والصلاة والسلام على سيدنا محمد معلم الناس الخير ..
ومرشدهم الى طريق الحق والبر ..
وعلى آله وصحابته وتابعيهم باحسان الى يوم الدين ..
فهذا هو العدد الاول من موسوعة الآداب الاسلاميه
الأدب مع الله
ذات يوم كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- معه بعض أصحابه يسيرون في الصحراء بالقرب من المدينة، فجلسوا يأكلون، فأقبل عليهم شاب صغير يرعى غنمًا، وسلَّم عليهم، فدعاه ابن عمر إلى الطعام، وقال له: هلمَّ يا راعي، هلمَّ فأصب من هذه السفرة.
فقال الراعي: إني صائم.
فتعجب ابن عمر، وقال له: أتصوم في مثل هذا اليوم الشديد حره، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟!
ثم أراد ابن عمر أن يختبر أمانته وتقواه، فقال له: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها، ونعطيك من لحمها فتفطر عليها؟
فقال الغلام: إنها ليست لي، إنها غنم سيدي.
فقال ابن عمر: قل له: أكلها الذئب.
فغضب الراعي، وابتعد عنه وهو يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: فأين الله؟!
فظل ابن عمر يردد مقولة الراعي: (فأين الله؟!) ويبكي، ولما قدم المدينة بعث إلى مولى الراعي فاشترى منه الغنم والراعي، ثم أعتق الراعي.
وهكذا يكون المؤمن مراقبًا لله على الدوام، فلا يُقْدم على معصية، ولا يرتكب ذنبًا؛ لأنه يعلم أن الله معه يسمعه ويراه.
***
وهناك آداب يلتزم بها المسلم مع الله -سبحانه- ومنها:
عدم الإشراك بالله: فالمسلم يعبد الله -سبحانه- ولا يشرك به أحدًا، فالله
-سبحانه- هو الخالق المستحق للعبادة بلا شريك، يقول تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36].
إخلاص العبادة لله: فالإخلاص شرط أساسي لقبول الأعمال، والله -سبحانه- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، بعيدًا عن الرياء، يقول تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا}
[الكهف: 110].
مراقبة الله: فالله -سبحانه- مُطَّلع على جميع خلقه، يرانا ويسمعنا ويعلم ما في أنفسنا، ولذا يحرص المسلم على طاعة ربه في السر والعلانية، ويبتعد عمَّا نهى عنه، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) _[متفق عليه].
الاستعانة بالله: المسلم يستعين بالله وحده، ويوقن بأن الله هو القادر على العطاء والمنع، فيسأله سبحانه ويتوجه إليه بطلب العون والنصرة، يقول تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران: 26] ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله) [الترمذي].
محبة الله: المسلم يحب ربه ولا يعصيه، يقول تعالى: {والذين آمنوا أشد حبًّا لله} [البقرة: 165].
تعظيم شعائره: المسلم يعظم أوامر الله، فيسارع إلى تنفيذها، وكذلك يعظم حرمات الله، فيجتنبها، ولا يتكاسل أو يتهاون في أداء العبادات، وإنما يعظم شعائر الله؛ لأنه يعلم أن ذلك يزيد من التقوى، قال تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32].
الغضب إذا انتُُهكت حرمات الله: فالمسلم إذا رأى من يفعل ذنبًا أو يُصر على معصية، فإنه يغضب لله، ويُغيِّر ما رأى من منكر ومعصية، ومن أعظم الذنوب التي تهلك الإنسان، وتسبب غضب الله، هو سب دين الله، أو سب كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، والمسلم يغضب لذلك، وينهى من يفعل ذلك ويحذِّره من عذاب الله -عز وجل-.
التوكل على الله: المسلم يتوكل على الله في كل أموره، يقول الله -تعالى-: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58] ويقول تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا} [الطلاق:3]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكَّلون على الله حق توكَّله، لرُزِقْتُم كما يُرْزَق الطير تغدو خِمَاصًا (جائعة) وتعود بطانًا (شَبْعَي)) _[الترمذي].
الرضا بقضاء الله: المسلم يرضى بما قضاه الله؛ لأن ذلك من علامات إيمانه بالله وهو يصبر على ما أصابه ولا يقول كما يقول بعض الناس: لماذا تفعل بي ذلك يا رب؟
فهو لا يعترض على قَدَر الله، بل يقول ما يرضي ربه، يقول تعالى: {وليبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155-157].
الحلف بالله: المسلم لا يحلف بغير الله، ولا يحلف بالله إلا صادقًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) [متفق عليه].
شكر الله: الله -سبحانه- أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ فيجب على المؤمن أن يداوم على شكر الله بقلبه وجوارحه، يقول تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إني عذابي لشديد} [إبراهيم: 7].
التوبة إلى الله: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار }
[التحريم: 8].
ويقول تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:13].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) [مسلم].
وهكذا يكون أدب المسلم مع ربه؛ فيشكره على نعمه، ويستحي منه
سبحانه، ويصدق في التوبة إليه، ويحسن التوكل عليه، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويرضى بقضائه، ويصبر على بلائه، ولا يدعو سواه، ولا يقف لسانه عن ذكر الله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يستعين إلا بالله، ودائمًا يراقب ربه، ويخلص له في السر والعلانية
كان أبو هريرة -رضي الله عنه- حريصًا على أن تدخل أمه في الإسلام، وكان يدعو الله -سبحانه- أن يشرح صدرها للإسلام، فدعاها يومًا إلى الإسلام فغضبت، وقالت كلامًا يسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (أي سبَّته وشتمته) فأسرع أبو هريرة -رضي الله عنه- إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال: يا رسول الله، إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام فلا تستجيب لي، وإني دعوتُها اليوم فأسمعتْني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم
أبي هريرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهْدِ أم أبي هريرة).
فخرج مستبشرًا بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب إلى أمه، فوجد باب البيت مغلقًا وسمع صوت ماء يصَبُّ، فقد كانت أمه تغتسل، فلما سمعت أمه صوت قدميه، قالت: مكانك يا أبا هريرة، ثم لبست ثيابها، وفتحت الباب وقالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، ففرح أبو هريرة -رضي الله عنه- بإسلام أمه فرحًا كثيرًا، وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بالأمر، فحمد الله، وقال خيرًا. [مسلم].
***
الوالدان هما السبب في وجود الإنسان، وهما اللذان يتعبان من أجل تربية الأبناء وراحتهم، وقد فرض الله تعالى برَّ الوالدين على عباده، فقال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا } [الإسراء: 23].
وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}
[النساء: 36].
وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير} [لقمان: 14].
وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} [الأحقاف: 15].
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بر الوالدين، فقال: (من سرَّه أن يمَدَّ له في عمره (أي يُبارك له فيه) ويزاد في رزقه؛ فليَبرَّ والديه، وليصل رحمه) [أحمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: (رغم أنفه (أي أصابه الذل والخزي) ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه).
قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر؛ أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة) [مسلم].
