الزمن الموحش

إنضم
3 فبراير 2019
المشاركات
3,948
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
<strong>الزمن الموحش</strong> هي رواية لحيدر حيدر نشرت سنة 1973، صنفة في المرتبة السابعة في قائمة أفضل مئة رواية عربية.
نسبت هذه الرواية إلى تيار الوعي بعد هزيمة حزيران 1967. تمثل الشخصيات المثقفة في الرواية الموقفالعلماني، الرافض للتراث، والذي يرى ضرورة قراءة الحاضر في ضوء المستقبل فقط.
يجري السرد بضمير المتكلم، فالسارد هو الشخصية التي تتحدث عبر تداعي الذكريات ثم الحلم في تقنية رصد <em>تيار الوعي</em> لتجاربها وتجارب الرفاق الآخرين في واقع التسكع والضياع الذي يعيشونه بين التنظير الأيديولوجي والخمر والنساء.
شكلت رواية الزمن الموحش انطلاقة جديدة للرواية العربية بعد الهزيمة فقدّم الأديب حيدر الشخصيات وأفكارها كما تطرأ في شكلها الواقعي العشوائي وهو تقنية تكشف عن المعاني والإحساسات من دون اعتبار للسياق المنطقي أو التمايز بين مستويات الواقع المختلفة وهو فن في وصف الحياة النفسية الداخلية للشخصيات بطريقة تقلّد حركة التفكير التلقائية التي لا تخضع لمنطق معين ولا لنظام تتابع خاص ,ويُجري المؤلف على هذا التيار عملية اختيار مبدئية واعية، إذ إنه لا يختار من عناصره سوى ما يتفق ومقتضيات روايته من حديث نفسي أو رؤية أو حلم، أو ملاحق، مثل مراثي إرميا أو بعض القصائد النثرية ـ . وقد يستند إلى تداعي الذكريات ثم الحلم في تقنية رصد تيار الوعي عند شخصياته.لم يكن حيدر حيدر في استخدامه تيار الوعي في رواياته مقلّداً رواد هذه النزعة في الغرب، ، بل كانت له سيرته الخاصة التي تطورت فيها هذه النزعة عبر روايات أربع الزمن الموحش، وليمة لأعشاب البحر، مرايا النار، شموس الغجر ففي روايته هذه (الزمن الموحش) يجري السرد بضمير المتكلم، فالراوي / السارد هو الشخصية التي تتحدث عبر تداعي الذكريات ثم الحلم في تقنية رصد تيار الوعي لتجاربها وتجارب الرفاق الآخرين في واقع التسكع والضياع الذي يعيشونه بين التنظير الأيديولوجي والخمر والنساء، حيث يتقاطع الصحو/ المحو: الارتطام بالواقع/ الضياع، الحلم/ انكسار الحلم. ويضع أسلوب تيار الوعي الحدث في المكان الثاني، لأنه يضع تقديم مدركات الشخصية وأفكارها في المقام الأول، وبذلك تتراجع الحبكة إلى المكان الثاني لتتقدم عليها التداعيات ورصد الرؤيا والحلم وتداخل صوت الراوي/ المؤلف مع صوت السارد/ الشخصية. إنها النقلة الأولى في تطور الرواية السورية تمت بعد هزيمة حزيران باستخدام أسلوب تيار الوعي.
حرب يونيو 1967، يحاول البعض التخفيف من آثارها عندما يسمونها "نكسة"، فيما يصر آخرون على تسميتها باسمها الحقيقي "هزيمة" أو "الزلزال" الذي دمر الإنسان العربي ووضعه أمام حقيقته المتشظية والمزرية، عندما اطمأن العربي لوعود وخطابات قياداته، التي ادعت أنها قادرة على رمي الإسرائيليين في البحر، قبل أن يستفيق على تباكيها على الانهيار الفظيع، في ستة أيام فقط، أصيبت خلالها الكرامة العربية في مقتل.
 
تتسرب أحداث الرواية من ذاكرة الراوي في شوارع دمشق التي يظللها جبل قاسيون، لكنها لا تقدم لنا سردا متصلا متباكيا حول نكسة 1967، بل تصف لنا زمنا موحشا مريعا يمكن وصفه بأي شيء، إلا بكونه "عربيا". زمن فقد فيه المثقف دوره، بعدما حكم عليه بالرجولة المزيفة، والتحرر المزيف الملتبس، وضيق الحيلة وادعاء الفهم وسبر أغوار "العمق"، ما أعجزه عن صنع مستقبل أفضل، مستقبل يرى حيدر أنه هو السبيل الوحيد للتحرر من كل القيود التي كسرت العربي وجرت عليه الويلات في وطنه.
 
وطن لا يمكنه أن يتحرر (وفق رؤية حيدر حيدر) إلا بعد تحرر المرأة، المرأة التي يرى الكاتب أنها ليست سجينة تسلط الرجل، بقدر ما هي سجينة خوفها، وسجينة خوف الرجل على رجولته، وسجينة حاجتها إلى الزوج الذي تخفي وراءه ذاتها الحقيقيّة، وسجينة فكرة سطحية للحريّة يصرّ المثقفون على الدفاع عنها، رغم أنهم لم يتخلصوا هم أنفسهم من جينات الكبت الجنسي، فيما لم تتخلص النساء بعد من جينات الجواري.
 
<i>
وطن جسده حيدر في الحبيبة الوحيدة في الرواية "منى"، التي غادرت دمشق بعدما كرهت ما قدمه لها "المثقف" اليساري العربي، وقررت أن الحياة الجديدة لا يوجد فيها نسل لهذا "المثقف". (هو بطبيعة الحال ربط معروف بين الوطن والعشيقة، وتجسيد واضح للأول في الثانية، لكنه كان ربطا جديدا غير مألوف في تلك الفترة التي كتب فيها حيدر روايته).</i>
<i> </i>
<i>رواية "الزمن الموحش" ليست سهلة الهضم، كما هي أفكار حيدر حيدر التي لا يمكنك أن تتفق معها كلها، أضف إلى ذلك أن فهم أبعاد الرواية المتشائمة بل والموغلة في التشاؤم يتطلب أيضا إلماما وإحاطة بالظرفية التاريخية التي كتبت فيها، ما يفسر كمية الوجع التي تكاد تصرخ بها كل صفحة من صفحات الرواية السوداوية إلى أبعد الحدود.</i>
<i></i>