نهى الأحمد
*مساعدة مشرفات قسم المناقشات الجادة*
- إنضم
- 6 يونيو 2009
- المشاركات
- 21,541
- مستوى التفاعل
- 28
- النقاط
- 0

ثمة قول مشهور متداول، يستخدمه الكثيرون في التعبير عن فهمهم لمعنى التفاؤل والتشاؤم، ومضمون هذا القول أن (المتفائل يرى الجزء المملوء من الكأس، بينما يرى المتشائم الجزء الفارغ منها)، ويشتمل هذا التمثيل على تصوير جزئي ناقص لمعنى التفاؤل والتشاؤم، فهو يعبر عن جانب من موقف كل من المتفائل والمتشائم من الحياة، والاستعداد النفسي لدى كل منهما للتركيز على رؤية جزء معين ، فهذا التشبيه يفترض أن هناك حقيقة موضوعية قائمة في الوقت الحاضر، تتمثل في وجود كأس مملوءة بالماء حتى منتصفها، لكن النظرة الذاتية لشخصين مختلفين اتجهت كل منهما لرؤية جزء من هذه الحقيقة وإغفال الجزء الآخر.
ولو أردنا أن نتخذ من صورة هذه الكأس (الفارغة ـ المملوءة) منطلقا لفهم أكثر شمولا للتفاؤل والتشاؤم، لقلنا أن المتفائل سيرى الجزء المملوء والجزء الفارغ من الكأس كليهما، لكن تفكيره سينطلق من عند الجزء المملوء، فيصبح على ثقة من إمكانية ملء الجزء الفارغ مستقبلا، أما المتشائم فسيرى الجزأين أيضا، لكنه سينطلق في تصوره للمستقبل من عند الجزء الفارغ ليتوقع أن المملوء منه سوف ينسكب ! هذا ما لم يتوقع أن الكأس ذاتها سوف تنكسر..!
إذن فالتفاؤل هو ميل أو استعداد نفسي للنظر بإيجابية وأمل إلى الحاضر والمستقبل، وهو موقف تجاه الحياة أو حيال الحقائق والوقائع، يميل إلى التركيز على الجوانب المشرقة وتوقع الأفضل، والإيمان بإمكانية التغيير.
لكن هل لهذا الموقف من الحياة ما يبرره ؟ وهل لهذه النظرة بأمل إلى المستقبل ما يسندها ؟ وهل للتفاؤل بوجه عام ما يدعمه من حجج منطقية وواقعية وعملية، وبمعنى آخر هل هناك من معطيات تقنعنا بأن التفاؤل أصح وأولى من التشاؤم، رغم أن في الحياة حقائق موضوعية قد تدعونا للتشاؤم ؟
لكن هل لهذا الموقف من الحياة ما يبرره ؟ وهل لهذه النظرة بأمل إلى المستقبل ما يسندها ؟ وهل للتفاؤل بوجه عام ما يدعمه من حجج منطقية وواقعية وعملية، وبمعنى آخر هل هناك من معطيات تقنعنا بأن التفاؤل أصح وأولى من التشاؤم، رغم أن في الحياة حقائق موضوعية قد تدعونا للتشاؤم ؟
لم يقلل أحد من علماء النفس ،من أهمية العوامل الذاتية في تحقيق النجاح في أي منحى من مناحي الحياة، لأن أي عمل أو مشروع أو إبداع يحتاج إلى أمل في أن النتيجة سوف تتحقق، ويحتاج إلـى حدود دنيا من المبادرة والإيجابية والحماس، وإلى جوانب معنوية متعددة أخرى. لاسيما أن الإنسان يبدأ بتكوين اتجاه وموقف حيال الأشياء والأحياء والوقائع بعواطفه وضمن ما يحب وما يكره، ثم يشرع بحشد الأسباب والمبررات العقلانية التي تدعم موقفه الوجداني منطقيا.
ومما يدعم ويقوي فكرة أهمية التفاؤل كذلك، معرفتنا أن المتميزين ممن أفادوا البشرية عبر تاريخها الطويل، وكانوا سببا في تطويرها وتقدمها وتحسين جودة ومستوى معيشتها، سواء أكانوا قادة أم مصلحين أم مخترعين، هم من المتفائلين الذين اعتقدوا بإمكانية التغيير للأحسن، وآمنوا بالقدرة على التحكم بالبيئة الاجتماعية والطبيعية، فلو كان هؤلاء متشائمون يعتقدون بأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، أو يؤمنون باستحالة التغيير وتعذر التطوير، إذن لما غيروا ولا قادوا إلى التقدم، ولا حققوا نتيجة، ولا حولوا العلم إلى تكنولوجيا، فهم فيما حققوه بذلوا وحاولوا وفشلوا، لكن أملهم وإيمانهم بإرادتهم وإرادة من حولهم والقناعـة بإمكانية الوصول للأفضل دائما، حقق لهم الإنجازات، ودفعهم لبلوغ أهدافهم، أي أن التفاؤل كان من أهم عوامل نجاحهم.
ثم إن التفاؤل بوجه عام أقرب إلى الحقيقة من التشاؤم، لأن الحياة البشرية تسير باستمرار نحو الأفضل (بغض النظر عما يقوله الذين يتغنون بالماضي لأسباب نفسية) فحياة البشرية بوجه عام في لحظة من الزمن أفضل عادة مما كانت عليه في حقبة سلفت، فيما عدا التذبذب الذي لا يقاس عليه، فهي أفضل على المستوى الصحي، ومقدار التحكم بالطبيعة والظروف، وعلى المستوى الاقتصادي، ومستوى الوعي والمعرفة، وعلى مستوى الحريات وكرامة الإنسان والديموقراطية، وأفضل على مستوى تعدد وتزايد الخيارات المتاحة للأفراد، وهذا أمر تجزم به الأرقام والدراسات والإحصاءات، ولا ينقضه الحنين إلى الماضي ونسيان التجارب السلبية والاعتقاد بأن الأمس كان أفضل
أضف إلى ذلك من الأسباب التي تؤيد تبني التفاؤل كفلسفة حياة، ومنهج تفكير، وموقف من الوجود، أن نقيضه ـ أي التشاؤم ـ يرتبط بالأمراض النفسية في كثير من الحالات، فمن أعراض الكآبة مثلا النظرة السوداء إلى الحياة وغياب الأمل بالمستقل ،الى توقع الإنسان شرا وشيكا في المستقبل يبعث فيه التوتر وعدم الارتياح باستمرار 00 بينما يرتبط التفاؤل عادة بالشخصيات المتوازنة ويعتبره الباحثون أحد مقومات الشخصية القيادية، وشرطا من شروط النجاح، إضافة إلى أن المتفائلين هم الأكثر سعادة في العادة، وهم الأكثر قبولا مـن طرف المجتمع.
ممــا راق لــي لكم ....