فالواجب على كل مسلم أن يبرَّ والديه ويحسن معاملتهما، ومن آداب معاملة الوالدين:
حبُّهما والإشفاق عليهما: المسلم يدرك أن لأبويه فضلا كبيرًا لما تحملاه من مشقة في سبيل راحته، وأنه مهما بذل من جهد، فإنه لا يستطيع رد جزء من فضلهما.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله، إني حملتُ أمي على عنقي فرسخين (حوالي عشرة كيلو مترات) في رمضاء شديدة، فهل أدَّيتُ شكرها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لعله أن يكون لطلقة واحدة (يعني طلقة واحدة من آلام الولادة).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) [البخاري في الأدب المفرد].
طاعتهما: فالمسلم يطيع والديه في كل ما يأمرانه به إلا إذا أمراه بمعصية الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
التكفل بهما: فالمسلم يتكفل بوالديه، وينفق عليهما، ويطعمهما ويكسوهما ليحظى برضا الله.
وإن كان الابن ذا مالٍ واحتاج أبواه إلى بعض هذا المال، وجب عليه بذله لهما فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن لي مالا ووالدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح (يأخذ) مالي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) [ابن ماجه].
الإحسان إليهما: المسلم يحرص على الإحسان إلى الوالدين -وإن كانا كافرين- قالت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: قدمتْ على أمي وهي مشركة -في عهد قريش- فقلتُ: يا رسول الله، قدمتْ على أمي وهي راغبة .. أفأصلُ أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، صلى أُمَّك) [مسلم].
وعندما أسلم سعد بن أبي وقاص، امتنعت أمه عن الطعام والشراب، حتى يرجع سعد عن دينه، لكنه أصرَّ على الإيمان بالله، ورفض أن يطيع والدته في معصية الله، وقال لها: يا أمَّه، تعلمين والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني . إن شئتِ فكلي أو لا تأكلي.
فأنزل الله -عز وجل- قوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15].
مراعاة شعورهما: المسلم يتجنب كل ما من شأنه الإساءة إلى والديه، ولو كان شيئًا هينًا، مثل كلمة (أف) قال الله تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء: 23].
لا تنادِ والديك باسميهما: الابن ينادي أبويه فيقول: يا أبي أو يا أمي، ولا يناديهما باسميهما، فقد شاهد أبو هريرة رجُليْن فسأل أحدهما عن صلته أو قرابته بالآخر، فقال: إنه أبي. فقال أبو هريرة: لا تسمِّه باسمه، ولا تمشِ أمامه، ولا تجلسْ قبله. [البخاري في الأدب المفرد].
لا تجلس حال وقوفهما، ولا تتقدمهما في السير: ليس من الأدب مع الوالدين أن يجلس الولد وأبواه واقفان، أو أن يمُدَّ رجليه وهما جالسان أمامه، ومثل
ذلك .. إنما يجب عليه أن يتأدب في حضورهما، وأن يتواضع لهما. قال تعالى: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}
[الإسراء: 24].
استئذانهما في الخروج إلى الجهاد: وذلك إن كان الجهادُ فرضَ كفاية، قال صلى الله عليه وسلم لرجل جاء يريد الجهاد: (هل باليمن أبواك؟).
قال: نعم.
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كانا أذِنا له أم لا.
فقال الرجل: لا.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (فارجع فاستأذنهما؛ فإن أذِنا لك، وإلا فبرَّهما) [أحمد].
أما إن كان الجهاد فرض عين، مثل أن يقوم عدو بغزو البلاد فلا يشترط
إذنهما.
عدم تفضيل الزوجة والأولاد عليهما: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة كانوا يسيرون في الصحراء، واضطروا إلى أن يبيتوا في غار، فلما دخلوه وقعت صخرة كبيرة من أعلى الجبل فسدَّتْ باب الغار، فحاولوا دفع الصخرة فلم يستطيعوا، فأيقن الثلاثة أنهم هالكون، وفكَّر كل منهم أن يدعو الله -سبحانه- بعمل صالح، حتى يفرِّج الله كربهم، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنتُ أخرجُ فأرعى ثم أجيء فأحلب، فأجيء بالحِلاب (اللبن) فآتي به أبوي فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبستُ ليلة (تأخرتُ) فجئت فإذا هما نائمان، فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون (يبكون) عند رجلي حتى طلع الفجر، اللهم إن كنتَ تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه.
ثم دعا الآخران بصالح أعمالهما، فانفرجت الصخرة وخرج الثلاثة من الغار بفضل هذا الابن البار وبفضل ما كان عليه صاحباه من الأخلاق الحميدة.
[متفق عليه].
وهكذا المسلم يفضل أبويه ويقدمهما على أولاده وزوجته، وهو بهذا السلوك يقدم لأولاده وزوجته القدوة والمثل في بر الوالدين؛ حتى إذا ما كبر، وكبرت زوجته كان أبناؤهما بارين بهما كما كانا بارَّيْن بآبائهما. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بروا آباءكم تَبركُم أبناؤكم) [الطبراني].
الدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما: المسلم يكثر من الدعاء لوالديه في حياتهما وبعد موتهما. وقد حكى القرآن عن نوح -عليه السلام- قوله: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات} [نوح: 28].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [مسلم] والمسلم يدعو لوالديه بالمغفرة ويقضي عنهما الدَّين والنذر، ويقرأ القرآن ويهدي ثوابه
لهما، ويتصدق عنهما، وإلى غير ذلك من أوجه الإحسان.
الإحسان إلى أصدقائهما بعد موتهما: المسلم يصل أصدقاء والديه ويبرهم، كما كان يفعل أبواه، قال صلى الله عليه وسلم: (فمن أحبَّ أن يصِلَ أباه في قبره فليصلْ إخوان أبيه من بعده) [ابن حبَّان وأبو يعلي] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ الرجل أَهْلَ وُدِّ أبيه) [مسلم]. فليحرص كل مسلم على إرضاء والديه، فإن في رضاهما رضا الله -عز وجل-.
مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبر فيه ميت دُفِنَ حديثًا، فسأل أصحابه عنه فقال الصحابة: إنه قبر أم محجن) وهي المرأة التي كانت تنظف المسجد، فعاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يخبروه بموتها، فيصلى عليها صلاة الجنازة وقال: (أفلا آذنتموني؟) فقالوا: كنتَ نائمًا فكرهنا أن نوقظك، فصلى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم. [مسلم].
***
كان أحد الأعراب يمتلك جملا لونه أحمر، وكان يحبه حبَّا شديدًا، وذات يوم ضاع الجمل، فظل الرجل يبحث عنه طوال الليل فلم يجده، وفي صلاة الفجر وقف الأعرابي في المسجد ينادي ويسأل الناس عن جمله، فلما سمعه النبي صلى الله عليه وسلم غضب منه؛ لأنه سأل عن جمله في المسجد، وقال له: (لا وَجَدَّتَ
إنما بُنِيَتْ المساجد لما بنيت له) [مسلم].
وأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه إذا رأوا من يسأل في المساجد عن شيء ضاع منه، أن يقولوا له: (لا ردَّها الله عليك، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا) [مسلم].
