيبي .. وهي فتاة طيبة يندر مثلها في هذا المجتمع !.

- لكنها تربت على الحرية .

- الإسلام سيهذبها .. هي لا تبدو عنيدة أبدا .. اؤكد لك ذلك .

سكت شاهد لكن طاهرا قال :

- جمعت بين رأسين يا فارس !! هكذا نضمن ألا يعود شاهد ، بل ونضمن له الجنسية أيضا .

قلت وأنا أضحك محاولا تلطيف الجو :

- لكن عندي ملاحظه !! ربما تحتاج إلى كثير من البيض المسلوق على طريقتك الخاصة حتى بعد الزواج ..

فالفتيات هنا لا يحسن الطبخ !.

ضحك شاهد وطاهر معا وبعد أن تناولنا العشاء استأذنتهما للمغادرة .
فغدا هو موعد رحلتي إلى الأردن .

كان وداعا حميميا لم أتمالك أن فاضت دموعي على صدر شاهد ,

لا أدري ماذا أفعل تلك اللحظة ,

لقد كان لي أكثر من أخ وبحكم عزوبيته كان الأكثر ملاصقة لي كما أني وهو تقريبا في نفس السن ,

كنت أحيانا أطلب منه أن يتلو على مسمعي آيات من القران الكريم ... كم كان صوته شجيا بها رغم عجمته التامة فهو لا يكاد يفقه في العربية إلا القليل كالسلام وبعض الأذكار .
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
آه ماأقساك ياغربه !! هل جئت إلى هنا لأتعلق بكم أيضا ثم أودعكم ؟


وهل سأظل ألتقي وأفارق في دنياي و أقاسي اللوعة مرات ومرات !!!

متى سأرتاح من هذا العناء ؟

خرجت من عندهما وعدت إلى بيتي , في الغد حملتني الطائرة صباحا إلى الأردن ..

كان لقائي بخالي مثيرا هناك , التقيت بوفاء وزوجها محمود , كم كنت مشتاقا إليهما
جلست للعشاء قرب أختي وفاء وحينما كنا كذلك همست في أذنها :

إن أنجبت بنتا سميها ( وداد ) , وإن أنجبت ولدا سميه ( حسام ) ...


تبسمت وفاء وقالت : لك ذلك إن شاء الله .




***

اليوم التقيت بوالدي عند الحدود .. الصغار الثلاثة قد كبروا , أما عروب فقد خلفت وفاء في مهامها المنزلية ,

أحمد بدا أطول مما كان عليه قبل عام بكثير لكنني أفقد أحدا !!

- أين نزار ؟

قال والدي ونحن نركب السيارة :

- إنه معتقل في سجن الأحداث منذ أسبوعين فقط .

- ولماذا لم تخبروني ؟

- ماذا بيدك ؟ لقد رمى جديا بحجر ففقأ عينه ولقد سحبوه من يدي وأمام عيني ,

حاولت الوصول إليه فلم أستطع لعلهم يفرجوا عنه قريبا أو على الأقل يحددوا موعدا للمحاكمة .

- محاكمة ماذا ؟

- إنهم يحاكمون الأطفال اليوم , مثل هذه الجريمة ربما تبقيه في السجن لثلاث سنوات , هداه الله !! كم كنت أنهاه عن الخروج لكنه عنيد !! كان الله معه .

انعقد لساني من هول الخبر , فكيف لطفل صغير كنزار أن يتحمل ظروف الإعتقال ؟

بعد يومين .. كنت أتحدث إلى ماهر ابن الجيران , أخبرني أنه أمضى مدة في سجن الأحداث . بسبب زجاجة حارقة ألقاها على دبابة ولم تصبها بسوء !..

قال لي ماهر أنهم ضربوه حتى شجوا رأسه !!

وأنه لم يفق إلا وهو في المستشفى العسكري وقد حلق رأسه وفيه خياطة لبعض الجروح .

لكنه بعد أسبوع وحينما بدأت جراحه تلتئم دعاه أحد الضباط للتحقيق !! فلما رأى رأسه كان ينكأ خيوطه برأس القلم الذي بيده !! وماهر مقيد اليدين والرجلين بالسلاسل !!

قال لي إنه كان يصرخ من شدة الألم ولم يفق إلا وهو في زنزانته مرة أخرى والدم يسيل من رأسه !! كانت آخر كلمة سمعتها منه :
إنهم مجرمون وسأنتقم منهم إن شاء الله ..

قلبي يؤلمني مما قلته يا ماهر !!

كان الله في عونك !! وكان الله في عون نزار .. وأمثال نزار !!
بل أنا سأنتقم لك يا ماهر !! ولك يا وداد !! ولكم أيها الأبرياء جميعا .

تعرفت على شباب صالحين ،والتحقت بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم .

والدتي كانت تذكر لي كل يوم عن فتاة فأعتذر لها بأعذار مختلفة !!

فهذه متحررة وهذه لا تعجبني وهذه لم تكمل تعليمها وهكذا ..

كنت أتردد على بعض من عرفتهم في كتائب الشهداء وأبديت لهم رغبتي في التعاون معهم خفية .

كلما ذهبت ورجعت إلى أي مكان كنت أقف في نقاط التفتيش المملة !! تعرضت للإهانة عدة مرات.

ما زلت عربيا تسري دماء الكرامة في عروقي !! ولو كلفتني حياتي .

رأيت يوما جنديا عند أحد الحواجز يسحب فتاة من يدها ويرميها ..

استثارت الصورة رجولتي !! قلت له بصوت عال :

- إن كنت رجلا دعها وشأنها .. بصق الجندي في وجهي فحاولت ضربه لكن من حولي أمسكوا بي .. بينما ابتعد عنا وهو يقهقه .
الحلقة العشرون..

( مشوار الفداء )


أشعر في كل يوم بالموت عدة مرات .. أسلك الطرق الملتوية وأترك الطرق الرئيسة لأحفظ ما تبقى من ماء وجهي .

والدي كان يكرر علي في الاستعجال بالزواج أو العودة للدراسة .يا إلهي !! هل أنا مشروع حياتك يا أبي ؟

جلست معه في أحد الأيام في سطح منزلنا .. كان يصلح بعض الأدوات الخاصة بفلاحة الأرض ، كم هو يعشق البساتين وفلاحة الأرض.

هي مهنته وحياته ومورد رزقه . قبل سنتين كان يملك مزرعة كبيرة جرفت الجرافات نصفها ولم يبق منها سوى النصف الآخر الذي كان يشاركه فيه العم علاء والد حسام ووداد .

قلت لوالدي وهو منهمك في إصلاح الآلة التي معه :
- أبي ..

- ماذا ؟

- أسألك سؤالا مهما وتجيبني علي بصراحه ..
- ماذا عندك ؟( قالها وهو لم يرفع رأسه إلي) .


_ تهاجرون معي.

رفع والدي رأسه بل ورفع يده من الآلة التي كانت معه .

- ماذا تقول ؟

أقصد ياأبي أن دراستي لم يتبق عليها سوى عامين وتنتهي وأنت تعلم أنه لا مجال هنا للوظائف
فإذا كنت لن أعمل بها لماذا اكملها ؟؟

وإذا كنت سأعمل بها في مكان آخر فهل تبقون هناوحدكم ؟؟

( لا أدري كيف ملكت الشجاعة الكافيه لسرد هذه الكلمات على مسمع والدي الذي كنت أهابه منذ عرفت عيناي الدنيا !! )


أما والدي فكان فاغراً فاه قليلاً لكنه عاد وأمسك بالآله بيده وعاد ليصلحها ولم يتكلم بكلمه.

حاولت إعادة انتباهه إلي فقلت :

_ ماذا قلت والدي ؟؟

_ في ماذا ؟؟

_ في ما قلته لك الآن ...

_ أنت اخترت وانتهيت تريد أن تهاجر ؟؟! وهذا قرارك وأنت حر فيه ..

وقعت كلماته على قلبي كالسهام ,, من قال ذلك يا أبي ؟؟!
قمت إليه حتى جلست بين يديه وقلت :

_ أبي .... وأنتم ؟!

كان والدي قريبا من صناديق البندورة التي جمعناه اليوم وقريبا من اكوام السماد الذي نجمعه في السطوح ..

أخذ أبي حفنة من السماد ونظر إلي ثم قال :

- فارس .. أنا هنا في أرضي معجون بثراها وسأبقى حتى أدفن فيها عظامي كما ندفن هذا السماد !! ثم التفت إلى الطماطم وأخذ حبة منه وقال :
- حبة بندورة من أرضي تغنيني عن الدنيا وما فيها .

ألقى والدي ما في يديه وأراد النزول ، لكني تبعته وقلت له :

- أبي !! سأفعل ما تريد ..لا تقلق !! أرجوك أبي !!
تبسم والدي بسمة لم أعرف معناها ؟وأسرع بالنزول .

بقيت يومي شارد الذهن مشتت الأفكار .. أبي بدا ساهما يرد علينا باقتضاب ويعود لهواجسه ، هل خيبت ظنك يا أبي؟
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
لم أستطع النوم تلك الليلة !! كنت ألوم نفسي على هذا الإزعاج الذي سببته لوالدي ..

إنني فقط أريد أن أرحل بكم لحياة أكرم من هذه الحياة ،اريدكم معي !! وأريد أن أنسى هذا العذاب .

كنت أحاول النوم هذا المساء فلم أستطع .. شعرت بالجوع فقررت النزول إلى المطبخ لأبحث عن شيء آكله.

عندما هممت بالنزول سمعت صوت أمي وأبي يتحدثان !!إنهما في صالة البيت والساعة الآن الثانية ليلا ، لماذا لم يناما؟

شيء ما أٌقلق راحتهما .. استمعت إليهما وليتني لم أفعل .

إنهما يتحدثان عني !! ولكن بماذا ؟ سمعت أمي تقول :

- الآن فقط عرفت لماذا لا يرغب فارس في أي فتاة أدله عليها .

- هل هذا صحيح !!

- أكثر من فتاة أعرضها عليه ويتعذر بأعذار واهيه

- تقصدين أنه يريد أيضا أن يتزوج من هناك ؟

- لا أدري سمعته مرة يحادث فتاة أجنبية في الهاتف ، فهمت أنها مهتمة به .

