أمي العوراء ( قصة حقيقية بأسماء مستعارة )

Aljohara

New member
إنضم
19 نوفمبر 2008
المشاركات
411
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
الكويت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

دخل المدرسة ذات يوم، تضايق كثيرا حين ضحك زملاؤه في الفصل من تلك الفراشة العوراء ، إنهم يعيرونه بها ، لقد كانت أمه ، كان ينظر إليها بحسرة وغضب في آن واحد ، أتعرفون لم غضب ، إنه غاضب لأن أمه عوراء ، أمه كانت تسترحم عيناه أحيانا من نظرات التبرأ ، نعم نظرات تبرأ منها ، كان ينهاها أن تدخل مكانا هو فيه طالما هم في المدرسة ، خوفا من سخرية زملائه منه ، كانت تتجنب لقاء ولدها فلذة كبدها في المدرسة خشية أن تسبب أمه العوراء له الحرج أمام زملائه ، لكن لم تعمل أمه في المدرسة ؟ أهي لقضاء فراغ الوقت ؟ أم لتدبر لقمة عيشه هو قبل عيشها هي ، فكم مرة نامت على جوعها هانئة البال لأنه نام شبع البطن ، استمر حاله معها كذلك ، بل إنه تطور ، لقد أصبح يستعر من النسبة إليها ، يتجنب حتى الحديث معها ، يعاملها بدونية العبيد ، وعلى النقيض كان ناجحا الى حدا ما في حياته ، أكمل دراسته حتى الثانوية ، تخرج معدل ممتاز فكان الابتعاث الخارجي من نصيبه الى ماليزيا ، حزم حقائبه وكأنه كان ينتظر هذه الفرصةة ليتخلص من رؤية تلك الأم العوراء ، أكمل دراسته الجامعية في ماليزيا ، رشح للماجستير في تخصصه كمعيد في الجامعة ، فلم يكذب خبرا ، هو الآن غائب عن أمه حوالي الخمس سنوات ، لم يرها قط ، كانت تبعث له بالرسائل بين الفينة والأخرى ، إنها تصله لكنه دائما يقرأها ويمزقها في التو واللحظة ، كبرت تلك الأم التي لم يكن لها من الأبناء الا هو ، علي ، أخبرته في إحدى رسائلها أن المدرسة ستقيم حفلا لقدامي خريجيها ، ومن خلال الحفل تعرف أهل المدينة بما وصلوا إليه من مستوى دراسي وعلمي ، طبعا رحب ليس حبا في رؤية أمه لكن لما فيها من إبراز لمكانته العلمية وما حققه في تلك السنين الغابرة ، جمعت أمه مبلغا من المال كان جل ما تملك ، مع ما ساعدها به جارها الوقور الطيب أبو أحمد ، لترى ولدها في بلاد الغربة ، نعم لترى ذلك الولد العاق ، ذلك الولد الذي لم يفكر قط في قلب تلك الأم التي سهرت لينام ، وجاعت ليأكل ، وعريت ليلبس ، نعم أرادت أن تكحل عينها برؤيته قبل أن يوافيها الأجل ، أحمد ابن جارها ذهب معها بحكم حق الجار ، لقد كان عليها أحن من ولدها عليها ، ذهب معها الى ماليزيا ن لترى ولدها العاق ، حين وصلوا بيته كما في العنوان الذي استطاعوا أن يحصلوا عليه من الجامعة ، قالت لأحمد يا ولدي أريد أفاجئه برؤيتي بعد هذه السنين ، ترى كم عنده من الأولاد ، كيف هي زوجته ، نعم لقد تزوج وأنجب ، كان أحمد يحس بها ويتألم معها ولها ، لكن هيهات هيهات ، قرعت الأم العوراء الجرس ، ذهب الأولاد ليفتحوا الباب ، فإذا بأمرأة عوراء ، صاح الأولاد أبي إنها عجوز عوراء إنها مخيفة ، أخذت نبضات قلبه تتسارع كثيرا ، انطلق نحو الباب ، نعم نعم ، إنها أمه بعد أن أخذ منها الدهر نصيبه ، سكتت الأم سكوت المنتظر ، رد بعفوية من غلف على قلبه ، ما الذي أتى بك ورائي ، تركت البلد لك وأتيت ورائي ، أتيت لتخيفي أولادي كما كنت تخيفين أبناء الحي ، هيه أنت أعدها من حيث أتت ، كم تريد سأجز لكم تذكرتي عودة حالا ، لم تنبس الأم ببنت شفه ، نعم لم تتحرك شفتاها بكلمة ولا بهمسة ، لكن أعينها كانت تقول الكثير ، ما لا تتحمله الجبال الشواهق ،رد أحمد بمروؤة الإبن البار ، لقد أخطأنا العنوان ، ونحن لا نحتاج أموالك ولا مساعدتك ، نظر الى أولاده وقال ، كما تدين تدان ، أخذ أم علي ورحلا ، نعم رحلا ولم تنطق الأم بكلمة ، ركبا الطائرة راجعين ، وصلا الى مدينتهما ، لكنها لم تنطق بكلمة ، كان أحمد يتفجر غضبا ، يتألم ، يمتزق ألما ، لكنه كان عاجزا عن أي فعل أي شيء ، ، كان يردد ما قد يردده أي منا ، لايستحق منك هذا الاهتمام إنه ولد عاق ، لكنها لم ترد ولا بكلمة واحدة ، كانت تريد أن تعود معه كي يحضرا الحفل المدرسي معا ، فلم يتبقى له غير أيام معدودة ، لكنه أبى بفعلة شنعاء ، رجعت لبيتها ، لم يرها أبو أحمد يومين كاملين منذ عادت ، وقد أخبره ابنه بما حدث هناك، ضرب الباب ، لم يرد أحد ، أم علي يا أم علي أين انتي افتحي أريد أن اسلم عليك ، لم لم نرك منذ يومين ن كان يريد أن يزيح بوجهه الوقور المنير كلح الدنيا عنها ، لكن ما من مجيب ، نادى ولده أحمد وقال له إخلع الباب ، أم علي لا تجيب ، أخاف أن أصابها مكروه ، دخلا البيت ، وجداها على فراشها ، نعم على فراشها ، تستغربون ، توفيت ، نعم توفيت ، ماذا تنتظرون ، توفيت بعد أن صلت عشاء ذلك اليوم ، كما أشار الطبيب الشرعي حيث ترك الوضوء أثرا واضحا عليها ، بيدها رسالة ، لازالت تريد أن ترسل له رسالة ، إنها أم ، أتعرفون معني الأم ، وعليها ، إلى ولدي الوحيد .