***
المساجد هي بيوت العبادة للمسلمين، والمسلم يحرص على الذهاب إلى المسجد لأداء الصلوات به لما في ذلك من أجر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له نُزُلا من الجنة كلما غدا أو راح) [متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم مشي إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضـة من فرائـض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) [مسلم]. ومن يداوم على عمارة المساجد والصلاة فيها، ويتعلق قلبه بها فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة.
وللمسجد آداب، يلتزم بها المسلم ويحافظ عليها، منها:
الطهارة: لا يدخل المسجد جنب، ولا نُفَساء، ولا حائض إلا عابري سبيل وذلك لينال المسلم الأجر العظيم.
التطيب ولبس أجمل الثياب: قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
وعلى المسلم أن يتجنب تناول الأطعمة التي لها رائحة كريهة، كالثوم والبصل والكراث وغيرها، قال صلى الله عليه وسلم: (من أكل ثومًا أو بصلا
فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته) [متفق عليه].
كثرة الذهاب إليه: حث الإسلام على كثرة الذهاب إلى المساجد، والجلوس فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟).
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: إسباغُ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطَى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) [مسلم].
الدعاء عند التوجه إليه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو في طريقه إلى المسجد: (اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا واجعل لي نورًا) [مسلم].
التزام السكينة أثناء السير إليه: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم
فصلوا، وما فاتكم فأتموا) [متفق عليه].
الدخول بالرِّجل اليمني مع الدعاء: المسلم يدخل المسجد برجله اليمني، ويقول: بسم الله، اللهم صلِّ على محمد، رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك._[مسلم].
صلاة ركعتين تحية المسجد: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) [مسلم].
عدم الخروج منه بعد الأذان: إذا كان المسلم في المسجد، وأُذِّن للصلاة، فلا يخرج من المسجد إلا بعد تمام الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي) [أحمد] ويجوز له الخروج للضرورة.
ملازمة ذكر الله: المسلم يحرص على ذكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن الكريم وتجنب الانشغال بأمور الدنيا وهو في المسجد. قال صلى الله عليه وسلم:
(... إنما جُعِلَت المساجد لذكر الله وللصلاة ولقراءة القرآن) [متفق عليه].
عدم المرور من أمام المصلي: المسلم لا يمرُّ من أمام المصلي؛ قال صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المارُّ بين يدي المصلى ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين، خيرًا له من أن يمر بين يديه) [مسلم]. وإذا كان المسلم في جماعة فالإمام سترة للمأمومين، أما إذا كان منفردًا في صلاة فلا يجوز لأحد أن يمر من أمامه إلا بعد اتخاذ سترة.
عمارة المساجد: المسلم يعمر المساجد، ويحافظ على الصلاة فيها، وقلبه مُعلَّق بالمساجد على الدوام، ولا يهجر المساجد أبدًا؛ فالمسجد بيت كل تقي، وبيوت الله في الأرض المساجد.
قال الله -تعالى-: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
[التوبة: 18]. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) [أحمد والترمذي وابن ماجه].
تجنب رفع الصوت أو التخاصم فيه: المسلم عندما يدخل المسجد؛ فإنه يحافظ على الوقار والسكينة والهدوء. ذات يوم دخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- المسجد، فوجد رجلين يتخاصمان ويرفعان صوتيهما، فقال لأحد الصحابة: اذهب فأْتني بهذين، فلما جاءه الرجلان قال: من أين أنتما؟
قالا: من أهل الطائف.
فقال عمر -رضي الله عنه-: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربًا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. [البخاري]. والمسلم لا يشوش على أحد يصلي في المسجد ولو بقراءة القرآن.
الحرص على نظافته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنه) [متفق عليه].
الدعاء عند الخروج منه: المسلم يخرج من المسجد برجله اليسرى، ويقول: (بسم الله . اللهم صلِّ على محمد . اللهم إني أسألك من فضلك) [مسلم].
عدم انتظار الجنب والحائض فيه: ويجوز مرورهما فيه لقضاء الحاجة. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولوا ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} [النساء: 43].
عدم بناء المساجد على القبور: قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [متفق عليه].
الاقتصاد عند بنائها وعدم زخرفتها: قال صلى الله عليه وسلم: (ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد) [أبوداود]. والتشييد يعني: المبالغة في زخرفة المساجد، وقد أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ببناء مسجد، وقال للقائم على بنائه: إياك أن تحمِّرَ أو تُصَفِّر فتفتن الناس. [البخاري].
بناء المساجد ابتغاء وجه الله: وذلك حتى يحصل المسلم على الأجر والثواب العظيم من الله -تعالى- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له مثله في الجنة) [متفق عليه].
عدم البيع والشراء فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله لك . وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك) [الترمذي والنسائي].
الاعتكاف فيها: وهو الجلوس في المسجد والإقامة فيه بقصد التقرب إلى الله وعمل الخير من صلاة، وذكر وتسبيح ودعاء، ويمكن أن يعتكف المسلم لأية مدة شاء، وله أن يقطع اعتكافه في أي وقت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فيلزم المسجد ولا يخرج منه إلا إلى صلاة العيد.
النوم في المسجد: لا حرج من النوم في المسجد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام في المسجد، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- ينامون فيه، لكن المسلم عليه أن يحافظ على نظافة المسجد ونظامه.
ترتيب الصفوف: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظم الصفوف للصلاة، فكان الرجال يقفون في الصفوف الأولى، ثم يقف خلفهم الصبيان والأطفال، ثم تقف النساء في آخر المسجد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف ويقول: (استووا، ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى) [مسلم].
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (سَوُّوا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) [مسلم].
آداب المسجد الحرام:
عندما يرى المسلم بيت الله الحرام يخشع قلبه، ويرفع يديه وينطلق لسانه: (اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزِدْ مَنْ شَرَّفَه وكرَّمه ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرَّا) [الشافعي].
ثم يقصد إلى الحجر الأسود فيقبله، فإن لم يتمكن أشار إليه بيده، ثم يقف بحذائه ويبدأ في الطواف حول البيت، ولا يصلي تحية المسجد؛ فإن تحيته الطواف به.
آداب المسجد النبوي:
المسلم يلتزم السكينة والوقار عند دخوله المسجد النبوي، ويحسن أن يكون متطيبًا، يلبس حسن الثياب، ويدعو بدعاء دخول المسجد، ويصلي ركعتين تحية المسجد في الروضة الشريفة (وهي المكان الذي يقع بين بيت الرسول صلى
الله عليه وسلم والمنبر). ويزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتحرك نحو اليمين ويسلم على أبي بكر -رضي الله عنه- ثم يتأخر قليلا ويسلم على عمر -رضي الله عنه- وبعد ذلك يتوجه إلى القبلة ويدعو بما شاء.
والمسلم يتجنب التمسح بالحجرة الشريفة أو تقبيلها، ويعلم أن ذلك يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نهى أن يعظم قبره، وقال: (لا تجعلوا قبري عيدًا) [أبو داود].