- لا !! لا !! فارس لا يفعلها !! هل أخطأنا حينما أرسلناه ؟

- أعتقد أنه ربما يفصح عن ذلك لو صارحناه .

- اسمعي يا أم فارس .. لن نتحدث ولن نسأل،

لن نكون عقبة في حياته .. دعيه يذهب !! إن الحياة أمامه ، لا تنسي أننا فقدنا مستقبل نزار ! فهل سنحرم فارس أيضا ؟

دعيه يختار حياته بنفسه .

أجهشت والدتي بالبكاء حتى سمعت صوتها بينما تسمرت أنا في مكاني !!

أشعر أن الأرض تدور بي .. أحقا ما سمعت ؟

اختل توازني وأحسست أني سأسقط .. كنت على حافة السلالم لكني تماسكت وأمسكت بالجدار .

عدت أدراجي إلى غرفتي ونسيت أني أتضور من الجوع .

رأسي ثقيل وعيناي أسبلت الدموع !! ماذا أفعل يا رب ؟

ألم تفهمي بعد يا أمي لماذا لا أريد الزواج !! أتظنين أني نسيت وداد !!أتظنين أني أريد البقاء هناك وأني أرخصت بلادي !!

هل أنا من ينسى هويته ؟

كبر الحزن في صدري فأنا لا أطيق أن أسبب الحزن والهم لوالدي .. كل ما أردته أن أذهب بهما عن هذا الجحيم،

أو أن أقرر بلا رجعة أن أبقى معهما في الجحيم وإلى الأبد .

يبدو أنني استسلمت للنوم قبيل الصباح !!ولم أستيقظ إلا قبيل الظهر .. والدتي جاءت تسألني :

- هل صليت الفجر ؟

فتحت عيناي على وجهها الحنون ورأيت في عينيها نظرات غريبة قال لي قلبي أنها ربما تكون نظرات خيبة أمل !!

أمسكت بيدها وأنا ما زلت في فراشي ..يبدو أنها أحست بحرارة جسدي .

- فارس هل أنت محموم ؟

- لا شيء أريد أن أصلي الفجر .

حاولت رفع رأسي بصعوبة وحينما اعتدلت جالسا اسودت الدنيا في عيني وسقطت مرة أخرى !!

بينما سمعت صوت صرخة أمي من بعيد ..
( عذرا أمي )

في المستشفى تفتحت عيناي على غرفة الإسعاف وأنبوب المغذي المغروز في يدي !

قلت لكم أنني أكره هذا المكان .. مجرد رؤيته يعود بي إلى مقتل وداد !! الأمر الذي يجعلني ضعيفا وأستسلم للبكاء ..

أبي يناديني باسمي حينما رأى عيناي تتحركان .. أشعر أن ألم الكون بأسره يسكن في صدري وأني عاجز حتى عن الكلام ..

أمي تمسح بيدها على صدري ورأسي ! أشعر من حركة يديها أنها ترتعش وتبكي !! ولكني لا أسمع جيدا .

عن ماذا تبحثين أمي ويداك تتحسس صدري !! ؟؟

عن قلبي ؟؟ آآه من قلبي !! لو لم يكن هكذا لكنت بأفضل حال !!

لو كان قلبي من حجر او من حديد لم أكن هنا ..

لو لم يكن ينبض بالكرامة ويخفق بحبكم لما رأيتني على هذا السرير !
لو كان يريد الدنيا ويحبها لرقص لها مرات ومرات ..

قلبي يا أمي مجروح !! بل مثقوب !!! ينزف الدم منذ ماتت وداد ومنذ اعتقل نزار ومنذ أهينت كرامة الإنسان في بلادي ..


عاد صوت أبي إلى سمعي ،أحسست بيديه الخشنتين تضغطان على يدي ..

يا لقساوة الحرمان !! أي صلابة تملكها يا أبي أمام هذه الفجائع ؟

ليتني كنت مثلك ..
أسوأ شيء في الدنيا أن تشعر أنك سبب في عذاب من تحب !!


وأن تدرك أنك لا تملك إلا أن تكون كذلك .

بدأت أشعر بهما معا.. وبدأت أسمع صوتهما بينما بدأت صافرة كانت ترن في اذني بالتلاشي شيئا فشيئا !!


منذ حركت وجهي نحو والدتي أقبلت إلي ورمت نفسها علي تقبلني وتبكي ..

أبي كان قويا فقال لها :

- يكفي يا أم فارس !! يبدو بخير والحمد لله .

قلت بصوت ضعيف :

- الحمد لله !! منذ متى وأنا هنا ؟

- منذ البارحة ولن تخرج قبل الغد !! أنت محموم ومعك نقص في الغذاء تحتاج إلى البقاء قليلا ..

قال أبي هذا الكلام بنبرة قوية أشعرتني بغضبه علي !!

قالت أمي وهي تبكي :

- بني !! أرجوك لماذا تفعل هذا في نفسك !!لماذا لا تاكل؟ قل لي ما الذي تشتهيه لأصنعه لك !! لماذا لا ترحم نفسك !! سنتركك تفعل ما تريد فلا تعذب نفسك هكذا !!

دهشت من كلام والدي ووالدتي كثيراً !!!

يبدو أنهما بدءا يتعاملان معي كعاشق مجنون قرر الامتناع عن الطعام والشراب حتى يحقق ما يصبوا إليه ..!!

أهذا كل شيء ؟؟....
أتظننان أني ببساطة ( عاشق ) !!

أنا لا أنكر أني أحببت وداد ولم يلبث هذا الحب أن مات ودفنته بيدي إلا أني أحمد الله على كل حال وأسأله أن أنال من الشهاده ما نالت ..

أما سيلين!! فما حصل لي الان بسبب سيلين !!...... إنني لا أحبها بقدر ما أرحمها وأحترم أخلاقها بالنسبة لبنات جنسها !!

لا أدري كيف رفعت السماعة ذلك اليوم حينما اتصلت بهاتفي المحمول .... كنت أظن أنه طاهر أو شاهد أو شخص أخر ولم يخطر ببالي أن تكون هي..
وحينما سمعت صوتي بدأت بالعتاب واللوم !!!
قلت لها أنني عاجز عن الاتصال بأحد وأن ظروفي لا تسمح لذلك ...!!

أنا يا أمي لا أريدها ولا أريد غيرها من النساء !!!

أنا أريدكم فقط أن تجربوا أن تحيوا حياة الكرماء قبل أن تغادروا هذه الدنيا ...
ألست محقا في ذلك ؟؟؟
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
هل علي أن أنسى اني انسان حتى أعيش في بلادي ؟؟؟

خرجت من المستشفى وتماثلت للشفاء وعندما كنت في البيت طلبت من والدتي أن تصنع لي طعاما أحبه من يدها ففرحت كثيراً ......

حقيقة لم أكن أشتهيه تماما لكني أردت أن أدخل السرور على قلبها ,,,,

كنت أتناول الطعام وأثني عليه أمامها وقلت لها بعد فراغي منه لا أجد شكرا سوى هذا فقمت إليها وقبلت يديها ,, كانت تكثر من الدعاء لي كلما رأتني،،

وفي أحد الأيام صعدت إلى السطوح لنشر الغسيل فأقبلت غليها من غرفتي وبدأت أساعدها ..قالت وهي تبتسم :

- ما أسعد زوجك يا فارس !! أنت تتقن كل أمور المنزل !!

أحسست أن أمي تعمدت هذا الكلام لتستخرج ما في نفسي تجاه هذا الموضوع .

قلت لها :
- أمي تريدينني أن أتزوج ؟

نظرت إلي بدهشة وقالت :

- وهل تسأل أم عن مثل هذا ؟!

أطرقت إلى الأرض وقلت :

- ولكني غير مستعد الآن !!

قالت باستغراب :

- ألم تقل لنا أنك ستعود لتتزوج !! أليس لديك وظيفة هناك وتستطيع النفقة عليها معك !! ماذا بقي إذا ؟؟

أحسست أن أمي تحتاج إلى سبب مقنع أفصح عنه فقلت :

- إن وجدت لي فتاة كوداد يرحمها الله فلا تتأخري علي !!

لا أدري كيف تسللت هذه الكلمات من قلبي إلى لساني ..

نظرت إلي وقالت :

-آه منك يا فارس !! ألم تنس وداد ؟؟

- كيف أنساها وقد دفنتها بيدي !! لم أعرف فتاة في حياتي أطهر منها !!

نفضت والدتي آخر ما معها من الثياب ثم قالت :

- دعنا ندخل غرفتك ..

دخلنا فجلست أمي وقالت :

- وداد يا بني رحلت عن دنيانا ،لا داعي أن تتعلق بها ..سيعوضك الله خيرا منها !!

قلت وأنا أجلس على الأرض أمامها :

- مستحيل !!

قالت بعصبية :

- ماهو المستحيل !! هل جننت ؟ أتعيش على أحلام ميتة ؟؟ متى ستفرح قلبي يا بني !!أريد أن أفرح بكم قبل أن أموت !!

كادت دمعاتها أن تفر من عينيها ولم أعد أحتمل !!

- أمي أرجوك يكفي !! أقسم بربي لو أن سعادتك بروحي لوهبتها لك !! أنا فقط لا أريد الاستعجال فأندم !! دعيني قليلا لعلي أنسى !!

- تنسى ماذا !!وداد ؟

- أنسى وداد أنسى الحزن!! أنسى القهر !! حتى أجد للفرح في قلبي مكان يسكن فيه !!

- لكني أخشى أن يطول ذلك !! وأنا أخشى عليك بني من الغربة !! الغربة بلاء وفتنه !!

- أعدك أمي أن لا أعود حتى أتزوج أترضين ؟؟

هزت رأسها بالإيجاب وقمت أقبل يديها .

***

سكن قلب والدتي وتغيرت نفسية والدي .

كنت أسعى جاهدا لإتمام حفظ كتاب الله تعالى ! والتعاون مع الشباب في سرايا شهداء الأقصى .

كنت أتسلل كل يوم من طريق مختلف لئلا يشعر بي أحد .

في أحد الأيام وبينما كنت في بعض الطرقات ..إذا بوابل من الرصاص يمطر المارين !! سقط بعض الجرحى وفر الكثيرون !!

