رحلة الحج المباركة

حديث الروح

*مشرفة ساحة الابداع و المنتديات الإسلامية*
إنضم
30 سبتمبر 2011
المشاركات
10,233
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الكويت






رحلة الحج هي رحلة القلوب مع الأجساد..
ورحلة الإيمان مع تحرك الأبدان .. فيها عبر ودروس وتذكير ..
فهيا لنتأمل الحكمة من بعض مواقفها :

1- الحج تذكير بالحشر ..
وبمصاعب وشدة ذلك اليوم العظيم
حيث يملأ الناس أرض المحشرمتجهين بجموعهم إلى الله
في هيئة واحدة وفي ساعة بعث واحدة ..
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،
يومٍ لاتغيب شمسه وتقترب ، من رؤوس الخلائق قدر ميل..
فيغرق الناس في عرقهم ... يومٌ ملئٌ بالكرب والأهوال .

يتذكر الحاج هذا اليوم ..
وهو تحت حر الشمس ولهيبها..
في النفرة من مزدلفة ، والوقوف بعرفة
والتوجه لرمي الجمرات ..
وفي كل تنقلاته في أداء مناسكه ..

وها هي الآيات في أول سورة الحج
ترسم لنا هذا المشهد الهائل ليوم الكرب العظيم ..
في تنبيه للمؤمنين من غفلتهم ،
ودعوتهم إلى تصحيح مااعوج من مسيرة حياتهم
اتقاءً لهول ذلك اليوم ..
بالإنابة إلى الله ... والتوبة النصوح
وطرح أدران النفس ، والتحرر من ربقة الذنوب..

يقول تعالى :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ،
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ،
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)..

تصوير لاأبلغ ولا أعمق منه قرعاً على النفوس !
آيات يقشعر من هول إيحاءاتها البدن ..
خشيةً وإشفاقاً..من مشهد يوم عظيم .!
( فهلا تداركنا ذنوبنا .. وهدنا إلى الله ؟)


2- تذكير بالجهاد ..
لما فيه من ارتحال من مكان لآخر ، وتدريب قاسٍ ،
وتعب ومشقة والتزام بأوقات وشعائر
أمر بها الله تعالى.. وعلمنا رسوله الكريم إياها.
وفيها جهاد للنفس وقمعها وترويضها على
مغالبة هواها .. والالتزام بالطاعة ..
ولذا نرى أن آيات الجهاد في سورة الحج..
جاءت مباشرة بعد آيات الحج .


3- تذكير بالعبودية لله تعالى
فالكل عبيده .. خاضعين لمشيئته .. ملبين نداءه ..
لافرق بين هذا وذاك .. ولا تميّز
ولا أفضلية .. ولا طبقية ..مهما كان انتمائه ..
ومهما علت منزلته .. وكبر شأنه ..
الكلٌ سواسية.. يدعون إلهاً واحداً
ويلتزمون شعائر واحدة .. ويقفون سويةً
لا فرق بين عبد .. وعبد.. إلا بالتقوى ..
فالأتقى عند الله ..الأكرم عنده .


4- الحج رحلة سلام روحي ..
حين يتنقل الحاج بين أماكن الشعائر ، فكأنه ينتقل من الحاضر الى التاريخ
ومن التاريخ الى الحاضر .. عبر مشاهد تغلب عليها الرمزية ..
هناك تتلاقى مشاعر الايمان والانتماء الديني والاجتماعي الواحد
ومشاعر الاخوة والوحدة بينه وبين الحجاج على اختلاف ألوانهم ،
فالحج ساحة سلام روحي يحقق في عالم الروح والشعور
من الوحدة والتقارب .. ما تخفق السياسة في تحقيقه واقعاً.

****

5- مابين الصفا والمروة
في السعي ذهاباً وإياباً يستحضر المسلم فقره وذله
وحاجته إلى الله في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه ،
وأن يهديه إلى الصراط المستقيم ، وأن يثبته عليه إلى مماته،
وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي،
إلى حال الغفران والسداد والاستقامة،
يستحضر هرولة هاجر ، ومعاناتها ، وما لاقت من المشاق والنصب
يعيش بقلب هذا الحدث مسترجعاً ذلك الزمن،
مع موقف خلده الله تعالى وكُرمت به هاجر جزاء صبرها وجلدها ..
وجعله آية تتلى ومنسكاً يؤتى.. قال تعالى :
( إن الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه).


أشواق عابدة ~
قال شاهد :
حج قوم من العبّاد و فيهم عابدة، فجعلت تقول:
أين بيت ربي، أين بيت ربي؟ فيقولون: سترينه الآن
إذا دنت المنازل زاد شوقي - ولا سيما إذا دنت الخيامُ
فلما لاح البيت، قالوا لها :
هذا بيت الله ..بيت ربك وربنا ..
فاسرعت الخطى واللهفة والشوق يسبقانها وهي غير مصدقة عينيها
ومازالت تردد وتقول: بيت ربي، بيت ربي،
حتى وضعت جبهتها على البيت وسكنت على هيئتها
فلما رفعت كانت قد أسلمت الروح .

****

على صعيد عرفة ~
هو ذلك اليوم التاسع من ذي الحجة ..
اليوم الذي يباهي الله بأهل الموقف ملائكته ويبسط فيه
يد الرحمة والعفو والتوبة... ومن فاته هذا الموقف فقد فاته الحج..
فبه يبلغ الحاج قمة السمو الروحي
ويصل أعلى درجات الاجتهاد الإيماني..
واسمى منازل القرب من الله تعالى ..
كلما اجتهد قلبه في التهدج والاستغفار ..
وكلما انغمرت روحه في مسالك الدعاء ..
وكلما خشعت عيناه وأجهشت بالبكاء..
ندماً على مااقترف من الذنوب والمعاصي
وما قصر فيه من عبادات وطاعات
وما فاته من أعمال الخير ..
وما جناه وما ارتكبت يداه ..
يمر شريط حياته أمامه في هذا الموقف العظيم
فيدمى فؤاده ندماً .. ويتذلل في طلب المغفرة بقلب منيب
خاشعاً متمثلاً عظمة الخالق ، وعظم تقصيره في حقه ..

وكلما لجّت نفسه في طلب الغفران ...
وتمثل لها حجم ماارتكبته ..
كلما شعر بأنه بدأ يتحرر من عبء ثقيل كان يجثم على قلبه ..
وحمل ثقيل كان ينوء به كاهله
ويشعر وهو في استغراقه في موقفه الروحي..
بشدة القرب من الله ..وشدة الفقر إليه ..
وبذنوبه وهي تتساقط عنه ..
تساقط الورق الميت عن الشجرة الحية ..
ويشعر أن ما كان يرين على قلبه.. قد انجلى عنه
تاركاً صفحته بيضاء نقية ..

فمن منّ الله عليه بذلك ..
ووصل إلى هذه الدرجة من الشعور واليقين
فقد نال الجائزة الكبرى ..
جائزة العفو والغفران.. وهبات الرحمن التي لاتحصى ...
وعاد خفيف النفس من الأوهاق .. نقي الضمير من الذنوب ..
عاد إنساناً بفطرته السوية.. التي فطره الله عليها
كهيئته يوم ولدته أمه



- حديث الروح -
ولي نبض أخر