آداب المسجد يوم الجمعة:
وهناك آداب تتعلق بالذهاب إلى المسجد يوم الجمعة خاصة، منها:
الغسل والتجمل والتطيب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من الطهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب
بيته، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غُفِرَ له من الجمعة إلى الجمعة الأخرى) [البخاري وأحمد].
التبكير في الذهاب إلى المسجد: قال صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح (أي ذهب إلى المسجد) في الساعة الأولى فكأنما قَرَّب بَدَنَة (جملا) ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكر) [متفق عليه].
عدم تخطي الرقاب: فقد جاء رجل ليصلي الجمعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فتخطى رقاب الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فقال صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آذيت وآنيت (أي أبطأت وتأخرت) ) [أبو داود والنسائي وأحمد].
الإنصات أثناء الخُطبة: فالمسلم ينصت لخطبة الإمام، فيستمع ما يقوله من وعظ وإرشاد، حتى يستفيد منه، ولا يتكلم مع من بجواره، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة، والإمام يخطب أنصت فقد لغوت) [رواه الجماعة].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت لا جمعة له) [أحمد والبزار والطبراني].
وسلم لأصحابه: (إياكم والجلوسَ على الطرقات) فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أبيتم إلا المجالس؛ فأعطوا الطريق حقها). قالوا: وما حق الطريق؟
قال صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر) [متفق عليه].
***
الطريق مرفق عام، وهو ملك للناس جميعًا، ولو اعتبر كل إنسان الطريق جزءًا من بيته، لحافظنا عليه.
ومن آداب الطريق التي يجب على كل مسلم أن يلتزم بها:
غض البصر: المسلم يغض بصره عن المحرمات، امتثالا لأمر الله -تعالى-: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}
[النور: 30-31].
إماطة الأذى: المسلم يميط الأذى كالحجارة أو الأسلاك أو الزجاج أو غيرها فيبعده عن الطريق، قال صلى الله عليه وسلم: (... وتميط الأذى عن الطريق صدقة) [متفق عليه]. ويتجنب قضاء الحاجة في الطريق، حتى لا يؤذي
أحدًا، ويتجنب اللعب، والمزاح غير المقبول، ولا يسخر ممن يسير في الطريق ولا يستهزئ بهم.
ولا يضيق على المارة، وإنما يفسح لهم الطريق. وإن كان يحمل عصًا أو مظلة أو شيئًا يمكن أن يؤذي المسلمين؛ فيجب أن يحترس في حمله حتى لا يؤذيهم، ولا يحرك يديه بعنف أثناء السير في الأماكن المزدحمة، ولا يزاحم أثناء صعود الكباري أو المشي في الأنفاق -مثلا-.
الالتزام بآداب مرور السيارات: فسائق السيارة يلتزم بآداب المرور، ويحترم شرطي المرور، ويلتزم بالإشارات، ولا يستخدم آلة التنبيه بكثرة؛ حتى لا يزعج المرضى، ويلتزم بالسرعة المحددة له في الطريق.
رد السلام: المسلم عندما يسير في الطريق يلقي السلام على من يقابله، ويرد السلام بأحسن مما سمع.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [متفق عليه]. والمسلم يعاون من لا يستطيع عبور الطريق
أو السير؛ فيأخذ بيده، وإن كان له سيارة أو وسيلة يركبها فله أن يحمل معه غيره، ويرشد الضالَّ الذي فقد طريقه، ويفضُّ المشاجرات التي يستطيع فضَّها والإصلاح بين أطرافها.
الاعتدال والتواضع في المشي: المسلم يجعل مشيه وسطًا بين الإسراع والبطء ولا يمشي بخُيلاء أو تكبر، قال تعالى: {واقصد في مشيك} [لقمان: 19]. وقال تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحًا إنك لن تخرق الأرض ولا لن تبلغ الجبال طولاً} [الإسراء: 37].
السير في جانب الطريق: المسلم يلتزم جانب الطريق (الرصيف) عندما يمشي على رجليه؛ حتى لا يتعرض للإصابة بحوادث السيارات أو الدراجات، ويجب التمهل عند عبور الشارع، والتأكد من خلو الطريق من العربات.
الحرص على نظافة الطريق: وتجنب رمي القاذورات فيها، وحبذا لو تعاون الجميع على تنظيفها.
الأدب عند السير مع الكبير: فلا يتقدم عليه، وليستمع إليه إذا تحدث، كما أنه يمشي عن يساره ليكون له أولوية الخروج والدخول وغير ذلك.
عدم الأكل أثناء السير: فإن ذلك منافٍ للمروءة.
عدم رفع الصوت في الطريق: حتى لا يؤذي السائرين، أو تتسرب
الأسرار، ويتجنب المزاح غير المقبول مع رفقاء الطريق.
ذات يوم قال النبي صلى الله عليه
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فردَّ عليه السلام ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عشرة) (أي عشر حسنات) ثم جاء رجل آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: (عشرون) (أي عشرون حسنة) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فردَّ عليه، فجلس، فقال: (ثلاثون) (أي ثلاثون حسنة). [أبو داود والترمذي].
***
ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليزور سعد بن عبادة -رضي الله عنه- في منزله فوقف ( أمام باب المنزل، وقال: (السلام عليكم ورحمة الله) وكان سعد بالداخل، فرد سعد بصوت غير مسموع، فلم يسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعاد صلى الله عليه وسلم التحية، فرد سعد بصوت منخفض، فأعاد صلى الله عليه وسلم التحية للمرة الثالثة، فرد سعد بصوت منخفض، فانصرف صلى الله عليه وسلم، فأسرع سعد وراءه، وقال: يا رسول الله، كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردَّا خفيَّا لتكثر علينا السلام. [أحمد].
***
أمرنا الله -عز وجل- بإفشاء السلام، فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} [النور: 27]. وقال تعالى: {فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة }
[النور: 61]. وقال تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}
[النساء: 86].
كما حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على إلقاء السلام بقوله:
(أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) [ابن ماجه] فالتحية تجعل المجتمع يمتلئ بالحب والوئام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) [مسلم].
وللتحية آداب يلتزم بها كل مسلم، منها:
الالتزام بتحية الإسلام: فالسلام تحية المسلمين، ولا يصح أن نبدلها بغيرها من الألفاظ، مثل: (صباح الخير) أو (نهارك سعيد) قال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك -نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحَيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله) [متفق عليه].
تحية كل المسلمين: السلام حق للمسلم على أخيه المسلم، وإلقاء السلام سنة والردُّ فرض، قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) [متفق عليه]. وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) [متفق عليه].
رفع الصوت بالسلام: على المسلم أن يرفع صوته بالسلام، ويتلفظ بكلماته ويشير بيده إن كان من يسلم عليه بعيدًا عنه، ولا يسمع صوته.
المبادرة بالتحية: يبدأ المسلم إخوانه بالسلام قبل أن يتكلم؛ لأن من يبدأ بالسلام هو الأفضل عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: (... وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: (يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير) [البخاري].
