وقفات تدبرية في سورة السجدة

المحاميه ن

New member
إنضم
28 يناير 2014
المشاركات
2,918
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )[1].
لما بين الله سبحانه للكفار، أنه لا رجوع لهم إلى الدنيا، أنَّبهم على ما عملوا من تدسية نفوسهم بفعل المعاصي وترك الطاعة له، فقال ( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ).
ولأن الجزاء من جنس العمل، فلما نسوا وأهملوا وتكبروا عن أوامر الله وكذبوا بهذا اليوم واستبعدوا وقوعه، تركهم الله في العذاب وسبب استحقاقهم تلك الإذاقة إهمالهم التدبر في حلول هذا اليوم. فكأن الله يقول: إنني عاقبتهم على نسيانهم ذلك اليوم، بأن جعلتهم هملا يوم القيامة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم عظيم مهين!
هذه آية عظيمة مزلزلة تقشعر لها الأبدان وترتجف لها القلوب وتخشع لها الأبصار، وقد حذرنا الله أن نكون كأولئك الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم!
يا من نسيت صلاتك وما فرض الله عليك من طاعات، تأمل إلى مآلك ونتيجتك يوم القيامة، هل تقوى على هذا العذاب؟!!
يا من فرطت في جنب الله، ألا تتفكر وتتأمل للحظات بأن هذه الدنيا فانية زائلة، وأنك ستقف بين يدي الله يحاسبك على ما اقترفت من ذنوب ومعاصي؟!! وهنا لابد الإشارة إلى أهمية العمل الصالح وأنه سبب دخول الجنة لا مجرد العلم فقط أو الأماني، قال تعالى ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )[2]. لذلك لا ينبغي أن نستزيد من العلم لمجرد العلم، بل لابد من العمل بمقتضى هذا العلم، وإلا سيكون حجة علينا ووبالا يوم القيامة، قال تعالى( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ )[3]، روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم، وخالفوه إلى غيره.[4]عن مالك بن دينار قال: مكتوب في التوراة: كما تدين تدان وكما تزرع تحصد.[5]
قال تعالى( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ )<span style="****-align: right;][6].
في هذه الآية انتقال من مشهد المكذبين الذين لا يخضعون، إلى مشهد المؤمنين الموقنين، وجاءت هذه الآية في وسط السورة كاللؤلؤة في وسط العقد، فهي مادتها ونتيجتها وخلاصتها، فمن يوقن بهذه الحقائق لا يملك إلا أن يخضع لله ويسجد له.
هنالك فرق بين ( فقعوا له ساجدين )<span style="****-align: right;] ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ) ( خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم ).<span style="****-align: right;] في الأولى: بعد أن نفخ الله بآدم الروح وكان الملائكة مشغولين بالتسبيح والتحميد <span style="****-align: right;]ولأهمية هذا الحدث من كان مشغولا بشيء ثم انتبه كأنه وقع.
<span style="****-align: right;]والثانية: هو السجود الطبيعي الذي نقوم به في الصلاة، وكذلك سجود الملائكة لآدم عليه السلام.
والثالثة: عندما يقرأ الإمام في الركعة الأولى من فجر الجمعة بسورة السجدة<span style="****-align: right;] ويصل إلى قوله ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ) <span style="****-align: right;]فإنهم ينزلون من قيامهم خاضعين ساجدين متذللين لله عز وجل، كخرير الماء وهو هبوط مصحوبا بصوت، كأنه صوت الخشوع والبكاء، وفرق بين شخص قرأ آية فسجد، <span style="****-align: right;]وآخر قرأ آية مؤثرة فسجد وهبط إلى الأرض وهو يبكي.<span style="****-align: right;] وأوثرت صيغة المضارع في إنما يؤمن لما تشعر به من أنهم يتجددون في الإيمان ويزدادون يقينا<span style="****-align: right;] وقتا فوقتا.<span style="****-align: right;][7]
فائدة السجود من الناحية العلمية:
بسبب التطور التقني وكثرة الأجهزة الكهربائية والآلات المتعددة، التي يستخدمها الإنسان وتكون حوله يوميا، <span style="****-align: right;]يستقبل كميات كبيرة من الأشعة الكهرومغناطيسية،<span style="****-align: right;] فيصاب بالصداع والضيق والكسل والخمول.
باحث غربي غير مسلم اكتشف أن أفضل طريقة لتخلص الجسم من تلك الشحنات الموجبة المؤذية؛ <span style="****-align: right;]أن يضع جبهته أكثر من مرة على الأرض السالبة، والأفضل أن تضعها على التراب مباشرة!<span style="****-align: right;] والطريقة الأمثل أن تضع جبهتك وأنت في اتجاه مركز الأرض التي هي الكعبة في مكة المكرمة!
<span style="****-align: right;]ومن هداية الآية:
( إذا ذكروا بها ) من أي مذكر كان، وهنا فائدة وهي ضرورة الاستجابة والتواضع والانقياد للنصيحة والتذكرة، أيا كان صاحبها،<span style="****-align: right;] فاتباع الحق لا يتوقف على عين حامله وقائله! فالحق أحق أن يتبع.
<span style="****-align: right;]في السجود تضع وجهك وجبهتك، وهي رمز العلو والرِّفْعة تضعها على الأرض خضوعاً لله عَزَّ وَجَلَّ<span style="****-align: right;].[8]
إذا رضي المؤمن أن يضع أعز شيء فيه وهي جبهته، على التراب وهو أذل شيء يطئه الناس، فقد عرف الله حقه.
الله جل جلاله غني عن سجود جميع الخلق، <span style="****-align: right;]ولكن ما رزق المؤمن السجود له وأعانهم عليه إلا لأنه يحبهم،<span style="****-align: right;] وهذا من أعظم التوفيق.
النفس تمر بحالات من الغفلة والنسيان، <span style="****-align: right;]فهي بحاجة لتذكير مستمر وتنشيط للأذهان وتجديد للإيمان، <span style="****-align: right;]فتعاهد قلبك واستثمر الفرص والمواسم كرمضان.
<span style="****-align: right;]إياك والتسويف فالمؤمن الحق بمجرد التذكير يتذكر، ويخر ساجدا خاضعا لله.<span style="****-align: right;] سرعة الاستجابة لأوامر الله من أعظم علامات الشكر على النعم.
<span style="****-align: right;]جزاء من يستجيب الجنة كما في هذه الآية،<span style="****-align: right;] وجزاء من يستكبر النار قال تعالى (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ).
<span style="****-align: right;]في الآية أهمية تأمل وتدبر آيات القرآن لحصول التذكر والتفكر ثم الخضوع والاستجابة.
<span style="****-align: right;]اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك