الغزل في التّاريخ العربي عرف العرب الغزل في العصر الجاهليّ وعمّقوا نسيجه في قصائدهم، وحكوا حكايات قصصهم ومغامراتهم شعراً موضّحاً انفعالاتهم ومشاعرهم، فصار بذلك جزءً أساسيّاً من نسيج القصيدة العربيّة وأعمدتها، بالانتقال إلى العصر الإسلامي تجد أن الغزل تضاءل وجوده من قصائد الشّعراء رغم أنَّ الرّسول عليه السّلام لم يمنع منه غير الفاحش، فقد أراد للغزل ألّا يكون فيه تعرُّض للمرأة وخَدْشٌ لحيائها، ومع انقضاء هذا العصر انتقالاً إلى العصر الأمويّ والعبّاسي توسّعت الفتوحات الإسلامية، واختلط المسلمون بالعديد من الأقوام التي أعادت لهم نظرة التّحرر للمرأة، وبهذا استقلت قصيدة الغزل بنفسها، وصار على النُّقاد تقسيم الغزل إلى أنواع: غزلٌ صريح، وغزل عفيف، ثمّ درسوا خصائص كلّ منهما فوجدوا أنَّ الشّعراء مالوا إلى الأوزان العروضيّة القصيرة والمليئة باللّحن الموسيقيّ، كبحر الخفيف، والوافر، والسّريع، وكلها تناسب الشّعر الذي تطوّر بعدها ليصبح شعراً غنائيّاً، واستعملوا فيه الألفاظ الرّشيقة الحضريّة السّهلة الخالية من طابع البداوة الخشن، فجاء شعرهم مفعماً بأحاسيس الحبّ، واللّوعة، وطهارة النّفوس، ومسحات من الحزن واليأس، أمّا في فترة ما بعد العبّاسية نجد أنّ شعر الغزل قد تراجع ليسيطر الشّعر الصّوفي على كلّ مشاعرهم، أمّا حديثاً، فقد أبدع الشّعراء جميل الشّعر الذي يزيد من شرارة الحبّ ويصف حالة المحبّين. شعر في الحب الآتي أجمل أبيات الشّعر في الحبّ: العصر الجاهلي ومنه ما قاله امرؤ القيس، وعنترة بن شدّاد، والأعشى. امرؤ القيس :تعتبر معلقة امرؤ القيس قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل التي أُخذت منها هذه الأبيات من أشهر المعلقات، وقد كتب القصيدة في القرن السادس الميلادي وهي من أجود ما قيل في الشعر العربي، وقد نظمت أبياتها على البحر الطويل، وقد اختلف الرواة في عدد أبيات المعلقة فمنهم من قال إنّها 77 بيتاً، وقال آخرون إنّها 81 بيتاً، وقيل إنّها 92 بيتاً، ومن أبيات هذه القصيدة ما يأتي أغرك منـي أن حبـك قاتلـي وأنـك مهمـا تأمـري القلـب يفعـل أجارتنا إنّ الخطوب تنوب واني مقيم ما أقام عسيب أجارتنا إنّا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب فأن تصلينا فالقرابة بيننا وإن تصرمينا فالغريب غريب اجارتنا مافات ليس يؤؤب وماهو آت في الزّمان قريب وليس غريباً من تناءت دياره ولكن من وارى التّراب غريب عنترة بن شدّاد يقول عنترة بن شداد: لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا ً عتبتُ صروفَ دهري فيكِ حتى فَني وأَْبيكِ عُمْري في العِتابِ وَلاقيْتُ العِدى وحفِظتُ قوْماً أضاعُوني وَلمْ يَرْعَوا جَنابي كما قال عنترة بن شداد أيضاً:<span style="****-align: right;]سَلا القلبَ عَمّا كان يهْوى ويطْلبُ وأصبحَ لا يشكو ولا يتعتبُ صحا بعدَ سُكْرٍ وانتخى بعد ذِلَّةٍ وقلب الذي يهوى العلى يتقلبُ إلى كمْ أُداري من تريدُ مذلَّتي وأبذل جهدي في رضاها وتغضبُ الأعشى