رد التحية: إلقاء السلام سنة مستحبة، أما الرد عليه فواجب، فيجب رد التحية متى أُلقيت عليه شفاهة كانت أو كتابة، وسواء رأينا من يلْقيها أو لم نره، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال صلى الله عليه وسلم يومًا: (يا عائشُ، هذا جبريل يقرئُك السلام) فقالت (وهي لم تره): وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. [متفق عليه].
تكرار التحية: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا لقى أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ثم لقيه، فلْيُسلم عليه) [أبوداود].
المصافحة عند التحية: ومن تمام التحية أن يصافح المسلم أخاه، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمَيْن يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا)
[أبو داود] وإذا أمكن ابتسم في وجهه، قال صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) [الترمذي].
تحية النساء: للمسلم أن يلقي السلام على النساء، فإن كانت واحدة ويأمن على نفسه الفتنة سلم عليها، لكن بدون مصافحة، وإلا فالأولى تركه، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة، فعن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ علينا في نسوة، فسلم علينا. [أبو داود].
تحية الصبيان: المسلم الكبير يلقي السلام على الصبيان لإشعارهم بالود والحب فعن أنس -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على غلمان فسلم عليهم. [مسلم].
عدم التحية في بعض المواقف: كما هو في الخلاء (دورات المياه) وعند الأذان والإقامة وفي الصلاة، وأثناء خطبة الجمعة وعند الاستغراق في الدعاء، وأثناء التلبية بالحج والعمرة.
تحية الجماعة: المسلم يلقي السلام على الجماعة ما دامت في مكان واحد، ولا يخص واحدًا منهم بالسلام دون الآخرين، بل يكون السلام عليهم جميعًا، ويمكن تمييز بعض منهم؛ كأن يسلم التلميذ على أستاذه سلامًا خاصَّا بعد السلام على الجميع.
تحية البيت الخالي: إذا دخل المسلم بيتًا، ولم يجد فيه أحدًا، فإنه يلقي السلام قائلا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
تحية المغادرة والعودة: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم؛ فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام فلْيسلم؛ فليست الأولى أحق من الآخرة) [أحمد والترمذي وأبو داود].
مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على مجموعة من أصحابه، فقال لهم: (ما أجلسكم؟) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا فقال صلى الله عليه وسلم: (آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال صلى الله عليه وسلم: (أما إني لم أستحلفكم تهمة
لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله- عز وجل- يباهي بكم الملائكة) [مسلم].
***
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله -تبارك وتعالى- ملائكة سيَّارة فُضُلاً
(أي: مخصصون لمجالس الذكر) يَتَّبعون مجالس الذكر (أي يبحثون عنها) فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذِكْرٌ قعدوا معهم، وحفَّ بعضهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرَّقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله -عز وجل- وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبِّحونك، ويكبِّرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رَأَوْا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب. قال: فكيف لو رأوا جنتي؟
قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟
قالوا: ويستغفرونك. فيقول: قد غفرتُ لهم فأعطيتُهم ما سألوا وأجرْتُهم مما استجاروا. فيقولون: رب، فيهم فلانٌ عبدٌ خطَّاء، إنما مَرَّ فجلس معهم! فيقول: وله غفرتُ. هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) [مسلم].
***
الذكر هو ما يجري على اللسان والقلب من تسبيح الله تعالى وحده والثناء
عليه، ووصفه بصفات الكمال والجمال، وبيَّن الله -تعالى- أن الذكر له فضائل كثيرة، فبه تنشرح النفوس وتطمئن القلوب، قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله إلا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28] وقال صلى الله عليه وسلم: (يقول الله -عز وجل-: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني .. إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: (سبق المفرِّدون). قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: (الذاكرون الله كثيرًا) [مسلم]. والمسلم يذكر ربه على الدوام؛ قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، ويطمع أن يكافئه الله -تعالى- على ذكره إياه، ويذكره سبحانه في الملأ الأعلى، يقول تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152].
والمسلم يلتزم عند ذكر الله بآداب، منها:
الذِّكْر في بيت الله: مجالس الذكر لها فضل عظيم وثواب جزيل؛ فالله -سبحانه- يباهي بها ملائكته وينزل عليها الرحمة والسكينة، قال صلى الله عليه وسلم:
(... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه
بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) [مسلم].
الالتزام بأفضل الذكر: أفضل الذِّكر قراءة القرآن الكريم وتلاوته، ثم التسبيح (سبحان الله) والتحميد (الحمد الله) والتكبير (الله أكبر) والتهليل (لا إله إلا الله) والحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) وهكذا يداوم المسلم على ذكر الله بالكلام الطيب النافع.
الطهارة: يفضل أن يكون المسلم نظيف البدن، طاهر القلب عند ذكر الله -سبحانه- وإن جاز الذكر على آية حال وبغير طهارة، إلا أن ذكره على طهارة له عظيم الأجر والثواب.
السكينة والخشوع: قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2]
فالله -تعالى- يريد من عباده في أوقات الذكر أن تكون قلوبهم خاشعة، وأعينهم دامعة، وليس كما يفعل البعض من ترديد عبارات الذكر على اللسان دون أن تترك أثرًا في القلب.
استقبال القبلة: وذلك أدعى وأرجى لقبول الله للذكر، ولا مانع من ذكر الله على أية حال.
ذكر الله في كل وقت: قال تعالى: {واذكر ربك كثيرًا وسبح بالعشي والإبكار} [آل عمران: 41] وقال تعالى: {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلاً}
[الإنسان: 25] وكان نبي الله إدريس -عليه السلام- يعمل خياطًا، فكان لا يغرز إبرة ولا يرفعها إلا قال: (سبحان الله).
ذكر الله في السرَّاء والضرَّاء: قال صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضَرَّاءُ صبر فكان خيرًا له) [مسلم].
وقد مكث سيدنا يونس -عليه السلام- في جوف الحوت المظلم فترة طويلة كان خلالها ملازمًا لذكر الله -سبحانه- فكان يقول: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87].
تجنب ذكر الله في الأماكن النجسة: فالمسلم لا يذكر ربه في الخلاء؛ حيث إن هذه الأماكن تكون مأوى للشياطين وموطنًا للنجاسات.
اتِّباع الأذكار الواردة واختيار جوامع الذكر: المسلم يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أحواله، ويلتزم بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أذكار وأدعية، قال صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتُكم به فخذوه، وما نهيتُكم عنه فانتهوا) [ابن ماجه]. ويبتعد عن كل ما يفعله الناس من بدع ومنكرات لا تتفق مع ذكر الله، ومن الأذكار التي يجب أن يحرص عليها المسلم:
عند دخول السوق: قال صلى الله عليه وسلم: (من دخل السوق، فقال: لا إله إلا الله . وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد. يحيي ويميت، وهو حي لا يموت. بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورُفع له ألف ألف درجة) [الترمذي].
عند النوم: (باسمك اللهم أحيا وأموت) [البخاري].
عند الاستيقاظ: يقول: (الحمد الله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه
النشور) [البخاري].
عند دخول الخلاء: يدخل برجله اليسرى بعد أن يقول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث) [البخاري].