اختبأت في زاوية الطريق ،كنت أرقب الوضع ،وكانت سيارة الإسعاف قريبة من الناس ..حينما وصل الممرضون إلى الجرحى أمطرهم الجنود بالرصاص !!

سقط أحد الممرضين على الأرض !!

كانت الدبابة تعربد ذات اليمين وذات الشمال !!

وتمنع الناس من حمل المصابين ..

سائق الاسعاف نزل إلى زميله وسحبه بسرعة وهرب !!

رأيت الناس يفرون يمينا وشمالا من الرصاص الغاضب !!


حينما رمقت الشارع رأيت طفلا لم يتجاوز السادسة قد سقط على الأرض !! إنه ينزف بغزارة !!

حاولت الاقتراب منه فلم أستطع ..

أسرعت فسحبته إلى الطريق الفرعي !!ثم حملته بسرعة وهربت ..

يبدو أن أحدهم رآني !! أطلق علي رصاصة استقرت في ساقي اليمنى ..

سقطت على الأرض وأنا أشعر أن ساقي تتمزق ..

لكني سحبت نفسي والصغير معي بقوة لم أعهدها من قبل !! دخلت إلى عمارة مفتوحة ،واختبأت تحت السلالم والطفل معي ينزف دمه على صدري !!

أحسست أنهم تبعوني لكنهم ربما رأوني مصابا فلم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن جريح لن يستطيع نقل جثة إلى المستشفى !!

بقيت تحت السلالم أتأوه ولا أستطيع النداء لئلا يسمعني الجنود الثائرون في كل مكان !!

نظرت إلى الصبي ونسيت نفسي..

لقد كان صدره يتحشرج وأنفاسه تتقطع !! وعيناه شاخصتان !!


هل يمكن لأحد منكم أن يصف شعوره وهو يحمل روحا تغرغر بين يديه !!

بينما يعجز حتى عن إطلاق صرخة استنجاد !!


سمعت صوت أحد سكان العمارة يخرج من بيته ، صرخت بأعلى صوتي فأسرع نحوي وصرخ بآخرين معه .

تجمع الناس حولنا وحملونا إلى الخارج..

كانت السيارات العسكرية قد غادرت المكان ..فذهبوا بنا إلى مستوصف قريب .

سمعت آهات الطفل تضعف شيئا فشيئا !! فصرخت فيهم بقوة :

- إلحقووووه !!

لما وصلنا الاسعاف أسرع نحوي طبيب وممرض فقلت لهم :

- دعوني والحقوه !!

لم يبرح أحد منهم مكانه !!بل حملوني إلى سرير آخر !!

كنت أطلب منهم أن يهتموا بالصغير !! لكنهم قالوا :

- مات ولم نستطع إنعاشه !! إننا لا نملك أجهزة في هذا المكان الصغير !!

كنت أصرخ بهم : حاولوا أن تنقذوه !! حتى لم أعد أشعر بشيء !!


بعد أن فتحت عيني كنت في المستشفى الكبير .. ورجلي قد غطيت بالشاش!! الذي يوحي لي أن الأطباء قد قاموا بعملية ما فيها ..

لم يكن حولي أحد سوى الممرض الذي اقترب مني وقال :

- حمدا لله على سلامتك !!

تبسمت له وقلت :

- ما الأمر ؟

قال : - تسألني !!

هززت رأسي وأنا أغالب دمعة تفر من عيني ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
قال : - بسيطه بحمد الله !! رصاصة اخترقت ساقك اليمنى ، تسببت في بعض التمزقات !،وسوف تتحسن تدريجيا .

لكنك تحتاج أولا إلى كرسي ثم عكازين ثم تمشي بقدميك بإذن الله .
حاولت أن أحرك قدمي لكني لم أشعر بها بعد !!



بعد مدة قصيرة حضر والداي ..

وحينما شاهدتهما شعرت بالخجل لما سببته لهما من الفزع !! فأرسلت عيني بالدموع !!

كان علي البقاء ليومين ثم خرجت إلى البيت بكرسي ..

والداي لم يسألاني في المستشفى عن أي شيء !!

وعندما وصلنا إلى البيت وخلد الصغار إلى النوم كانت والدتي قد أعدت لي فراشا في غرفتها بينما قرر والدي أن ينام في غرفتي في السطوح .

جلسنا في الليل نتناول الشاي قال والدي :

- لم تذكر لي يا فارس لم كنت هناك وقت وقوع الحدث ؟

شعرت بالدهشة والخوف معا !! فأنا لا اريد أن يعلم والدي أني كنت أذهب للقاء بعض الإخوة هناك !! لأنه لو علم بذلك فسيمنعني !!

والدي إنسان مسالم إلى ابعد الحدود .. تفا جأت أن أمي قالت :

- هل لديك أصدقاء هناك ؟

حقيقة لم أكن أعلم كيف أجيب !! لكني قلت بتردد :

- لا أتذكر كيف وصلت إلى هناك !!
كنت أضطر إلى ترك بعض الشوارع وسلوك ما هو أبعد منها تفاديا لهؤلاء الجنود ..فضولي فقط هو الذي قادني لهذا المكان حينما سمعت صوت الرصاص ..

قالت أمي بعصبية :

- فضول !! أنسيت كيف قتلت وداد !!إنهم يا بني لا يرحمون !! يقتنصون الأرواح بمهارة كما يصطادون الحيوانات بل ويستمتعون بذلك !!أتريد أن تفجعني بك يا فارس !! ألا يكفي ما حل بنزار !!

كادت أمي أن تبكي فقلت لها معتذرا :

- آسف أمي لم أكن أقصد ذلك !! أعدك أن لا أعود..

نظر إلي والدي وقال :

- أنت حتما لن تخرج بعد اليوم !! ولا بعد أن تتحسن إصابتك !! لم تكن عنيدا في صغرك !! لا أدري لماذا تغيرت !! غدا سأرسل تقريرك الطبي لخالتك لبحث إمكانية تأجيل سفرك بضعة شهور !!وسوف تبقى هنا حتى تستقر حالتك ونزوجك إن شاء الله !! مفهووووم !!!

يا إلهي !! ماذا أسمع ؟

لقد فجر أبي قنبلته المدوية في وجهي مرة واحده !!

إنها إذا خطة جديدة لإقناعي بالتخلي عن أفكاري التي يخاف منها !..

إقامة جبرية !! حسنا لا بأس !! لكن زواج ؟ هكذا بكل بساطه !!

كان أبي ينتظر ردي فقلت له :

- كيف تريدونني أن أتزوج وأرحل خلال أشهر وأنتم تعلمون أن إجراءات دخولها معي ستطول ؟

- لا يلزم أن تسافر بها !!المهم أن ترتبط بإحدى بنات بلدك !! لن أدعك تعود إلا بخطوبة على أقل تقدير !!

نظرت إلى وجه والدي فكان جامدا لا يحتمل المناقشة !!

نظرت إلى أمي فظهر لي أنها تعلم بذلك من قبل ، بل ربما هي من خطط لذلك .

هزت رأسها وقالت :

- اتفقنا يا أبا فارس ..

نظرت إليها بتعجب فأشارت إلى فمها بإصبعها بعلامة السكوت !! بينما خرج أبي من الصالة وصعد إلى فراشه !!

نظرت إلى أمي وقلت بصوت حزين :

- ماذا فعلت حتى تعاملوني هكذا !؟

سكتت ولم تجبني فقلت :

- أنا لست صغيرا أو مراهقا حتى تتصرفوا بي !!

لا أدري ما الذي جعلني انفعل ويرتفع صوتي من غير قصد !! نظرت أمي إلي وقالت :

- منذ متى وأنت ترفع صوتك على أمك !! أنسيت أننا والدان !! وأننا لا يمكن أن نتصرف ضد مصلحتك !!

قلت بهدوء :

- عفوا أمي لم أقصد !! لكني اعتقد أنني الآن أستطيع أن أقرر مصلحتي بنفسي !!

نظرت إلي بنظرة لم أفهمها وقالت :

- ليس دائما !! ما زلت صغيرا على فهم متاعب الحياة !!

ألقيت برأسي على حافة الكرسي المتحرك الذي كنت أجلس عليه وبدأت أرسل الدموع خفية وبصمت ..

يا إلهي !! أتظنون أني سأقبل أن أعيش كالبهائم !!

تنام ثم تخرج إلى المرعى ثم تعود لتنام !!


أيمكن لفتاة مهما كانت أن تمنعني من السير في طريقي الذي اخترته لنفسي ؟
أأقبل هذا الأمر أيضا !!


أنا قررت وانتهيت !! قررت أن لا أعود !! وأن لا أتزوج !! وأن أبدأ بمشروعي الكبير !..

تنبهت على صوت أمي وهي تقول :

- ألن تنام الليلة ؟

- بلى سأنام هنا !!

- على الكرسي ؟؟

- أنا مرتاح هكذا !!

- أهذا نوع من العناد أيضا ؟

- لا أبدا !! سوف أنزل !..

جاءت والدتي فأمسكتني وساعدتني حتى استلقيت على فراشي واستسلمت لهواجس لا تنتهي !!
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الثانية والعشرون

( عرس جديد .)


بعد أسبوعين استطعت المشي على العكاز ، وبعد شهر استطعت المشي الطبيعي وتماثلت للشفاء .

والدتي اتصلت بوفاء في الأردن والتي كانت تعرف فتيات التحفيظ جيدا وطلبت منها أن تبحث عن فتاة مناسبة ، لم يطل بهم الأمر حتى وقع اختيارهم على فتاة كنت أسمع عنها منذ زمن..

إنها بيان ..

لا اذكر أني رأيتها لكني سمعت عنها من وفاء ووداد رحمها الله .

أنا أخطو نحو الرابعة والعشرين من العمر وهي تخطو نحو العشرين ..

- فرق مناسب ، هكذا قالت أمي .

كنت تحت المجهر وصعب علي الانتقال إلى إخوتي الذين تعرفت عليهم من المقاومة .
كان البعض ينقل لي سؤالهم وأخبارهم .

اليوم كنت أتلقى اتصالا من خالتي والتي كانت تتابع الإجازة من هناك..
قلت لها أن تعطي شاهد رقم منزلنا لأنني استغنيت عن هاتفي المحمول ، فأنا لم أعد بحاجة إليه علاوة على ارتفاع تكاليفه !

