«حكاية بحرينية».. تكثيف الألم ورصد الأمل الطالع من المحرق

  • بادئ الموضوع بحرينية و افتخر
  • تاريخ البدء
ب

بحرينية و افتخر

Guest
(( بسم الله الرحمن الرحيم ))

«حكاية بحرينية».. تكثيف الألم ورصد الأمل الطالع من المحرق


حكاية بحرينية قصة سينمائية مستمدة من رواية واقعية، توالت حوادثها في ذاكرة طفل بحريني وظلت محفورة بعمق الحنين لمذاق الحرية كغاية لا تغادر المخيلة.
طفل احتمى بهواية تربية الحمام، العناية بطائر رهيف يراه كل نهار ويتباهى بحرية الأفق أكثر منه، طفل اعتنى كثيراً بتدوين سيرته حين اشتد به الحرف وعانق جرأة القلب، لذا انكب على الورق لتجسيد كل ما حدث في تشكيل روائي يحتمل كثيرا من التفاصيل التي احتدمت ضمن خصوصية العائلة وشمولية التاريخ الوطني لشعب البحرين.
هكذا تم تكثيف الألم، ورصد الأمل الطالع من مدينة المحرق، حيث يونيو/ حزيران 1967 وما تعاضد من تداعيات الهزيمة وجذوة النهوض الوطني والقومي، تنامي الحس الكفاحي ضد المستعمر ورفض قوى التسلط، تداعيات عدة ترصدها عدسة مدربة على تقصي حياة عائلة بحرينية بكل تفاصيلها وعلاقاتها وتصدعاتها، تلك التي أتقن الروائي والسينارست البحريني فريد رمضان محاورتها وتدوينها بذاكرة نابضة بالمحبة والقدرة على تدوين شهادته بحرص بالغ تسنى له، كما لم يتوان المخرج البحريني بسام الذوادي عن تقصي المشاهد وحزمها برؤى مدهشة، تعبر عما جال في قلبه وذاكرته من حب لتلك الحكاية النابضة بآهات المحرق الوقت كله.
في صباح ما، نرى الطفل خليفة المتقد لمعنى الحرية وصديقه سالم يقفان عند البحر، يحدقان بقواربه ونوارسه، ثم يعودان من الشاطئ محملين برفيف الأحلام.. بعد مشاهدة أجنحة الحمام تحلق نحو الأفق، نصطدم بمشهد العروس فاطمة، أخت خليفة وهي تهرول عبر الأزقة، تنتحب من العنف اليومي الذي تتعرض له، نراها تركض هاربة من بيت زوجها الذي هو ابن عمها يعقوب، تدخل بيت أبيها مستنجدة بزوجة أبيها لطيفة، التي تحاول تهدئتها، يتصاعد العنف مرة أخرى على يد أبيها وعمها وزوجها الذين يتكالبون على جسدها الطري لضمان انصياعها وعودتها الى البيت، تتواتر تلك الحوادث نحو نهاية مأساوية تجسدها فاطمة برفضها الحياة الزوجية التي أرغمت عليها، عندما رفضوا تزويجها من حمد الذي تحبه، تنهي فاطمة تاريخ العنف العائلي بإفراغ زجاجة كيروسين على رأسها أمام زوجها الذي يشاهدها مذهولاً، وهي تشعل عود الثقاب.. لتحترق أمامه وهو يرقب انتحارها البطيء.. من دون أن يفعل أي شيء.
في خضم تلك الحوادث، يعرض الفيلم لنا حياة ثلاث نساء، فاطمة ولطيفة ومنيرة في صراعهن مع الحياة، ليدلنا على اختلاف المواجهات بينهن وبين أقدارهن، يتخلل تلك المشاهدات تسجيل مؤثر لمحطات تاريخية لشعب البحرين مثل خبر وفاة الزعيم جمال عبدالناصر والجنازة الوهمية التي سارت في الشوارع، تصوير هلع الناس وهم يتخاطفون صوره وكلماته، حيث كان يمثل العزة والكرامة والحرية التي تشبثت بها أفئدة الناس في ذاك الزمان، كتعبير عن طموحاتهم وأحلامهم نحو حياة حرة كريمة، مشهد التظاهرات العمالية وتوزيع المناشير السرية والمطالبات النقابية وغيرها من مواقف ضد التسريح الجائر من العمل، كل هذه المشاهد تضافرت ضد الظلم ونحو المطالبة بحياة تستحق ان تعاش.
فريد رمضان وهو يروي ما حدث، لم يستسلم لغير المكاشفة والجرأة في إعلان مخزون الذاكرة، نبض القلب، بدأ من تصدعات ذاكرة البيت حتى حرية ساحل البحر ولم ينته بعد، أراد لروايته ان لا تنسى شيئاً رآه في أروقة وبيوت وقلوب ناس المحرق، مدينة الطفولة، لذا عرى كل شيء، استدعى سواعد الرجال وهي تتعالى كل هتاف في الأزقة المكتظة بالرايات، رصد النسوة الملتحفات بالعباءت وهن يخفين الجرحى في البيوت، كتب عن الحب المصادر والمكبوت في أفئدة الصبايا، أعاد إضاءة القلب المرمد بعد أعتى حريق ألم به، سطر الأحاديث التي تراق في المقاهي الشعبية بأغنياتها المرهفة، سجل منازعات الصبية أمام دار السينما الوحيدة، أعراس النسوة ومماحكات الفتيات، كل تلك المشاهد كتبها ليعيدنا ببطء الى نبض ماضي البحرين ورائحة البحر الذي كان. .

باي باي