عند الخروج من الخلاء: يخرج برجله اليمنى، ثم يقول: (غفرانك)._[مسلم].
وعند الوضوء يقول: (باسم الله).
وبعد الوضوء: (أشهد ألا إله إلا الله. وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) [مسلم].
وعند لبس الثوب الجديد: (اللهم لك الحمد، أنت كسوتَنيه، أسألكَ خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صُنع له) [أبو داود والترمذي].
عند الذهاب إلى المسجد: (بسم الله، اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خَلْفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا. اللهم أعطني نورًا) [مسلم].
عند الدخول إلى المسجد والخروج منه: يدخل المسلم برجله اليمني، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: (اللهم افتح لي أبواب رحمتك) وإذا خرج فليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول: (اللهم إني أسألك من فضلك) [مسلم وأبو داود].
عند تناول الطعام: (اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النار. باسم الله)
[ابن السني]. وعلى المسلم ألا ينسى أذكار الصباح والمساء؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يكون المسلم ذاكرًا لربه، متصلاً معه بقلبه طوال يومه وليلته، والله يذكر عبده الذي يداوم على ذكره، فمن ذكر الله في ملأ، ذكره الله في ملأ خير منه، فيغفر له ذنوبه، وينقيه من خطاياه.
كان سعيد بن يسار مع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في سفر إلى مكة وكانا يسيران بالليل. فلما اقترب الفجر، نزل سعيد من على راحلته وصلى الوتر، ثم ركب وأدرك ابن عمر في الطريق. فسأله ابن عمر: أين كنت؟ قال: خشيت الفجر، فنزلت فأوترت. فقال ابن عمر: أليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟ فقال سعيد: بلى، والله. فقال ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير. [مسلم].
***
أمر الله -عز وجل- بالسياحة في الأرض، والنظر والاعتبار في آلائه ودقة صنعه وتَدَبُّرِ آثار الأمم السابقة. فقال تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق } [العنكبوت: 20]. وقال: {قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [الأنعام: 11]. وقال: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15]. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا) [أحمد].
وفي السفر فوائد كثيرة جمعها الشافعي في قوله:
تَغَرَّبْ عن الأوطان في طلب العـلا
وسافر ففي الأسفار خمـس فـوائــد
تفرُّج همِّ، واكتســـاب معيشــة
وعـلم، وآداب، وصـحـــبــة ماجــد
وتتعدد أسباب سفر المسلم؛ فهو يسافر للحج والعمرة، أو لطلب العلم، أو للسعي وراء الرزق، أو لزيارة قريب أو صديق، وغير ذلك. ومن آداب المسلم في السفر:
النية الصالحة: المسلم يجعل من سفره قربة إلى الله باستحضار النية الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) [متفق عليه].
أن يكون السفر لما يحبه الله ويرضاه: قال صلى الله عليه وسلم: (ما من خارج من بيته إلا ببابه رايتان؛ راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته. وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته) [أحمد والطبراني].
الاستشارة والاستخارة قبل الخروج للسفر: المسلم يشاور إخوانه فيما ينوي عمله من أمور؛ قال تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: 38] كما أنه يستخير ربه، ويعمل بما ترتاح إليه نفسه بعدها؛ روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سعادة ابن آدم استخارته الله. ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له. ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله. ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له) [الترمذي والحاكم].
قـضاء الديون ورد الودائع: المسلم يؤدي ما عليه من ديون وودائع، وغيرها من الأمانات قبل سفره، فإن لم يقدر على سداد الدَّين، فليستأذن المدين في الخروج، فإن أذن له خرج وإلا قعد. فعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ترك علي بن أبي طالب في مكة؛ حتى يؤدي الودائع إلى أهلها.
وصية الأهل: قال صلى الله عليه وسلم: (ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) [متفق عليه].
اخـتيار رفيق السفر: المسلم يختار رفيقه في السفر من أهل الدين والتقوى ليعينه على الطاعة، قال صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) [أبوداود والترمذي]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة رَكْبٌ)
[أبو داود والترمذي وأحمد] وقيل: اختر الرفيق قبل الطريق.
إعداد الزاد: يحرص المسلم على إعداد الزاد والنفقات التي توصله إلى غايته بسلامة الله.
يفضل السفر يوم الخميس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في سفر إلا يوم الخميس. [أبو داود].
السفر أول النهار: دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بالبركة لمن يبكرون في أعمالهم، فقال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) [أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه] وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم في أول النهار. [أبو داود].
الصلاة قبل السفر: المسلم يحرص على صلاة ركعتين قبل سفره، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرًا) [ابن أبي شيبة].
توديع الأهل والأصدقاء: المسلم يودع أهله عند سفره، ويوصيهم بخير، وقد كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول للرجل إذا أراد السفر: هلم أودِّعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك) [أبوداود].
دعاء الأهل والأصدقاء للمسافر: المسلم يتمنى للمسافر التوفيق والسلامة، فقد ذهب رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أريد السفر فزودني، فقال: (زودك الله التقوى). قال: زدني، قال: (وغفر ذنبك). قال: زدني -بأبي أنت وأمي-. قال: (ويَسَّر الله لك الخيرَ حيثما كنت) [الترمذي والحاكم]. طلب الدعاء من المسافر: قال عمر -رضي الله عنه-: استأذنتُ النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي، وقال: (أي أخي، أشركنا في دعائك ولا تَنْسَنَا) [الترمذي وابن ماجه وأحمد].
الدعاء عند الرحيل: ويقول عند الخروج من البيت: (باسم الله، توكلتُ على الله. لا حول ولا قوة إلا بالله. رب أعوذ بك أن أضل أو أُضََلَّ، أو أزل أو أُزَل أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل علي) [أبو داود]. فإذا مشي قال: (اللهم بك انتشرتُ، وعليك توكلتُ، وبك اعتصمتُ، وإليك توجهت. اللهم أنت ثقتي، وأنت رجائي، فاكفني ما أهمني وما لا أهتم به، وما أنت أعلم
به مني، اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير حيثما توجهت) [أبو يعلي].
اتخاذ المسافرين قائدًا لهم من بينهم: الجماعة المسافرة تختار واحدًا منهم ليكون قائدًا لهم. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم) [أبوداود والترمذي].
الدعاء عند ركوب وسيلة السفر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركب الجمل، وخرج في سفر، كبر ثلاثًا، ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البِرَّ والتقوى ومن العمل ما ترضى. اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عنَّا بُعْدَه. اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وَعْثَاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل) [مسلم].
مراعاة مشاعر الضعاف من المسافرين: وخاصة إذا كان السفر على الأقدام فيجب مراعاة الضعيف وعدم التقدم عليه؛ حتى لا يشعر بالعجز. وقد قيل: الضعيف أمير الركب.
حسن التعامل مع وسيلة السفر: فإذا كان السفر على دابة، فيجب عدم إرهاقها أو ضربها لتسرع في السير، فإن ذلك منافٍ للرحمة والرفق بالحيوان، كما أن العجلة من الشيطان، وكما قيل: (إن المنبتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى).