شاهد لم يتأخر فقد اتصل مساء واطمأن على صحتي وبلغني قلق الإخوان هناك وسؤالهم.

في المساء كنا جلوسا على العشاء ،بدأت والدتي تداعب الصغار وتقول :

- استعدوا فسوف يكون أخاكم عريسا قريبا !!

والدي كان يرقب انفعالاتي باهتمام بالغ ..

لا يبدو أنني تفاعلت جيدا مع الخبر كشاب تعلن خطوبته لأول مرة !!!!

قالت أمي بمرح :

- ومتى ستستعد لهذه المناسبة ؟

لقد اتصلت بوالدتها فأبدت الموافقة ،وهم يريدون أن يروك ويتعرفوا عليك .

في أثناء ذلك .. رن جرس الهاتف ! كانت الثانية عشرة ليلا ..

قالت أمي :
- لا أدري من الذي يريدنا في هذه الساعة ؟

أحمد نهض بسرعة إلى الهاتف ثم عاد وهو يقول :

- فارس هناك امرأة غربية تريدك !!

قلت في ذهول :

- أنا ؟؟

قال :
- بليز فارس !! ( مقلدا صوتها بدهاء !!)

قمت إلى الهاتف بينما تبعني والداي بعينيهما ..

أمسكت بالسماعة وحينما كلمتها كانت كما توقعت !! إنها (سيلين )!!

- مرحبا فارس ، هل أنت بخير .؟

- مرحبا !!

- هل أنت بخير ؟؟ لم تجبني فارس !!

- مابك ؟؟ أنا بخير !!

- لماذا لم تتصل ولم تطمئننا عليك ؟ هل كنت متعبا طوال هذه المدة ؟

- سيلين !! أنا مستعجل والوقت غير مناسب ، فرق التوقيت بيننا كبير الآن لا يناسبني التوقيت عذرا مرة أخرى ..

- لا بأس!! كالعادة ، أنت مشغول ولا تجد وقتا ليسأل أحد عنك ..أردت فقط الاطمئنان على صحتك ، اعتن بنفسك واعلم أننا بانتظارك !!

أغلقت السماعة وأنا مضطرب .. أي توقيت هذا الذي اخترتيه يا سيلين؟

عدت إلى مقعدي في طاولة الطعام وأنا مشتت الذهن .

سحبت صحني وملعقتي بصمت !! والدتي قالت :

- خيرا إن شاء الله ؟

قلت بارتباك :

- الأصدقاء في الجامعة قلقون من التقرير الذي وصلهم ، مسؤولة القسم لدينا أيضا امراة !، لا بد أن يتأكدوا من قناعتي بتأخير الفصل القادم ..

قلت ذلك وأنا أعلم أن كلامي غير مرتب ولا منطقي ، لكني لا أملك أن أقول غير هذا .

والدي نظر إلى والدتي وعاد لتناول العشاء بصمت !!

أحسست أن حلقي جف وأني لا أرغب في تناول المزيد من الطعام .
قالت والدتي :

- لم تجبني !!متى تريد الذهاب ؟

قلت بعفوية :
- ليس عاجلا !!لقد وافقوا على حذف الفصل القادم ،وهذا يعني أن أمامي خمسة أشهر كاملة .


نظرت أمي إلى أبي ثم التفتت إلي وهي تبتسم وقالت :

- أما زلت هناك !! نحن هنا ، أقصد متى نذهب لأهل بيان ؟

أحسست بالدم يفور في وجهي !! وارتبكت جدا ، فلم أتكلم من الخجل .

والدي قال :
- خير البر عاجله ، بعد غد أيناسبك ؟

قلت :

- ما ترياه هو الحسن إن شاء الله .

في الغد انتهزت الفرصة ،قلت لوالدتي إنني سوف أذهب إلى الحلاق .. فأنا في عينيها عريس يحتاج إلى الاستعداد لخطوبته !

خرجت من المنزل ويممت نحو أصحابي .. التقيت بهم على عجل وعدت أدراجي..

تذكرت الحلاق فوقفت عنده وقص لي شعري ، ثم عدت إلى البيت.

أمي قالت :

- أي ثيابك تريد لأكويه لك !؟

- لا تهتمي سوف أقوم بذلك بنفسي .
صعدت إلى غرفتي وألقيت نفسي على السرير .

بدأت أفكر في الغد وورطة الخطبة المزعومة ،كيف يمكن أن أبدأ بطريق أعلم أني لن أكمله !!

أأرفض !! لا يمكنني ،

ما ذنب فتاة بريئة لترتبط بشاب لا يريدها ؟ بل لا يريد الحياة بأكملها .

صعدت والدتي ومرت بغرفتي ..وحينما رأتني قالت :

- ألم تجهز بعد ملابسك ؟

- غدا يا أماه !! الوقت أمامنا .

- تبدو غير مهتم يا فارس !!

- ليس كذلك لكني أحب أن أبدو للآخرين على حقيقتي، شاب بسيط ولا داعي للتكلف .

- فعلا يابني ، ليس المهم هو الشكل ، لكني أتمنى أن تعجبك فأنا لا أجد خيرا منها .

- اطمئني يا أمي، ما دامت أعجبتك فستعجبني ..

أقبلت أمي إلي وضمتني على صدرها وقالت بصوت مرتعش :

- أتمنى أن أعيش لأرى أولادك وأفرح بهم ، وأفرح بإخوتك أيضا !! يارب بلغني مرادي يا كريم..

قلت بصوت ضعيف :

- يا كريييم !!


خرجت والدتي وعدت لفراشي واستسلمت لمسلسل الهواجس الكبير ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
في الغد حان وقت الظهر وأنا لم أعمل شيئا ..

صعدت إلى غرفتي وكويت قميصا وبنطالا هما أفضل ما عندي !!

أخرجت من حقيبتي علبة العطر الذي أهدتني إياه سيلين..

تعطرت ونزلت من السلم ، فلما رأتني والدتي أطلقت زغرودة عالية خرج منها والدي من غرفته وهو يقول :

- هيا الآن ،لقد تأخرنا عن الموعد .

ذهبنا إلى منزل بيان والتقيت بأبيها وأمها ,كم هم بسطاء وطيبون !!

والأهم من ذلك في نظري أنهم متدينون ..

تحدثت معهما وسألاني عن مشاريعي المستقبلية ودراستي الجامعية.

كنت أجاوب عليهما وفجأة!! دخلت بيان..

ألقت السلام وقدمت لنا أكوابا من العصير ،والداي رحبا بها ..أما أنا فقد انعقد لساني !!

جلست قريبا من والدتها وكانت ترتدي الحجاب .

استأذن والداي وانصرفا وبقيت معها ومع والديها ، لكنها قامت عنا ودخلت إلى الدار .. قال لي والدها :

- متى ستسافر ؟

- ربما بعد ثلاثة أشهر ..

- إذا لماذا لا نعقد لكما فهناك متسع من الوقت ،لا داعي أن تكون مجرد خطبة .

تلعثمت وقلت :

- أعتقد يا عم أن الخطوبه أفضل ، ربما لو سافرت أتأخر في العودة حتى أجد لها قبولا هناك .. لا ندري كيف تكون الظروف ؟
هذا كان شرطي وأنتم وافقتم عليه !!

(كان كلامي قاسيا بعض الشيء، ولا يفترض أن يقال من خاطب يرى أهل مخطوبته لأول مرة ،لكني تفاجأت من كلام والدها .. فأنا لا أريد أن أرتبط بزواج يثنيني عما عزمت عليه )

- خيرا إن شاء الله .. مثلك يستحق الانتظار يا بني .

قالها الأب ثم التفت إلى زوجته وقال:

- قولي لبيان أن تأتي فلم يعد هناك أغراب .

قامت الأم والأب .. وبدأ قلبي يخفق بشدة !!

فأنا الآن أمام الأمر الواقع !!

ولست مستعدا لاستقباله خصوصا بعد كلام والدها الذي أربكني..


بقيت وحدي قليلا ثم دخلت بيان ...

ألقت تحية السلام وجلست في مقعد مقابل لمقعدي قليلا ..

كانت قد خلعت حجابها ولبست ثوبا وردي اللون بدا كلون خديها.

رددت التحية وأحسست اني لا استطيع النظر إليها ،فما أنا إلا منافق جاء ليلبي رغبة والديه ولم يفكر فيها أصلا !!


بقيت قليلا أنظر إلى الأرض .. لكني أحسست أني أجرح شعورها .. بل وأهينها بذلك !! ما ذنبها في أفكاري الثائرة ؟


رفعت راسي وقلت بحياء :

- كيف أحوالك ؟

- بخير ..

- مازلت في دار التحفيظ ؟

- نعم .

أعلم أن هذه الأسئلة هي غير المتوقعة لكني لا أملك الآن غيرها !

قالت هي :
- متى ستعود لبلادك ؟

قلت مازحا :

- هذه هي بلادي !!

احمر وجهها خجلا وقالت :

- أقصد البلاد التي كنت تدرس فيها ..
- فهمت ، ربما بعد ثلاثة أشهر .. لم السؤال ؟

هي تلعثمت ولم تجب !! لكني انتبهت أن سؤالي كان غبيا ..

وهل يستنكر سؤال فتاة عن موعد سفر خطيبها ؟

لكني هكذا تعودت الحديث مع سيلين .. الفتاة الوحيدة التي تعرفت عليها رغما عني، وكانت تتقبل صلابتي بصدر رحب ..


قلت مستدركا :

- أعتقد أن امامنا من الوقت ما يكفي لنتعرف على بعضنا ،ونبني قرارا صحيحا ولا داعي للاستعجال في أمر العقد ما دام هناك سفر .. وما دمت لم تكملي هذه السنة الجامعية بعد ..

قالت بخجل :

- صحيح

نظرت إليها نظرة خاطفة .. كانت قد اطرقت راسها من الخجل ..

رأيت فيها وجها ملائكيا طفوليا ناعما رائع القسمات ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
لكني لا أكتمكم أن قلبي لم يكن يخفق لها بشدة كما كان يخفق حينما كنت أرى وداد رحمها الله !!