الأعشى هو ميمون بن قيس بن جندل بن أسد بن ربيعة بن نزار، وقد لقب بالأعشى لأنّ بصره كان ضعيفاً، والأعشى لغةً هو الذي لا يمكنه الرؤية في الليل، كما عُرف باسم الأعشى الأكبر وأعشى قيس، ويعتبر الأعشى من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وكثرت الألفاظ الفارسية في شعره؛ لأنّه كان يكثر من زيارة الملوك من العرب والفرس، وقد كان غزير الشعر ولم يكن أحد من الذين كانوا قبله أكثر شعراً منه:<span style="****-align: right;]يضاحكُ الشّمسَ منها كوكبٌ شرقٌ مُؤزَّرٌ بِعَمِيمِ النّبْتِ مُكْتَهِلُ يَوْماً بِأطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ ولا بأحسنَ منها إذْ دنا الأصلُ علّقتها عرضاً، وعلقتْ رجلاً غَيرِي، وَعُلّقَ أُخرَى غيرَها الرّجلُ وَعُلّقَتْهُ فَتَاة ٌ مَا يُحَاوِلُهَا مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهذي بها وَهلُ وَعُلّقَتْني أُخَيْرَى مَا تُلائِمُني فاجتَمَعَ الحُبّ حُبّاً كُلّهُ تَبِلُ فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بصَاحِبِهِ نَاءٍ وَدَانٍ، وَمَحْبُولٌ وَمُحْتَبِلُ عصر صدر الإسلام ومنه ما قاله كعب بن زهير، وحسّان بن ثابت، وعمر بن أبي ربيعة، وقيس بن الملوّح الأبيات الآتية: <span style="****-align: right;]كعب بن زهير <span style="****-align: right;]كعب بن زهير هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، وقد عاش عصرين مختلفين عصر الجاهلية وعصر الإسلام، أخذ الأعشى الشعر عن أبيه هو وأخيه، ويعتبر زهير من الفحول المخضرمين، وكان عمر بن الخطاب لا يقدم شاعراً عليه، حيث كتب في جميع أصناف الشعر تقريباً، منها: الغزل، والهجاء، والرثاء، والفخر والمدح، ومن قصائده في الحب قصيدة بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ ومن أبياتها ما يأت:<span style="****-align: right;] بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ حسّان بن ثابت يقول شاعر الرسول <span style="****-align: right;]حسان بن ثابت:<span style="****-align: right;]ما بَالُ عَين دموعُها تَكِفُ مِن ذكْرِ خَوْدٍ شَطّتْ بها قَذَفُ بَانَتْ بها غَرْبَة ٌ تَؤمُّ بهَا أرْضاً سِوَانَا والشَّكْلُ مُختلِفُ ما كنتُ أدري بوَشْكِ بينِهِمُ، حتى رأيتُ الحدوجَ قد عزفوا فغادروني، والنفسُ غالبها ما شَفَّها، والهمومُ تَعتكِفُ عمر بن أبي ربيعة عمر بن أبي ربيعة هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن مخزوم، شاعر قرشي وقد كان مشهوراً ولم يكن في قبيلة قريش أشعر منه، أكثر من النوادر والغزل في شعره، وقد لُقب بالعاشق، وهو من شعراء الدولة الأموية من طبقة الأخطل، وجرير، والفرزدق، ومن أشعاره ما يأتي:<span style="****-align: right;]ذكرتكِ يومَ القصرِ قصرِ ابنِ عامرٍ بخمٍّ، وهاجتْ عبرة ُ العين تسكبُ فِظِلْتُ وَظَلَّتْ أَيْنَقٌ بِرِحَالِهَا ضوامرُ، يستأنينَ أيانَ أركبُ أُحَدِّثُ نَفْسي والأَحاديثُ جَمَّة ٌ وأَكْبَرُ هَمِّي والأَحاديثِ زَيْنَبُ إذا طلعتْ شمسُ النهارِ ذكرتها وأحدثُ ذكراها إذا الشمسُ تغرب وإنّ لها، دونَ النساءِ، لصحبتي وحفظيَ والأَشْعَارَ، حِينَ أُشَبِّبُ وإنَّ الذي يبغي رضاي بذكرها إليَّ، وإعجابي بها، يتحبّب إذا خَلَجَتْ عَيْني أَقُولُ لَعَلَّها لِرُؤْيَتِها تَهْتَاجُ عَيْني وَتَضْرِبُ إذا خدرتْ رجلي أبوحُ بذكرها لِيَذْهَبَ عَنْ رِجْلي الخُدُورُ فَيَذهَبُ قيس بن الملوح يقول<span style="****-align: right;] قيس بن الملوح:<span style="****-align: right;]تَوَسَّدَ أحْجَارَ المَهَامِهِ وَالْقَفْرِ وَمَاتَ جَريحَ الْقَلْب مَنْدَمِلَ الصَّدْرِ فيا ليت هذا الحب يعشق مرة فيعلم ما يلقى المحب من الهجر العصر الأمويّ ومنه ما قاله عروة بن حزام، وجميل بثينة، وقيس بن ذريح، والأحوص.<span style="****-align: right;] عروة بن حزام <span style="****-align: right;]عروة بن حزام هو عروة بن حزام بن مهاجر الضني من بني عذرة، يُعدّ من متيمي العرب فقد كان يحب ابنة عمه عفراء التي نشأ معها في بيت واحد، وقد تقدم عروة لخطبتها ولكنّ عمه طلب مهراً كبيراً لا يقدر عليه عروة، فذهب عروة إلى عم له في اليمن ليأتي بالمهر، ولما عاد كان عفراء قد تزوجت برجل أموي من الشام فضنى حباً، ومن أبياته الشعرية ما يأتي<span style="****-align: right;] وإنّي لتعروني لذكراكِ رعدةٌ لها بين جسمي والعظامِ دبيبُ وما هوَ إلاّ أن أراها فجاءةً فَأُبْهَتُ حتى مَا أَكَادُ أُجِيبُ وأُصرفُ عن رأيي الّذي كنتُ أرتئي وأَنْسى الّذي حُدِّثْتُ ثُمَّ تَغِيبُ وَيُظْهِرُ قَلْبِي عُذْرَهَا وَيُعينها عَلَيَّ فَمَا لِي فِي الفُؤاد نَصِيبُ وقدْ علمتْ نفسي مكانَ شفائها قَرِيباً وهل ما لا يُنَال قَرِيبُ حَلَفْتُ بِرَكْبِ الرّاكعين لِرَبِّهِمْ خشوعاً وفوقَ الرّاكعينَ رقيبُ لئنْ كانَ بردُ الماءِ عطشانَ صادياً إليَّ حبيباً، إنّها لحبيبُ وَقُلْتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَةِ داونِي فَإنَّكَ إنْ أَبْرَأْتَنِي لَطَبِيبُ فما بي من سقمٍ ولا طيفِ جنّةٍ ولكنَّ عَمِّي الحِمْيَريَّ كَذُوبُ عشيّة َ لا عفراءُ دانٍ ضرارها فَتُرْجَى ولا عفراءُ مِنْكَ قَريبُ فلستُ برائي الشّمسِ إلا ذكرتها وآلَ إليَّ منْ هواكِ نصيبُ ولا تُذكَرُ الأَهْواءُ إلاّ ذكرتُها ولا البُخْلُ إلاّ قُلْتُ سوف تُثِيبُ وآخرُ عهدي منْ عفيراءَ أنّها تُدِيرِ بَنَاناً كُلَّهُنَّ خَضيبُ عشيّة َ لا أقضي لنفسي حاجة ً ولم أدرِ إنْ نوديتُ كيفَ أجيبُ عشيّة لا خلفي مكرٌّ ولا الهوى أَمَامي ولا يَهْوى هَوايَ غَرِيبُ فواللهِ لا أنساكِ ما هبّتِ الصّبا وما غقبتها في الرّياحِ جنوبُ فَوَا كَبِدًا أَمْسَتْ رُفَاتاً كَأَنَّمَا يُلَذِّعُهَا بِالمَوْقِدَاتِ طَبِيبُ بِنَا من جَوى الأَحْزَانِ فِي الصّدْرِ لَوْعَة ٌ تكادُ لها نفس الشّفيقِ تذوبُ ولكنَّما أَبْقَى حُشَاشَة َ مُقْولٍ على ما بِهِ عُودٌ هناك صليبُ وما عَجَبِي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجي