المرأة كائن حي

ماكنتوش 1988

مراقبه عامه
إنضم
26 يونيو 2011
المشاركات
31,855
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
عادة يصدر قرار زواج الأرمل في إطار اجتماعي منطقي؛ فالرجل بطبعه يحتاج إلى من يستكين إليها وإلى من تمنحه الحنان والإشباع النفسي والعاطفي، وبالتالي يلقى التشجيع والتأييد ويحظى بتدعيم وجداني واجتماعي لانتشاله من وحدته، وحثه على إيجاد البديل والمؤنس لوحدته؛ فهو عاجز عن الاستمرار بدون شريكة تقاسمه الحياة وتحسب له أيام وحدته التي عاشها بدون زوجة.

فعندما يسرق الموت فرصة السعادة من المرأة، عليها أن تصادر حقها في مواصلة الحياة، ولا يوجد ألم في حجم الألم الذي تعانيه الأرملة، وتتضاعف آلامها إذا كان لها أبناء، وتتضاعف أكثر وأكثر إذا كانت تحيا في مجتمع لا ينصفها، ولم يترك لها بارقة أمل للإفلات من المصير المحتوم؛ فيقوم برسم خطط لها بزعم حمايتها والعناية بها. وقبل أن تخرج من حزنها أو تفيق من صدمتها، تعقد الاجتماعات وتحدد القرارات ليقدموا لها في النهاية عروضاً، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

فعندما تفقد المرأة زوجها، حتى لو كانت في عز شبابها، وتصبح أرملة، لا تفقد فقط شريك حياتها وعائلها وسندها، ولكن تفقد معه مشاعرها وحاجاتها، وتصبح مسخّرة فقط لاحتياجات الآخرين، وتوصد في وجهها الأبواب، وتكثر الممنوعات ويحجر على أنوثتها؛ فتواجه بكل قسوة، ويطلب منها أن ترفع شعار الوفاء والتضحية وتعيش بين جدران الذكريات.. ويسلب منها حقها الشرعي وتعيش في وحدة وقلق وفراغ داخلي لا يشعر به إلا من عاشه؛ فيطلب منها أن تنسى أنوثتها ورغبتها ومشاعرها ومتطلباتها الطبيعية، وأن تعطي بلا حدود كل الحب والرعاية والحنان لتحافظ على البيت، وعليها أن ترضى بالواقع وتستسلم للقدر، ولو فكرت بالارتباط مرة أخرى تتهم بأنها امرأة بلا وفاء، نسيت عشيرها وزوجها وأبا أبنائها، أو إنها امرأة متصابية أو أم فاشلة وأنانية، فضلت مصلحتها الشخصية عن مصلحة أعز ما لديها، وتتهم بنكران الجميل وعدم مراعاتها لمشاعر أبنائها، وأنها تسعى وراء رغباتها على حساب مستقبلهم؛ فلا تسامح مع امرأة تريد أن تعيش في كنف رجل آخر؛ فتلك رغبات محكوم عليها بالموت.

كل ما عليها هو أن تجمد عواطفها وحاجاتها النفسية لإرضاء من حولها، والذين يطلبون منها البقاء من أجل أولادها، وكيف لها أن تفتح قلبها مرة أخرى لرجل غريب، وتأتي لهم برجل غير والدهم، وكيف يهون عليها أن رجلاً آخر يحتل مكان أبيهم؛ فالمجتمع لن يرحمها لأنها خالفت العادات والتقاليد والعرف وليس الشرع.

إن المرأة كائن حي، لها نفس متطلبات واحتياجات الرجل، هي إنسانة من لحم ودم، تمتلك عقلاً وقلباً ومشاعر وأحاسيس ورغبات وأحلاماً، هل فكر من حول المرأة المطلقة أو الأرملة في ماذا تريد، ولا ما لا تريد، وما تحب، وما لا تحب، وما يفترض أن تحلم به؟ لماذا يتحدثون بلسانها، هل سألوها؟ هل حاوروها؟ هل حاولوا أن يفهمومها حتى يدعموها ويساعدوها على تحقيق احلامها... أحلامها التي تحاول أن تحلم بها في عالم خاص بها، عالم تصنعه لنفسها بعيداً عن عالم الجهل والتخلف وعدم الإنصاف. .