جاءت أمها وقالت :

- لا بد أن تتناول العشاء معنا هذه الليلة ..

- عفوا يا خالة ، لا أستطيع ،ربما في وقت آخر .
- ولم يا بني ؟

- قلت وأنا أنظر إليها :

- حتى لا تمل مني بيان !!

نهضت من الكرسي واستأذنت وخرجت ..

عدت إلى البيت فوجدت والدتي تنتظرني بشوق..

- هاه فارس .. ما رأيك ؟

- سلمت عيناك يا أماه ، كما ذكرت تماما ..
- وسوف تجد فيها إن شاء الله خيرا مما قلت .. وفاء تثني عليها كثيرا.. لقد اتصلت تسأل عنك ، أرجوك بني اتصل بها وأدخل الفرح على قلبها ..

قمت إلى غرفتي وقلت :

- سأتصل إن شاء الله

صعدت إلى أعلى وجلست على كرسي في غرفتي وأنا أفكر في حالي .. مسلسل النفاق لم ينته بعد .

عليك أن تظهر الفرح وأن تكمل المسرحية ..

عادت بيان إلى مخيلتي ..

يا لملاكي الطاهر .. كم هي بريئة القسمات ..

لماذا تفجعها بنفسك إن بقيت في مشروعك الثائر ؟

عاد إلى ذهني صوت آخر يقول :

- وإن عدت إليها وتزوجتها فإما أن ترحل وتهاجر الى الديار التي تكرهها ..

وإما أن تبقى في الجحيم هنا بلا كرامه ,,

يا إلهي ..

أفكار كثيرة تتصارع في داخلي ..قطعها صوت أمي تناديني لأجيب وفاء على الهاتف.


وفاء كانت متحمسه..تريد أن تعرف رايي بصراحه .

شكرتها وأثنيت عليها..ثم قلت :

- ألا تبدو صغيرة يا وفاء ؟

قالت وهي تضحك :

- هي فعلا صغيرة .. لكنها بعقلها وقلبها أكبر بكثير مما ترى ..ستعرف ذلك لا محاله .

انتهت محادثتي لوفاء وعدت لفراشي واستسلمت للنوم ..



الحلقة الثالثة والعشرون..

( ولادة الحب )


مرَ أسبوع على خطبتي ووالداي أطلقا سراحي قليلا .. عدت لأصحابي وبذلت جهدي لحفظ كتاب الله تعالى..وفي أحد الأيام قالت والدتي :

- ألم تتصل يابني ببيان !!؟

- ولماذا يا أمي ؟

- أشعر أن ذلك مهم لتتعرف عليها أكثر..


- لكننا خاطبين ولسنا زوجين !!

-فارس .. إنها فتاة محترمة ، أرجوك لا تدعها تفوتك ..

- وكيف تفوتني ؟ ألم توافق علي !

- بلى ولكنك لم تفعل شيئا من أجلها !..على أقل تقدير أطلب منها شهاداتها وابعثها إلى هناك لترى ما يمكنك فعله لأجلها .

- إنني أشعر بالحرج عندما أذهب لبيت أهلها ..

- لا حرج في ذلك ، إنهم أناس طيبون ومحافظون ..

- خيرا إن شاء الله ..

قلتها وأنا أكره نفسي كلما تقمصت دور العاشق !!


- ٍسأتصل بأمها وأخبرها أنك ستزورهم اليوم ،اتفقنا ؟

- اتفقنا ..

ذهبت إلى منزلهم فاستقبلوني بحفاوة قلت لأمها أنني أريد محادثتها عن سجلاتها الجامعية .

جاءت بيان وسلمت علي ثم جلست قبالتي ..

لا أدري فيم أتحدث ؟فأنا جئت بناء على طلب والدتي !!

قلت لها في محاولة لفهم موقفها :

- أعتذر عن انقطاعي أسبوعا كاملا .. لكني كنت مشغولا بسؤال الجامعة هناك عما يمكن أن أفعله لأجلك.

قالت بحياء :

- لا داعي للاعتذار .. هذا ما توقعته أصلا ، إننا مجرد خاطبين !!

أحسست بالراحة لما تقول ثم أردفت :

- أفهم من ذلك أنك لا ترغبين في زياراتي ؟

- ليس هكذا !! لكني أجد حرجا من بقائي معك بمفردنا !..خصوصا أننا لم نعقد ، إلا ان تكون النظرة الشرعية لم تنته بعد ؟

- أنت أعقل مما تصورت بيان !!لا أكتمك أني أشعر بالحرج لهذا ، لكني ظننت ان هذا ما يراد مني .

قالت بحياء :

- يكفي أن نتحدث في الهاتف .. على الأقل سأستطيع الكلام براحتي ..

- أهم شيء أن تكوني مرتاحة ..

خرجت من عندها منشرح البال ،مسرور الخاطر..فالفتاة عاقلة ومتدينة..

لن تنتظر مني ما ينتظره العشاق ، أخبرت والدتي بموقفها ،فأثنت عليها ..

وهكذا أحسست بشيء من الحرية ..

عدت إلى أصدقائي .. وكنت أزاول معهم نشاطاتي بحذر بالغ .

كانت الأحداث الدامية تزيد يوما بعد يوم .. مشاهد القتل والتدمير والقهر والحرمان لا تتخلف عن ناظري يوما واحدا .

وحدث ما لم أكن أتوقع ..

الجواسيس استطاعوا أن يسلموا أحد رفاقي إلى اليهود .. لقد اعتقل خفية دون أم يعلم أحد متى وكيف تم ذلك ؟
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
وهنا دق ناقوس الخطر في حياة كل واحد منا ،

نحن أعضاء المقاومة المسلحة ..فالتعذيب البشع الذي يتعرض له المعتقلون كفيل بإظهار أمرنا جميعا أمام العدو الذي لن يتأخر عن اقتناصنا واحدا واحدا ..

ومنذ ذلك الوقت وأنا أتخفى كثيرا وأخطط للاستعجال في مشروعي الخاص ..

أصدقائي هناك علموا بخطبتي من خالتي ، الجميع اتصل ليبارك لي ..

عدا سيلين التي كنت أشعر بالرحمة تجاهها كلما خطرت لي على بال..

بيان كانت تبدو لي يوما بعد يوم أكثر حماسا ونصرة لقضيتنا..

لقد التحقت مع المتطوعات في رعاية بعض أيتام الشهداء ممن لا معيل لهم .

كانت تكبر في عيني يوما بعد يوم ، اتصلت بها أكثر من مرة..

شجعتها على المضي قدما في أعمالها النافعة ، كنت ألمس من حديثها فرحها باهتمامي بقضيتنا على الرغم من بعدي عن البلاد العامين الماضيين .

مؤخرا لمست منها حرصا على سماع صوتي ..

وتعلقها بي بدأ يزداد، أما أنا فمازلت أجاهد نفسي كي لا أتعلق بها ..

فلم يعد قلبي يحتمل المزيد من العناء ، لكني بدأت أشعر أنها تسللت إلى قلبي رغم كل هذا الحذر !

هناك في أمريكا كان طاهر يحتاج إلى من يقوم بعملي فقد طالت إجازتي .. عرض على شاهد هذه المهمة فوافق وبدا نشيطا في عمله .

قال لي ذات مرة إنه يتعرض لمساءلة سيلين الدائمة عني ..

هي قالت له إنها متوجسة من عزمي على عدم العودة ..

ربما هي الوحيدة التي فهمت مرادي منهم ، وأنها منزعجة من عدم اتصالي بهم ..

يبدو أنها لم تفهم سبب تهربي من محادثتها خصوصا أنها لا تعلم شيئا عن طبيعة بيئتنا الشرقية المحافظة !.


كتبت لها رسالة الكترونيه ..وكانت هي الأولى منذ وصولي،

شكرتها على العطر الذي أهدتني وقلت لها إنه المفضل لدي الآن ، وأنني متشوق لسماع أخبارها .. ثم سألتها عن رأيها في ترجمة القرآن التي أهديتها وعما إذا كانت قد قرأت منها شيئا ؟

فعلت ذلك من باب التأليف ..


يبدو أنها طارت فرحا بذلك ! أرسلت لي رسالة طويلة مليئة بالعتاب .. قالت فيها :

(إنه لا يوجد أخ في الدنيا يملك قلبا قاسيا كقلبك !! محاولاتي المتكررة للوصول إليك باءت بالفشل ،لكني أتمنى أن تكون دوما بخير ..)

لم تجبني عن سؤالي عن ترجمة القرآن ؟ تضايقت لذلك جدا ..

قلت ربما كانت غاضبة بعض الشيء ..

فأرسلت لها اعتذارا وقلت فيه إنني عاجز عن وصف ظروفي الصعبة ومتشوق لسماع رأيها في الترجمة..


ردت على الفور:

( سأخبرك عندما أراك !!!)


أوجست بعض القلق من هذه الكلمات ..فهل هي تحمل البشرى ؟ أم أنها نوع من الإعراض المهذب ؟

دعوت الله لها من قلبي أن يشرح الله صدرها للإسلام ..لتكون أختا لي بحق
الحلقة الثالثة والعشرون

( الاعتراف )


قررت أخيرا أن أفاتح بيان بما في قلبي .. وأن أخبرها بما أواجه من الخطر بسبب انتمائي للعمل المسلح مع الكتائب ، خصوصا بعدما توطدت العلاقة بيننا وعلمت منها فداء منقطع النظير لقضيتنا .

انا مطارد بصورة غير مباشرة ،وأنتظر الانتقام في أي لحظه .. هذا ما يجب أن تعرفه بيان وتستعد له .

فكرت في طريقة لذلك فقررت أن أشير لها بإشارات غير مباشرة .. ولكن ذلك لن يكون في الهاتف ، لأنه باختصار مراقب .

قلت لها في الهاتف إنني أحتاج رؤيتك لأعطيك بعض الأوراق اللازمة لدراستك هناك .

قالت لي : - تأتي إلى منزلنا ؟

اعتذرت لها وقلت إنني أشعر بالحرج من والديها كثيرا ولا أريد ان اثقل عليهم .

- سأنتظرك عند مقر التحفيظ !إذاًهكذا قالت ..

– حسنا بيان ، الساعة الخامسة سأكون هناك .

ذهبت إلى الموعد فأقبلت في الخامسة تماما ، سلمت عليها وكان معي بعض الورق فقالت :

- أهذه أوراقي !؟

- هل أنت مستعجله ؟؟

- لا ، لكن لا يمكننا الوقوف هكذا !

- لدي أمر مهم لا بد أن أخبرك به شفهيا ..

- الآن ؟

- متى تريدين ؟!

- لا أدري لكنك فاجأتني ، ظننت أن الورق هو كل شيء !.

- لا أريد إحرجك ، لكني أريد أن تحددي زمانا ومكانا ألتقيك فيه ودون أن يعلم أحد .

- أنت تخيفني هكذا !

- حقا !!هيا بيان أنا مضطر لذلك ..

- فارس .. هل أنت جاد ؟!

- طبعا جاد .. ومستعجل أيضا .

- وما طبيعة هذا اللقاء !!؟؟

قالت ذلك وهي تضع يدها على خاصرتها بتحدي واضح ..

ضحكت وقلت :

- لقاء سياسي ..اطمئني، ألم تعرفيني بعد ؟

- أمممممممم !! حسنا .. غدا بعد الظهر سأكون قريبا من مزرعة أبيك،عند بيت عمتي .. إن شئت سأنتظرك تمام الواحدة عند النافورة القريبة من المزرعة ،هناك أشخاص كثيرون يجلسون للراحة من العمل في المزارع هناك رجالا ونساء ولن يكون هنالك ريبة في الحديث .. والأهم ...لن يكون هناك خلوة .

نظرت إلى ابتسامتها الماكرة وقلت :

يعجبني ذكاؤك !! ألم يقل لك أحد قبلي أنك جميلة وذكية ؟

ردت بحياء :
- ربما !!

ودعتها ومضيت على موعد اللقاء غدا.

في الليل التقيت بأحد أصحابي الذي أخبرني يشيئ خطير ،

إنه شاب آخر من مجموعتنا يختفي عن الأنظار بطريقة مفاجئة وغامضة .

اتفقنا على الحذر والانقطاع عن اللقاء .. لكني كنت أشعر بقرب نهايتي ..

عند النوم كنت أسترجع شريط حياتي ببطء ، هناك أشياء كثيرة مميزة وناجحه .. لكنها ستنتهي بك حتما يا فارس في غياهب السجون !!

ستكون حقلا خصبا لتجارب تعذيبهم الذي لا تنقضي عجائبه ..

فقط لأنك تفكر في حياتك وكرامتك وشعبك المقهور ، إنك حين تكون كذلك فأنت في نظرهم حشرة عابثة تستحق أن تسحق بالأقدام..

عليك يافارس أن تبدأ بمشروعك بنجاح ، لتكون أنت من يقرر كيف تكون نهايته ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
غدا في الظهيرة كنت هناك.. قلت لأبي أنني سأذهب للمزرعة هذا اليوم بدلا منه، أنهيت عمل والدي وخرجت عند الواحدة ووقفت عند النافورة ثم غسلت وجهي بمائها البارد ووقفت أرقب الناس هناك ..

أقبلت بيان وهي تحمل سلة من الخبز بالزعتر،ومعها بعض الشاي .. الناس هنا قد اعتادوا أن يجلسوا لتناول الفطور وربما الغداء.

ألقت تحية السلام فرددت عليها ثم حملت الكيس عنها .. قالت بحياء :

- هل تأخرت ؟

- قليلا ..

- كنت أصنع هذا الخبز

- حقا !! هل هذا من يدك لي ؟؟

- لم تجبني بيان وتشاغلت بوضع الشاي على الأرض ..

- نجلس هنا أم في مزرعة ابي ؟؟

- لا بل هنا كما اتفقنا

- الم تنسي هذا الاتفاق؟؟

- ألم تقل أني ذكيه !!

- حقا !!قلت أيضا شيئا آخر أتذكرينه ؟

أنزلت رأسها بحياء وهي تقول:

- لا أذكر تماما !!

ضحكت من ردة فعلها وقلت :

لا تخافي لم أدعوك لهذا فقط ..

قلتها وأنا أجلس ثم جلست هي في مكان قريب ..

قلت لها بعد تردد:

- هل أنت كتومة للأسرار ؟!

- بالتأكيد ..

ترددت في الحديث فقالت :

- فارس !! مابك ؟!

- إنني.... إنني يا بيان أقدرك وأحترم رغبتك في إقامة علاقة زوجية سعيدة بإذن الله .. لكن.... لكن قدري ومصيري ربما...

ربما لا يمهلاني لتحقيق ذلك لك !!


التفتت إلي وقد بدت الدهشة على وجهها وقالت :


- فارس !!لم أفهم ؟

- أنا....أنا مضطر لإخبارك بحقيقة أخفيتها عن الجميع .. حتى عن والدي . والسبب في ذلك أني ارتبطت بك .. وأصبح أمرك يعنيني .. إنني أخشى أن أسبب لك صدمة مفاجئة لا يتحملها قلبك الضعيف ..


- أنت تزيدني غموضا ..لم أفهم ما تريد .!
- أنا.....أنا يا بيان أنتمي للكتائب المسلحة للمقاومة .. لا أحد يعلم بذلك .

علمت مؤخرا أني مطارد ومطلوب بصورة مباشرة .

تغير وجهها وقالت بصوت ضعيف :

- أنت جاد؟؟

سكت قليلا ثم قلت :
- لم لا !! ألا ترينني أهلا للجهاد؟؟

قالت :

- لكني فهمت أنك متحمس لدراستك وسوف تعود لها قريبا ..

قلت بفتور :

- أنا بدأت حياتي هكذا ..لكني بمرور الوقت اكتشفت أن هناك ما هو أهم من ذلك.

حاولت التأقلم هناك فلم أستطع .. على الرغم من نجاحي في دراستي وعملي.. الحياة هناك تبدو صعبة حينما يكون لديك مبادئ تؤمن بها.

أقنعت والداي بمشروع زواجي لأعود من هناك..وأنخرط في عمل ينفع قضيتي ، ويبدد النار المتوقدة في جوفي .


سكتنا قليلا فقالت بحزن :

- تقصد أن ارتباطنا لم يكن إلا جزءا من خطتك التمويهية ليس إلا !!

فاجأتني هذه العبارة .. التفت إليها وقلت :

- الأمر كان كذلك !! لكنه اليوم مختلف .

لا تعلمين كم كنت تدفعيني بحماسك إلى المضي قدما في هذا المشوار ،تعلمت منك الكثير ، وها أنت اليوم مستودع سري .

إن أنا بقيت على قيد الحياة فلن تكوني لسواي .. ولن أكون إن شاء الله لسواك .

وإن كان غير ذلك فلا أعتقد أن يقينك بالله أضعف من الرضا بالقدر.

- ولهذا أصررت على تأجيل الزواج ؟

- الزواج لا يصلح لمطارد مثلي ..الزواج سكن ومودة لا مكان لهما في قلوب الثائرين من أمثالي .


سكت عن الكلام فشعرت بها تمسح عينيها ثم قالت :

- ولكن من يقول ذلك لقلبي !!

أشعر بالأسى لهذه المسكينة التي جئت من أقصى الديار لأفجع قلبها وأرتحل ..

يا لقساوة قلبك يا فارس !!

ألم تنته بعد من العناء ؟

وأنا يا بيان .. من يقول لقلبي أن يرتاح ؟

كنت أنظر إلى السماء بحزن بينما توالت عبراتها التي كانت تقطع نياط قلبي .. حاولت تغيير الموضوع فقلت :

- ألن تأكلي معي ؟

كانت تكتم عبراتها بقوة فقلت مازحا :

- لن أدعه يفوتني !! إن لم تأكلي فسأختطفه واستمتع به لوحدي .

لم تتكلم بكلمة وأطرقت رأسها إلى الأرض ..قلت لها :

- هيا بيان !! ربما لا نأكل معا مرة أخرى ..

بكت بصوت مسموع وبدأت تنتحب ..

أشعر أني عاجز عن تحمل المزيد !!قلت لها :

- بيان .. أرجوك اخفضي صوتك ،الناس بدأوا ينتبهون لنا !!

آسف لإزعاجك ، لكنها هي الحقيقة.

لو لم أجد فيك إيمانا وعقلا ما تجرأت على البوح لك بما قلت ..

لم أكن مرغما على ذلك !! أتفهمين؟

لولا اني أحبك وأهتم بأمرك ما كشفت سري لأحد .. أنا محتاج إليك بيان .. محتاج إليك بقوة .

دعواتك لي بالتوفيق .. أرجو أن تكوني عونا لي على الحق، لا أستطيع التراجع..أنا مطارد ومطلوب !! وهذا ما لا يمكنني نسيانه .

تراجع نحيبها قليلا ثم قالت :

-لست من يكون عثرة في طريق الفداء ، لكني عاجزة حتى الآن عن تصديق ما قلت واستيعابه !!

أهكذا تسلب مني فرحتي في لحظات !!
لكني أقولها بصراحة:
سأبقى فارس في انتظارك ، حتى لو أمسكوا بك لا سمح الله ..أو اعتقلوك أو اختطفوك !! سأبقى بانتظارك مهما طال الزمن .
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
غدا في الظهيرة كنت هناك.. قلت لأبي أنني سأذهب للمزرعة هذا اليوم بدلا منه، أنهيت عمل والدي وخرجت عند الواحدة ووقفت عند النافورة ثم غسلت وجهي بمائها البارد ووقفت أرقب الناس هناك ..

أقبلت بيان وهي تحمل سلة من الخبز بالزعتر،ومعها بعض الشاي .. الناس هنا قد اعتادوا أن يجلسوا لتناول الفطور وربما الغداء.

ألقت تحية السلام فرددت عليها ثم حملت الكيس عنها .. قالت بحياء :

- هل تأخرت ؟

- قليلا ..

- كنت أصنع هذا الخبز

- حقا !! هل هذا من يدك لي ؟؟

- لم تجبني بيان وتشاغلت بوضع الشاي على الأرض ..

- نجلس هنا أم في مزرعة ابي ؟؟

- لا بل هنا كما اتفقنا

- الم تنسي هذا الاتفاق؟؟

- ألم تقل أني ذكيه !!