مراعاة آداب الجلوس أثناء الركوب: المسلم يلتزم عند ركوب المواصلات بمجموعة من الآداب، منها:
- عدم فتح النافذة أو الباب إلا بعد استئذان المجاورين له.
-إذا تناول أحد المسافرين غذاءً أثناء السفر، دعا إليه المجاورين.
-عدم رفع الصوت بحديث خاص.
-يجب على الشاب أن يجعل خير الأمكنة للشيخ الكبير والمرضى والنساء.
-يراعي آداب الذوق العام، فلا يدخن ولا يبصق ولا يرمي بفضلات
طعامه؛ حفاظًا على مشاعر من معه، وحفاظًا على نظافة المركبات.
الإكثار من الدعاء والذِّكر: المسلم يكثر من الدعاء في سفره لنفسه
ولإخوانه؛ لأن المسافر مستجاب الدعوة، ويكثر من الذكر:
-فإذا نزل واديًا قال: (سبحان الله) وإذا صعد مكانًا مرتفعًا قال: (الله أكبر)
[أبو داود].
-وإذا أدركه الليل قال: (يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرِّك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من أَسَدٍ وأَسْوَد، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والدٍ وما ولد) [أبو داود وأحمد].
-وإذا نزل منزلا دعا الله بقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) [الترمذي وابن ماجه].
-وإذا كان على مشارف قرية أو مكان وأراد أن يدخله قال: (اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأراضين السبع وما أقللْن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين! أسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها) [النسائي].
-وإذا أتى عليه وقت السحر (آخر الليل) أثناء السفر قال: (سمعَ سامعٌ بحمد الله وحسنِ بَلائه علينا، ربنا صَاحِبْنا وأَفْضِل علينا، عائذًا بالله من النار) [مسلم].
التفكر والاعتبار: المسلم يتفكر فيما يشاهده في سفره، ويتدبر في خلق
الله؛ وذلك مما يزيد الإيمان.
مراعاة عادات أهل البلد: إذا وصل المسافر إلى بلد ما، فعليه أن يراعي عادات أهلها وتقاليدهم؛ فلا يفعل ما يخالفها، ما دامت لا تخالف الشرع.
استعمال الرخصة أثناء السفر: شرعت الرخصة للتيسير على الناس، وللمسافر أن يأخذ بها لما في السفر من مشقة، ومنها:
-قصر الصلاة الرباعية: فيصليها ركعتين، عملاً بقول الله -عز جل-: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم إن يفتنكم الذين كفروا} [النساء: 101].
-الجمع بين الظهر والعصر (تقديمًا أو تأخيرًا) وكذلك بين المغرب والعشاء.
-ويباح له الفطر في رمضان ويجب عليه القضاء. قال تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184]. وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر) [متفق عليه].
-ترك صلاة الجمعة ويصلِّيها ظهرًا، فلا جُمْعَة على المسافر.
الإسراع في العودة: قال صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب؛ يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهة (أي قضى حاجته من المكان الذي كان فيه) فليعجِّل إلى أهله) [مسلم] وعلى المسلم ألا ينسى عدة أشياء عند عودته، منها:
-حمل بعض الهدايا عند العودة على قدر إمكاناته.
-دعاء العودة وهو نفسه دعاء السفر، غير أنه يزيد في آخره: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) [مسلم].
-الدعاء عند الاقتراب من بلده، فيقول: (اللهم اجعل لنا به قرارًا ورزقًا حسنًا) [النسائي والطبراني].
-إرسال القادم من السفر إلى أهله من يخبرهم بمقدمه حتى يستعدوا للقائه؛ فلا يرى منهم ما يكره.
-أن يبدأ بالمسجد، يصلي فيه ركعتين، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين. [متفق عليه].
استقبال من يزورونه وإكرامهم: المسلم يستقبل الذين جاءوا يهنئونه على سلامة العودة بالبشر والسرور، ويكرمهم قدر المستطاع
كان عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- غلامًا صغيرًا تربى عند النبي صلى الله عليه وسلم، وذات يوم جلس يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يأكل من أمامه، ولا يتأدب بآداب الطعام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا غلام سَمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك [متفق عليه].
***
جلس رجل مع النبي صلى الله عليه وسلم على طعام، فأكل الرجل بشماله، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال له: (كل بيمينك). فتكبر الرجل وقال: لا أستطيع -مع أنه يستطيع أن يأكل بيمينه- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا استطعت) ما منعه إلا الكبر. فُشُلَّتْ يد الرجل، ولم يقدر على رفعها إلى فمه بسبب كبره ومخالفته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. [مسلم].
***
الإنسان لا يستغنى في حياته عن الطعام والشراب، لكن المسلم لا ينظر إلى الطعام والشراب على أنهما هدف وغاية ينبغي أن يسعى إليها، وإنما يجعل طعامه وشرابه وسيلة يتوصل بها إلى الحفاظ على حياته ومرضاة ربه سبحانه.
وهناك آداب يجدر بكل مسلم أن يتحلى بها في طعامه وشرابه، وهي:
الأكل من الحلال: على المسلم أن يحرص على الأكل من الحلال واجتناب الحرام، يقول تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [_البقرة: 172]. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طلب الحلال واجب على كل مسلم. [الطبراني]. لذلك فالمسلم يبتعد عن الطعام والشراب المحرم، مثل لحم الخنزير، والدم، والميتة، والخمر،... ويستمتع بما خلقه الله من طيبات.
الاعتدال: فالمسلم يعتدل في الأخذ بأسباب الدنيا وملذاتها، وقد أمر
الله -سبحانه- بالتوسط في الطعام والشراب، فقال: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31]. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاءً شرَّا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقِمْنَ صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسِه [الترمذي].
غسل اليدين قبل الطعام: المسلم يحرص على النظافة، وغسل اليدين قبل الأكل وبعده؛ لأن دينه دين النظافة والطهارة.
التسمية في أول الطعام: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله -تعالى- فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره [أبو داود والترمذي]. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل، ولم يسَمِّ الله حتى لم يبْقَ من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه (فمه) قال: باسم الله أوله وآخره. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: (ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه.
[أبو داود والنسائي].
عدم عيب الطعام: المسلم لا يعيب طعامًا اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان لا يعيب طعامًا أبدًا، إن أحبه أكله، وإن كرهه تركه.
النية في الطعام: المسلم يحول جميع أعماله إلى طاعة وعبادة باستحضار النية الصالحة، فهو يأكل امتثالا لأمر الله -سبحانه- ومن أجل تقوية جسمه والمحافظة على حياته؛ حتى يؤدي دوره في الحياة ويقوم بعبادة الله.
التفكر في آلاء الله المنعم الرازق: فعلى المسلم أن ينظر فيما أمامه من ألوان الطعام وروائحه المختلفة وأصنافه المتعددة، وقد خرجت كلها من الأرض، فسبحان الله الذي أنبتها وهيأها للإنسان.
