رواية ميرامار لنجيب محفوظ

إنضم
3 فبراير 2019
المشاركات
3,948
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
يتحول المكان في أدب نجيب محفوظ في أحيان كثيرة ليكون هو البطل الرئيسي للرواية كما في رواية ميرامار .تقع معظم احداث الرواية في بنسيون ميرامار في الإسكندرية ليكون كصورة مصغرة من المجتمع وصراعاته، فهناك الخادمة الفقيرة، وهناك الإقطاعى الكبير، الاشتراكى وغيرهم.يطرح محفوظ في الرواية رؤيته، بطريقة أدبيّة، للصراعات الطبقية، السياسية، الإجتماعية، والفكريّة من خلال الشخصيات التي تعكس المجتمع المصري في ستينيات القرن الماضي.
أحداث القصة:
تقوم القصة في ميرامار على أساس حدث رئيسي واحد هو الثورة الاشتراكية فيمصر ، وكيف ينظر مجموعة من الشخصيات التي تمثل أنماطاً مختلفة من النسيج الاجتماعي المصري إلى هذا الحدث الخطير . تلتقي هذه الشخصيات على مستوى المكان في بنسيون " ميرامار" في الاسكندرية لصاحبته ماريانا اليونانية ، ولكنها تتنافر على مستوى الأفكار والموقف من الحدث الرئيس . وإذا كان ثمة ما يوحد هذا الجمع المتنافر، فهو أنهم قدموا جميعاً إلى البنسيون مدفوعين بدافع واحد هو البحث عن الأمان والدفء والاستقرار ، هربا من ماض بغيض . فعامر وجدي العجوز يأتي إلى البنسيون ليقضي فيه بقية حياته في هدوء وليجتر ذكريات الأيام المجيدة التي كانت خاتمتها الخيبة والمرارة " لقد ركنت إليه لأنعم بشيء من الهدوء الضروري لشيخوختي ، وبشيء من عزاء الذكريات عن الخيبة المريرة التي منيت بها في ختام حياتي "( ) وزهرة تأتي هاربة من زواج قهري أرغمت عليه من طرف الجد القاسي المتزمت ، باحثة عن عمل شريف في البنسيون يؤمنها من الخوف والجوع ." ـ أراد جدها أن يزوجها من عجوز مثله لتخدمه " ( ) ويقدم طلبة مرزوق لاجئا عند عشيقته القديمة " ماريانا " فارّاً من الشعور بالذل والهوان في القاهرة بعد أن صادرت الثورة أمواله ووضعته تحت الحراسة . يقول طلبة راويا عن نفسه : " لم يعد لي مقام في الريف ، وجو القاهرة يصر على إشعاري بهواني ، عند ذاك فكرت في عشيقتي القديمة ، وقلت : لقد فقدت زوجها في ثورة ، ومالها في الثورة الأخرى ، وإذن فسنعزف لحنا واحداً ") ( أما حسني علام الذي ينتمي إلى نفس طبقة مرزوق ، فهو يلجأ إلى البنسيون هرباً من طبقته الأرستقراطية ، بل ومن كل ما يذكره بها كفندق سيسيل الفخم الذي ضاق به فاستبدل به فندق ميرامار، حاملا معه ذلا من نوع آخر. هو رفضه كزوج من قبل إحدى قريباته : " غير مثقف والمائة فدان في كف عفريت " يأتي منصور باهي إلى البنسيون متحاشيا ما يمكن أن يتعرض له في القاهرة من اعتقال بسبب انتمائه إلى الشيوعيين ، بعد أن رضخ لضغوط أخيه بالتخلي عن طريقه ورفاقه ." ولا كلمة ، سأقتلعك من الوكر"( ), ويلجأ سرحان البحيري بدوره إلى البنسيون هرباً من علاقة حب واهية الأسباب إلى علاقة حب حقيقي كان من الممكن أن تتوج بالزواج ، لولا روح سرحان التي طبعت على المصلحة والانتهازية " يا ربي ... أريد أن أفيد وأن أستفيد فما عسى أن أصنع ؟. وإذا كان البحث عن الأمن والاستقرار هربا من ماض بغيض هو النقطة التي تتوحد عندها هذه الشخصيات المتنافرة ، فإن هناك محوراً واحداً هو قطب الرحى الذي تتجاذب نحوه ، وهو شخصية " زهرة " الفتاة الريفية التي تستثير اهتمام الجميع بشخصيتها القوية ، وجمالها الريفي ، وأنوثتها الناضجة ، بيد أن سرحان البحيري وحده هو الذي سيفوز بحبها من دون حسني علام الذي حاول أن يتخذ منها خليلة ، ومنصور باهي الذي عرض عليها الزواج في لحظة من لحظات اليأس لتكون الملاذ والخلاص ، ومحمود أبي العباس بائع الصحف الذي خطبها ليجعل منها ربة بيت تعيش تحت سلطته . لقد سمعته زهرة يقول : " إن النساء تختلف في الألوان ولكنها تتفق على حقيقة واحدة ، فكل امرأة حيوان لطيف بلا عقل ودين ، والوسيلة الوحيدة التي تجعل منهن حيوانات أليفة هي الحذاء !. " على أن سرحان البحيري يغدر بالفتاة كما غدر بالثورة التي استفاد من معطياتها ، لأنها لا تتسع لطموحاته العريضة وأطماعه اللامحدودة باعتباره برجوازياً صغيراً . لذلك يقيم علاقة مع "علية" مدرسة " زهرة " لفوائد يأمل أن يحققها من هذا الزواج الصفقة . و لكن الزواج يفشل كما تفشل عملية تهريب شاحنة الغزل ، فيلجأ إلى الانتحار. أما زهرة فتعلن عن قرارها في الاستمرار على نفس الدرب نحو الكرامة والعمل الشريف ، متسلحة بالعلم والأمل والثقة بالنفس .
يدور بينها وبين عامر وجدي الحوار التالي : " ـ ماذا أعددت للمستقبل ؟ ـ كالماضي تماما حتى أحقق ما أريد ـ حسن أن تواصلي تعليمك وأن تتدربي على مهنة ، ولكن كيف توفرين لنفسك الأمن والرزق . قالت بثقة : في كل خطوة أجد من يعرض عليَّ عملا." إن ميرامار حكاية بسيطة للغاية كما يقول محمود أمين العالم، ولكن هذه الحكاية البسيطة تتعزز بقصص أخرى تلتحم فيما بينها ملتقية عند بعض الأحداث . هذه القصص ليست بعدد الرواة ـ الشخصيات الأربعة : عامر وجدي ـ حسني علام ـ منصور باهي ـ سرحان البحيري ، بل بعدد الشخصيات الرئيسية التي لا تتولى رواية الأحداث في فصول خاصة بها ، ولكنها تشارك فيها مثل" زهرة " و" مريانا " و" طلبة مرزوق ".