لــــــــــــــن نـــــصــــبـــــــح بــــــــشــــــراً ...

ضي مشاعر

New member
إنضم
27 أغسطس 2005
المشاركات
771
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
38
الإقامة
في وسط قلبه
.





في آخر ليلة من ليال رمضان ....


وبينما كان السوق يعج بزبائنه الذين كانوا يسابقون الزمن لشراء حاجاتهم قبل شروق شمس العيد , وأمام أحد تلك المجمعات التجارية التي اعتادت أن تكون حكرا على أباطرة المال ولصوصه ....كان يقف ذلك الرجل , الرث الثياب والهيئة , ممسكاً بيده مكنسة وبجواره عربة صغيرة , ربما اعتاد أن يضع فيها حصاد مكنسته ...

كان يبدو وكأن السنون قد أكلت من عمره الكثير وماأبقت له إلا القليل ...ملامح البؤس والشقاء تفضحه ...

كان يقف هناك وسط ذلك الضجيج وكأنه استثناء في كل شيء , في مشهد البذخ والفرح الذي كان يحيط به , في المظهر , في الأمنيات , في الواقع ...في كل شيء ...

كان يقف تارة ليمعن النظر طويلاً في ذلك الرصيف الذي كان يكنسه , وتارةً أخرى يرفع رأسه ليبتسم للمارة ويوزع عليهم التهاني بالعيد ...نعم كان يوزع عليهم التهاني بعيدهم , بضيفهم القادم غداً , وكأنّ هذا الضيف لا يعنيه شأنه ولاالتهيأ لاستقبالة بحفاوة كما كل الناس , كأنه اعتاد وفي كل عام رده من الباب خائبا ...لكن هذا ماكان ليثنيه عن تصنع الفرح وتوزيع التهاني , وماكانت لتثنيه أيضا نظرات الازدراء والتجاهل , وحتى القرف التي كانت تقابل به الكثير من تهانيه ...!!

كان يبدو في لحظات مرتبكاً ...يحرك رأسه يميناً وشمالاً ...يعبث بمكنسته قليلاً ...يتأمل الآرض طويلاً ...كأنه يبحث عن شيء يفقده ...أو كأنه يبحث عن مكان يواري فيه بؤسه وشقاءه ...أو مكان يفرغ فيه صندوق أحزانه الكبير ...

لكن في تلك اللحظات ماكان ليجد إلا واقعه محيطاً به من كل جانب ...تلك العربة التي كانت تقف بجانبه ....والمكنسة ...وتلك العيون التي كانت تحاصره بنظرات الإهانة والإذلال ...!!

ربما كان يسأل في نفسه عن كل هؤلاء وعن نفسه أيضا , ومالذي يجمع بينه وبين كل هؤلاء الناس ؟؟!!

ربما في نظره الكثير , وفي نظرهم لاشيء ...!!

لكن الأكيد أنه يعتبر نفسه إنساناً كل هؤلاء , وربما كان يريد أن يصرخ في وجوههم ويقول : إنّ هذا الذي تزدريه أعينكم ماهو إلا يشراً سويا ...بشر بقلب , وروح , ونفس , وقبل ذلك بجسد يشعر بكل ذلك العذاب ...

يفرح ...يحزن ...يتألم ...يحلم ...ككل البشر

كان يبدو في تلك اللحظات وكأنه استرسل بحديث عميق مع النفس , ربما عرج فيه على واقعه , وعلى قصة الحرمان التي قد يكون عاشها طويلاً في حياته , عن تراكم السنين القاسية , عن الطفولة المعذبة , وعن البطون التي تتضور جوعاً وتنتظره في كل مساء حتى أجبرته على أن يجر تلك العربة ويكنس الشوارع ...

ازدادت حركاته ارتباكا ...وكأنه اكتشف فجأة بأن لاأحد ينصت لأعماقه , ولكل ذلك الضجيج الذي كان بداخله ....

اكتشف متأخرا ذلك , فما كان منه إلا أن أخرج علبة سجائره من جيبه وتناول واحدة منها عل عجل وأشعلها , وراح ينفث دخانها عالياً وهو ينظر إلى السماء بعد أن أسمد ظهره إلى الحائط ...

المعذرة ياصاحبي ...ربما لم تكن تدري في تلك اللحظات أني تسللت إلى أعماقك خلسةً ودونما استئذان ...أني أنصت لكل ذلك الضجيج الذي كان بداخلك ودون أن تدري ...لكن ربما للألم لغة خفية في هذه الحياة تبدو حكراً على المعذّبين ..!!

دعني أقول لك الحق ياصاحبي ...: نعم نحن تعودنا أن نزدريك حقا ...ربما لأننا أطلقنا عليك ومنذ ومن لقب زبال وليس عامل نظافة ...!!

أو ربما لأننا نعتبر خدمتك لنا بكل ذلك التفاني والإخلاص , حتى لو كنت مأجوراً عليها , وسمة عار في جبينك تستحق عليها الإزدراء ...!!

أور بما لأننا اعتبرناك وضيعاً لأنك قبلت هذه المهنة ورفضت أن تكون لصاً كبيراً أو صغيراً , واخترت أن تأكل لقمتك بعرق جبينك وليس بغيره ...!!

أو ربما لأننا اعتبرناك ووفق تصنيفاتنا الخاصة , إنسان من الدرجة الثالة أو الرابعة , لأنك اخترت الصمت والصبر على واقعك , وغيرك اختار الصياح والنواح من شوكة ...!!!

أور بما لأننا لم نتعود على رؤيتك في الطريق ...ربما لأننا نعتبر أنك وتلك العربة التي تجرها سواء ...فما رأيناك يوماً ما في طريقنا ...ومن رآاك منا لم يكلف نفسه ولو مرة واحدة قول : " جزاك الله خيرا "

ربما كل هذه التهم تستحق عليها الإزدراء في هذا الزمن البائس ...!!



لكن في تلك اللحظات ماكان ليجد إ واقعه محيطاً به من كل جانب ...تلك العربة التي كانت تقف بجانبه ....والمكنسة ...وتلك العيون التي كانت تحاصره بنظرات الإهانة والإذلال ...!!
لست أدري بم كان يفكر ذلك الرجل ....وهو ينظر لكل نلك الوجوه التي يعلوها الفرح والبهجة ....
ولكل تلك الجيوب التي كانت تبدو منتفخة .....
ولتلك الأكياس التي امتلأت بثياب الفرح ....
بأي عين كان ينظر لكل تلك العيون التي كانت تزدريه ...!!


ألف تحية لك ياصاحبي على كل تلك التهم التي احتكرتها أنت دون غيرك ...ألفت تحية لصبرك ...لصمتك لشجاعتك ...وحتى لحزنك لأنه صادق ...!!


لاأخفيك كنت أفكر في عنوان لهذه المقالة التي أهديها لك , لأني كنت أخاف من عنوان قد تزدريه أعينهم , وقد يكون سببا في تجنب قراءة المقال , وتصنيفه على أنه أيضا مقال من الدرجة الرابعة أو الخامسة , فكرت دون جدوى , إلا أن كتابا بجانبي عنوانه العريض " لن نصبح بشراً " ألهمني العنوان ...وألهمني لأقول :



حقاً لن نصبح بشراً قبل أن نعترف أنك وغيرك بشراً مثلنا ...

لن نصبح بشراً قبل أن نعترف بوجودك أنت وغيرك في هذه الحياة ...

لن نصبح بشراً قبل أن نلغي ثقافة ا والتكبر والاستعلاء على خلق الله من قواميسنا ..

قبل أن نشعر بأنين هؤلاء المستضعفين , ونحسن إليهم ...

لن نصبح بشرا قبل أن نغرس روح العدل والمساواة في نفوسنا ...قبل أن نغرس المحبة ...والرحمة ...


وحتى نصبح بشرا ياصاحبي لاأملك إلا أن أقول لك : جزاك الله كل خير ...وألهمك من الصبر مايبلغك به جنته ...

أما لأنفسنا فلاأملك بعد كل هذا الذ ذكرته آنفاً إلا التذكير بقوله تعالى :


(( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ))
 

عربجيه

New member
إنضم
25 أبريل 2009
المشاركات
1,902
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
دار جابر( الله يرحمك يا يبا)
إنسان من الدرجة الثالة أو الرابعة , لأنك اخترت الصمت والصبر على واقعك , وغيرك اختار الصياح والنواح من شوكة ...!!!


صدقتي ، بس الحمدلله الحين صار فيه وعي شوي بس للأسف هالفئه ماتزال موجوده وبشكل كبيرر( فئه تفرقه بين النا بسبب الوظيفه)

طررح شامل رائع

جزاك لله خير