الأكل من جانب الطعام: المسلم يأكل من جانب الطعام مما يليه ولا يأكل من وسطه، وقد أمر صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة أن يأكل مما أمامه. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن ليأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها [أبو داود والترمذي].
الاجتماع على الطعام: يستحب الاجتماع على الطعام لتنزل البركة على الحاضرين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية [مسلم].
وقد جاء جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يشكون إليه أنهم يأكلون ولا يشبعون، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه [أبو داود].
عدم استعمال أواني الذهب والفضة: لا يجوز للمسلم أن يستعمل الأواني المصنوعة من الذهب والفضة في طعامه أو شرابه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجَرْجِرُ في بطنه نار جهنم. [مسلم]. والمسلم يأكل بيده، أو ما تيسر له من أدوات المائدة.
جلسة الطعام: يستحب للمسلم إذا كان يأكل على الأرض أن يجلس على إحدى قدميه ويرفع الأخرى، ولا مانع من أن يتناول طعامه على مائدة، ويكره أن يجلس المسلم متكئًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا آكل متكئًا). [البخاري].
عدم الأكل في الشارع: المسلم يتجنب الأكل والشرب وهو يمشي في الشوارع؛ لأن ذلك لا يتناسب مع آداب الأكل، وينافي آداب الطريق.
كيفية الشرب: إذا أراد المسلم أن يشرب ماءً أو غيره -مما أحل الله من المشروبات- فعليه أن يشرب على ثلاث مرات وأن يتنفس خارج الإناء، وأن يسمي الله إذا شرب ويحمد الله إذا انتهى، ولا ينفخ في الشراب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفخ في شراب. [ابن ماجه] وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشربوا واحدًا كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى
وثلاث، وسمُّوا إذا شربتم، واحمدوا إذا أنتم رفعتم [الترمذي].
حمد الله عقب الأكل: إذا انتهى المسلم من طعامه فإنه يحمد الله -سبحانه- ويشكره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة. غفر له ما تقدم من ذنبه [أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع مائدته قال: (الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه غير مَكْفِي ولا مُستغني عنه ربنا [البخاري]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها [مسلم والنسائي والترمذي].
الاقتصاد في الطعام: المسلم يقتصد في طعامه وشرابه، فهو يشتري كمية الطعام التي تكفيه، حتى لا يضطر إلى إلقاء كميات كبيرة من طعامه في سلة القمامة، فهو يعلم أن هناك من المسلمين في أنحاء العالم من لا يجد لقمة خبز ولا
شربة ماء.
بقايا الطعام: الإسلام دين النظافة، والمسلم نظيف، لا يلقي القمامة في الشارع، ولكنه يحرص على وضعها في صندوق خاص، فإلقاء القمامة في الشوارع تؤدي إلى كثرة الحشرات، مما يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض، وليحرص المسلم على أن يكون طعامه على قدر حاجته، فإن اشترى طعامًا يعلم أنه زائد عن حاجته؛ أهدى لجيرانه منه.
أكل طعام غير المسلمين: أحلَّ الله للمسلم أن يأكل من أطعمة أهل الكتاب (وهم اليهود والنصارى) قال تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} [المائدة: 5] وذلك بشرط ألا يكون الطعام والشراب حرامًا مثل لحم الخنزير أو الخمر، فعندئذ لا يحل أكله
نام الرسول صلى الله عليه وسلم عند أم المؤمنين السيدة ميمونة -رضي الله عنها- حتى منتصف الليل، ثم استيقظ، فأخذ يمسح وجهه بيده ليذهب أثر النوم، وقرأ آخر عشر آيات من خواتيم سورة آل عمران، ثم قام فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى. [البخاري].
***
النوم نعمة من نعم الله تعالى، وآية من آياته سبحانه، يقول الله -تعالى-: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} [الروم: 23].
وحتى يستفيد المسلم من نومه، ويجعله طاعة لله رب العالمين؛ فهناك عدة آداب ينبغي على المسلم أن يراعيها وأن يحرص عليها عند نومه، وهي:
النوم مبكرًا: فالمسلم ينام مبكرًا، ولا يكثر من السهر بعد العشاء إلا لضرورة كمذاكرة علم؛ وذلك ليستيقظ مبكرًا، ويبدأ يومه نشيطًا.
النوم على وضوء: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتَ مضجعكَ فتوضأ وضوءك للصلاة) [متفق عليه].
النوم في مكان نظيف: فالمسلم يحرص على نظافة المكان الذي ينام فيه، فلا يأكل ولا يشرب في مكان نومه.
النوم في مكان آمن: المسلم يحرص على أن ينام في مكان آمن، لا يتعرض فيه لأية أخطار، فلا ينام -مثلاً- على سطح ليس له سور. قال صلى الله عليه وسلم: (من نام على سطح بيت ليس له حِجَار (سور) فقد بَرِئَتْ منه الذمة (أي لا ذنب لأحد فيما يحدث له) [أبو داود].
الدعاء عند النوم: فهناك أدعية وأذكار مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلم أن يحافظ عليها عند نومه ومنها:
-(باسمك اللهم أموت وأحيا) [البخاري].
-(باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) [البخاري].
-(اللهم أسلمتُ نفسي إليك، ووجهتُ وجهي إليك وفوضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأَ ولا منجى منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، وبنبيكَ الذي أرسلتَ) [البخاري].
-سبحان الله مرة، الحمد لله مرة، الله أكبر مرة. [البخاري].
-قراءة آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة.
النوم على الجنب الأيمن: فالمسلم يبدأ بالنوم على شقه الأيمن، ولا بأس من التحول إلى الشق الأيسر فيما بعد ذلك.
محاسبة النفس: فالمسلم يعلم أن النوم موتة صغرى قد لا يقوم منها، لذا فهو يحاسب نفسه على ما فعل في يومه، فإن كان خيرًا حمد الله، وعزم على المزيد، وإن كان شرَّا طلب من الله المغفرة والتوبة.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزَنوا.
الالتزام بآداب الرؤيا: فإن كانت الرؤيا خيرًا فليستبشر بها ويذكرها لإخوانه، وإن كانت الرؤيا محزنة فلا يذكرها لأحد وليستعذ بالله من شرها.
قيام الليل: المسلم يحرص على صلاة القيام والتهجد في الليل. قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) [مسلم].
الحرص على صلاة الفجر: فيجب على المسلم أن يستيقظ مبكرًا ويصلي الفجر، ولا يظل نائمًا حتى شروق الشمس.
الدعاء عند الاستيقاظ من النوم: إذا استيقظ المسلم من نومه فإنه يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور. ثم يغسل يديه ويتوضأ.
تقليل ساعات النوم: الاعتدال في كل شيء هو سمة من سمات المسلم، فهو لا يسرف في النوم؛ لأن كثرة النوم تؤدي إلى الكسل والخمول..
بارك الله فيك اختي الكريمة وجزاك المولى خير الجزاء
اضم صوتي لصوتك ياليت المشرفة تتكرم وثبت الموضوع
بصراحة موضوع قيم جدا ومرفق بأدلة من الكتاب والسنة
شكرا لك