- حقا !!قلت أيضا شيئا آخر أتذكرينه ؟

أنزلت رأسها بحياء وهي تقول:

- لا أذكر تماما !!

ضحكت من ردة فعلها وقلت :

لا تخافي لم أدعوك لهذا فقط ..

قلتها وأنا أجلس ثم جلست هي في مكان قريب ..

قلت لها بعد تردد:

- هل أنت كتومة للأسرار ؟!

- بالتأكيد ..

ترددت في الحديث فقالت :

- فارس !! مابك ؟!

- إنني.... إنني يا بيان أقدرك وأحترم رغبتك في إقامة علاقة زوجية سعيدة بإذن الله .. لكن.... لكن قدري ومصيري ربما...

ربما لا يمهلاني لتحقيق ذلك لك !!


التفتت إلي وقد بدت الدهشة على وجهها وقالت :


- فارس !!لم أفهم ؟

- أنا....أنا مضطر لإخبارك بحقيقة أخفيتها عن الجميع .. حتى عن والدي . والسبب في ذلك أني ارتبطت بك .. وأصبح أمرك يعنيني .. إنني أخشى أن أسبب لك صدمة مفاجئة لا يتحملها قلبك الضعيف ..


- أنت تزيدني غموضا ..لم أفهم ما تريد .!
- أنا.....أنا يا بيان أنتمي للكتائب المسلحة للمقاومة .. لا أحد يعلم بذلك .

علمت مؤخرا أني مطارد ومطلوب بصورة مباشرة .

تغير وجهها وقالت بصوت ضعيف :

- أنت جاد؟؟

سكت قليلا ثم قلت :
- لم لا !! ألا ترينني أهلا للجهاد؟؟

قالت :

- لكني فهمت أنك متحمس لدراستك وسوف تعود لها قريبا ..

قلت بفتور :

- أنا بدأت حياتي هكذا ..لكني بمرور الوقت اكتشفت أن هناك ما هو أهم من ذلك.

حاولت التأقلم هناك فلم أستطع .. على الرغم من نجاحي في دراستي وعملي.. الحياة هناك تبدو صعبة حينما يكون لديك مبادئ تؤمن بها.

أقنعت والداي بمشروع زواجي لأعود من هناك..وأنخرط في عمل ينفع قضيتي ، ويبدد النار المتوقدة في جوفي .


سكتنا قليلا فقالت بحزن :

- تقصد أن ارتباطنا لم يكن إلا جزءا من خطتك التمويهية ليس إلا !!

فاجأتني هذه العبارة .. التفت إليها وقلت :

- الأمر كان كذلك !! لكنه اليوم مختلف .

لا تعلمين كم كنت تدفعيني بحماسك إلى المضي قدما في هذا المشوار ،تعلمت منك الكثير ، وها أنت اليوم مستودع سري .

إن أنا بقيت على قيد الحياة فلن تكوني لسواي .. ولن أكون إن شاء الله لسواك .

وإن كان غير ذلك فلا أعتقد أن يقينك بالله أضعف من الرضا بالقدر.

- ولهذا أصررت على تأجيل الزواج ؟

- الزواج لا يصلح لمطارد مثلي ..الزواج سكن ومودة لا مكان لهما في قلوب الثائرين من أمثالي .


سكت عن الكلام فشعرت بها تمسح عينيها ثم قالت :

- ولكن من يقول ذلك لقلبي !!

أشعر بالأسى لهذه المسكينة التي جئت من أقصى الديار لأفجع قلبها وأرتحل ..

يا لقساوة قلبك يا فارس !!

ألم تنته بعد من العناء ؟

وأنا يا بيان .. من يقول لقلبي أن يرتاح ؟

كنت أنظر إلى السماء بحزن بينما توالت عبراتها التي كانت تقطع نياط قلبي .. حاولت تغيير الموضوع فقلت :

- ألن تأكلي معي ؟

كانت تكتم عبراتها بقوة فقلت مازحا :

- لن أدعه يفوتني !! إن لم تأكلي فسأختطفه واستمتع به لوحدي .

لم تتكلم بكلمة وأطرقت رأسها إلى الأرض ..قلت لها :

- هيا بيان !! ربما لا نأكل معا مرة أخرى ..

بكت بصوت مسموع وبدأت تنتحب ..

أشعر أني عاجز عن تحمل المزيد !!قلت لها :

- بيان .. أرجوك اخفضي صوتك ،الناس بدأوا ينتبهون لنا !!

آسف لإزعاجك ، لكنها هي الحقيقة.

لو لم أجد فيك إيمانا وعقلا ما تجرأت على البوح لك بما قلت ..

لم أكن مرغما على ذلك !! أتفهمين؟

لولا اني أحبك وأهتم بأمرك ما كشفت سري لأحد .. أنا محتاج إليك بيان .. محتاج إليك بقوة .

دعواتك لي بالتوفيق .. أرجو أن تكوني عونا لي على الحق، لا أستطيع التراجع..أنا مطارد ومطلوب !! وهذا ما لا يمكنني نسيانه .

تراجع نحيبها قليلا ثم قالت :

-لست من يكون عثرة في طريق الفداء ، لكني عاجزة حتى الآن عن تصديق ما قلت واستيعابه !!

أهكذا تسلب مني فرحتي في لحظات !!
لكني أقولها بصراحة:
سأبقى فارس في انتظارك ، حتى لو أمسكوا بك لا سمح الله ..أو اعتقلوك أو اختطفوك !! سأبقى بانتظارك مهما طال الزمن .
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
قلت لها :
- وإن حدث ما هو أسوأ من ذلك ؟

رفعت رأسها وقالت :

لاااا!! أرجوك !!

قلت بسرعة :

- بل أنا أرجوك أن تتقبلي الأمر.. أنت تفهمين طبيعة العمل المسلح ،ولهذا فقط ضعي أسوأ الاحتمالات على بالك.

مسحت وجهها بيديها وهي ترتعش ..


ثم أنزلت رأسها بين ركبتيها وهي تبكي !!

قلت لها :
- مازال الطعام بيننا ..

- خذه معك !!

هذا ماا ستطاعت أن تنطق به بعد أن صدمتها بكلامي..

قلت مازحا :

- وسأقول لأمي أنني اشتريته من أمهر الخبازين الذين أعرفهم .

قالت بحزن :

- يا لقلب أمك المسكينة !! ألم تفكر فيها أيضا، ألا ترحم دموعها ؟

ضربت الأرض بيدي من الانفعال .. مجرد التفكير بوالداي يربكني !!

قلت لها :

- أرجوك بيان ..كفي عن هذا.. قلت لك لا يمكنني التراجع !!

سكتنا بعض الوقت ثم نظرت بيان إلى ساعتها وقالت :

- تأخرت كثيرا .. لكني كيف سأعود بهذا التوقيع الرائع الذي طبعته على وجهي بأخبارك المفجعة؟

تبسمت وقلت :

- آسف بيان !! لكن الشمس الآن قد اشتدت وهي كفيلة بإخفاء معالم الحزن على وجه رقيق كوجهك، ولكن قبل أن تغادري أود أن تقبلي مني شيئين اثنين..

نظرت باستفهام وقالت :

- ماذا ؟

- هدية متواضعة.. تقديرا لشعوري نحوك وفخري واعتزازي بك .

وأمانه بسيطة أتمنى أن تحتفظي بها .. لأعود لأخذها منك إن شاء الله .. أو تكون بيدك إن حال القدر بيننا ..

قلت هذا وأنا أقدم لها كيسا وضعت فيه العطر الذي أهدته سيلين لزوجتي المزعومة !!

وإلى جانبه ظرفا آخر كتبت فيه :


( و ..ص..ي....ت....ي...) !!

مدت بيان يدها وأخذت الكيس فحملت الخبز في يدي ومضيت لطريقي ..

لكنها حينما أدرت ظهري ومشيت خطوات نادتني :


- فارس !! نلتقي في الفردوس إن شاء الله..
التفت إليها وقلت :

- ونأكل معا خيرا من هذا الطعام بإذن الله..


تفرقنا وقلبي يكاد يتقطع من الألم ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الحلقة الرابعة والعشرون

(العاشرة مساء)


كنت أخطط لمشروعي بنجاح .. وكان الحلم يكبر في صدري يوما بعد يوم ، والداي كانا العائق الوحيد أمامي.

رتبت لهما زيارة لوفاء في الأردن،خصوصا بعد أن أنجبت حسام الصغير.. أريدهما أن يكونا بعيدين بعض الوقت .

البيت خال إلا مني، وغدا سيتحقق حلمي ..

لا أخفيكم أنني اشتقت لزملائي هناك،رسائلهم لم تنقطع عني ..

لكني لم أكن أجيب عليها لظروفي الصعبة ،

فتحت جهاز الحاسب وأرسلت رسالة لهم قلت فيها :

( كيف الحال ؟! انقطاع الكهرباء الدائم حال بيني وبين إرسال البريد لكم.. أعتذر بشدة، أنا بخير وكل شيئ على ما يرام ..أرجو أن تدعوا لي بالتوفيق ،سأكون هناك في الساعة العاشرة مساء وعندها سيتحقق حلمي .. وداعا )

وصلت الرسالة إلى زملائه الذين استبشروا فرحا بما كتب ..إنه موعد الزفاف على ما يبدو !! هكذا فهم الجميع !.

في العاشرة مساء كان قد تسلل إلى ملهى ليلي يرتاده ضباط من اليهود .. هو كان يريد هذه النوعية من الناس الذين لطخوا أيديهم بدماء شعبه المقهور ..

لقد آن الأوان لينتقم منهم .. كان يقرأ القرآن في صدره وقد تخفى بزي عسكري، وحينما توسط المكان اقترب منه أحدهم بعد أن شك في أمره ...
لكن الحلم كان أسرع مما يتصور !!

صوت انفجار قوي يهز المكان والأشلاء تتطاير من كل مكان !!

الناس فزعوا وهربوا إلى الخارج وسط تحطم الزجاج،أصوات صافرات الإنذار وسيارات الاسعاف تملأ المكان.. دخان كثيف غطى الأفق ..

تناقلت وسائل هذا الخبر كأكبر عملية فدائية منذ عامين .

القتلى خمسة عشر ، والجرحى يزيدون على الخمسين .. حالة بعضهم حرجة .

كان شاهد يستمع الأخبار في منزله صباحا، وحينما سمع الخبر عدل من جلسته وقال :

- يا إلهي !! كان الله مع فارس.. ربما أفسدوا عليه ليلته .
نظر إلى ساعته ،إنها تمام العشرة هناك.. يا رب لطفك بهم.

اتصل بطاهر الذي كان مفزوعا من الخبر .

لكن الصاعقة نزلت عليهما بعد أن بثت كتائب الأقصى شريطا مصورا لمنفذ العمليه.. بدا فيه الفدائي وهو بتلو بيانا عن العملية ويعلن مسؤليته عنها،

منفذ العملية هو : فارس عماد !!!!!! طالب جاء من أمريكا قبل شهور !!!!

ظهر فارس في الشريط وهو يتلو خطابا بالعربية ، ويقرأ آيات من القرآن الكريم .. ابتسم للمصورين ، واعتذر من والديه ومن أصحابه.

قال إنه قرر الانتقام من القتلة والمجرمين ، وأوصاهم بالصبر والثبات .. وطلب منهم أن يعفو عنه ويدعو له .

لم يصدق عينيه وهو يرى فارسا يتلو خطابا بالعربية وقد وضع عصابة الموت على رأسه ..

بكى شاهد حتى هدأت نفسه ،اتصل بطاهر الذي بدا صوته متغيرا..

- هل عرفت ؟

- نعم وفهمت رسالة البارحه !! إنها فعلا تمام العاشرة بتوقيتهم .. أمر مؤسف فعلا ، كم كنت أخشى من هذا .


- أصحيح أننا خسرنا فارس ؟ هل قصرنا في إقناعه بالعدول عن أحزانه المحبطة ؟

- لا تكثر اللوم شاهد.. فارس لم يكن فاشلا ولا محبطا .. إنه يريد الشهادة وقد اختار طريقها !.

تردد الخبر في أوساط الطلبة في الجامعة..

ووصل الأمر إلى سيلين !! لم تصدق ذلك وأسرعت إلى شاهد الذي كان في حالة من الحزن الشديد .

- أصحيح ما سمعت ؟

يبدو في حالة من العجز لا يستطيع حتى أن يتكلم ..لكنه هز رأسه بالإيجاب ..

قالت بانفعال :

- مستحيل ؟!

هز شاهد كتفيه وسكت.. صرخت فيه وقالت :

- قل لي بربك ما الأمر؟!!

- هو ما سمعت ..

- إنه مجرد هراء !!

فتح شاهد لها حاسوبه وأطلعها على مقطع الشريط الذي كان فيه فارس.. صرخت :

- إنه هو !!

- نعم !!

- ماذا يقول ؟

- لا أدري لكن طاهر قال لي إنه قرر الانتقام من القتلة والمجرمين ، وأنه يريد منا أن ندعو له .

وقفت سيلين تنظر إلى الشاشة الصغيرة وفجأة سقطت على الأرض !!


هناك في الأردن كان وقع الخبر شديدا على والديه ،مشاعر الفرح والحزن عمت أرجاء المخيم .

وفاء تبكي بحرقه !! والأم في صدمة رهيبة لا تعي ما حولها !!

والناس ما بين مهنئ ومعزي !!

آلة الحرب أسرعت إلى هدم المنزل على ما فيه .. الجنود انتشروا للبحث عن أبيه .

وحينما علموا بمغادرته قبل يومين أصدروا في حقه مذكرة اعتقال بمجرد وصوله للحدود .

نزار لن يخرج بل سيتضاعف الحكم عليه !! هكذا هو منطق الأعداء..

أحداث متسارعة كانت تقع جعلت العائلة تلجأ إلى مخيمات الأردن حتى تهدأ الأوضاع .
.
( الوصية )


في المستشفى كان طاهر وزوجته أمام سيلين ..

نجاة كانت تمسح على رأسها وتدعوها للصبر.

طاهر كان يتحدث معها عن إيمانه بحرية فارس وقناعاته الدينية وأنه يحترم اختياره على الرغم من كون ذلك مؤلما لنا ! !


أيام عصيبة مرت على الجميع ..

خرجت بعدها سيلين وعادت إلى سابق عهدها في الجامعة . لكن نظرة الحزن لم تفارق عينيها .

رأت شاهد ذات مرة !! فقالت له :

- أحلم أن أفعل شيئا لفارس !!

- إنه رحل عن دنيانا فماذا يمكنك أن تفعلي له ؟

- أخدم قضيته على الأقل !! أفكر أن أذهب مع نشطاء السلام هناك .

- أنسيت قصة راشيل كوري؟ لقد سحقتها الدبابات اليهودية حتى الموت ..

- تقصد أنه عمل غير مجدي !!

-ليس تماما !!لكن الأفضل أن تحققي له ما كان يتمناه فعلا ..
 

ضوى العيون

New member
إنضم
7 أغسطس 2006
المشاركات
5,999
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
- وما هو ؟

- أن تفكري جديا في الإسلام ..

- إنني أفعل ذلك ، لكني خائفة من النتائج ..

- بإمكانك أن تبحثي عن مكان أفضل من هنا لو وجدت مضايقة من أحد ..

- في غير بلادي ولوحدي ؟
تلعثم شاهد وقال:

- ربما تتغير ظروفك للأفضل .. المهم فكري في ذلك ..

بعد أسبوع خرج شاهد في مسيرة سلمية للطلاب المسلمين ينددون فيها بتهديدات اليهود للمسجد الأقصى ومعهم لافتات كتب فيها :


( لسنا عربا ولم نر فلسطين ،لكننا مسلمون نقرا سورة الإسراء ..)

رأى شاهد سيلين تلتحق بالمسيرة ..

وكان يرتدي الشماغ الفلسطيني .. فقد أهداه فارس له قبل رحيله.

وقفت سيلين إلى جانبه فقال لها :

- هل تعاطفت مجددا مع القضية ؟

قالت وهي تبتسم :

- بل أصبحت منكم !!


أخذ شماغ فارس وأعطاها إياه .. تناولته سيلين ولفته حول شعرها ! وكان أول حجاب ترتديه في حياتها ..

في فلسطين كانت بيان تتشح بالسواد ..والدمع يملأ عينيها .

الناس تقاطروا عليها من كل صوب يعزونها .. بل يهنئونها .

خصوصا أن والدي فارس لم يكونا في فلسطين , حيث مازالا في الأردن..


وفي هدأة الليل وسكون الظلام ...


امتدت يدها إلى كيس الهدية , وأخرجت وصية فارس وفتحتها لأول مرة :


كانت هناك ورقتين الأولى لبيان والثانية لا تعلم لمن هي؟


قرأت بيان الأولى فأسبلت عينيها بالدموع :


( لم أكن أعلم أني سأعود من أقصى ديار الغربة لألتقي بملاك طاهر لا يعرف سوى الحب والرحمة والإيمان ..ربما لو عرفتك من قبل تغيرت نظرتي للحياة ،
فأنت كنز ونعم الكنز.. سامحيني بيان !!

لم أكن أعلم أني سأنتهي قبل أن يسكن قلبي إليك , وأطفئ لهيب شوقي بين يديك..

كنت أتمنى أن نرتبط بزواجنا سريعا ,
لكن قائمة تصفيات العدو العاجلة لم تمهلني لأفعل ذلك .

أعلم أني فجعت قلبك!! لكني أتمنى أن تقدري حقي في أن أرحل بكرامتي وعزتي وإبائي من قبل أن تفارقني هذه رغما عني في سجونهم ..

أتمنى أن ينور الله دربك بالسعادة وأن تحققي أهدافك السامية بأمن وسلام وفي الفردوس نلتقي إن شاء الله )


فتحت الورقة الثانية وكانت لوالديه وقد كتب فيها :


( إلى أغلى من عرفت في دنياي .. إلى أكرم قلبين في وجودي ... إلى أبي وأمي .
لم يكن أمامي من الخيارات في هذه الحياة سوى القليل.. وها أنا اخترت أفضلها عند الله ثم عند نفسي الأبية !

لم أكره الحياة .. ولم أكره بلادي , لكني كرهت القهر والعدوان ..

وقد آن لقلبي الثائر أن يسكن عن الغليان .

أعتذر لكما بشدة !! فقد فات الأوان ..

لكني أتمنى أن تنعما علي برضاكما لأرقد في قبري بسلام..

وإني لأرجو من الله أن يجمعني بكما وبمن أحب في أعلى عليين...
وإليكم ما تمنيت قوله قبل أن أموت ..


لا تقولوا ثائر قد ملّ من هذي الحياة ..

أنا لله انتهيت دون أن أرضي الطغاة ..

قد تركت العمر لهوا باسما مثل الشفاه

ليس بعد الحق شأن تنحني منه الجباه ..

قد يقولوا مات عفوا مثلما تفنى الشياه ..

أو قتيل في رماد لم يٍـثر أي انتباه .


ليس دون العدل طعم تستطاب به الحياة .

آن أن يبقى الجبان فاغرا للشهم فاه ..

يا أبي يا أم روحي يا ترانيم الحياة

لست من يحيا ليسعى كيفما يرضي هواه .

لم أكـن يوما شقيا أو حليفا للطغاة

كل ما أبغيه أني ارتقي درب الأباة .

إن بكيتم من فعالي واكتويتم بالطغاة.

فاعذروا قلبا ضعيفا كان تحت الاشتباه ..

كان مثل النحل يسقي للدنـا طيب جناه

غير أن الظلم أفنى قلبه ثم ارتماه ..

لم يكن يملك إلا أن يداري مبتغاه ..

فرحة القلب ستبقى عندما يلقى الإله.

أسأل المولى إلهي أن تكونوا في الحياة ..

مثلما كنتم ورودا وسط ترب في فلاة

كل ما يبغيه منكم جـسد ضل ثراه ..

دعـوة تمحو ذنوبا هذا كل مبتغاه ..

جـنة المولى بعدن هي موعود الإله

تنسني قهرا وظلما لم أذق طعما سواه !!





هوت الورقتان على الأرض لأن يد ( بيان ) فقدت قدرتها على التماسك والثبات..




النهاية