لا إله إلا الله ، هي أول جملة قالها أبو أحمد ، رحمك الله يا أم علي رحمة واسعة ، يشهد الله أنك كنت نور الحي وشمعته المضيئة ، وقد انطفأت هذه الليلة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أقاموا جنازتها وحضرها من سمع بها ، فذكرها عطر بكل خير .

عاد ذلك الـ علي من سفره البئيس ، ولوحده ، لأنه لن يعود أمه العوراء على قيد الحياة ،طبعا لحضور ذلك الحفل التكريمي ، فهو أحد أهم ضيوف شرفه ، خطر بباله أن يزور أمه ولو لبرهة ، يزور بيت طفولته ، وجد البيت مظلما وكأنه لم يسكن يوما ، سأل جارهم أبا أحمد بعد ما طرق الباب عليهم ، لم يرحب به أبو أحمد ، لكنه أراد أن يعطيه أمانته ، الرسالة الأخيرة .

ولدي علي ، لطالما كنت انتظرت يوم ولادتك بفارغ الصبر ، علك تقاسمني مشاق الحياة بعد وفاة والدك الغالي ، أعتنيت بك أشد عناية على ما كن بي من ضيق الحال ن وضنك العيش ، لكن ذات حصل ما لا تحمد عقباه ، وقعت من أعلى الدرج وانت لا تزال صغيرا ، هرعت بك الى المستشفى ودموعي تغسل وجهي ، بعد ما أجروا لك اللازم من الفحوصات ، أخبرن الدكتور أنك ستعيش أعورا ، لان عينك فقأ جزء منها والشبكية تقريبا تحطمت ، تمالكت أعصابي فأنت وحيدي وسندي بعد الله عز وجل ، فلذة كبدي ، قلت للدكتور بقلب واثق يا دكتور أيصلح أن أتبرع بعيني لولدي ، وشبكيتي أيضا ، صعق الدكتور من كلامي ، فلم يسمع قط بمثل هذا التبرع العجيب ، العين والشبكية ، نعم لم أشأ أن تنشأ أعورا بعين واحدة يا ولدي ، وافق الدكتور بعد إلحاح مني ، مع أنه حذرني جدا من النتائج ، لكني لم أبالي إلا بك أنت يا علي ، أجريت العملية ونجحت والحمد لله ، نعم الحمد لله ، ولو عاد الزمن من جديد لفعلت ما فعلت لا أتردد في ذلك قدر شعره ، أعرفت يا ولدي الوحيد لم أنا عوراء ، أنا أعلم أنك حين تقرأ رسالتي هذه أكون قد مت ، لكن إعلم أن سامحتك بقلب الأم ، سامحتك بقلب الأم ، سامحتك بقلب الأم .

قرأ علي الرسالة وانصرف ................... أنا نفسي لا اعرف ما أثر تلك الرسالة عليه حتى يومنا هذا .

القصة حقيقية ، والأسماء مستعارة ، أعرضها بين أيديكم كي نتبرأ من عقوق واالدينا

وفي الختام تقبلوا خالص ودي وعظيم أمتناني ...
 
التعديل الأخير: