ادخلي السرور إلى قلوبهم

LUCK GIRL

New member
إنضم
29 يناير 2008
المشاركات
4,430
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
أعيش بزمن العقارب
قضاء حوائج الناس من علامات الإيمان
مدعاة لمغفرة الله .. وباب لإدخال السرور إلى القلوب
ورد في الحكمة "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط"، والناس جميعاً في حاجة، بعضهم إلى البعض، مهما تفاوتت مراتبهم أو اختلفت وظائفهم أو تنوعت طبقاتهم، ولا يستطيع أي مجتمع مهما بلغ في التقدم من منازل، وصعد في سلم النهوض من مراتب أن يستغني عن بعض العمال البسطاء الذين يقضون لإخوانهم حوائجهم ويجدون في خدمتهم، ويسهرون من أجل راحتهم، قال تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون (32) (الزخرف).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
ومن بين كل البشر، يبرز معدن المسلم الأصيل، ساعياً في خدمة إخوانه، مجتهداً في قضاء حوائجهم، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وما وجد إلى ذلك طريقاً، رائده في ذلك قدوته ص الذي كان أخف الناس لمساعدة المحتاجين، وأبش الناس في وجوه السائلين.
كانت الجارية (أي الفتاة الصغيرة التي لم تبلغ الحلم) تأخذ بيده الشريفة ص فتنطلق حيث شاءت، ولا يسألها عن شيء حتى يقضي لها حاجتها!
لله درك يا رسول الله، أنت أعلى الخلق مكانة وأشرف الناس رتبة وأرفعهم مقاماً، ومع ذلك تأخذ الجارية بيدك وتنطلق حيث شاءت في سكك المدينة، فلا تسألها مجرد سؤال أين تريدين؟
أي خلق هذا؟ أي تواضع! أي رحمة! أي رأفة!
لقد صدق فيك يا سيدي قول شوقي:
زانتك في الخلق العظيم شمائل
يغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما تفعل الأنواء
وإذا عفوت فقادراً ومقدراً
لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب
هذان في الدنيا هم الرحماء
وهكذا ينبغي أن يكون شأن المسلم الحق، إنه ليس منكفئاً على ذاته، لا ينظر إلا في مرآته، بل يسع قلبه الناس جميعاً، خاصة إخوانه المسلمين، وكم تكون سعادته غامرة حين يقضي حاجة أخيه، إنه يتذكر ساعتها أن الله عز وجل في حاجته، مصداقاً لقوله ص: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".(رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما).
فأي تكريم للمسلم وأي عناية هذه؟ أن يكون الله جل وعلا بذاته العلية في حاجته، يقضيها وييسرها، ويعطف قلوب الخلق عليه، فيبادرون إلى خدمته، ويخفون إلي نجدته، ويتنافسون من أجل راحته!
ثم هو يوم القيامة، وبينما يغرق الناس في عرقهم، وتضطرب قلوبهم، وتتلاحق أنفاسهم، وتشخص أبصارهم، تأتي يد القدرة الإلهية والعناية الربانية، فتربت على كتفيه وتمسح دمع عينيه، وتبدله الخوف أمناً والحزن سعادة، والحر ظلاً ظليلاً.
إن المسلم كالنخلة،، يرميه الناس بالحجر فيرميهم بأطيب الثمر:
هو البحر من أي النواحي أتيته
فالجود لجته والمعروف ساحله
روي في الصحيح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبيص كان جالساً مع الصحابة الكرام ذات يوم فضرب مثلا للمؤمن بشجرة، وطلب من الصحابة أن يذكروا أي شجرة هي، فلم يعرفوها، وكان معهم عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما ولم يزل صغيراً فعرف أنها النخلة، ولكن الحياء منعه من الكلام، وحوله كبار الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، فلما عرف أبوه الفاروق رضي الله عنه أن عبدالله عرفها لكن الحياء منعه، قال له: "لو قلتها لكان ذلك أحب إلي من الدنيا"! أو كما قال رضي الله عنه.
وقد صدق الأعرابي حين قال: "النخلة جذعها نماء، وليفها رشاء، وكربها صلاء، وسعفها ضياء، وحملها غذاء".
كليم الله عليه السلام نموذج
عرض القرآن الكريم نماذج لفعل الخير والسعي في قضاء حوائج الناس، وتخفيف كرب المكروبين، ومن أبرز تلك النماذج قصة سيدنا موسى عليه السلام، في سورة "القصص". قال تعالى: ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم \مرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى" يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير 23 فسقى" لهما ثم تولى" إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير 24 .
فهذا النبي الكريم، والرسول الأمين، وبرغم أنه كان في ظروف صعبة، مطارداً خائفاً جائعاً ظامئاً، إلا أنه مع ذلك يخفُّ لنجدة هاتين الفتاتين، برغم أنه لا سابق معرفة له بهما، ولا حاجة له إليهما، إنما دافعه إلى ذلك مرضاة الله تعالى.
لقد اهتم بأمر الفتاتين، وتقصّى أسباب خروجهما، واختلاطهما بالرجال، وأشفق عليهما، فهما فتاتان ضعيفتان لا حول لهما ولا قوة، ولا نصير ولا وزير ولا معين إلا الله تعالى، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه أي لا يتركه يعاني الشدائد والمحن وهو قادر على مساعدته ومن ثم سارع موسى عليه السلام ولم يكن قد أُوحي إليه بعد لنجدتهما وقضاء حاجتهما وتفريج كربتهما.
لقد سقى لهما برغم شدة الحر، حتي إن الله تعالى قال: فسقى" لهما ثم تولى" إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير 24 ، مما يبين أن الجو كان حاراً، وأن الشمس كانت حارقة.
في ظلال الصحابة الكرام
ومن مشكاة النبوة، ومصابيح الصحابة تنتشر الأشعة البارقة، والأنوار الساطعة، تنير الأكوان، وتعطر الأجواء، وتضرب الأمثلة الحية في النجدة والشهامة والرجولة الحقة.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يواظب على خدمة عجوز مقعدة حتى بعد أن ولي الخلافة، ويذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقضاء حاجتها، وقد ظن أن الخلافة سوف تشغل الصدّيق رضي الله عنه عن ذلك ولو لأجل قصير، فإذا به يجده هناك قد سبقه لنيل هذا الشرف، فيقول: "ما سابقتك إلى شيء إلا سبقتني إليه"!
وكان سيدنا عمر رضي عنه الله مضرب الأمثال كذلك في قضاء حوائج عوام المسلمين حتى بعد توليه الخلافة ومن ذلك خدمته المرأة التي كانت على وشك الولادة، وندبه زوجته رضي الله عنها كي تنال الثواب، وتسجل اسمها في قائمة الشرف، فتساعد المرأة في وضع جنينها، بينما ينهمك هو في إنضاج الطعام، والنفخ تحت القدر؛ حتى يتخلل الدخان لحيته، وتفيض عيناه بالدمع، لا من أثر ذلك الدخان الكثيف فحسب، بل شكراً لله أن هيأ له ولزوجه أن يقضيا حاجة هذه المرأة الضعيفة، وأن يفرجا كربها، وأن ينالا شرف خدمتها في هذه اللحظات العصيبة!
ولم لا يسعد وهو الذي قال من قبل قولة بقيت حكمة لا يزال المسلمون يرددونها، وموعظة غالية يحاولون استهداءها: "لو أن بغلة عثرت بالعراق لسئلت عنها لمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر"!
.. وقبسات من أنوار التابعين
وعلى خطى النبي ص وصحابته الكرام سار التابعون رضي الله عنهم أجمعين، وهذه قبسات من أنوارهم:
جاء في كتاب "مختصر منهاج القاصدين" أن عبدالله بن عامر اشترى من خالد بن عقبة داره التي في السوق بتسعين ألف درهم، فلما كان الليل، سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله: ما لهؤلاء! قال: يبكون على دارهم، فقال: يا غلام، ائتهم فأعلمهم أن الدار والمال لهما جميعاً.
وفيه أيضاً أنه لما مرض قيس بن سعد بن عبادة، استبطأ إخوانه يعني استبطأ زيارتهم فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الديْن، فأمر منادياً ينادي: من كان عليه لقيس حق فهو منه في حل، فانكسرت درجته أي سلالم بيته بالعشي لكثرة من عاده!
وليس يضيع عند الله تعالى شيء، بل على العكس من ذلك فإنه يجازي على الإحسان إحساناً، كما قال سبحانه: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان 60 (الرحمن).
وشتان بين إحسان ذلك الإنسان الضعيف الفقير، وإحسان الله القوي الغني، شتان بين عطاء الله الذي لا تنفد خزائنه ولا يُحصى فضله، وبين ذلك الإنسان الذي يخشى على الدرهم والدينار أشد من خشيته على أخيه المسلم، بل ربما أشد من خشيته على نفسه وعلى أولاده!
فيا لشرف من اختصه الله تعالى بقضاء حوائج الناس. ولنصغ السمع إلى حديث رسولنا الأكرم والمعلم الأعظم ص يقوليقيييييو: "إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم، هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة"! (رواه ابن أبي الدنيا) في باب قضاء الحوائج.
وإذا كان الله جل وعلا قد عفا عن رجل وأدخله الجنة جزاء إنقاذه كلباً كان يلهث، ويأكل الثرى من شدة العطش، فسقى له، وإذا كانت رحمة الرحمن جل وعلا قد شملت بغياً من بغايا بني إسرائيل، لقاء إنقاذها أيضاً كلباً من الموت عطشاً والحديثان في صحيح البخاري فما بالنا بمن يطعم جائعاً أو يكسو عارياً أو يعالج مريضاً أو يزوج شاباً أو يقضي الدين عن مدين أو يفعل غير ذلك من أوجه الخير المتعددة؟
والله يختـار مـما شـاء مرسلـه والخلق ليس لهم رأي ولا شان
والملك في فـرع إسـماعيل منتقـل حتماً ولو كرهت روم ويونان
ملك الختان بدا في الأفـق شـاهده فبان أن الملوك القلف قد بانوا
وأخمدت نار كسرى حين مشرقـه واهتز بالشرفات الشم إيوان
تـلا كتـاب رسـول الله في أدب وقال للروم والأرصاد حيطان:
هذا الرسول الـذي كنـا نؤملـه فالعين نائمة والقلب يقظان